الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لانتقائه لزم وجود المقتضى لذلك الحكم لأن المقتضى إذا لم يوجد كان انتفاء الحكم لانتفائه لا لانتفاء الشرط قوله وفخرهم الخ يعني أن الفخر الرازي أظهر خلاف ذلك بأن قال لا يلزم وجود المقتضى واختاره ابن الحاجب وأجابا بأنه يجوز أن يكون انتفاء الحكم لما فرض أيضا من انتفاء الشرط لجواز دليلين على مدلول واحد كتعليل انتفاء الرجم بعدم الشرط فيه الذي هو الإحصان وإن لم يوجد المقتضى الذي هو الزنى بأن نقول لا يرجم زيد حين لم يثبت عليه الزنى لعدم إحصانه والجمهور يمنعون ذلك ودليلهم الشريعة كما تقدم في مثالي وجوب الزكاة وعدم الإرث والعادة إذ لا يحسن فيها أن يقال للأعمى أنه لا يبصر زيادا للجدار الذي بينهما وإنما يحس ذلك في البصير.
مسالك العلة
ومسلك العلة ما دل على
…
علية الشيء متى ما حصلا
يعني أن مسلك العلة هو ما دل على كون هذا الشيء علة لهذا الحكم حيثما كان هذا الشيء بناء على اشتراط الاطراد في العلة، ويصح أن يكون قوله متى ما حصلا قيدا في المسلك. والمعنى أن مسلك العلة حيثما كان هو ما يد لعلى كون الشيء علة لا ما لا يدل. والمسلك لغة موضع السلوك أي المرور (الإجماع) أي من المسالك أي المواضع التي يؤخذ منها علية الشيء الإجماع وما ذكر بعده كالإجماع على أن العلة في حديث الصحيحين:"لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان" تشويش الغضب للفكر، والتشويش وصف ظاهر ضابط للحكمة وهي خوف الميل عن الحق إلى خلافه وهذه علة عائدة إلى أصلها الذي استنبطت منه بالتعميم كما تقدم، ولما كان مدار النهى على تشويش الفكر علمنا أن الغضب اليسير الذي
لا يمنع من استيفاء الفكر لا يمنع من القضاء وإن الجوع الشديد يمنع منه وقول من يقول العلة الغضب لكن لكونه مشوشا خطأ غذ لا ملزمة بني الغضب والتشويش لأن تشويش الفكر قد يوجد حيث لا غضب، والغضب قد يوجد حيث لا تشويش للفكر بل العلة التشويش للفكر فقط إلا أنه أطلق لفظة الغضب لإرادة التشويش إطلاقا لاسم السبب على المسبب.
فالنص الصريح مثل
…
لعلة فسبب فيتلوا
من أجل ذا فنحو كي إذا
العطف بالفاء أو بثم فيه إشارة إلى أن ما بعده دون ما قبله في القوة فيقدم عليه عند التعارض بخلاف العطف بالواو. يعني أن المسلك الثاني هو النص ومنه صريح بأن لا يحتمل غير العلية مثل افعل كذا لعلة كذا فيلي ذلك فلسبب كذا وبعض الأصوليين أسقط هذين المثالين لعزة وجودهما في الكتاب والسنة فيلي ما ذكر من أجل كذا نحو قوله تعالى: "من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل" وكذا لأجل كذا كقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الاستئذان لأجل البصر" قاله حلولو فيلي ما ذكر نحو كي وإذا نحو قوله تعالى: "كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم""إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات" فإن قيل: إن كي تأتي للتعليل وبمعنى أن المصدرية وهما متغايران فكيف عدها من الصريح مع احتمال كونها لغير التعليل؟ فالجواب إنها إذا كانت بمعنى أن المصدرية لزمتها لام التعليل ظاهرة أو مفردة فهي مؤكدة للام التعليل فلم تخرج عن كونها للتعليل بالأصالة أو التأكيد وفي الحقيقة مدخولها الذي هو الفعل باعتبار ما تضمنه من المصدرية مثبتا أو منفيا هو العلة هذا
الجواب للمحشي وقال زكرياء إن محل كونها للتعليل إذا لم تكن مصدرية.
(فما ظهر لام ثمة البا علما)
ما مبتدأ وظهر صلته ولام خبره وعلم مبني للمفعول ونائب الفاعل ضمير عائد على الباء والألف للإطلاق أي فيلي النص الظاهر جميع ما تقدم من أقسام النص الصريح.
واعلم أن مجيء اللام للعلة مطرد لا يختص بظهورها عن تقديرها، فالظاهرة نحو "كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور" والمقدرة نحو قوله تعالى:"أن كان ذا مال وبنين" أي لأن والظاهر ما يحتمل غير العلية احتمالا مرجوحا وإطلاق النص على ما يشمل الصريح، والظاهر أحد الاصطلاحات الأربعة في معنى النص كما تقدم، قوله ثمة الخ زيادة التاء في ثم جائزة يعني أن الباء من النص الغير الصريح وهو بعد اللام في الرتبة ولذلك عطف بثم نحو "فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحات لهم" أي منعناهم منها لظلمهم.
