الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب السنة
وهي لغة الطريق وتطلق شرعًا على المشروع من واجب ومندوب ومباح وتطلق في اصطلاح فقهاء المالكية على ما أمر به صلى الله عليه وسلم وواظب عليه وأظهره ولم يوجبه وتطلق في اصطلاح الشافعية على ما كان نفلاً منقولاً عنه صلى الله عليه وسلم وفي اصطلاح الأصوليين على ما ذكره بقوله:
وهي ما انضاف إلى الرسول
…
من صفة كليس بالطويل
والقول والفعل وفي الفعل انحصر
…
تقريره كذي الحديث والخبر
تقدمت مباحث الأقوال التي تشارك السنة فيها الكتاب والكلام هنا في غير ذلك يعني أن السنة هي ما يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من صفة ككونه ليس بالطويل ولا بالقصير ومن قول وفعل ومن الفعل الإشارة كإشارته صلى الله عليه وسلم لكعب بن مالك أن يضع الشطر من دين له على ابن أبي حدرد ومن الأفعال الهم إذ هو فعل نفس كالكف عن الإنكار فإذا هم بفعل وعاق عنه عائق كان مطلوباً شرعاً لأنه لا يهم إلا بحق كما هم بتنكيس الرداء في الاستسقاء فثقل عليه فتركه فلذلك استحبه الشافعي ومالك عملاً بما في الأثر من أنه جعل اليمين على الشمال والشمال على اليمين ودخول الهم في الأفعال يقتضي دخول غيره من الأفعال القلبية كالقصود بخلاف الاعتقادات والعلوم (فليس) أفعالاً على التحقيق بل هي انفعالات
وقال القرافي أن الهم خفي فلا يطلع عليه إلا بقول أو فعل فيكون الاستدلال بأحدهما فلا يحتاج إلى ذكره وأجيب بعدم تسليم الحصر في قوله فلا يطلع عليه إلا بقول أو فعل بل قد يطلع عليه بقرائن حالية والاستدلال حينئذ إنما هو به مع إن الإطلاع عليه بأحدهما والاستدلال بأحدهما لا يمنع كونه من أفراد السنة وصحة الاستدلال به نفسه فإن قيل يمكن الاقتصار على الأفعال لشمولها الأقوال لأنها أفعال اللسان كما أن الهم فعل القلب أجيب إنما ذكروها لئلا يتوهم خروجها لعدم تبادرها عرفا من الأفعال قوله وفي الفعل الخ يعني أن تقريره صلى الله عليه وسلم داخل في الأفعال دخول انحصار بحيث لا يخرج شيء منه عنها وتقريره أن يعلم أن أحدا فعل شيئا ولم ينكره عليه قوله كذي الحديث والخبر يعني أن الحديث والخبر كذا أي السنة في كون كل منهما هو المضاف إليه صلى الله عليه وسلم من صفة أو قول وفعل قال في الآيات البينات عند قول السبكي وهو أقوال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأفعاله ظاهره أن مسمى السنة المجموع المتناول السائر الأقوال والأفعال وغيرهما مما قرروه وهذا نظير ما قدمه من جعل مسمى القرآن المجموع الشامل لسائر أجزائه وظاهره أنها أيضا كالقرآن تطلق على المفهوم الكلي الصادق بكل قول أو فعل أو غيرهما والمراد بغيرهما مما قدروه يعني به الهم والإشارة إلا أنهما داخلان في الأفعال لا غير لها
والأنبياء عصموا مما نهوا
…
عنه
ببناء الفعلين للمفعول العصمة بالكسر تخصيص القدرة بالطاعة فلا يخلق له قدرة على المعصية وهي واجبة لجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقد أجمع أهل الملل والشرائع كلها على وجوب
عصمتهم من تعمد الكذب فيما دل المعجز القاطع على صدقهم فيه كدعوى الرسالة وما يبلغونه عن الله تعالى الخلائق وصدور الكذب عنهم فيما ذكر سهوا أو نسيانا منعه الأكثرون وما سوى الكذب في التبليغ فإن كان كفرا فقد اجتمعت الأمة على عصمتهم من الكبائر عمدا ومخالف الجمهور الحشوية واختلف أهل الحق هل المانع لوقوع الكبائر منهم عمدا العقل أو السمع وأما المعتزلة فالعقل وأن كان سهوا فالمختار العصمة منها وأما الصغائر عمدا أو سهوا فقد جوزها الجمهور عقلا لكنها لا تقع منهم غير صغائر الخسة فلا يجوز وقوعها منهم لا عمدا ولا سهوا والمراد بالصدور المنفي في قول السبكي الأنبياء معصومون لا يصدر عنهم الخ الوقوع.
فائدة
قال القرافي النقائص مستحيلة على الله تعالى والمعاصي مستحيلة على الأنبياء وعلى الملائكة وعلى مجموع الأمة المحمدية وأفراد الأمة كل واحد منهم قد استحال منه صدور المعاصي التي لم يقدر عليها فاشترك الجميع في امتناع صدور النقائص منهم ولكل واحد من هذه المواطن ضابط فأما امتناع النقائص عليه تعالى فاجتمع فيه أمور أحدها أنه لذاته وجب له ذلك غير معلل بشيء وثانيها أنه لما كان كذلك علم الله تعالى ذلك فوجب ذلك لأجل العلم ولما علمه أخبر عنه فصار واجبا لأجل الخير وأما عصمة الأنبياء والملائكة عليهم السلام ومجموع الأمة فالاستحالة في حقهم والعصمة من باب واحد وهو أن معناها أخبار الله تعالى النفساني واللساني أي الوارد على السنة الأنبياء عن جعلهم كذلك واجتمع مع ذلك علم الله تعالى بذلك وإرادته له فاستحالة المعصية
عليهم وعصمتهم نشأت عن الأمور الأربعة وأما عصمة الصحابة وآحاد الأمة الذين لم يصدر عنهم معاص فلأمور العلم والإرادة والخبر النفساني لأنه من لوازم العلم وهو معنى قولهم كل عالم مخبر عن معلومة وليس في حقهم خبر لساني أي لم ينزل الله تعالى نصا في أن فلانا لا يصدر منه كذا من المعاصي، بتصرف فيه، قوله مما نهوا عنه يعني ولو كان النبي للتنزيه لندور صدور المكروه من الولي فضلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولظاهر حاله قال ابن رشد والمازري أن المكروه لا يصدر منهم أصلا وقائل ذلك يؤدب وقاله ابن شعبان:
ولم يكن لهم تفكه
بجائز بل ذاك للتشريع
…
أو نية الزلفى من الرفيع
يعني أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يفعلون جائزا للتفكه أي التلذذ والميل إلى الدنيا بل إنما يفعلونه تشريعا لاممهم أو يفعلونه بنية الزلفى أي القرب من الرفيع جل وعلا كالأكل والشرب بنية التقوى على العبادة وإذا كان الأولياء الكمل لا يفعلون مباحا إلا بنية تجعله قربة ولذلك كان الشاذلي يقول أو ذي وردى من النوم فالأنبياء أولى وأحرى بذلك
فالصمت للنبي عن فعل علم
…
به جواز الفعل منه قد فهم
الصمت مبتدأ وجواز مبتدأ ثاني وجملة فهم بالتركيب خبر الثاني والثاني وخبره خبر الأول وعلم بالبناء للفاعل يعني إذا ثبتت العصمة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام علم أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم لا يقر أحدا مميزا ولو غير مكلف على باطل من فعل أو قول
أو اعتقاد لأن الباطل قبيح شرعا وأن صدر من غير المكلف ولا يجوز تمكين غير المكلف منه وإن لم يأثم به ولأنه يوهم من جهل حكم ذلك الفعل بل لا يبعد أن المكروه وخلاف الأولى كذلك قاله في الآيات البينات وإنما كان صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل كغيره من الأنبياء لوجوب تغيير المنكر عليهم مطلقا ويسقط عن غيرهم إذا خاف على نفسه، وإذا كان الأمر كذلك فإذا فعل أحد فعلا وعلم به النبي صلى الله عليه وسلم برؤية أو غيرها علم منه جواز ذلك الفعل في حق الفاعل وغيره لأن الأصل استواء الناس في الأحكام حتى تثبت الخصوصية هذا مذهب الجمهور وقال القاضي في حق الفاعل فقط إذ لا صيغة للسكوت حتى يعم وقالت المعتزلة إلا في حق من يغريه الإنكار ورد بأنه يجب الإنكار عليه ليزول توهم الإباحة وقال إمام الحرمين من الشافعية إلا في حق الكافر ولو منافقا بناء على عدم تكليفهم بالفروع وسكت عما إذا كان اعتقادا وقيل إلا في حق الكافر غير المنافق لأنه عليه الصلاة والسلام كان ينكر على المنافقين والجواز المدلول عليه بالسكوت يحتمل الإباحة والندب والوجوب وحمله بعضهم على الإباحة فقط:
وربما يفعل للمكروه
…
مبينا أنه للتنزيه
فصار في جانبه من القرب
…
كالنهي أن يشرب من فم القرب
يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يفعل المكروه المنهي عنه مبينا بذلك الفعل أن المنهي للتنزيه لا للتحريم فصار ذلك الفعل في حقه قربة يثاب عليها لما فيه من البيان وذلك كنهيه عن الشرب من أفواه القرب بكسر القاف وقد شرب منها:
وفعله المركوز في الجبلة
…
كالأكل والشرب فليس ملة
من غير لمح الوصف
الجبلة بكسرتين وتشديد اللام الخلقة والملة بكسر الميم الشريعة يعني أن ما كان من أفعاله صلى الله عليه وسلم مركوزا في الجبلة التي لا يخلو الإنسان عنها كالقيام والقعود والأكل والشرب لا يعد ذلك ملة أي شريعة نتأسى به فيها بل هو عند الباجي للإباحة في حقنا لأنها القدر المحقق والحرام والمكروه منتفيان عنه وقال بعض أصحابنا أنه للاستحباب في حقنا لاستحباب التأسي به ومحل كونه ليس ملة إنما هو مع قطع النظر إلى صفة ذلك الفعل أما مع النظر إليها فمندوب كما حكاه الباجي عن بعض أهل المذهب ونعني بصفته الحالة الواردة عنه عليه الصلاة والسلام في ذلك كالأكل باليمين.
والأكل مما يليه والذي احتمل
…
شرعا ففيه قل تردد حصل
فالحج راكبا عليه يجري
…
كضجعة بعد صلاة الفجر
ما تقدم الجبلي المحض وما هنا الجبلي غير المحض أعني به المحتمل للجبلي والشرعي بأن كانت الجبلة تقتضيه في نفسها لكنه وقع متعلقا بعبادة بأن وقع فيها أو في وسيلتها كالركوب في الحج والذهاب إلى العيد بأن وقع فيها أو في وسيلتها كالركوب في الحج والذهاب إلى العيد في طريق والرجوع في أخرى والضجعة بين صلاة الفجر وصلاة الصبح على شقه الأيمن كان صلى الله عليه وسلم يضجعها ودخوله مكة من كداء بالفتح والمد وخروجه من كدى بالضم والقصر ونزوله بالمصحب وقع في ذلك ونحوه تردد أي خلاف ناشئ عن القولين في تعارض الأصل الذي هو عدم التكليف والظاهر الذي هو بعثه للتشريع
والركوب أفضل عندنا على معروف المذهب إلا في السعي والطواف فالمشي فيهما واجب وقال سند واللخمي أن المشي في الحج أفضل للمشقة وركوبه صلى الله عليه وسلم فيه جبلي ومعروف مذهبنا أن الضجعة للاستراحة لا للتشريع ويستحب عندنا الرجوع في طريق غير الأولى في العيد وكذا دخول مكة من كداء بالفتح والخروج من كدى بالضم والقصر وكذا النزول بالمصحب بعد الانصراف من منى والضمير المجرور بعلى راجع إلى التردد:
وغيره وحكمه جلى
…
فالاستوا فيه هو القوى
(من غير تخصيص) يعني أن غير الجبلي من أفعاله صلى الله عليه وسلم والحال أن حكمه من وجوب ونذب وإباحة جلى أي معلوم فاستواء الأمة فيه معه قوى مشهور لأنه مذهب الجمهور وغيره ضعيف وقال ابن خلاد من المعتزلة أنها مثله فيه إذا كان عبادة فقط وقيل لا مطلقا ويكون كمجهول الصفة الآتي أما ما كان مختصا به صلى الله عليه وسلم كزيادة في النكاح على أربع نسوة ووجوب التهجد والوتر والضحى والأضحى بحضر إلى غير ذلك من خصائصه التي ذكرها الشيخ خليل في مختصره فلسنا متعبدين به على الوجه الذي تعبد هو به وإلا فقد تعبدنا به نحن على وجه آخر كالضحى والمشاورة فإنه تعبد بهما على وجه الوجوب وتعبدنا بهما نحن على وجه النذب قاله زكرياء والمراد إنا لسنا متعبدين به من حيث فعله بمعنى أن فعله لا يكون سببا لتعبدنا فلا ينافي تعلق التعبد به باعتبار غير الفعل كالقول ففعله للضحى على وجه الوجوب لم يؤثر في تعبدنا به لكنه أمرنا به بالقول فتعبدنا به باعتبار قوله لا باعتبار فعله الذي الكلام فيه. قاله في الآيات البينات
وبالنص يرى
…
وبالبيان وامتثال ظهرا
يرى بالبناء للمفعول نائبه ضمير الحكم وبالنص متعلق يرى وقوله بالبيان متعلق بظهر وقوله وامتثال معطوف على البيان تكلم في البيت قبل هذا على أن الفعل الغير الجبلي إذا علم حكمه تستوي فيه الأمة معه صلى الله عليه وسلم وتكلم هنا على ما تعرف به صفته أي حكمه فذكر أنه يعرف بالنص على حكمه كقوله مثلا: هذا واجب وبالبيان والامتثال الدال على وجوب أو ندب أو إباحة فيكون حكمه حكم المبين أو الممتثل صورة البيان أن لا تعلم صفة المأمور به فيفعله فتعلم صفته كقطعه للسارق من الكوع المبين لمحل القطع وصورة الامتثال أن يكون المأمور به معلوما فيأتي به لامتثال الأمر به كما لو تصدق بدرهم امتثالا لإيجاب التصدق به فعلم وجوبه من وقوعه امتثالا ومن فوائد استفادة الحكم من الامتثال مع استفادته من الأمر أيضا تأكيد ثبوت الحكم حيث استفيد من كل من الأمر والفعل ومنها دفع توهم توقف أجزاء المأمور به على بعض الوجوه.
