الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعليه عمل المغاربة ورجحه ابن الحاجب في مختصره ونقل عن الحاكم أنه مذهب الايمة، ومنهم من رأى التفرقة بين الصيغ بحسب افتراق التحمل فيخصون التحديث بما يلفظ به الشيخ والإخبار بما يقرأ عليه وهذا مذهب ابن جريج والأوزاعي والشافعي وابن وهب وجمهور أهل المشرق، ثم أحدث أتباعهم تفصيلا آخر فمن سمع وحده من لفظ الشيخ أفرد فقال: حدثني، ومن سمع مع غيره جمع فقال حدثنا، ومن قرأ بنفسه على الشيخ أفرد فقال أخبرني ومن سمع بقراءة غيره جمع، وكذا خصصوا الأنباء بالإجازة التي يشافه بها الشيخ من يجيزه وكل هذا مستحسن وليس بواجب عندهم، وإنما أرادوا التمييز بين أحوال التحمل وظن بعضهم أن ذلك على سبيل الوجوب فتكلفوا للاحتجاج له وعليه بما لا طائل تحته، نعم يحتاج المتأخرون إلى معرفة الاصطلاح فيحمل ما يرد من ألفاظ المتقدمين على محمل واحد بخلاف المتأخرين هـ ببعض اختصار، ومن أراد شفاء الغليل في معرفة ألفاظ الرواية مع الإيضاح والاختصار فعليه بمنظومتنا طلعة الأنوار.
كتاب الإجماع
والإجماع من الأدلة الشرعية ولا ينافيه كون المجمع عليه قد يكون شرعيا كحل النكاح ولغويا ككون الفاء للتعقيب وعقليا كحدوث العالم، ودنيويا كتدبير الجيوش لأن عده من الأدلة الشرعية لا ينافي عده من غيرها أيضا.
وهو الاتفاق من مجتهد
…
الأمة من بعد وفاة أحمد
وأطلقن في العصر والمتفق عليه الإجماع لغة مشترك بين الأزماع
أي العزم على الشيء وبين الاتفاق، وفي الاصطلاح: اتفاق مخصوص وهو اتفاق مجتهدي أمة الإجابة بعد وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في عصر علي أي أمر كان.
والمراد بالاتفاق الاشتراك في الاعتقاد أو القول أو الفعل أو السكوت عند القائل بأنه إجماع أو في القدر المشترك بين الأربعة أو ثلاثة منها أو اثنين. قولنا في عصر هو المراد بقولنا وأطلقن في العصر، فلا يختص بعصر الصحابة وكذلك المراد من قولنا والمتفق عليه بالجر عطفا على العصر أنه يكون في أي أمر كان، أي سواء كان إثباتا أو نفيا شرعيا أو لغويا أو عقليا أو دنيويا، والمعتبر في الإجماع في كل فن أهل الاجتهاد في ذلك الفن وإن لم يكونوا من أهل الاجتهاد في غيره، فالعبرة في مسائل الكلام مثلا بالمتكلمين وإن لم يكونوا مجتهدين في غير الكلام ولا أثر للإجماع في العقليات عند إمام الحرمين لأن المعتبر فيها الأدلة القاطعة فإذا انتصبت لم يعارضها شفاق ولم يعضدها وفاق، واحترز عن اتفاق المجتهدين من الأمم السابقة فإنه وإن قيل إن إجماعهم حجة كما هو أحد المذهبين للأصوليين فليس الكلام إلا في الإجماع الذي هو حجة شرعية يجب العمل بها الآن وذلك وإن وجب العمل به فيما مضى على من مضى فقد انتسخ حكمه منذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا بناء على أن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا.
(فالالغا لمن عم انتقى)، بفتح عين عم وبناء انتقى المفعول بمعنى اختير، يعني: إن المختار إلغاء العوام عن الاعتبار في الإجماع فلا يعتبر وفاقهم للمجتهدين بل المعتبر اتفاق المجتهدين فقط لإجماع الصحابة على عدم اعتبارهم وبه قال مالك والمحققون.
قال في "التنقيح": والمعتبر في كل فن أهل الاجتهاد من ذلك الفن وإن لم يكونوا من أهل الاجتهاد في غيره فيعتبر في الكلام المتكلمون وفي الفقه الفقهاء قاله الإمام وقال لا عبرة بالفقيه الحافظ للأحكام والمذاهب إذا لم يكن متمكنا، والأصولي المتمكن من الاجتهاد وغير الحافظ للأحكام خلافه معتبر على الأصح هـ. يعني غير الحافظ للأحكام بالفعل لكن فيه صلاحية لذلك بأن يكون له ملكة يقتدر بها على إدراك جزئيات الأحكام وذلك هو معنى تمكنه من الاجتهاد وقيل يعتبران وقيل لا يعتبر واحد منهما وقيل يعتبر الفقيه دون الأصولي لأنه أعرف بمواقع الاتفاق والاختلاق في علم الفروع وهو المقصود بالذات وممارسته تؤدي إلى معرفة قواعده وقيل لا، يعني أن القاضي قال بعدم إلغاء العوام فلابد من وفاقهم للمجتهدين في انعقاد الإجماع لدخولهم تحت عموم الأمة في قوله صلى الله عليه وسلم "لا تجتمع أمتي على ضلالة" ولفظ القرافي على خطأ وهم مؤمنون فتناولهم اللفظ فلا تقوم الحجة بدونهم قال القرافي وجوابه أن أدلة الإجماع يتعين حملها على غير العوام لأن قول العامي بلا مستند خطأ والخطأ لا عبرة به هـ.
وقيل في الجلي
…
مثل الزنا والحج لا الخفي
يعني أن بعضهم اعتبر وفاق العوام في المسائل المشهورة كتحريم الزنا بالزاي وتحريم الطلاق للزوجة ووجوب الحج دون دقائق المسائل كالبيوع فيلغون قال في الآيات البينات: أن أريد بالعوام من عدى المجتهدين من العلماء أو من العلماء وغيرهم أشكل التفصيل بين المشهور والخفي مطلقا أو بالنسبة للعلماء لأن للعلماء خصوصا مجتهدي المذهب والفتوى من الأهلية التامة لإدراك الخفيات ما لا يخفي، وإن أريد بهم من عدى العلماء كما يدل عليه
بعض كلماتهم كقول المصنف في شرح المنهاج نقلا عن القاضي إذ لو قلنا إن خلاف العوام يقدح في الإجماع مع أن قولهم ليس إلا عن جهل أفضى هذا إلى اعتبار خلاف من يعلم أنه قال عن غير أصل هـ أشكل اعتبارهم دون من عدى المجتهدين من العلماء بل هم أولى بالاعتبار وقد نختار الأول ويجاب بأن من الخفيات ما لا يصلح له الصلاحية المعتبرة إلا المجتهدون هـ ويدل للاحتمال الثاني أيضا كلام القرافي:
وقيل لا في كل ما التكليف
…
بعلمه قد عمم اللطيف
أي قيل لا إلغاء في كل الخ. يعني أن الباجي قال: ما كلفت الخاصة والعامة بمعرفته اعتبر فيه العامة وما كلفت الخاصة فقط بمعرفته كالبيوع وغيرها لم يعتبر فيه العوام قال وبهذا قال عامة الفقهاء والعامي لم يكلف بمعرفة نحو البيوع لمشتقها عليه قال ميارة في التكميل:
وضابط المعفو من جهل عرا
…
ما شق الاحتراز أو تعذرا
وذكر القاضي عبد الوهاب قولين في اعتبار من لا يقول بالقياس واختار الابياري إن الظاهرية لا يعتد بخلافهم في المسائل لأن المقايسة من شرط الاجتهاد فمن لم يعتبرها لم يصلح للاجتهاد، قال القاضي عبد الوهاب وهذا غير صحيح فإنه لو لم يعتبر من لا يعتبر بعض المدارك لألغينا من لا يعتبر المراسيل والأمر للوجوب أو العموم أو غير ذلك وما من طائفة إلا وقد خالفت في نوع من الأدلة هـ واللطيف اسم من أسمائه تعالى
وذا للاحتجاج أو أن يطلقا
…
عليه الإجماع وكل ينتقي
يطلق وينتقي بمعنى يختار بنيان للمفعول، يعني أن هذا في قول القائلين باعتبار وفاق العوام في الإجماع هل هو للاحتجاج وهو ظاهر كلام الابياري والفهري منا، ومذهب الآمدي من الحنابلة فلا ينعقد الإجماع ولا يكون حجة حتى يوافقه العوام لاندراجهم تحت عموم الأمة ويؤيد هذا القول التفرقة بين المشهور والخفي لأن العوام يطلعون غالبا على المشهور دون الخفي، وعليه فالخلاف معنوي، أو قول القائلين باعتبار العوام إنما هو ليصح إطلاق إن الأمة أجمعت لا لافتقار الاحتجاج به إليهم فلا يقال أجمعت الأمة مع مخالفتهم بل يقال أجمع علماء الأمة وعليه فالخلاف لفظي إما على القول بعدم اعتبارهم وهو الذي عليه المحققون فيصح أن يقال أجمعت الأمة مع مخالفة العوام. قوله: وكل ينتقي، أي كل من القولين أي القول بتوقف إطلاق إن الأمة أجمعت على وفاقهم دون الحجية والقول بتوقف الحجية على ذلك
وكل من ببدعة يكفر
…
من أهل الأهواء فلا يعتبر
البدعة بكسر الموحدة، ويكفر ويعتبر مبنيان للمفعول، يعني إن الإجماع علم اختصاصه بالمسلمين من إضافة المجتهدين للأمة التي هي أمة الإجابة فلا عبرة بقول الكافر وإن احتوى على علوم الشريعة كلها فخرج من نكفره ببدعته من أهل الأهواء أي مذاهب الزيغ في الاعتقاد، وإنما اختص بالمسلمين لأن الإسلام شرط في الاجتهاد فلا عبرة بوفاق الكافر ولا خلافه لأنه اعتبر في المجتهدين معرفة متعلق الأحكام من كتاب وسنة وما يتعلق بذلك كمعرفة الناسخ والمنسوخ وهذا لا يتصور في الكافر إذ لا يعتقد حقيقة الكتاب والسنة فكيف يعرف متعلق الأحكام منهما ولا ينافي ذلك ما دل عليه كلام السبكي في
مسألة المصيب في العقليات وأحد من تحقق الاجتهاد في الكافر لأنه بمعنى آخر غير ما قرره أولا مما هو المعتبر في الأحكام الشرعية قاله في الآيات البينات.
فإن قيل يتصور في الكافر اعتقاد حقيقة الكتاب والسنة لكن بالنسبة إليه أيضا كمن كفر بإنكار رسالته صلى الله عليه وسلم بلسانه دون قلبه أو بنحو لبس الزنا.
أجيب بأن اعتقاد الكافر ساقط الاعتبار لكفره فهو بمنزلة العدم، ألا ترى أن أخباره ساقط الاعتبار لكفره وإن تدين وتحرز عن الكذب، على أن لنا أن نقول المراد باتفاق المجتهدين على الحكم الذي هو معنى الإجماع اتفاقهم على ثبوته في حقهم وحق غيرهم وهذا لا يتصور ممن يعتقد تخصيص الرسالة إذ لا يمكن أن يأخذ من الكتاب والسنة حكما يتعلق به كغيره، قال الزركشي ولا يبعد أنه إذا كان الإجماع في أمر دنيوي أنه لا يختص بالمسلمين وارتضاه في الآيات البينات.
والكل واجب وقيل لا يضر
…
الاثنان دون من عليهما كثر
بضم المثلثة، يعني: أن أصحاب مالك والجمهور قالوا لابد في الإجماع من اتفاق جميع المجتهدين فلا ينعقد الإجماع مع مخالفة مجتهد واحد كما يدل عليه إضافة مجتهد للأمة إذ هي تفيد العموم وهو مفرد لا جمع فيعم اتفاق الاثنين وغيرهما وإذا لم يكن في العصر إلا مجتهد واحد لم يكن إجماعا على المختار عند السبكي، وهو خارج بلفظ الاتفاق إذ لا اتفاق إلا من اثنين فأكثر. وقال ابن خويز منداد: لا تضر مخالفة الواحد والاثنين دون الثلاثة، وهنا أقوال أخر معزوة لغير أهل المذهب.
حجة القول الثاني قوله صلى الله عليه وسلم "عليكم بالسواد الأعظم" ولأن اسم الأمة لا ينخرم بهما ولأنه إذا كان الإجماع حجة وجب أن يكون معه من وجب عليه الانقياد عليه. وأجيب عن الأول بأنه يفيد غلبة ظن أن الحق مع الأكثر، والمقصود القطع بحصول العصمة، وعن الثاني بأن اسم الأمة لا يصدق على بعضها إلا مجازا، وعن الثالث بأن المنقاد لإجماعهم من بعدهم ومن عاصرهم ممن ليس له أهلية النظر، والنزاع هنا فيمن له أهلية.
وحجة القول الأول أن الأدلة إنما شهدت بالعصمة لمجموع الأمة والمجموع ليس بحاصل والأدلة كالحديث المتقدم وقوله تعالى "ويتبع غير سبيل المؤمنين" الآية.
واعتبرن مع الصحابي من تبع
…
إن كان موجودا وإلا فامتنع
يعني أن التابعي الموجود متصفا بصفة الاجتهاد وقت اتفاق الصحابة لابد من اعتبار وفاقه لهم لأنه من مجتهدي الأمة في عصر وإلا يكن موجودا إذ ذاك متصفا بصفة الاجتهاد بأن كان غير متصف بها أو لم يوجد أصلا فلا اعتبار به بناء على مذهب الأكثر من عدم اشتراط انقراض العصر
ثم انقراض العصر والتواتر
…
لغو على ما ينتحيه الأكثر
يعني أن انقراض عصر المجمعين بموت أهله ملغي لا يشترط في انعقاد الإجماع عند الأكثر من أهل الأصول الصدق تعريفه مع بقاء المجمعين ومعاصريهم، وخالف أحمد وابن فورك وسليم الرازي من الشافعية فشرطوا انقراض كلهم أو غالبهم أو علمائهم كلهم أو غالبهم أقوال اعتبار العامي والنادر. قال القرافي في التنقيح:
وانقراض العصر ليس شرطا خلافا لقوم من الفقهاء والمتكلمين لتجدد الولادة كل يوم فيتعذر الإجماع، وكذلك لا يشترط عند الأكثر بلوغ المجمعين عدد التواتر قال القرافي في التنفيح: ولا يشترط عند الأكثر بلوغ المجمعين إلى حد التواتر بل لو لم يبق إلا واحد والعياذ بالله لكان قوله حجة هـ. لقوله تعالى "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى" الآية لم يفصل بين قليلهم وكثيرهم، وحجة الأقل إنا مكلفون بالقطع بقواعد الشريعة فمتى قصر العدد عن التواتر لم يحصل العلم، وأجيب بأن التكليف بالعلم يعتمد سبب حصول العلم فإذا تعذر سبب حصول العلم سقط التكليف به ولا عجب في سقوط التكليف لعدم أسبابه أو شرائطه، وهو حجة.
يعني إن الإجماع حجة عند الجميع خلافا للنظام والشيعة والخوارج لقوله تعالى "ومن يشاقق الرسول" الآية، وثبوت الوعيد على المخالفة يدل على وجوب المتابعة لهم في سبيلهم، وهو قولهم أو فعلهم ولقوله صلى الله عليه وسلم "لا تجتمع أمتي على ضلالة" أو على الخطأ "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله""يد الله مع الجماعة "من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية" فهي وإن لم تتواتر لفظا فقد تواتر القدر المشترك وحصل العلم به وذلك التواتر المعنوي، والمخالفون احتجوا بأن اتفاق الجمع العظيم على الكلمة الواحدة محال عادة فكيف يوجد حتى يكون حجة، وأجيب بأن اتفاقهم زمن الصحابة ممكن ولا يكاد يوجد إجماع اليوم إلا وهو واقع في عصر الصحابة ومقصودنا أنه حجة إذا وقع ولم نتعرض للوقوع فإن لم يقع فلا كلام وإن وقع كان حجة.
ولكن يحظل
…
فيما به كالعلم دور يحصل
يحظل مبني للمفعول وهو بمعنى يمنع وفيما متعلق بيحظل والباء في به ظرفية والجار والمجرور متعلقان بيحصل.
يعني أن الإجماع يمنع الاحتجاج به في كل عقلي يحصل الدور فيه إذا احتج عليه بالإجماع بأن تتوقف صحة الإجماع عليه، كعلم الصانع وقدرته ووجوده والرسالة والنبوءة لأن كون الإجماع حجة فرع ثبوت الرسالة له وفرع كون الله تعالى عالما فإن من لم يعلم بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لا يرسله مؤيدا بالمعجزات الباهرات واختياره للرسالة دون غيره فرع ثبوت الإرادة والحياة لأن الحياة شرط في العلم والإرادة، فهذه شروط في الرسالة فلو ثبتت بالإجماع الذي هو فرع الرسالة لزم الدور وإنما كان الإجماع فرع الرسالة لأن ثبوت كونه حجة حصل بالكتاب والسنة اللذين لا يدركان إلا منه صلى الله عليه وسلم أما ما لا يتوقف حجية الإجماع عليه كخلق الأعمال وجواز الرؤية وحدوث العالم فيصح الاحتجاج عليه بالإجماع على الصحيح ويحتج بالإجماع في الأمور الدينية الشرعية كوجوب الصلاة اتفاقا وكذا يصح الاحتجاج به في الأمور الدنيوية كالآراء والحروب وتدبير الجيوش وأمور الرعية على الراجح فيجزم بأنه صواب مادامت المصلحة التي نيط بها الرأي قائمة فإذا تبدلت انتهى العمل بذلك الإجماع ولا يكون ذلك خرقا له ومقابل الراجح لا يتمسك به فإن الإجماع في الدنيوي لا يكون فوق صريح قول الرسول فيه وهو ليس بحجة فيه لقصة تلقيح النخل وقوله فيها "أنتم أعلم بأمر دنياكم" ولمراجعة الصحابة له ورجوعه إليهم في بعض الآراء كمنزل الجيش ببدر ويجاب بمنع كون قول الرسول ليس بحجة في مصالح الدنيا لأنه إن كان عن وحي فظاهر أو عن اجتهاد فهو الصواب على القول بأن اجتهاده لا يخطئ أو أنه لا يقر على
الخطأ على مقابله، وأما المراجعة فقد وقعت في اجتهاد قبل استقراره فاستقر على الصواب وأما تلقيح الدخل فإنه أمرهم فيه بترك التعلق بالأسباب فتركوا وفي قلوبهم تعلق بالأسباب من جهة اعتقادهم أنه لا يصلح إلا بذلك لما ألفوه من العادة لا من جهة النظر إلى مشيئة الله تعالى.
(وما إلى الكوفة منه ينتمي)، أي يمتنع التمسك والاحتجاج بإجماع أهل الكوفة وكذا بإجماع أهل الكوفة والبصرة معا لأنه في الصورتين اتفاق بعض مجتهدي الأمة لا كلهم، وخالف في ذلك قوم لكثرة من سكنهما من الصحابة ونقله بعض الأصوليين في الكوفة فقط، قوله منه أي من الإجماع.
(والخلفاء الراشدين فاعلم)، يعني لا يعتبر إجماع الخلفاء الأربعة منهم وذهب أحمد إلى أنه حجة لقوله صلى الله عليه وسلم "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" وأجيب بأنه محمول على إتباع السنة والكتاب لا على اتفاق من ذكر لأنه اتفاق بعض مجتهدي الأمة
وأوجبن حجية للمدني
…
فيما على التوقيف أمره بني
وقيل مطلقا
…
) يعني أن إجماع أهل المدينة عند مالك فيما لا مجال للرأي فيه حجة لقوله صلى الله عليه وسلم "المدينة كالكير تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد"، والخطأ خبث فوجب نفيه عنهم ولأن خلفهم ينقل عن سلفهم فيخرج الخبر عن حيز الظن والتخمين إلى حيز اليقين. وقال بعض المالكية إن إجماعهم حجة مطلقا أي ولو كان فيما للاجتهاد فيه مجال خلافاً
للأكثر في قولهم أنه ليس بحجة مطلقا لجواز صدور الخطأ منهم لانتفاء عصمتهم فيحمل الحديث على أنها في نفسها فاضلة مباركة وإنما انتفت العصمة لأنهم بعض الأمة، ومفهوم قوله صلى الله عليه وسلم "لا تجتمع أمتي على خطأ" جواز وقوع الخطأ على بعض الأمة. وأجاب القرافي بأن منطوق الحديث المثبت أقوى من مفهوم الحديث النافي.
تنبيه استدل ابن الحاجب للقول بأن إجماع أهل المدينة من الصحابة والتابعين حجة عند مالك بأنهم أعرف بالوحي والمراد منه لمسكنهم محل الوحي وقد يؤخذ منه أن المراد بهم الصحابة الذين استوطنوا المدينة حياته صلى الله عليه وسلم وإن استوطنوا غيرها بعده والتابعون الذين استوطنوها مدة يطلعون فيها على الوحي والمراد منه بمخالطة أهلها الذين شاهدوا ذلك وهذا قد يقتضي أن تابع التابعين الذين سكنوا المدينة زمن التابعين الموصوفين بما ذكر مدة يطلعون فيها منهم على ما ذكر كذلك لكنه خلاف تقييده بالصحابة والتابعين. قال في الآيات البينات اللهم إلا أن يكون للغالب، ولا يتقيد الحكم بالساكنين بخصوص بيوت المدينة بل يشمل النازلين بالعوالي إذا كانوا يطلعون على ما ذكر، ولهذا كان العلماء مطلقا وخصوصا أهل الحديث يرجحون الأحاديث الحجازية على العراقية حتى يقول بعض أهل الحديث إذا جاوز الحديث الحرة انقطع نخاعه لأنها مهبط الوحي فيكون الضبط فيه أيسر وأكثر وإذا بعدت الشقة كثر الغلط والتخليط.
(وما قد اجمعا
…
عليه أهل البيت مما منعا)
بالبناء للمفعول يعني أن إجماع أهل البيت من الإجماعات التي يمنع عند مالك الاحتجاج بها وهم على، وفاطمة، والحسنان رضي الله تعالى عنهم وحشرنا في زمرتهم والجمهور موافقون لمالك،
وذهب الشيعة إلى أنه حجة وحكي عنهم أن قول علي كرم الله وجهه وحده حجة لقوله تعالى: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت" الآية والخطأ رجس فوجب نفيه عنهم، وأجيب بمنع أن الخطأ رجس، والرجس قيل العذاب وقيل الإثم وقيل كل مستقذر ومنكر، وقول الشيعة بحجية إجماع أهل البيت مع إنكارهم حجية الإجماع أجاب عنه المحشي بأنهم إنما أنكروا كونه حجة على تفسيره المعروف لا مطلقا هـ يعني: بالمعروف اتفاق مجتهدي الأمة بعد وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في عصر علي أي أمر كان
وما عرى منه على السنى
…
من الإمارة أو القطعي
ما معطوف على نائب فاعل منع يعني: أنه يمنع ما عرى منه أي من الإجماع من الاستناد إلى إمارة بفتح الهمزة أي دليل ظني ومن الاستناد إلى دليل قطعي إذ لابد لحجيته والتمسك به من مستند وإلا لم يكن لقيد الاجتهاد المأخوذ في تعريفه معنى بيان الملازمة إن الاجتهاد يقتضي الفحص عن شيء وهو هنا المستند سواء كان المستند قياسا أو دليلا ظنيا أو قطعيا كل منهما غير قياس أما استناده إلى القياس فالجمهور على جوازه وعزاه القرافي لمالك وقطع ابن الحاجب بجوازه وأما الوقوع فقال ابن الحاجب أنه الظاهر كإجماعهم على إمامة أبي بكر رضي الله تعالى عنه قياسا على إمامة الصلاة وكإجماعهم على تحريم شحم الخنزير قياسا على لحمه وقيل بعدم الوقوع وهو محجوج بما ذكر، وإما استناده إلى الإمارة وهي في عرف الأصول ما أفاد ظنا فهو مذهب مالك أيضا قال القرافي ومنهم من قال لا ينعقد عن إمارة بل لابد من الدلالة والدلالة في عرفهم ما أفاد علما حجة المجيز أنها تفيد الظن فأمكن اشتراك الجميع في ذلك الظن وحجة من قال لابد من الدلالة أن الظنون تتفاوت فلا يحصل
فيها اتفاق والدليل القاطع لا اختلاف فيه ورد بأن الدليل القاطع قد تعرض فيه الشبهات ولذلك اختلف العقلاء في حدوث العالم وكثير من العقليات القطعيات وكون الإجماع لابد له من مستند هو مذهب الجمهور وهو الصحيح وإلى تصحيحه أشار بقوله: علي السني، بفتح السين أي على القول السني وخالف قوم فقالوا: يصح الإجماع من غير مستند بأن يلهموا الاتفاق على الصواب وادعى قائله وقوع صور منه وقال القرافي: هو أمر جائز عقلاً غير أنه لابد له من دليل سمعي وقائلوه يقولون ذلك الدليل هو قوله صلى الله عليه وسلم «لا تجتمع أمتي على الخطأ» هو رد بأن فتياهم من غير مستند إتباع للهوى واتباع الهوى خطأ.
