المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثامن: في الأشجار والثمار - نسيم الصبا

[ابن حبيب الحلبي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأول: في السماء وزينتها

- ‌الفصل الثاني: في الشمس والقمر

- ‌الفصل الثالث: في السحاب والمطر

- ‌الفصل الرابع: في الليل والنهار

- ‌الفصل الخامس: في أقسام العام

- ‌الفصل السادس: في البحر والنهر

- ‌الفصل السابع: في المعقل والدار

- ‌الفصل الثامن: في الأشجار والثمار

- ‌الفصل التاسع: في الروض والأزهار

- ‌الفصل العاشر: في وصف الغلام

- ‌الفصل الحادي عشر: في وصف الجارية

- ‌الفصل الثاني عشر: في الشمعة والنار

- ‌الفصل الثالث عشر: في مدح العشق وذمه

- ‌الفصل الرابع عشر: في الفراق

- ‌الفصل الخامس عشر: في الاستعطاف

- ‌الفصل السادس عشر: في مجلس الشراب

- ‌الفصل السابع عشر: في الشيب والخضاب

- ‌الفصل الثامن عشر: في الخيل والإبل

- ‌الفصل التاسع عشر: في الوحش

- ‌الفصل العشرون: في الطيور

- ‌الفصل الحادي والعشرون: في الكتابة

- ‌الفصل الثاني والعشرون: في الحرب والسلاح

- ‌الفصل الثالث والعشرون: في رمي البندق

- ‌الفصل الرابع والعشرون: في الكرم والشجاعة

- ‌الفصل الخامس والعشرون: في العدل والاحسان

- ‌الفصل السادس والعشرون: في الشكر والثناء

- ‌الفصل السابع والعشرون: في الهناء

- ‌الفصل الثامن والعشرون: في الرثاء

- ‌الفصل التاسع والعشرون: في الحكم

- ‌الفصل الثلاثون: في المواعظ

الفصل: ‌الفصل الثامن: في الأشجار والثمار

وجوه مرمرها، وزادت بهجة جباهها وطررها، وتخلقت أثواب ساجها واجتمع شمل أبنوسها وعاجها، وعلت رتبة أرائكها، وغلت قيمة سبائكها، فلو ساجلها الروض لذهب مع الرياح عرفه ولو كحل بنورها الأعمى لارتد إليه طرفه:

ديار عليها من بشاشة أهلها

بقايا تسر النفس أنساً ومنظرا

فلما أحاط علمي بغوره ونجده، وبلغ رائد فكري منه غاية قصده، أدخلته في زمرة عقائل المعاقل، ونظمته في سلك ما أتكلم عليه في المحافل، وسألته عن بانيه وساكنيه فلم يجب. ثم قال بلسان الحال: كل منهم بغمام الرغام قد حجب. فحققت أن الدهر يديل كل مصون، وتلوث:{كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} وخرجت منه معتبراً، وظلت في طريقي متذكراً:

قلت يوماً لدار قوم تناءوا

أين سكانك الكرام لدينا؟

فأجابت هنا أقاموا قليلاً

ثم ساروا، ولست أعلم أينا؟

‌الفصل الثامن: في الأشجار والثمار

لما صدئت مرآة الجنان، قصدت لجلائها الجنان، فطرقت الباب فقيل: من؟ فقلت: فتى لا يدري من له فتن؟ ففتح

ص: 30

الوصيد ودنا المراد من المريد، فدخلت إليها، وما كدت أن أقدم عليها. فإذا جنة عالية، قطوفها دانية، وطلحها منضود، وظلها ممدود، وأعلام أشجارها مرفوعة، وفاكهتها كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة.

ربع الربيع بها فحالت كفه

حللاً بها عقد الهموم يحلل

تجوس المياه خلال ديارها، وتشرق بآفاقها أنوار نوارها، وتحدق الحدق بفنون أفنانها، وتغني الوُرق على عيدانها، وتميد أدواحها على مذهب الأنماط، وتميس من الحلي في أحلى الشنوف والأقراط:

كأن غصونها سقيت رحيقاً

فمالت مثل شُراب الرحيق

نزهة النواظر، وشرك الخواطر. كم لرقيق نسيمها من رقيق، قلبه مقيد ودمعه طليق، بها الأشجار لا تحصى، وثمار لا تعد ولا تستقصى، فمنها نخيل، مُتحفها غير بخيل، جُماره:

جسم لطيف اللمس لكنه

قد لف في ثوب من الصوف

وطلعه:

كصدر فتاة ناهد شق قلبها

سماع فشقت عنه ثوباً ممسكا

وبلحه:

مكاحل من زمرد خرطت

مقمعات الرؤوس بالذهب

ص: 31

وبُسره:

كأنما خوصه عليه

زبرجد مثمر عقيقا

ورطبه:

إهليلج من لجين

مسمر بالنضار

وتمره:

يشف مثل كؤوس

مملوءة من عُقار

وكروم كريمة، منافعها عميمة:

كأنما عنقودها

زنج جنوا في سرقة

فأصبحت رؤوسهم

على الذرا معلقة

أو الثريا عند الصباح، أو أوعية نور ملئت من الراح:

كم درة فيها وكم جزعة

صحيحة التدوير لم تثقب

وتفاح سرى نشره وفاح، كأنه خمر جمد، أو جمر ما خمد، أو در جُمع معه ياقوت، أو وجنة من هي للقلوب في الدنيا قوت، نصفه من بهار، ونصفه من جلنار:

كأن الهوى قد ضم من بعد فرقة

به خد معشوق إلى خد عاشق

وسفرجل جل قدراً، وأطلع من زهره زهراً:

يحكي نهود الغانيات وتحتها

سرر لهن حشين مسكاً أذفرا

ينوب طعمه عن الراح، ويُهدي عطر الخود الرداح:

ص: 32

له ريح محبوب وقسوة قلبه

ولون محب حلة السقم قد كسي

وموز من نضار، كأنه أنياب فيلة صغار، أو طفل قماطه معصفر، أولفات زبد عجنت بسكر:

أو مغرم أنحله وصفره

بعد الذي بوصله ما ظفره

وتين ممزق الجلباب، كدر القشر صافي اللباب:

كأنه رب نعمة سلبت

فعاد بعد الجديد في خلق

ورمان بديع النظام، يبسم عن مثل حب الغمام، كأنه نهود الحسان، أو حقاق صندل حشيت بالمرجان:

حقاق كأمثال الكرات تضمنت

شذور عقيق في غشاء حرير

في شجره جلنار أشرق وأنار:

يحكي فصوص بلخش

في قبة من زبرجد

وإجاص أسود العين، لا يعتريه شيب ولا شين، كأنه كرات من العنبر، أو طليعة من الزنج تنتظر العسكر:

وإذا ما قشرته ففصوص

صبغتها بمائها الظلماء

وخوخ ذو لونين، في بياضه وحمرته جلاء للعين:

كوجنة غادة خافت رقيباً

فغطتها بمحمر البنان

وكمثرى لطيف الذات، حسن الصفات، في غاية اللطف والرقة، يذوب من الراحة ولا

يحمل المشقة:

كأنه في شكله ولونه

وطعمه قوالب من سكر

ص: 33

ومشمش تقمص بالشفق، وتدرع بالورق، ككرات من العقيان، أو بنادق ضمخت بالزعفران:

وكأنما الأفلاك من طرب به

نثرت كواكبها على الأغصان

وتوت خمري اللون، ليس له صبر على الصون مزمل بدمائه، لم يبق فيه غير ذمائه:

يكاد بأن يفنى إذا ما لمسته

فأرحمه من سائر الثمرات

وعُناب نقي الإهاب، كأنه قلوب الأطيار، أو خرز ركب من النضار:

أقراط ياقوت تحركها الصبا

أو أنمل بالأرجوان مطرفة

وفستق شريق كأنه عند التحقيق والتحديق:

زبرجدة ملفوفة في حريرة

مضمنة دراً مغشى بياقوت

أو مسرور تبسم، أو مأسور فتح فاه ليتكلم:

والقلب ما بين قشريه يلوح لنا

كألسن الطير، من بين المناقير

ولوز قلوبه مؤتلفة، وأثوابه مختلفة، لطيف المعاني، له بها جنة من الجاني كأنه خز بزه رفيع، أو عذار جديد شرط الخليع:

أو سندس أخضر من تحته صدف

أحسن به صدفاً في ضمنه درر

ص: 34

وجوز جسمه من العرعر، وقميصه من الزمرد الأخضر، صحيح التدوير، يسقط على الخبارلا على الخبير:

والجوز مقشور يروق كأنه

لوناً وشكلاً مصطكى ممضوغ

وصنوبر يقري الضيف، لا يعرف رحلة الشتاء والصيف، كأنه طيور على ذرا القصب، أو كافور ضمخ بالمسك المنتخب:

عقد لآل مشرق لونه

في جوف أدراع من العود

وأترج حسن ذرعاً وزرعاً، وطاب أصلاً وفرعاً، فيه روح وريحان، وهو للأغصان بمنزلة التيجان:

أباريق من الذهب المصفى

وقد سقطت عراها بالعراء

ونارنج بهيج، طيب زهره أريج، كأنه مصابيح، تهزها أيدي الريح، أو عذراء صبغت بالورس إزارها، أو وجنه عاشق أضرم الوجد نارها:

أو جذوة حملتها كف قابسها

لكنها جذوة معدومة اللهب

وليمون كأنه بنادق من لجين، أودعت غلفاً من العين مخافة العين:

يشبهه بيض الدجاج وقد

لطخه العابث بالزعفران

وزيتون شجرته ميمونة، وأسرار أنواره مكنونة:

ص: 35

بدا لنا كأعين

شهل وذات دعج

مخضره زبرجد

مسوده من سبج

وخرنوب كقرن ظبي معطوف، أو هلال عاجله الخسوف:

وكأنه مذ لاح في أوراقه

أصداف در ضمنها مرجان

ونبق جلبابه معصفر كأنه كهربا أصفر:

أو عدة من شنوف

قد علقت بالغصون

وزعرور كالياقوت، مسك نكهته مفتوت:

جلاجل مخضوبة عندماً

أو خرز أخرطت من عقيق

وبأرضها الباقلاء الذي فاح نشره، وصدق خَبر خُبره يبرز له من الكمائم، نور يحكي بلق الحمائم، كأنه لؤلؤ يقق، متلفع بمروط السرق أو خواتم من فضة، أو مخالب جوارح منقضة:

فصوص زمرد في غلف در

بأقماع حكت تقلم ظفر

والخشخاش الذي تضيء بنوره الأغباش. أعلام تميل مع الرياح، أو أكاليل على رؤوس الرماح:

حبلى تضم أُطيفالاً إذا درجوا

رأيت شملهم المنظوم منشورا

والكتان الذي رقت حواشي شققه وراقت محاسن

ص: 36