المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وهذا القسم الثاني الذي قلنا لا يجوز القياس فيه هو - نشر البنود على مراقي السعود - جـ ٢

[الشنقيطي، عبد الله بن إبراهيم]

الفصل: وهذا القسم الثاني الذي قلنا لا يجوز القياس فيه هو

وهذا القسم الثاني الذي قلنا لا يجوز القياس فيه هو الظاهر من مراد قول القرافي في التنقيح لا يدخل القياس فيما طريقه الخلقة والعادة كالحيض هـ.

لأنه قال في شرحه لا يمكن أن تقول فلانة تحيض عشرة أيام وينقطع دمها فوجب أن تكون الأخرى كذلك قياسا عليها فإن هذه الأمور تتبع الطباع والأمزجة والعوائد في الأقاليم فرب إقليم يغلب عليه معنى لا يغلب على غيره من الأقاليم هـ.

فأي وجه لمنعه إذا كان منضبطا وهذا التفصيل ذكره أبو إسحاق الشيرازي في شرح اللمع وقال الباجي لا يصح القياس في الأمور العادية إلا أن تكون عليها إمارة كالحيض فيجوز هـ.

بخلاف ما لا إمارة فيه لأن أشباهه غير معلومة لا ظنا ولا قطعا.

‌أركانه

أي أركان القياس وهي أربعة مقيس ومقيس عليه ومعنى مشترك بينهما وهو العلة وحكم المقيس عليه وأركان الشيء أجزاؤه الداخلة فيه التي يتركب منها حقيقة كما تقدم والي عد أركانه الأربعة أشار بقوله:

الأصل حكمه وما قد شبها

وعلة رابعها فانتبها

أي هي الأصل وسيأتي وحكم الأصل والمشبه وهو الفرع وهو المحل المشبه بالأصل وقيل حكم ذلك المحل قوله وعلة رابعها مبتدأ وخبره مقدم.

ص: 114

والحكم أو محله أو ما يدل

تأصيل كل واحد مما نقل

بالبناء للمفعول يعني أنهم اختلفوا في الأصل الذي هو أحد أركان القياس الأربعة فقبل الحكم أي حكم المشبه به وبه قال الإمام الرازي وقيل المحل أي محل الحكم أي المقيس عليه وهو قول الفقهاء وبعض المتكلمين وقيل أن الأصل هو دليل الحكم في المحل المشبه به وبه قال جمهور المتكلمين فالمحل هو الخمر مثلا وحكمه هو التحريم ودليله آية إنما الخمر والميسر قال ابن الحاجب الأصل ما بيني عليه غيره فلا بعد في الجميع لأن الفرع بيني على حكم الأصل وعلى دليله وعلى محله.

وقس عليه دون شرط نص

يجيزه بالنوع أو بالشخص

يعني أنه يجوز القياس على الأصل الذي يقاس عليه دون اشتراط نص أي دليل على جواز القياس على ذلك الأصل لا باعتبار توعه فيجوز القياس في مسائل البيع مثلا دون دليل خاص يدل على جواز القياس فيه ولا باعتبار شخصه هذا مذهب الجمهور وخالف عثمان البتي فقال باشتراط أحد الأمرين مثاله باعتبار الشخص قياس أنت حرام على أنت طالق فإنه قد ثبت فيصح قياس خلية أو برية على أنت طالق في لزوم الطلاق به والبتي بفتح الموحدة بعدها مثناه فوقية نسبة إلى بيع البتوت جمع بت وهي الثباب كان يبيعها بالبصرة وذكر ابن الاثير أن نسبته إلى البت موضع بنواحي البصرة في زمن أبي حنيفة.

وحكم الأصل قد يكون ملحقا

لما من اعتبار الأدنى حققا

وعلة وجودها الوفاق

عليه يأبي شرطه الحذاق

علة مبتدأ ووجودها مبتدأ ثان والوفاق مبتدأ ثالث وجملة يأبى

ص: 115

شرطه الحذاق خبر الثالث وهو وخبره خبر الثاني والثاني وخبره خبر الأول وعليه متعلق بالوفاق يعني أنه لا يشترط عند الحذاق أي المحققين من أهل الأصول الإجماع على وجود العلة في الأصل فيصح القياس على أصل اختلف في وجود العلة فيه خلافا لبشر المريسي في قوله لابد من الاتفاق على أن حكم الأصل معلل ومن الاتفاق على وجود العلة في الأصل ويقوم مقام الاتفاق على تعليل حكم الأصل النص على غير تلك العلة في الأصل والمريسي نسبة إلى مريس كشريف قرية من قرى مصر وهو بشر بن غياث بن أبي كريمة كان بشر من أكابر المبتدعة إلا أنه أخذ الفقه علي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة

وحكم الأصل قد يكون ملحقا

لما من اعتبار الأدنى حققا

هذا شروع في الكلام على الركن الثاني من أركان القياس وهو حكم الأصل يعني أن ابن رشد ذكر في المقدمات أن مذهب مالك وأصحابه جواز كون حكم الأصل ملحقا أي مقيسا على أصل آخر لما حقق أي ثبت من وجوب اعتبار الأدنى أي الأقرب فلا يصح البناء على الأبعد فإذا ثبت الحكم في فرع صار أصلا يقاس عليه بعلة أخرى مستنبطة منه وكذا القول في الفرع الثاني والثالث وما بعده قال ابن رشد ولم يختلفوا فيه على ما يوجد في كتبهم من قياس المسائل بعضها على بعض فقول السبكي الثاني حكم الأصل ومن شرطه ثبوته بغير القياس خلاف مذهبنا.

مستلحق الشرعي هو الشرعي

وغيره لغيره مرعى

الشرعي الأول بسكون الياء للوزن والأصل فيه التشديد كما في الذي بعده يعني أن حكم الأصل لابد أن يكون شرعيا لا لغويا ولا عقليا

ص: 116

غير شرعي إذا استلحق حكما شرعيا فإن كان المطلوب إثباته غير ذلك بناء على جواز القياس في العقليات واللغويات فلابد أن يكون حكم الأصل غير شرعي وهذا معنى قوله وغيره لغيره مرعى بفتح الميم أي محفوظ ومروى عن أهل الأصول والنفي الأصلي ليس بحكم شرعي على المختار كما تقدم في المقدمة وإنما قلنا ولا عقليا غير شرعي لأن العقليات قد تكون شرعية كجواز رؤيته تعالى قوله مستلحق هو بكسر الحاء.

وما بقطع فيه قد تعبدا

ربي فلحق كذاك عهدا

تعبد بفتح الموحدة وما ملحق بالفتح وعهد بمعنى عرف مبني للمفعول يعني أن حكم الأصل إذا كنا متعبدين فيه أي مكلفين بالقطع أي اليقين كالعقائد لا يقاس على محله إلا ما يطلب فيه القطع بأن علم حكم الأصل وما هو العلة فيه ووجودها في الفرع خلافا للغزالي في قوله إنما تعبد فيه بالعلم لا يجوز إثباته بالقياس كمن يريد إثبات حجية خبر الواحد بالقياس على قبول الشهادة هـ أي شهادة الشاهدين ووجه الهندي كلام الغزالي بأن القياس التمثيلي لا يقيد به الظن إذ تحصيل العلم بكون هذا الحكم معللا بالعلة الفلانية وبحصول تمام تلك العلة في الفرع متعذر أو متعسر فإثبات المسألة العلمية به إثبات للعلمي بالظني وهو ممتنع فلو حصل العلم بالمقدمتين على الندور لم يمتنع إثباته بالقياس التمثيلي لكنه لا يكون قياسا شرعيا مختلفا فيه قال الهندي وهذا الاشتراط يستقيم إن أريد تعريف الحكم الذي هو ركن في القياس الظني الذي هو مختلف فيه فأما أن أريد تعريف الحكم الذي هو ركن في القياس كيف كان فلا يستقيم ذلك بل يجب حذف قيد العلم عنه هـ.

فلا خلاف بيننا وبين الغزالي في المعنى.

ص: 117

وليس حكم الأصل بالأساس

متى يحد عن سنن القياس

لكونه معناه ليس يعقل أو التعدي فيه ليس يحصل

يعقل مبني للمفعول ويحصل بضم الصاد يعني أنه يشترط في حكم الأصل أن لا يعدل عن سنن القياس بفتح السين، فإذا عدل حكم الأصل عن منهاج القياس لم يكن أساسا بفتح الهمزة أي أصلا يقاس عليه ومنهاج القياس هو أن يعقل المعنى أي علة الحكم ويوجد في محل آخر يمكن تعديته إليه والعدول عن ذلك على ضربين.

أحدهما أن لا يعقل المعنى في الحكم كإعداد الركعات ومقادير نصب الزكاة ومقادير الحدود ومقادير الكفارات وجميع الأحكام غير معقولة المعنى.

الثاني أن يعقل المعنى لكن لم يعتداه في محل آخر كضرب الدية على العاقلة وتعلق الأرش برقبة العبد وإيجاب الغرة في الجنين والشفعة في العقار وحكم اللعان والقسامة والرخص في السفر وقد جعل الأمدى ومن تبعه اختصاص خزيمة بكون شهادته كشهادة رجلين من الضرب الأول بناء على أن مفيد الاختصاص هو النص فقط وجعله بعضهم من الضرب الثاني بناء على أن مفيد الاختصاص هو التصديق وعلمه أنه لا يقول إلا حقا مع السبق إليه والانفراد به فإنه هو الذي قرن الحكم به ألا ترى وقوع قوله صدقتك الخ جوابا لقوله صلى الله عليه وسلم ما حملك الخ ومعلوم أن ما ذكر من العلة غير موجود في غير خزيمة من الصحابة وغيرهم حتى لو فرض أن أحدا شهد له بعد ذلك لم يكن سنده ما ذكر من العلة بل ما علمه من قصة خزيمة ولو سلم فلا يتصور أن يوجد فيه السبق إليه إذا من أوضح المحال بعد سبق خزيمة سبق غيره فالذي أفاد هذا المسلك

ص: 118

أعني المسلك المسمى بالإيماء والشبيه معنى لا يتصور أن يتعدى وذلك مما يحقق العدول عن سنن القياس فيمتنع القياس عليه وقصة شهادة خزيمة هي أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسا يمسى المرتجز لحسن صهيله من أعرابي فحمد الأعرابي البيع وقال هلم شهيدا يشهد على فشهد عليه خزيمة بن ثابت دون غيره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما حملك على هذا ولم تكن حاضرا معنا فقال صدقتك بما جئت به وعلمت أنك لا تقول إلا حقا فقال صلى الله عليه وسلم من شهد له خزيمة أو شهد عليه فحسبه هذا لفظ ابن خزيمة ولفظ أبي داوود فجعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين.

