المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الرابع عشر: في الفراق - نسيم الصبا

[ابن حبيب الحلبي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأول: في السماء وزينتها

- ‌الفصل الثاني: في الشمس والقمر

- ‌الفصل الثالث: في السحاب والمطر

- ‌الفصل الرابع: في الليل والنهار

- ‌الفصل الخامس: في أقسام العام

- ‌الفصل السادس: في البحر والنهر

- ‌الفصل السابع: في المعقل والدار

- ‌الفصل الثامن: في الأشجار والثمار

- ‌الفصل التاسع: في الروض والأزهار

- ‌الفصل العاشر: في وصف الغلام

- ‌الفصل الحادي عشر: في وصف الجارية

- ‌الفصل الثاني عشر: في الشمعة والنار

- ‌الفصل الثالث عشر: في مدح العشق وذمه

- ‌الفصل الرابع عشر: في الفراق

- ‌الفصل الخامس عشر: في الاستعطاف

- ‌الفصل السادس عشر: في مجلس الشراب

- ‌الفصل السابع عشر: في الشيب والخضاب

- ‌الفصل الثامن عشر: في الخيل والإبل

- ‌الفصل التاسع عشر: في الوحش

- ‌الفصل العشرون: في الطيور

- ‌الفصل الحادي والعشرون: في الكتابة

- ‌الفصل الثاني والعشرون: في الحرب والسلاح

- ‌الفصل الثالث والعشرون: في رمي البندق

- ‌الفصل الرابع والعشرون: في الكرم والشجاعة

- ‌الفصل الخامس والعشرون: في العدل والاحسان

- ‌الفصل السادس والعشرون: في الشكر والثناء

- ‌الفصل السابع والعشرون: في الهناء

- ‌الفصل الثامن والعشرون: في الرثاء

- ‌الفصل التاسع والعشرون: في الحكم

- ‌الفصل الثلاثون: في المواعظ

الفصل: ‌الفصل الرابع عشر: في الفراق

والكلف، ومن رفده الهيام والشغف، يعوق الطالب عن الاستفادة، ويشغل الإنسان عما خلق له من العبادة. جان يفضي إلى الجنون، ويدني أهل المنى من المنون:

وما عجب موت المحبين في الهوى

ولكن بقاء العاشقين عجيب

واعلم، وقاك الله شر الشرر، أن أقوى أسباب العشق النظر. رياحه تنشئ سحائب الفكر، ومرآته تجلو على القلب محاسن الصور. فاتق النظرة، فإنها تزرع حَب حُب ينبت سنبل الحسرة. كم سلب النظر قلب عابد، وفتن عقل ناسك، وحل عقد زاهد، وأجرى آفة، وقرن ذلاً بمخافة، وأثار غبار معركة، وألقى شهماً إلى التهلكة، وأقام حرباً على ساق، وسفك الدماء وأراق، وأوقع في مصائد المصائب، وهشم العظام بأنياب النوائب:

فمن كان يؤتى من عدو وحاسد

فإني من عيني أتيت، ومن قلبي

فاسلك سبيل السلامة، لتصل إلى دار الكرامة، واقطع أسباب المطامع، واشتغل عن المصنوع بالصانع. فأما من آثر اللذات فقد تورط في حبائل البلوى، وانتهى من حرم الحرمان إلى الغاية القصوى {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} .

‌الفصل الرابع عشر: في الفراق

الفراق - جمع الله الشمل بمحياك، ورعى ودك على بعد المزار

ص: 60

وحياك - وقد اجترى واجترح، وأذهب المسرة والفرح، وضيق رحب الفضا، وقلب القلب على جمر الغضا، وأورث الكمد، وأذاب جليد الجلد، وجاب. وجال، ونثر عقود الاحتمال، وأوجد الوجد والهيام وأحوج الصب إلى العبث بالأقلام:

كتبت وعندي من فراقك لوعة

تزيد بكائي أو تقل هجوعي

فلو أبصرت عيناك حالي كاتباً

إذاً كنت ترثي في الهوى لخضوعي

أخط وداعي الشوق يملي، وكلما

تعديت سطراً رملته دموعي

يا لها لوعة أسعرت وقد الضلوع، ومالت إلى الصبر فأذوت منه الأصول والفروع وصبابة صبت النفس إليها، ووقفت لامتثال الأمر طائعة بين يديها، وغراماً يلازم غريم الفؤاد، ويتكلم من الدموع بألسنة حداد، وشوقاً إلى تلك الليالي المستنيرة، والأيام التي تطول الشرح في وصف محاسنها وإن كانت قصيرة:

حيث اللقا والنوى حل ومرتحل

والدهر يقضي لنا من وصلك الغرضا

لئن تعوضت عني غير مكترث

فعنك، ما دمت حياً، لم أجد عوضاً

إلى الله أشكو جور أحباب، لا شك في ظلمهم ولا ارتياب:

ص: 61

ساروا وسر الوجد قلبي أودعوا

يا ليتهم يوم النوى لو ودعوا

أفديهم غائبين أطالوا شقة البين، ونازحين سكنوا القلب حين غابوا عن العين:

رحلوا عن الأوطان لكن في الحشا

نزلوا، وما راعوا ولكن روعوا

كيف العمل؟ عز الاحتيال، هل من طريق إلى منزلة الوصال؟

يا صاح إن ظباء جيران النقا

جاروا علي فدلني ما أصنع؟

أحسن بهم ظباء غير أوانس، كم أسهرت العشاق عيونهم النواعس:

نفروا وما التفتوا وعادة مثلهم

يتلفتون إذا نفاراً أوقعوا

أيها المغرم باللوم والتفنيد، لا تتعب نفسك فيما لا يجدي ولا يفيد:

قسماً بهم مالي غنىً عنهم ولو

أمسيت كاسات الأسى أتجرع

كُف كف العذل والتأنيب، فلست أحول عنهم ولو براني النحيب.

وأنا المقيم على محبتهم وإن

حفظوا عهودي في الهوى أو ضيعوا

نعم أقيم على الود والمحبة، وأرعى رب الخال ولو اشترى قلبه بحبة، وأحفظ زمام الذمام، وأصبر في هاجرة الهجر على

ص: 62

الأوام وأتعلل بلعل وعسى، وأحتمل مشقة آسي جرح الأسى، وأتعلق بأذيال ضيف الطيف، وأتشبت بأن أوقات الفراق سحابة صيف:

وأطوف في تلك الديار مسائلاً

عن أهلها أبكي ما قد جرى

لله بعد البعد حمر مدامع

بنُضارها المبدول قد أثرى الثرى

وقد علم الله أن يوم النوى، أضعف بناء جسدي بالهوى فهوى، وأحال صبغة حالي، وسقاني كأس بعد مذاقها غير حالي، فعدت ذا سكر دائم، وعناء تحل دونه عقد العزائم. القلب مأوى الهموم، والطرف موكل برعي النجوم، والكآبة في الخاطر خاطرة، والعين إلى نحو الطريق ناظرة، وأسياف الضنى تجرح الجوارح، وسهام الجوى تجنح إلى الجوانح. لا أعرف لذة الوسن، ولا أمل من السير في حزن الحزن. ولا أرد الماء النمير إلا ويلفحه من كبدي حر السعير. إن مر الفكر في خلدي شرحت له صدراً، وإن دعاني الذكر الجميل مرة لبيته عشراً. ولولا رجاء العود والإياب، لانفصمت من قوى حياة العليل عرا الأسباب، فتباً لأيام الصد والقطيعة، وسقياً لأوقات كانت على رغم العدا مطيعة، حيث الأوطان عامرة، ووجوه الأوطار ناضرة، وأغصان العيش مائدة، وصلة الأحباب عائدة:

وسعاد تسعدنا بروضات الرضا

ويعمنا منها سنا وسناء

ص: 63