الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمر فيكون الوصف عليته وأجيب بأنه إنما تتعين عليته أن لو لم يخرج عن عهدة الأمر إلا بالقياس المستند إليه وليس كذلك وبأن تأتي القياس به متوقف على كونه علة فإذا توقف كونه علة على تأتي القياس به لزم الدور وهو محال.
القوادح
أي هذا مبحث ما يقدح في الدليل من حيث العلية أو غيرها قال زكرياء الأوضح أن يقال علة كان الدليل أو غيرها يعني بدل قول المحلي من حيث العلة أو غيرها ووجه العلة الآيات البينات ما قاله المحلي بأن العلة ليست بمجردها دليلًا فإنها بنفسها بدون قياس لا تثبت الحكم ولذا لم تعد من الأدلة وإنما الدليل هو القياس المبني على العلة فالقدح في العلة قدح في الدليل من حيث العلة هـ. وقد ترجم القرافي المسئلة بقوله الفصل الرابع في الدال على عدم اعتبار العلة فالقدح من حيث العلة كما في تخلف الحكم عن وجود العلة والقدح من حيث غير العلة كما في بعض صور القول بالموجب قال في شرح التنقيح القول بالموجب يدخل في العلل والنصوص وجميع ما يستدل به وقال فيه أيضًا النقض قد يكون على العلة وعلى الحد وعلى الدليل فوجود العلة بدون الحكم نقض عليها ووجود الحد بدون المحدود نقض عليه ووجود الدليل بدون المدلول نقض عليه والألفاظ اللغوية كلها أدلة فمتى وجد لفظ بدون مسماه لغة فهو نقض عليه ويجمع الثلاثة وجود المستلزم بدون المستلزم هـ الأول بكسر الزاي بمعنى الملزوم والثاني بفتحه بمعنى اللازم وقد نظم شيخنا سيدي عمر الفاسي القوادح فقال:
القدح بالنقض وبالكسر معًا
…
تخلف العكس وبالقلب اسمعا
وعدم التأثير بالوصف وفي
…
أصل وفرع ثم حكم فاقتفي
والمنع والفرق وبالتقسيم
…
وباختلاف الضابط المعلوم
وقفو الانضباط والظهور
…
والخدش في تناسب المذكور
وكون ذاك الحكم لا يفضي إلى
…
مقصود ذي الشرع العزيز فاقبلا
والخدش في الوضع والاعتبارِ
…
والقول بالموجب ذو اعتبار
وابدأ بالاستفسار في الإجمال
…
أو الغرابة بلا إشكال
(منها وجود الوصف دون الحكم
…
سماه بالنقض وعاة العلم)
فالوعاة بالواو جمع واع يعني أن من القوادح في العلة تخلف الحكم عن الوصف بأن وجد في صورة مثلًا بدون الحكم وقولنا مثلًا تنبيه على أن تخلف الحكم في صورتين فأكثر من محل الخلاف في القدح به لكنه أولى في القدح عند القائل به ويصدق التخلف بوجود المانع وفقد الشرط وغيرهما وبكون العلة منصوصة قطعًا أو ظنًا أو مستنبطة وقد سماه حفاظ علم الأصول كالشافعي نقض العلة فهو قادح في العلة فلا يعلل بها واختاره السبكي وهو مذهب الشافعي وجل أصحابه وكثير من المتكلمين ومن قال لا يعرف للشافعي فيه نص فكأنه يريد نصًا صريحًا أو فيما اطلع عليه وإلا فمناظرات الشافعي لخصومه شاهدة بذلك وقد جعل أصحابه ذلك مرجحًا لمذهبه على غيره من المذاهب من حيث أن علل مذهبه سالمة من النقض فلابد فيها عنده من الاطراد وهو أن يكون كلما ثبت الوصف ثبت الحكم وحجة القائلين بالنقض أن العلة تستلزم الحكم فلابد أن يثبت معها في جميع الصور فإذا وجد الوصف وحده علمنا أنه ليس بعلة:
والأكثرون عندهم لا يقدحُ
…
بل هو تخصيص وذا مصححُ
بفتح الحاء يعني أن عدم اطراد العلة وهو تخلف الحكم عنها لا يقدح فيها عند أكثر أصحاب مالك وأكثر أصحاب أبي حنيفة وأكثر أصحاب أحمد وهذا القول صححه القرافي بقوله وهذا هو المذهب المشهور سواء كان التخلف لوجود مانع أو فقد شرط ولا فرق في ذلك بين العلة المنصوصة والمستنبطة واحتجوا بأنه تخصيص للعلة كتخصيص العام فإنه إذا خرجت عنه بعض الصور بقي حجة فيما عداها لأن تناول المناسبة لجميع الصور كتناول الدلالة اللغوية لجميع الصور مثال التخلف في المنصوصة تخلف القصاص في القتل العمد العدوان لمكافئ عن قتل الأب بولده فإن كون ما ذكر علة مستفاد من قوله تعالى ((ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا)) واستشكل القدح في المنصوصة بالتخلف إذ القدح فيما به رد للنص وجوابه منع كون القدح فيها بذلك ردًا للنص، فقد قال الغزالي في توجيه كون النقض قادحًا في العلة المنصوصة ما لفظه هو أنا نستبين بعد وروده أن ما ذكر لم يكن تمام العلة بل جزء منها كقولنا خارج فينقض الطهر أخذًا من قوله عليه الصلاة والسلام الوضوء مما خرج ثم أنه لم يتوضأ من الحجامة فيعلم أن العلة هي الخروج من المخرج المعتاد لا مطلق الخروج هـ قال في الآيات البينات ولا يخفى أن هذا التوجيه لا يمكن جريانه في المنصوصة وإن كان نصها قطعي المتن والدلالة فإن النص المذكور وإن أفاد القطع بأن العلة كذا لكنه لا يستلزم القطع بأن كذا بمجرده أو مطلقًا هو العلة لاحتمال أن يعتبر معه شيء كانتفاء مانع فإن فرض النص أفاد القطع بأن العلة مجرد كذا وأنه لا يعتبر معه شيء كان قال العلة كذا بمجرده ولا مانع له ولا شرط لم يتصور
تخلف ح حتى يتصور اختلاف في القدح به كما هو ظاهر ثم رأيت في شرح المنهاج للمصنف ما يفيد ذلك هـ:
وقد روي عن مالك تخصيص
…
إن يك الاستنباط لا التنصيص
يعني أن القرافي نقل عن الأمدي أنه حكى جواز تخصيص المستنبطة دون المنصوصة وإن لم يوجد في صورة النقض مانع ولا عدم شرط عن مالك وأحمد وأكثر الحنفية قوله أن يك الاستنباط خبر كان فيه محذوف أي إن يك الاستنباط هو المثبت للعلة لا أن كانت ثابتة بالنص فيقدح التخلف كتخلف القصاص المذكور لأن دليل العلة اقتران الحكم بها ولا وجود له في صورة التخلف فلا يدل على العلية فيها بخلاف المنصوصة فإن دليلها النص الشامل لصورة التخلف وانتفاء الحكم فيها يبطله فيجب التوقف عن العمل به والمجيزون مطلقًا يقولون بخصوصه وأجيب من جهة القائل بأن التخلف يقدح في المتنبطة أيضًا بأن اقتران الحكم بالوصف يدل على علته في جميع صوره كدليل المنصوصة.
(وعكس هذا قد رآه البعض)
دخول آل على بعض وكل أجازه بعض النحاة يعني أن بعض أهل لأصول وهو الأكثر كما في البرهان لإمام الحرمين رأى أن التخلف قادح في المستنبطة دون المنصوصة عكس القول المذكور في البيت قبله لأن الشارع له أن يطلق العام ويريد بعضه مؤخرًا بيانه إلى وقت الحاجة بخلاف غيره إذا علل بشيء ونقض عليه ليس له أن يقول أردت غير ذلك لسده باب إبطال العلة وإنما كان الشارع له ذلك لوجوب الانقياد لنصه مع أنه أعلم بالمصالح فلا عبرة بصورة
التخلف لأن النص مقدم عليها وإذا لم يوجد نص تعين أن الوصف ليس بعلة لأنه لو كان علة ثبت الحكم معه في جميع صوره.
(ومنتقى ذي الاختصار النقض).
(إن لم تكن منصوصة بظاهر) منتقى بفتح القاف مبتدأ خبره النقض يعني أن مختار صاحب المختصر وهو ابن الحاجب النقض بالتخلف في العلة الثابتة بالنص القطعي بخلاف الثابتة بظاهر عام لقبوله التخصيص وبخلاف المستنبطة إذا كان التخلف لفقد شرط أو وجود مانع وإليه الإشارة بقوله: وليس فيما استنبطت بضائر).
إن جاء لفقد الشرط أو لما منع) اسم ليس وفاعل جاء المقصور لوزن ضمير التخلف هكذا ذكر السبكي هذا القول غير معزو لأحد وجعله حلولو هو مختار وابن الحاجب وتبعه في النظم كما رأيت فالنقض على هذا القول إنما هو في المنصوصة غير الثابتة بظاهر عام لمحل التخلف وغيره وفي المستنبطة إن لم يكن التخلف لمانع أو فقد شرط وغير المنصوصة المذكورة، هو العلة الثابتة بدليل قطعي سواء عم المحال أو اختص بمحل النقض أو بغيره، ومثلها الثابتة بظاهر خاص بمحل النقض أو بغيره فيقدح النص في جميع ذلك وقال زكرياء وأنت خبير بأن هذا وهم لأن العلة إذا ثبتت بشيء من ذلك فلا نقض لاستحالة التخلف في القاطع العام وفي الخاص ولو ظاهرًا بمحل النقض وعدم التعارض في الخاص بغيره، فلا قدح في المنصوصة مطلقًا فعلم أن القدح على هذا إنما هو في المستنبطة إذا كان التخلف بلا مانع أو فقد شرط هـ ومثله للكمال بن الهمام والمحشي قائلًا أنه خلاصة ما في شرح المختصر لتاج الدين السبكي والعضد وأنه مختار
ابن الحاجب وقال في الآيات البينات أن التخلف مع ما ذكر ممكن لجواز أن تكون العلة التي دل عليها ذلك القطعي أو الخاص في ذلك الفرد المخصوص ناقصة يعتبر معها أمر آخر في ثبوت ذلك الحكم فيتصور تخلف الحكم فيه عند عدم وجود ذلك الأمر الآخر هـ وهذا هو تقدم قوله بظاهر أي بظاهر عام.
والوفق في مثل العرايا قد وقع) يعني أنهم اتفقوا على أن التخلف لا يقدح إذا كان واردًا على جميع المذاهب كمسئلة العرية وهي بيع الرطب أو العنب قبل الجذ بتمر أو زبيب فإن جوازه وارد على كل قول في علة حرمة الربى من الطعم والقوت مع الادخار والكيل والمالية فقد نقل الإجماع على أن حرمة الربى لا تعلل إلا بأحد هذه الأمور الأربعة فلا يقدح وعلله في المنهاج بقوله لأن الإجماع أدل من النقض هـ. أي لأن النقض وإن دل على أن الوصف المنقوض ليس بعلة لكن الإجماع منعقد على كونه علة ودلالة الإجماع أقوى.
جوابه منع وجود الوصف أو
…
منع انتفاء الحكم فيما قد رووا
يعني أن المروي عنهم في جواب التخلف على القول بأنه قادح مطلقًا أو مقيدًا أمور منها منع وجود الوصف أي العلة في صورة النقض كمنع وجود القتل العمد العدوان لمكافئ الذي هو سبب القصاص في الأب إذا رمى ولده بجريدة أو نحوها مما يحتمل أن يقصد به التأديب ومنها منع انتفاء الحكم كمنعنا نفي القصاص في الأب حالة ذبحه لولده أو شقه بطنه أو نحو ذلك مما لا يحتمل التأديب وشرط صحة الجواب بهذا أن لا يكون انتفاء الحكم في صورة النقض مذهب المستدل فإنه إذا كان كذلك لم يكن له منع انتفائه فيها
ومنها عند من يعتبر الموانع بالنفي في قدح التخلف حتى إذا وجدت كلها أو واحد منها لا يقدح بيانها أي بيان وجودها كلها أو واحد منها وعدم الشرط في معنى المانع (والكسر قادح).
هذا هو الثاني من القوادح يعني أن الكسر قادح في العلة أي مبطل لها وإذا بطلت العلة بطل الحكم المرتب عليها.
ومنه ذكرًا
…
تخلف الحكمة عنه من درى
من فاعل ذكر وتخلف مفعوله والضمير المجرور بعن للوصف أي العلة يعني أن بعض أهل المعرفة ذكر تخلف الحكمة عن العلة قسمًا من الكسر ومعنى تخلف الحكمة عنها أن توجد العلة دون حكمتها كمن مسكنه على البحر ونزل منه في سفينة قطعت به مسافة القصر في لحظة من غير مشقة فقد وجدت علة القصر وهي المسافة دون الحكمة وهي المشقة لكن القدح هنا في العلة إنما هو عند من يقول بانتفاء الحكم لانتفاء العلة أما من يقول بثبوت الحكم للمظنة فلا قدح فيها وقد تقدم بسط ذلك عند قولنا وفي ثبوت الحكم عند الانتفاء،
…
للظن الخ.
والقائل بأن تخلف الحكمة عن الوصف المعلل به قادح هو الفهري وغيره لاعتراضه المقصود الذي هو إثبات الحكم ورجح الأمدي وابن الحاجب عدم القدح به لأن النقض لم يرد على العلة التي هي السفر في المثال المذكور ولذا لم يذكره في التنقيح من القوادح.
ومنه إبطال لجزء والحيل
…
ضاقت عليه في المجيء بالبدل
يعني أن هذا قسم من الكسر وهو إبطال المعترض جزءًا من المعنى المعلل به ونقضه ما بقى من أجزاء ذلك المعنى المعلل به فعلم أنه إنما يكون في العلة المركبة والقدح به مقيد بأن يتعذر على المستدل الإتيان ببدل من المبطل فإن ذكر بدلًا يصلح أن يكون علة للحكم ألغى الكسر واستقام الدليل وإبطال الجزء بأن يبين المعترض أنه ملغى بوجود الحكم عند انتفائه والمراد بنقض الباقي عدم تأثيره في الحكم وله صورتان.
إحداهما أن يأتي المستدل ببدل الوصف المسقط عن الاعتبار كما يقال في وجود أداء صلاة الخوف هي: صلاة يجب قضاؤها لو لم تفعل فيجب أداؤها قياسًا على صلاة إلا من فإنها كما يجب قضاؤها لو لم تفعل يجب أداؤها فوجوب القضاء هو العلة ووجوب الأداء هو الحكم المعلول لتلك العلة فيعترض بأن خصوص الصلاة ملغى ويبين بأن الحج واجب الأداء كالقضاء فيبدل المستدل خصوص الصلاة بوصف عام هو العبادة بأن يقول عبادة يجب قضاؤها الخ.
ثم ينقض عليه المعترض أيضًا هذا البدل بصوم الحائض فإنه عبادة يجب قضاؤها ولا يجب أداؤها بل يحرم.
والصورة الثانية أن لا يبدل المستدل الوصف الذي أبطله المعترض فلا يبقى للمستدل علة في المثال المذكور إلا قوله يجب قضاؤها فيقال عليه وليس كلما يجب قضاؤه يجب أداؤه دليله الحائض فإنها يجب عليها قضاء الصوم دون أدائه.
وعدم العكس مع اتحاد
…
يقدح دون النص بالتماد
عدم مبتدأ خبره يقدح والعكس لغة رد أول الشيء إلى آخره
وآخره إلى أوله وفي اصطلاح المناطقة ما ذكره الأخضري في قوله، العكس قلب جزئي القضية، مع بقاء الصدق والكيفية وفي اصطلاح الأصوليين انتفاء الحكم لانتفاء العلة أعلم أن العلة إن كانت مطردة منعكسة فواضح والاطراد هو ثبوت الحكم لثبوت العلة والانعكاس انتفاؤه لانتفائها أبدًا فإن اعترض بأنها غير مطردة فهو للنقض وقد تقدم أو غير منعكسة فهو تخلف العكس بقدح عند القائل بوجوب اتحاد العلة ولا يقدح عند مجوز تعدد العلة لجواز وجود الحكم للعلة الأخرى لأن العلل الشرعية يخاف بعضها بعضًا كما لو قيل لإنزال سبب وجوب الغسل فينتقض بانقطاع دم الحيض فإن النسل واجب ولا إنزال ومحل القدح بعدم العكس ما لم يرد نص بالتمادي أي استمرار الحكم مع انتفاء العلة قاله الإبياري:
والوصف أن يعدم له تأثير
…
فذاك لانتقاضه يصير
هذا نوع من القوادح يسمى عدم التأثير والضمير في انتفاضه للوصف المعلل به يعني أن الوصف المعلل به إذا كان لا تأثير له في الحكم انتقض ذلك الوصف فلا يصح التعليل به وعدم تأثير الوصف أن لا يناسب الحكم فالتأثير هنا أعم من التأثير بالمعنى المتقدم وهو أن يعتبر بنص أو إجماع غير الوصف في غير الحكم وصورة الاعتراض بعدم المناسبة كان يقول المعترض هذا الوصف الذي علل به غير مناسب للحكم.
خص بذي العلة بائتلاف
…
وذات الاستنباط والخلاف
خص نائبه ضمير النقض بعدم التأثير يعني أن القدح بعدم التأثير خص اتفاقًا بقياس العلة أي قياس المعنى لاشتماله على
المناسب بخلاف غيره كقياس الشبه والطرد لعدم تعيين جهة المصلحة فيهما وبذات الاستنباط المختلف فيها من قياس المعنى فلا يتأتى في المبسوطة والمستنبطة المجمع عليها منه لعدم اشتراط ظهور المناسبة فيهما وقياس المعنى قال المحشي: هذا هو الذي تثبت نيه علية المشترك بين الأصل والفرع بالمناسبة فلا يكون قادحًا إلا فيه لاشتماله على المناسب بخلاف قياس الشبه والطرد فإنه لا يقدح في واحد منهما لانتفاء المناسبة انتهى.
يجيء في الطردي حيث عللا
…
به
ببناء علل المفعول يعني أن القدح بعدم التأثير ثلاثة أقسام
الأول أن يكون في الوصف الطردي إذا علل به المستدل والطردي هو ما لا مناسبة فيه ولا سبه كقول الحنفي في صلاة الصبح صلاة لا تقصر فلا يقدم إذ أنها كالمغرب فقدم القصر في عدم تقديم الآذان طردي أي لا مناسبة فيه ولا شبه إذ عدم التقديم موجود فيما يقصر وحاصل هذا القسم إنكار علية الوصف لكونه طرديًا (وقد يجيء فيما أصلًا):
وذا بابدًا علة للحكم
…
ممن يرى تعددًا ذا سقم
هذا هو القسم الثاني من أقسام عدم التأثير يعني أنه قد يجيء القدح يعدم تأثير العلة فيما أصلًا بضم الهمزة وتشديد الصاد المكسورة أي في الأصل وذلك يكون بإبداء علة لحكم الأصل غير ما علل به إذا كان ذلك الإبداء صادرًا من معترض يرى تعدد العلة سقيمًا أي ضعيفًا ممتنعًا مثل أن يقال في بيع الغائب مبيع غير مرئي فلا يصح كالطير في الهواء فيقول المعترض لا أثر لكونه غير مرئي في الأصل فإن
العجز عن التسليم فيه كاف في عدم الصحة وعدمها موجود في الرؤية فهو معارضة للأصل بإبداء غير ما علل به بناء على منع التعليل بعلتين فأكثر وأما قول المحلي بناء على جواز التعليل بعلتين فهو سهو انقلب عليه والصواب كما في الأحكام للأمدي والمنهاج للبيضاوي وعليه المحشيان وغيرهما إن عدم التأثير في الأصل قادح إن منعنا التعليل بعلتين وغير قادح إن جوزناه قوله ذا سقم بضم السين وسكون القاف
تنبيه: أعلم القدح في هذا القسم ليس لعدم مناسبة الوصف بل للاستغناء عنه بوصف آخر ويسمى عدم التأثير في الأصل فالمناسبة في هذا القسم موجودة إلا أنه استغنى عنه بوصف آخر وقد فسره الأمدي في منتهى السول وابن الحاجب والعضد وغيرهم بأنه إبداء وصف في علة الأصل مستغنى عنه في الأصل إما لكونه طرديًا محضًا ويسمى عدم التأثير في الوصف أو مؤثرًا استغنى عنه في حكم الأصل بغيره ويسمى عدم التأثير في الأصل الخ والوصف الطردي وجوده وعدمه سواء عندهم.
وقد يجي في الحكم وهو ضرب
…
فمنه ما ليس لفيد يجلب
هذا هو القسم الثالث من أقسام القدح بعدم التأثير وهو القدح بعدم تأثير الوصف المعلل به في الحكم ووجه تسميته بذلك أنه لا مدخل له في الحكم ولا تعلق له به وهذا القسم ثلاثة أقسام: قسم منها أن لا يكون الوصف المشتمل عليه العلة مجلوبًا أي مذكورًا لفيد بفتح الفاء أي فائدة كقول الحنفي في المرتدين مشركون أتلفوا ما لا في دار الحرب فلا ضمان عليهم قياسًا على الحربي ودار الحرب عندهم طردي أي لا أثر له في الأصل ولا في الفرع إذ من نفي الضمان منهم نفاه وإن لم يكن في دار الحرب فلا فائدة لذكره فيرجع الاعتراض في
ذلك إلى القسم الأول لأن المعترض يطالب المستدل بتأثير كون الإتلاف في دار الحرب والذي عليه المحققون فساد العلة بذلك وذهب بعضهم إلى صحة التمسك به. (وما لفيد عن ضرورة ذكر) بالبناء للمفعول يعني أن القسم الثاني من القسم الثالث هو أن يكون الوصف الذي اشتملت عليه العلة مذكورًا لفائدة ضرورة أي لابد منها كقول معنبر العدد في الاستجمار بالأحجار وأحوها عبادة متعلقة بالأحجار ونحوها لم تتقدمها معصية فاعتبر فيها العدد قياسًا على رمي الجمار فقوله لم يتقدمها معصية عديم التأثير في الأصل والفرع لكنه مضطر إلى ذكره لئلا ينتقض ما علل به لو لم يذكر فيه بالرجم للمحصن فإنه عبادة متعلقة بالأحجار ولم يعتبر فيها العدد (أولًا وفي العفو خلاف قد سطر) أي كتب في كتب الفن قوله أولًا قسيم قوله عن ضرورة أي أو يكون مذكورًا لفائدة ليست بضرورية وفي العفو فهاتين الفائدتين أي العفو أن لا يصح الاعتراض بمحل تلك الفائدة وعدمه أن يصح الاعتراض بمحلها وما ذكر لفائدة غير ضرورية.
هو القسم الثالث من القسم الثالث مثاله الجمعة صلاة مفروضة فلم تفتقر في إقامتها إلى إذن الإمام الأعظم من الظهر فإن مفروضة حشو إذ لو حذف مما علل به لم ينتقص الباقي منه بشيء لكن ذكر لتقريب الفرع من الأصل بتقوية الشبه بينهما إذ الفرض بالفرض أشبه به من غيره.
والقلب إثبات الذي الحكم نقض
…
بالوصف والقدح به لا يعترض
الحكم مفعول نقض مقدم ويعترض مبني للمفعول يعني أن القلب من القوادح ويعترض به على القياس وغيره من الأدلة قال في
التنقيح وهو إثبات نقيض الحكم بعين العلة أي إثبات المعترض نقيض الحكم بعين العلة التي علل بها المستدل وإياه تبعنا في النظم.
وهذا التعريف خاص بقلب القياس وعليه اقتصر البيضاوي وغيره وتعريف السبكي في جمع الجوامع تعريف للقلب بالمعنى الأعم قوله والقدح به الخ.
يعني أن القلب مبطل للعلة من جهة أنه معارضة لأن القالب إذا أثبت بها نقيض الحكم في صورة النزاع بطلت العلة وإلا لزم اجتماع النقيضين وهو محال.
فمنه ما صحح رأي المعترض
…
مع أن رأي الخصم فيه منتقض
رأى مفعول صحح والمعترض بكسر الراء ومنتقض بكسر القاف يعني أن القلب قسمان:
أحدهما ما صحح فيه المعترض مذهبه وذلك التصحيح فيه إبطال مذهب المستدل وهو المراد بالخصم في البيت والضمير المجرور بفي للقلب أي الكلام الذي فيه القلب سواء كان مذهب المستدل مصرحًا به في دليله أولًا مثال ما كان مصرحًا به فيه قول الشافعي في بيع الفضولي عقد في حق الغير بلا ولاية عليه فلا يصح قياسًا على شراء الفضولي فلا يصح لمن سماه فيقال من جانب المعترض كالمالك والحنفي عقد فيصح كشراء الفضولي فإنه يصح لمن سماه إذا رضي ذلك المسمى له وإلا لزم الفضولي وهل إقدام الفضولي على البيع حرام كما في التنبيهات لعياض على المدونة أو جائز كما في الطراز بل ظاهر الطراز أنه مطلوب لأنه جعله من التعاون على البر
قال الحطاب في شرح خليل والحق أنه يختلف بحسب المقاصد وما يعلم من حال المالك وما هو الأصلح له انتهى.
ومثال غير المصرح به فيقول قول المالكي والحنفي المشترطين للصوم في الاعتكاف لبث فلا يكون بنفسه قربة كوقوف عرفة يعنيان أنه قربة بضميمة الإحرام إليه فكذلك الاعتكاف إنما يكون قربة بضميمة عبادة إليه وهي الصوم إذ هو المتنازع فيه فمذهبهما وهو اشتراط الصوم في الاعتكاف غير مصرح به في دليلهما فيقال من جهة المعترض كالشافعي الاعتكاف لبث فلا يشترط فيه الصوم كوقوف عرفة
ومنه ما يبطل بالتزام
…
أو الطباق رأي ذي في الخصام
هذا هو الثاني من قسمي القلب وهو ما كان الإبطال مذهب الخصم مصرحًا به أي بدلالة المطابقة أو غير مصرح به لكنه إبطال له الإبطال مصرحًا به أي بدلالة المطابقة أو غير مصرح به لكنه إبطال له بدلالة الالتزام مثال الأول أن يقول الحنفي في مسح الرأس عضو وضوء فلا يكفي في مسحه أقل ما يطلق عليه اسم المسح قياسًا على الوجه فإنه لا يكفي في غسله ذلك فيقال من جانب المعترض كالشافعي فلا يتقدر بالربع قياسًا على الوجه فإنه لا يتقدر غسله بالربع فالشافعي يقول له كونه عضو وضوء يقتضي نقيض مذهبك من جواز الاقتصار في مسح الرأس على الربع ولبس في قلب الشافعي هذا الدليل إثبات مذهبه الذي هو الاكتفاء بأقل ما يمكن من المسح بل يجوز أن يكون الواجب ذلك أو الجميع كما هو مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى ومثال الثاني وهو ما أبطل فيه مذهب المستدل بالالتزام قول الحنفي في جواز بيع الغائب عقد معاوضة فيصح مع الجهل بالعوض كالنكاح يصح مع الجهل بالزوجة أي عدم رؤيتها
فيقال من جانب المعترض كالمالكي والشافعي فلا يثبت به خيار الرؤية كالنكاح فقد أبطلا مذهبه بالالتزام لأن ثبوت خيار الرؤية لازم شرعًا عنده للصحة وإذا انتفى اللازم وانتفى الملزوم فأشهر قولي الشافعي عدم جواز بيع الغائب وصف أم لا ويجوز عند مالك على الصفة إذا أمن تغيره قبل قبضه وجوزه أبو حنيفة دون الوصف فإذا رآه كان له الخيار في الإمضاء والرد قاله حفيد ابن رشد في بداية المجتهد. قوله رأي ذي الخصام رأي مفعول ببطل والخصام بكسر الخاء مصدر خاصم.
(ومنه ما إلى المساواة نسب) بالبناء للمفعول والضمير في منه عائد إلى القلب مطلقًا من باب إطلاق العام وإرادة الخاص أعنى أنه من نوعي القسم الثاني وهو القلب لإبطال مذهب المستدل بالالتزام كما في شرح المنهاج للسبكي وفي غيره ووجه تسميته بقلب المساواة واضح من قول المعترض أنه يجب المساواة بين الحكمين في الفرع كما أنهما متساويان في الأصل. وأشار إلى تعريفه بقوله:
ثبوت حكمين للأصل ينسلب
حكم على الفرع بالائتلاف
…
وواحد من ذين ذو اختلاف
فيلحق الفرع بالأصل فيرد
…
كون التساوي واجبًا من منتقد
أي هو ثبوت وحكم فاعل ينسلب وواحد من ذين ذو اختلاف مبتدأ وخبره ويرد بفتح المثاة التحتية وكسر الراء فاعله كون ومن منتقد متعلق بيرد والمراد بالمنتقد المعترض ويلحق بضم التحتية وكسر الحاء فاعله ضمير المستدل المدلول عليه بالسياق والفرع مفعول يلحق يعني أن قلب المساواة هو ثبوت حكمين للأصل المقيس عليه وأحد
الحكمين مناسب عن الفرع المقيس اتفاقًا والحكم الآخر وقع الخلاف في ثبوته لذلك الفرع فيلحق المستدل الفرع المختلف فيه بالأصل المقيس عليه فيرد من جهة المنتقد أي المعترض اعتراض هو كون التساوي بين الحكمين في الفرع واجبًا كاستوائهما في الأصل مثاله قول الحنفي في الوضوء والغسل طهارة بالمائع فلا تجب فيها النية قياسًا على غسل النجاسة لا تجب فيه النية بخلاف غير المائع كالتيمم تجب فيه النية فيقول المالكي والشافعي معترضين فيستوي جامد هذه الطهارة ومائعها كالنجاسة فإنها يستوي جامدها ومائعها في الحكم المذكور وهو عدم وجوب النية وقد وجبت النية في التيمم فتجب في الوضوء والغسل قال زكرياء: فأحد حكمي الأصل عدم وجوب النية في الطهارة في الجامد وهو منتف عن الفرع اتفاقًا والآخر عدم وجوب النية في الطهارة بالمائع وهو المختلف فيه فيثبته المستدل في الفرع فيقول المعترض فتجب التسوية بين الحكمين في الفرع كما وجبت بينهما في الأصل.
قبوله فيه خلافًا يحكي
…
بعض شروح الجمع لابن السبكي
قبوله بالفتح والضم مبتدأ خبره جملة يحكي وبعض فاعل وخلافًا مفعول يحكي يعني أن بعض شروح جمع الجوامع حكوا الخلاف في قبول قلب المساواة ورده وقد ذكر في جمع الجوامع أن القائل برده هو القاضي أبو بكر الباقلاني من المالكية وحجة القائل برده أن وجه استدلال القلب فيه غير وجه استدلال المستدل، وبينه في الآيات البينات بن لمرد بوجه استدلال المستدل كون الجامع الطهارة بالماء وبوجه استدلال المعترض كونه مطلق الطهارة انتهى وقال الباجي لا يصح قلب القلب لأن القلب نقض
للعلة والنقض لا ينقض وقال بعض المالكية والشافعية يصح لأن القلب معارضة في الحكم والمعارضة تعارض فيصار إلى الترجيح فعلى أن القلب معارضة لا يقدح بمجرده بل حتى يعجز المستدل عن الترجيح وعلى أنه نقض يقدح بمجرده وهو الذي مشينا عليه في قولنا والقدح به لا يعترض وذكر بعضهم أن أقوى أنواع القلب ما بين فيه أنه على المستدل ثم يليه ما بين فيه أنه له وعليه وأقوى مراتب هذا النوع ما صرح فيه بإثبات مذهب المعترض ثم ما صرح به فيه بإبطال مذهب المستدل ثم ما بين فيه ذلك بطريق الالتزام والسبكي بضم السين وسكون الموحدة نسبة إلى سبك موضع بمصر.
(والقول بالموجب قدحه جلًا)
يعني أن من القوادح القول بالموجب بفتح الجيم أي ما أوجبه دليل المستدل والقول بالموجب يدخل في العلل والنصوص وجميع ما يستدل به. وهو تسليم الدليل مسجلًا.
من مانع أن الدليل استلزما
…
لما من الصور فيه اختصما)
يعني أن القول بالموجب هو تسليم دليل المستدل أي ما يقتضيه دليله حال كون الدليل مسجلًا أي مطلقًا نصًا كان أو علة أو غيرهما من الأدلة حال كون ذلك التسليم كائنًا من معترض مانع استلزم ذلك الدليل لما اختصم أي تنازع هو والمستدل فيه من الصور قال القرافي في التنقيح.
الرابع القول بالموجب وهو تسليم ما أدعاه المستدل موجب علته مع بقاء الخلاف في صورة النزاع انتهى.
لكن الأولى أن يقال موجب دليله لاعترافه في الشرح بدخوله في العلل وغيرها لكن حمله على ذلك إتباع عبارة المحصول ولذلك قال السبكي وهو تسليم الدليل مع بقاء النزاع المحلي بأن يظهر عدم استلزام الدليل لمحل النزاع.
يجيء في النفي) يعني أن القول بالموجب يقع على أربعة أوجه منها النفي وهو أن يستنتج المستدل من الدليل إبطال أمر يتوهم منه أنه مبنى مذهب الخصم في المسئلة والخصم يمنع كونه مبنى مذهبه فلا يلزم من إبطاله إبطال مذهبه وأكثر القول بالموجب من هذا النوع لخفاء مأخذ الأحكام وهو قليل في نوع الثبوت لشهرة محل الخلاف كقول المالكي وغيره في وجوب القصاص بالمثقل التفاوت في الوسيلة من آلات القتل وغيره لا يمنع القصاص كالمتوسل إليه من قتل أو قطع وغيرهما لا يمنع القصاص تفاوت الآلات ككونه بسيف أو غيرهما وتفاوت القتل ككونه يحز عنق أو قطع عضو وتفاوت القطع ككونه يحز المفصل من جهة واحدة أو من جهتين أو بغير ذلك وفي ذلك رد على قول أبي زرعة أن المتوسل إليه النفس وأن تفاوتها باعتبار الصفات كالصغر والكبر والشرف والخسة فإنه يرد عليه أن التفاوت بالرق والحرية والإسلام والكفر تفاوت بالصفة وهو مؤثر في عدم وجوب القصاص فيقال من جانب المعترض كالحنفي سلمنا أن التفاوت في الوسيلة لا يمنع القصاص ولكن لا يلزم من إبطال مانع انتفاء جميع الموانع ووجود جميع الشرائط بعد قيام المقتضي وثبوت القصاص متوقف على جميع ذلك فقوله لا يمنع القصاص نفي ولأجل ما وقع فيه من الخلل ورد القول بالموجب فالحنفي يقول للمستدل ما توهمت أنه مبنى مذهبي في عدم القصاص بالمثقل ليس مبناه فلا يلزم من إبطاله إبطال مذهبي بل مبنى مذهبي أنه لا يلزم من ابطال
مانع انتفاء جميع الموانع ووجود جميع الشرائط والمقتضى (وفي الثبوت).
هذا هو القسم الثاني من أقسام القول بالموجب يعني أنه قد يرد في جهة الثبوت وهو أن يستنتج المستدل من الدليل ما يتوهم منه أنه محل للنزاع أو ملازمه ولا يكون كذلك قاله المحشي كان يقال في وجوب القصاص بالقتل بالمثقل من جانب المستدل كالمالكي والشافعي قتل بما يقتل غالبًا لا ينافي القصاص فيجب فيه القصاص قياسًا على الإحراق بالنار لا ينافي القصاص فيقال من جانب المعترض كالحنفي سلمنا عدم المنافات بين القتل بمثقل وبين القصاص ولكن لم قلت أن القتل بمثقل يستلزم القصاص وذلك هو محل النزاع ولم يستلزمه دليلك وهو العلة أعني قوله قتل بما يقتل غالبًا لا ينافي القصاص فقوله سلمنا عدم الخ.
قول بالموجب ورد على ثبوت القصاص فالمقصود من هذا النوع استنتاج ما يتوهم أنه محل الخلاف أو لازمه والمقصود من النوع الأول استنتاج إبطال ما يتوهم أنه مأخذ مذهب الخصم (ولشمول اللفظ).
هذا هو القسم الثالث من أقسام القول بالموجب يعني أنه قد يرد لشمول لفظ المستدل لصورة من صور الوفاق فيحمله المعترض على تلك الصورة ويبقى النزاع فيما عداها كقول الحنفي في وجوب الزكاة في الخيل حيوان يسابق عليه فتجب فيه الزكاة كالإبل فيقول المعترض كالمالكي لقول به إذا كانت الخيل للتجارة إنما النزاع في إيجاب الزكاة في رقابها من حيث هي خيل قال الفهري إن هذا هو
أضعف أنواع القول بالموجب فإن حاصله مناقشة في اللفظ فتندفع بمجرد العناية انتهى بأن يقول الحنفي عنيت الخيل من حيث هي والسكوت)
عما من المقدمات قد خلا
…
من شهرة لخوفه أن تحظلا
بالبناء للمفعول هذا هو القسم الرابع من أنواع القول بالموجب يعني أن القول بالموجب يجئ لأجل شمول اللفظ ولأجل سكوت المستدل عن مقدمة غير مشهورة مخافة منع الخصم لها لو صرح بها فيرد بسكونه عنها القول بالموجب كما يقول مشترط النية في الوضوء والغسل كالمالكي والشافعي ما هو قربة يشترط فيه النية كالصلاة ويسكت عن الصغرى وهي الوضوء والغسل قربة فيقول المعترض كالحنفي مسلم إنما هو قربة يشترط فيه النية ولا يلزم اشتراطها في الوضوء والغسل لأن المقدمة الواحدة لا تنتج فإن صرح المستدل بأنهما قربة بأن قال هما قربة وكل قربة تشترط فيها النية ورد عليه منع ذلك وخرج عن القول بالموجب لأنه إنما كان بتقدير السكوت عن الصغرى وقد زال بذكرها واحترز بقوله غير مشهورة عن المشهورة فهي كالمذكورة فلا يتأتى فيها القول بالموجب والمشهورة ما كانت ضرورية أو متفقًا عليها بين الخصمين وتبعت في التعبير بغير مشهورة ما في أكثر نسخ المختصر وعلى ذلك شرحه السبكي وتبعه في جمع الجوامع ووقع في بعض نسخ المختصر عن صغرى مشهورة وعلى هذا شرحه العضد وقال سعد الدين التفتازاني أن الأولى أقرب للقطع بأن كون الوضوء قربة ليست مشهورة ولأن الصغرى إذا كانت مشهورة كانت بمنزلة الذكورة فلا يرد القول بالموجب وعارضه الأبهري بأن ما جرى عليه العضد أولى لتنبيهه على الداعي إلى
الحذف وهو الشهرة ورد دعواه القطع بأن كون الوضوء قربة ليست مشهورة قال المحشي ورد الأبهري متجه لأن المراد الشهرة بحسب عرف الشرع والمتناظران من أهله ولا يخفي ما ورد في السنة الشريفة من كون الوضوء مكفرًا للخطايا ومن فضل إسباغه على المكاره فكونه قربة من المشهورات شرعًا بلا توقف هـ.
تنبيه: اعلم أن الوضوء والغسل وسيلة إلى صحة الصلاة مثلًا فمن أعطى الوسيلة حكم ما يقصد بها جعلهما قربة فأوجب النية فيهما وهذا هو التحقيق ومن لم يعطها حكم مقصدها لم يجعلهما قربة فلم يوجب النية فيهما قال النقشواني القول بالموجب والقلب معارضة في الحكم لا قدح في العلة وجعلها الإمام الرازي من القوادح في العلة الخ.
(والفرق بين الفرع والأصل قدح) فعل ماض خبر الفرق يعني أن من القوادح فرق المعترض بين الفرع والأصل على الصحيح بناء على منع تعدد العلة وإنما قدح لأنه يؤثر في جمع المستدل بين الفرع والأصل في العلة الذي هو مقصود المستدل في القياس ومما يجاب به منع كون المبدي في الأصل علة أو جزءًا من العلة ومنع كونه في الفرع مانعًا من الحكم وقيل لا يقدح فيه مطلقًا لأنه لا يؤثر فيه وقيل لا يقدح على القول بأن الفرق راجع إلى المعارضة في الأصل والفرع لأن جمع الأسئلة المختلفة غير مقبول.
إبداء مختص بالأصل قد صلح
(أو مانع في الفرع، يقرأ صلح هنا بفتح اللام وإن جاز فيه الضم لأجل فتح دال قدح ومانع بالجر معطوف على مختص أي هو
أي الفرق إبداء وصف مختص بالأصل غير الوصف الذي أبداه المستدل وذلك الوصف غير موجود في الفرع ولابد أن يكون ذلك الوصف المبدي صالحًا للتعليل به سواء كان مستقلًا بالتعليل كمعارضة من علل ربي أفضل بالطعم فيقيس التفاح على البر بالقوت مع الادخار أو بالكيل أو غير مستقل بالتعليل بأن يجعل جزءًا من على حكم الأصل كمعارضة من علل وجوب القصاص في القتل بالمثقل بالقتل العمد العدوان من مكافئ بالجارح أو إبداء وصف مانع من الحكم في الفرع فالمانع في الفرع وصف يقتضي نقيض الحكم الذي أثبته المستدل وذلك المانع منتف عن أصل المستدل كقياس الهبة على البيع في منع الغر فيفرق المالكي بأن البيع عقد معاوضة والمعاوضة مكايسة يخل بها الغرر والهبة محض إحسان مانع من إلحاقها بالبيع في حكمه وكان يقول الحنفي يقتل المسلم بالذمي كغير المسلم بجامع القتل العمد العدوان فيعترض المالكي والشافعي بأن الإسلام بالفرع مانع من القود.
فالفرق باعتبار القسم الأول أن يدعي المستدل أن الوصف المشترك هو العلة ويدعي المعترض أن العلة وصف آخر وذلك الوصف مع خصوصية لا توجد في الفرع.
وباعتبار القسم الثاني أن يظهر المعترض مانعًا في الفرع لا يوجد في الأصل مقتضيًا نقيض الحكم الذي أثبته له المستدل:
والجمع يرى
…
إلا فلا فرق أناس كبرا
يعني أن بعض أهل الأصول ذهب إلى أن الفرق هو مجموع الأمرين من إبداء خصوصية في الأصل لا توجد في الفرع وإبداء مانع
في الفرع لا يوجد في الأصل لأنه أدل على الفرق ويكفى في تحقق المعارضتين كما في الآيات البينات كل واحد من إبداء الخصوصية في الأصل مع التعرض لانتفائها في الفرع ومن إبداء المانع في الفرع مع التعرض لانتفائه في الأصل كما يكفي في تحققهما إبداء الخصوصية في الأصل وإبداء المانع في الفرع وإن لم يتعرض لانتفاء كل عن الآخر والجمع مفعول يرى وفاعله أناس وكبرا جمع كبير نعت له وقوله إلا فلا فرق جملة اعتراضية أي أن لم يكن مجموع الأمرين فإن وجدت إحدى المعارضتين فقط فليس بفرق فلا يقدح.
تعدد الأصل لفرع معتمد
…
إذ يوجب القوة تكثير السند
معتمد بفتح الميم خبر تعدد وتكثير فاعل يوجب والقوة مفعوله والسند بالتحريك يعني أن تعدد الأصل لفرع واحد هو المعتمد عليه عند ابن الحاجب لتصحيحه إياه لأن كثرة السند أي الدليل توجب قوة الظن وهذا خلاف ما صححه السبكي من منع ذلك التعدد لانتشار البحث في ذلك والمراد بتعدد الأصل تعدد أمور يصلح كل منها بانفراده للقياس عليه أعم من أن يقاس على كل منها بانفراده أو يقاس على مجموعها ورد على المانع بأنه قد لا يحصل انتشاره والظاهر أن مراده أي المانع عدم دعوى لزوم الانتشار ألا يسع أحدًا دعوى لزومه بل مراده أنه قد يحصل الانتشار فلا يدفع ما ذكر للاستدلال بالانتشار فالظاهر الاقتصار على الاستدلال بتكثير الأدلة لقوة الظن.
