الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لله أطراسها التي أضاءت بمدادها، وأشبهت عيون العين ببياضها وسوادها، وانطوت المحاسن تحت رق منشورها، وصدحت حمائم البلاغة على أغصان سطورها. صحائف تنوب عن الصفائح، وقراطيس تزف إلى الأسماع عرائس القرائح. ألبسها الحبر أثواباً من الحير، ودبجها صواب الفكر لا صوب المطر. كم حازت من در منظوم، وعلم لفظ بوشي المعاني مرقوم. وفقر تفتقر إليها أجياد الحسان، وغرر كلم تذهب العقول بسحرها وإن من البيان:
كتاب في سرائره سرور
…
مناجيه من الأحزان ناجي
كراح في زجاج بل كروح
…
سرت في جسم معتدل المزاج
فاجتهد أعزك الله في طلابها، واحرص على الدخول في زمرة أربابها، وتمسك بأذيال
بنيها، تجد جواداً أو نبيلاً أو نبيهاً. وحسبهم شرفاً أن الله تعالى نوه بذكرهم في العالمين، ووصف الكتبة بالحفظ والكرم فقال:{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَاماً كَاتِبِينَ} .
الفصل الثاني والعشرون: في الحرب والسلاح
منع الجزية أهل الصليب، في عام عاموا منه في بحر عجيب، فأشار الأمير بالتأهب للنزال، وأمر بتحريض المؤمنين على القتال. فأخذوا في الاستعداد. وجدوا في تحصيل الجياد.
فأحببت الدخول في زمرة المجاهدين، ورفضت قاعدة الذين قالوا:{ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ} . فلما كملوا عدداً وعُدداً وتحروا في أهبتهم رشداً، ساروا إلى جهة العدو المخذول، وطيور السعد تحوم عليهم ولا تحول. ياله من جحفل تحفل بالشوس، وكتيبة تميل إلى خضرتها النفوس، وجيش عرمرم، وخميس لهب أسلحته يتضرم، وعسكر جرار، وفيلق يتلو:{قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ} . يهول المنظر، مثار العثير. قوي القلب والجناحين، كم ليدها الطولى من جناحين. يدني بعيد الآجال، وينفر حتى الوعل والآجال. النصر من جملة آياته، والظفر معقود براياته:
محلى بالسيوف وبالعوالي
…
وبالحلق الموانع والقسي
وفيه عيون درع ناظرات
…
إلى الأعداء من طرف خفي
ببحر الحرب منه سابحات
…
تملك حسنها قلب الكمي
ألا لا تخش فيه ليل نقع
…
فكم قد حاز من وجه مضي
ينطوي على غضنفر كاسر، وعقاب يصول من النصال بمناسر، وذفر مشيع، وباسل عمر خصمه مضيع، وبطل ثبت الغدر، وأحمش لامنجى منه ولا وزر وشهم أيام عداه مدلهمة، وقدم صمة، وما أدراك ما الصمة؟
من كل مرهوب السطا رحب الخطا
…
عرد المطا ليث تأبط ارقما
يبدو هلالاً في سماء عجاجه
…
ويريك من زرق الأسنة أنجما
أكرم بهم شجعة برزوا للكفاح، واشتملوا على أنواع من السلاح:
فمن سيف يفري بحده، ويأنف من المقام في غمده. أمضى من أمس، واشرق من الشمس. ينتقل من القراب إلى الرقاب، ويدب النمل منه على الذباب. يروع ويروق، ويخفي بلمعه البروق، يتمايل كالخمائل، وينجلي في حلي الحمائل. يجتهد في إهلال النفوس، ويبتسم حيث الأجل عبوس:
ومنهد إن قابلته فريسة
…
ينقض من جو القراب كأجدل
مصغ إلى حكم الردى، فإذا مضى
…
لم يلتفت، وإذا قضى لم يعدل
الموت كامن في غربه، والحتف قريب من قربه. إن جرد عاينت عيون الجراد، ورأيته مطبوعاً على الجدال والجلاد. وإن سل حكم بقطع الأرزاق، وطفق مسحاً بالسوق والأعناق. يرتعد لا من الخوف، ويجل فعله الماضي عن السين وسوف. لم يبرح كارعاً من موارد الوريد، تالياً:{وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} .