وحيثما يندرج الحكمان

في النص فالأمران قل سيان

يعني أن من شروط حكم الأصل أن لا يكون دليله أي دليل حكم الأصل شاملا لحكم الفرع فإذا اندرج حكمان لشيئين في نص من كتاب أو سنة فالشيئان سواء في ذلك النص فيستغنى عن القياس حجة بذلك النص أي الدليل سواء كان نصا أو ظاهرا مع أن أحدهما ليس أولى بالأصالة من الآخر كما لو استدل على ربوية البر بحديث مسلم الطعام بالطعام مثلا بمثل فيمتنع قياس الذرة عليه بجامع الطعم لأن لفظ الطعام الذي هو لفظ الدليل يشمل الذرة كالبر.

والوقف في الحكم لدى الخصمين

شرط جواز القيس دون مين

يعني أنه يشترط في حكم الأصل أن يكون متفقا عليه بين الخمصين لأن البحث به يعدوهما وإلا فيحتاج عند منع الخصم له إلى إثباته فينتقل إلى مسئلة أخرى وينتشر الكلام فيفوت المقصود وقيل يشترط الاتفاق عليه بين جميع الأمة حتى لا يتأتى المنع بوجه

ص: 119

والأول هو الأصح ومذهب الجمهور لأنا لو شرطنا الاتفاق عليه بين جميع الأمة لزم خلو أكثر الوقائع عن الأحكام قوله وإلا فيحتاج عند منع الخصم الخ يؤخذ من قوله عند منع الخصم أن هذا الاشتراط بالنسبة لإيراده على وجه يقبل المنع فلو ذكر المستدل حكم الأصل مقترنا بدليله من نص أو إجماع ابتداء لم يشترط وفاق الخصم حجة.

تنبيه: متى حصل الاتفاق على حكم الأصل انتفى الانتشار وإذا اختلفا فيه تحقق الانتشار ووجب قوله القيس بفتح القاف بمعنى القياس.

وإن يكن لعلتين اختلفا

تركب الأصل لدى من سلفا

اسم كان ضمير راجع على اتفاق الخصمين على حكم الأصل أي إذا كان اتفاقهما عليه ثابتا لعلتين مختلفتين تركب الأصل ببناء تركب للفاعل أي فالقياس المشتمل على الحكم المذكور يسمى مركب الأصل لتركيب الحكم فيه أي بنائه على العلتين بالنظر إلى الخصمين بمركب في مركب الأصل ومركب الوصف من التركيب بمعنى البناء أي ترتيب شيء على آخر لا من التركيب ضد الأفراد وهذا أصله للأمدي وتبعه المحلي فيه وسيأتي توجيه العضد وغيره.

مثاله قياس حلى البالغة على حلى الصبية في عدم وجوب الزكاة فإن عدمه في الأصل متفق عليه بيننا وبين الحنفية والعلة عندنا كونه حليا مباحا وعندهم كونه مال صبية وتذكير الضمير في قوله اختلفا باعتبار الوصف.

مركب الوصف إذا الخصم منع

وجود ذا الوصف في الأصل المتبع

بفتح الموحدة أي الأصل المقيس عليه يعني أنه إذا كان حكم

ص: 120

الأصل متفقًا عليه بين الخصمين ثابتا لعلة عند المستدل بمنع الخصم وجودها في الأصل فالقياس المشتمل على الحكم المذكور يسمي مركب الوصف لتركب الحكم فيه أي بنائه على الوصف الذي منع الخصم وجوده في الأصل.

مثاله قياس أن تزوجت فلانة فهي طالق على فلانة التي أتزوجها طالق في عدم وجود الطلاق بعد التزوج فإن عدمه متفق عليه بيننا وبين الشافعية وهم يقولون العلة تعليق الطلاق قبل ملك محله ونحن نمنع وجود تلك العلة في الأصل ونقول هو تنجيز لطلاق أجنبية وهي لا ينجز عليها الطلاق ولو كان فيه تعليق لطلقت بعد التزوج فالحاصل إن الاتفاق ثابت لعلتين مختلفتين فإن منع الخصم علية علة المستدل لا وجودها في الأصل فهو مركب الأصل وإن منع وجودها في الأصل فهو مركب الوصف ومنع الخصم وجودها في الأصل صادق مع قوله بها أو بعدمها فمنع المالكي وجود التعليق في الأصل لا يقتضي أنه علته عنده فإنه في الواقع غير علة لعدم الوقوع عنده وإلا لما خالف في الفرع في المثال قال في الآيات البينات وقد ظهر من هذا أن جملة ما يميز به مركب الوصف عن مركب الأصل إن المعترض لا يتعرض في مركب الأصل لمنع وجود العلة في الأصل بخلافه في مركب الوصف وقال العضد في مركب الأصل الظاهر أنه إنما سمى مركبا لإثباتهما الحكم كل بقياس فقد اجتمع قياساهما أي فيكون معنى التركيب الاجتماع أي اجتماع قياسيهما في حكم الأصل وإن اختلفت العلة وقال في مركب الوصف أنه إنما سمى بذلك اكتفاء بتمييزه عن صاحبه بأدنى مناسبة وهي اتفاقهما فيه على الوصف الذي يعلل به وإن أنكر أحدهما وجوده هـ.

وقال بعضهم إن المراد بالوصف في قولهم مركب الوصف هو

ص: 121

وجود العلة في الأصل فإن وجودها فيه وصف لها ومعنى كونه مركبا أنه مختلف فيه فأحدهما يثبته والآخر ينفيه هـ.

يعني أنه مركب من النفي والإثبات بالنظر إلى الخصمين واعلم أنه ليس المراد بالمركب أنه متى اختلف العلتان كان تركيبا قال حلولوا ولكن القياس المركب عبارة عن أن يستغنى المستدل عن إثبات حكم الأصل بالدليل لموافقة الخصم مانعا تعليله بعلة المستدل وذلك إما بمنعه لعلته ويسمى مركب الأصل وإما بمنعه وجودها فيه ويسمى مركب الوصف انتهى.

ورده انتقى وقيل يقبل

وفي التقدم خلاف ينقل

انتقي بالبناء للمفعول بمعنى اختير خبر المبتدأ قبله ويقبل بالموحدة وينقل بالنون مبنيان للمفعول يعني أن القياس المركب بنوعيه غير مقبول المنع الخصم وجود العلة في الفرع في الأول وفي الأصل في الثاني هذا مذهب الجمهور ومعنى عدم قبوله أنه غير ناهض على الخصم أما مجرد ثبوت الحكم في حق القائس ومقلديه فيكفي فيه ثبوت حكم الأصل وعلته بطريق صحيح عنده قوله وقيل يقبل يعني أن المركب بقسيميه مقبول عند الخلافيين أي الجدليين نظرا لاتفاق الخصمين على حكم الأصل فهو مناهض على الخصم أي سالم من إبطاله من جهة المنع المذكور قوله وفي التقدم الخ.

يعني أنهم اختلفوا في القياس المركب بناء على قبوله هل يقدم على غير ذي التركيب عند التعارض أو هما سواء أو يقدم غير المركب عليه الفرع وهو الثالث من أركان القياس.

الحكم في زاي وما تشبها

من المحل عند جل النبلاء

ص: 122

جمع نبيه بمعنى فطن والحكم خبر مبتدأ محذوف أي هو أي الفرع هو الحكم أي حكم المحل المشبه بالأصل وما عطف على الحكم والواو بمعنى أو المنوعة للخلاف أي وقيل الفرع هو ما تشبه من المحل أي المحل المشبه بالأصل والقول الثاني هو قول الأكثر ومذهب الفقهاء وبعض المتكلمين والأول قول الإمام ولا يتأتى فيه قول بأنه دليل الحكم كيف ودليله القياس والقياس لا يصح عده فرعا إذ الفرع من أركان القياس ويستحيل كون الشيء ركنا من أركان نفسه فالقول بكون الفرع المحل المشبه مبني على القول بأن الأصل هو حكم المحل المشبه به ويصح تفريعه أيضا على القول بأن الأصل دليل الحكم لأنه إذا صح تفرع الحكم عن الحكم صح تفرعه عن دليله لاستناد الحكم إليه ولكون حكم الفرع غير حكم الأصل باعتبار المحل وإن كان عينه بالحقيقة صح تفرع الثاني على الأول باعتبار ما يدل عليهما وباعتبار علم المجتهد به لا باعتبار ما في نفس الأمر فإن الأحكام قديمة ولا تفرع في القديم فلا يقال إن تفرع الحكم عن الحكم معناه ابتناؤه عليه وذلك يقتضي تغايرهما وتقدم ما يبني عليه منهما في الوجود وقد تقرر أن الحكم كلام الله النفسي القديم وهو وصف واحد لا تعدد فيه فكيف يتصور مع القديم تقدم ومع الوحدة تغاير وكون الأحكام قديمة مبني على عدم أخذ التعلق التنجيزي قيدا في مفهوم الحكم وعلى ما ذهب إليه بعضهم من أخذ ذلك كانت حادثة.

وجود جامع به متمما شرط وجود مبتدأ خبره شرط والباء في قوله به ظرفية ومتمما بفتح الميم المشددة خال من جامع يعني إن من شروط إلحاق الفرع بالأصل وجود الوصف الذي في الأصل وهو الجامع والعلة به أي في الفرع بتمامه من غير زيادة كقياس النبيذ على

ص: 123

الخمر في التحريم بجامع الاسكار أو معها كقياس الضرب على التأفيف في التحريم بجامع الإيذاء فإنه أشد في الفرع وإنما اشترط ما ذكر ليتعدى الحكم إلى الفرع والمراد وجود مثل العلة التي في الأصل لا عينها وأشار بقوله متمما إلى أن العلة إذا كانت ذات أجزاء لابد من اجتماع الكل في الفرع وإلى أنه يشمل قياس الأولى والمساوي وإلا دون.

(وفي القطع إلى القطع أنتما) يعني أن القياس يكون قطعيا إذا كانت العلة قطعية فإن قطع بعلية الشيء في الأصل وبوجوده في الفرع كالاسكار والإيذاء فيما تقدم فالقطعي كان الفرع فيه تناوله دليل الأصل فإن كان دليله ظنيا كان حكم الفرع كذلك فعلم أن قطعية حكم الفرع والقطعي يشمل قياس الأولى والمساوي.

