المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل التاسع عشر: في الوحش - نسيم الصبا

[ابن حبيب الحلبي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأول: في السماء وزينتها

- ‌الفصل الثاني: في الشمس والقمر

- ‌الفصل الثالث: في السحاب والمطر

- ‌الفصل الرابع: في الليل والنهار

- ‌الفصل الخامس: في أقسام العام

- ‌الفصل السادس: في البحر والنهر

- ‌الفصل السابع: في المعقل والدار

- ‌الفصل الثامن: في الأشجار والثمار

- ‌الفصل التاسع: في الروض والأزهار

- ‌الفصل العاشر: في وصف الغلام

- ‌الفصل الحادي عشر: في وصف الجارية

- ‌الفصل الثاني عشر: في الشمعة والنار

- ‌الفصل الثالث عشر: في مدح العشق وذمه

- ‌الفصل الرابع عشر: في الفراق

- ‌الفصل الخامس عشر: في الاستعطاف

- ‌الفصل السادس عشر: في مجلس الشراب

- ‌الفصل السابع عشر: في الشيب والخضاب

- ‌الفصل الثامن عشر: في الخيل والإبل

- ‌الفصل التاسع عشر: في الوحش

- ‌الفصل العشرون: في الطيور

- ‌الفصل الحادي والعشرون: في الكتابة

- ‌الفصل الثاني والعشرون: في الحرب والسلاح

- ‌الفصل الثالث والعشرون: في رمي البندق

- ‌الفصل الرابع والعشرون: في الكرم والشجاعة

- ‌الفصل الخامس والعشرون: في العدل والاحسان

- ‌الفصل السادس والعشرون: في الشكر والثناء

- ‌الفصل السابع والعشرون: في الهناء

- ‌الفصل الثامن والعشرون: في الرثاء

- ‌الفصل التاسع والعشرون: في الحكم

- ‌الفصل الثلاثون: في المواعظ

الفصل: ‌الفصل التاسع عشر: في الوحش

وحوص غدت سفن المهامه والفلا

ألم ترها تطفو على بحر آلها

تخط حروفاً بالمناسم في الثرى

يقصر عن تحريرها ابن هلالها

فلما تكامل العرض بعد الطول، وأفلت أقمار الإبل وغابت شموس الخيول، أحذ الحاضرون في تذكر أشكالها، وأفاضوا في نعت محاسنها وجمالها. ثم إن الملك أمر باحضار الطعام، واشتغل الناس بالمائدة عن الأنعام. فقمت مبادراً إلى الذهاب، متفكراً في رزق الله لمن يشاء بغير حساب، قائلاً: فاز المخفون، وهلك المثقلون، تالياً:{وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} .

‌الفصل التاسع عشر: في الوحش

هفا بي هيف الإسفار، وطوحني بين أنكر صحبة الأسفار، إلى خرق متسع الجوانب تطول على سالكه سبائب السباسب. فسرت أطوي خيفه وصمانه، وأرض جلاميده وصوانه، إلى أن دنت الشمس من الزوال، وآل أمر الظامئ إلى رؤية الآل. فبينما أنا أرود لأرد، لاح لعيني غدير مطرد. فأتيته مسروراً، ونهلت منه ماء مقروراً. ثم توضأت لأداء المكتوبة، وأبرد بالصلاة ما صلي من الجوارح المكروبة.

ص: 79

ونظرت فإذا تلعة من التلاع، مشرفة على اليفاع، من تلك البقاع، فاقتعدت ذروتها، وتلقيت للقيلولة هضبتها. فما استقر المجلس بي ولا بلغت من الراحة أربي، إلا والغبرة قد نشرت، والوحوش للورد قد حشرت:

فمن أسد ورد شديد الباس، عرد صعب المراس، بين جفنيه مقباس. شثن الكف، لا يرهب من أبطال الصف. ملك مهاب، تبري الإهاب، حديد الظفر والناب، يخلفه الشبل إن غاب عن الغاب:

