المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(كتاب التعادل والتراجيح) - نشر البنود على مراقي السعود - جـ ٢

[الشنقيطي، عبد الله بن إبراهيم]

الفصل: ‌(كتاب التعادل والتراجيح)

(مع تكلف ببعض وارد) نعت لتكلف يعني أن أكثر الفروع لا ترجع إلي تلك الأصول الأربعة أو الخمسة إلا بواسطة وتكلف فلو أريد الرجوع بوضوح الدلالة لزادت تلك الأصول على الحين وقد حصر أبو طاهر الدبوسي مذهب أبي حنيفة في سبع عشر قاعدة ولا يخلو أيضًا هذا الحصر من تكلف واعتبار وسائط والمذاهب كلها متساوية في هذا الحصر سواء قلنا المحصور فيه أربعة أصول أو خمسة أو سبعة عشر بتقديم السير على الموحدة أو أكثر.

(كتاب التعادل والتراجيح)

لما فرغ الناظم من ذكر الأدلة شرع في بيان كيفية الاستنباط منها وهو الكتاب السادس وأفرد الأول أنه نوع واحد وجمع الثاني لأنه أنواع والتعادل والتكافى والتساوي بين الأدلة.

ولا يجى تعارض إلا لما

من الدليلين إلى الظن أنتما

يعني أنه لا يجوز عقلا التعارض بين الدليلين إلا دليلين ظنيين أي ظنية دلالتهما على معناهما ويمتنع التعارض بين دليلين قطعيين أي قطعية دلالة كل منهما على معناه سواء كانًا عقليين كدال على قدم العالم ودال على حدوثه أو نقليين حيث لا نسخ بينهما أو مختلفين والتعارض أن يدل كل منهما على منافي ما يدل عليه الآخر إذا لو جاز ذلك لجاز ثبوت مدلولهما فيجتمع المتنافيان ومن شروط إفادة النقليات اليقين أن ينضم إلى اللفظ قرائن محسوسة أو متواترة على إرادة ذلك المعنى.

(والاعتدال جائز في الواقع) يعني أن تعادل الدليلين الظنيين في الواقع أي في نفس الأمر جائز عند الأكثر والمراد بالتعادل تنافيهما

ص: 273

على حكمين متناقضين مع اتحاد الفعل من غير مرجح لأحدهما على الآخر إذ لا محذور في ذلك.

وقال الأمام أحمد والكرخي من الحنفية بالمنع حذرًا من التعارض في كلام الشارع وإنما اشترطنا في الظنيين عدم المرجح لأحدهما ولم نشترطه في القطعيين لأن القطعيين لا يمكن الترجيح فيهما ولا التأويل.

(كما يجوز عند ذهن السامع) يعني أن التعادل بين الظنيين في ذهن السامع لهما وهو المجتهد جائز وواقع اتفاقًا وهو منشأ تردده.

وقول من عنه روى قولان

مؤخر إذ يتعاقبان

قول مبتدأ خبره مؤخر يعني أنه إذا نقل عن مجتهد قولان في مسألة متعاقبان وعلم المتأخر منهما فالمتأخر منهما هو قوله والمتقدم مرجوع عنده غالبًا فلا يفتى به ولا يعمل.

قال القرافي بل هو كالنص المنسوخ فلا يعد من الشريعة وفيه عنده نظر لأن أقوال المجتهد لا تخرج عن عين الشريعة كما في «الميزان» للإمام الشعراني ولأنه يعمل به للضرورة وما عمل به فهو من الدين والشريعة ولأن من أصولنا مراعاة الخلاف ولذلك كان الفسخ من النكاح المختلف فيه طلاقًا وفيه الإرث ولا فرق بين اتحاد القائل واختلافه في جميع ذلك وكذلك البيع الفاسد المختلف فيه يمضي بالثمن إذا فات ولو كان الخلاف من واحد.

(إلا فيما صاحبه مؤيد) أي وإن لم يتعاقبا بأن قالهما معًا كأن يقول في المسألة قولان أحدهما كذا والآخر كذا فقوله منهما المستمر ما ذكر فيه المشعر بتأييده أي بترجيحه على الآخر كأن يقول هذا

ص: 274

أشبه أو أحسن أو أولى وكتفريعه عليه وقول المجتهد في المسألة قولان لا يحمل على اعتقاده القولين لتناقضهما بل يحمل على أن فيها قولين للعلماء أو ما يقتضي قولين من أصلين أو أصل أو على معنى الأخبار بأنه تقدم له فيها قولان وذلك لتعادل الأدلة عنده ونحو ذلك ولا يجوز كما قال ابن الحاجب والعضد أن يكون للمجتهد قولان في المسئلة متناقضان في وقت واحد بالنسبة إلى شخص واحد قوله مؤيد هو بكسر الياء.

(وغيره فيه لا تردد) يعني أن غير ما ذكر وهو ما لم يذكر معه مرجح فهو متردد بينهما وإنما ذكرت هذه المسئلة في التعادل والتراجيح لأن تعارض قولي المجتهد في حق من قلده كتعارض الأدلة في حق المجتهد لأن قول المجتهد بالنسبة إلى من قلده كتعارض الأدلة في حق المجتهد لأن قول المجتهد بالنسبة إلى من قلده كالدليل الشرعي بالنسبة إلى المجتهد ولذلك يحمل عام المجتهد على خاصة ومطلقه على مقيده وناسخه على منسوخة ومحتمله على صريحة كما يفعل مثل ذلك في نصوص الشارع قاله القرافي.

وذكر ما ضعف ليس للعمل

إذ ذاك عن وفاقهم قد انحظل

ببناء ضعف للمفعول مشددًا يعني أن ذكر الأقوال الضعيفة في كتب الفقه ليس للعمل بها لأن العمل بالضعيف ممنوع باتفاق أهل المذهب وغيرهم إلا القاضي. إلا فيما سيأتي وإلا إذا كان العامل به مجتهدًا مقيدًا ورجه عنده الضعيف فيعمل به ويفتي ويحكم ولا ينقض حكمه به حينئذ وإنما يذكرونها في كتبهم لما أشار له بقوله:

بل للترقي لمدارج السنا

ويحفظ المدرك من له اعتنا

يعني أن ذكر الأقوال الضعيفة في كتب الفقه يكون للترقي لمدارج السنا بفتح السين أي القرب من رتبة الاجتهاد حيث يعلم أن

ص: 275

هذا القول قد صار إليه مجتهد ولذا قال بالأقوال التي رجع عنها مالك كثير من أصحابه وممن بعدهم وليحفظ المدرك بفتح الميم أي الدليل من له اعتناء بحفظه وهو المتبصر إذ التبصر كما في تأسيس القواعد للشيخ زروق أخذ القول بدليله الخاص به من غير استبداد بالنظر ولا إهمال للقائل وهذه رتبة مشايخ المذاهب وأجاويد طلبة العلم مع أن الاقتصار على ذكر المشهور فقد أقرب للضبط.

ولمراعات الخلاف المشتهر

أو المراعات لكل ما سطر

بالبناء للمفعول يعني أن ذكر الأقوال الضعيفة في كتب الفقه يكون لمراعات الخلاف المشهور أو لمراعات كل ما سطر من الأقوال أي ضعيفًا كان أو غيره بناء على القولين اللذين ذكرهما في التكميل بقوله:

وهل يراعي كل خلق قد وجد

أو المراعي هو مشهور عهد

وكونه يلجى إليه الضرر

إن كان لم يشتد فيه الخور

وثبت العزو وقد تحققًا

ضرا من الضربة تعلقًا

يحركونه معطوفًا على الترقي يعني أن الضعيف يذكر في كتب الفقه لما ذكر ولكونه قد تلجأ الضرورة إلى العمل به بشرط أن يكون ذلك الضعيف غير شديد الخور أي الضعف وإلا فلا يجوز العمل به وبشرط أن يثبت عزوه إلى قائله خوف من أن يكون ممن لا يقتدي به لضعفه في الدين أو العلم أو الورع وإلا فلا يجوز العمل به وبشرط أن يتحقق تلك الضرورة في نفسه فلا يجوز للمفتي أن يفتي بغير المشهور لأنه كما قال المسناوى لا يتحقق الضرورة بالنسبة إلى غيره كما يتحققها من نفسه ولذلك سدوا الذريعة فقالوا تمنع الفتوى بغير المشهور خوف أن لا تكون الضرورة محققة لا لأجل أنه لا يعمل بالضعيف

ص: 276

إذا تحققت الضرورة يومًا ما ذكره شيخنا البناني عند قول خليل فحكم بقول مقلده قوله وقد تحقق ضرًا الخ من فاعل تحقق وجملة الضر به تعلق مبتدأ وخبره وهو صلة من.