وإن تكن ظنية فالأدون

لذا القياس علم مدون

يعني أن عليه الشيء إذا كانت ظنية فعلم هذا القياس أي اسمه المدون أي المكتوب في كتب الفن هو الأدون أي القياس الأدون ويدخل فيه قياس الشبه إذ لا يتصور القطع بعليته وظنيتها حاصلة وإلا لم يتأت القول به قاله في الآيات البينات وظن العلية هو أن يظن علية الشيء في الأصل وإن قطع بوجوده في الفرع كقياس الشافعية التفاح على البر بجامع الطعم الذي هو علة الربى عندهم ويحتمل إنها القوت والادخار اللذان هما علتاه عند المالكية ويحتمل الكيل الذي هو علته عند الحنفية وليس في التفاح إلا الطعم فثبوت الحكم فيه أدون من ثبوته في البر المشتمل على الأوصاف الثلاثة فأدونية القياس من حيث الحكم لا من حيث العلة إذ لابد من تمامها كما تقدم هكذا قاله المحلى وهو واضح في المثال المذكور لكن قد يكون القياس ظنيا ويكون الحكم

ص: 124

في الفرع أولى منه في الأصل أو مساويا له لكون العلة أظهر في الفرع أو مساوية قال في الآيات البينات فالوجه إن القياس الظني قد يكون أولى أو مساويا فلا يختص الظني بالأدون كما في عكس المثال المذكور فقياس الأدون قد يراد به ما يكون ثبوت الحكم في الفرع دون ثبوته في الأصل من حيث احتمال أن تكون العلة غير ما ظن أنه العلة من الأوصاف الموجودة في الأصل دون الفرع وقد يراد بالأدون ما يكون ثبوت الحكم في الفرع دون ثبوته في الأصل من حيث أن المعنى المعلل به أتم وأقوى في الأصل منه في الفرع هـ. فالأدونية بالاعتبار الثاني تتصور في القطعي بأن يكون المعنى المقطوع بعليته في الأصل وبوجوده في الفرع أتم وأقوى في الأصل منه في الفرع فيكون ثبوت الحكم في الفرع دونه في الأصل.

والفرع للأصل بباعث وفي

الحكم نوعا أو بجنس يقتفى

الفرع مبتدأ خبره يقتفى بفتح التحتية في أوله بمعنى يتبع ويساوي واللام في الأصل زائدة وهو مفعول الخبر وبباعث متعلق يقتفى وقوله في الحكم معطوف عليه ونوعا ظرف معمول يقتفى والباء في قوله بجنس ظرفية وهو معطوف على نوعا تقدم أنه يجب وجود علة الأصل بتمامها في الفرع وذكرت هنا أنه يجب مساواته له فيما يقصد من نوع العلة أو جنسها فلا تكرار وكذا يشترط أن يساوي حكم الفرع حكم الأصل فيما يقصد من نوع الحكم أو جنسه مثال المساواة في نوع العلة قياس النبيذ على الخمر في الحركة بجامع الشدة المطربة فإنها موجودة في النبيذ بعينها نوعا لا شخصا لأن العلة عرض لا يتشخص إلا بتشخص محله الذي هو هنا خصوص الخمر وهو مفقود في النبيذ ومثال المساواة في جنس العلة الطرق على

ص: 125

النفس في وجوب القصاص بجامع الجناية فإنها جنس لإتلافهما فعلم من قولنا بجامع الجناية إن علة الحكم في الأصل والفرع الجناية لا إتلاف النفس وإتلاف الطرف إذ لو كانت العلة في الأصل إتلاف النفس لم يتصور القياس لامتناع وجود العلة في الفرع ومثال المساواة في نوع الحكم قياس القتل بمثقل على القتل بمجرد في ثبوت القصاص فإنه فيهما واحد والجامع كون القتل عمدا عدوانا ومثال المساواة في جنس الحكم قياس بضع الصغيرة على مالها في ثبوت الولاية للاب بجامع الصغر فإن الولاية جنس لولايتي النكاح والمال.

تنبيه: وإنما كانت الجناية جنسا للاتلافين بخلاف الشدة المطردة لأن إتلاف النفس وإتلاف الظرف مختلفان بالحقيقة فكان القول عليها جنسا بخلاف الشدة في الخمر والشدة في النبيذ فإنهما متفقان بالحقيقة فكان القول عليهما نوعا وكذا الكلام في كون الولاية جنسا لولايتي النكاح والمال وكون القتل نوعا للقتل بمحدد والقتل بمثقل هـ من الآيات البينات فإن قلت اشتراط كون المساواة فيما ذكر من نوع العلة أو جنسها معلوم من اشتراط المساواة كمفاد باشتراط وجود تمام العلة بل داخل فيه فالجواب كما في الآيات البينات أنه ممنوع لأنه لا يلزم أن يفهم من اشتراط وجود تمام العلة الاكتفاء بوجودها ولو باعتبار النوع والجنس بل قد يسبق الذهن إلى اعتبار المساواة في نوعها بل في صنفها لأن المتبادر من اعتبار وجود تمامها وجود شخصها لكنه لا يمكن لاعتبار المحل في الشخص فلا أقل من اعتبار الصنف لأنه أقرب إلى الشخص الذي هو المعنى.

ومقتضى الضد أو النقيض

للحكم في الفرع كوقع البيض

مقتضى مبتدأ خبره كوقع البيض يعني أن معارضة حكم الفرع

ص: 126

بما يقتضي نقيضه أو ضده كائنة كوقع البيض أي كهدم السيوف للأجسام يعني أنها مبطلة لإلحاق ذلك الفرع بذلك الأصل وقيل لا تقبل وإلا انقلب منصب المناظرة إذ يصير المعترض مستدلا وبالعكس وذلك خروج عما قصد من معرفة صحة نظر المستدل في دليله وأجيب بأن قصد المعترض من المعارضة هدم دليل المستدل وإنما ينقلب منصب المناظرة لو كان قصد المعترض إثبات مقتضى المعارضة وليس كذلك إنما قصده هدم دليل المستدل وصورة المعارضة في الفرع أن يأتي الخصم بقياس يدل على نقيض أو ضد ما دل عليه قياس المستدل.

مثال النقيض المسح ركن في الوضوء فيسن تثليثه كالوجه فيقول المعارض مسح في الوضوء فلا يسن تثليثه كالخف.

ومثال الضد قول الحنفي الوتر واجب قياسا على التشهد بجامع مواظبته صلى الله عليه وسلم عليهما فيعارض بأنه مستحب قياسا على ركعتي الفجر بجامع إن كلا منهما يفعل في وقت من أوقات الصلوات الخمس ولم يعهد من الشارع وضع صلاتي فرض في وقت واحد.

بعكس ما خلاف حكم يقتضى) خلاف مفعول يقتضى يعني أن المعارضة بمقتضى خلاف الحكم عكس المعارضة بمقتضى النقيض أو الضد فإنها لا تقدح في قياس المستدل اتفاقا لعدم منافاتها له كما يقال اليمين الغموس قول يأثم قائله فلا توجب الكفارة كشهادة الزور فيقول المعارض قول مؤكد للباطل فزن به حقيقته فيوجب التعزير كشهادة الزور.

ص: 127

ودافع بترجيح لذا المعترض) يعني أنه يجوز على المختار دفع اعتراض المعترض بمقتضى نقيض الحكم أو ضده بترجيح وصف المستدل على وصف المعارض بقطعيته أو الظن الأغلب لوجوده وكون مسلكه أقوى ونحوهما مما ذكر من مرجحات القياس في الكتاب السادس والمراد بالوصف العلة المعلل لتعين العمل بالراجح وقيل لا يقبل الترجيح لأن المعتبر في المعارضة حصول أصل الظن لا مساواته لظن الأصل لا شفاء العلم بها وأصل الظن لا يندفع بالترجيح ورد بأن حصول أهل الظن إنما اعتبر في قبول المعارضة لينظر بين وصفي المستدل والمعارض ولا يمنع قبولهما لذلك إن يرجح أحدهما فإذا رجح وصف المستدل اندفعت المعارضة وإلا فلو تم هذا الاستدلال لاقتضى منع قبول الترجيح مطلقا لأنه إنما يفيد رجحان ظن على ظن وهو خلاف الإجماع على قبول الترجيح فيكون باطلا هـ كلام المحشي.

وعدم النص والإجماع على

وفاقه أوجبه من أصلا

منع الدليلين، يعني أن من أصل منع الدليلين على حكم واحد كموجب وجوب الشرط أن لا يوجد نص أو إجماع موافق لحكم الفرع خاص به غير دال على حكم الأصل والمجيز وهو الأكثر لا يشترط ذلك إلا الغزالي والأمدى فإنهما يشترطان إشفاءهما مع تجويزهما دليلين على مدلول واحد وأصل بتشديد الصاد المهملة يقال أصل الشيء إذا جعله أصلا أي قاعدة أما إذا كان حكم الفرع منصوصا عليه كحكم الأصل فقد اشتركا في النص عليهما وقد تقدم في قوله وحيثما يندرج الحكمان في النص الخ وحجة المجيز فيما إذا كان النص الدال على حكم الفرع غير الدال على حكم الأصل هي أن ترادف الأدلة على المدلول الواحد يفيد زيادة الظن بخلاف ما

ص: 128

إذا كان النص الدال على حكم الأصل والفرع واحدا لأن العلة المستنبطة من الحكم الذي هو ثابت في الأصل والفرع بمقتضى نص واحد على حد سواء فلا تقوية.

وحكم الفرع ظهوره قبل يرى ذا منع) ببناء يرى للمفعول يعني أنه يشترط في حكم الفرع أن لا يكون ظهوره للمكلفين قبل ظهور حكم الأصل فإن ذلك ممنوع كقياس الوضوء على التيمم في وجود النية فإن الوضوء تعبد به عند مبدأ الوحي حين التكليف بالصلاة والتيمم تعبد به سنة خمس من الهجرة في غزوة بني المصطلق روى الطبراني إن نزول آية التيمم كان في غزوة بعد غزوة بني المصطلق وروى أبو أبي شيبة ما يدل عليه قال المحشي وهذا هو الأقرب إذ لو جاز تقدمه لزم ثبوت حكم الفرع عند المكلفين حال تقدمه من غير دليل عليه وهو ممتنع لأن ثبوت حكم الفرع محال على أمر متأخر وهو القياس على حكم الأصل المتأخر فيلزم تكليفهم بأمر غير معلوم لأنه لم يثبت حكم الأصل ولم تعلم علته ولا وجودهما في الفرع وإنما امتنع ما ذكر بناء على جواز عدم التكليف بالمحال العلة، وهي الرابع من أركان القياس مأخوذة من علة المريض التي تؤثر فيه عادة ومن الدواعي إلى الشيء تقول علة إكرام زيد لعمرو علمه وفن التكرار ومنه العلل بالتحريك للشرب بعد النهل وهي في اصطلاح المتكلمين ما اقتضى حكما لمن قام به كالعلم علة العالمية أي كون الشيء عالما وأشار إلى معناها اصطلاحا بقوله معرف الحكم بوضع الشارع) يعني أن العلة هي الوصف المعرف للحكم بوضع الشارع أي يجعلها علامة عليه فهذا هو معناها عند أهل السنة حيثما أطلقت على شيء في كلام أئمة الشرع أي أهل الفروع قال ابن رشد في المقدمات مثال ذلك إن السكر كان موجودا في الخمر ولم يدل على تحريمها حتى جعله صاحب الشرع علة في تحريمها

ص: 129

فليست علة على الحقيقة وإنما هي إمارة على الحكم وعلامة هـ واشتراط المناسبة في العلة دون السبب مع ترادفهما عند أهل الحق اصطلاح مخالف لما هم عليه وهذا التعريف مبين لخاصتها فمن عرفها كالسبب فإنها وصف ظاهر منضبط معرف للحكم فقد بين مفهومها قاله المحشي.

والحكم ثابت بها فاتبع) يعني أن حكم الأصل ثابت بالعلة لا بالنص على صحيح مذهب مالك خلافا للحنفية في قولهم بالنص لأنه المفيد للحكم قلنا لم يفده بقيد كون محله أصلا يقاس عليه والكلام في ذلك والمفيد له العلة إذ هي منشأ التعدية المحققة القياس قولنا بقيد كون محله أصلا يقاس عليه معناه أنها تعرف كون الحكم منوطا بها حتى إذا وجدت بمحل آخر ثبت الحكم فيه أيضا والنص يعرف الحكم دون نظر إلى ذلك فليسا معرفين لشيء واحد من جهة واحدة وقد يقال معناه أنه إذا لوحظ النص عرف الحكم ثم إذا لوحظت العلة حصل التفات جديد للحكم ومعرفة كون محله أصلا يقاس عليه فمجموع ذلك الالتفات الجديد للحكم ومعرفة كون محله أصلا يقاس عليه مستفاد من العلة فأفادتها كذلك كون محله أصلا يقاس عليه.

ووصفها بالبعث ما استبينا

منه سوى بعث المكلفين

يعني أنه وقع في كلام الفقهاء وصف العلة فإنها الباعث على الأحكام أي إظهار تعلقها بأفعال المكلفين أما بالكتابة في اللوح المحفوظ أو بالإلقاء إلى الملك المرسل بالوحي أو بالإيحاء إلى الرسول وقد بين تقي الدين السبكي أن المراد بالبعث بعث المكلفين على الامتثال لأن من شروط العلة أن تكون مشتملة على حكمة مرادة للشارع في شرع الحكم من تحصيل مصلحة للعباد أو تكميلها أو دفع مفسدة عنهم أو تقليلها

ص: 130

وهذا يحمل المكلفين على الامتثال لجلب الأول أو دفع الثاني وهذا قد جرت عادة الله تعالى به في شرع أحكامه تفضلا منه على عباده لا وجوبا عليه تعالى عما تقوله المعتزلة علوا كبيرا لا أنها باعثة للشارع لأن أفعاله لا تعلل بالأغراض فالمعلل فعل الكلف لا حكم الله تعالى فليس له تعالى مصلحة في شرع حكم ولا دفع مفسدة عنه وما ورد مما يخالف ذلك كقوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وقوله: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل) وقوله. (إنما نمى لهم ليزدادوا إثما) محمول على اشتمال الأفعال على المصالح التي تعود على العباد دون الغرض له تعالى ومعنى قول الفقهاء إن أحكام الله تابعة للمصالح ارتباطها بالمصالح لا إنها تابعة لها في الوجود قال المحشي أن الأولى في العبارة أن يقال منوطة أو مرتبطة بدل قولهم تابعة.

للدفع والرفع أو الأمرين) قوله للرفع وما عطف عليه خبر مبتدأ محذوف أي هي أي العلة كائنة للدفع الخ يعني أن الوصف مع كونه علة الحكم قد يكون مانعا لحكم آخر وحجة فقد يكون دافعا لذا الحكم الآخر فقد أو رافعا له فقط أو دافعا ورافعا مثال العلة الدافعة فقط وهي التي تكون علة في ثبوت الحكم ابتداء لا انتهاء العدة فإنها علة في ثبوت حرمة النكاح ابتداء بمعنى أن عدة الزوج علة لحرمة نكاح غيره وليست علة في ذلك انتهاء بمعنى أن الزوجة إذا وطئت بشبهة لا ينقطع نكاحها فهي دافعة غير رافعة وإذا كانت علة في ثبوت حرمة النكاح كانت مانعا من حل النكاح لأنها وصف وجودي معرف نقيض الحكم ومثل العدة الإحرام بحج أو عمرة والعلة الرافعة ما كان علة في ثبوت الحكم انتهاء لا ابتداء كالطلاق فإنه علة لحرمة الاستمتاع انتهاء بمعنى أن الزوج إذا طلق

ص: 131

زوجته حرم عليه استمتاعه بها وليس علة لحرمته ابتداء بمعنى أنه لا يمتنع استمتاعه بها إذا تزوجها بعد الطلاق فهو رافع غير دافع عليه تعالى عما تقوله المعتزلة علوا كبيرا لا أنها باعثة للتسارع لأن دافعة رافعة للحكم كالحدث مع الصلاة فإنه يمنع الابتداء والدوام وكالرضاع علة لحرمة النكاح ابتداء بمعنى أنه يحرم عليه تزوج من بينه وبينها رضاع فهو دافع وعلة لحرمته انتهاء بمعنى أنه إذا طرأ رضاع بينه وبين زوجته انقطع نكاحها فهو رافع فأفاد هذا المصراع انقسام العلة إلى الأقسام الثلاثة فلو سكت عن التصريح بها لربما ظن أنها أبدا دافعة أو أبدا رافعة أو أبدا دافعة رافعة وأنها لا تكون مانعا مطلقا.

واجبة الطهور دون مين) واجبة بالرفع معطوف على الخبر قبله بمحذوف يعني أن العلة سواء كانت وصفا حقيقيا أو لغويا أو عرفيا أو شرعيا لابد أن تكون ظاهرة كالطعم والاسكار لا خفية كالرضى والغضب فإنهما من أفعال القلوب والخفي لا يعرف الخفي.

ومن شروط الوصف الانضباط) يعني أن من شروط الوصف المعلل به حقيقيا كان أو شرعيا أو عرفيا أو لغويا أن يكون منضبطا بأن لا يختلف بالنسب والإضافات والكثرة والقلة لأنه يراد لتعريف الحكم وغير المنضبط لا يعرف القدر الذي علق به الحكم كالمشقة في السفر وكالرضى في البيع عند بعضهم والمنضبط كالطعم في باب الربى. (إلا فحكمه بها يناط).

وهي التي من أجلها الوصف جرى

علة حكم عند كل من درا

يعني أن الوصف إذا لم يكن منضبطا جاز التعليل بالحكمة وفيه

ص: 132

خلاف والحكمة عند جميع أهل الأصول هي التي لأجلها صار الوصف علة كذهاب العقل الموجب لجعل الاسكار علة والحكمة عبارة عن جلب مصلحة أو تكميلها أو دفع مفسدة أو تقليلها أي أن لا يكن الوصف منضبطا فحكمته جائز أن يناط الحكم بها بأن تجعل علته قال القرافي في شرح تنقيحه حجة الجواز أن الوصف إذا جاز التعليل به فأولى بالحكمة لأنها أصله وأصل الشيء لا يقصر عنه ولأنها نفس المصلحة والمفسدة وحاجات الخلق وهذا هو سبب ورود الشرائع فالاعتماد عليها أولى من الاعتماد على فرعها انتهى.

ومن الحكمة اختلاط الأنساب فإنه سبب جعل وصف الزنى سبب وجود الحد وكضياع المتاع الموجب لجعل وصف السرقة سبب القطع لكن جميع ما ذكر حكم مع علل منضبطة.

وهو للغة والحقيقة

والشرع والعرف نمى الخليقة

يعني أن الوصف المعلل به نماء الخليقة أي الناس الذين هم أهل الأصول إلى الأنواع الأربعة وهي اللغة كتعليل تحريم النبيذ المسكر بأنه يسمى خمرا لغة كالمشتد من ماء العنب بناء على ثبوت اللغة بالقياس والحقيقة فيقال فيه وصف حقيقي والحقيقي ما يتعقل في نفسه دون توقف على عرف أو شرع أو لغة فتندرج فيه الإضافيات لعدم توقفها على واحد من الثلاثة وإن توقفت على غيرها كالطعم والاسكار وتعريف الوصف الحقيقي للحكم لا يستفاد إلا من الشرع قاله المحشي وذلك لا ينافي تعقله في نفسه من غير توقف على الشرع ومن الأنواع الأربعة الشرع كتعليل جواز وهي المشاع بجواز بيعه وسواء كان المعلول حكما شرعيا كما ذكر أو حقيقيا كتعليل حياة الشعر بحرمته بالطلاق وحله بالنكاح كاليد وهذا

ص: 133

هو الراجح وقيل لا يكون حكما لأن شأن الحكم أن يكون معلولا لا علة ورد بأن العلة بمعنى المعروف ولا يمتنع أن يعرف حكم حكما أو غيره وإن فرض كون ذلك الحكم الأول معلولا لعلة أخرى تعرفه لأن جهة معلوليته غير جهة عليته وثالثها يمتنع التعليل بالحكم الشرعي إذا كان المعلول حقيقيا ويجوز إذا كان شرعيا ومن الأنواع الأربعة العرف وشرطه الاطراد بأن لا يختلف باختلاف سائر الأوقات كالشرف والدناءة في الكفاءة فإن اختلف باختلاف الأوقات بأن وجد في بعض الأوقات دون بعض لجواز أن يكون ذلك العرف في زمنه صلى الله عليه وسلم دون غيره من الأزمنة فلا يعلل به لكن يشكل عليه التمثيل بالشرف والخسة إذ قد يعد الشيء شرفا أو خسة في وقت دون آخر وعند قوم دون قوم قال في الآيات البينات وقد يجاب بأنه له سلم ذلك فليس في كل شرف وخسة فلا لشكال هـ.