وللوجوب علم النداء
…
كذاك قد وسم بالقضاء
علم بالتحريك مبتدأ خبره للوجوب والعلم بمعنى العلامة وإضافته للنداء الذي هو الأذان بيانية أي العلامة التي هي النداء يعني أن الآذان يعلم به وجوب الصلاة لأنه ثبت بالاستقراء أن ما يؤذن لها واجبة بخلاف ما لا يؤذن لها كصلاة العيدين والاستسقاء فعدم الآذان يدل على عدم الوجوب إلا لدليل كما في النذر قوله كذلك قد وسم بالبناء للمفعول وتخفيف السين أي ميز وعرف
الوجوب بعلامة هي القضاء إلا الفجر قال خليل: "ولا يقضي غير فرض إلا هي فللزول" خلافا للشافعي القائل بوجوب قضاء العيدين وكل نافلة لها سبب.
والترك أن جلب للتعزير
…
وسم للاستقرا من البصير
يعني أن ترك الشيء إذا كان ذلك الترك فيه تعزير أي عقوبة للتارك مما يدل على وجوب فعل ذلك الشيء قوله واسم بفتح فسكون معناه علامة على الوجوب لاستقراء أهل البصر والخبرة أحواله صلى الله عليه وسلم فلم يروه يعزر إلا على ترك واجب لأن تركه معصية قال خليل وعزر الإمام لمعصية الله تعالى والمعصية هي فعل الحرام أو ترك الواجب.
وما تمحض لقصد القرب
…
عن قيد الإيجاب فيسمي الندب
ما من قوله وما تمحض مصدرية يعني أن تمحض الفعل لقصد التقرب به إلى الله تعالى هو علامة تخص الندب عن غيره من الأحكام بأن تدل قرينة على قصد القربة بذلك الفعل مجردا عن قيد الوجوب بأن ينتفي دليل الوجوب وقرينته إذ لا يخفى أن جعل مجرد قصد القربة إمارة هو من حيث كونه مدلول القرينة وإلا فقصد القربة أمر باطن لا إطلاع عليه قاله المحشي والمتمحض لقصد القربة يكون صلاة أو صوما أو ذكرا أو غير ذلك من التطوعات.
وكل ما الصفة فيه تجهل
…
فللوجوب في الأصح يجعل
تجهل ويجعل بالبناء للمفعول يعني أن ما كان من أفعاله صلى الله عليه وسلم مجهول الصفة أي مجهول الحكم فإنه يحمل على
الوجوب لأنه الأحوط وأبعد من لحوق الإثم إذ على احتمال الندب والإباحة لا يقتضي ترك الفعل إثما وعلى احتمال الوجوب يقتضي الترك الإثم ونعني أنه للوجوب في حقه صلى الله عليه وسلم وحقنا وكونه للوجوب هو الأصح وهو الذي ذهب إليه الإمام مالك والأبهري وابن القصار وبعض الشافعية وأكثر أصحابنا وبعض الحنفية وبعض الحنابلة وقد تعقب كونه للوجوب بمنع كونه موضع احتياط إذ الاحتياط إنما يشرع حيث تقدم وجوب كما في الصلاة المنسية من الخمس إذ لم يعلم عينها أو كان ثبوته هو الأصل كوجوب صوم اليوم الموفى الثلاثين إذا لم ير هلال شوال لأن الأصل بقاء رمضان وأما ماحتمل غير ذلك ولا وجوب ولا أصل فيه فليس موضع احتياط كصوم يوم الشك في هلال رمضان وللقول بالوجوب أدلة متعددة أوردها ابن الحاجب منها قوله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه) أي ما دلكم عليه بالقول والفعل فاقبلوه ومنها قوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).
وقيل مع قصد التقرب وإن
…
فقد فهو بالإباحة قمن
بكسر الميم وفتحها بمعنى حقيق يعني أن الباجي قال أن فعله صلى الله عليه وسلم الذي جهلت صفته يحمل على الوجوب أن ظهر قصد القربة وإن لم يظهر فهو للإباحة وذكر حلولوا عن بعض أصحابنا أنه أن ظهر قصد القربة فللنذب وإلا فللاباحة والقول الأول القائل بالوجوب وسواء عنده ظهر قصد القربة أم لا ومجامعة قصد القربة للوجوب يريدون به هنا قصد القربة بيان الفعل للأمة لا قصد القربة بنفس الفعل فإن ذلك من أمارات الندب كما تقدم قوله فهو بالإباحة أي لأن الأصل عدم الطلب وإنما دلت الآية
على حسن التأسي والمباح حسن شرعا وقد قرر السبكي في شرح المناهج أن الآية تدل لوجوب ولا ندب ولا إباحة (وقد روى عن مالك الأخير) بسكون ياء روى وعدم تنوين مالك للوزن يعني أن إمام الحرمين والأموي رويا عن إمامنا مالك رحمه الله تعالى إن مجهول الصفة يحمل على الإباحة (والوقف للقاضي نمى البصير) يعني أن البصير بعزو الأقوال إلى أهلها نمى ونسب التوقف عن القول بواحد من الأقوال المتقدمة إلى القاضي أبي بكر الباقلاني منا وجعلهم الوقف قولا بناء على أن الشك حكم والقول بالوقف محكي عن بعض الشافعية أيضا
والناسخ الأخير أن تقابلا
…
فعل وقول متكررا جلا
الألف في تقابلا ألف الإطلاق ومتكررا حال من ضمير القول المستتر في جلا بمعنى ظهر يعني أن الناسخ في حقه صلى الله عليه وسلم هو المتأخر من القول والفعل عند تقابلهما أي تخالفهما إذا كان القول متكررا أي دل دليل على تكرر مدلوله والقول خاص به كان يقول يجب على صوم يوم عاشوراء ي كل سنة، وأفطر فيه وكون الناسخ هو المتأخر ظاهر في تأخر الفعل، وكذا في تقدمه لدلالة الفعل على الجواز المستمر، فإن لم يدل دليل على تكرر مقتضى القول فلا نسخ في تأخر الفعل دون تقدمه فإن القول يكون ناسخا له، لما تقدم من دلالة الفعل على الجواز المستمر، وقال العضد: إن دلالة الفعل لا عموم فيها، وغاية ما فيها إطلاق، فإن جهل المتأخر منهما فهو المذكور في قوله:
والرأي عند جهله ذو خلف
…
بين مرجح ورأى الوقف
يعني أن رأى الأصوليين عند جهل المتقدم من القول والفعل مختلف فمنهم من يرجح القول لأنه أقوى دلالة من الفعل لوضعه لها والفعل إنما يدل بقرينة لأن له محامل فلابد من أمر يعين بعضها ولأنه أعم دلالة من الفعل إذ يعم الموجود والمعدوم والمعقول والمحسوس بخلاف الفعل فإنه يختص بالموجود المحسوس ولأن دلالة الفعل متفق عليها ودلالة الفعل مختلف فيها، والمتفق عليه أولى بالاعتبار وقيل يرجح الفعل لأنه أقوى في البيان بدليل أنه يبين به القول وقيل بالوقف عن ترجيح واحد منهما، على الآخر في حقه لاستوائهما في احتمال تقدم كل منهما على الآخر ولا تعارض في حقنا حيث دل دليل على تأسينا به في الفعل لعدم تناول القول لنا قوله: مرجح بكسر الجيم.
والقول أن خص بنا تعارضا
…
فينا فقط والناسخ الذي مضى
أن بالتأسي أذن الدليل
…
والجهل فيه ذلك التفصيل
يعني أن القول والفعل يتعارضان في حقنا دونه صلى الله عليه وسلم إذا كان القول خاصا بنا كان قال يجب عليكم صوم عاشوراء في كل سنة وأفطر فيه في سنة بعد القول، أو قبله، وإذا تعارضا في حقنا فالناسخ هو الذي مضى أي تقدم ذكره وهو المتأخر إذا علم وتعارضهما في حقنا مشروط بأن يدل دليل على وجوب تأسينا أي اقتدائنا به في الفعل فلا معارضة بينهما في حقنا، والتعارض بين شيئين هو تقابلهما على وجه يمنع كل منهما مقتضى الآخر أو بعض مقتضاه، قوله: والجهل الخ يعني أنه إذا جهل المتأخر منهما كان فيه التفصيل المتقدم من ترجيح بعض القول وبعض للفعل وذهاب بعض إلى الوقف
وإن يعم غيره والاقتدا
…
به له نص فما قبل بدا
فاعل يعم ضمير القول وغير مفعوله والجواب جملة ما قبل بدا وجملة الاقتدا به الخ معترضة يعني أن القول إذا عمه صلى الله عليه وسلم مع غيره فالحاصل هو ما ذكر قبل من نسخ المتأخر للمتقدم إذا علم ومن الخلاف عند جهله في حقنا بشرط أن يدل نص أي دليل على اقتدائنا به في ذلك الفعل مثاله أن يقول يجب على وعليكم صوم عاشوراء في كل سنة وأفطر فيه في سنة وإن لم يدل دليل على وجوب تاسينا به في الفعل فلا معارضة في حقنا والمعارضة في حقه ثابتة مطلقا.
في حقه القول بفعل خصا
…
أن يك فيه القول ليس نصا
يعني أن الفعل يخصص القول في حقه أن يكن القول العام فيه ظاهرا فيه لا نصا كان قال يجب على كل أحد صوم عاشوراء وأفطر فيه في سنة تقدم الفعل أو تأخر وجهل التاريخ ولا نسخ حينئذ لأن التخصيص أهون منه لما فيه من أعمال الدليلين لأنه رفع للبغض والنسخ رفع للجميع فهو دونه في مخالفته أصل استصحاب حكم العام قولنا ولا نسخ حينئذ قيده المحشي بقوله إلا أن يكون العام سابقا وقد دخل وقته ثم جاء الفعل المخالف له أهـ.
ولم يكن تعارض الأفعال
…
في كل حالة من الأحوال
يعني أن ابن الحاجب والرهوني وغيرهما صرحوا بأن لا تعارض بين الفعل والفعل في كل حالة من الحالات أي تماثل الفعلان أو اختلفا أمكن الجمع بينهما أولا إذ الفعل لا يقع في الخارج إلا شخصيا لا كليا حتى ينافي فعلا آخر فجائز أن يقع الفعل واجبا في وقت وفي وقت آخر بخلافه ومثله للعضد حيث قال أن دلالة الفعل لا عموم فيها
وغاية ما فيها إطلاق وما ذكره المحلى من دلالة الفعل على الجواز المستمر دون القول مخالف لما تقدم ومخالف لما قيد به السبكي في غير جمع الجوامع معارضة الفعل للقول فيما إذا كان الفعل متقدما بأن يدل دليل على تكرار الفعل بخلاف ما إذا كان متأخرا فإنه وإن لم يدل دليل على تكراره ينسخ عموم القول المتقدم وأيضا دلالة الفعل على الجواز المستمر ليست وضعية وبحث في قول المحلى لدلالة الفعل على الجواز المستمر بأنه لم دل ذلك عليه ولم يدل عليه القول مع إن كلا منهما ليس فيه صيغة عموم وعلى أن الفعل يدل على الجواز المستمر يحتمل جواز تعارض الفعلين أخذا بظاهر هذا الكلام ويحتمل خلافه قاله في الآيات البينات.
وإن يك القول بحكم لامعا
…
فآخر الفعلين كان رافعا
قوله بحكم يتعلق بقوله لامعا أي واردا بثبوت الحكم يعني أن ما ذكر من عدم تعارض الفعلين إنما هو إذا لم يقترن بالفعلين قول يدل على ثبوت الحكم وإلا كان آخر الفعلين رافعا للأول أي ناسخا له على ما صححه الابياري كقوله صلى الله عليه وسلم "صلوا كما رأيتموني أصلي" ورأوه صلى صلاة الخوف على صفات متعددة وهي سبعة فالحالة الأخيرة ناسخة لما قبلها (والكل عند بعضهم صحيح) هذا قول ثان في المسألة يعني أنه يصح الكل أي الإيقاع على كل وجه من تلك الوجوه عند بعضهم الذي هو القاضي وللشافعي ميل إليه وعليه يجوز أن تصلى صلاة الخوف على كل من تلك الصفات السبع ويجوز قبض اليدين في الفريضة وإرسالهما (ومالك عنه روى الترجيح) بإسكان ياء روى يعني إن مالكا والشافعي مثله قال يطلب الترجيح بين تلك الأفعال فيقدم ما هو أقرب لهيئة الصلاة ومن
الترجيح كون أحد الفعلين أقرب للعبودية والخشوع كوضع اليمنى على اليسرى في الصلاة لكن مالكا رجح إرسالهما لما فيه من تقلييل الأفعال.
وحيثما قد عدم المصير
…
إليه فالأولى هو التخيير
بضم عين عدم يعني إنه إذا عدم المصير إلى الترجيح بأن لم يوجد مرجح لأحد الفعلين على الآخر فالأولى والأفضل هو التخيير بين الفعلين فافعل أيهما شئت فإن ذلك خير من التعطيل وإلغاء العمل بواحد منهما.
ولم يكن مكلفا بشرع
…
صلى عليه الله قبل الوضع
يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس مكلفا بفتح اللام بشرع من قبله من الأنبياء قبل الوضع أي نزول الوحي إليه عند مالك وأصحابه واختلف في النفي هل هو بالنقل أو بالعقل.
وهو والأمة بعد كلفا
…
إلا إذا التكليف بالنص انتفى
يعني أنه هو وأمته مكلفون بعد نزول الوحي إليه بشرع من قبله عند مالك وجمهور أصحابه وأصحاب الشافعي وأبي حنيفة ما لم يرد دليل على عدم التكليف به فلا تكليف (وقيل لا) يعني أن بعضهم ذهب إلى عدم تكليفه هو وأمته بشرع من قبلهم بعد نزول الوحي فمشهور المذهب كما في المنتقى للباجي أن شرع من قبلنا شرع لنا والمشهور عند الشافعية أنه ليس شرعا لنا وهو اختيار السبكي.