وقول من قلد عالمًا لقى

الله سالمًا فغير مطلق

بصيغة اسم المفعول يعني أنه إذا تقرر منع الفتوى والعمل بغير المشهور علم أن قول بعضهم من قلد عالمًا لقي الله سالمًا غير مطلق أي عام إنما يسلم إذا كان قول العالم راجحًا أو ضعيفًا عمل به للضرورة عند حصول الشروط المذكورة أو لترجيحه عند ذلك العالم إن كان من أهل الترجيح وهو مجتهد الفتوى وأحرى مجتهد المذهب وأما تقليد المفضول على القول به فلا يلزم منه ضعف جميع ما قلد فيه والظاهر أن المراد بالعالم المجتهد المطلق سواء قلنا كل مصيب أو المصيب واحد.

إن لم يكن لنحو مالك ألف

قول بذي وفي نظيرها عرف

فذاك قوله بها لمخرج

وقيل عزوه إليها حرج

ألف بالبناء للمفعول نائبه قول ونائب عرف ضمير قول والباء في بذي وفي بها ظرفية وذاك مبتدأ خبره قوله والمخرج فعت الخبر يعني إنه إذا لم يوجد لنحو الأمام مالك من المجتهدين قول في هذه المسئلة لكن يعرف لذلك المجتهد قول في نظير تلك المسئلة فقوله ذلك في تلك المسئلة هو قوله المخرج في نطيرها أي مشابهتها أي أخرجه أصحاب ذلك المجتهد فيها إلحاقًا لها بنطيرها بناء على أن لازم المذهب يعد مذهبًا والأصل عدم الفارق كان يقال ثبتت الشفعة في الشقص من الدار فيقال قوله في الحانوت كذلك قوله وقيل عزوه الخ يعني أن

ص: 277

بعضهم قال أن عزو ذلك المخرج إلى المجتهد بالتحريك أي ذو حرج أي منع إذ لم يقل به لاحتمال أن يكون عنده فارق بين النظرين وهذا القول مبني على أن لازم المذهب نيس بمذهب.

وفي انتسابه إليه مطلقًا

خلف مضي إليه من قد سبقنا

مضي بمعنى ذهب يعني أن أهل الأصول اختلفوا في نسبة القول المخرج إلى لمجتهد انتسابًا مطلقًا أي غير مقيد بأنه قول المخرج بناء على جواز عزوه وقيل لا يجوز إلا بقيد كونه مخرجًا بأن يقال قول مالك المخرج فيها كذا ليلا يلتبس بالمنصوص وقيل لا حاجة إليه لأنه جعل قوله:

وتنشأ الطرق بين نصين

تعارضًا في متشابهين

يعني أن الطرق أي أقوال أصحاب المجتهد كمالك مثلا قد تنشأ أي ينشأ اختلافها من نصين للمجتهد متعارضين أي متخالفين في مسئلتين متشابهتين يعنى أن المجتهد قد ينص في المسئلة على شيء وفي نظيرها أي ما يشابهها على ما يعارضه أي يخالفه مع خفاء الفرق بينهما فمن أهل المذهب من يقرر النصين في محلهما ويفرق بينهما ومنهم من يخرج نص كل في الأخرى فيحكي في كل قولين منصوصًا ومخرجًا فتارة يرجح في كل نصها ويفرق بينهما وتارة يرجح في أحديهما نصها وفي الأخرى المخرج ويذكر ما يرجحه على نصها قوله الطرق جمع طريق وراؤه مسكنة لجواز ذلك نثرًا فإن فعلا بضمتين يجوز فيه ذلك كما يجوز فعل بضمتين في فعل بضم السكون.

(تقوية الشق هي الترجيح) بكسر الشين المعجمة يعني أن الترجيح هو تقوية أحد الشقين أي الدليلين المتعارضين أي المتخالفين.

ص: 278

أي تقويته بوجه من الوجوه المرجحات المذكورة هنا وغيرها ولابد أن يكون الدليلان ظنيين إذ لا تعارض بين قاطعين ولا قاطع ومظنون والمراد بالطريقين في قول السبكي والترجيح تقوية أحد الطريقين الدليلان الظنيان سمى الدليل طريقًا لأنه يوصل إلى المدلول.

(وأوجب الأخذ به الصحيح) يعني أن القول الصحيح الذي وقع عليه الإجماع هو وجوب الأخذ أي العمل بالدليل الراجح إذ العمل المرجوح ممتنع سواء كان قطعيًا كتقديم النص المتواتر على القياس أم ظنيًا كالترجيح بكثرة الرواة أو الأدلة الظنية أو غيرها من الوجوه الآتية:

وعمل به أباه القاضي

إذا به الظن يكون القاضي

أي الحاكم يعنى أن القاضي أبا بكر الباقلاني من المالكية يجب عنده العمل بالراجح إلا ما رجح ظنًا فلا يجب العمل به إذ لا ترجيح عنده بظن فلا يعمل بواحد منهما لفقد المرجح ووافقه أبو عبد الله البصري من المعتزلة إلا أنه قال أن رجح أحدهما بالظن فالتخيير بينهما في العمل وإنما يجب العمل عندهما بما رجح قطعًا وهو مردود بالإجماع.