فالفاء للشارع فالفقيه
…
فغيره يتبع بالشبيه
الفاء بالرفع معطوف على الضمير نائب فاعل علم دون فاصل لوروده فاشيا في النظم أي علم الباء من النص الغير الصريح وعلم الفاء تاليا له في الرتبة ويقدم الفاء في كلام الشارع من كتاب وسنة ويكون فيه في الحكم نحو قوله تعالى "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" وفي الوصف المعلل به نحو حديث الصحيحين في المحرم الذي وقصته دابته "لا تمسوه طيبا ولا تخمروا رأسه فإنه يبعثه يوم
القيامة ملبيا قوله فالفقيه بالجر عطفا على الشارع أي فيلي ما ذكر الفاء في كلام الراوي الفقيه قوله فغيره بالجر أيضا عطفا على الشارع أي فيلي ما ذكر الفاء في كلام الراوي غير الفقيه ويكون في هذين القسمين في الحكم فقط كقول عمر ابن حصين رضي الله تعالى عنه قال سهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد قاله المحلى ووجهه إن الراوي يحكى ما كان في الوجود على الوجه الذي وقع عليه والعلة بحسب الوجود تتقدم على المعلول الذي هو الحكم زمنا ورتبة فلم يدخل الفاء إلا على المعلول وفيه كما في الآيات البينات نظر لأن هذا لا يمنع إدخال الفاء على العلة إذا لو قال مثلا سجد فسهى أي لأجل سهوه لأفاد ترتب الحكم على العلة وأنها متقدمة زمنا أو رتبة وقد عبر في المنهاج بقوله ويكون الفاء في الوصف أو الحكم في لفظ الشارع والراوي انتهى.
وقال الأسنوى في شرحه ويدخل الفاء على الثاني منهما أي الحكم والوصف سواء كان من كلام الشارع والراوي وهو صريح في دخولها على الوصف في كلام الراوي ولكن لم يظفروا له بمثال فقول المحلي ويكون ذلك في الحكم فقط قال في الآيات البينات لعله باعتبار الوجود فقط بحسب إطلاعهم وحينئذ يندفع النظر المذكور قوله يتبع بالشبيه ببناء يتبع للمفعول أي يتبع ما ذكر بما يشبهه في كونه الظاهر منه الدلالة على العلية كان المكسورة المشددة نحو لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا أنك) الآية، وكاذ نحو ضربت العبد إذا ساء أي لإساءته وكبير وحتى وعلى وفي ومن والمراد بظهور ما ذكر من الحروف والأسماء في العلية ظهورها فيها ولو بواسطة القرينة إذ معلوم أن لها معاني أخر غير التعليل كالإلصاق في الباء ومجرد العطف في الفاء ولا يخلو إما أن يكون كل منها حقيقة في جميع معانيها
بأن يكون مشتركا بينها اشتراكا لفظيا وإما أن يكون حقيقة في بعضها مجازا في الباقي وعلى كلا التقديرين لا يكون ظاهرا بنفسه بالعلية إذ المشترك لا يكون ظاهرا بنفسه في بعض معانيه واللفظ لا يكون بنفسه ظاهرا في معناه المجازي كيف وهو معناه المرجوح.
تنبيه: اعلم أن كثيرا من الأصوليين يجعلون الفاء التعليلية من قبيل الإيماء لأن ثبوت الحكم عقب الوصف وترتبه عليه مشعر بعليته ولكل وجه ولا مشاحة في الاصطلاح.
والثالث الإيما اقتران الوصف
…
بالحكم ملفوظين دون خلف
أي الثالث من مسالك العلة هو الإيماء يعني أن الإيماء المتفق على كونه إيماء هو اقتران الوصف الملفوظ بالحكم الملفوظ على الوجه الآتي وكون الوصف والحكم ملفوظا بكل منهما لا ينافي كون كل منهما وإحداهما مقدرا لأن المراد بالملفوظ خلاف المستنبط فيشمل المقدر كالمنطوق به بالفعل لأن المقدر كالمذكور مثال تقديرهما قوله تعالى: (ولا تقربوهن حتى يطهرن) فإذا طهرن فلا مانع من قربانهن ومثال تقدير الحكم فقط قوله تعالى: "إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح" أي فلا شيء لهن أما إذا كان الوصف والحكم مستنبطين معا فليس بإيماء اتفاقا وإن كان أحدهما ملفوظا والآخر مستنبطا فقيل إيماء تنزيلا للمستنبط منزلة الملفوظ فيقدمان عند التعارض على المستنبط بلا إيماء وقيل ليس بإيماء والأصح إيماء إذا كان الوصف هو الملفوظ لاستلزام الوصف للحكم بخلاف العكس لجواز كون الوصف المستنبط أعم من الحكم لأجل كونه أعم من العلة في نفس الأمر لأجل خطأ، المستنبط في استنباطه لذلك الوصف الذي استنبطه، فالمراد بالوصف في قولنا لجواز كون الوصف الذي أثبته الاستنباط لا الوصف في الواقع بخلاف
الوصف في قولنا قبله لاستلزام الوصف الحكم قال في الآيات البينات فحاصل الكلام أنه يجوز أن لا يكون الوصف المستنبط هو الوصف الذي هو العلة في الواقع بل أعم منه فيكون أعم من الحكم لأن الأعم لا يستلزم الأخص فلا يتحقق الافتراق انتهى.
وبهذا تعلم بطلان ما أورده بعض حواشي المحلي عليه هنا مثال الوصف الملفوظ فقط قوله تعالى (وأحل الله البيع) فحله وهو الوصف الملفوظ مستلزم لصحته وهو الحكم المستنبط من الآية ومثال العكس تعليل الربويات بالقوت والادخار أو غيرهما فحرمة التفاضل في بيع بعضها ببعض هو الحكم الملفوظ به في الحديث والقوت والادخار أو الطعم أو الكيل هو الوصف المستنبط.
