المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل السابع والعشرون: في الهناء - نسيم الصبا

[ابن حبيب الحلبي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأول: في السماء وزينتها

- ‌الفصل الثاني: في الشمس والقمر

- ‌الفصل الثالث: في السحاب والمطر

- ‌الفصل الرابع: في الليل والنهار

- ‌الفصل الخامس: في أقسام العام

- ‌الفصل السادس: في البحر والنهر

- ‌الفصل السابع: في المعقل والدار

- ‌الفصل الثامن: في الأشجار والثمار

- ‌الفصل التاسع: في الروض والأزهار

- ‌الفصل العاشر: في وصف الغلام

- ‌الفصل الحادي عشر: في وصف الجارية

- ‌الفصل الثاني عشر: في الشمعة والنار

- ‌الفصل الثالث عشر: في مدح العشق وذمه

- ‌الفصل الرابع عشر: في الفراق

- ‌الفصل الخامس عشر: في الاستعطاف

- ‌الفصل السادس عشر: في مجلس الشراب

- ‌الفصل السابع عشر: في الشيب والخضاب

- ‌الفصل الثامن عشر: في الخيل والإبل

- ‌الفصل التاسع عشر: في الوحش

- ‌الفصل العشرون: في الطيور

- ‌الفصل الحادي والعشرون: في الكتابة

- ‌الفصل الثاني والعشرون: في الحرب والسلاح

- ‌الفصل الثالث والعشرون: في رمي البندق

- ‌الفصل الرابع والعشرون: في الكرم والشجاعة

- ‌الفصل الخامس والعشرون: في العدل والاحسان

- ‌الفصل السادس والعشرون: في الشكر والثناء

- ‌الفصل السابع والعشرون: في الهناء

- ‌الفصل الثامن والعشرون: في الرثاء

- ‌الفصل التاسع والعشرون: في الحكم

- ‌الفصل الثلاثون: في المواعظ

الفصل: ‌الفصل السابع والعشرون: في الهناء

مددها، وصلتها بأياد جزيلة أعد منها ولا أعددها. فلا تحدث لي بعدها زيادة، وارفق بعبدك فقد ملك العجز قياده:

أنت الذي قلدتني نعماً

أوهت قوى شكري فقد ضعفا

لا تسدين إلي عارفة

حتى أقوم بشكر ما سلفا

وماذا عسى مادحك أن يقول، يامن فتن بحسن مناقبه العقول؟ المتكلم يقصر عن وصفك باعه، والبليغ يعجز عن حصر فضلك يراعه. والعالم يغرق في بحرك، والناظم يلقط جواهر نثرك، على أن كلاً منهم لو استعار الدهر لساناً، واتخذ الريح في نقل أخبارك ترجماناً، أدركه الملال ولم يصل إلى غايتك، وأعياه الكلال دون الوقوف عند نهايتك. فالله يتولى من مكافأتك ما هو أبلغ من شكر الناس، ويمتع الأولياء ببقاء ذاتك التي جلت عن النعت والقياس.

‌الفصل السابع والعشرون: في الهناء

صحبني شخص من الكتاب، له رفيق يدعي معرفة الآداب. فجاءني يوماً من ديوان النظر قائلاً: كان رفيقي غائباً ثم حضر، وقصدي إملاء شيء في هذا المعنى، ولست أعرف لروض الأدب سواك مزناً. فقلت له: اكتب:

ورد البشير بما أقر العيون، وسكن هواجس الظنون، وشرح

ص: 115

الصدور وأبهجها، وألجم خيل السرور وأسرجها، من إياب مولانا مصحوباً بالسلامة، مالكاً قياد الفضل وزمامه. فتلقاه العبد بمزيد القبول، واعترف بطيب عرفه الضائع قبل الوصول:

وتقاسم القوم المسرة بينهم

قسماً فكان أجلهم حظاً أنا

ولم يزل مدة غيبته مستديماً لذكره، مشاهداً له وإن شط المزار بعين فكره، متشوقاً إلى أيامه التي راق نعيمها، مرتقباً نجوم لياليه التي رق كخلقه نسيمها:

ليالي لم نحذر حزون قطيعة

ولم نمش إلا في سهول وصال

إلى أن جمع الله به شتات الأمور، وألف بمقدمه من الأنس كل نفور، وأعاد بدره إلى منازل سعوده، وفطر قلب حسوده بصعدة صعوده. فله الحمد على نعمه التي لا تعد، وكرمه الذي تجاوزت سيوفه غاية الحد. وهو المسؤول أن يعيذه من شر من حسد وطعن، ويكلأه بعينه التي لا تنام إن أقام أو ظعن.

