الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقلت تعظيماً لأمره: {وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} . وانشرح صدري بالوقوف على مغانيها، وجاد فكري حيث جال في معانيها، وامتلأ قلبي من نورها نوراً، وانقلبت إلى أهلي مسروراً.
الفصل العاشر: في وصف الغلام
بينما أنا جالس في بعض الحدائق، وحولي رفقة هذبتهم الحقائق، وحسنت منهم الأخلاق بين الخلائق، مر بنا غلام يخجل بدر التمام، من بني الأتراك، الناصبين مصائد الأشراك، بديع الجمال، أين منه الغزالة والغزال؟ لطيف الشمائل، يختال بين الخمائل، تمتد لرؤيته من الزهور الأعناق، وتستتر الغصون حياء منه بالأوراق. وهو ممتط صهوة جواد أشهب، لا يبلغ البليغ حصر وصفه ولو أسهب:
ساحر الطرف وافر الظرف أحوى
…
خده الأبيض اللجين مذهب
لا تلمني على اعتقادي هواه
…
مذهب الوجد فيه أحسن مذهب
فلما حاذى مثوانا، حيانا فأحيانا. فتلقيناه بالترحاب، ودعوناه فأجاب، فحصلنا من حضوره على المقصود، وتحققنا أن يومنا بمشاهدته مشهود. فأطلت في محاسنه نظري، وأجلت في ذاته وصفاته فكري، فإذا له ذؤابة تذيب المهج، وتدرج في
حبائلها من دب ودرج. ظلها وارف، وظلامها عاكف، تسلب العقول بالأثيث الأثيل، وتسهر العيون في ليلها الطويل. حندسية العذب، غزيرة الفضل والأدب:
إذا ما تثنى للسلام مليكها
…
على أحد دارت وقبلت الأرضا
ووجه وسيم، تعرف فيه نضرة النعيم، يفوق سنا القمر، له خفير من الخفر، رقيق البشرة، تحار عند إسفاره السفرة، نزهة المشتاق، ومرآة لوجوه العشاق:
محيا به المقتول يحيا وكم له
…
على وجنة العاني من الدمع جعفر
وجبين، منقطع القرين، واضح كالصباح، صلت تُصلت دونه بيض الصفاح:
وتعجب لطرة وجبين
…
إن في الليل والنهار عجائب
وحواجب، دم عاشقها مباح وقتله واجب، كأنها قسي موتورة. أو نونات في صحف اللجين مسطورة:
قد وليت إمرة أمثالها
…
وحاجب الشمس لها حاجب
وعيون يا لها من عيون، قد جمعت بين المنى والمنون، تقتل وهي لاهية، وتسكر وهي صاحية، وتصول وهي كانسة، وتسهر وهي ناعسة. نفاثات في العقد، لا يسلم من سحرها أحد:
لحظاتها كم أرهفت من أبيض
…
والجفن منها مثل حظي أسود
وصدغ معقرب، لكنه لرقيه السليم باب مجرب. بعيد من القطف، كأنه واو العطف، أو جيم محكمة العوج، أو منجل صيغ من سبج:
صدغ أعاديه أبدوا
…
من عيبه ما حلا لي
ذم العناقيد جهلاً
…
من لم يصل للدوالي
ووجنات، حركت من الخواطر السكنات، تغير الجلنار والتفاح، وتؤلف بين الماء والراح. بها ورد ريحه للأرواح بُلغة {صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً} .
ترى هل من طريق لاجتماع
…
بحمرة ذلك الخد النقي؟
وخال خال من العيب، لا شك في حسنه ولا ريب. كأنه قيراط من عنبر، أو نقطة شقيق أحمر:
ورثته حبة القلب القتيل به
…
وكان عهدي أن الخال لا يرث
وعذار، طاب فيه خلع العذار. أنيق يجل عن التشبيه، سائل كدمع محبيه. كأنه خمل ديباج، أو نمل دب في عاج، أو بنفسج أو سوسان أو حاشية كتبت بقلم الريحان:
إن نفسي تميل نحو اخضرار
…
فيه، والنفس مثل ما قيل خضرا
ومرشف فائق، فيه ريق رائق، وثغر ماله من مثال، وألفاظ سحرها حلال، ونكهة نشرها معطر، وماء لسان أحلى من السكر:
يبسم عن در وعن جوهر
…
وعن أقاح أو سنا البرق
وجيد جداية، فيه لمنهاج المحبة أي هداية، أحسن به من تليل، نحر نحره طويل:
لو جاد لي يوماً بتعنيقه
…
قلدت ذاك الإثم في عنقي
وكف ندية، أرواحها ندية، رعبوبة بضة، سبائك أناملها من فضة:
يا حبذا من مالك الحسن يد
…
لها على أهل الهوى أيادي
وقد قويم، ألطف من النسيم، مائل مائد، صائل صائد. تهيج عليه البلابل، وتطير إليه القلوب ولو كانت مقيدة بالسلاسل، إن حضر بان البان، وغار من غيرته في الكثبان:
أبى قصر الأغصان ثم رأى القنا
…
طوالاً فأضحى بين ذاك قواما
وخصر رقيق الحاشية، معاقد بنده متلاشية، نحيف نحيل، صحيح عليل:
يستر وجدان القبا معدومه
…
ما أحسن المعدوم في الموجود
وردف مائج، نافر خارج، كثيب كثيف، كم له من أسير أسيف. تصعب على الصب نبأته، وتثقل على الخصر وطأته:
يا ردفه ها خصره
…
من فرط جورك مائج
أنحلته بثقالة
…
ما أنت إلا خارج
وسوق تسوق المحبين إلى العطب، ويضرم ماؤها الجامد في القلوب ناراً ذات لهب:
إن فرج العين في بستان طلعته
…
مشى ففرجها في جانب السوق
وأقدام مقدمة على أمثالها، مقبولة عند إدبارها وإقبالها، حسنها لا يضاهى ولا يشارك. وكعبها على الحقيقة كعب مبارك:
كل يذل له حتى ذوائبه
…
أما تراها ترامت تلثم القدما؟
وعليه من الحلل الفاخرة، والملابس الملونة الباهرة، ما يخجل من حمرته وجه الشفق، ويحسد النهار بياضه اليقق، وتخضع لأسوده الظلماء، وتغار من أزرقه السماء، وتعنو الرياض لأخضره، وتغيب الشمس حياء من أصفره.
حمالة الحلي والديباج قامته
…
تبت غصون الربا حمالة الحطب
وبخصره منطقة، لم تبرج له معتنقة، تعوقها العوائق، وتثقلها - كما يقال - العلائق. فمن سيف ماض كناظره، وسهم نافذ كأوامره، وقوس كحاجبه، ومدى لتقصير مدى عائبه، وهي تجول في أضيق مجال، وتنشد بلسان الحال: