المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل التاسع: في الروض والأزهار - نسيم الصبا

[ابن حبيب الحلبي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأول: في السماء وزينتها

- ‌الفصل الثاني: في الشمس والقمر

- ‌الفصل الثالث: في السحاب والمطر

- ‌الفصل الرابع: في الليل والنهار

- ‌الفصل الخامس: في أقسام العام

- ‌الفصل السادس: في البحر والنهر

- ‌الفصل السابع: في المعقل والدار

- ‌الفصل الثامن: في الأشجار والثمار

- ‌الفصل التاسع: في الروض والأزهار

- ‌الفصل العاشر: في وصف الغلام

- ‌الفصل الحادي عشر: في وصف الجارية

- ‌الفصل الثاني عشر: في الشمعة والنار

- ‌الفصل الثالث عشر: في مدح العشق وذمه

- ‌الفصل الرابع عشر: في الفراق

- ‌الفصل الخامس عشر: في الاستعطاف

- ‌الفصل السادس عشر: في مجلس الشراب

- ‌الفصل السابع عشر: في الشيب والخضاب

- ‌الفصل الثامن عشر: في الخيل والإبل

- ‌الفصل التاسع عشر: في الوحش

- ‌الفصل العشرون: في الطيور

- ‌الفصل الحادي والعشرون: في الكتابة

- ‌الفصل الثاني والعشرون: في الحرب والسلاح

- ‌الفصل الثالث والعشرون: في رمي البندق

- ‌الفصل الرابع والعشرون: في الكرم والشجاعة

- ‌الفصل الخامس والعشرون: في العدل والاحسان

- ‌الفصل السادس والعشرون: في الشكر والثناء

- ‌الفصل السابع والعشرون: في الهناء

- ‌الفصل الثامن والعشرون: في الرثاء

- ‌الفصل التاسع والعشرون: في الحكم

- ‌الفصل الثلاثون: في المواعظ

الفصل: ‌الفصل التاسع: في الروض والأزهار

أخضره وأزرقه، وامتدت رياطه وحبره، وتبلبلت أصداغه وطُرره:

إذا درجت فيه الرياح تتابعت

ذوائبه حتى يقال غدير

وفيها من النبات ما يطول إليه بناني، ويقصر عن حصر وصف بعضه لساني. يسقى بماء

واحد، ويبطل قول المعترض والجاحد، ولعمري لقد بلغتني ما أملته من جلاء قلبي المعمود، وأذكرتني ما لم أكن ناسياً من فنائها وبقاء جنة الخلود، فإنها - وإن طاب جناها، وأوقفت النفوس على حلي من سناها - مؤذنة بالتلاشي والرحيل، {قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ} .

فلما قضيت منها وطري ثنيت عنها عنان نظري، ومضيت ذاكراً محاسن صفتها وموصوفها، شاكراً سرو سرورها وعرف معروفها:

وعذراً فإني في الثناء مقصر

وقولي بالتقصير يبسط لي عذرا

‌الفصل التاسع: في الروض والأزهار

جد بي الوجد في إبان الربيع، إلى رؤية الغيث بمنازل الربيع. فسرت أحدق في جوانب الحدائق، وصحبني من الشوق وسائق، يتلوهن حاد وسائق. فإذا أنا بروضة أريضة، عيون أزهارها مريضة، قد فاح أرجها،

ص: 37

وأضاءت سرجها، وبرز إبريزها، وحسن تطريزها، وأبدت من زينتها ما هو باللطف منعوت، ونثرت على الزمرد أصناف الدر والياقوت، وتحلت بما يروق إنسان كل إنسان وتجلت في رفرف خضر وعبقري حسان، أعلن السحاب أسرارها وهتك النسيم أستارها:

كأن تفتحها بالضحى

عذارى تحلل أزرارها

حكت الخنساء لا في الحزن بل في الحسن والفخر. ولها عيون تجري على الديباج لا على الصخر، يضوع عرفها في الآفاق ولا يضيع، ويبهر الطرف من صنع صنائعها كل زهر رفيع. تنهار جداولها وأنهارها، ويضحك في وجه من أم بابها وأملها، ثغر نوارها:

وما غربت نجوم الليل لكن

نقلن من السماء إلى الرياض

فمن ورد أحمر الإهاب، عندمي الخضاب:

كالشمس شكلاً ونشر المسك رائحة

واللؤلؤ الرطب في تفريجه عرق

ملك جليل، مخصوص بالتبجيل، رفيع الجناب، خفيف الركاب. الرياحين جنده، والشوك سنانه وسلاحه، والعقبان والمرجان قلبه وجناحه:

مداهن من يواقيت مركبة

على الزبرجد في أجوافها ذهب

ص: 38

ومنه الأبيض المذهب المفضض:

كأن وجوهه لما توافت

بدور في مطالعها سعود

بياض في جوانبه احمرار

كما احمرت من الخجل الخدود

ومن نرجس باسم، عرفه ناسم:

