الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من لم يفكر في العواقب ناظراً
…
فيما يؤول إليه آخر أمره
خسرت تجارته وضل عن الهوى
…
ورأى مساعيه بطرف أمره
وعليك بالحلم فإنه معدن السرور، وعقال الفتن والشرور. يبلغك من المجد قاصيته، وتملك به من الحمد ناصيته. مطية وطية وعطية يالها من عطية، وخصلة محمودة، وشيمة ألويتها بالسعد معقودة. يسهل الأمور، ويقي كل محذور. همة صاحبه علية، ومرآة متعاطية جلية. لا يظهر إلا عن صدر سليم:
قابلت بالإحسان من ساءني
…
ميلاً لتحصيل الثناء المقيم
وقمت بالواجب من شكره
…
إذ عرف الناس بأني حليم
واعف عمن ظلمك، وصل رحمك، وارحم حرمك، وأطف بالأناة جمر الغضب، واحذر من غاسق الغيظ إذا وقب، وصن عرضك عن الأدناس، وادخل في زمرة العافين عن الناس، فهم أهل الفضل يوم القيامة، والمتقلدون بكرم الكرامة، يرفلون في أثواب الثواب، ويدخلون الجنة بغير حساب. ولا تعج عن سنن السنن، وراقب الله في السر والعلن، واتبع في الإحسان طريق من أفلح به المؤمنون، والزم التقوى:{إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} .
الفصل السادس والعشرون: في الشكر والثناء
شكر المنعم واجب، والثناء على المحسن ضربة لازب. فاشكر
من وضع الخير لديك، وكن مثنياً على من أحسن إليك، حيث أجاب سؤالك، وحقق آمالك، وصدق ظنك، وأضحك سنك، وأتحفك بكرائم كرمه، وأطلع في أفقك نعائم نعمه، ولبى دعوتك، وروض عدوتك، ورعى جانبك، وبلغك مآربك، وقوى معينيك وأيد معانيك، وأسكنك من العليا قباباً، وفتح لك إلى دار السعادة أبواباً:
وأولاك الجميل بغير مطل
…
وعن وجه الندى رفع الحجابا
وبل ثراك بالجدوى فحق
…
عليك تصير التقريظ دابا
إن قصر عن المكافأة بنانك، فيطل بنشر الشكر لسانك، فبه تدوم النعم، وهو داعية الجود والكرم. كثرته تبعث على بذل الألوف، وقلته تزهد في اصطناع المعروف. فاجتهد في إقامة شعاره، واحتفل برفع علمه وإعلاء مناره، وإياك والتقصير في حق من شملك بفضله الغزير، وقم بواجب من قلدك المنة، ولا تجعل الاعتذار بعجزك من غير حرص جنة.
أطلق لسانك بالثناء على الذي
…
أولاك حسن غرائب ورغائب
واشكره شكر الروض حياه الحيا
…
كيما تقوم له ببعض الواجب
أيها المتطول بأياديه، المتفضل بما غمر من غواديه، الجائد بأمواله، الزائد نيل نواله، المرتدي بأثواب الجلال،
المبتدئ بالعطاء قبل السؤال، لو استطعت تمثيل حمدك ومدحك، واعتدادي بإفضالك العميم ومنحك، لأبرزته في صورة تروق النواظر، وأفرغته في قالب يسر القلوب والخواطر. لقد أترعت مواردي ومناهلي، وحملتني من حقائب الجود ما أثقل كاهلي، وأرحت سري بهبات هباتك، وقطعت أملي إلا من موارد صلاتك:
كم من يد بيضاء قد أسديتها
…
تثني إليك عنان كل وداد
شكر الإله صنانعاً أوليتها
…
سلكت مع الأرواح في الأجساد
إلام تنشر علي ملابس العوارف؟ وحتام تهدي إلي نفائس اللطائف؟ وتلحظ بعيون العناية، وتمد ظل الرعاية، وتصل أسباب الصنائع، وتأتي من الإحسان بما عهده محفوظ، ونشره ضائع، من غير خدمة سابقة، ولا حرمة لهدى العواطف سائقة.
طالما غنيت بالغناء من خيرك، وألهمتني لهاك عن الاجتماع بغيرك، وقابلتني عطاياك بجبرك، ومنحتني سماحتك من كنزها الوافر بخالص تبرها:
فلأشكرنك ما حييت وإن أمت
…
فلتشكرنك أعظمي في قبرها
صيرت لساني كليلاً بعد حدته، وأعدت قلمي جافاً بعد غزارة مدته. فها أنا لا أطيق أداء بعض حقك، ولا يخرجني فرط برك عن عهدة رقك. وكلما فرغت من شكر يد كثر