ثم إنه وافاني بعد مدة، فحمل يراعه ومن النقس مده، وقال: إن رفيقي قد أبل من المرض، وما يخفى عن مثلك - أيدك الله - سر الغرض. فقلت له اكتب:

الحكمة أطال الله بقاءك، وأدام صحتك وشفاءك، تقتضي

ص: 116

المنح والمحن، وتوجب الفرح والحزن، ليتذكر أولو الألباب، وتتأكد أسباب الثواب. ولقد منعني لذيذ الرقاد ما حصل لمولاي من الافتقاد، وأسكرني بخمر التحير، ما حصل لمزاجه اللطيف من التغير. يالها غفلة من الدهر صدرت، وهفوة على غرة من الأمل ظهرت، حيث أزعج كريم جسده، وعلا على ذخر الملك وسنده، وارتقى من الرياسة إلى رأسها، وامتطى ذروة كاشف غمها ومزيل بأسها، وبالجملة فما اعتل إلا لأنه كالنسيم لطفاً، وما جاورته الحمى إلا أنه كالأسد وصفاً:

لا تخش من ألم ألم مودعاً

يامن بسيط العمر منه طويل

إن التي يدعونها الحمى على

أسد الشرى، وكذا النسيم عليل

وأنا أحمد الله على لبسه أثواب الصحة، ودخوله من العافية منزلاً مهد البرء صرحه. وأسأله أن يفيض عليه سحائب نواله الزائد، ولا يحوج شخصه المغرى بالصلة إلى عائد. ثم إنه جاءني بعد حين، وأساريره تخبر أنه من الفرحين. فقال: إن رفيقي ولي الوزارة، فهل من رسالة تسفر عن حسن السفارة؟ فقلت له اكتب:

أيد الله مولانا الوزير، وأفاض على الكافة فضله الغزير، وهنأه بهذه الرتبة التي أوضح وجه مذهبها، وبلغها بتحرير قلمه

ص: 117

المهذب نهاية مطلبها، وأنمى بتدبير أحوالها، وقرر على القواعد المرضية أحوالها:

فلم تكن تصلح إلا له

ولم يكن يصلح إلا لها

هذا ما كانت تنتظره النواظر، وتشهد بوقوعه خطرات الخواطر، وأسند الأمر إلى أهله، وأجلب الخير بخيله ورجله، وأصاب الدهر فيما أمضاه من فعله، وانتهت القوس إلى باريها، وتمكنت الرعايا بعرا أمانيها، وزفت عروس الوزارة على كافلها وكافيها. ما أحق هذه البشرى بأن تبدي الرياض من ورودها لورودها نشراً، وتميد الأغصان وتميل، ويتخلق الكون بزعفران الأصيل، ويتقلد الأفق بعقود نجومه الزواهر، وتنطق بشكرها ألسن الأقلام من أفواه المحابر:

سرت بك الدنيا وسكانها

وامتلأت بشراً صدور الصدور

وأجرت الأعداء سحب البكا

للحزن وافترت ثغور الثغور

فالحمد لله ثم الحمد لله، والشكر له على ما أولاه، من إسباغ نعمه المألوفة، ومعروف أياديه المعروفة، وإليه الرغبة في إدامة سروره المتوالي، وإدارة فلك سعده على ممر الليالي.

ثم إنه قدم إلي بعد أيام، وقال: إن الوزير بشر بغلام، فأمل علي زادك الله رفعة، ما أشنف به من الهناء سمعه، فقلت له: أكتب:

ص: 118