كأنما صفرته

على بياض يقق

أعشار جزء ذهبت

من ورق في ورق

له عيون هدبها من لجين، وحدقها من خالص العين، قامت من الزبرجد على ساق، فهامت بها قلوب العشاق:

وأحسن مافي الوجوه العيون

وأشبه الشيء بها النرجس

ومن ياسمين يجلو البصر، كأنه أقراط من الدرر، يحفظ الذمام، ولا يمل من طول المقام. ثغوره ضاحكة، وحسنه آمن من المشاركة:

والطرق الحمر في جوانبه

كخد عذراء مسه عض

ومن نسرين، جوهر عقده ثمين، درر على زبرجد، أو حقاق ورق فيها برادة عسجد:

ما إن رأينا قط من قبله

زمرداً يثمر بلورا

ومن خلاف، ليس في طيب عرفه خلاف، حكي القدود باهتزازه، ويصل وعده بانجازه. كأنه ثمل من الراح وهو

ص: 39

يومئ برأسه نحوه، وكأن غصونه أحست برحلة الشتاء، فقلبت فروها:

والبان تحسبه سنانيراً رأت

بعض الكلاب فنفشت أذنابها

ومن بنفسج حسن لباسه، وطابت انفاسه:

كأنه وضعاف القضب تحمله

أوائل النار في أطراف كبريت

وفصوص فيروزج نضيدة، أو آثار قرص بخد خريدة، أو حروف لازوردية، أو بقايا نقش في راحة ندية:

أو أعين زرق كحلن بأثمد

ومن زعفران معطر الجيب والأردان:

كأنه ألسن الحيات قد شدخت

رؤوسها فاكتست من حمرة العلق

أو بصيص رماد، أو ألفات كتبت بالذهب لا بالمداد:

يتفرى عن قانيات حسان

مثل هدب معصفر من رداء

ومن لينوفر يألف المياه، طمعاً في دوام الحياه، صفره السقام وعذبه، وغربه الأمل وغربه:

كأنه ودروع الماء تشمله

تحت الشماع أكاليل الطواويس

أو طرف باهت من الفراق يفرق، أو سابح ضعيف يعوم ويغرق. يخفى بالليل ويظهر بالنهار، ويتكلم في الماء بألسنة من النار:

ص: 40

يحب الشمس لا يبغي سواها

ويلحظها بمقلة مستهام

إذا غابت تكنفها اشتياقاً

فنام لكي يراها في المنام

ومن آس ما لجرح محبه آس. يرعى العهود، ولا يميل إلى الصدور. كأنه بقية خضاب في

كف رداح، أو نضال ساهم أعدت للكفاح:

حكى لونه أصداغ ريم معذر

وصورته آذان خيل نوافر

ومن ريحان يقول: إن وقت الري حان. كأنه وشم يد مطرفة. أو حلة مخضرة مفوفة، أو أطواق الحمام، أو سلاسل سوالف الغلام:

له حسن العوارض حين تبدو

وفيه لين أعطاف القوام

ومن منثور، منظوم جوهره منثور. عطافه مؤتلفة، وألوانه مختلفة. أبيضه وأحمره كثغر الجيب وخده، وأصفره كوجه من مني بإعراضه وصده، يبخل بشذاه نهاراً ويجود به ليلا، وإلام يتستر وهو متهتك في حب ليلى؟

كأنه عاشق يطوي صبابته

صبحاً وينشرها في ظلمة الغسق

ومن سوسن، تعالى الله ما أحسن. قائم على سوقه، ينتظر إياب معشوقه. من أزرق بهي الملبوس، وأبيض تميل إلى ضوء صبحه النفوس:

كأنه ملاعق من ورق

قد خط فيها نقط من عنبر

ص: 41

ومن خزامى، قدره لا يسامى. يسكن المنازل العلية، ويرفل في حلته اللازوردية. يا لها حلة فاخرة، وحلية باهية باهرة:

لو حواها الطاووس أصبح لاشك

مهنا بملك طير الهواء

ومن أقحوان، جمع في مفرده القمران.

كشمسة من لجين في زبرجدة

قد أشرقت حول مسمار من الذهب

ومن آذريون، أظهر القطر سره المكنون:

كأنه أغصانه فيروزج بهج

من فوقه ذهب في وسطه سبج

أو مسك في جام من ذهب، أو فحم أحاط به اللهب:

تراه عيوناً بالنهار نواظراً

وعند غروب الشمس أزرار ديباج

ومن بهار، يبهر بحسنه الأبصار:

كسواعد من سندس وأكفها

من فضة حملت كؤوس عقار

ومن شقيق، أين منه المرجان والعقيق؟

كأنه وجنات أربع جمعت

وكل واحدة في صحنها خال

ومن ومن ومن، إشارة فتى بالعجز عن الحصر قمن.

فلما تأملت محاسن هذه الروض الأنيق، ونظرت إلى ما فيها من النبات بعين الحقيقة، شكرت أيادي صانعها، ولجأت إليه وأثنيت على صائغها، وإن كنت لا أحصى ثناء عليه،

ص: 42