(وقد يعلل بما تركبا) قال في التنقيح يجوز التعليل بالعلة المركبة عند الأكثرين كالقتل العمد العدوان هـ.

أي لمكافئ غير ولد وكالاقتيات والادخار وغلبة العيش فإنها علة ربي الفضل عندنا على خلاف في اعتبار الثالث حجة الجواز إن المصلحة قد لا تحصل إلا بالتركيب وقيل لا لأن التعليل بالمركب يؤدي إلى محال فإنه بانتفاء جزء منه تنتفي عليته فبانتفاء جزء آخر يلزم تحصيل الحاصل لأن انتفاء الجزء علة لعدم العلية قلنا لا نسلم أن انتفاء الجزء علة لعدم العلية بل من قبيل عدم الشرط فعدم العلية لانتفاء شرط وجودها لا لوجود علة عدمها فلا يلزم تحصيل الحاصل إذا تكررت علته قال تاج الدين السبكي أن التعليل بالمركب كثير وما

ص: 134

أرى للمانع منه مخلصا إلا أن يتعلق بوصف منه ويجعل الباقي شروطا فيه ويئول الخلاف انتهى.

(وامنع لعلة بما قد اذهبا) لما كانت العلة مشترطا فيها اشتمالها على حكمة تبعث المكلف على الامتثال وتصلح شاهدا لإناطة الحكم بالعلة اشترط في مانعها أن يذهب حكمتها أي يبطلها ولابد أن يكون المانع وصفا وجوديا كما هو مقرر في تعريف المانع قال السبكي والمانع الوصف الوجودي المعروف نقيض الحكم كالأبوة في القصاص مثاله الدين إذا جعل مانعا من وجوب الزكاة فإن حكمة السبب المعبر عنها بالعلة وهي الغنى مواسات الفقراء من فضل مال الأغنياء وليس مع الدين فضل يواسى به قولنا وتصلح شاهد الإناطة الحكم بالعلة قال المحشي أي من جهة أن الحكمة عبارة عن جلب مصلحة أو تكميلها أو دفع مفسدة أو تقليلها.

والخلف في التعليل بالذي عدم

لما ثبوتيا كنسبي علم

بضم عين عدم وعلم يعني أنه وقع الخلاف في تعليل الحكم الثبوتي بالوصف العدمي أجاز ذلك الجمهور لصحة أن يقال ضرب فلان عبده لعدم امتثال أمره ولأن العلة بمعنى المعرف وخالف بعض الفقهاء فشرط في الإلحاق بها أن لا تكون عدما في الحكم الثبوتي وأجابوا بمنع صحة التعليل بالمثال المذكور وإنما يصح بالكف عن الامتثال وهو أمر وجودي لأن الوجودي عند الفقهاء ما ليس العدم داخلا في مفهومه والعدمي خلافه كعدم كذا أو سلب كذا واحتج المانعون بأن العدمى أخفى من التبوتي فكيف يكون علامة عليه وبأن شرط العلة الظهور ولا ظهور للعدمي وأجيب بأن المحتاج إليه في التعليل مجرد العلم بأنه علامة فحيث حصل العلم بذلك من الشارع

ص: 135

نصاً أو استنباطاً أمكن الاستدلال به في الجزئيات المعنية وكونه أخفى في ذاته لا يؤثر في ذلك والعدم يقبل الظهور بالمعنى المراد في المقام ولولا ذلك لمتنع تعليل العدمى بالعدم مع أنه ليس كذلك اتفاقا قال في التنقيح يجوز التعليل بالعدم خلافا لبعض الفقهاء والأمور النسبية ويقال لها الإضافية كالأبوة والنبوة والأخوة والعمية والخالية والتقدم والتأخر والمعية والقبلية والبعدية وجودية عند الفقهاء والفلاسفة عدمية عند المتكلمين غير أن وجودها ذهني فقط فهي موجودة في الأذهان مفقودة في الأعيان والأوصاف العدمية عدمية في الذهن والخارج قال القرافي فهذا هو الفرق بينهما واستوي القسمان في العدم في الخارج هـ فمن قال أنها وجودية علل بها الثبوتي ومن قال أنها عدمية فعلى الخلاف ويجوز اتفاقا تعليل العدمي لمثله أو بالثبوتي كتعليل عدم صحة التصرف بعدم العقل أو بإسراف كما يجوز اتفاقا تعليل الوجودي بمثله كتعليل حرمة الخمر بالاسكار ويجري الخلاف

الوجودي بمثله كتعليل حرمة الخمر بالاسكار ويجري الخلاف في العلة المركبة من جزءين أحدهما عدمي كان يعلل وجوب الدية المغلظة في شبه العمد عند الشافعية بأنه قتل بفعل مقصود لا يقتل غالبا وإذا كان للمعنى الواجد عبارتان أحداهما نفي والأخرى إثبات فإذا عبر بالإثبات جاز تعليل الثبوتي به وإذا عبر بالأخرى فعلى الخلاف كالكفر فإنه قد يعبر عنه بعم الإسلام فتقول يقتل الكافر لكفره أو لعدم إسلامه وكالمجنون فإنه قد يعبر عنه بعدم العقل

لم تلق في المعللات عله

خالية من حكمة في الجملة

تلق مبني للمفعول وعلة نائب عن الفاعل وخالية نعته يعني أن الأحكام الشرعية المعللة لا تخلوا علة من عللها ولو قاصرة عن حكمة

ص: 136

لكن في الجملة وإن لم توجد تلك الحكمة في كل محل من محال تلك العلة على التفصيل أما التعبدات فيجوز أن تتجرد عن حكم المصالح ودرء المفاسد ثم يقع الثواب عليها بناء على الطاعة والإذعان من غير جلب مصلحة غير مصلحة الثواب وإلا درء مفسدة غير مفسدة العصيان

وربما يعوزنا إطلاع

لكنه ليس به امتناع

يعني أن كون العلة لا تخلوا عن حكمة في الجملة لا يلزم منه إطلاعنا على كل حكمة لكن عدم إطلاعنا لا يلزم منه منع التعليل بتلك العلة التي لم تظهر حكمتها كتعليل الربويات بالقوت والادخار عندنا وبالطعم عند الشافعية أو بالكيل عند الحنفية أو بالمالية عند الأوزاعي مع أنا لم نطلع على حكمة كل وكالتعليل باللمس وغيره من النواقض وجعل بعضهم حكمته الغفلة عن الله تعالى.

تنبيه: أخذ الكرراني من جواز التعليل بما لا يطلع على حكمته إن الحكمة هي الباعثة للشارع على شرع الحكم لا للمكلف على الامتثال وهو ممنوع إذ لا يلزم من خفاء الحكمتان لا تكون الحكمة هي الباعثة للمكلف بل متى علم المكلف أن أحكام الشرع مقرونة بالحكم وإن لم تتعين تلك الحكم بعثه ذلك على الامتثال في الجملة ونظير ذلك أن من سمع متكلما بغير لسانه وعلم أنه واعظ أثر فيه في الجملة وإن لم يفهم كلامه كما يشهد له الوجدان ولهذا أجاب القاضي الحسين عن سؤال عن فائدة الخطبة بالعربية إذا لم يفهمها القوم بأن كانوا عجما بأن فائدتها العلم بالوعظ من حيث الجملة والعلم بالوعظ كذلك يؤثر في الجملة:

وفي ثبوت الحكم عند الانتفا

للظن والنفي خلاف عرفا

ص: 137

النفي بالجر معطوف على ثبوت الحكم يعني أنهم اختلفوا إذا قطع بانتقاء الحكمة في صورة هل يثبت الحكم فيها لمظنة حصول الحكمة أو ينتفي إذ لا عبرة بالمظنة مع تحقق انتفاء العلامة أعنى الحكمة لكن الفروع المبنية على هذه القاعدة منها ما رجح فيه ثبوت الحكم كاستبراء الصغيرة فإن حكمة الاستبراء تحقق براءة الرحم وهي متحققة بدون الاستبراء وكمن مسكنه على البحر ونزل منه في سفينة قطعت به مسافة القصر في لحظة من غير مشقة فإنه يجوز له القصر في سفره هذا ومنها ما يرجح فيه انتفاء الحكم لانتفاء حكمته قطعا إلغاء للمظنة من أصلها أو لدليل مخصوص اقتضى إلغاء المظنة فيها وعلى هذا يترجح كثير من المسائل كشرع الاستنجاء من حصاة لا بلل معها والغسل من وضع الولد جافا وعدم نقض الوضوء إذا لم توجد اللذة في اللمس بباطن الكف أو الأصابع والنقض بالقبلة على الفم إذا لم توجد اللذة.

وعللوا بما خلت من تعديه

ليعلم امتناعه والتقوية

يعني أن المالكية والشافعية والحنابلة جوزوا التعليل بالعلة التي لا تتعدى محل النص وهي العلة القاصرة وذكر القاضي عبد الوهاب منع التعليل بالقاصرة مطلقا عن أكثر فقهاء العراق وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى منع المستنبطة دون المنصوصة والمجمع عليها فتعدية العلة شرط في صحة القياس اتفاقا والجمهور على أنها ليست شرطا في صحة التعليل بالوصف كتعليل طهورية الماء بالرقة واللطافة دون الإزالة وتعليل الربى في النقد بالنقدية أو بالثمنية أو بغلبة الثمنية والقائلون يمنع التعليل بالعلة القاصرة احتجوا بعدم فائدتها لأن فائدة التعليل التعدية للفرع وقد امتنعت واستشكل القول بمنع