فالفرق بينه وأصل قد كفى) يعني أنه على جواز التعدد فعلى تقدير وجوده إذا فرق المعترض بين الفرع وبين أصل واحد من تلك الأصول كفى في القدح فيها لأنه يبطل الجمع بين تلك الأصول وذلك الفرع في تلك العلة وذلك الجمع هو قصد المستدل سواء كان الإلحاق
بكل منها أو بمجموعها بقرينة المقابل الفصل وهذا ظاهر إذا كان الإلحاق بمجموعها أما إذا كان بكل منها فمحل خفاء قال شهاب الدين عميرة قضيته أنه بعد ذلك لا يصلح التمسك بشيء منها في ذلك الحكم وكأنه بالنظر لمناظره انتهى.
بل بمجرد ذلك الفرق يبطل التمسك بشيء من تلك الأصول وينقطع المستدل ما لم يجب ووجهه في الآيات البينات بأن مستنده تلك الأصول لا بعضها وقد سقط ذلك المستند بالفرق المتعلق ببعضها انتهى.
(وقال لا يكفيه بعض العرفا) جمع عريف والعريف رئيس القوم والمراد بالعرفاء هنا العلماء يعني أن بعض أهل الأصول قال إذا فرق المعترض بين الفرع وأصل واحد من تلك الأصول لا يكفي ذلك في القدح فيها لاستقلال كل منها بنفسه وإن قصد الإلحاق بمجموعها:
وقيل أن الحق بالمجموع
…
فواحد يكفيه لا الجميع
ببناء الحق للفاعل وفاعله ضمير المستدل هذا قول مفصل وهو أن المستدل إن قصد إلحاق الفرع بمجموع الأصول كفى فرق واحد في القدح فيها لصيرورتها بقصده كالأصل الواحد وإن قصد الإلحاق بكل منها على انفراده لم يكفه فرق واحد في القدح فيها بل حتى يفرق بين الفرع وبين كل واحد منها فالتمسك ببعضها كاف في إثبات حكمه عند هذا القائل وإنما كان القياس على المجموع من تعدد لأصول لأن المراد من تعددها إلحاق بمجموع أمور يصلح كل منها بانفراده للقياس عليه كما تقدم فالإلحاق بالمجموع لا يكون من تعدد الأصول عرفًا إلا إذا لوحظ الجميع في القياس وإلا لزم تعدد الأصول في كل قياس كان للمقيس فيه أصول في الواقع لم يلاحظ منها إلا واحدًا فقط وهو
باطل قطعًا قاله في الآيات البينات والأصل إلحاقه بكل منها فيحمل عليه عند الجهل:
وهل إذا اشتغل بالتبيان
…
يكفي جواب واحد قولان
فاعل اشتغل ضمير المستدل وجواب مضاف لواحد وهو فاعل يكفي وقولان مبتدأ خبره فيه محذوف يعني أن المستدل إذا تصدى أي تعرض للتبيان أي الجواب عما اعترض به المعترض من الفرق هل يكفيه جواب أصل واحد منها حيث فرعنا على أنه لابد من فرق المعترض بين الفرع وجميع الأصول أو لابد من الجواب عن الجميع في ذلك قولان: قيل يكفي لحصول المقصود بالدفع عن واحد منها وقيل لا يكفي لأنه التزم في الجميع فلزمه الدفع عنه.
(من القوادح فساد الوضع) يعني أن من قوادح القياس فساد الوضع أي الحالة التي وضع عليها الدليل ولا يختص الاعتراض بفساد الوضع وفساد الاعتبار بالقياس بل يردان عليه وعلى غيره من الأدلة ولذلك قلت:
(إن يجيء الدليل حائدًا عن السنن) بالتحريك الصالح لاعتباره في ترتيب الحكم عليه بأن يكون صالحًا لضد ذلك الحكم أو نقيضه:
كالأخذ للتوسيع والتسهيل
…
والنفي والإثبات من عديل
قوله من عديل معناه من مقابل لكل من الأقسام الأربعة يعني أن فساد الوضع هو أن لا يكون الدليل قياسًا كان أو غيره على الهيأة الصالحة لاعتباره في ترتيب الحكم عليه كان يكون صالحًا لضد ذلك
الحكم أو نقيضه كأخذ التوسع من التضييق وأخذ التسهيل أي التخفيف من التغليظ وأخذ النفي من الإثبات وأخذ الإثبات من النفي.
مثال اخذ التوسيع من مقابلة الذي هو التضييق قول الحنفية الزكاة واجبة على وجه الإرفاق لدفع حاجة المسكين فكانت على التراخي كالدية على العاقلة فالتراخي الموسع ينافي دفع الحاجة المضيق والمراد بالرفق الرفق بالمالك والمساهلة عليه أي عدم التشديد عليه ومن فوائد كونها على وجه الارتفاق به تجويز إخراجها من غير المال الذي وجبت فيه وامتناع أخذ الكريمة من غير طيب نفس.
ومثال الثاني وهو أخذ التخفيف من مقابله الذي هو التغليظ قول الحنفية القتل عمدًا جناية عظيمة فلا تجب له كفارة كالردة فعظم الجناية يناسب تغليظ الحكم لا تخفيفه بعدم وجوب الكفارة به.
ومثال الثالث وهو أخذ النفي من الإثبات قول الشافعي في معاطات المحقرات لم يوجد فيها سوى الرضى فلا ينعقد بها البيع كغير المحقرات فالرضى الذي هو مناط البيع يناسب الانعقاد لا عدمه.
ومثال الرابع الذي هو أخذ الإثبات من النفي قول من يرى صحة انعقاد البيع في المحقرات وغيرها بالمعاطات كالمالكية بيع لم يوجد فيه صيغة فينعقد فإن انتفاء الصيغة يناسب عدم الانعقاد لا الانعقاد.
منه اعتبار الوصف بالإجماع
…
والذكر أو حديثه المطاع
في ناقض الحكم بذا القياس: يعني أن من فساد الوضع كون الوصف الجامع ثبت اعتباره بالإجماع أو النص من كتاب أو سنة في
نقيض الحكم أو ضده في قياس المستدل أو غيره من الأدلة فالباء في قوله بذا ظرفية والمراد بالذكر القرآن العظيم والضمير في حديثه للنبي صلى الله عليه وسلم مثال الجامع ذي النص قول الحنفية للنبي صلى الله عليه وسلم مثال الهر سبع ذو ناب فيكون سؤره نجسًا كالكلب فيقال السبعية اعتبرها الشارع علة للطهارة حيث دعي إلى دار فيها كلب فامتنع وإلى أخرى فيها سنور أي هر فأجاب فسئل عن ذلك فقال السنور سبع هـ كلام المحلي قال في الآيات البينات ثم ينبغي التأمل في معنى السبع ما هو حتى كان السنور منه دون الكلب كما اقتضاه هذا الفرق وقد فسر في قوس السبع بالمفترس من الحيوان هـ.
وفي حياة الحيوان الكبرى للدميري أن الكلب لا سبع ولا بهيمة ولكن في الحديث إطلاق البهيمة عليه هو قال بعضهم علة امتناعه كون الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب لا نجاسة سؤره قلت وهو أظهر لكن لا يقدح في المثال لأنه مما يكفيه الاحتمال.
ومثال الجامع ذي الإجماع قول الشافعي في مسح الرأس في الوضوء مسح فيستحب تكراره كالاستنجاء بالحجر حيث يستحب الإيثار فيه كما إذا حصل الانفاء بحجرين مثلًا فلا يعترض بأن تثليث الاستنجاء واجب فيقال المسح على الخف لا يستحب تكراره إجماعًا فيما قيل فيبين هذا المعترض أن جعل المسح جامعًا فاسد الوضع إذ ثبت اعتباره إجماعًا في نفي الاستحباب وهو نقيض الاستحباب والوصف الواحد لا يثبت به النقيضان لأن ثبوت كل واحد منهما يستلزم انتفاء الآخر.
قوله المطاع صفة لمجرد المدح أي الواجب طاعته والاقتداء به (جوابه بصحة الأساس) يعني أن جواب فساد الوضع بأقسامه
الخمسة يكون ببيان صحة الأساس بفتح الهمزة أي الدليل والمراد بصحته كونه صالحًا لترتيب الحكم عليه كأن يكون له جهتان ينظر المستدل فيه في إحداهما والمعترض من الأخرى كما في مسئلة الزكاة فإن المستدل نظر إلى المرفق بالمالك المناسب للتراخي والمعترض نظر إلى دفع حاجة المسكين المناسب للفورية ولذلك يجري قولان في كل ما تجاز به أصلان قال ميارة في تكميله.