والخلف فيما شرعا
…
ولم يكن ذاع إليه سمعا
ببناء شرع وسمع للمفعول يعني أن اختلافهم في شرع من قبلنا هل هو شرع لنا إنما هو فيما ثبت في شرعنا إنه شرع للأنبياء قبلنا ولم يكن داع إليه أي الأمر بالاقتداء بهم فيه مسموع ووارد في شرعنا أما ما لم يعلم أنه شرع للأنبياء إلا بقول أممهم فليس شرعا إنا اتفاقا وكذا لا اختلاف فيما أمرنا به في شرعنا كمدلول قوله تعالى (وكتبنا عليهم فيها إن النفس بالنفس) الآية، لقوله صلى الله عليه وسلم لأنس كتاب الله القصاص فإن ذلك شرع لنا اتفاقا.
والخلاف في مثل: ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) هل يستدل به على جواز الضمان والمشهور عندنا الجواز وهذه المسألة ذكرها السبكي ولفظه اختلف هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم متعبدا قبل النبوءة بشرع واختلف المثبت فقيل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وما ثبت أنه شرع أقوال إلى أن قال وبعد النبوءة المنع.
ومفهم الباطل من كل خبر
…
في الوضع أو نقص من الراوي انحصر
يعني أن كل خبر عنه صلى الله عليه وسلم أفهم الباطل ولم يقبل التأويل فهو إما موضوع أو نقص منه من جهة راوية لفظ يزيل الباطل فمن الأول ما روى أن الله تعالى خلق نفسه فإنه يوهم حدوثه وقد دل العقل القاطع على استحالته عليه تعالى.
ومن الثاني ما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في آخر حياته فلما سلم قام فقال أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقي ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد قال ابن عمر فوهل الناس في مقالته بفتح الهاء أي غلطوا حيث لم يسمعوا لفظه اليوم فظنوا انقراض جميع الناس على رأس مائة سنة ويوافقه في إثبات لفظة اليوم حديث مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: "لا يأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم" ومعنى منفوسة مولودة احترز به عن الملائكة وعن إبليس دون ذريته فإنها مولودة على الصحيح ويجاب عن الخضر وإلياس عليهما الصلاة والسلام بأن المراد من كان ظاهرا مثلكم ويتصرف تصرفكم.
والوضع للنسيان والترهيب
…
والغلط التنفير والترغيب
يعني أن سبب الوضع للحديث بأن يكذب به على النبي صلى الله عليه وسلم يكون لأجل النسيان من الراوي لما رواه فيذكر غيره ظانا إنه المروي ويكون لأجل الترهيب عن المعصية والترغيب في الطاعة فقد وضعت الكرامية في ذلك أحاديث كثيرة ويكون لأجل الغلط من الراوي بأن يسبق لسانه إلى غير ما رواه أو يضع مكانه ما يظن أنه يؤدي معناه ويكون لأجل التنفير كوضع الزنادقة أحاديث تخالف المعقول لتنفير العقلاء عن شريعته المطهرة ومنه ما وضعته الباطنية في دخائل القرآن لكي يخبر بها ضعيف الإيمان فلا يحد تلك المنفعة فيسوء ظنه بصدق القرآن وذلك كفر، قوله: التنفير هو بحذف العاطف وهو أولى من قول السبكي أو افتراء لأن
الافتراء قسم من الوضع لا سبب له والكلام في أسبابه وقد يكون الوضع لغير ما ذكر فقد كان جماعة يضعون القصص المستغربة يتوصلون بذكرها أو كتابتها إلى أخذ شيء من الدنيا يعدون ذلك ارتزاقا قاله المحشي:
وبعد أن بعث خير العرب
…
دعوى النبوءة أمها للكذب
يعني أن من الأخبار ما هو مقطوع بكذبه كادعاء النبوءة أو الرسالة بعد بعثته صلى الله عليه وسلم من غير أن يطالب بدليل لثبوت القاطع الذي هو الإجماع على أنه خاتم النبيين ولنص القرآن قال تعالى: "ولكن رسول الله وخاتم النبيين" وأما قبل نزول الآية فلا يقطع بكذب مدعيها إلا إذا لم يأت بمعجزة دالة على صدقه أو بخبر صادق أنه نبي أو رسول
وما انتفى وجوده من نص
…
عند ذوى الحديث بعد الفحص
ما من قوله ما انتفى معطوف على الضمير مفعول إنم أي إنم للكذب كل نص أي حديث لم يوجد في بطون الكتب ولا في صدور الرجال بعد الفحص بفتح فسكون أي بحث رجال الحديث عنه وتفتيشهم لقضاء العادة بكذب ناقله وقيل لا يقطع بكذبه لتجويز العقل صدق ناقله وهذا بعد تدوين الأحاديث أما قبل ذلك كما في عصر الصحابة فيجوز أن يروي أحدهم ما ليس عند غيره (وبعض ما ينسب للنبي) بنصب بعض عطفا على مفعول انم أي أنسب بعض الأحاديث المروية عنه صلى الله عليه وسلم للكذب قطعا أي لم يقلها لأنه روى أنه قال سيكذب على فإن قال ذلك فلابد من وقوعه وإلا فقد كذب عليه به وهذا حديث لا يعرف له إسناد ولهذا اشترط
الرواة العدالة وأسقطوا أحاديث كثيرة تنسب إليه صلى الله عليه وسلم ولولا أن بعضها مكذوب به لما حسن ذلك التحرز والتثبت قال السبكي فإن قلت لا يلزم وقوع الكذب في الماضي الذي هو المدعى لأنه قال سيكذب على بصيغة المضارع فيجوز أن يقع في المستقبل قلت السين الداخلة على يكذب وأن دلت على استقبال فإنما تدل على استقبال قليل بخلاف سوق كما نصوا عليه وقد حصل هذا الاستقبال القليل بزيادة هـ، قال في الآيات البينات ومراده بالماضي في قوله لا يلزم وقوع الكذب في الماضي ما تقدم على زمن المصنف يعني السبكي الذي هو زمن قطعه بكذب بعض المنسوب إليه صلى الله عليه وسلم وبالمستقبل في قوله فيجوز أن يقع في المستقبل ما تأخر عن زمن ذلك الخبر الصادق بأن يكون قرب الساعة هـ
وخبر الاحاد في السنى
حيث دواعى نقله تواترا
…
نرى لها لو قاله تقررا
بنصب خبر عطفا على الضمير مفعول أنم ودواعي مبتدأ وتواترا تمييز، وجملة: نرى لها تقررا أي حصولا وثبوتا خبر المبتدأ وقوله لو قاله معترض أي أنم للكذب الخبر المنقول بالآحاد إذا كانت الأمور الدواعي أي الحاملة على نقله تواترا موجودة على تقدير أخباره له كسقوط الخطيب عن المنبر يوم الجمعة ولم يخبر به إلا واحد فإنه مقطوع بكذبه لمخالفته للعادة وبهذا يثبت عندنا أن القرآن لم يأت أحد بمثله إذ لو كان لنقل إلينا تواترا مع أنه لم ينقل آحادا فضلا عن التواتر خلافا للرافضة في قولهم لا يقطع بكذبه لتجويز العقل صدقه وقد قالوا بصدق ما رووه منه في إمامة علي رضي
الله تعالى عنه نحو أنت الخليفة من بعدي مشبهين له بما لم يتواتر من المعجزات كجنين الجذع وتسبيح الحصى وتسليم الحجر واجبت بأنها كانت متواترة واستغنى عن تواترها إلى الآن بتواتر القرآن الذي وقع التحدي به بخلاف ما يذكر في إمامة علي فإنه لو كان ما خفي على الصحابة الذين بايعوا أبا بكر رضي الله تعالى عنه والأمور التي تحمل على نقله تواترا كونه غربيا أو مهما في الدين كوجوب الصلاة والصيام والزكاة وتحريم الخمر وكالإمامة.
واقطع بصدق خبر التواتر وسو بين مسلم وكار واللفظ والمعنى
يعني أن من الأخبار ما هو مقطوع بصدقه كالخبر المتواتر والتواتر لغة مجيء الواحد بعد الواحد بفترة بينهما ومن ذلك قوله تعالى: (ثم أرسلنا رسلنا تترا) أي واحدا بعد واحد بفترة، وقال بعضهم: مشتق من الوتر والوتر قد يتوالى وقد يتباعد واصطلاحا سيأتي بعد هذا البيت والقطع بصدق المتواتر ضروري لا نظري خلافا لإمام الحرمين والغزالي من الشافعية ولا فرق بين كون المخبرين مسلمين أو كفارا أو فاسقين أو صالحين وقيل يشترط الإسلام وقيل تشترط العدالة وكذا لا فرق بين التواتر اللفظي والمعنوي فإن اتفق الجمع الآتي ذكره في اللفظ والمعنى فهو اللفظي وإن اختلفوا فيهما مع وجود معنى كلي فهو المعنوي كما إذا أخبر واحد عن حاتم أنه أعطى دينارا وآخر أنه أعطى فرسا وآخر أنه أعطى بعيرا وهكذا فقد اتفقوا على معنى كلي هو الإعطاء وحجة الجمهور القائلين أن العلم الحاصل من الخبر المتواتر ضروري هي إنا نجد ذلك
العلم حاصلا من الصبيان والبله وممن ليس له أهلية نظر ولو كان نظريا لما حصل إلا ممن له أهلية النظر
وذاك خبر
…
من عادة كذبهم منحظر
…
عن نمير معقول
عادة منصوب على الظرفية وجملة كذبهم منحظر صلة من وقوله عن غير معقول متعلق بخبر يعني أن المتواتر هو خبر جمع يمتنع عادة تواطؤهم أي توافقهم على الكذب إذا كان خبرهم عن غير معقول ومن قال يمتنع عقلا مراده أن العقل لا يجوز من حيث الإسناد إلى العادة تواطؤهم وإلا فالتجويز للعقلي دون نظر إلى العادة لا يرتفع وإن بلغ العدد ما بلغ قاله المحشي ويشمل غير المعقول المحسوس بإحدى الحواس الظاهرة وهي خمس ويشمل الوجداني وهو ما كان مدركا بالحس الباطن فقولنا عن غير معقول هو بمعنى قولهم عن محسوس أعنى ولو بواسطة فيشمل متعدد الطباق أيضا فإنه يصدق عليه باعتبار ما يعد الطبقة الأولى أنه محسوس بواسطة الطبقة الأولى وقولهم عن محسوس احترزوا به عن المعقول لأن العقلي قد يشتبه على الجمع الكثير كحدوث العالم على الفلاسفة.
وأوجب العدد
…
من غير تحديد على ما يعتمد
يعني أنه لابد في المتواتر من تعدد نقلته من غير تحديد بعدد معين بل المعتبر ما حصل به العلم على المعتمد وهو مذهب الجمهور قال الابياري جميع الأخبار إنما يعلم صدقها بأمر زائد على الخبر إلا المتواتر فإنه يحصل العلم بصدقه وإن لم يقترن به أمر آخر بناء على اطراد العادة هـ
وقيل بالعشرين أو بأكثرا
…
أو بثلاثين أو اثني عشرا
يعني أن ابن القاسم قال باعتبار العشرين في عدد التواتر فلا يكفي أقل من ذلك لأن الله تبارك وتعالى قال (أن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) فيتوقف بعث العشرين لمائتين على إخبارهم بصبرهم فكونهم على هذا العدد لبس إلا لأنه أقل ما يعيد العلم المطلوب في مثل ذلك قوله أو بأكثر يعني أن سحنون قال في عدد التواتر لابد أن يكون أكثر من عشرين فلا يكفي العشرون عنده قوله أو بثلاثين هو قول ابن أبي زيد لا يكفي عنده أقل منها قوله أو اثني عشرا يعني أن بعض أهل المذهب قال لابد في عدده من اثني عشر عدد نقباء موسى عليه الصلاة والسلام لا يكفي أقل منه قال أهل التفسير في قوله تعالى (وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا) بعثوا للكنعانيين بالشام طليعة لبني إسرائيل المأمورين بجهادهم ليخبروهم بحالهم الذي لا يرهب فكونهم على هذا العدد ليس إلا لأنه أقل ما يفيد العلم المطلوب في مثل ذلك قولهم بحالهم الذي لا يرهب يعني وأمرهم بكتم ما يرهب من أحوالهم عن قومهم فرأوا أجراسا عظيمة وبأسا شديدا فهابوا ورجعوا وحدثوا قومهم ونكثوا الميثاق إلا اثنين وبقيت أقوال أخر في عدد التواتر لم أذكرها في النظم لأني لم أراها معزوة لأهل المذهب كما هو عادتي في هذا النظم.
إلغاء الأربعة فيه راجح
…
وما عليها زاد فهو صالح
يعني أن إلغاء الأربعة في عدد التواتر هو الراجح فليست عدد تواتر عند القاضي والسبكي لجزمهما باحتياجهم
إلى التزكية إذا شهدوا بالزنا ولا فائدة في تزكية ما علم ضرورة وما زاد على الأربعة عندهما فهو صالح لأن يكفي في عدد التواتر من غير اعتبار عدد معين وبحث فيه صاحب الآيات البينات باقتضائه عدم صلاح الأئمة الأربعة بل الخلفاء الأربعة وصلاحية خمسة ممن لم يعرف بالفسق من عوام زماننا ولا يخفى ما فيه وقضية المعنى عكسه اللهم إلا أن يراد عدم كفاية الأربعة من حيث مجرد الكثرة لا مطلقا فلا ينافي أن نحو الخلفاء الأربعة تكفي باعتبار أحوالهم هـ.