ص: 138

وصف غير متعد لمعارضتها له فيتوقف عن القياس لأجل المعارضة إذ المنصوصة والمجمع عليها إلا أن يجاب فإن القائل بذلك إنما منع وجودها وأول النص أو الإجماع الدال عليها لا أنه مع تسليم ثبوتها بالنص والإجماع منع التعليل بها وللتعليل بها عند الجمهور فوائد منها علم امتناعه أي القياس على محل معلولها حيث يشتمل على يجوز أن يكون كل جزء العلة فلا تعدية وإن يكون كل منهما علة مستقلة فتحصل التعدية وإذا جاز الأمران فلابد من دليل يثبت به أن ذلك الوصف المتعدى مستقل بالعلية، جزء لتصح التعدية ولا يقال التعدية كافية في ترجيح الاستقلال على الجزئية لأن ذلك إذا لم تعارض بمرجح الجزئية ومرجحها هنا هو أن اجتماع علتين خلاف الغالب وموافقة الغالب من المرجحات فلا ترجيح فالتوقف باق كتعليل طهورية الماء بالرقة واللطافة دون الإزالة ومن الفوائد معرفة المناسبة بين الحكم ومحله فيتقوى الباعث على الامتثال لأن النفس أميل لما ظهر لها مناسبته وقد ظهر بهذا اشتراط المناسبة في العلة القاصرة وهو مقتضى كلام البرهان ومنها تقوية النص الدال على معلولها إذا كان نصا ظاهرا لأنه لقبوله التأويل يحتاج إلى مقو يصرف عنه التأويل وكذا إذا كان قطعيا بناء على أن اليقين يقبل التفاوت وهو الحق وجه التقوية إن العلة القاصرة كدليل آخر على إثبات الحكم ومنها زيادة الأجر لأن المكلف إذا فعل بنية تحصيل المصلحة ونية الامتثال كان له أجران قاله حلولو قال السبكي في عدة فوائد القاصرة وزيادة الأجر عند قصد الامتثال لأجلها أي لأجل العلة المحلى زيادة النشاط فيه حينئذ بقوة الإذعان لقبول معلولها وهو الحكم فزيادة النشاط علة لزيادة الأجر عند قصد الامتثال لأجل العلة وهذه الفائدة متفرعة عن الفائدة، الأولى لأن معرفة المناسبة سبب لقوة الإذعان وقوة الإذعان

ص: 139

سبب لزيادة النشاط والمراد من زيادة النشاط الإقبال على الامتثال بكمال الاهتمام وذلك سبب لزيادة الأجر قاله المحشي وكذا متفرعه عنها أيضا على جعل زيادة الأجر لقصد تحصيل المصلحة أو درء المفسدة فإن ذلك القصد ناشئ عن معرفة المناسبة كما هو مذكور في تعريف المناسب وتعقب الكوراني قول السبكي وزيادة الأجر الخ بأن امتثال الأمر في التعبد أشق على النفس من المعلل فزيادة الأجر فيه أوفق بأمر الشارع ورده في الآيات البينات بقوله إنما يزيد الأجر في الأشق إذا كانت أشقيته لمجرد صعوبته في نفسه بخلاف ما إذا كانت لعدم الإطلاع على حكمته إذ الأشقية حينئذ ليست إلا باعتبار غم النفس وانعقاد الصدر وإن سهل الفعل حدا وذلك يقتضى فوات تمام الاهتمام وكمال النشاط والرغبة والحاصل إن الكلام ليس باعتبار أشقية نفس الفعل وحينئذ يظهر فرق ما بين الأمرين لحصول تمام الاهتمام وكمال النشاط والرغبة الموجبين مزيد الأجر في المعلل وفواتهما في التعبد والأشقية الناشئة من غم النفس وانعقاد الصدر لا تقاوم تمام الاهتمام وكمال النشاط والرغبة كما لا يخفى انتهى قلت عظم المشقة لا يستلزم كثرة الأجر فكم من عمل سهل أكثر أجرا من عمل شاق ألا ترى قوله صلى الله عليه وسلم من وافق تأمينه تأمين الملائكة ففر له ما تقدم من ذنبه فكم من عمل أشق منه لا يحصل فيه ذلك قال زروق في قواعده وأما قوله صلى الله عليه وسلم (أجرك على قدر مشقتك أو على قدر تعبك) فقضية عين يعني أنه خطاب واحد وهو لا يعم من غير نص على التعميم ولعله لم يرد فيه نص كما هو ظاهر كلامه ومن غير قياس وفضائل الأعمال لا بالقياس.

منها محل الحكم أو جزء ورد

وصفا إذا كل لزوميا يرد

ص: 140

الضمير في منها للعلة القاصرة وجزء مرفوع بالعطف على محل ويرد بفتح المثناه التحتية ولزوميا حال من كل الذي هو فاعل فعل محذوف يفسره ما بعده يعني أن من صور العلل القاصرة أن تكون العلة محل الحكم أو جزؤه الخاص به بأن لا يوجد في غيره أو وصفه اللازم له والمحل ما وضع له اللفظ كالخمر والذهب والفضة كتحليل حرمة الخمر بالخمرية أي بكونه خمرا أو جريان الربى في الذهب والفضة بالذهبية أو الفضية ومثال التعليل بالجزء الخاص تعليل نقض الوضوء في الخارج من السبيلين بالخروج منهما فإن الخروج جزء معنى الخارج إذ معناه ذات متصفة بالخروج والمراد بالوصف اللازم هنا هو ما لا يتصف غير المحل به كالنقدية في الذهب والفضة أي كونهما أثمان الأشياء فإنها وصف لازم لهما في أكثر البلاد وقولي المراد بالوصف اللازم الخ إنما اخترت مثل عبارة المحلى بأن لا يتصف به غيره وقال ناصر الدين اللقائي هذا تفسير مفهوم الخاص أي القاصر لا اللازم فإن مفهومه الذي لا يفارق موصوفه أي لا ينفك عنه انتهى.

وقد أجاب عن المحلى في الآيات البينات بأن هذا تفسير مراد اللازم لأنه المناسب للمقام فإن الكلام فيما يمنع تعدى العلة ومجرد عدم اتصاف المحل به غير مناف لذلك سواء أمكن مفارقته للمحل أو لا بخلاف مجرد عدم إمكان مفارقته المحل فإنه لا ينافي ذلك لصدقه مع اتصاف غيره به وحينئذ تتحقق التعدية فالصواب أن هذا تفسير اللازم هنا وكثيرا ما ينشأ الخلل من عدم المحافظة على السياق والتثبت باصطلاح لا يطابق المقام انتهى.

وخرج بالخاص واللازم غيرهما فلا ينتفي التعدي عنه لكونه علة غير قاصرة كتعليل الحنفية النقض فيما ذكر وهو الخارج من

ص: 141

السبيلين بخروج النجس من البدن الشامل لخروج ما ينقض عندهم من القصد ونحوه من كل نجس فالخروج من البدن معنى الخارج لكنه غير خاص بالخارج من السبيلين إذ يصدق بخروج الدم بالقصد وغيره وكتعليل ربوية البر بالطعم فإن الطعم وصف غير لازم للبر إذ هو موجود في غيره من المطعومات.

تنبيه: قال ناصر الدين اللقائي عند قول المحلي مثال الأول تعليل حرمة الذهب بكونه ذهبا ما نصه هذا الكون وصف لمحل الحرمة لا نفسه ففي التمثيل به نظر هـ

وأجيب عنه بأن ذلك التعبير فيه مسامحة أي تعبير بالمجاز مشهورة معتادة قال في الآيات البينات وسرها الجرى على ما اعتيد عند التعليل فإنهم يعبرون حينئذ بقولهم مثلا يحرم الربى في الذهب لكونه ذهبا فتقع العلة بالحقيقة خبر الكون وسر ذلك أن قولنا يحرم الربى في الذهب للذهب لا يخلوا عن ثقل وركاكة فتأمل مقاصد الأئمة ما أحسنها هـ.

وجه الثقل فيه والركاكة أي الضعف ما فيه من تعليل الشيء بنفسه فاحتيج إلى التعليل بصفة الحال بحسب الظاهر وإن كان في الحقيقة خبر الكون إذ كثيرا ما يعبر بالوصف مرادا به ملزومه

وجاز بالمشتق دون اللقب

وإن يكن من صفة فقد أبى

بضم الهمزة أي منع يعني أنه يجوز التعليل بالاسم المشتق من الفعل عند الأكثر والمراد الفعل اللغوي وهو الحدث الصادر باختيار فاعله بدليل مقابلتهم له بنحو الأبيض الذي هو مأخوذ

ص: 142

من الصفة أي المعنى القائم بالموصوف من غير اختيار كالبياض للأبيض والسواد للأسود ونحوهما وليس المراد اشتقاقهما من الفعل النحوي والوصف النحوي كما توهمه البرماوي فاعترض على شيخه الزركشي بأن ما ذكره من الاشتقاق من الفعل ومن الصفة لا يوافق مذهب البصريين ولا مذهب الكوفيين يعني أن الاشتقاق عند البصريين من الصدر فقط وعند الكوفيين من الفعل فقط وجوز زكرياء إرادة الفعل النحوي والصفة النحوية قال ولا مانع إذ دائرة الأخذ أوسع من دائرة الاشتقاق انتهى.

قوله دون اللقب يعني أن الاسم اللقب لا يجوز التعليل به والمراد باللقب العلم واسم الجنس الجامد الذي لا ينبئ عن صفة مناسبة تصلح لإضافة الحكم إليها والمراد بالوصف اللغوي فيما تقدم الشمسية بما ينبئ عن ذلك قال في التنقيح ومثله في المحصول للإمام الرازي اتفقوا على أنه لا يجوز التعليل بالاسم مثل تعليل تحريم الخمر بأن العرب سمتها خمرا قال في المحصول فأنا نعلم بالضرورة أن مجرد هذا اللفظ لا أثر له في حرمت الخمر فإن أريد به تعليله بمسمى هذا الاسم من كونه مخامرا للعقل فذلك يكون تعليلا بالوصف لا بالاسم والمراد بعض مسماها لإتمامه والوصف إذا لم يكن له تأثير في الحكم فإن دل الدليل على إلغائه فهو غريب وطرد فلا يعلل به وإن لم يدل على إلغائه ولا على اعتباره فهو المرسل ويعلل به عند المالكية وأما القرافي فقد صرح بأن مجرد الاسم طردي محض قال والشرائع شأنها رعاية المصالح ومظانها إماما لا يكون مصلحة ولا مظنة للمصلحة فليس من باب الشرائع اعتباره انتهى والذي اختاره السبكي جواز التعليل باللقب حيث قال ويصح التعليل بمجرد الاسم اللقب الخ كتعليل الشافعي نجاسة بول ما يوكل لحمه بأنه بول كبول

ص: 143

الآدمي وإنما كان تعليلا باللقب أي مجرد التسمية لا بالوصف لأن الصحيح عند السبكي وفاقا لأهل الحق إن العلة بمعنى المعرف والإمارة لا بمعنى الباعث ولا الموجب وظاهر أنه لا مانع أن ينصب الشارع مجرد الاسم اللقب أمارة على الحكم إذ ما من شيء إلا ويصلح أن يوضع أمارة على غيره إذ الإمارة الوضعية لا تتوقف على ربط عقلي ولا مناسبة معنوية بل تحصل بمجرد الجعل ولا ينافي ذلك ما ذكره من أن شرط الإلحاق بالعلة استمالها على حكمه تبعث المكلف على الامتثال وتصلح شاهدا لإناطة الحكم بالعلة والمشتمل على ما ذكر ليس نفس العلة بل ترتب الحكم عليها وهذا متصور فيما نحن فيه مثلا فإن ترتب الحكم وهو نجاسة البول على تسميته بولا يشتمل على حكمة هي النظافة بعدم مماسة هذا المستقذر وهذه العلة تبعث المكلف على الامتثال بأن يجتنب هذه النجاسة وتصلح شاهدا لإناطة التنجيس بتلك التسمية على أنه تقدم جواز التعليل بما لا يطلع على حكمته فلو فرض عدم ظهور حكمة في التعليل بالاسم للقب جاز أن يكون هناك حكمة خفيت علينا فالشرط احتمال الحكمة وعدمه بالقطع بانتفائها في نفس الأمر قوله وإن يكن من صفة الخ.