وذلك الوصف أو النظير
…
قرانه لغيرها يضير
كما إذا سمع وصفا فحكم
سمع وحكم مبنيان للفاعل الذي هو ضمير
الشارع المعلوم من سياق الكلام يعني أن الوصف الملفوظ المقترن بالحكم لابد أن يشعر اقترانه ذلك بكونه علة لذلك الحكم حتى لو كان لغيرها لضر ذلك أي أخل بفصاحة الشارع وإتيانه بالألفاظ في مواضعها وكذلك يشترط ذلك في اقتران نظير الوصف بنظير الحكم حيث يشار بالوصف والحكم إلى نظيرهما أي يشترط فيه الأشعار بكون الوصف النظير الذي لم يذكر حقيقة علة لنظير الحكم أعني بالنظير الحكم الذي لم يذكر حقيقة أيضا فمنشأ الدلالة على علية نظير الوصف لنظير الحكم الاقتران الحكمي بينهما الذي دل عليه الاقتران الحقيقي بين الوصف والحكم إذ في ذكرهما
إشارة إلى نظيرهما فالنظيران مذكوران حكما مفترقان كذلك قاله في الآيات البينات قوله كما إذا سمع الخ، يعني أن أمثلة الإيماء حكم الشارع بعد سماع وصف كما في حديث الأعرابي واقعت أهلي في نهار رمضان) فقال صلى الله عليه وسلم (أعتق رقبة) فأمره بالاعتاق عند ذكر الوقاع يدل على أنه علة له وإلا خلى السؤال عن الجواب وذلك بعيد فيقدر السؤال في الجواب فكأنه قال واقعت أهلك فاعتق، فالعلة المقدرة وهي الوقاع والحكم الذي هو وجوب الاعتاق ملفوظ ومثال النظير حديث الصحيحين أن امرأة قالت (يا رسول الله أن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها) قال أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدى ذلك عنها قالت نعم قال فصومي عن أمك أي فإنه يؤدي عنها. سألته عن دين الله على الميت وجواز قضائه عنه فذكر لها دين الأدمى عليها وقررها على جواز قضائه فلو لم يكن جواز القضاء فيهما لكون الدين علة له لكان بعيدا فهذا المثال وإن نبه فيه على كون نظير الوصف علة لنظير الحكم فقد نبه فيه على أركان القياس الأربعة فالأصل دين العباد، والفرع دين الله، والحكم جواز القضاء، وعلته في كل منهما كونه دنيا قاله المحشى وإما إذا علم الشارع بفعل تجدد فيحكم عقبه بحكم فالصحيح عندنا عدم صحة استناد التعليل إليه لعدم تحقق التعليل فيه لأنه يحتمل أن يكون ذلك الحكم مبتدأ واتفق ذكره مع وقوع الفعل قال حلولو والظاهر الربط فإنه أبعد عن اللبس وأقرب إلى الفهم، انتهى.
وذكره في الحكم وصفا قد ألم.
(إن لم يكن علته لم يفد) ذكره مبتدأ خبره جملة، قد ألم يعني أن ذكر الشارع في الحكم وصفا لم يصرح بالتعليل به، قد ألم
أي وقع كونه إيماء لكن لو لم يكن ذلك الوصف علة لذلك الحكم لم يكن لذكره فائدة كحديث الصحيحين لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان، فتقييده المنع من الحكم بحالة الغضب المشوش للفكر يدل على أنه علة له وإلا خلى ذكره عن الفائدة وذلك بعيد من غير الشارع فضلا عن الشارع الذي هو أبلغ خلق الله تعالى ويصح أن يكون هذا مثالا لترتيب الحكم على الوصف فيكون إيماء من وجهين.
(ومنعه مما يفيت) منعه مرفوع معطوف على فاعل ألم يعني أنه وقع من الإيماء منع الشارع المكلف من فعل قد يفوت ذلك الفعل فعلا آخر مطلوبا منه نحو قوله تعالى (فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) فإنه يفهم منه أن منع البيع وقت نداء الجمعة إنما هو لأجل أن البيع يفوت الجمعة فلو لم يكن لمظنة تفوقيتها لكان المنع بعيدا. (استفد ترتيبه الحكم عليه) أي استفد كون ترتيب الشارع الحكم على الوصف إيماء نحو أكرم العلماء فترتيب الإكرام على العلم لو لم يكن لعلية العلم له لكان بعيدا.
(واتضح تفريق حكمين بوصف المصطلح) يعني أنه اتضح كون هذا القسم من الإيماء وهو تفريق الشارع بين حكين بالوصف في المصطلح أي اصطلاح أهل الأصول مع ذكر الحكمين أو ذكر أحدهما فقط.
مثال الأول حديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم جعل للفرس سهمين وللرجل سهما) فتفريقه بين هاذين الحكمين بهاذين الوصفين لو لم يكن لعلية كل منهما لكان بعيدا والوصفان هما مفهوم
الفرس والرجل لا أسماؤها إذ هما لغتان لا مدخل للتسمية بهما في الحكمين.
ومثال الثاني حديث الترمذي: «القاتل لا يرث» أي بخلاف غيره (المعلوم) إرثه فالتفريق بين عدم الإرث المذكور وبين الإرث المعلوم بصفة القتل المذكور مع عدم الإرث لو لم يكن لعليته له لكان بعيدًا والمراد بالوصف هنا الوصف الاصطلاحي وهو لفظ مقيد لآخر ليس (بشرط) ولا استثناء ولا غاية ولا استدراك بدليل مقاساته بها والمراد به في تعريف الإيماء ما يشمل المذكورات.
أو غاية شرط أو استثناء
(بجر غاية عطفاً على وصف) المصطلح وشرط معطوف عليه بعاطف محذوف واستثناء معطوف على غاية أيضاً يعني أن من الإيماء تفريق الشارع بين حكمين بشرط أو غاية أو استثناء أو استدراك.
مثال الشرط حديث مسلم «الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يدًا بيد فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد» فالتفريق بين منع البيع في هذه الأشياء متفاضلاً وبين جوازه عند اختلاف الجنس لو لم يكن لعلية الاختلاف للجواز لكان بعيدًا.
