المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثامن عشر: في الخيل والإبل - نسيم الصبا

[ابن حبيب الحلبي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأول: في السماء وزينتها

- ‌الفصل الثاني: في الشمس والقمر

- ‌الفصل الثالث: في السحاب والمطر

- ‌الفصل الرابع: في الليل والنهار

- ‌الفصل الخامس: في أقسام العام

- ‌الفصل السادس: في البحر والنهر

- ‌الفصل السابع: في المعقل والدار

- ‌الفصل الثامن: في الأشجار والثمار

- ‌الفصل التاسع: في الروض والأزهار

- ‌الفصل العاشر: في وصف الغلام

- ‌الفصل الحادي عشر: في وصف الجارية

- ‌الفصل الثاني عشر: في الشمعة والنار

- ‌الفصل الثالث عشر: في مدح العشق وذمه

- ‌الفصل الرابع عشر: في الفراق

- ‌الفصل الخامس عشر: في الاستعطاف

- ‌الفصل السادس عشر: في مجلس الشراب

- ‌الفصل السابع عشر: في الشيب والخضاب

- ‌الفصل الثامن عشر: في الخيل والإبل

- ‌الفصل التاسع عشر: في الوحش

- ‌الفصل العشرون: في الطيور

- ‌الفصل الحادي والعشرون: في الكتابة

- ‌الفصل الثاني والعشرون: في الحرب والسلاح

- ‌الفصل الثالث والعشرون: في رمي البندق

- ‌الفصل الرابع والعشرون: في الكرم والشجاعة

- ‌الفصل الخامس والعشرون: في العدل والاحسان

- ‌الفصل السادس والعشرون: في الشكر والثناء

- ‌الفصل السابع والعشرون: في الهناء

- ‌الفصل الثامن والعشرون: في الرثاء

- ‌الفصل التاسع والعشرون: في الحكم

- ‌الفصل الثلاثون: في المواعظ

الفصل: ‌الفصل الثامن عشر: في الخيل والإبل

يمكنه رأب الشعب، وترك منصب الإمارة، شديد على النفس الأمارة. وهي إلى حضرة الخضرة تميل، وعلى الله قصد السبيل:

لعمرك ما خضبت بياض شيبي

رجاء أن يعود لي الشباب

ولكني خشيت يراد مني

عقول ذوي المشيب فلا تصاب

وأنا أستغفر الله من الزلل، واستعين به على سد الخلل، وأتوكل عليه إنه جواد كريم، وأتوب إليه إنه هو التواب الرحيم.

‌الفصل الثامن عشر: في الخيل والإبل

وفد علي يوماً ذو ألوك، يدعوني إلى حضرة بعض الملوك. فلبيت مناديه، ويممت في المال ناديه. فرحب بي على عادته، وقرب مجلسي من وسادته. ثم قال لي: عرض لي أن أعرض العتاق، وأتبعها بالنجائب من النياق، فأحببت حضورك، وقصدت نزهتك وسرورك.

فشكرت فيض فضله، ودعوت بتوفير خيله ورجله. فما استتم المقال إلا والنجائب تقاد بأيدي الرجال: فمن أشهب يقق، إن طلب لحق، وإن طُلب سبق. طِرف يحار الطرف في حسنه، ويرى الناظر شخصه في مرآة

ص: 75

متنه. بعيد المنار والمنال، طلعته الفجر وسرجه الهلال. لا يخطر معه الخطار ولا تعلق الغبراء له بغبار. يهدي فارسه من حافره بسنا السنابك، ويغتدي عند امتطاء صهوته من الذين ينظرون على الأرائك.

ومن أدهم غربيب، لا يعلم أجنوب هو أم جنيب. يسبق السيل في السير، معقود بناصيتها الخير، ينساب كالثعبان، وينعطف انعطاف السرحان. زاد على زاد الركب وزاحم النكباء بالمناكب، يسلب العقول بحسن دسيعه وتليله ويخطف الأبصار برق غرته وتحجيله.

ومن أشقر خلوقي الجلباب، ألبسه الأصيل حلة تفتن الألباب. الراح تحكيه في لباسه، والرياح لا تقدم على مجاراته لباسه، متقلد بالذهب، متقلب في اللهب، يشفق من مناظرته الشفق، ويسرق من لين شعره السرق، ينقص الزائد لديه، ويفوت أعوج ثم يعوج متهكماً عليه.