يعني أن المشتق إذا كان مشتقا من صفة أي معنى قائم بالموصوف من غير اختياره كالبياض للأبيض والسواد للأسود ونحوهما من كل صفة غير مناسبة لا يجوز التعليل به بناء على منع قياس الشبه وهذا شبه صوري ووجه كونهما من الشبه الصوري أنه لا مناسبة فيهما ولا فيما هو بنحوهما لجلب مصلحة ولا لدرء مفسدة قاله المحشي وغيره أعلم أنه يحتمل أن يراد بالمشتق ونحو الأبيض اللفظ كما هو صريح عبارة الزركشي وظاهر عبارة السبكي والمحلي كان يقول في التعليل بذلك لأنه سارق أو قاتل أو أبيض أي لأنه يطلق

ص: 144

عليه ذلك الاسم لغة أو شرعا أو عرفا والحاصل أن التعليل بالاسم له ثلاث صور أحداها الاسم الجامد فإن علل به لمعنى مناسب جاز التعليل به وهو المتقدم وإن علل به لمجرد التسمية دون مناسبة فهو اللقب وهو المراد هنا.

الثانية الاسم المشتق من فعل كالضارب والقائم وهو المراد بقولنا وجاز بالمشتق.

الثالثة الاسم المشتق من الصفة كالأبيض والأسود وهو المراد بقولنا وإن يكن من صفة الخ يمنع بناء على منع قياس الشبه وسيأتي الكلام عليه ويحتمل أن يراد بالمشتق ونحو الأبيض المعنى ولا يتكرر مع ما سبق من التعليل بالوصف الحقيقي أو العرفي المطرد وإن كان المراد منهما واحدا لأنا نقول المراد بالوصف فيما سبق ما ليس بمشتق ويدل على جريان الخلاف في نحو الأبيض قول الاصبهاني والمراد به حيث أطلق عند الأصوليين شارح المحصول إن في التعليل بالاسم ثلاثة أقوال الجواز مطلقا والمنع مطلقا والتفصيل بين المشتق وغيره ويدخل في المشتق نحو الأبيض فإنه يشمله المشتق عند الإطلاق قاله في الآيات الينات.

وعلة منصوصة تعدد

في ذات الاستنباط خلف يعهد

علة مبتدأ ومنصوصة نعت له وتعدد بحذف إحدى التاءين خبره ويعهد بمعنى يعلم مبنى للمفعول يعني أنه يجوز أن تكون لحكم واحد علتان فأكثر عند الجمهور سواء كانت العلة منصوصة أو مستنبطة متعاقبة أو على المعية وهو مذهب مالك ودليل جوازه وقوعه كإيجاب الوضوء من البول والغائط والمذى ولأن العلل الشرعية معرفات ولا

ص: 145

مانع من اجتماع معرفين فأكثر على شيء واحد وقولنا لحكم واحد أعني واحدا بالشخص وأما الواحد بالنوع فيجوز تعدد علله بحسب تعدد أشخاصه بلا خلاف كتعليل إباحة قتل زيد بالردة وعمر بالقصاص وبكر بالزنى وخالد بترك الصلاة وأما العلل العقلية فيمتنع تعددها بالنسبة إلى معلول واحد بالشخص بلا خلاف عند بعضهم والمختار عند بعضهم لأنها بمعنى تأثير كل استقلال واجتماع المؤثرات استقلالا في أثر واحد من المحال قال القرافي في شرح المحصول وقد جوزه الأقل أي جوز تعدد العلل العقلية قوله في ذات الاستنباط الخ.

يعني أن العلة المستنبطة في جواز تعددها خلف قوى فلا ينافي ذلك الخلاف في جواز تعدد العلة المنصوصة لأنه ليس بقوى قوته في المستنبطة فقد قال ابن الحاجب بجوازه في المستنبطة دون المنصوصة لكن لم يذكره السبكي في جمع الجوامع لقوله لم أره لغيره وقد قال القاضي أبو بكر الباقلاني بمنعه عقلا وشرعا في المنصوصة والمستنبطة وجه قول ابن الحاجب أن المنصوصة قطعية فلو تعددت لزم المحال الذي هو اجتماع النقيضين أو تحصيل الحاصل بخلاف المستنبطة لجواز أن تكون العلة فيها عند الشارع مجموع الأوصاف والنقيضان هما الاستغناء وعدمه وتحصيل الحاصل لا يأتي إلا في التعاقب ووجه المنع مطلقا لزوم المحال من وقوعه كجمع النقيضين فإن الشيء باستناده إلى كل واحدة من علتين يستغنى عن الأخرى فيلزم استغناؤه عن كل وعدم استغنائه عنه ويلزم أيضا تحصيل الحاصل في التعاقب حيث يوجد بالثانية مثلا نفس الموجود بالأولى وأجيب من جهة الجمهور بأن اجتماع النقطتين وتحصيل الحاصل إنما يلزم إذا كانت العلل المستقلة عقلية وهي ما يفيد وجود أمر أما إذا كانت شرعية وهي ما يفيد العلم بوجود أمر فلا لأنها بمعنى الدليل ويجوز اجتماع

ص: 146

الأدلة على مدلول واحد وأورد على هذا الجواب أن إسناد المعرفة إلى أحد الأمرين مثلا، يلزم منه الاستغناء بها عن الآخر فيلزم الاستغناء عن كل واحد وعدم الاستغناء عنه وهذا اجتماع النقيضين ثم إذا عرف بأحدهما ثم عرف بالآخر لزم تحصيل الحاصل وأحسن أجوبته في الآيات البينات من أن الاشتغال بملاحظة الدليل يوجب الغفلة عن المعلوم أو قلة الالتفاف إليه ثم إذا تمت ملاحظة حصل الثقات جديد قوى على وجه خاص فلا يلزم تحصيل المعلوم وحينئذ فإذا حصلت المعرفة من أحد الأمرين أمكن تحصل من الآخر معرفة مغايرة للأولى في الكيف بأن يحصل التفات إليه جديد قوى على وجه خاص فلا يلزم تحصيل الحاصل لأن الالتفات الحاصل بالأمر الثاني مغاير للالتفات الحاصل بالأمر الأول في الكيف كما تقرر ولا اجتماع النقيضين لأنه إذا اختلف الحاصلان في الكيفية كان الحاصل بكل واحد من الأمرين غير مستغنى عنه بالآخر لأن شخص الحاصل بكل واحد منهما مغاير لشخص الحاصل بالآخر هـ.

والمانع من التعدد يقول فيما يذكر المجيز من التعدد أن العلة مجموع الأمرين مثلا أو أحدهما لا بعينه أو يقول فيه بتعدد الحكم بتعدد العلة.

وذاك في الحكم الكثير أطلقه

كالقطع مع غرم نصاب السرقة

ذاك إشارة إلى تعدد الحكم لعلة واحدة يعني أن تعدد الحكم لعلة واحدة جوزه الكثير منهم بل الأكثر جوازا مطلقا أي سواء كانت العلة منصوصة أم لا قال السبكي والمختار وقوع حكمين بعلة إثباتا كالسرقة للقطع والغرم أو نفيا كالحيض للصوم والصلاة وغيرهما كالطواف ودخول المسجد ومس المصحف أي لحرمتها والغرم بالضم

ص: 147

ومحل وجوب غرم نصاب السرقة إنما هو إذا استمر يسر السارق إلى يوم القطع أو الحكم قال ابن الحاجب إن قلنا أنها أمارة بذلك جائز باتفاق والمختار جوازه بمعنى الباعث إذ لا بعد في مناسبة وصف واحد لحكمين وقيل بالمنع مطلقا وقيل يجوز أن لم يتضاد الحكمان ويمتنع أن تضاد أكانتا بيد لصحة البيع وبطلان الإجارة لأن الشيء الواحد لا يناسب المتضادين بناء على اشتراط المناسبة في العلة بناء على أنها بمعنى الباعث لا الإمارة وهو مرجوح وجوابه من جهة المختار هو المنع وسنده أنه لا مانع من أن يناسب الوصف الواحد حكمين متضادين بجهتين مختلفتين كالتوقيت بأنه سبب لصحة الإجارة ولبطلان البيع مناسب أما مناسبته لصحة الإجارة فلأنه ضابط للمنفعة المعقود عليها مع بقاء ملك الرقبة وبضبطها يدرء التشاجر بين المتعاقدين وأما مناسبته لبطلان البيع فلأنه نقل الملك في الرقبة الذي هو أثر البيع يقطع تعلق البائع بها والتوقيت ينافيه لاقتضائه بقائه التعلق بها.

وقد تخصص وقد تعمم لأصلها) بكسر الثالث من تخصص وتعمم مع التشديد يعني أن العلة يجوز تخصيصها للأصل الذي استنبطت منه وذلك هو الظاهر من مذهبنا على ما قاله حلولو وللشافعي فيه قولان مستنبطان من اختلاف قوله في نقض الوضوء بمس المحارم قال مرة ينقض نظرا إلى عموم قوله تعالى (أو لامستم النساء) ومرة لا ينقض لأن اللمس مظنة الاستمتاع أي الالتذاذ المثير للشهوة وعليه فقد عادت على الأصل المستنبطة منه الذي هو آية أو لامستم النساء) بالتخصيص إذ يخرج منها النساء المحارم والقولان في نقض الوضوء بمس النساء المحارم منصوصان في مذهب مالك والفرق بين هذا وبين قول وفي ثبوت الحكم عند الانتفا البيت أن

ص: 148

الكلام هناك فيما إذا وجدت العلة دون حكمة كما نص عليه السبكي والمحلي فإن العلة هي السفر وقد وجد قطعا لكن انتفت حكمته التي هي المشقة بخلاف ما هنا فإن العلة المستنبطة التي هي مظنة الاستمتاع والتلذذ لم توجد في المحارم إذ ليس مظنة لذلك فأين أحدهما من الآخر وإن أشتبه علي ناصر الدين اللقاني وشهاب الدين عميرة قال في الآيات البينات ومنشأ الغلط والاشتباه التعبير بالمظنة هنا وهناك وهو عجيب فإنها ذكرت هناك على أنها وصف العلة وهنا على أنها نفس العلة انتهى.