ومثال الغاية قوله تعالى: (ولا تقربوهن حتى يطهرن) فإذا طهرن فلا مانع من قربانهن فتفريقه بين المنع من قربانهن في الحيض وبين جوازه في الطهر لو لم يكن لعلية الطهر لكان بعيدًا.
ومثال الاستثناء قوله تعالى: (فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون) أي الزوجات عن ذلك النصف فلا شيء لهن فتفريقه بين ثبوت النصف لهن وبين انتفائه عند عفوهن عنه لو لم يكن لعلية العفو للانتفاء لكان بعيدًا.
ومثال الاستدراك قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) فتفريقه بين عدم المؤاخذة بالإيمان وبين المؤاخذة بها عند تعقيدها لو لم يكن لعلية التعقيد بالمؤاخذة لكان بعيدا.
تنيبه: صرح الغزالي وغيره بأن وجوه الإيمان كثيرة لا تنحصر في ما ذكر وإنما يذكرون تلك الوجوه تنبيها على ما لم يذكر.
(تناسب الوصف على البناء) أعني أن الأكثرين لا يشترطون في الإيماء مناسبة الوصف اليومي إليه للحكم قال المحلي بناء على أن العلة بمعنى المعرف أي العلامة والإمارة وقيل تشترط بناء على أنها بمعنى الباعث انتهى.
وعلل حلول عدم اشتراط المناسبة طريق مستقل والإيماء كذلك فلا يتوقف أحدهما على الآخر وعلل اشتراطها بأن الغالب من تصرفات الشرع أن يكون على وفق الحكمة فما لا مناسبة له ولا يوهم المناسبة يمنع التعليل به وعورض مذهب الأكثر بما سبق من أن شروط الإلحاق بها اشتمالها على حكمة تبعث المكلف على الامتثال وتصلح شاهدا لإناطة الحكم بها وبما سبق قريبا من أن الوصف يستلزم الحكم فكيف يستلزم مع عدم المناسبة واجب بالجمع بين الكلامين بأن ما تقدم هو اشتراط اشتمالها على الحكمة المذكورة ولو احتمالا
ومظنة وإن كان قد لا يطلع على حكمته إذ لا تخلو علة عن حكمة لكن في الجملة فقد يقطع بانتفائها في بعض الصور وبأن المراد هنا أنه لا يشترط مناسبة بحسب الظاهر وإلا فالمناسبة معتبرة في نفس الأمر قطعا للاتفاق على امتناع خلو الأحكام عن الحكمة فظاهر السبكي ومن وافقه اشتراط المناسبة في نفس الأمر وإن كانت العلة بمعنى الإمارة وقال العضد أن المناسبة لابد منها في نفس الأمر إذا كانت العلة بمعنى الباعث ولا تجب المناسبة في نفس الأمر إذا كانت بمعنى الإمارة المجردة وعلى كلام العضد وكلام المحلي السابق يحمل قولنا تناسب الوصف على البناء.
(والسبر والتقسيم قسم رابع) أي من مسالك العلة السبر والسبر بالفتح لغة الاختبار ومنه سمى ما يعرف به طول الجرح وعرضه سبارا ككتاب ومسبار كمفتاح تقول العرب هذه القضية يسبر بها غور العقل أي يختبر والتقسيم لغة الافتراق ولذا عبر بعض الأصوليين عن التقسيم بالافتراق والأصل أن يقال التقسيم والسبر لأن الناظر يحصل ما بالمحل من الأوصاف بأن يقول مثلا العلة أما الاقتيات والاذخار والطعم أو الكيل وهذا هو التقسيم ثم يختبر الصالح للعلية من غير وهذا هو السبر فيعين الصالح للعلية وإذا كان ذلك هو الأصل فمقتضاه أن يقال التقسيم والسبر ليوافق ترتب اللفظين ترتب معنيهما لكن عدل عنه لما قال المحشي ولفظه قلنا مجموع اللفظين علم للمسلك وهو مفرد لا نظر فيه إلى ترتيب انتهى.
وأظهر منه كلام القرافي وافظه لكن التقسيم لما كان وسيلة للاختبار والاختبار هو المقصد وقاعدة العرب تقديم الأهم والأفضل
قدم السبر لأنه المقصد الأهم وأخر التقسيم لأنه وسيلة أخفض رتبة من المقصد وهذه الطريق مفيدة للعلة لأن الحكم مهما أمكن أن يكون معللا فلا يجعل تعبدا وإذا أمكن إضافته للمناسب فلا يضاف لغير المناسب ولم نجد مناسبا إلا ما بقي بعد السبر فوجب كونه حجة وعلة بهذه القواعد انتهى.
قال الرهوني ويسمي هذا المسلك بالسبر وحده وبالتقسيم وحده وبهما معا انتهى والجمع أكثر والسبر والتقسيم اصطلاحا هو ما أشار إليه بقوله: (أن يحصرا الأوصاف فيه جامع).
ويبطل الذي لها لا يصلح
…
فما بقى تعيينه متضح
يعني أن السبر والتقسيم هو أن يحصر جامع أي شخص حافظ لجميع الأوصاف الموجودة فيه أي في الأصل المقيس عليه ويكون الحصر المذكور مع إبطال ما لا يصلح لها أي للعلية من تلك الأوصاف ويكون الإبطال بطريق من طرق إبطال العلية كعدم الاطراد أو عدم الانعكاس كان يحصر أوصاف البر في قياس الذرة عليه في كل من الاقتيات مع الادخار ومن الطعم ومن الكيل ومن المالية وغير ذلك من أوصافه فيبطل ما عدا الاقتيات مع الادخار بعدم الاطراد وهو وجودها مع انتفاء الحكم الذي هو ربوية الفضل فيتعين الاقتياب والادخار للعلية لربى الفضل قوله: (فما بقى الخ) بقى بفتح القاف وكسرها ومن طرق الإبطال كون الوصف الذي دخل للحصر طردا أي من جنس ما علم من الشارع إلغاؤه كما يأتي وبهذا بطل تقييد العضد الأوصاف بكونها صالحة للعلية إذ كيف يوصف وصف مع كونه طردا بالصلاح للعلية.