وأوجبن في طبقات السند
…
تواترا وفقا لدى التعدد
يعني أن أهل خبر التواتر أن كانوا طبقة واحدة فالأمر واضح وإن كانوا أكثر من واحدة أشترط في كل طبقة شروط التواتر من كونه خبر جمع يمتنع تواطؤهم على الكذب إلى أن يصل إلى المخبرين به ليفيد خبرهم العلم كنقل القرآن العظيم بخلاف ما إذا لم يكونوا كذلك في غير الطبقة الأولى فلا يفيد خبرهم العلم ومن هنا يعلم أن المتواتر في الطبقة الأولى قد يكون آحادا فيما بعدها والصحيح أن العلم الحاصل من المتواتر لكثرة العدد متفق للسامعين فيحصل لكل منهم وللقرائن قد يختلف فيحصل لزيد دون عمرو
ولا يفيد القطع ما يوافق
…
الإجماع والبعض يقطع ينطق
ما فاعل يفيد ويوافق مبني للفاعل والإجماع مفعوله وينطق بكسر الطاء يعني إن الإجماع على معنى موافق لمعنى خبر لا يدل على صدق معنى ذلك الخبر أي كونه صلى الله عليه وسلم قاله هذا هو الصحيح من ثلاثة أقوال قوله والبعض الخ يعني
أن بعضهم نطق أي صرح بأن ذلك يدل على صدق ذلك الخبر لأن الظاهر استنادهم إليه حيث لم يصرحوا بذلك لعدم ظهور مستند غيره ووجه دلالة استنادهم إليه على صدقه أنه لو لم يكن حينئذ صدقا بأن كان كذبا لكان استنادهم إليه خطئا وهم معصومون منه وأجبت بأن عصمة الأمة من الخطأ محمولة عند الأصوليين على عصمتهم من الخطأ الذي هو كون الظن أمرا باطلا لا يصح إتباعه بأن يستند ذلك الظن إلى ما لا يجوز الاستناد إليه بمعنى لا تجتمع أمتي على ضلالة إن اجتماع ظنونهم على شيء لا يكون إلا حقا لأنه المأمور بإتباعه قال في الآيات البينات خلافا لابن الصلاح ومن وافقه في حملها على عدم مخالفة الواقع أي مخالفة ما هو الحكم في نفس الأمر والأول يقول لا يلزم من الإجماع على حكم مطابقة حكم الله في نفس الأمر اللازم منه مطابقة حكم الله ولو باعتبار ظنهم.
وبعضهم يفيد حيث عولا
…
عليه
هذا هو القول الثالث يعني أن بعضهم ذهب إلى التفصيل فقال أن ذلك الإجماع يدل على صدق ذلك الخبر أي القطع بأنه صلى الله عليه وسلم قاله حيث عول أي اعتمد الإجماع على ذلك الخبر بأن صرح المجمعون بالاستناد إليه ولا فلا يدل لجواز استنادهم إلى غيره مما استنبطوه من القرآن ولو كان مصرحا به في القرآن لا يكون الظاهر حينئذ استنادهم إلى الخبر بل للقرآن أو للظاهر
وأنفه إذا ما قد خلا
…
مع دواعي رده من مبطل
كما يدل لخلافة على هذا مما لا يدل على صدق الخبر أي أنف القطع بصدق الخبر في هذه المسألة وهي أن يسلم الخبر من
إبطال مع توافر أي كثرة الأمور الدواعي أي الحاملة على رده أي إبطاله فكون ذوى الدواعي لم يبطلوه مع سماعهم له آحادا لا يدل على صدقه خلافا للزيدية في قولهم يل عليه للاتفاق على قبوله وأجبت بأن الاتفاق على قبوله إنما يدل على ظنهم صدقه ولا يلزم من ذلك صدقه في نفس الأمر لأن الضلال الذي لا يجتمعون عليه كما تقدم الأمر الذي لا يسوغ لهم إتباعه بأن يكون ظنهم أمرا باطلا وكل ما ظنوه ظنا صحيحا بأن بذلوا الوسع في الاجتهاد كان أمرا حقا لا باطلا مثاله قوله صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله تعالى وجهه (انعت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) فإن دواعي بني أمية من بغض وحسد وغيرهما وقد سمعوه متوفرة على إبطاله لدلالته على خلافة على كخلافة هارون عن موسى بقوله اخلفني في قومي وإن مات قبله ولم يبطلوه وكذا قوله صلى الله عليه وسلم (من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)
كالافتراق بين ذي تأول
…
وعامل به على المعول
يعني أن افتراق العلماء في حديث إلى مؤول له ومحتج به لا يدل على صدقه على القول المعول عليه لأنه مذهب الأكثر خلافا لقوم في قولهم يدل على صدقه للاتفاق على قبوله وذلك لأن الاحتجاج به يستلزم قبوله وكذا تأويله يستلزم ذلك وإلا لم يحتج إلى تأويله قال في الآيات البينات نعم قد يقال: قد يكون التأويل على تقدير الصحة كما يقع لهم كثيرا يمنعون الصحة ثم يقولون على تسليم صحته فهو محمول على كذا إلا أن يقال التأويل من غير تصريح بتقدير التسليم لا يكون عادة إلا مع اعتقاد الصحة هـ.
ومذهب الجمهور بصدق مخبر
…
مع صمت جمع لم يخفه حاضر
يعني أن الذي اختاره ابن الحاجب وهو مذهب الجمهور صدق مخبر عن محسوس صدقا قطعيا إذا كان ذلك الإخبار بحضرة جمع عدد التواتر وهو مما لا يخفي عليهم عادة ولم يخف ذلك الجمع من ذلك المخبر ولم يرجه ولم يكن نحو ذلك مما يحمل على السكوت وهم سامعون لا يكذبونه لا من تواطئهم على الكذب وقيل يفيده ظنا لجواز أن يسكتوا لا لشيء فإن كان مما يحتمل أن لا يعلموه مثل خبر غريب لا يقف عليه إلا الإفراد لم يدل سكوتهم على صدقه.
وموجع من النبي سمعا
…
يفيد ظنا أو يفيد قطعا
وليس حامل على الإقرار
…
ثم مع الصمت عن الإنكار
مودع بفتح الدال مبتدأ ونائب الفاعل ضمير الخبر وسمعا مفعول ثان ومن النبي متعلق به وجملة يفيد خبر يعني أن المخبر إذا كان بمكان يسمع منه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الخبر ولا حامل للنبي على التقرير ولا للمخبر على الكذب وصمت عن الإنكار عليه أفاد كونه كذلك صدق ذلك الخبر ظنا كما اختاره ابن الحاجب دينيا كان أو دنيويا وقال المتأخرون يفيده قطعا وذكر القولين هكذا حلولوا أما مع وجود الحامل على الكذب فلا يدل على صدقه أصلا كما إذا كان كذبا غير محرم كما يدفع به عن نفس معصوم أو ماله وكذا مع وجود الحامل على التقرير أي عدم الإنكار على المخبر المذكور ككونه ما سمعه لذهوله عنه باشتغاله بأهم منه أو ما فهمه لخلل في دلالة خبر المخبر وككذب
المخبر خوفاً من القتل إن كان بحيث إن لم يكذب قتل وكان إذا أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم قتل وكان محترما ولم يكن يمكنه الدفع عنه ومثال ما إذا وجد حامل على الكذب والتقرير معا ما إذا كان المخبر ممن يعاند النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينفعه فيه الإنكار قال في الآيات البينات لا يلزم من انتفاء الحامل على الإقرار انتفاء الحامل على الكذب ولا من انتفاء الحامل على الكذب كأن يكون عبثا انتفاء الحامل على الإقرار بل قد يجامع انتفاء الحامل على الكذب وجود الحامل على الإقرار كما أن الحامل على أحدهما قد يجامع الحامل على الآخر وقد لا، وفيه ما لفظه يمكن أن يقال لا فائدة لهذه المسألة أي لا يتصور حصول العلم بالصدق لأحد لتوقفه على العلم بانتفاء كل حامل على التقرير ولا يتصور العلم بذلك لأن الحوامل لا تنحصر وقد يخفي الحامل وقد يشتبه الحامل فيه فيظن ما ليس بحامل حاملا وما هو حامل غير حامل
وخبر الواحد مظنون عرى
…
عن القيود فالذي تواترا
يعني أن خبر الواحد مضنون صدقه ثم استأنف تعريفه بقوله عرى أي هو خبر عار عن قيود المتواترة التي هي خبر جمع الخ فإن كان خبر واحد أو جمع لا يمتنع تواطؤهم على الكذب كالاثنين بناء على أنه جمع والثلاثة والأربعة أو أكثر إذا لم يحصل العلم أو جمع يمتنع تواطؤهم على الكذب لكن على غير محسوس. فخبر الواحد هو ما لم ينته إلى حد التواتر فهو في ذاته مظنون الصدق وذلك لا ينافي أنه قد يفيد العلم بواسطة أمر خارج عنه
والمستفيض منه وهو أربعة
…
أقله وبعضهم قد رفعه
عن واحد وبعضهم عما يلي
…
وجعله واسطة قول جلي
يعني أن المستفيض من خبر الواحد فخبر الواحد منه مستفيض ومنه غيره والمستفيض عند ابن الحاجب ما زاد نقلته على ثلاثة وبعضهم قد رفعه عن واحد أي أقله اثنان وبعضهم رفعه عما يلي الواحد الذي هو الاثنان فأقله عنده ثلاثة وبعضهم جعل المستفيض واسطة بين المتواتر وخبر الآحاد فخبر الواحد ما أفاد الظن والمتواتر ما أفاد العلم الضروري والمستفيض ما أفاد العلم النظري قال الفهري ومثلوه بما تلقته الأمة بالقبول وعملت بمقتضاه كقوله صلى الله عليه وسلم في الرقة ربع العشر ولا تنكح المرأة على عمتها وخالتها وجعل المستفيض واسطة هو الذي عليه شرح عمليات فاس ولا تشترط فيه العدالة لأن الاعتماد فيه على القرائن لا عليها وقال ابن عبد السلام والتوضيح أن الخبر المستفيض هو المحصل للعلم أو الظن القريب منه وإن لم يبلغ عدد التواتر وقال ابن عبد الحكم المستفيض هو الخبر الحاصل ممن لم يكن تواطؤهم على باطل وهذا هو المتواتر المحصل للعلم واقتصر عليه ابن عرفة والأبي والمواق وهذا التفسير أخص وتفسير ابن عبد السلام أعم منه وفسر السبكي المستفيض بأنه الشائع عن أصل أي إسناد فخرج الشائع لا عن أصل
ولا يفيد العلم بالإطلاق
…
عند الجماهير من الحذاق
يعني أن خبر الآحاد لا يفيد العلم ولو عدلا مطلقا أي احتفت به قرينة أم لا عند جمهور الحذاق أي الأصوليين.
(وبعضهم يفيد أن عدل روى) عدل فاعل فعل محذوف يفسره ما بعده وروى حذف مفعوله يعني أن بعضهم وهو ابن خويز منداد
من المالكية قال أن خبر الواحد يفيد العلم إذا رواه عدل كما قيده ابن الحاجب وغيره
(واختير ذا أن القرينة احتوى) القرينة مفعول احتوى يقال احتوى على الشيء واحتواه جمعه يعني أن ابن الحاجب اختار إفادة خبر الواحد العلم إذا أحتوى على قرينة منفصلة زائدة على العدالة كما في أخبار الرجل بموت ولده المشرف على الموت مع قرينة البكاء وإحضار الكفن والنعش قال إلا ولأن إن ذلك قد يوجد مع الإغماء.
ومن خبر الواحد الذي يفيد العلم بقرينة ما أخرجه الشيخان أو أحدهما لما أحتفه به من القرائن منها جلالتهما في هذا الشأن وتقديمهما في تمييز الصحيح على غيرهما وتلقى العلماء لكتابيهما بالقبول قال ابن حجر وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق وقولنا قرينة منفصلة احترزنا به عن القرائن اللازمة فإنها لا تفيد العلم في خبر الواحد والعلم المستفاد من خبر الواحد على هذين القولين لا يتعين كونه ضروريا أو نظريا بل قد يكون ضروريا فيحصل بعد حصول القرائن من غير احتياج إلى ترتيب مقدمات وأعمال نظر وقد يكون نظريا فيتوفق على ذلك قاله في الآيات البينات.
وفي الشهادة وفي الفتوى العمل
…
به وجوبه اتفاقا قد حصل
كذاك جاء في اتخاذ الأدوية
…
ونحوها كسفر والأغذية
يعني أنه وقع الاتفاق أي الإجماع على وجوب العمل بكل من حكم الحاكم وفتوى المفتى وشهادة الشاهد بشرطه من العدالة
والحرية وغيرهما وإن لم يبلغوا حد التواتر عددا وغيره قال في الآيات البينات وليس المراد أن خبر الواحد الوارد عن الشارع يجوز العمل به في بابي الفتوى والشهادة كما قد يتوهم من العبارة هـ ثم قال وإنما المراد أن الإفتاء والشهادة خبر واحد ومع ذلك يجوز العمل به هـ وكذلك اجمعوا على وجوب العمل به في الدنيويات كاتخاذ الأدوية لمعالجة المرضى فإنه يجب أو يجوز الاعتماد فيها على قول عدل واحد إنها دواء مأمون من العطب ونحو ذلك كارتكاب سفر وغيره من الأخطار إذا أخبر عدل بأنها مأمونة وكاتخاذ الغذاء مأكولا أو مشروبا إذا أخبر عدل أنه لا يضر ولابد أن يكون العدل المخبر بالدنيويات عارفا وإلا لم يجز الاعتماد عليه ويضمن إذا نشأ عطب كما يدل عليه قول خليل مشبها بما فيه الضمان كطيب جهل قال في التنفيح اتفقوا على جواز العمل به في الدنيويات والفتوى والشهادة هـ وكذا عبر في المحصول بالجواز وابن الحاجب والسبكي عبر أبو جوب العمل به.