وخرقه فامنع لقول زائد
…
إذ لم يكن ذاك سوى معاند
خرقه بالرفع معطوف على نائب فاعل منع أي منع خرق الإجماع بالمخالفة له وإنما حرم للتوعد عليه حيث توعد على اتباع غير سبيل المؤمنين في الآية السابقة قال حلولو: أما كون خرق الإجماع حرامًا فأمر متفق عليه فيما علمت وقال ولي الدين: الاتفاق إنما هو إذا كان مستنده نصًا، فإن كان عن اجتهاد فالصحيح أنه كذلك وحكى القاضي عبد الجبار قولاً أنه يجوز لمن بعدهم مخالفتهم هـ وقال في «الآيات البينات» عند قول السبكي وخرقه حرام أقول هذا في القطعي وكذا في الظني بغير دليل راجح عليه كما هو ظاهره هـ وإذا كان خرق الإجماع حرامًا فاعلم تحريم إحداث قول زائد في مسألة اختلف فيها أهل عصر على قولين، وهذا القول بإطلاق المنع هو مذهب الأكثر وعزاه في البرهان لمعظم المحققين واختاره الأبياري منا وقال القائل بالحلية قد نفى الحرمة وبقية الأحكام والقائل بالحرمة قد نفى
الحلية وبقية الأحكام، فالفريقان متفقان على نفي ما سوى الحل والحرمة فانتفاء ما سواهما مجمع عليه فعندهم لا يكون أحداث الثالث إلا خارقا وإليه الإشارة بقولنا إذ لم يكن ذاك سوى معاند أي خارق أي لأجل أحداث الثالث لا يكون إلا خارقا منع بلا قيد.
(وقيل إن خرق)، هذا قول ثان في أحداث قول ثالث وهو التفصيل بين أن يخرق أي يرفع ما اتفق عليه أهل العصر فيمنع أو لا يرفعه فلا يمنع بمجرد أحداث الثالث على هذا لا يكون خارقا بل تارة وتارة وإلى هذا القول ذهب الأمدي والفخر الرازي وابن الحاجب قال حلولو ووافق عليه الابياري وقال إذا وافق في كل صورة مذهبا فلا يكون خارقا قال اللهم إلا أن تكون الأمة قالت أن حكم المسألتين سواء عندنا بحيث لا يفترقان في الحكم على حال هـ.
مثال الثالث الخارق ما حكي ابن حزم إن الأخ يسقط الجد وقد اختلف الصحابة فيه على قولين قيل يسقط بالجد وقيل يشاركه الأخ فإسقاطه بالأخ خارق لما اتفق عليه القولان من أن له نصيبا ومثال الثالث غير الخارق ما قال مالك وأبو حنيفة يحل متروك التسمية سهوا لا عمدا وقال الشافعي: يحل مطلقا وقيل يحرم مطلقا فالفارق بين السهو والعمد موافق لمن لم يفرق في بعض ما قاله بهذا مثل المحلى وهو خال من الأحداث إذ قول أبي حنيفة الظاهر أنه متقدم على قول الشافعي وأحرى إن كان أبو حنيفة مسبوقا بذلك القول وقال حلولو مثال ما لم يكن رافعا لو قال بعضهم يجوز فسخ النكاح بالعيوب الأربعة وقال بعضهم لا يفسخ بها فالقول بالفسخ بالبعض ثالث وليس برافع لما اتفقا عليه بل وافق في كل صورة مذهبا وقالت الظاهرية يجوز أحداث ثالث مطلقا أي خرق أم لا.
والتفصيل
…
أحداثه منعه الدليل
يعني أن أحداث التفصيل بين مسألتين لم يفصل بينهما أهل عصر حرام لما فيه من خرق الإجماع لأنه إتباع غير سبيل المؤمنين المتوعد عليه ولأن عدم التفصيل بين مسألتين يستلزم الاتفاق على امتناعه وقال بعضهم يمتنع إن خرق ويجوز إن لم يخرق ويلزم الخرق في صورتين:
الأولى أن يصرحوا بعدم الفرق بينهما.