معترض الحصر في دفعه يرد
…
بحثت ثم بعد بحثي لم أجد
معترض مبتدأ خبره يرد بفتح الياء وفاعله الذي هو بحثت الخ على التأويل باللفظ وقوله في دفعه متعلق بيرد يعني أنه يكفي في دفع منع المعترض الحصر في الأوصاف التي يذكرها المستدل أحد أمرين.
أولهما قول المستدل بحثت فلم أجد غير ما ذكرته من الأوصاف والثاني أشار له بقوله:
(أو أنفقا دما سواها الأصل) الأصل مبتدأ خبره انفقاد يعني أنه يكفي في دفع ما ذكر قول المستدل الأصل عدم ما سواه وإنما اكتفى بقوله بحثت فلم أجد لعدالته مع أهلية النظر فيه فيندفع عنه بذلك منع الحصر وغير العدل لا يكفي قوله ما ذكر لأن قوله لا يقبل شرعا والمراد عدل الرواية لأن هذا أخبار محض وله الدفع بالاستدلال على الحصر مثاله أن يقول المستدل العلة في الإجبار في النكاح أما البكارة وأما الجهل بالمصالح فيمنع المعترض الحصر فيستدل على نفي التعليل بغيرهما بالإجماع.
(وليس في الحصر لظن حظل) بالظاء المعجمة المثالة يعني أن ما تقدم من الاكتفاء في دفع منع الحصر بأحد الأمرين إنما هو في حالة مناظرة المجتهد مع غيره أما المجتهد الناظر لنفسه فيرجع في حصر الأوصاف إلى ظنه فيلزمه الأخذ به لأنهم لم يحظلوه من ذلك أي لم يمنعوه منه.
(وهو قطعي إذا ما نميا للقطع) يعني أن هذا المسلك يكون قطعيا والاحتجاج به متفق عليه إذا كان كل من الحصر والإبطال قطعيا لأن اعتماد الدلالة فيه عليهما فألف الاثنين للحصر والإبطال.
(والظني سواه وعياً) بالبناء للمفعول وألفه للإطلاق خبر الظني وسواه حال من الضمير نائب وعي أي حفظ وعرف يعني أن الظني هو غير القطعي وهو ما كانا فيه أو أحدهما ظنيا.
حجية الظني رأى الأكثر
…
في حق ناظر وفي المناظر
يعني أن الاحتجاج بالسبر والتقسيم الظني هو مذهب الأكثر واختاره القاضي منا قال الفهري منا وهو الأظهر لوجوب العمل بالظن لأن الحكم لا يخلو عن علة ظاهرة غالبا وار علته لا تعدو أوصاف محله وإذا ظهر بطلان ما سوى المستبقى غلب على الظن أنه علة ولقائل أن يقول أن وجوب العمل بالظن إنما هو في حق الظان ومقلديه دون غيره فكيف يكن حجة على المناظر وهو من حيث المناظرة لا يلزمه تقليد ذلك الظان ويجاب بما في الآيات البينات من أن هذا ليس من باب التقليد بل هو من باب إقامة الدليل على الغير وإن لم يفد إلا مجرد الظن لوجوب العمل بالدليل الظني ولا فرق في كون الظني حجة بين الناظر لنفسه والمناظر غيره ويقابل مذهب الأكثر ثلاثة أقوال أحدها أنه ليس بحجة مطلقا لجواز إبطال الباقي.
ثانيها وبه قال إمام الحرمين من الشافعية أنه حجة أن أجمع على تعليل ذلك الحكم في الأصل يعني أنه من الأحكام المعللة لا التعبدية حرزا من أداء بطلان الباقي إلى خطأ المجمعين ومنع ذلك بأنه لا يلزم من إجماعهم على تعليل الحكم الإجماع على أنه معلل بشيء مما أبطل وإلا يجمع على تعليل الحكم في الأصل فلا يحتج به لاحتمال أن يكون تعبدا قال الفهري منا أن ما ذكره إمام الحرمين محتمل إلا أنه خلاف الأصل يعني أن الأصل في الأحكام أي الغالب فيها معقولية المعنى لا التعبد فالحاقة بالغالب أولى من إلحاقه بالنادر.
ثالثها أنه حجة للناظر لنفسه دون المناظر غير لأن ظنه لا يقوم حجة على خصمه وقد تقدم جوابه منقولا عن الآيات البينات.
أن يبد وصفا زائدا معترض
…
وفي به دون البيان الغرض
يعني أن المعترض إذا أبدى أي أظهر وصفا زائدا على حصر المستدل وفي أي حصل بإبدائه غرض المعترض وهو ثبوت الاعتراض على المستدل ولا يكلف المعترض حينئذ بيان صلاحية ما أبداه للتعليل لأن بطلان الحصر بإبدائه كاف في الاعتراض فعلى المستدل دفعه بإبطال التعليل به لكنه لا ينقطع بمجرد إظهار المعترض الوصف الزائد على أوصافه حتى يعجز عن إبطال صلاحية ذلك الوصف للعلية.