وإن يكن في الفرع تقريران
…
بالمنع والجواز فالقولان
ويجاب عن عدم وجوب الكفارة في قتل العمد بأنه غلط فيه بالقصاص فلا يغلظ فيه بالكفارة وعن المعاطات بأن عدم الانعقاد بها مرتب على عدم الصيغة لا على الرضى ويقدر كون الجامع معتبرًا في ذلك الحكم ويكون تخلفه عنه بأن وجد مع نقيضه لمانع كما في مسح الخف فإن تكراره يفسده كغسله وهذا الجواب الأخير فيه دفع فساد الوضع لكنه يلزمه النقص وهو وجود الوصف دون الحكم ولا يضر هذا اللزوم بناء على أنه لا قدح في العلة مطلقًا أو على القول بأنه لا يقدح إذا كان التخلف بفقد شرط أو وجود مانع وإن شئت رددت أقسام فساد الوضع الخمسة إلى قسمين:
هما تلقي الشيء من ضده أو نقيضه وكون الجامع ثبت اعتباره بنص أو إجماع في نقيض الحكم أو ضده.
(والخلف للنص أو إجماع دعي
…
فساد الاعتبار كل من وعى)
أي علم الأصول وكل فاعل دعي وفساد مفعوله الثاني والأول محذوف أي دعاه أي سماه يعني أن هذا النوع من القوادح يسمى فساد الاعتبار وهو أن يخالف الدليل نصًا من كتاب أو سنة أو إجماع
كان يقال في وجوب تبييت النية في الأداء صوم مفروض فلا يصح بنية من النهار كالقضاء فيعترض بأنه مخالف لقوله تعالى والصائمين والصائمات فإنه رتب فيه الأجر العظيم على الصوم كغيره من غير تعرض للتبييت فيه وذلك مستلزم لصحته دونه.
قال في الآيات البينات يرد عليه أنه لو صح استلزام عدم التعرض للشيء الصحة بدونه استلزم عدم التعرض للنية أيضًا الصحة بدونها فإن قالوا عدم التعرض يستلزم بشرط عدم ثبوت ما يخالف وقد ثبت المخالف في النية قلنا لو سلم ذلك فقد ثبت المخالف أيضًا في التبييت وهو خبر من لم يبيت الصوم قبل الفجر فلا صيام له هـ.
ومذهبنا وجوب التبييت في الفرض والنفل وكان يقال من جهة المخالف أيضًا في التبييت وهو خبر من لم يبيت الصوم قبل الفجر فيعترض المالكي بأنه مخالف لحديث مسلم أنه صلى الله عليه وسلم استسلف بكرًا ورد رباعيًا وقال أن خيار الناس أحسنهم قضاء وكان يقول الحنفي لا يجوز للرجل أن يغسل زوجته لحرمة نظره إليها كالأجنبية فيعترض بأنه مخالف للإجماع السكوتي في تغسيل علي فاطمة رضي الله تعالى عنهما فإن هذا الإجماع ينفي حرمة النظر إليها وذلك هو نفي وجود العلة في الفرع وجواز النظر إليها هو مذهب الشافعي إن لم تكن شهوة ومذهبنا استحباب ستر ما بين السرة والركبتين وكان محصول هذا القدح في القياس أن الكلام فيما إذا تحقق القياس بأن وجد ما يعتبر فيه لكنه خالف نصًا أو إجماعًا وهذا المثال ليس كذلك لأن العلة التي هي حرمة النظر دل الإجماع على انتفائها في الفرع فلم يتحقق القياس ويجاب بأنا لا
نسلم أن الكلام فيما إذا تحقق القياس لكنه خالف نصًا أو إجماعًا إذ لم يعتبروا في فساد الاعتبار سوى المخالفة المذكورة أعم من أن يصح القياس أولًا وحينئذ فليس الكلام إلا في القدح بمجرد مخالفة النص أو الإجماع أعم من أن يتحقق مع ذلك قادح آخر كانتفاء وجود العلة في الفرع فيتحقق القدح من جهتين أولًا يتحقق معه قادح آخر.
(وذاك من هذا أخص مطلقًا)
إشارة البعيد لفساد الوضع وإشارة القريب لفساد الاعتبار يعني أن فساد الاعتبار أعم من فساد الوضع مطلقًا وفساد الوضع أخص منه مطلقًا على ما صرح به أبو الحسن الأمدي في أحكامه وهو ظاهر السبكي في جمع الجوامع.
قال الأمذي وعلى هذا فكل فاسد الوضع فاسد الاعتبار وليس كل فاسد الاعتبار فاسد الوضع لأن القياس قد يكون صحيح الوضع وإن كان فاسد الاعتبار بالنظر إلى أمر خارج كما سبق تقريره.
ولهذا وجب تقديم سؤال فاسد الاعتبار على سؤال فاسد الوضع لأن النظر في الأعم يجب أن يقدم على النظر في الأخص لكون الأخص مشتملًا على ما اشتمل عليه الأعم وزيادة هـ.
قوله لأن القياس قد يكون صحيح الوضع معناه أن يكون الدليل على الهيئة الصالحة لترتيب الحكم كتلقي التغليظ من التغليظ والتخفيف من التخفيف.
(وكونه ذا الوجه مما ينتقا) بالبناء للمفعول أي يختار والضمير في كونه للعموم يعني أن كون النسبة بين فساد الوضع وفساد
الاعتبار العموم من وجه اختاره المحشيان أعلم أن فساد الوضع هو أن لا يكون الدليل على الهيئة الصالحة لاعتباره في ترتيب الحكم عليه وهو قسمان:
تلقي الشيء من نقيضه أو ضده وكون الجامع ثبت اعتباره بنص أو إجماع في نقيض الحكم أو ضده وفساد الاعتبار أن يخالف الدليل نصًا أو إجماعًا إذا تقرر ذلك فالتحقيق ما قاله المحشيان من أن بينهما العموم من وجه لصدق فساد الاعتبار فقط حيث يكون الدليل على الهيئة الصالحة لترتيب الحكم عليه وصدق فساد الوضع فقط حيث لا يكون الدليل على الهيئة الصالحة لترتيب الحكم عليه ولا يعارضه نص ولا إجماع وصدقهما معًا حيث لا يكون الدليل على الهيئة المذكورة مع معارضة نص أو إجماع له.
قال زكرياء بعد توجيه كون العموم بينهما من وجه كما رأيت ما لفظه فما قيل من أن فساد الوضع أعم ومن أنهما متباينان ومن أنهما متحدان فسهو هـ:
وجمعه بالمنع لا يضير
…
كان له التقديم والتأخير
يعني أن للمعترض بفساد الاعتبار أن يجمعه مع المنع لمقدمة من الدليل أو مقدمتين أو أكثر سواء قدم فساد الاعتبار عن المنع أو أخر عنه لأن الجمع بينهما لفساد الدليل بالنقل ثم بالعقل أو العكس أما النقل فنقل النص أو الإجماع على خلافه وأما العقل فمنع المقدمات فلا يقال لا فائدة لمنع مقدمات الدليل بعد إفساد الدليل جملة بفساد الاعتبار.
نعم إذا أخر فساد الاعتبار الذي هو أقوى كان فيه الترقي من الأدنى إلى الأعلى وهو من محسنات الكلام فينبغي تأخيره لذلك
ولأنه محتاج إليه للاحتياج للأقوى بعد الأضعف لعدم كفاية الأضعف أو لعدم تمام كفايته ومع التقديم لا يحتاج لغيره لعدم الحاجة إلى الأضعف بعد الأقوى وجواب الاعتراض بفساد الاعتبار يكون بالطعن في سند النص المخالف لدليل المستدل بإرسال فيه أو وقف أو انقطاع أو غير ذلك والطعن في الإجماع حيث يكون ظنيًا لكونه منقولًا بالآحاد فيطعن في سنده بضعف الناقل أو غير ذلك ويكون بالمعارضة بنص آخر مثله فيتساقطان ويسلم دليل المستدل من قياس أو غيره ويكون بمنع الظهور له في مقصد المعترض كدعوى إجماله ويكون بالتأويل له بأن يبين أنه مراد به غير ظاهره بتخصيص أو مجاز أو إضمار بدليل يصير ذلك الاحتمال راجحًا أو مساويًا.
من القوادح كما في النقل
…
منع وجود علة للأصل
يعني أن من المنقول عن أهل الفن القدح بمنع وجود علة الأصل أي المقيس عليه في الفرع كان يقال في شهود الزور إذا قتل إنسان معصوم بشهادتهم تسببوا في القتل فيجب القصاص قياسًا على المكره غيره على القتل فيقول المعترض العلة في الأصل الإكراه وفي الفرع الشهادة فلا يتحقق التساوي بينهما لعدم الجامع بينهما وإن اشتركا في الإفضاء إلى المقصود وجوابه بأن الجامع بين الوصفين القدر المشترك الذي هو التسبب في القتل في المثال المذكور أو بأن إفضاءهما إلى المقصود سواء.