الثانية أن يتحد الجامع بينهما الذي هو العلة كتوريث العمة والخالة فإن العلماء بين مورث لهما ومانع لهما والجامع بينهما الذي هو العلة عند الطائفتين كونهما من ذوي الأرحام فلا يجوز منع واحدة وتوريث أخرى فإن التفصيل بينهما خارق لإجماعهم في الصورة الأولى نصا وفي الثانية التزاما إذ توريث أحداهما دون الأخرى يستلزم أن العلة ليست كونهما من ذوى الأرحام وإلا لما استبدت به واحدة دون الأخرى وتلك العلة مجمع عليها وإن لم ينصوا على عدم الفرق ولم يتحد الجامع جاز التفصيل كقول مالك والشافعي بوجوب الزكاة في مال الصبي دون الحلي المباح وقد قيل تجب فيهما وقيل لا تجب فيهما فالمفصل موافق لمن لم يفصل في بعض ما قاله والعلة هنا متعددة إذ هي في الأولى مال صبي وفي الثانية حلى مباح والفرق بين مسألة أحداث القول الثالث وبين مسألة أحداث التفصيل هو أن متعلق الأقوال في الأولى واحد ومتعلق التفصيل متعدد وهذا هو المشهور وقال ولي الدين إن الأولى مفروضة في الأعم من كون المحل متحدا أو متعددا فلا يرد ما قاله شهاب الدين عميرة أن الأولى تغني عن الثانية كما اقتصر عليه ابن الحاجب لتوهمه اتحاد
المسألتين ولذلك احتيج إلى التصريح بهما دفعا لذلك التوهم وما يقصد به دفع التوهم من المطلوب المتأكد لاسيما إذا قوى كما هنا قال في الآيات البينات ويخرج منه جواب آخر وهو أنه لما اختلف تصوير المسألتين في كلامهم كان الاقتصار على أحداهما موهما أيهاما قويا ترك الأخرى وإن حكمها بخلاف حكم المذكورة وهذا يقتضي تأكد الجمع بينهما دفعا لذلك الإيهام هـ
وردة الأمة لا الجهل لما
…
عدم تكليف به قد علما
بنصب ردة عطفا على مفعول منع والجهل معطوف على ردة وعدم مبتدأ خبره علم بالتركيب والجملة صلة ما يعني أن الدليل السمعي منع ارتداد الأمة كلها في عصر والدليل السمعي هو قوله صلى الله عليه وسلم "لا تجمع أمتي على ضلالة" وأيضا فإنهم أجمعوا على استمرار الإيمان فلو ارتدت كلها في عصر كان خرقا لذلك الإجماع وخرقه ممنوع والخرق يصدق بالقول والفعل كما يصدق الإجماع بهما وقيل بجواز ارتدادهم كلهم في عصر شرعا كما يجوز عقلا ولا يمنع الحديث من ذلك لانتفاء صدق الأمة حينئذ عليهم وأجيبت بأن معنى الحديث لا يجمعهم الله على أن يوجد منهم ما يضلون به الصادق بالارتداد قوله لا الجهل الخ أي لا يمنع الدليل السمعي كالعقلي اتفاق الأمة في عصر على جهل ما لم تكلف بمعرفته على الأصح لعدم الخطأ فيه كالتفصيل بين عمار وحذيفة رضي الله تعالى عنهما وقيل يمتنع وإلا كان الجهل سبيلا لها فيجب إتباعها فيه وهو باطل وأجيب بمنع كونه سبيلا لها إذ سبيل الشخص ما يختاره من قول أو فعل وعدم العلم بالشيء ليس من ذلك إما اتفاقها على جهل ما كلفت به فممنوع اتفاقا قال حلولو وقد تردد
الأئمة في الأدلة الدالة على عصمة الأمة من الخطأ في القول والفتيا هل تدل على عصمتهم في الفعل أولا رأى القاضي أنها لا تدل وليسوا بمعصومين في الفعل ورأى الإمام أنهم معصومون فيه كالعصمة في القول واختاره الأبياري ولكن قال الدلالة على ذلك ظنية لا قطعية هـ. والاتفاق على منع اتفاقها على جهل ما كلفت به ذكره المحلى وأورد عليه قول السبكي وفي بقاء المجمل غير معين، ثالثها الأصح لا يبقي المكلف بمعرفته أي ليعمل به فإنه يفيد قولا بجواز بقائه المستلزم للجهل به إلا أن يقال لا يلزم من عدم تبيينه الجهل به لجواز أن يعلم بطريق ما وإن لم يبينه الشارع أو يقال المراد هنا بما كلفت به ما تعلق بها على وجه التنجيز كما أجاب بهما في الآيات البينات، ولا يعارض له دليل، يعني أنه علم من جهة خرق الإجماع إن الإجماع بناء على الصحيح من أنه قطعي لا يعارضه دليل لا قطعي ولا ظني إذ لا تعارض بين قاطعين لا استحالة ذلك ولا بين قاطع ومظنون لإلغاء المظنون في مقابلة القاطع والمراد لا يعارضه معارضة يعتد بها بحيث توجب توقفا وإلا فلا مانع من وجود دليل ظني يدل على خلافه دلالة ظنية وقولنا بناء على الصحيح من أنه قطعي نحترز به عن الظني كالسكوتي فيعارضه الدليل كسائر الظنيات، ويظهر الدليل والتأويل، ببناء يظهر للمفعول يعني أنه علم من حرمة خرق الإجماع جواز أحداث أي إظهار دليل للحكم أو تأويل الدليل ليوافق غيره أو أحداث علة لحكم غير ما ذكروه من الدليل والتأويل والعلة لجواز تعدد ما ذكر ولو كان علة بناء على جواز تعددها ولا يحدث ما ذكر إلا إذا لم يخرق الإجماع لأن العلماء في كل عصر يستخرجون الأدلة والتأويلات من غير نكير وذلك إجماع سكوتي ولا يجوز الأحداث المذكور إذا كان خارقا بأن قالوا مثلا لا دليل ولا
علة ولا تأويل غير ما ذكرناه وقيل لا يجوز أحداث ما ذكر مطلقا لأنه من سبيل غير المؤمنين المتوعد على إتباعه وأجيب بأن المتوعد عليه ما خالف سبيلهم لا ما لم يتعرضوا له كما نحن فيه، ووجه الارتباط بين حرمة الخرق وجواز الأحداث المذكور حتى يكون الثاني معلومات من الأول أنه يفهم من حرمة الخرق جواز ما لا خرق فيه إلا لمقتض آخر ولا مقتضى هنا في الواقع أو بالنظر للأصل قاله في الآيات البينات والمراد بالأحداث المذكور الإظهار لا حقيقة الأحداث لوجود الدليل والعلة والتأويل في نفس الأمر وهو ظاهر أن حمل التأويل على وصف الدليل أعني كونه مؤولا أي مصروفا عن ظاهره فإن حمل على ما هو وصف المجتهد فحقيقة الأحداث متحققة بالنسبة إليه ويكون الأحداث مستعملا في معنييه نعم لو كان الدليل القياس وفسر بفعل المجتهد بالفعل كان أحداثا حقيقة.