وقطع ذي السبر إذا منحتم
…
والأمر في إبطاله منبهم
الواو في قوله والأمر للحال يعني أن قطع المستدل على علية الوصف بالسبر قيل أنه يجب بإبداء المعترض وصفا زائدا على انبهام الأمر في إبطاله ذلك الوصف المبدي والمراد بانبهامه عدم تبين المستدل عدم صلاحيته للعلية فإن بينه لم ينقطع وثبت سبره لأن غاية ما في إبدائه منع مقدمة من الدليل والمستدل لا ينقطع بالمنع على الأصح كما تقدم ولكن يلزمه دفع منع المقدمة بدليل يبطل به علية الوصف.
قوله إذا منون.
(أبطل لما طردا يرى).
مبني للمفعول وطردا مفعوله الثاني يعني أنه إذا حصل الحصر فللإبطال طرق منها ظهور كون الوصف طردا ويقال طردي بالياء المشددة أي من جنس ما علم من الشارع إلغاؤه ويعلم إلغاؤه باستقراء موارد الشريعة سواء كان الطرد في جميع الأحكام كالطول والقصر
فإنهما لم يعتبرا في القصاص ولا في الكفارة ولا في الإرث ولا العتق لا في المعتق بالكسر ولا في المعتق بالفتح ولا غير المذكورات فلا يعلل بهما حكم أصلا أو كان الطرد في الحكم المتنازع فيه كالذكورة والأنوثة في العتق فلا يعلل بهما شيء من أحكامه وإن اعتبرا في الشهادة والقضاء والإمامة والإرث وولاية عقد النكاح.
(ويبطل غير مناسب له المنخذل) يبطل بضم الطاء والمنخذل فاعله وغير مناسب بكسر السين حال من المنخذل والضمير المجرور باللام للحكم يعني أن من طرق الإبطال بعد ثبوت حصر الأوصاف إن لا تظهر مناسبة الوصف المنخذل أي المحذوف وهو الوصف الذي يريد المستدل إسقاطه أي مناسبته للحكم بعد البحث عنها لانتفاء مثبت العلية بخلافه في الإيماء فلا يشترط فيه ظهور المناسبة عند الأكثر وإنما اشترط هنا لأنه لما تعددت فيه الأوصاف احتيج إلى بيان صلاحية بعضها للعلية بظهور المناسبة فيه فاشتراطه هنا لعارض لأبناء على أن العلة بمعنى الباعث فلا ينافي ما مر من ترجيح أنها بمعنى المعرف.
(كذاك بالالغا وإن قد ناسبا). بقصر الإلغاء للوزن يعني ويحصل الإبطال بعد ثبوت الحصر بكون الوصف ملغي وإن كان مناسبا للحكم المتنازع فيه ويكون إلغاء باستقلال المستبقي بالحكم دونه في صورة مجمع عليها حكاه الفهري كاستقلال الطعم في ملء كفمن القمح بالحكم الذي هو حرمة ربي الفضل دون الكيل وغيره فإن ذلك لا يكال وليس فيه اقتيات في الغالب.
(وبتعدي وصفه الذي اجتيا) الضمير في وصفه للمستدل يعني أن الإبطال يحصل بعد ثبوت الحصر بتعدي وصف المستدل الذي
اجتباه أي اختاره للتعليل والتقصير وقصور غيره من أوصاف المحل لأن تعدية الحكم محله أكثر فائدة من قصوره عليه.
ثم الناسبة والإخالة
…
من المسالك بلا استحالة
بكسر همزة الإخالة وهذا هو المسلك الخامس يعني أن من الطرق الدالة على علية الأمر للحكم المناسبة بينهما فهذه الطريق تسمي المناسبة وتسمي أيضا الاخالة بكسر الهمزة وبالخاء المعجمة من خال بمعنى ظن سميت مناسبة الوصف بالاخالة لأن بالنظر إلى ذاتها يخال أي يظن علية الوصف للحكم والمناسبة لغة الملاءمة أي الموافقة وقيل المغاربة فصريح هذا النظم كالسبكي أن المسلك هو نفس المناسبة لا استخراجها قال في الآيات البينات وهذا وجيه جدا لأن المسلك دليل العلة وشأن الدليل كما هو جلي أن يكون ثابتا في نفسه مع قطع النظر عن نظر المستدل فيه سابق الوجود عليه انتهى.
ويصح جعل استخراج المناسبة الذي هو تخريج الناط هو المسلك لأن السبكي أرتكب نظيره في السبر والتقسيم لأنه فسره بالحصر والإبطال وهما فعلان للمجتهد كما أن الاستخراج فعل له فكونه فعلا لا يمنع من كونه دليلا فيصح إطلاق المسلك على كل من المناسبة ومن تخريج المناط لأن المراد بالمسلك ما يثبت العلية ونسبة الإثبات لكل منهما صحيحة لأن المناسبة دليل والتخريج إقامة ذلك الدليل وكل منهما يصح أن ينسب إليه المسلكية.
ثم بتخريج المناط يشتهر
…
تخريجها وبعضهم لا يعتبر
تخريجها بمعنى استخراجها فاعل بشتهر وبتخريج المناط متعلق بيشتهر ويعتبر مبني للفاعل يعني أن استخراج المناسبة الحاصل
بإبداء الوصف المناسب يسمي تخريج المناط بفتح الميم والمناط العلة التي نيط الحكم بها أي علق وأصل المناط مكان النوط أي التعليق قال الشاعر:
بلاد بها نيطت على تمائمي
…
وأول أرض مس جلدي ترابها
سمي استخراج المناسبة بتخريج المناط لأنه استخراج ما نيط الحكم به وسمي الوصف بالمناط لأنه موضع له وتخريج المناط من أعظم مسائل الشريعة دليلا وتقسيما وتفصيلا وأنكره الظاهرية وغيرهم وإليه الإشارة بقولنا، وبعضهم لا يعتبر.