ومن كميت طاب عرفه، واسود ذنبه وعرفه. أسيل الخدين، بارز النهدين، عندمي اللباس، يحول بين الظباء والكناس، إن وثب ألحق العنان بالعنان، وإن وقف عاينت كل عضو منه وردة كالدهان. يجد السير في حزن الفلاة وسهلها، ويرد الوديعة محمولة إلى أهلها.

ومن أصفر لونه فاقع، كم له في الحلبة من طائر خلفه واقع، ينتمي إلى الحبشان، ويعبر بلونه الزعفران. الدجا على عرفه قابض، وماء القار على ذيله فائض. يتجلى

ص: 76

في الرياض الشمسية، ويسبح في الجداول الورسية. لا يمل من التقريب والإلهاب، ويأتي من عدوه بغرائب يشيب منها الغراب.

ومن أخضر حسن وشياً، وراق للعيون جرياً ومشياً. زرزوري الإهاب، يجمع بين الشيب والشباب. زبرجدي الحافر، أين منه الغزال النافر؟ يظهر عجز مكتوم وتخمد عنده جمرة

اليحموم يخجل بتفويفه الرياض، ويسابق أسهم راكبه إلى الأغراض.

ومن أبلق عظمت فصوصه، واشتهر حسنه وشهر قميصه. طويل الحزام والذيل، وهامته من الصباح وشامته من الليل. يمرح في جلالة جلاله، ويولع إذا غابت الخيل بمسابقة خياله. ينحط الوجيه عن أوجه، ويغرق الفياض في موجه، يسبق النعامى والنعامة وينظر بعيني زرقاء اليمامة:

جرد بهن لكل عين جنة

فإذا جرين أتين بالنيران

يحكين في البيد النعام رشاقة

ويسرن في الأنهار كالحيتان

ثم إن الملك أمر برد الجنائب، وأذن في عرض النجائب، فأقبلت تتهادى صحبة سواسها، وتتبختر في مصبغات أكوارها وأحلاسها: فمن جسرة لونها أحمر، وليل سراها واضح أقمر. عنكرة عيطموس، تميل إليها الخواطر والنفوس، موارة اليدين، بعيدة وخد الرجلين أنحلها التسيار، وهذبتها الأسفار.

ومن سرداح لونها أرمك،

ص: 77

يكاد خيال السماك بها يمسك، مليئة بالذوح والإساد، تخالط حمرتها السواد. جميلة الصفات مرقال، حسنة الشمائل شملال. رحبة السقل والخطا، لا يعرف لها عدول عن الطريق ولا خطا.

ومن رقوب لونها أزرق، تطفو في بحر السراب كالزورق. ظهيرة دوسرة، منوفة بهزرة تطس الآكام، وتثبت في أثواب وُرق الحمام. موصوفة بالإعصاف، معروفة بالإعناق والإيجاف. ومن أمون لونها جون، وكون مثلها من محاسن الكون. تميل إن شبهتها إلى الدجا، ولا تمل من السير ولو براها الوجى. لها فخذان لحمهما وافر، وذنب تكنفه جناحا طائر، تفوت الريح في خطراتها، وتطأ جمر القيظ بجمراتها.

ومن وجناء لونها أصهب، ورباطها الدمسقي مذهب، ترعى الحدائق وترعى الحادي والسائق. شكول عسبور، تسامي رأسها أعواد الكور، غائرة الأحداق، سريعة الاندفاع والانطلاق. ومن مصباح لونها أغبش، وكل من قوائمها أحمش، يخالط بياضها شقرة، يولد الاجتماع بها طريقاً إلى النصرة. هوجاء دفاق، روعاء مزاق، ترض الحصا برصها، وتستطلع الأخبار بنصها.

ومن شمردلة لونها أحوى، مهارق البيد بغيرها لا تطوى. تجوب القفار وتجوس خلال

الديار. مشفرها رقيق، وسبب وظيفها وثيق. تختال في شنفها وزمامها، وتدهش الأبصار بسنا سنامها:

ص: 78