وقد منه على ما خالفا
…
إن كان بالقطع يرى متصفا
يعني أنه يجب تقديم الإجماع على ما خالفه من الأدلة إن كان الإجماع قطعيا قال في التنقيح وهو مقدم على الكتاب والسنة والقياس وقال في شرحه لأن الكتاب يقبل النسخ والتأويل وكذلك السنة والقياس يحتمل قيام المعارض وخفاؤه الذي مع وجوده يبطل القياس وفوات شرط من شروطه والإجماع معصوم قطعي ليس فيه احتمال هـ والإجماع القطعي فسره بقوله:
وهو المشاهد أو المنقول
…
بعدد التواتر المقول
نعت للمنقول ومعناه الملفوظ به احترازا عن الإجماع السكوتي بأن الكتاب والسنة يقدمان عليه واحترز بعدد التواتر عما نقل
آحادا وإن كان حجة فإنه ظني قال القرافي في شرح التنقيح عقب كلامه السابق وهذا الإجماع المراد هنا هو الإجماع النطقي اللفظي المشاهد أو المنقول بالتواتر وأما أنواع الإجماعات الظنية كالسكوني ونحوه فإن الكتاب يقدم عليه هـ والإجماع المشاهد هو الذي لا واسطة فيه بينك وبين المجمعين وذلك قريب من التعذر في هذا القرن الثالث عشر وإن كانت الأرض لا تخلوا عن قائم مجتهد وما ذكره القرافي من تقويم الإجماع القاطع على ما ذكر يعضد ما في كلام ابن الحاجب وشراحه من التصريح بتقديم الإجماع على النص القاطع فإنه قال ومنها أي من الأدلة على أن الإجماع حجة قطعية أنهم أجمعوا على تقديمه على القاطع أي النص القاطع كما أفصح به الاصبهاني هـ قال في الآيات البينات أي أنهم أجمعوا على أن القاطع يقدم على غيره فلو لم يكن الإجماع الذي قدموه على النص القاطع قاطعا للزم تقديمه مع كونه غير قاطع على النص القاطع وحينئذ يكون الإجماع على تقديمه معارضا لإجماعهم على أن القاطع مقدم على غيره وذلك باطل ثم قال ولا يخفى أن تقديمه على النص القاطع فرع التعارض فهو قاطع عارضه قاطع وهو مناف لقول المصنف أي السبكي وأنه لا يعارضه دليل إذ لا تعارض بين قاطعين والجواب عندي أن كلام ابن الحاجب في نص قاطع المتن لتواتر سنده لا في قاطع الدلالة بناء على وجوده وإن الأدلة النقلية قد تفيد اليقين بانضمام تواتر أو غيره فالنص قطعي الدلالة لا يعارض الإجماع القطعي ويدل لما قلت قول القرافي المتقدم لأن الكتاب يقبل النسخ الخ
وفي انقسامها لقسمين وكل
…
في قوله مخط تردد نقل
الضمير في انقسامها لامة الإجابة وقوله وكل مبتدأ خبره مخط منونا على الطاء بعد حذف الهمزة تخفيفا وفي قوله متعلق بمخط
وتردد مبتدأ ونقل بالبناء للمفعول صفة للمبتدأ وفي انقسامها خبره يعني أنه نقل عن الأصوليين تردد أي خلاف بالمنع والجواز في انقسام الأمة إلى فرقتين في كل من مسألتين متشابهتين كل من الفرقتين مخطئ في مسألة من المسألتين مثار الخلاف هل أخطأت الامة نظرا إلى ما في مجموع المسألتين فيمتنع ما ذكر لانتفاء الخطأ عنها بالأدلة السابقة وعليه الأكثر أو لم يخطأ إلا بعضها نظرا إلى كل مسألة على حدة فلا يمتنع وقال المحلى أنه الأقرب ورجحه الأمدي وقولنا متشابهتين تحرير لمحل النزاع فإن المسألة لها ثلاث حالات حالان متفق عليهما وحالة مختلف فيها فالمتفق عليهما اتفاقهم على الخطأ في المسألة الواحدة من الوجه الواحد لا يجوز إجماعا واتفاقهم على الخطأ في مسألتين متباينتين مطلقا يجوز إجماعا فخطأ المالكية والشافعية في مسألة من الجنايات والحنفية والحنابلة في مسألة من العبادات لم يقل أحد فاستحالته والمختلف فيه المسألة الواحدة ذات وجهين نحو المانع من الميراث غير أنه ينقسم إلى قسمين وقتل فهو يجوز أن يخطئ بعض في أحد القسمين فيقول القاتل يرث والعبد لا يرث فيخطئ في الأول دون الثاني ويقول الآخر العبد يرث والقاتل لا يرث فيخطئ في الأول دون الثاني فيكون القسمان من الأمة قد أخطأ في قسمين لشيء واحد فمن لاحظ اجتماع الخطأ في شيء واحد باعتبار أصل المانع المنقسم منع المسألة ومن لاحظ تنوع الأقسام وتعددها وأعرض عن المنقسم جوز ذلك فإنه في شيئين من نوع أنظره من قوله فإن المسألة لها ثلاث حالات إلى هنا في الآيات البينات
وجعل من سكت مثل من أقر
…
فيه خلاف بينهم قد اشتهر
فالاحتجاج بالسكوت نمى
…
تفريعه عليه من تقدما
يعني أن أهل المذهب وغيرهم اختلفوا في السكوت هل هو كالإقرار أولا وربما قالوا هل يعد السكوت رضي أولا عبارتان المراد منهما واحد ولذلك ذكر من تقدم وهم أهل الأصول تفريع الخلاف في الاحتجاج بالإجماع السكوتي على ذلك الخلاف الذي هو في السكوت هل هو رضي أولا.
قال في التنقيح وإذا حكم بعض الأمة وسكت الباقون فعند الشافعي والإمام أي الرازي ليس بحجة ولا إجماع وعند الجبائي إجماع وحجة بعد انقراض العصر وعند أبي هاشم ليس بإجماع وهو حجة وعند أبي علي ابن أبي هريرة إن كان القائل حاكما لم يكن إجماعا ولا حجة وإن كان غيره فهو إجماع وحجة هـ.
ولا أدري لم لم يعز قولا من تلك الأقوال لأهل المذهب مع أن كتابه موضوع بالذات لبيان أصول مالك ومع أن أهل المذهب لابد أن يقولوا ببعض هذه الأقوال اتفاقا أو اختلافا والخلاف في ذلك معروف في المذهب وقد ذكر حلولو إن كونه ليس بحجة ولا إجماع هو اختيار القاضي أبي بكر الباقلاني منا ثم قال القرافي في الشرح حجة.