وهو أن يعين المجتهد
…
لعلة بذكر ما سيرد
من التناسب الذي معه اتضح
…
تقارب والأمر مما قد قدح
هو ضمير هذا المسلك الذي هو المناسبة عند السبكي أو تخريج المناط عند ابن الحاجب يعني أن هذا المسلك الذي هو أحد الأمرين تعيين المجتهد العلة بإبداء مناسبة بين العلة المعينة والحكم مع الاقتران بينهما في دليل حكم الأصل ومع السلامة للوصف المعين من قوادح العلية والاقتران معتبر في كون الوصف المناسب علة لا في كون الوصف مناسبا وصورته أن يحكم الشارع في صورة بحكم ولا يتعرض لبيان علته فيبحث المجتهد عن علة ذلك الحكم، ويستخرج ما يصلح مناطا له كالأسكار في حديث مسلم (كل مسكر حرام) فهو لإزالته العقل المطلوب حفظه مناسب للحرمة وقد اقترن بها في دليل الحكم وهو الحديث وسلم ومن القوادح قال حلولو فيخرج بإبداء المناسبة تعيين العلة بالطرد أو الشبه أو الدوران انتهى.
وباعتبار المناسبة في هذا المسلك يمتاز عن ترتب الحكم على الوصف الذي هو من أقسام الإيماء وإن اشتركا في ارتباط الحكم بالوصف في كل منهما فحديث مسلم المذكور فيه الإيماء من جهة ترتيب الحكم على الوصف ولو فرضنا عدم ظهور المناسبة بينهما بناء على مذهب الأكثر من عدم اشتراطها وفيه المناسبة أي النوع المسمي بها جهة ظهور المناسبة الخاصة والسلامة عن القوادح قيد في تسمية التعين المذكور بتخريج المناط بحسب الواقع لا للاعتداد به إذ كل مسلك لا يتم بدونها فالسلامة جزء من مسمى هذا المسلك الذي هو المناسبة أو تخريج المناط أما بالنسبة إلى غيره فشرط خارج عن المسمى.
وواجب تحقيق الاستقلال
…
بنفي غيره من الأحوال
يعني لابد أن يحقق استقلال الوصف المناسب بالعلية ويحقق الاستقلال بنفي غيره من الأحوال أي الأوصاف ونفي غيره يكون بالسبر بأن لا يجد مثله ولا ما هو أولى منه لا بقول المستدل (بحثت فلم أجد غيره) أو الأصل عدمه، فلا يكفي هنا بخلافه في السبر لأن المقصود هنا إثبات الوصف الصالح للعلية وهناك نفي ما لا يصلح للعلية من الأوصاف:
ثم المناسب الذي تضمنا
…
ترتب الحكم عليه ما اعتنا
به الذي شرع من أبعاد
…
مفسدة أو جلب في سداد
المناسب مبتدأ خبره الذي وصلته وترتب فاعل تضمن ومفعوله هو ما من قوله ما اعتنى والسداد مفتوح السين المصلحة تقدم أن المناسبة لغة مطلق الملاءمة الموافقة وإما في الاصطلاح فهي ملاءمة
خاصة هي فرد من أفراد المعنى اللغوي وعليه فالمناسب المأخوذ منها أي من المناسبة الاصطلاحية هو الوصف المناسب الذي تضمن أي استلزم ترتب الحكم عليه ما اعتنى به الشارع في شرع الأحكام من حكمة لحصول مصلحة ودفع مفسدة ويدخل في المفسدة المشقة والمصلحة لذة أو وسيلتها والمفسدة ألم أو وسيلته وكلاهما نفسي أو بدني دنيوي أو أخروى قال في التنقيح والمناسب ما تضمن تحصيل مصلحة أو درء مفسدة.
فالأول كالغنى علة وجوب الزكاة والثاني كالاسكار علة تحريم الخمر انتهى.
فيلزم على ترتب وجوب الزكاة على الغنى المقصود الذي هو سد خلة الفقراء من ترتب تحريم الخمر على الاسكار المقصود الذي هو حفظ العقل الموجب زواله للوقوع في كثير من المهالك وقولنا استلزم ترتب الحكم عليه الخ قال جمع منهم الاصفهاني شارح مختصر ابن الحاجب ومنهم الزركشي وتبعهم زكرياء أنه احترز عن الوصف المستبقى في السبر والمراد في الدوران وغيرهما من الأوصاف التي تصلح للعلية ولا يحصل عقلا من ترتيب الحكم عليها المعنى المذكور من حصول مصلحة أو دفع مفسده ولا يلزم من ذلك خلو هذه الأوصاف عن اشتمالها على حكمة وبحث في الآيات البينات بأنه قد يشكل الإضرار المذكور بأن ما ذكر من الوصف المستبقى في السبر والمدار في الدوران وغيرهما من الأوصاف قد يشتمل على المناسبة ويحصل من ترتيب الحكم عليه ما ذكر غاية الأمر أن تلك المسالك لم يعتبر فيها المناسبة في دلالتها على العلية وذلك لا ينافي حصول المناسبة بتلك الأوصاف اللهم غلا أن يريدوا أن الأوصاف المثبتة عليتها بتلك
المسالك لا يحصل من ترتيب الحكم عليها ما ذكر فلو اشتملت على مناسبة لكان حصول ما ذكر من ترتيب الحكم عليها باعتبار مسلك المناسبة لا تلك المسالك الأخرى هـ.
ويحصل القصد بشرع الحكم
…
شكا وظنا وكذا بالجزم
القصد بمعنى المقصود يعني أن الحكمة التي هي المقصود من شرع الحكم أي من ترتيب الحكم على علته قد تحصل شكا بأن يكون ثبوتها وانتفاؤها على حد سواء وقد تحصل ظنا بأن يكون ثبوتها أرجح من انتفائها وقد تحصل جزما أي يقينا.