(ومالك بما سوى ذاك نخع)، يعني أن مالكا رحمه الله تعالى نخع أي نطق وقال بوجوب العمل بخبر الواحد في سوى ما مر من باقي الأمور الدينية أعنى غير الفتوى والشهادة والحكم وفاقا للشافعي وأبي حنيفة وأحمد والفقهاء والأصوليين وهل وجوب العمل به ثابت بالشرع والعقل أو بالشرع فقط قولان حجة الأول قوله تعالى (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) فموجب التبيين كونه فاسقا فعند عدم الفسق يجب العمل به وقوله تعالى (فلولا نفر من كل فرقة) الآية، جعل تعالى الحذر بقول الطائفة الخارجة من الفرقة مع أن الفرقة تصدق على الثلاثة فالخارج منها يكون أقل منها فإذا وجب
الحذر عند قولهم كان قولهم حجة وقياسا على الفتوى والشهادة واستدلوا على وجوب العمل بخبر الآحاد بالإجماع السكوتي فإن الصحابة استدلوا بخبر الواحد وعملوا به وشاع ذالك عندهم من غير نكير وحجته من جهة العقل أنه لو لم يجب العمل به لتعطلت وقائع الأحكام المروية بالآحاد وهي كثيرة جدا ولا سبيل إلى القول بتعطيلها قال في الآيات البينات وذلك لأنا نقطع بأن الشارع شرع الواجبات مثلا على أنه يجب اعتقاد وجوبها والعمل بها فلو لم يجب العمل بخبر الآحاد التي اقتصر على بعثها فأتت الفائدة التي قصدها بشرع الأحكام هـ ومن قال أنه واجب بالشرع استدل بالآيتين والإجماع السكوتي لأن الدليل إذا كان بعض مقدماته نقليا كان نقليا كما هو مقرر عند أئمة الكلام وغيرهم والدليل العقلي لابد أن تكون مقدماته كلها عقلية والمراد بالعمل به اعتقاد ما دل عليه من الأحكام الخمسة وحبس النفس على ما دل عليه من فعل فقط أو ترك فقط أو إرسالها في الفعل والترك مع رجحان أحدهما أو استوائهما.
وما ينافي نقل طيبة منع
…
إذ ذاك قطعي
يعني أن خبر الواحد إذا تعارض مع ما نقله جميع مجتهدي المدينة من الصحابة أو التابعين فإن مالكا منع العمل بخبر الواحد فيقدم عليه نقل أهل المدينة اتفاقا عندنا لأنه قطعي وسواء في ذلك ما صرحوا بنقله عنه صلى الله عليه وسلم وما كان له حكم الرفع بأن كان لا مجال للرأي فيه قوله منع أي منع العلم بالخبر المذكور المعارض للنقل المذكور وهذا من باب تقديم المتواتر على الآحاد حتى لو وجد ذلك في غير أهل المدينة لكان الحكم كذلك
وإن رأيا ففي
…
تقديم ذا أو ذاك خلف قد قفي
يعني أن خبر الآحاد إذا نافى رأى أهل المدينة الكائن عن اجتهاد منهم فاختلف المالكية أيهما يقدم، فقول أكثر البعداديين أنه ليس بحجة لأنهم بعض الأمة فيقدم عليه خبر الواحد، وذهب آخرون إلى أنه حجة، فيقدم على خبر الواحد، ومحل الخلاف في خبر لا ندري هل بلغ أهل المدينة أولا والمختار عدم التمسك بالآحاد حينئذ لأن الغالب عدم خفاء الخبر عليهم لقرب دارهم وزمانهم وكثرة بحثهم عن أدلة الشريعة أما ما بلغهم ولم يعملوا به فهو ساقط قطعا وما علم أنه لم يبلغهم فمقدم على عملهم قطعا.
كذاك فيما عارض القياسا
…
روايتا من أحكم الاساسا
أحكم الأساس معناه أتقن القواعد والأصول، والمراد به مالك يعني أنه جاء عن مالك روايتان في عمل أهل المدينة المخالف للقياس أيهما يقدم ويبني عليه الخلاف في جريان القصاص في الأطراف بين الحر والعبد والمشهور عند عدم جريانه، وبه قال الفقهاء السبعة، وعنه قول آخر بجريانه وهو مقتضى القياس، لكن المشهور تقديم القياس كما يأتي في القياس.
وقد كفى من غير ما اعتضاد
…
خبر واحد من الآحاد
يعني أن خبر الواحد لا يحتاج في وجوب العمل به إلى اعتضاد بتعدد أو بظاهر أو بعمل بعض الصحابة على وفقه وانتشار فيهم أو اجتهاد خلافا للجبائي في قوله لابد من اعتضاده بواحد مما ذكر والجبائي بضم الجيم وتشديد الباء والمد.
والجزم من فرع وشك الأصل
…
ودع بجزمه لذاك النقل
الجزم بالرفع معطوف على خبر فاعل كفى وشك بالنصب مفعول معه، وقوله لذاك مفعول دع واللام زائدة لتأكيد التعدية يعني أنه يكفي في قبول خبر الواحد جزم الفرع الذي هو الراوي مع شك أو ظن الأصل الذي هو المروى عنه في روايته عنه لأن الفرع عدل جازم بالرواية ولم يوجد من الأصل معارض له وأي راو يحفظ مع طول الزمن ما يرويه وقد روى سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد واليمين ونسيه فكان يقول حدثني ربيعة عني ولم ينكر عليه أحد ونقل مثله عن الزهري وهذا هو قول الأكثر من أصحاب مالك والشافعي وأبي حنيفة، قوله دع الخ أي دع ذلك النقل أي الحديث المروى أي قبوله فلا يجوز العمل به بسبب جزم الأصل بعدم رواية الفرع عنه جزم الفرع أم لا وصرح ابن الحاجب بالاتفاق على عدم قبوله والصفي الهندي بالإجماع واختار السبكي عدم السقوط
وقال بالقبول أن لم ينتفي
…
أصل من الحديث شيخ مقتفى
أي منبع للحق شيخ فاعل قال يعني أن الباجي قال أن قال الأصل هذا الحديث في روايتي ولكن لم يروه عني قبل المروى وإن قال لم أرو هذا الحديث قطعا فلا خلاف في إسقاطه وكلام الباجي هذا قول ثالث في جزم الأصل بعد رواية الفرع عنه
وليس ذا يقدح في العدالة
…
كشاهد للجزم بالمقالة
يعني أن مخالفة الأصل للفرع لا تقدح في عدالة كل من الراويين باتفاق القائلين بسقوط المروى وغيرهم ومن ثم لو اجتمعا في شهادة
لم ترد وكذا إن اجتمعا في رواية وأحرى في القبول لو أنفرد أحدهما بشهادة أو رواية قوله كشاهد معناه كشاهد عارض آخر لا يقدح في عدالة كل منهما لجزم كل من الفرع والشهود بمقالته وكما لو قال إحدى زوجتيه طالق إن كان ذلك الطائر غرابا وحلق الآخر على نقيضه وطار ولم يعرف فلا يقع به طلاق إذا ادعيا يقينا مع العلم بأنه لا يخرج عن أحد النقيضين قال ابن حجر الهيثمي إنما كان لا يطلق عليهما لأن كلا منهما متيقن الحاجة بالنظر إلى نفسه إذ لم يعارضه بالنظر إليه وحده شيء وإنما عارضه يقين التحريم بالنظر إلى ضم غيره إليه ولا مسوغ لهذا الضم لأن المكلف إنما يكلف بما يخصه على انفراده ومن ثم لو قالهما واحد في زوجتيه طلقتا هـ من شرحه على الأربعين النووية
والرفع والوصل وزيد اللفظ
…
مقبولة عند إمام الحفظ
إن أمكن الذهول عنها عادة
…
إلا فلا قبول للزيادة
يعني أن الرفع مقدم عند إمام الحفظ الذي هو الإمام مالك على الوقف عند التعارض بينهما فإن رواه بعض الثقاة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورواه بعضهم موقوفا على الصحابي وكذا إذا اختلفوا فوصل بعضهم وأرسل بعضهم سواء كان الرافع والواصل أقل أم لا وتقديم الرفع والوصل هو الراجح في الفقه وأصوله لأنه من زيادة العدل وهي مقبولة عند مالك والجمهور مثال الأول حديث الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أحل فيه الكلام فقد اختلف في رفعه ووقفه على ابن عباس وحديث أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة اختلف في رفعه ووقفه ومثال الثاني حديث لا نكاح إلا بولي رواه إسرائيل بن يونس عن
جده أبي إسحاق السبيعي عن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه شعبة وسفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة عنه صلى الله عليه وسلم مرسلا فقضى البخاري لمن وصله مع كون شعبة وسفيان كالجبلين في الحفظ والإتقان ويجري في المسألتين ما يمكن جريانه من الأقوال الآتية في زيادة العدل. قوله وزيد اللفظ الخ يعني أن زيادة العدل على ما رواه غيره من العدول مقبولة عند مالك والجمهور وادعى بعضهم اتفاق المحدثين عليه بشرط أن يمكن عادة ذهول أي غفلة من لم يروها عن سماعها وإلا فلا تقبل وإليه الإشارة بقولنا إلا فلا الخ
وقيل لا إن اتحاد قد علم
…
والوفق في غير الذي مر رسم
يعني أن بعض أهل الأصول قال لا تقبل زيادة العدل مطلقا أي أمكن الذهول عنها عادة أم لا ونقله الابهري عن بعض أصحابنا إذا علم اتحاد المجلس بأن لم يحدث المروى عنه بذلك الحديث إلا مرة واحدة فإن علم تعدد المجلس أو لم يعلم شيء قبلت عنده وهذا هو معنى قوله والوفق الخ ورسم بالبناء للمفعول معناه كتب في كتب الأصول.
(وللتعارض نمى المغير)، نمى بالبناء للمفعول يعني أن أكثر أهل الأصول قالوا بالتعارض بين خبر الزيادة وخبر عدمها فيطلب الترجيح من خارج إذا غير خبر الزيادة إعراب الخبر الذي ليست فيه كما لو روى في خبر الصحيحين فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من ثمر إلى آخره نصف صاع وإلا تغيره قبلت وقال البطري من المعتزلة تقبل غيرت أم
لا، لأن موجب القبول زيادة العلم وهو حاصل غيرت أم لا وقيل لا تقبل الزيادة إلا إذا أفادت حكما وقيل نقبل في اللفظ دون المعنى.
وحذف بعض قد رءاه الأكثر
…
دون ارتباط
لما كانت رواية بعض الحديث دون بعض تضاد زيادة العدل اتبعها بعض الأصوليين إياها لما بينهما من الجامع الوهمي يعني أن حذف بعض الخبر والاقتصار على بعضه جائز عند الأكثر حيث لا ارتباط بين المحذوف والمذكور كالغاية والمستثنى لأنه كخبر مستقل وقيل لا يجوز ولو لم يرتبط لاحتمال أن يكون للضم فائدة تفوت بالتفريق مثاله حديث أبي داوود وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال في البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته فإنه يجوز روايته بحذف أحد جزءيه المذكورين عند ذكر البحر بخلاف نحو حديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى تزهو وحديث لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا وزنا بوزن مثلا بمثل سواء بسواء فلا يجوز حذف حتى تزهو ولا حذف المستثنى.
وهو في التأليف
…
يسوغ بالوفق بلا تعنيف
يعني أن حذف بعض الخبر والاقتصار على بعضه الآخر جائز في التأليف اتفاقا إن لم يرتبط بعضه ببعض كالمستثنى والغاية قوله بلا تعنيف أي لا تشديد إنكار لذلك الجواز لأنه أجازه السلف وفعلوه كمالك وأحمد والبخاري والنسائي وأبي داوود وغيرهم وروى عن أحمد أنه لا ينبغي وقال ابن الصلاح لا يخلوا عن كراهة ومن فوائد تقطيعهم للحديث في الأبواب إذا اشتمل على أكثر من حكم واحد الفرار من التطويل وما لم يمكن تقطيعه لقصر وارتباط
وقد اشتمل على أكثر من حكم واحد فإنهم يعيدونه بتمامه حيث احتاجوا إلى ذكره بحسب الأحكام
بغالب الظن يدور المعتبر
…
فاعتبر الإسلام كل من غبر
الباء في قوله بغالب بمعنى على والمعتبر بفتح الباء اسم مصدر يعني أن الاعتبار في قبول الخبر دائر على غلبة ظن صدقه فكل ما يخل بغلبة الظن فإنه مانع من القبول كخبر الكافر والفاسق وما لا يحل بوجه فلا يمنع اتفاقا وربما يختلف المجتهدون في أمر فيذهب كل على ما غلب على ظنه وإذا تقرر ذلك فكل أهل الأصول يعتبرون إسلام الراوي فلا يقبل خبر كافر إجماعا لسلبهم أهلية هذا المنصب وإن كان متحريا في دينه وكذا شهادته خلافا لأبي حنيفة القائل بقبول شهادة أهل الذمة في الوصية أو على بعضهم لقوله تعالى "أو آخران من غيركم" أي من غير أهل دينكم والجمهور يقولون من غير قبيلتكم
وفاسق وذو ابتداع إن دعي
…
أو مطلقا رد لكل سمعا
فاسق مبتدأ وذو معطوف عليه وإن دعي قبل في ذي الابتداع أو مطلقا عامل فيه محذوف معطوف على دعي ورد وخبره الذي هو سمعا بالبناء للمفعول خبر للمبتدأ يعني أن الفاسق لا تقبل روايته إلا إذا كان يعتقد أنه على صواب لمستند عنده ونحن نظن بطلاق ذلك المستند ولا نقطع به وإما شارب النبيذ من غير اسكار فقال مالك أحده ولا أقبل شهادته فكأنه قطع بفسقه وقال الشافعي أحده وأقبل شهادته بناء على أن فسقه مظنون.
وأما المبتدعون فقد قبل الشافعي روايتهم وهم أرباب الأهواء إلا الخاطئة من الرافضة لتجويزهم الكذب الموافقة مذهبهم ومنع القاضي من قبولها لأنهم بمخالفتهم القاطع يندرجون في قوله تعالى "إن جاءكم فاسق بنبا فتبينوا" ولأن قبول روايتهم ترجيح لبدعتهم ومظنون الفسق هو معتقد الصواب لدليل عنده كالمخالف في الفروع، والي قول القاضي هذا أشرنا بقولنا: أو مطلقا، أي يرد مرويه مطلقا أي سواء دعا إلى بدعته أم لا، واختاره الابياري وتلميذه ابن الحاجب وعزى للأكثر وقيل يرد إن كان المبتدع من الداعين إلى بدعتهم إذ لا يؤمن أن يضع الحديث على وفقها وعزاه السبكي لمالك ورجحه ابن الصلاح وتبعه في ترجيحه النووي ناقلين له عن كثير أو الأكثر ونقل ابن حبان اتفاق أئمة الحديث على رد رواية الداعية ويقبل إن لم يكن داعية إذا كان يحرم الكذب عليه صلى الله عليه وسلم لا منه فيه مع تأويله في الابتداع إذا كان لا يكفر ببدعته وقيل يقبل المبتدع دعا إلى بدعته أم لا، إذا كان يحرم الكذب ولم يكفر ببدعته، وقد روى البخاري وغيره عن جماعة من المبتدعة وثوقا بصدقهم ومذهبنا عدم قبول شهادة المبتدع دعا أم لا قاله حلولوا.