الأول أن السكوت قد يكون لأنه في مهلة النظر أو يعتقد أن قول خصمه مما يمكن أن يذهب إليه ذاهب أو يعتقد أن كل مجتهد مصيب أو هو عنده منكر ولكن يعتقد أن غيره قام بالإنكار عليه أو يعتقد أن إنكاره لا يفيد ومع هذه الاحتمالات لا يقال الساكت موافق للقائل وهو معنى قول الشافعي لا ينسب إلى ساكت قول وإذا لم يكن إجماعا فلا يكون حجة لأن قول بعض الأمة ليس بحجة وحجة الجبائي أن السكوت ظاهر في الرضى لاسيما مع طول المدة ولذلك قال عليه السلام في البكر وأذنها صماتها، وإذا كان الساكت موافقا كان إجماعا وحجة عملا بالأدلة الدالة على كون الإجماع حجة وحجة أبي
هاشم أنه ليس إجماعا لاحتمال السكوت ما تقدم من غير الموافقة وإما أنه حجة فإنه يفيد الظن والظن حجة لقوله عليه السلام أمرت أن أقضى بالظاهر، وقياسا على المدارك الظنية حجة أبي علي أن الحاكم يتبع أحكامه ما يطلع عليه من أمور رعيته فربما علم في حق بعضهم ما يقتضي عدم سماع دعواه لأمر باطن يعلمه وظاهر الحال يقتضي أنه مخالف للإجماع وكذلك في تحليفه وإقراره وغير ذلك مما انعقد الإجماع على قبوله وإما المفتى فإنما يفتى بناء على المدارك الشرعية وهي معلومة عند غيره فإذا رآه خالفها نبهه هـ
وهو بفقد السخط والضد حرى
…
مع مضى مهلة للنظر
السخط بالضم والمهملة بالضم المدة بالضم يعني أن محل النزاع في سكوت من سكت إنما هو إذا فقد ما يدل على السخط والإنكار لقول المتكلمين وإلا فليس إجماعا اتفاقا وكذلك إذا ظهر منه الرضي بذلك فهو إجماع اتفاقا ولابد أن تمضى مهلة أي مدة يمكن فيها نظر الساكتين في المسألة وإلا فليس بإجماع اتفاقا وإنما فسرنا المهلة بالمدة لأنها عدة وآلة للنظر من حيث أنه لم يمكن إلا بمضيها ولابد من بلوغ الكل ولابد أن تكون المسألة تكليفية وإلا فليس برضى اتفاقا كالتفضيل بين عمار وحذيفة ومحل الخلاف أيضا إنما هو قبل استقرار المذاهب كما صرح به ابن الحاجب والرهوني لأن السكوت بعده لا يدل على الوافقة إذ العادة جارية بإنكار ذلك قوله وهو عائد إلى السكوت مبتدأ خبره حرى بمعنى حقيق ويفقد متعلق بحرى
ولا يكفر الذي قد اتبع
…
إنكار الإجماع وبيس ما ابتدع
يعني أنه لا يكفر من اتبع واعتقد كون الإجماع ليس حجة لكن
ذلك بدعة شنيعة وهفوة فظيعة وقائل ذلك النظام من المعتزلة والشيعة والخوارج والقائلون بحجيته الجمهور وإنما لم يكفر منكر حجيته لأنه لم يثبت عنده الأدلة السمعية الدالة على وجوب متابعة الإجماع فلم يتحقق منه كفر لأنه لم يكذب صاحب الشريعة فحيث جحد كونه حجة بعدما ثبت عنده ورود خطاب الشرع بوجوب متابعة الإجماع كان مكذبا لتلك النصوص والمكذب كافر فلذلك كفر جاحد المجمع عليه المعلوم من الدين بالضرورة وعليه نبه بقوله:
والكافر الجاحد ما قد أجمعا
…
عليه مما علمه قد وقعا
عن الضروري من الديني يعني أنهم كفروا إجماعا جاحد الحكم المجمع عليه المعلوم أي المقطوع بكونه من الدين بالضرورة كوجوب الصلاة والصوم والزكاة والحج ووجوب اعتقاد التوحيد والرسالة وتحريم الخمر والزنا ولو كان مندوبا أو جائزا كحلية البيع والإجارة لكن قيده عياض وابن عرفة وغيرهما بغير حديث عهد بالإسلام وأما هو فلا يكفر بإنكاره ما ذكر والمعلوم بالضرورة هو ما يعرفه الخواص والعوام من غير قبول للتشكيك فالتحق بالضروريات فبان لك أن الضرورة في قولهم المعلوم من الدين بالضرورة ليس معناها استقلال العقل بالإدراك دون الدليل لأن أحكام الشرع عند أهل السنة لا يعرف شيء منها إلا بدليل سمعي ولكن لما كان ما اشترك خواص أهل الدين وعوامهم في معرفته مع عدم قبول التشكيك شبيها بالمعلوم ضرورة في عدم قبول التشكيك وعموم العلم أطلق عليه أنه معلوم بالضرورة لهذه المشابهة وقولنا فالتحق بالضروريات أعني في إطلاق ما ذكر عليه وإنما كفر جاحد ما ذكر لأن جحده يستلزم تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم فيه لأن سنده القطعي يصيره كمباشرة
السماع منه صلى الله عليه وسلم فالمجمع عليه المعلوم من الدين بالضرورة ليس التكفير بإنكاره لكونه إنكار مجمع عليه بل لكونه إنكار معلوم من الدين ضرورة فلم ينقل إلا مدى وابن الحاجب عن أحد عدم التكفير بإنكاره بل نقلا إنكار إسناد التكفير إلى كونه مجمعا عليه واتفقوا على أن إنكار حكم الإجماع الظني لا يوجب التكفير ولا يكفر جاحد المجمع عليه المعلوم من غير الدين بالضرورة اتفاقا كوجود بغداد
ومثله المشهور في القوى
…
إن كان منصوصا
يعني أنه يكفر بإنكار الحكم المجمع عليه المشهور بين الناس المنصوص عليه بالكتاب والسنة على القول القوي أي الصحيح لما تقدم وقيل لا يكفر لجواز أن يخفي عليه مثاله عند المحلى حلية البيع والظاهر أنه مما علم من الدين بالضرورة كما عند حلولو واستدل المحشي لكونه لا يكفر بأن متكلمي أهل السنة عرفوا الكفر بأنه إنكار ما علم بالضرورة من دين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كما أنهم عرفوا الإيمان بأنه التصديق بما علم ضرورة أنه من دين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولا واسطة عندهم بين الإيمان والكفر والتصديق والإنكار كلاهما أمر قلبي أقام الشارع ما يدل عليه من قول أو فعل مقامه ولو كان إنكارا المشهور الذي لم يعلم ضرورة كفرا لكان التعريف غير جامع هـ.
وفي الغير اختلف
…
إن قدم العهد بالإسلام السلف
قدم بضم الدال والسلف فاعل اختلف يعني أن من سلف من أهل الأصول اختلفوا في تكفير جاحد المجمع عليه من الدين المشهور غير