الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهلاً بطلوع نجم السعادة، ومرحباً بظهور هلال السيادة، غصن الشجرة الوارف ظلها، العالي في جنات الفضائل محلها. أكرم بها من شجرة أصلها ثابت، وفرعها النامي كل طرف إليه باهت. تؤتي أكلها كل حين، وتمنح برها الغادين والرائحين.
ياله مولوداً راقت نضرته، وتبسمت من خلال المكارم زهرته، واهتزت لقدومه قدود العوالي، وارتاحت لمورده نفوس المعالي، واستشرفت له صدور المحافل، وتهيأت لخطبته
عقائل المراتب والمنازل، فتهن به أيها الوزير، وتمل بمشاهدة صبحه المنير:
وابشر فقد وافاك يوم رزقته
…
حظ بتخليد السرور زعيم
لا زالت التهاني بكعبة حرمك طائفة، ولا برحت المسرات على جنابك متضاعفة، ودمت راوياً حديث الجود عن أصلك بإسناده، جامعاً بين كرم طارف نجلك ويمن تلاده:
وبقيت حتى تستضيء برأيه
…
وترى الكهول الشيب من أولاده
فلما فرغت من نقشها، وتأمل محاسن رقشها، نشر أعلام الثناء والشكر، وتمايل طرباً كالثمل من السكر، واعتذر من التثقيل، واستعفى من القال والقيل. ثم ودعني وبان، ولم اجتمع به إلى الآن.
الفصل الثامن والعشرون: في الرثاء
مات لمن يعز علي ولد، لم يبلغ من فصاله منتهى الأمد.
وكنت أستحليه واستجليه، إذا حصل الاجتماع بيني وبين أبيه، فأكثر - وهو معذور - من الوجد عليه، فكتبت على سبيل التعزية إليه:
برغمي أن أعنف فيك دهراً
…
قليلاً فكره بمعنفيه
وأن أرعى النجوم ولست فيها
…
وأن أطأ التراب وأنت فيه
الدنيا مد الله في عمرك وصبرك، ومحى آية الحزن من صحيفة صدرك، دار تمكر بسكانها، وتغدر بأهلها وجيرانها. كم أفنت قروناً، وأسخنت بالبكاء عيوناً، ونثرت عقداً، وأضرمت وقداً، وأخلقت جديداً، وأخذت من والد وليداً، وفرقت شمل الأحباب، وألبست الأتراب أردية التراب:
وكم قد روعت قلباً
…
وساقت نحوه حزنا
وملت بعد أن مالت
…
وأذوت بالردى غصنا
ولا كغصن دوحك الرطيب، وزهرة روضك الخصيب، الذي عز فقده، وهتك ستر المدامع بعده، وأحيا بموته الأسف، وشوى الأكباد على جمر التلف. ياله زائراً ما سلم حتى ودع، وهاجراً خشع القلب لصده وتصدع، وطفلاً ذهب مبرأ من الذنوب والأوزار، وعصفوراً طار إلى الجنة وتركنا نتقلب في تلهب النار، وديناراً أولعت بصرفه أيدي الزمان، ودرة نقلها الدهر إلى صدف الأكفان، وهلالاً عاجله الخسوف قبل الإبدار، ونجماً أخفاه إسفار صبح الأقدار:
يا كوكباً ما كان أقصر عمره
…
وكذاك عمر كواكب الأسحار
وقد علم الله شوقي إليه، وشدة قلقي وحرقي عليه، وغمي لمغيبه بعد إشراقه، وفرط بثي وحزني لفراقه، وما سال من دموعي وساح، وأصاب جوارحي من الجراح:
موت الصغير مصيبة غاراتها
…
ما تنقضي، وكميها لم يقهر
قسماً بمن يحيي رفات الخلق ما
…
فقد الهشيم كفقد روض مزهر
ولقد أجرى ماء العيون معيناً، وكنا نرجوه معيناً. أعاد أيامنا سوداً وكانت به بيضاً ليالينا. لو أن الحتف يقبل الفدا، أو أن الحمية ترد الردى، لفديناه بالأموال والأرواح، وخضنا دونه بحار السيوف والرماح، ولكنه الكأس الذي يستوي في شربه الصغير والكبير، والسبيل
المحتوم سلوكه على المأمور والأمير. فإنا لله وإنا إليه راجعون، وبحكمه راضون، ولأمره طائعون، له ما أعطى وله ما أخذ، وهو الذي يرسل سهم المنية ولولاه ما نفذ.
وأنت أبقاك الله أولى من للقضاء سلم، وسكن منبسط النفس ولو بأنياب النوائب تكلم، وقابل القدر بوجه الرضا لا الغضب، والحمد لله على كل حال إن وهب أو سلب، فالجزع لا يجدي ولا يفيد، والماضي لا يعاد إلى يوم الوعيد، والأجر موقوف على الاحتساب، والله عنده حسن الثواب، فادخره للأخرى فالدنيا متاع الغرور {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}
يا راحلاً أذهب عنا السرور
…
وكادت الأرض بنا أن تمور
ويا هلالاً بالخسوف احتفى
…
من قبل أن يدرك شأو البدور
إن كنت قد فارقت أهلاً فكم
…
حولك ولدان حسان وحور
جاورت من بعدك من ساءني
…
ليهنك الجار الذي لا يجور
ويلاه من بدر رفيع مضى
…
تجارة العاني به لن تبور
شق الجيوب القوم لما سرى
…
لو أنصفوا شقوا عليه الصدور
ما كنت أدري قبل دفني له
…
أن الدراري في الصحارى تغور
لهفي على طفل فؤادي له
…
نعش ودمع العين غسل طهور
لهفي على زهرة روض زهت
…
فعوجلت بالقطف دون الزهور
لهفي على غصن ذوى قبل أن
…
يبدو لنا من نوره الغض نور
آهاً لذاك الوجه كيف انطوت
…
آياته الحسنى ليوم النشور
آهاً لدر قد غدا ثاوياً
…
في صدف اللحد جوار القبور
آهاً لمر الهجر حلو الحلى
…
الوجد حق فيه والصبر زور
والله ما عجل يوم النوى
…
إلا لنحظى في غد بالأجور
ما هذه الدنيا - وسحقاً لما
…
تلهي به - إلا متاع الغرور
تمحو بكف الحتف رسم الورى
…
لما اغتدوا في رقها كالسطور
ما تأتلي من غير خوف إلى
…
دار البلى تنقل أهل القصور
كم من رحى للموت فيها، على
…
ضائع أعمار البرايا تدور
أخنى علينا الدهر في أخذ من
…
كنا نرجيه لسد الثغور
يا دهر بالإمرة كم تعتدي
…
ألا إلى الله تصير الأمور