(كذا الصبي)، يعني أن الصبي المميز لا تقبل روايته إذا كان معروفا بالصدق والصلاح نظرا إلى غالب أحوال الصبيان لأن الصبي لعلمه بعدم تكليفه لا يحترز عن الكذب فلا يوثق به وهذا قول الأكثر وهو الصواب وقيل يقبل نظرا إلى خصوصية الحال إما غير المميز فلا يقبل اتفاقا كالمجنون وكذا الصبي المعروف بالكذب وسوء الحال.
وإن يكن تحملوا
…
ثم أدى بنفي منع قبلوا
الواو نائب عن فاعل قبل راجع إلى الكافر الدال عليه اشتراط الإسلام والفاسق والمبتدع والصبي، يعني أن الراوي إذا كان حال التحمل موصوفا بشيء مما ذكر ثم كان متلبسا حال الأداء بنفي ذلك المانع قبلت روايته وشهادته ولا تضر الحالة المقارنة للتحمل لقبول للصحابة رواية من ذكر إذا كان سالما حال الأداء وهذا هو مذهب الجمهور وقيل لا يقبل لأن الصبا والكفر والفسق مظنة عدم الضبط والتحرز عن الكذب ويستمر المحفوظ إذ ذاك قوله ثم أدى بضم ناء ثم وادي بالتنوين أي أداء بالمد لكنه قصر للوزن وهو منصوب على الظرفية
من ليس ذا فقه أباه الجيل
…
وعكسه أثبته الدليل
يعني أن رواية غير الفقيه أباها أي ردها الجيل بكسر الجيم والجيل الصنف من الناس والمراد به أهل المذهب وهو المنقول عن مالك لأنه لسوء فهمه يفهم الحديث على غير معناه وربما نقله بالمعنى فيقع له الخلل في مقصود للشارع وقال أبو حنيفة لا تقبل رواية غير الفقيه إذا خالفت القياس كحديث المصراة قوله وعكسه الخ يعني أن الدليل أثبت قبول رواية غير الفقيه كقوله صلى الله عليه وسلم يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. ولم يشترط الفقه وقوله فرب حامل فقه ليس بفقيه.
تنبيه: قال القرافي في التنفيح والمنقول عن مالك إن الراوي إذا لم يكن فقيها فإنه تترك روايته ووافقه أبو حنيفة وخالفه
الإمام أحمد وجماعة هـ قال حلولوا وعندي إن هذا المروى عن مالك لا يدل على أنه يقول باشتراط الفقه في الراوي بل لعله على جهة الاحتياط هـ. فلعله وجده عن القرافي في غير التنفيح.
(وقوله في غيره تساهل) من مبتدأ خبره يقبل محذوف لدلالة ما بعده عليه والضمير في غيره للحديث يعني أن رواية المتساهل في غير الحديث مع تحرزه في الحديث وتشديده فيه مقبولة لأن المتصود ضبط الشريعة وأمن الخلل فيها بخلاف المتساهل في الحديث فيرد، وقيل ترد رواية المتساهل مطلقا والتساهل كتحمل الراوي حال نومه أو نوم شيخه.
(ذو عجمة أو جهل منمى يقبل)، ذو مبتدأ وعجمة بضم العين مضاف إليه وجهل بالجر معطوف على عجمة ومنمي بفتح الميمين ويقبل خبر العطف إذا كان بأولا تجب فيه المطابقة، يعني أن عجمي اللسان ومن لا يحسن العربية روايتهما مقبولة لأن عدالته تمنعه أن يروى إلا كما سمع وكذا يقبل مجهول المنمى أي النسب، قال القرافي في التنفيح: قال الإمام ولا يخل بالراوي تساهله في غير الحديث ولا جهله بالعربية ولا الجهل بنسبه ولا مخالفة أكثر الأمة لروايته هـ.
كخلفه لأكثر الرواة
…
وخلفه للمتواترات
يعني أن مخالفة الراوي لأكثر الرواة أو الحفاظ لا تمنع من قبولها إذ قد ينفرد بما لم يطلعوا عليه وكذلك لا تضر مخالفته للمتواتر من كتاب أو سنة فيصار إلى الجمع أو الترجيح
وكثرة وإن لقي يندر
…
فيما به تحصيله لا يحظر
بجر كثرة يعني أنه يقبل إكثار الرواية للحديث وإن ندرت مخالطته للمحدثين إذا أمكن تحصيل ذلك القدر الذي رواه من الحديث في ذلك الزمن الذي خالط فيه المحدثين فإن لم يكن لم يقبل شيء مما رواه لظهور كذبه في شيء لا نعلم عينه وإما الإقلال من الحديث فقال المازري إذا لم يرو من الحديث إلا حديثا واحدا فالذي عليه المحققون إن ذلك لا يقدح في روايته وربما أنكر بعض المحدثين روايته لأن إقلاله يدل على عدم اهتمامه بدينه وذلك قادح فيه، واللقى بضم اللام وتشديد الياء ويندر بضم الدال المهملة قوله فيما أي في زمن لا يمتنع تحصيل كل ما رواه من الحديث به أي فيه والكثرة هنا أمر نسبي فرب شيء يكون كثيرا بالنظر إلى راو وهو قليل بالنظر إلى آخر وإما المكثرون إذا أطلقوا فستة نظمتهم في طلعة الأنوار بقولي:
والمكثرون بحرهم وأنس
…
عائشة وجابر المقدس
صاحب دوس وكذا ابن عمرا
…
رب قني بالمكثرين الضررا
والمراد بالبحر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وصاحب دوس هو أبو هريرة وجابر هو جابر ابن عبد الله بن عمر بفتح العين بن حرام
عدل الرواية الذي قد أوجبوا
…
هو الذي من بعد هذا الجلب
والعدل من يجتنب الكبائرا
…
ويتقى في الأغلب الصغائرا
وما أبيح وهو في العيان
…
يقدح في مروءة الإنسان
يعني إن الأصوليين اشترطوا في غير الحديث المتواتر أن يكون راوية عدل الرواية وهو المذكور في بيتين لابن عاصم بعد هذا البيت وهما قوله والعدل الخ يعني أن عدل الرواية هو من يجتنب كل كبيرة قلبية كانت أو بدنية كالزنا وشرب الخمر وكتمان الشهادة دائما ويتقى الصغائر في غالب الأحوال والنادر لا يعتد به إذ قد تقل السلامة منه ويتقى كل فرد من المباحات الخادمة للمروءة وهي كل ما يثين عرفا كالبول في الطريق والأكل في السوق لغير سوقي ومعاشرة الارذال وسخف الكلام المؤدي إلى الضحك والحرف الدنيئة كالدباغة اختيارا لا اضطرارا ولا لقصد كسر النفس فلا تقدح، وقيد خليل الصغائر التي تقدح بكونها صغائر خسة وعليه فلابد أن يجتنب كل فرد منها فبفعل فرد منها أو من الكبائر تنتفي العدالة فصغائر الخسة كتطفيف حبة وسرقة لقمة بخلاف صغائر غيرها ككذبة لا تضر مسلما ونظرة إلى أجنبية فلا يضر النادر منه واجتناب ما ذكر من الكبائر وما عطف عليه لابد أن يكون ملكة بالتحريك أي هيئة راسخة في النفس وهي التي لا تزول أصلا أو إلا بعسر قاله السبكي ونحوه لبعض المالكية كالابياري وهو شيخ ابن الحاجب وكالفهري فمن لم يحصل ذلك له ملكة لا يكون عدلا عندهم قال حلولوا وفيه نظر واعترضه أيضا في الآيات البينات بأن ظاهر كلام الفقهاء عدم اعتبار الملكة وأنه يكفي في تحقق العدالة بالنسبة للشهادة وغيرها مجرد اجتناب الأمور المذكورة هـ:
وذو أنوثة وعبد والعدا
…
وذو قرابة خلاف الشهدا
الشهداء جمع شهيد، ذكر في هذا البيت ما تفرق فيه عدالة الرواية وعدالة الشهادة وهي اشتراط الذكورة في الشهادة في غير
الأموال ولا نشترط في الرواية واشتراط الحرية في الشاهد عند الأكثر بخلاف الراوي وليست العداوة والقرابة بمانعة في الرواية بخلاف الشهادة فلا يشهد العدو على عدوه ويشهد له والقريب مع قريبه بالعكس فعدل الراوية هو الموصوف باجتناب ما ذكر سواء كان عبدا أو امرأة أو عدوا أو قريبا أم لا، وذو أنوثة وعبد والعدا بكسر العين وذو قرابة مرفوعة متعاطفة خبرها خلاف الشهدا.
تنبيه: العدالة لغة التوسط وفي الاصطلاح ما تقدم ذكره:
ولا صغيرة مع الإصرار
…
المبطل الثقة بالإخبار
الثقة بالجر مضاف إليه ما قبله مصدر بمعنى الوثوق والإخبار جمع خبر يعني إن الإصرار على الصغيرة أي المواظبة والمداومة عليها يبطل الوثوق بصدق خبر ذلك المصر لأنه يصيرها كبيرة والمراد بالمواظبة أن لا تغلب طاعته على معاصيه قال في الآيات البينات والرجوع في الغلبة إلى العرف ولا يدخل المستقبل ولا ما ذهب بالتوبة وغيرها هـ ولا فرق في الصغائر بين كونها من جنس وبين كونها من أجناس قال في الآيات البينات فالآتي بواحدة من كل نوع مصر هـ أي فتبطل عدالته فلا تقبل روايته وفائدة هذا البيت جعل الإدمان على فعل الصغيرة كبيرة فيعد في الكبائر حيث عدت ولذلك ذكره السبكي عند عدها وإما بطلان العدالة بفعلها فقد تقدم في شرح بيتي إن ابن عاصم
فدع لمن جهل مطلقا ومن
…
في عينه يجهل أو فيما بطن
بضم جهل ويجهل مبني للمفعول وبطن بفتح الطاء بمعنى خفي هذا متفرع على شرط العدالة فلا يجوز قبول شهادة ولا رواية إلا من
عدل يعني أنه يجب إجماعا رد رواية الراوي المجهول مطلقا أي ظاهرا وباطنا وحكي بعضهم الخلاف فيه وكذا مجهول العين نحو عن رجل أو امرأة أو شيخ فهو مردود إجماعا وحكي بعضهم الخلاف فيه أيضا ويلزم على جهل العين جهل عدالة الظاهر والباطن بمجهول العين من أفراده لكن جعلناهما مسألتين تبعا للمحلى ومن تبعه والصواب أن مجهول العين هو من لم يرو عنه إلا واحد وهو المذكور عن ابن عبد البر وعليه اصطلاح أهل الحديث ورده منقول عن أكثر العلماء إذا كان غير صحابي وقد قلت في بيان شرط البخاري:
كذاك من دون الصحابي عددا
…
من عنه يروى فخذن مسددا
أما الصحابي فلا يشترط تعدد من يروى عنه قال العراقي في ألفيته:
ففي الصحيح أخرجا المسيبا
…
وأخرج الجعفي لابن XX
ضمير الاثنين في أخرجا للبخاري ومسلم يعني .. أخرجا حديث المسيب ابن حزن ولم يرو عنه إلا ابنه سعيد وأخرج الجعفي وهو البخاري حديث عمرو بن تغلب ولم يرو عنه إلا الحسن البصري فيما قاله مسلم والمسيب وعمرو ابن تغلب صحابيان والمعروف أن نحو عن رجل وشيخ من المنقطع عند المحدثين إذ المبهم كالساقط الذي لم يذكر وفي عبارة غير واحد من أئمة الحديث أنه متصل في إسناده مجهول، قال المحشي ولعل هذا مستند ما في جمع الجوامع هـ يعني أن في جعله مسألة مجهول العين غير مسألة مجهول العدالة ظاهرًا وباطنا بناء على تفسير مجهول العين بأنه هو الذي لم يرو عنه إلا راو واحد ومن مجهول العين بناء على التفسير الأول ما قاله شهاب الدين عميرة ولفظه الظاهران منه ما لو قال الراوي عن رجل أعرفه لجهالته عند غيره هـ ومحل رد رواية من لم يرو عنه إلا واحد
حيث لم ينضم إليه توثيق إمام له وإلا اكتفى بذلك لأن من وثقه لم يوثقه إلا بعد معرفة عينه. قوله أو فيما بطن يعني أنه يجب رد رواية مجهول العدالة في الباطن وهو ظاهرها في الظاهر وهو المستور لانتفاء تحقق العدالة خلافا لأبي حنيفة وابن فورك وسليم الرازي وهما من الشافعية في قولهم بقبوله واستدلوا بأن الشرط ظن العدالة لا تحققها فإنه يظن من عدالته في الظاهر عدالته في الباطن، وقول المحلي اكتفاء بظن حصول الشرط أو ردوا عليه أن الشروط لابد من تحققها، قال في الآيات البينات وكون الشرط ظن العدالة وجيه جدا، وقال حلولوا مستدلا على رد رواية المستور بما لفظه وإذا ثبت اشتراط العدالة ورد رواية الفاسق فالمستور متردد بين الفسق والعدالة فلا تقبل روايته للشك في حصول الشرط هـ، يعني بالشرط العدالة، قال متأخروا الحنفية: إنما قال ذلك أبو حنيفة في صدر الإسلام حيث كان الغالب على الناس العدالة ولما غلب على الناس الفساد اشترطت العدالة فلابد من التزكية إلحاقا للنادر بالغالب هـ:
ومثبت العدالة اختبار
…
كذاك تعديل والانتشار
يعني أن الأمور التي تثبت بها العدالة منها: الاختبار بالمعاملة والمخالطة التي تطلع على خبايا النفوس ودسائسها، ومنها التعديل، أي التزكية لمن ثبتت عدالته، قال القرافي في شرح التنفيح والتزكية نبأ العدول المبرزين عنه بصفات العدالة هـ.