متخضب بدم الفوارس لابس

في غيله من لبدتيه غيلا

يطأ الثرى مترفقاً من تيهه

فكأنه آس يجس عليلاً

ومن نمر شرس الأخلاق، دم الفريسة بين يديه يراق. الجلبة ضمن جلبابه، والنوائب كامنة في أنيابه، وثباته لاتنكر، وثباته أشهر من أن يذكر. يقطع الطريق، ويحب شرب الرحيق:

أحسن به من النمور أهرتا

يحار في تدبيجه أهل الحجا

إذا بدا يريك من إهابه

طرة صبح تحت أذيال الدجا

ومن فهد خصره رقيق، وعقد فقاره وثيق، واضح الجبين، أفطس العرنين. كم فرى من فرا، واجترح واجترا، وظفر فظفر، وتخفر به الصيد فما خفر.

فهد كحيل المقلتين مرقش

جهم المحيا لا يمل من الحنق

ص: 80

والليل فيه والنهار تغايراً

لله ثوب ألبساه من الحدق

ومن دب مختلف الطباع، يأكل مما تأكله الدواب والسباع. بعيد مقترب، مغرى باللهو واللعب. كثير الشهوة، قليل الغيرة والنخوة. يقبل التعليم والتأديب، ويأتي من بحر فطنته بكل عجيب:

وذي وبر قوي مصلخد

تراه يدب ما بين الدباب

له ظفر إذاً ما عن صيد

له ظفر وناب غير نابي

ومن ضبع حضاجر، كنيتها أم عامر. موصوفة بالعرج، تفترس من دب ودرج. تشتهي السفاد، وتميل إلى الفساد، وتخرج من الوجار، ولا ترعى حق الجار ولو أجار.

صنعنا جميلاً قابلونا بضده

وهذا فعال الخائنات الفواجر

ومن يصنع المعروف في غير أهله

يجازى كما جوزي مجير ام عامر

ومن ذئب أطلس، عمر وعسعس، يسطو بأنياب حداد ويألف الوحدة والانفراد. الغدر له شيمة، والغنم لديه غنيمة. صبور على السفر، شديد الخوف والحذر:

ينام بإحدى مقلتيه ويتقي

بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع

ومن ثعلب رائغ، زائل عن الطريق زائغ. وافر المكر والحيل، يضرب بخديعته المثل. حسن اللباس،

ص: 81

يرتدي بالسندس والقرطاس. يحب الدجاج والحمام، وربما أوقعه في شرك الحمام:

يطير قلب الطير في وكره

مخافة من نابه النابل

لكنه يلقى الردى بعدها

كم أكلة أجنت على الآكل

ومن هر يسبق الهرهور حاد الناب والأظفور. عيناه كالزجاج، ومرطه كالديباج، أخنس الأنف لطيف محل الشنف. يقعي إقعاء الأسد، ويلوي من ذنبه حبلاً من مسد:

وهر أهرت الشدقين ضار

له حسن بديع غير خافي

بكعبة ربه كم طاف سبعاً

ويغسل وجهه قبل الطواف

ومن نمس كميت اللون، ماللطير والثعبان منه صون. صائل صائد، ظهره عظم واحد. طويل الخطم قصير اليدين، ليس له سوى صماخين من الأذنين:

وظربان يألف الظرابا

ويقنص الحسول والضبابا

جلدته كالقد في قوتها

لا يقطع السيف له إهاباً

ومن سنجاب أبلق، بطنه أبيض وظهره أزرق. يأوي الأشجار العالية، ويسكن الأماكن الخالية، جميل الملابس، حسن اليلامق والقلانس:

لله سنجاب بر

ذو ناظر كالشهاب

في الدوح يعدو ويبدو

كقطعة من سحاب

ص: 82

ومن فيل، له خرطوم طويل، يشبه الصولجان، ويحكي في تلويه الأفعوان. وأذنان

كالترسين، تحتهما نابان كالرمحين. عقبة كؤود، شديد الغيرة حقود، يرتاح إلىالطرب، وينخرط في سلك العجب:

وهندي كطود مشمخر

ذكي القلب يفهم ما يقول

لقاء العسكر الشاكي عليه

يهون لأن منظره يهول

ومن كركدن كالجاموس، تنفر منه الخواطر والنفوس، قوته شديدة، وأسلحته عتيدة عديدة. له اختيال في مشيته، وقرن غليظ في جبهته، يظهر بأرض الهند والحبشان، فيخضع هيبة له سائر الحيوان:

وكركدن كدن

في خلقه عجائب

له سلاح حاضر

والعقل منه غائب

ومن زرافة، حازت أنواع اللطافة. بردها بالوشي ملمع، وقرنها بالسبج مقمع، طال جيدها جداً، وجاوز غضب عجبها حداً. عالية الصدر منحطة المآخر، جميلة الأوصاف والمفاخر:

نوبية المنشا تريك من الطلا

روقاً ومن بزل المهارى مشفرا

جبلت على الإقعاء من إعجابها

فنخالها للتيه تمشي القهقرى

ومن مها ثمر حسنها قد زها. عنقاء مبهر، خدها

ص: 83

مضمخ بالعنبر. تفتن العقول بأحداقها، ويعز على القلوب غداة فراقها:

عيون المها على ذي صبابة

صبور على الهجران ليس يحول

يحن إلى سلع ونجد وحاجر

منازل فيها صحبكن نزول

ومن أيل ضباضب، يحمي من قضب شجرتيه بالقواضب. يأكل الأفاعي، ويحسن في تحصيلها المساعي. يشتغل بالصفير والطرب، فيشتغل بنيران العطب:

متشعب القرنين يدعى أيلاً

من دمعه بادزهر الحيوان

ومن فرا ليس في حسنه مرا. كل الصيد في جوفه، لا يستقر على الثرى من خوفه. يميس في برده القشيب، ويطول عمره ولا يشيب:

شغلته لواقح ملأته

غيرة فهو خلفهن كمي

ومن وعل أرقب، لا يفارق النفق والمرقب، يحمي الأروية، ويحتجب في البر عن البرية. يسكن في الأماكن الوعرة، ويصبر على شدة القرة والوغرة:

إن شئت تلقى راهباً ذا رغبة

في شامخ عالي الذرا فالق الوعل

سامي التليل بالضياء مرتد

من تيهه وبالظلام منتعل

ومن ظبي غرير، متلفع بمطارف الحرير. كحيل الطرف

ص: 84

ذكي العرف. جميل الصفات حسن الالتفات. إن حضر أحيا الأرواح، وإن أحضر فات الرياح:

غزال قد غزا قلبي

بأسياف من الطرف

له عطف به ميل

ولكن لا إلى العطف

ومن أرنب يرتع بين الشيح والزرنب. بطنه يقق، ومتنه شفق. قصير اليدين، ينام وهو ساهر العين:

وأرنب ذي وثوب في سياحته

أثوابه صبغت من ماء عقبان

إذا جرى في فلاة خوف مقتنص

تخاله كرة تهفو بميدان

ومن قرد نسناس، في خلقه ما يشبه الناس. خفيف الروح، يغدو في الشواهق ويروح. نزيه يهفوف، بالفهم والذكاء معروف:

أحسن بقرد سريع الفهم ذي شبه

بالآدمي وهذا القدر يكفيه

له لسان ولكن لا يوافقه

يكاد ينطق لولا عجمة فيه

فلما عانيت من تلك الوحوش ما راقني، وشاهدت من أصنافها وأوصافها ما شاقني، واجتليت محاسن عرائسها، وتنزهت في رياض ملابسها، قمت من شكر بارئها بما يجب، وأعلنت بتوحيد رازقها من حيث لا تحتسب، وتلوث إذ أدهشني جمعها وخلقها:{وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَاّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} . ثم إنها مالت من الورد إلى الصدر، وتفرقت بعد

ص: 85