قوله وقد تعمم لأصلها يعني العلة يجوز أن تعود على أصلها الذي استنبطت منه بالتعميم أي تجعله عاما اتفاقا كتعليل الحكم في حديث الصحيحين لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان) بتشويش الفكر فإنه يشمل غير الغضب لاكنها لا تخرم) بفتح الناء وسكون الخاء المعجمة وكسر الراء يعني أنه يشترط في صحة الإلحاق بالعلة إن لا تخرم أي لا تبطل أصلها الذي استنبطت منه لأنه منشأها فأبطالها له إبطال لها كتعليل الحنفية وجوب الشاة في الزكاة بدفع حاجة الفقير فإنه يجوز الإخراج قيمة الشاة مفض إلى عدم وجوبها على التعيين بالتخيير بينها وبين قيمتها وذلك فيه إبطال لما استنبطت منه وهو قوله صلى الله عليه وسلم في أربعين شاة شاة) وأجيب من جهة الحنفية بأن هذا ليس عودا بالإبطال إنما يكون عودا به لو أدى إلى رفع الوجوب وليس كذلك بل هو توسيع للوجوب أي تعميم له والمراد بالإبطال هنا ما ليس بتخصيص ولا تعميم بدليل مقابلته بهما في كلام الأئمة وأيضا فإن الإبطال بالمعنى المقابل لهما لا يتصور إلا أن يكون إبطالا له

ص: 149

(وشرطها التعيين) يعني أنه يشترط في الإلحاق بالعلة أن تتعين أي تكون وصفا معينا وبه قال الجمهور لأن العلة منشأ التعدية المحققة للقياس الذي هو الدليل ومن شأن الدليل أن يكون معينا فكذا منشأ المحقق له خلافا لمن اكتفى بعلية منهم بين أمرين مثلا مشترك بين المقيس والمقيس عليه لأن ذلك المبهم المشترك يحصل المقصود والمراد بالتعدية في قوله لأن العلة منشأ التعدية الخ تعدية الحكم عن الأصل إلى الفرع قولهم المحققة للقياس اعترضه بعضهم بأن ذلك يقتضى أن التعدية المحققة من أركان القياس وليس كذلك إذ أركانه أربعة تقدم ذكرها وأجيب بأنا لا نسلم أن من لازم المحقق للشيء كونه من أركانه فإن شروط وجوب الشيء محققة له وليست من أركانه وكذا العلل العقلية محققة لمعلولها وليست من أركانه ويجوز عند الشافعية التعليل بمبهم من أمرين فأكثر إذا ثبتت عليه كل منهما أو منها كقولهم من مس من الخنثى غير المحرم بفتح الميم أحد فرجيه أحدث أي انتقض وضوءه لأنه إما ماس فرج آدمي أو لامس غير محرم لأن كلا من المس واللمس يثبت عليته للحدث عندهم وبعضهم جعل محل الخلاف في التعليل بمبهم غير مشترك وتصوره متعذر لأنهم إنما أرادوا بكون التعليل بالمبهم غير المشترك أنه لا أصل هناك يلحق به حتى يكون المبهم مشتركا بينه وبين ذلك الفرع لزم إثبات الأحكام بمجرد التعليل من غير أن يتحقق هناك قياس وهو في غاية الأشكال لأن مجرد التعليل خارج عن أدلة الفقه المقبولة والمردودة وإن أرادوا بذلك أن هناك أصلا يلحق به فكيف يصح الإلحاق مع عدم الاشتراك في العلة وأيضا فإن أرادوا بالمبهم القدر المشترك بين أمرين أو أمور من المحصور في عدد خاص فهذا معين لا مبهم وإن أرادوا به واحدا من أمور لم تثبت علية شيء منها لكن تحتمل عليه واحد منها

ص: 150

فقد قال في الآيات البينات فهذا مما لا ينبغي ذهاب أحد إليه إذ كيف يصح الإلحاق إلا بواسطة شيء ثبتت عليته وقد جعل الزركشي وغيره هذه المسئلة هي التي صورها الصفي الهندي في نهايته بقوله قال بعضهم يجوز الإلحاق بمجرد الاشتراك في الوصف المطلق العام وأطبق الجماهير على فساده من حيث أن ذلك يقتضى ثبوت أحكام متناقضة في أوصاف عامة فلو جاز إلحاق الفرع بالأصل بمجرد الاشتراك في الوصف لجاز إلحاق كل فرع بكل الأصول إذ ليس إلحاقه ببعضها أولى من إلحاقه بالبعض الآخر وحينئذ يلزم ثبوت الأحكام المتناقضة في كل واحد من الفروع ولأن ذلك يفضى إلى التسوية بين المجتهد والعاصي في إثبات الأحكام الشرعية في الوقائع الحادثة لأنه ما من عامي جاهل يفرض إلا ويعلم أن هذا الفرع يشبه أصلا من الأصول في وصف عام فيثبت حكمه فيه لاشتراكهما في ذلك الوصف العام واحتجوا بقول عمر رضي الله عنه أعرف الأشباه والنظائر وقس الأمور برأيك) ويكفي في كون الشيء شبها للشيء أو نظيرا له الاشتراك في وصف واحد وقوله وقس الأمور مرتب على ذلك فوجب أن يجوز القياس بكل وصف مشترك يتحقق به الشبه والنظائر وجوابه منع تحقق الشبه والنظائر بمجرد الاشتراك في الأوصاف العامة نحو الذكورية والمعلومية والخبرية بل لابد من الاشتراك بوصف خاص قال في الآيات البينات إن في مطابقة هذه المسألة لتصوير السبكي المسئلة بالمبهم وفي تعليل المحلي المذكور نظرا.

(والتقدير لها جوازه هو التحرير) الضمير المجرور باللام للعلة والتقدير هو أن يفرض الشيء لا حقيقة له يعني أن جواز كون العلة وصفا مقدرا أي مفروضا لا حقيقة له هو التحرير أي التحقيق عند القرافي وفاقا لبعض الفقهاء مثاله قولهم الملك معنى شرعي مقدر

ص: 151

في المحل أثره إطلاق التصرف خلافا للإمام الرازي فإنه جعل من شروط الإلحاق بالعلة إن لا تكون وصفا مقدرا لأن الوصف المقدر لا يكون عنده علة بل منع أن يكون التقدير في الشرع تصدر فضلا عن التعليل به ورده القرافي قائلا لأن المقدرات في الشريعة لا تكاد يعرى عنها باب من أبواب الفقه وكيف يتخيل عاقل أن المطالبة تتوجه على أحد بغير أمر مطالب به وكيف يكون طالبا بلا مطلوب وكذلك المطلوب يمتنع أن يكون معينا في السلم وإلا لما كان متعين أن يكون في الذمة ولا نعني بالتقدير إلا هذا وكيف يصح العقد على أردب من الحنطة وهو غير معين ولا مقدر في الذمة فحينئذ هذا عقد فلا معقود عليه بل لفظ بلا معنى وكذلك إذا باعه بثمن إلى أجل هذا الثمن غير معين فإذا لم يكن مقدرا في الذمة كيف يبقى بعد ذلك ثمن يتصور وكذلك الإجارة لابد من تقدير منافع في الأعيان حتى يصح أن يكون مورد العقد إذ لولا تخييل ذلك فيها امتنعت إجارتها ووقفها وعاريتها وغير ذلك من عقود المنافع إلى آخره ومن التقدير قولهم في الحدث وصف مقدر قيامه بالأعضاء قيام الأوصاف الحسية واختار التبريزي جواز التعليل بالمقرر وقد يكون الملك معنى مقدرا بالمحل فقال الملك لا يمكن إنكاره ولا يجوز تفسيره بسبب الملك الذي هو الشراء لبطلان تفسير المسبب ولا بأثره الذي هو إطلاق التصرف إذ يستحيل كون الشيء غير أثره فلابد وأن يقدم في المحل معنى شرعي أي قرره الشرع وهو المطلوب انتهى.

وتعقبه الاصبهاني في شرح المحصول فإنه يصح تفسير الملك دون حاجة إلى التقدير المذكور إذا الملك لغة القدرة ومنه ملكت فاسجح أي قررت فأحسن العفو وشرعا قدرة مخصوصة على تصرفات مخصوصة فالمالك هو المتصف بأنه قادر وهذه القدرة بنفسه أو بغيره

ص: 152

كالولي والوكيل والمملوك متعلق قدرته في إيقاع التصرف فيه فهذا تفسير للملك بغير أثره وبغير سببه وبه يظهر أن لا حاجة إلى تقدير معنى بالمحل انتهى.

ومقتضى الحكم وجودة وجب

متى يكن وجود مانع سبب

مقتضى بكسر الضاد الساقطة المعجمة مبتدأ ووجوده مبتدأ ثان خبره جملة وجب والمبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول وسبب اسم يكن ووجود مانع خبر مقدم وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله يعني أنه إذا كان وجود مانع من ثبوت الحكم سببا أي علة لانتفاء الحكم لابد عند الجمهور من ثبوت المقتضى للحكم أي العلة الموجبة للحكم فلو لم يوجد المقتضى كان انتفاء الحكم حينئذ لانتفائه لا لما فرض من وجود المانع خلافا لابن الحاجب والإمام الرازي في قولهما لا يلزم من كون العلة وجود مانع من الحكم وانتفاء شرط لثبوته وجود المقتضى واستدل له ابن الحاجب بأنه إذا انتفى الحكم مع وجود المقتضى كان انتقاؤه مع عدمه أجدر انتهى.

فانتفاء وجوب الزكاة لأجل المانع الذي هو الدين يكون من باب أولى إذا انتفى النصاب لأن نفى الحكم حينئذ لأمرين وجود المانع وفقد العلة بناء على جواز دليلين على مدلول واحد قال القرافي فلا نقول في الفقير أنه لا تجب عليه الزكاة لأن عليه الدين وإنما نقول لأنه فقير ولا نقول في الأجنبي أنه لا يرث لأنه عبد بل لأنه أجنبي.

كذا إذا انتفاء شرط كانا

وفخرهم خلاف ذا أبانا

الألف للإطلاق واسم كان ضمير السبب وانتفاء شرط خبر كان يعني أن الجمهور قالوا أن انتفاء الشرط لثبوت الحكم إذا كان علة

ص: 153