المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل السابع عشر: في الشيب والخضاب - نسيم الصبا

[ابن حبيب الحلبي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأول: في السماء وزينتها

- ‌الفصل الثاني: في الشمس والقمر

- ‌الفصل الثالث: في السحاب والمطر

- ‌الفصل الرابع: في الليل والنهار

- ‌الفصل الخامس: في أقسام العام

- ‌الفصل السادس: في البحر والنهر

- ‌الفصل السابع: في المعقل والدار

- ‌الفصل الثامن: في الأشجار والثمار

- ‌الفصل التاسع: في الروض والأزهار

- ‌الفصل العاشر: في وصف الغلام

- ‌الفصل الحادي عشر: في وصف الجارية

- ‌الفصل الثاني عشر: في الشمعة والنار

- ‌الفصل الثالث عشر: في مدح العشق وذمه

- ‌الفصل الرابع عشر: في الفراق

- ‌الفصل الخامس عشر: في الاستعطاف

- ‌الفصل السادس عشر: في مجلس الشراب

- ‌الفصل السابع عشر: في الشيب والخضاب

- ‌الفصل الثامن عشر: في الخيل والإبل

- ‌الفصل التاسع عشر: في الوحش

- ‌الفصل العشرون: في الطيور

- ‌الفصل الحادي والعشرون: في الكتابة

- ‌الفصل الثاني والعشرون: في الحرب والسلاح

- ‌الفصل الثالث والعشرون: في رمي البندق

- ‌الفصل الرابع والعشرون: في الكرم والشجاعة

- ‌الفصل الخامس والعشرون: في العدل والاحسان

- ‌الفصل السادس والعشرون: في الشكر والثناء

- ‌الفصل السابع والعشرون: في الهناء

- ‌الفصل الثامن والعشرون: في الرثاء

- ‌الفصل التاسع والعشرون: في الحكم

- ‌الفصل الثلاثون: في المواعظ

الفصل: ‌الفصل السابع عشر: في الشيب والخضاب

ملت إلى الاستغفار، وسألت العفو من العزيز الغفار، ولذت - كما قال الحريري - بالمتاب، وآليت لا أحضر - ما دمت حياً - مجالس الشراب.

‌الفصل السابع عشر: في الشيب والخضاب

رأيت بعض مشايخ الأصحاب، وهو يتعاطى ما يتعاطاه الشباب. فقلت: يامن وعظه الشيب، جاءك النذير بلا ريب، فاصرف عين العيب، واق عالم الشهادة والغيب. نأت الغرابيب السود، ودنت البزاة واثبة كالأسود. وظهرت غرة القمر، وأومض البرق في ليل الشعر. ورمي فاحم الفود بضده، واشتعل المبيض في مسوده. قدم رائد الهداية، وزائد الغواية، وطليعة العفاف، وذريعة الإنصاف. ومظنه الوقار، ومشرق الأنوار. فخل الخلال الجانية عليك، وأحسن كما أحسن الله إليك:

إنما تحسن الرياض إذا ما

ضحكت في خلالها الأزهار

من شباب عذاره لم تقبل أعذاره. من عذل شبابه ولي مصابه. من لمع ضوء فرعه، تفرق شمل جمعه. من كبر ذوى عوده، وغابت سعوده، وأفل نجمه، ووهن عظمه، وضعف بعد القوة جسمه، وخمدت منه الأنفاس، عنه ظباء الكناس:

لو كان عمر الفتى حساباً

كان له شيبه فذالك

ص: 72

يامن أدركه المشيب، اترك الغزل والنسيب، إرجع إلى الله من قريب، ولذ بالمتاب واعدل عن الخضاب، واخش نصول الفضول، ودع من يزور ثم يزول. ولا تطمع بوصل الحسان، واكتب لهن تسريحاً بإحسان، واحذر منهن العدو الأزرق، واسبق إلى منعهن من قبل أن تسبق.

عذر الكواعب أنهن كواكب

لا يجتمعن مع الصباح إذا بدا

فنظر إلي مليا، وقال: لقد جئت شيئاً فرياً. ياهذا أنت ناصح أمين، أم ذابح بغير سكين؟ نكست الأعلام وفتنت الأحلام، وفخمت الوعيد، وجلت في ميدان التهديد، وآثرت نيران التلف، ودثرت {عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَف} ، وأدنيت غمام الغم، ومدحت ما يستحق الذم:

ما رأينا المشيب إلا كثلج

أبيض بارد قليل المقام

واهاً له من زائر يظهر العدل وهو جائر، يأتي من الشهب على كل ضامر، ويخرب من الأعمار كل عامر، ولا يرجى لسليبه عوض، ولا يقضي لصاحبه غرض. ناع ينغص لذة الرفاق، وساع يطوف بحرم الفراق. معلول لا يعتني بحفظ ميثاقه، ورسول معجزته الخوف من اجتماعه، والفرق من فراقه:

له منظر في العين أبيض ناصع

ولكنه في القلب أسود أسفع

غرة مرة، ونور ليس معه مسرة. يبلي الجديد، ويصيد

ص: 73

الصنديد، ويعتدي على الشباب، ويفرق بين الأصحاب، ويسود بياضه اللون، وهو عنوان فساد الكون. رفعت عند نصحك مقداره، ونفيت قاره وأثبت وقاره:

وأي وقار لامرئ عري الصبا

ومن خلفه شيب وقدامه شيب

ثم إنك رثيت وما رثيت، ومريض المشيب عن معالجة الخضاب نهيت، وأطلت التعنيف، وأكثرت الأراجيف. وسقت الشائب إلى رمسه، ومنعته من التصرف في نفسه، وبسطت شقة الشقاق. أما سمعت قول الوراق:

للضيف أن يقرى ويعرف حقه

والشيب ضيفك فاقره بخضاب

فقلت له: إلام يختفي الزامر ويتستر؟ وحتام يكتم الكتم شيئاً بعد ثلاث يظهر؟ وهل يرد التمويه ما مضى؟ أو يخمد ماء الصبغ جمر الغضى؟

تستر بالخضاب، وأي شيء

أدل على المشيب من الخضاب

فقال: قد أطلت الملام، وأثخنت القلب بكلام الكلام، ونشرت رداء الرد، وزاد سيف عدلك في الحد:

لمع المشيب، وبعد عندي صبوة

يبلى القميص وفيه عرف المندل

يا هذا إني لأعلم أن الخرق يتسع على الراقع، وأن التمادي في التصابي سم ناقع. لكن الفطام صعب، وكل أحد لا

ص: 74