(والجمع واجب متى ما أمكنا) يعنى أن الجمع بين الدليلين المتقابلين من كتاب أو سنة أو منهما أو من نصين للمجتهد ولو كان الجمع من وجه كتخصيص العام بالخاص وتقييد المطلق بالمقيد وتأويل الظاهر منهما بما يوافق الآخر الذي هو نص واجب ذكر الأمام الرازي في المحصول أن الجمع يكون تارة بالحمل على جزئيتين وتارة على حكمين وتارة على حالين فمن:

ص: 279

الأول قوله صلى الله وعليه وسلم في خير الشهداء أن يشهد قبل أن يستشهد وفي شر الشهداء من شهد قبل أن يستشهد فيحمل الأول على حقوق الله أو من يعلم المشهود له به والثاني على حقوق الآدمي والعالم به.

والمثال الثاني والثالث قوله غسل الجمعة واجب على كل محتلم وقوله من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل له فيحمل الأول على الندب والثاني على نفي الحرج أو يحمل الوجوب على الحالة التي يتأذى الغير برائحة فيها والندب على غير ذلك وقيل لا يجب الجمع بل الواجب المصير إلى الترجيح.

(إلا فللا خير نسخ بيننا) بالبناء للمفعول يعني أنه إذا لم يمكن الجمع ين الدليلين المتعارضين وجب كون المتأخر منهما ناسخًا للمتقدم إذا كان المتقدم قابلا للنسخ سواء كانًا قطعيين أو ظنيين إذا علم المتأخر منهما.

(ووجب الإسقاط بالجهل) أي بالجهل للتاريخ أي أن لم يعلم بينهما تأخر ولا تفارق وأمكن النسخ وجب الإسقاط لهما والرجوع إلى غيرهما لتعذر العمل بواحد منهما لاحتمال كون كل منهما ناسخًا ومنسوخًا.

وأن تقارنًا ففيه تخيير زكي أي وأن تقارنا المتعارضان في الورود من الشارع ففيه تخيير للمجتهد في العمل بأيهما شاء أن تعذر الترجيح بأن تعادلًا في ذهن المجتهد وإلا صير إلى الترجيح ويشترط في التخيير أيضًا أن يتعذر الجمع وإلا جمع بينهما وإن أمكن الجمع والترجيح فالجمع أولى منه لأن العمل بالدليلين ولو من وجه

ص: 280

أولى من إلغاء أحدهما قوله ففيه الضمير للتقارن المدلول عليه بالسياق.

وحيثما ظن الدليلان معًا

ففيع تخيير لقوم سمعًا

ببناء ظن للمفعول يعني أن الدليلين إذا ظن المجتهد تعادلهما في نفس الأمر أو جزم بتعادلهما في نفس الأمر بناء على القول بجوازه فإنه يتخير في العمل بأيهما شاء قاله القاضي أبو بكر الباقلاني منا بناء على أنه لا سبيل إلى خلو الواقعة عن الحكمين وإذا كان التعارض بين الدليلين في نفس المر لم يتصور فيه ترجيح لأنه ينافي التعارض في نفس الأمر بخلاف التعارض في ذهن المجتهد ويلزم في التعارض في نفس الأمر بالوقف عن العمل بواحد منهما بناء على أن كل مجتهد فليس ذلك محل خلاف إذ لا خلاف في جواز التعارض في نفس الأمر مع النسخ بتقديم أحدهما وتأخر آخر بل ووقوع ذلك قاله في الآيات نفس الأمر بالوقف عن العمل بواحد منهما بناء على أن كل مجتهد التعارض في نفس الأمر.

أو يجب الوقف أو التساقط

وفيه تفصيل حكاه الضابط

أو لتنويع الخلاف يعني أن بعضهم قال عند تعادل الدليلين في نفس الأمر بالوقف عن العمل بواحد منهما بناء على أن كل مجتهد مصيب والإصابة مترتبة على حصول غلبة الظن والظن مفقود هنا وقيل يجب التساقط لهما فيرجع لغيرهما وهو البراءة الأصلية قوله وفيه تفصيل الخ.

يعني أن بعضهم قال بتفصيل كما حكاه الضابط للمسئلة كالسبكي في جمع الجوامع حيث قال عاطفًا على الأقوال الثلاثة المذكورة أو

ص: 281