وقال في التنفيح وتثبت العدالة إما بالاختبار أو بالتزكية ومنها الانتشار أي السماع متواترا كان أمستفيضا، قال القرافي
ولهذا نقطع بعدالة أقوامٍ من العلماء والصلحاء من سلف هذه الأمة ولم نختبرهم بل بالسماع المتواتر أو المستفيض وهذا كاف هـ.
وفي قضا القاضي وأخذ الراوي
…
وعمل العالم أيضًا ثاوي
يعني أن إثبات العدالة ثاوٍ بالمثلثة أي كائن في هذه الأمور الثلاثة ثابت في قضاء القاضي المشترط للعدالة في الشاهد بشهادة شخص إن كان القاضي لا يحكم بعلمه أو لم يعلم بالواقعة فإن احتمل أنه حكم بعلمه لا بالشهادة لم يكن تعديلاً وكون حكم القاضي المذكور تعديلاً حكى ابن الحاجب الاتفاق عليه، وكذلك التعديل ثابت أيضًا بأخذ الراوي أي رواية من لا يروي إلا عن العدول عن شخص بأن صرح بأنه لا يروي إلا عن العدول أو عرف من عادته بالاستقراء كالبخاري في صحيحه فإذا روى من هذا حاله عن شخص من غير تعرض له بجرح ولا تعديل كان تعديلاً له وقيل لا لجواز أن يترك عادته، قال السيوطي: وعليه أهل الحديث فلو صدر منه ما يدل على أنه لم يترك عادته كان تعديلاً اتفاقًا قاله في «الآيات البينات» ، وكذلك يثبت التعديل بعمل العالم المشترط للعدالة في الراوي يثبت برواية شخص على الأصح وإلا لما عمل بروايته وقيل، ليس تعديلاً للراوي ولا تصحيحًا للمروي، والعمل بروايته يجوز أن يكون احتياطاً. قال في «الآيات البينات» قضيته أنه لو كان الاحتياط في ترك العمل به كما لو دلَّ المروي على جواز أخذ قال إنسان كان عمل العالم به تعديلاً قطعاً وليس بعيدًا هـ.
قوله قطعًا معناه بلا خلاف أما عمل من لا يلتزم العدالة في الراوي وكذا روايته فليس تعديلا اتفاقاً فهذه المسائل الثلاث المذكورة في هذا البيت ثبت التعديل فيها بالالتزام لا بالتصريح:
وشرط كل أن يرى ملتزما
…
ردا لما ليس بعدل علما
بالبناء للمفعول يعني أنه يشترط في كون كل من الثلاثة المذكورة في البيت قبل هذا تعديلا أن يعلم كون من القاضي والعامل والراوي ملتزما رد من ليس بعدل وإلا لم يكن ما ذكر تعديلا اتفاقا كما تقدم في شرح البيت قبل هذا.
والجرح قدم باتفاق أبدا
…
إن كان من جرح أعلا عددا
يعني أنه يجب تقديم الجرح عند التعارض على التعديل اتفاقا أي إجماعا إن كان الجارح أعلا أي أكثر عددا من المعدل لاجتماع موجب الترجيح في ذلك وهو الكثرة وكون متعلق التجريح إثباتا.
وغيره كهو بغير مين
…
وقيل بالترجيح في القسمين
المين بالفتح: الكذب يعني أن غير القسم المذكور وهو ما استوي فيه عددهما أو كان عدد المعدل أكثر يقدم فيه التجريح لاطلاع الجارح على ما لم يطلع عليه المعدل لأن مدرك المعدل استصحاب الحال السابقة، قوله وقيل الخ .. يعني أن ابن شعبان من المالكية قال يطلب الترجيح في القسمين كما هو حاصل في الأول بكثرة عدد الجارح، قال المحلي وعلى وزانه قال بعضهم: إن التعديل في الثلاث مقدم. قال في التنقيح ويقدم الجرح على التعديل إلا أن يجرحه بقتل إنسان فيقول المعدل: رأيته حيا وقيل يقدم المعدل إذا زاد عدده هـ:
كلاهما يثبته المنفرد
…
ومالك عنه روى التعدد
يعني أن التعديل والجرح يثبت كل منهما بواحد عند القاضي أبي بكر الباقلاني منا وهو المراد بالقاضي حيث أطلقه أهل الأصول
ولا فرق بين الرواية والشهادة وإثباتهما بواحد عزاه في البرهان للمحققين قال القاضي وهو قول القاضي وهو قول قريب لا شيء عندنا يفسده وإن كان الأحوط إن لا يقبل في تزكية الشاهد أقل من اثنين، قوله ومالك الخ يعني إن الإمام مالكا رحمه الله تعالى اشترط تعدد المعدل في الشهادة أيضا قال الابياري والذي يقتضيه قياس مذهبه اشتراطه في الرواية أيضا لأن كلا منهما شهادة فلابد من التعدد قال حلولوا مبينا وجه القياس ما لفظه: لأن اشتراط العدد في تعديل الشاهد وتجريحه إنما هو لأجل سلوكنا بذلك مسلك الشهادة للشخص وعليه فثبوت الاختصاص والعدد في الشهادة لازم ولا يحسن أن يقال التزكية في حق الشاهد شهادة وفي حق المخبر خبر لأن معقول الشهادة فيهما جميعا على حد واحد هو الأنباء بأمر يختص بالمشهود له أو عليه فالصواب إذن إن لا فرق هـ والقول باشتراط تعدد المعدل والمجرح في الرواية والشهادة عزاه الفهري للمحدثين والابياري لأكثر الفقهاء.
وقال بالعدد ذو دراية
…
في جهة الشاهد لا الرواية
يعني أن بعض أهل الدراية والخبرة من أهل الأصول قال باشتراط تعدد معدل الشاهد ومجرحه ولا يشترط ذلك في معدل الراوي ومجرحه رعاية للتناسب فيهما فإن الواحد يقبل في الرواية دون الشهادة وعزا هذا القول غير واحد للأكثرين:
شهادة الإخبار عما خص إن
…
فيه ترافع إلى القاضي زكن
وغيره رواية
…
لإخبار بكسر اللام مبتدأ، وما بعده من البيت متعلق به خبره شهادة، وخص بفتح الخاء وزكن بالزاي بمعنى علم مبني للمفعول.
تكلم في هذا البيت على الفرق بين الرواية والشهادة وهو مما تشتد الحاجة إلى معرفته في الفقه وأصوله لافتراقهما في بعض الأحكام، قال القرافي أنه أقام أربع سنين يتطلب الفرق بينهما حتى ظفر به في شرح المازري للبرهان لإمام الحرمين في الأصول ثم ساق معنى ما ذكره السبكي بقوله الإخبار عن عام لا ترافع فيه الرواية وخلافه الشهادة وعرفت أنا الشهادة بأنها الإخبار عن خاص ببعض الناس يمكن الترافع فيه إلى حكام الشريعة، والرواية غير ذلك وهو الإخبار عن عام أو عن خاص لا يمكن الترافع في كل منهما إلى حكام الشريعة.
مثال الأول حديث: "إنما الأعمال بالنيات"، ومثال الثاني كقوله صلى الله عليه وسلم "يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة" وقوله في أبي بردة:"ولن تجزئ عن أحد بعدك" يعني العناق ومن ذلك الأحاديث المثبتة لخصائصه صلى الله عليه وسلم وكذلك الإخبار عن زيد مثلا بأنه فعل كذا أو حاله كذا رواية لأنه إخبار عن خاص لا يمكن الترافع فيه وأورد على تعريف الشهادة بما ذكر أنه غير مانع لتناوله الدعوى والإقرار وأجيب بأنه تعريف بالأعم. وقد أجازه الأقدمون وبأن الغرض تمييز الشهادة عن الرواية وهو حاصل بما ذكر لا عن غيرها مطلقا فلا يتوجه إنه لا يميزها عن الدعوى والإقرار إذ الواجب في التعريف تمييز المعرف بالفتح عما قصد تمييزه عنه لا عن جميع ما عداه مطلقا قاله في الآيات البينات، فعرف أن الدعوى والإقرار ليسا رواية ولا شهادة وأورد على تعريف الشهادة أنه غير جامع لعدم تناوله ما لو كان المشهود به عاما كالوقف على جميع المسلمين فإن كل من منع من تناول الوقف ساغ له رفع الأمر إلى الحاكم
والدعوى بأن هذا وقف على عموم المسلمين وأنا منهم فاستحق وهذا يمنعني حقي وقد أجاب عنه في الآيات البينات بما رجع إليه بالإبطال وقول المحلي ونفى الترافع فيه لبيان الواقع معناه أن الإخبار عن عام لا يمكن الترافع فيه أبدا وهو مردود بما رأيت فالصواب أنه للاحتراز والضابط للإخبار بالحقوق أن الإخبار إن كان بحق للمخبر بالكسر على غيره فهو الدعوى أو لغير المخبر عليه فهو الإقرار ولغيره على غيره فهو الشهادة:
والصحب
…
تعديلهم كل إليه يصبو
أي يميل أي يقول به يعني أن أصحابه صلى الله عليه وسلم ذهب كل السلف إلى كونهم كلهم عدولا فلا يبحث عن عدالتهم في رواية ولا شهادة لأنهم خير الأمة قال صلى الله عليه وسلم: "خير أمتي قرني" رواه الشيخان وقد زكاهم الله تعالى بقوله: "كنتم خير أمة أخرجت للناس""وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس" بناء على أن المراد من هاتين الآيتين الصحابة فقط وعليه أكثر المفسرين ولا تعديل مثل تعديل الله تعالى ورسوله وما جرى بينهم فهو بالاجتهاد وكل مجتهد مصيب أو المصيب واحد والمخطئ معذور غير آثم ومن طرأ له قادح مثل زنى أو سرقة عمل بمقتضاه إذ ليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم واستحالة المعصية عليهم بل المراد أنه لا يبحث عن عدالة واحد منهم فإذا قيل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول كذا كان حجة كتعيينه باسمه، واستشكل الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم "خير أمتي قرني" لشموله غير الصحابة من قرنه ويؤيد إرادة الشمول قوله في الخبر
الآخر: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" فإن أثبت الحكم بالخيرية العدالة بمعنى أنه لا يبحث عنها في شهادة ولا رواية لزم إثباتها كذاك لغير الصحابة من أهل قرنه ولأهل القرنين الآخرين وليس كذلك فلا يثبت المطلوب قال في الآيات البينات اللهم إلا أن يجاب بأن الخيرية تقتضي ذلك إلا ما خرج لدليل وقد دل الدليل على عدم ثبوت العدالة بالمعنى المذكور لغير الصحابة وأنه لابد من البحث ولم يدل على ذلك بالنسبة للصحابة فأخذ فيهم بقضية هذا الدليل هـ.
تنبيه معرفة عدالة الصحابة تشتد الحاجة إليها لأنهم نقلة الشريعة فلو لم تثبت عدالتهم لم تثبت عندنا الشريعة بحال وإذا كانوا كلهم عدولا اشتدت الحاجة أيضا إلى معرفة كل واحد منهم فجزى الله المدونين في جمعهم خيرا كابن عبد البر صاحب الاستيعاب وابن حجر صاحب الإصابة:
واختار في الملازمين دون من
…
رءاه مرة إمام مؤتمن
يعني أن ما تقدم من تعديل كل الصحابة بناء على تفسير الصحابي بأنه من رءاه ولو مرة هو غير ما اختاره إما مؤتمن وهو القرافي من أن معنى قول العلماء الصحابة عدول يريدون به الذين كانوا ملازمين له صلى الله عليه وسلم المهتدين بهديه وهذا هو أحد التفاسير للصحابة وقيل الصحابي من رءاه ولو مرة وقيل من كان في زمانه وهذان القسمان لا يلزم فيهما العدالة مطلقا بل فيهم العدل وغيره بخلاف الملازمين له عليه السلام وفاضت عليهم أنواره وظهرت عليهم بركته وآثاره وهم المرادون بقوله عليه السلام أصحابي كالنجوم بأيهم أقتديتم أهتديتم هـ كلام القرافي.
وما اختاره القرافي سبقه إليه المازري في شرح البرهان حيث قال لسنا نعني بقولنا الصحابة عدول كل من رآه صلى الله عليه وسلم يوما ما أو زاره يوما أو اجتمع به لغرض وانصرف وإنما نعني به الذين لازموه وعزروه ونصروه هـ. قال العلاءي وهذا قول غريب يخرج كثيرا من المشهورين بالصحبة والرواية عن الحكم بالعدالة كوائل ابن حجر ومالك بن الحويرث وعثمان بن العاصي وغيرهم ممن وفد عليه ولم يقم عنده إلا قليلا وانصرف، وكذلك من لم يعرف إلا برواية الحديث الواحد ولم يعرف مقدار إقامته من إعراب القبائل والقول بالتعميم هو الذي صرح به الجمهور وهو المعتبر هـ.