ومنع علية ما يعلل
…
به وقدحه هو المعول
منع مرفوع لعطفه على منع في البيت قبله ويعلل مبنى للمفعول والمعول بفتح الواو أي المعول عليه أي المعتمد عليه يعني أن من القوادح على الأصح منع المعترض كون الوصف الذي علل به المستدل
علة ويسمى المطالبة بتصحيح العلة وإنما منع خوف تمسك المستدل بما شاء من الأوصاف إذا أمن منعه كان يقول الحنفي علة طعام الربى الكيل فيقول المالكي لا نسلم كونها الكيل لوجود الربى فيما لا يكال كالحفنة.
ويقدح التقسيم أن يحتملا
…
لفظ لأمرين ولكن حظلًا
وجود علة بأمر واحد: هذا النوع يسمى التقسيم وهو من قوادح العلة سمي بالتقسيم لأن المعترض قسم أولًا مدلول اللفظ إلى قسمين أو أكثر ثم منع أحد القسمين أو الأقسام فالمنع إنما يتوجه بعد التقسيم وقد صرح المحلي بكون الممنوع ليس هو المراد عند المستدل ويكون المراد ليس بممنوع وقد جوز العضد كون الممنوع هو المراد فالحاصل أن التقسيم هو أن يحتمل لفظ مورد في الدليل بمعنيين أو أكثر بحيث يكون مترددًا بين تلك العاني على السواء لكن المعترض يمنع وجود علة الحكم في واحد من تلك المحتملات سواء كان الممنوع هو المراد أو غيره كما هو مذهب العضد وعند المحلي لا بد أن يكون الممنوع غير المراد وقولنا على السواء معناه من غير ظهور أحدهما على الآخر فلو ظهر اللفظ في أحدهما وجب حمله عليه لأن القاعدة في الظنيات التعويل على المعنى الظاهر وعدم الالتفات إلى غيره من المحتملات وقال القرافي ليس من شروط التقسيم أن يكون أحدهما ممنوعًا والآخر مسلمًا بل يجوز أن يكونا مسلمين لكن الذي يرد على أحدهما غير ما يرد على الآخر وإلا لم يكن للتقسيم معنى ولا خلاف أنه لا يجوز أن يكونا ممنوعين وقد جعل غيره ذلك أحد نوعي التقسيم قال حلولو وأظنه الفهري مثال التقسيم فيما إذا قيل الطهارة قربة فتجب فيها النية أن يقال الطهارة النظافة أو الأفعال المخصوصة التي هي الوضوء شرعًا الأول ممنوع كونه قربة التي هي علة وجوب النية
ومن أمثلته أن يستدل على ثبوت الملك للمشتري في زمان الخيار بوجود سببه وهو البيع الصادر من أهله فيقول المعترض السبب مطلق البيع والبيع الذي لا شرط فيه الأول ممنوع والثاني مسلم لكنه مفقود في محل النزاع ومنها ما إذا قيل في الصحيح الحاضر إذا فقد الماء وجد سبب التيمم وهو تعذر الماء فيجب التيمم فيقول المعترض ما المراد بتعذر الماء مطلق السبب أو في السفر أو المرض الأول ممنوع والثاني لا يجديك نفعًا.
(وليس عند بعضهم بالوارد) يعني أن التقسيم ليس بوارد أي مقبول عند بعضهم والمختار عند السبكي قبوله لكن بعد أن يكون المعترض قد بين الأمرين اللذين تردد اللفظ بينهما أو الأمور لأن بيان ذلك عليه ولا يكلف بيان تساوي المحامل حجة القائل بقبوله عدم تمام الدليل معه لاحتماله لأمرين أحدهما ممنوع وبإبطاله يتعين الباقي وربما لا يمكن المستدل إتمام الدليل معه لعدم صلاحيته للعلة وحجة الآخران إبطال أحد محتملي كلام المستدل ليكون إبطالًا له إذ ربما لا يكون هذا المحتمل مراده.
جوابه بالوضع في المراد
…
أو الظهور فيه باستشهاد
يعني أنه على قبول التقسيم يجب على المستدل أن يجيب بأن اللفظ موضوع في المراد وحده من الاحتمالين مثلًا وضعًا لغويًا أو شرعيًا أو عرفيًا أو أنه ظاهر فيه مع استشهاده أي استدلاله على وضعه له أو ظهوره فيه فعلم أن المراد بالاستواء الاستواء في نفس الأمر أو بحسب الظاهر أو عند المعترض فلا ينافي الاستواء بيان الظهور والظهور يكون بالقرينة وبغيرها كالشهرة كالمشترك إذا اشتهر في بعض معانيه والمجاز إذا اشتهر في معناه المجازي بناء على أن المراد
بالقرينة ما لا يشمل نحو الشهرة كما قد يتبادر منها كما أن المراد بالوضوع الموضوع للمراد وحده بقرينة أن الجواب بوضعه له ولغيره لا يفيد إذ هو حينئذ مجمل ومما يستدل به على ظهور اللفظ في المراد أن الإجمال خلاف الأصل.
وللمعارضة والمنع معًا
…
أو الأخير الاعتراض رجعًا
الاعتراض مبتدأ خبره رجع وألفه الإطلاق القافية يتعلق به قوله للمعارضة والمنع أو الأخير يعني أن الاعتراضات أي سائر القوادح المذكورة ترجع عند ابن الحاجب كأكثر الجدليين إلى أحد الأمرين أعني المعارضة والمنع لمقدمة من الدليل والقضية مانعة خلو وترجع عند تاج الدين السبكي إلى المنع لمقدمة من الدليل فقط والمعارضة هي إقامة الدليل على خلاف ما أقام عليه الخصم دليله ويلزم منه منع جريان العلة مع أن كثيرًا من الاعتراضات ليس صريح معناه هو نفس المنع أو المعارضة كما هو في غاية الظهور فتأمل ما ذكروه في معانيها وإنما ترجع إلى أحدهما بنوع تأويل ولذا عبروا بالرجوع إليهما وإنما قال ابن الحاجب كأكثر الجدليين إنها راجعة إلى أحد الأمرين لأن غرض المستدل إثبات مدعاه بدليله وإنما يتم بصحة مقدماته ليصلح للشهادة وبسلامته عن المعارض لتنفذ شهادته وغرض المعترض هدم ذلك وإنما يحصل بالقدح في صحة الدليل بمنع مقدمة منه أو معارضته بما يقاومه وحجة الآخرين أن المعارضة منع للعلة عن الجريان ومقدم الاعتراضات الاستفسار وهو طلب ذكر معنى اللفظ حيث غرابة أو إجمال ثم فساد الاعتبار ثم فساد الوضع ثم منع حكم الأصل ثم منع وجود العلة ثم النظر في علية الوصف بالمطالبة بالتأثير وعدم التأثير والقدح في المناسبة والتقسيم وعدم ظهور الوصف وعدم انضباطه وكونه غير صالح للإفضاء إلى المقصود
ثم النقض والكسر ثم المعارضة في الأصل ثم بعده ما يتعلق بالفرع كمنع وجود العلة فيه ومخالفة حكمه لحكم الأصل في الضابط والحكمة والمعارضة في الفرع وسؤال القلب ثم بعده القول بالموجب هذا ترتيب الأمدي للاعتراضات ولغيره ترتيب يخالفه.
والاعتراض يلحق الدليلا
…
دون الحكاية فلا سبيلا
يعني أن الاعتراض من منع أو معارضة إنما يلحق دليل المستدل الذي أقامه أو اختاره إما بعد تمامه أو قبله بأن ادعى حكمًا ولم يستدل عليه ومنعه حينئذ بمعنى طلب الدليل عليه ولا يلحق حكاية المستدل للأقوال في المسئلة المبحوث فيها حتى يختار قولًا ويستدل عليه فيلحقه حينئذ أي يعترضه أي يتوجه عليه وكذا لا يعترض على أدلة المسئلة المحكية فيها ما لم ينصب نفسه لاختيارها لأن الناقل من حيث أنه ناقل ليس بملتزم صحة ما نقله بل هذا ليس بدليل بالنسبة إليه من تلك الحيثية فإن التزم صحة الدليل الذي نقله أو أقام دليلًا برأيه على ما نقله صار حينئذ مستدلًا فيتوجه عليه حينئذ ما يتوجه على المستدل والاعتراض الذي يتوجه على حكاية الأقوال ما كان من جهة حكايتها فهو غير مسموع إذا ما كان الاعتراض منعًا بمعنى طلب تصحيح الحكاية فإنه يعترض الحكاية وكذا لا يسمع منع المدلول فلا إقامة دليل على ما يناقضه.
والشأن لا يعترض المثال
…
إذ كفى الفرض والاحتمال
يعني أن المثال لا يعترض عليه لأنه يكفي فيه مجرد الفرض على تقدير صحته ويكفي فيه الاحتمال لأنه لإيضاح القاعدة بخلاف الشاهد لأنه لتصحيحها فيعترض عليه إذا لم يكن صحيحًا كما هو مقرر في كلام الأئمة.