حسام، وبتار، جراز، وصارم
…
رسوب، وقرضاب، صنيع، ومخذم
قشيب، وصمصام، وعضب، ومرهف
…
قضيب ومأثور، ونصل مصمم
نهيل، وهزهاز، وأبيض، قاطع
…
رسول المنايا في الدماء محكم
ومن رمح مثقف، أسمر اللون مهفهف. لدن القوام،
يبدل الكلام بالكلام له نصل مطعان، وسنان غير وسنان. صدق صادق مارق في المارق. يفرق الجموع ولا يفرق، ويصيب العدا بناظره الأزرق. يستوفي النفوس وهو عامل، ويضرب حاصل الكماة ولا يجامل. لهذمه ألمع من الشهاب، وكعبه أيمن من طلعة الكعاب، فعله حميد، وظله مديد. سلب اللطف من الأغصان، وتعلم الرعدة من جنان الجبان. خطار عظيم الخطر، خطي لا يخطئ في قص الأثر. طويل يقصر الأعمار، قناة تجري بدم الأذمار:
وأسمر من رشف كأس الدما
…
يهتز بالشكر اهتزاز الطروب
يبسط في الإشراق بسط الردى
…
ويقبض الأرواح عند الغروب
ومن قوس حنانة، سحائب سهامها هتانة، تطلع كالهلال في سماء الرهج، وتسبح في الهواء سبح النون في اللجج. ضروح تسكن الضريح، عطوف لكن لا على الجريح، تبهر بأبهرها العيون، وتبلغ المنى برسل المنون. لها يد تمنح جميل الأيادي، ورجل تسعى في قتل الأعادي. تضم شمل أولاد نوافر، يصلن بلا أنياب، ولا ظوافر. ذوو أجنحة تروع السباع، مثنى وثلاث ورباع.
عطوى مروح، تريح المنبضين لها
…
هتانة لفراق السهم مرنان
أولادها تدرك الأغراض عن كثب
…
وناظر السيف قد أخفته أجفان
ومن ترس عنتر، يفل به حد الأبتر. جنة واقية، ومنة باقية. جوب يجوب حرة الحرب، ولا يمل من ملاقاة الطعن والضرب. بريء من الختل والختر، معروف بالحماية والستر.
لله جَنة جُنة
…
لا يجتليها من طغى
من حل تحت ظلالها
…
أنجته من نار الوغى
ومن بيضة حسن ملبسها، وزاحم الفلك قونسها، وصفها بديع، وحرم حماها منيع. الرؤوس بها محفوظة، والنفوس بعيونها ملحوظة، تعلو على المفارق، وتطرق لهيبتها أجفان الطوارق.
يا رائد الحرب تقنع، واقتنع
…
بمغفر أحسن به من مغفر
سامي الذرا عالي الجناب مانع
…
ذمامه يوم الوغى لم يخفر
ومن درع ستور، روض وشيها منثور، مضاعفة دلاص، منجية يوم لات مناص، فضفاضة مسرودة، ألوية النصر بها معقودة. كأنها سراب بقيعة، أو حباب يطفو على شريعة، أو سلخ أفعوان، أو لهب نار لم يشب بدخان. تنظر بعيون الجنادب وتصبر على وخز العوالي والقواضب.
يا رُب سابغة حبتني نعمة
…
كافاثها بالسوء غير مفند
أضحت تصون عن المنايا مهجتي
…
وظللت أبذلها لكل مهند
ومن أشياء يطول ذكرها، ويعز على البليغ البارع حصرها.
ثم إنهم جدوا في الرحيل وتمسكوا بالنص واتبعوا الدليل. إلى أن وصلوا إلى بلد الأعداء سيس، وأرهبوا بجمعهم الراهب والقسيس. فسارعوا إلى النزول، وغصت بهم الوعور والسهول. وصابحوهم بما أشقى مساءهم. وناوحوهم بما دمرهم وساءهم. ونادوهم بألسنة الحمام، وناجوهم برسائل السهام، ونصبوا آلات الحصار لكسرهم، وأعدوا ما استطاعوا من القوة لقتلهم وأسرهم، وأحاطوا بأسوار المدينة، وصدموها بمن في آذانهم وقر عن الوقار والسكينة. فكم تكن إلا ساعة من نهار، حتى تحرك البناء وانهار، وسال السور بعد أن ماج، وهوت بكواكب المنجنيق منه الأبراج. فدخلوا البيوت من غير الأبواب، وجرعوا أعداء الدين مذاب العذاب، وحصل أهل الشرك في شرك القبضة، وعجزوا عند قص أجنحتهم عن النهضة، وتمشت في مفاصلهم حميا السيوف، وصفاح الرغام وجوههم على رغم الأنوف:
لله در فوارس كم أقبلوا
…
نحو الحروب، ونافسوا في وصلها
قوم إذا دخلوا معالم قرية
…
لعداتهم جعلوا أعزة أهلها
ثم عاجوا لاقتلاع قلعتها، ومالوا إلى محو أسطار بقعتها. فقدموا