إذا أدعى المعاصر العدل الشرف
…
بصحبة يقبله جل السلف
يعني أن من علم أنه في عصر مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو عدل إذا أدعى الصحبة لنفسه أي الاجتماع به مؤمنا قبل عند الأكثر فتثبت صحبته بذلك وفاقا للقاضي أبي بكر الباقلاني لأن عدالته تمنعه من الكذب لتضمنها التقوى التي تنهى عن المعاصي وتمنع عادة منها فلا يرد أن العدالة لا تنافي مطلق الكذب لأنه صغيرة وقيل لا يقبل لإدعائه لنفسه رتبة هو متهم فيها كما لو قال أنا عدل:
ومرسل قولة غير من صحب
…
قال إمام الأعجمين والعرب
يعني أن المرسل عند أهل الفقه وأهل الأصول هو قول غير الصحابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا بإسقاط الواسطة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم وغير الصحابي شامل للتابعي ومن تحته فسافلا وخرج قول الصحابي قال صلى الله عليه وسلم فلا يوصف بالإرسال وإذا علم
أن الصحابي بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم واسطة لا يدري أصحابي أم تابعي قبل لأن مراسيل الصحابة حجة عند الأكثر إذ الظاهر أن الساقط صحابي وجهالة الصحابة لا تضر لأنهم محمولون على العدالة:
عند المحدثين قول التابعي
…
أو الكثير قال خير شافع
يعني أن المرسل في اصطلاح المحدثين قول التابعي كبيرا كان أو صغيرا قال النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم هو قول التابعي الكبير قال صلى الله عليه وسلم كابن المسيب فإن قاله تابعي صغير كالزهري فمنقطع والقول الأول هو المشهور والتابعي الكبير أكثر رواية عن الصحابة كبعد الله ابن عدى بن الخيار وقيس ابن أبي حازم، والصغير أكثر رواية عن التابعين وقال ابن حجر في فتح الباري: إن الكبير من أدرك الصحابة وإن لم يلقهم وعلى هذا يكون الزهري كبيرا إذ لقي ثلاثة عشر صحابيا قال السيوطي يرد على تخصيص المرسل بالتابعي من سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وهو كافر ثم أسلم بعد موته فهو تابعي اتفاقا وحديثه ليس بمرسل بل موصول لا خلاف في الاحتجاج به كالتنوخي رسول هرقل فقد أخرج حديثه الإمام أحمد وأبو يعلي في مسنديهما وساقاه مساق الأحاديث المسندة ومن رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو غير مميز كمحمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما فإنه صحابي وحكم روايته حكم المرسل لا الموصول ولا يجيء فيه ما قيل في مراسيل الصحابة لأن أكثر رواية هذا وشبهه عن التابعين بخلاف الصحابي الذي أدرك وسمع فإن احتمال روايته عن التابعين بعيد جدًا هـ.
قال في الآيات البينات ويجاب فإن المراد بالتابعي التابعي حقيقة وحكما أو حكما فقط والأول ليس تابعيا حكما بل هو صحابي حكما وقياس ما قاله في الثاني إن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو كامل لكن علمت روايته عن التابعين كان لها حكم المرسل هـ
وهو حجة ولكن رجحا
…
عليه مسند وعكس صححا
يعني أن المرسل حجة عند مالك وأبي حنيفة قال عياض في المشهور عنهما وعند الإمام أحمد في أشهر الروايتين عنه والأمدي وأكثر من تكلم في الأصول قالوا لأن العدل لا يسقط الواسطة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو عدل عنده وإلا كان ذلك تلبيسا قادحا فيه ورده الأكثر منهم الشافعي والقاضي أبو بكر الباقلاني للجهل بعدالة الساقط.
تنبيه عام مما مر أن المجهول مردود فما الفرق بينه وبين مرسل التابعي إذا لم يعلم أن الواسطة صحابي أو كان الإرسال من غيره فالجواب أن الراوي إذا قال في الإسناد فلان عن رجل أو عن شيخ فقال الحاكم منقطع ليس مرسلا وقال غيره مرسل القرافي كل من القولين خلاف ما عليه الأكثرون فإنهم ذهبوا إلى أنه متصل في سنده مجهول قال في الآيات البينات فعلى كل من قول الحاكم وقول الأكثرين يختلف ما هنا وما هناك في الاسم كما أنهما مختلفان في الحقيقة لأن ما هنا مع الإسقاط وما هناك مع الذكر على وجه الإبهام ثم قال أيضا جزم العدل بالعزو إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع إسقاط الواسطة لا يناسب إلا عند عدالة الواسطة عنده خصوصا مع ورود التغليط في الكذب عليه الذي قد يوقع فيه التساهل في الواسطة
ولا كذلك النسبة مع الإبهام فلذا أجمعوا على رده على ما قاله المصنف أي السبكي وإلا فقد سبق أن غيره حكي فيه خلافا هـ.
فائدة علم من احتجاج مالك ومن وافقه بالمرسل إن كلا من المنقطع والمعضل حجة عندهم لصدق المرسل بالمعنى الأصولي على كل منهما ولا يحتج بواحد منهما عند الشافعي ومن وافقه قوله ولكن الخ يعني أن المرسل على الاحتجاج به أرجح منه المسند وأقوى فيقدم عليه عند التعارض والمسند هو ما اتصل سنده فلم يسقط منه أحد خلافا لقوم في قولهم أنه أقوى من المسند قالوا لأن العدل لا يسقط إلا من يجزم بعدالته بخلاف من يذكره فقد يحيل الأمر فيه على غيره وأجيب بمنع ذلك والنقل للحديث بالمعنى منع.
يعني أن نقل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعنى منعه مالك فيما نقله عنه المازري وذكر ابن الحاجب عن مالك أنه كان يشدد النكير في إبدال الباء بالتاء والعكس من بالله وتالله قال وحمل على المبالغة، وفي جامع ابن يونس ما يشهد لهذا الحمل وروى المنع عن ابن عمر رضي الله عنهما لقوله صلى الله عليه وسلم نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه" فهذا يقتضي أنه أوجب نقل مثل ما سمعه لا خلافه فيمنع نقل الحديث بالمعنى مطلقا حذر أمن التفاوت وإن ظن الناقل عدمه فإن كثيرا من العلماء يختلفون في معنى الحديث المراد وأجيب من جهة المجيز بأن المراد بالمعنى الظاهر لا ما يختلف فيه وهو ما ليس ظاهر المعنى كالمتشابه والمشترك فلا تجوز روايته بالمعنى اتفاقا بل ينقل بلفظه ليقع الإيمان بذلك اللفظ من غير تأويل أو مع التأويل على
المذهبين فيلزم على ذلك إن كل ما كان مرويا بالمعنى فهو من الظاهر المعنى فالأحاديث الموجودة الآن لا يجب أن يكون كلها مرويا بالمعنى قال في الآيات البينات فما ذكره شيخنا الشهاب يعني شهاب الدين عميرة عن الدماميني من أن الأحاديث الموجودة الآن ليست من محل الخلاف لأنها مروية بالمعنى بدليل اختلاف الطرق في المروى والواقعة واحدة وإن ألفاظها لا تصلح للاحتجاج بها على لغة العرب إلا لفظا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحوه وإنه استفتى علماء عصره كالبلقيني وابن خلدون وغيرهما فأفتوا بذلك هـ في إطلاقه نظر بل يتجه أن يقال يجوز الاحتجاج بها لأن الأصل لأنها لفظ النبي صلى الله عليه وسلم بناء على أن النقل باللفظ هو الغالب إلا أن يعلم أن النقل بالمعنى وأن الراوي مما لا يحتج بكلامه أو يقع الشك فيه لنحو اختلاف الطرق في الرواية مع العلم باتحاد الواقعة على أنه يمكن أن يقال أن مجرد اختلاف الطرق لا يستلزم الرواية بالمعنى لجواز أنه عليه الصلاة والسلام أجاب عن الواقعة الواحدة في أوقات مختلفة بألفاظ مختلفة فروى كل راو ما أطلع عليه نعم أن ثبت أن الغالب الرواية بالمعنى أو أنه لا غالب اتجه عدم الاحتجاج بها هـ.
مثال ما لا يتفاوت كما إذا روى مكان قوله عليه الصلاة والسلام صبوا عليه ذنوبا من الماء أريقوا عليه دلوا ملئانا من الماء ولأجل جواز النقل بالمعنى ترك النحاة الاستشهاد بالحديث حتى جاء ابن مالك فأكثر الاستشهاد بالحديث في العربية وادعى أنه حاز منقبه لم يسبق إليها فردوا عليه بأن كثيرا من رواة الحديث عجم مع جواز رواية الحديث بالمعنى فلم يوثق بعربية كثير من الأحاديث.
(ومالك عنه الجواز قد سمع) بالبناء للمفعول يعني أن مالكا والأكثر وفاقا للشافعي وأبي حنيفة وأحمد أجازوا نقل الحديث بالمعنى لأن لفظ السنة ليس متعبدا به بخلاف لفظ القرآن فإذا ضبط المعنى فلا يضر فوات ما ليس بمقصود ولما رواه الطبراني وغيره من حديث عبد الله بن سليمان بن أكمة الليثي قال قلت يا رسول الله إني أسمع منك الحديث لا استطيع أن أؤديه كما أسمعه منك يزيد حرفا أو ينقص حرفا فقال إذا لم تحلوا حراما أو تحرموا حلالا وأصبتم المعنى فلا بأس فذكر ذلك للحسن فقال لولا هذا ما حدثنا فلان قيل هذا الحديث لا يدل على الجواز مع القدرة لأنه وقع جوابا لسائل عاجز بدليل قوله لا أستطيع فالجواب تعميم الخطاب بقوله إذا لم تحلوا الخ مع إن السائل واحد وعدم التقيد بالحانة المسئول عنها في الجواب وإطلاق قوله فلا بأس قرينة قوية على الجواز مطلقا.
فائدة: الفرق بين مسألة نقل الحديث بالمعنى ومسألة جواز وقوع كل من المترادفين مكان الآخر هو أن الكلام في المترادفين في أمر لغوي وهو أعم من أن يقع في كلام راو للحديث أو غيره. فالمانع في هذه المسألة يقول اللغة تمنعه مطلقا ولا يتعرض للشرع هل يمنعه أو لا وهذا في أمر شرعي خاص وهو رواية حديث النبي صلى الله عليه وسلم والمانع يقول لا يجوز للاحتياط فيه إجازته اللغة أو منعته، وقال في الآيات البينات بعدما ذكر ما لفظه وأيضا فما نحن فيه شامل لإبدال اللفظ بمساوية وضعا وبأعم منه إذا قيد بحيث يساويه أو بأخص منه إذا بين أنه مثال وإن الضابط كذا وذكر ما يساويه بخلاف ما تقدم لاختصاصه بالمرادف هـ، ولجواز نقل الحديث بالمعنى شروط ذكرها بقوله:
لعارف يفهم معناه جزم
…
وغالب الظن لدى البعض أنحتم
يعني أنه إنما يجوز نقل الحديث بالمعنى لعارف بمدلولات الألفاظ أي مدلول اللفظ الوارد ومدلول ما يأتي به بدله بحيث لا يتفاوت مدلولهما ولابد أيضا أن يكون عارفا بمحال وقوع الكلام بأن يأتي بلفظ بدل آخر مساو له في المراد منه كسوقه للمدح أو الذم، قال في الآيات البينات وهل تشترط المساواة في كيفية أداء المراد منه فيعتبر نحو التأكيد والتقدم للاهتمام ولا يبعد اعتبار ذلك لأنه مما يؤكد الامتثال، نعم لا يخفى أنه لا يمكن مطابقة جميع ما اعتبره الشارع من الخواص على الوجه والحد الذي اعتبره الشارع من الخواص على الوجه والحد الذي أعتبره، فينبغي أن يكون الواجب مراعاة الخواص الظاهرة المؤثرة في الحكم هـ، قوله يفهم معناه جزم يعني أنه يشترط في جواز نقل الحديث بالمعنى أن يكون جازما أي قاطعا بفهم معنى الحديث وبأن العبارة التي عبر بها تدل على معناه، أما إن كان عن ظن فلا خلاف في المنع فإنه لا يتعين استواء ظن الناس فقد يظن إنسان شيئا ويظن آخر غيره وبعضهم بغلبة الظن يكتفي:
والاستواء في الخفاء والجلا
…
لدى المجوزين حتما حصلا
الاستواء مبتدأ، خبره حصلا، وألفه للإطلاق، يعني: إن مجوزى نقل الحديث بالمعنى يشترط عندهم في الجواز مع ما ذكر معرفة استواء العبارتين في الخفاء والظهور فلا يبدل لفظ ظاهر الدلالة على معنى بلفظ خفي الدلالة على ذلك المعنى ولا يعكس لأنه ينشأ عن ذلك تقديم ما رتبته التأخير أو العكس لوجوب تقديم أجلا الخبرين المتعارضين على خلافه فالذي لا يعرف شيئا مما ذكر لا يجوز له تغيير اللفظ قطعا سواء نسى الراوي اللفظ أم لا.
وبعضهم منع في القصار
…
دون التي تطول لاضطرار
المراد بالبعض هنا القاضي عبد الوهاب، قال: المازري وانفرد القاضي عبد الوهاب بأنه يجوز النقل بالمعنى في الأحاديث الطوال للضرورة دون القصار، قال وفيه تفصيل: وهو أن الحديث الطويل إذا أورده غير قاصد نقله عنه لكونه لا يتعلق به حكم كحديث جريج الراهب ولا تحس الحاجة لنقله أو حكمه خاص بالسامعين لا يبعد جريان الخلاف في جواز نقله بالمعنى لعدم الحاجة لتغيير الألفاظ هـ من شرح حلولوا، والأحاديث الطوال كحديث الإسراء وحديث الإفك وحديث زمزم.
وبالمرادف يجوز قطعا
…
وبعضهم يحكون فيه المنعا
يعني أن الأبياري من المالكية جعل من محل الاتفاق إبدال اللفظ بالمرادف بأن يؤتي بلفظ بدل مرادفه مع بقاء التركيب وبعضهم يحكون فيه المنع أي قولا بالمنع، فإذا غير التركيب لم يجز عند القائل بالجواز في المرادف فقط إذ قد لا يوفى بالمقصود، فلو كان الكلام فعلا وفاعلا مثلا فإبدال الفعل بمرادفه وأخره عن فاعله لم يجز، وإن صدق عليه إنه إبدال لفظا بمرادفه لأن التركيب لم يبق على حاله وكذا لو كان الفعل مؤخرا فقدمه لتفاوت المعنى بتقديم الفعل وتأخيره إذا الثاني يفيد تقوية الحكم والأول يفوتها، ولأن الجملة في الثاني اسمية تفيد الدوام والثبوت وفي الأول فعلية فلا تقيدهما
وجوزن وفقا بلفظ عجمي
…
ونحوه الإبدال للمترجم
بكسر الجيم، يعني: إن الرهوني من المالكية وغيره حكيا الإجماع على جواز الترجمة عن الحديث بالفارسية ونحوها للضرورة في التبليغ للعجم، يعني ونحوها من لغات العجم والظاهر أنه يدخل