الأول كحد الخمر لأجل الاسكار فإن حصول المقصود من شرع حكمه وهو الانزجار عن شربها وانتفاؤه مستاويان لتساوي الممتنعين عن شربها والمقدمين عليه فيما يظهر للناظر إلى اللمتنعين وإلى المقدمين لا بالنسبة إلى ما في نفس الأمر لتعذر الإطلاع عليه ولهذا الاعتبار قال بعضهم أنه لا مثال له على التحقيق ثم حكم الناظر بالتساوي فيما يظهر له تقريبي لا حقيقي
والثاني كالقصاص لأجل القتل العمد العدوان من مكافئ يحصل المقصود من شرع حكمه وهو الانزجار عن القتل ظنا فإن الممتنعين عنه أكثر من المقدمين عليه وإنما قلنا أكثر لأن الغالب من حال العاقل أنه إذا علم أنه متى قتل قتل كف عن القتل.
والثالث كجواز البيع لأجل الاحتياج إلى المعارضة في الجملة يحصل المقصود من شرعه وهو الملك يقينا في الجملة فلا يقال قد يتخلف الملك عن البيع كما لو كان الخيار للبائع وحده لأن
ذلك لا ينافي حصوله يقينا في الجملة فإنه حاصل يقينا إذا لم يكن خيار وكذا إن كان خيار ولو بعذر من الخيار.
وقد يكون النفي فيه أرجحا
…
كئايس لقصد نسل نكحا
النفي مصدر نفي الشيء بمعنى انتفى فإن نفى يستعمل متعديا ولازما والايس مقلوب اليائس فالياء فيه هي فاؤه والحكم هو جواز نكاح الايس لطول تجربة لمصلحة التوالد قال في الآيات البينات الظاهرات الوصف المعلل به هنا احتياج الناس إلى نكاح والمقصود هو التوالد وإن كان من جرحا هـ.
فإن حصول الولد من الايس واليائسة ممكن عقلا لإعادة قال حلولو وفيه عندي نظر فإن العادة تفيد القطع في بنت التسعين هـ أي بالتاء الفوقية قبل السين قلت ولا حاجة له إلى ما ذكر لأنهم لم يمثلوا ببنت التسعين بل مرادهم الحالات التي الغالب فيها عدم التوالد من سر أو غيره كطول تجربة ولا يقال اليأس ينافي التوالد لانا لا نسلم ذلك إنما اليأس يبعده كما يستفاد من كلام الفقهاء قاله في الآيات البينات فإن قطع بانتفائه الحكمة في صورة فقد تقدم في قولنا: (وفي ثبوت الحكم عند الانتفاء) البيت
بالطرفين في الأصح عللوا
…
فقصر مترف عليه ينقل
يعني أن الأصح عند أهل الأصول التعليل بالطرفين من الأقسام الأربعة أعني الوصف المناسب المشتمل على حكمة حاصلة من ترتيب الحكم على ذلك المناسب شكا أو وهما وأما التعليل بالثاني والثالث فجائز اتفاقا وظاهر هذا النظم كجمع الجوامع إن التعليل بنفس المقصود الذي هو الحكمة لكن الأولى تأويله بما ذكر أو
يقال ما قال زكرياء أنه مستثنى مما تقدم أنه لا يجوز التعليل بالحكمة انتهى.
يعني أنه لا يجوز على قول قال في الآيات البينات قد يستشكل بأنه إذا جاز التعليل بالأربعة لم يبق شيء فما معنى الاستثناء فإن المعلل به لا يخرج عن هذه الأربعة إلا أن يقال هذه الأربعة أقسام المناسب أي ما ظهرت مناسبته والعلة لا تنحصر فيه فقد تكون فيما لم تظهر مناسبته ومنه الاسم اللقب والوصف اللغوي وما لم يطلع على حكمته هـ.
وفي الآيات البينات ما لفظه وقد يستبعد ذلك أي جعل الحكمة علة لأن الحكمة هي ما يترتب على ثبوت الحكم فكيف يترتب الحكم عليها كما هو قضية جعلها علة إلا أن يراد أنها حكمة لحكم وعلة لأخر هـ
قوله فقصد مترف بضم ميم مترف وفتح رائه وهو المترفه بسفره أي المنتعم به وببناء ينقل للمفعول يعني أن قصر المترفه بسفره أي المنتعم به وببناء ينقل للمفعول يعني أن قصر المترفه بسفره ينبني جوازه الذي هو المشهور على جواز التعليل بالطرفين فعلى الأصح يجوز القصر للمترفه في سفره المظنون فيه انتفاء المشقة التي هي حكمة شرع الترخص وإنما قلنا المظنون لأن الترفه لا ينافي قطعا وجود المشقة بل توجد معه كما هو مشاهد من بعض المسافرين برا في نحو محفة وبحرا في نحو سفينة مظللة وقد يقطع بانتفاء المشقة كمن مسكنه في البحر ونزل منه في سفينة قطعت به مسافة قصر في لحظة والحاصل من كلام المحلي أن المقصود من شرع الترخص المشقة وهو في الحقيقة انتفاؤها وقيل لا يجوز التعليل بالأول لأن المقصود فيه الذي هو الحكمة مشكوك الحصول ولا بالرابع لأنه فيه مرجوحة وعليه لا يجوز قصر المترفه بسفره
ثم المناسب عنيت الحكمة
…
منه ضروري وجاتتمة
هذا تقسيم للمناسب إلى ثلاثة أقسام ضروري وحاجي وتتمة ويقال له تحسيني والمراد بالمناسب هنا الحكمة المقصودة من الوصف المناسب ويصح أن يراد به هنا الوصف المناسب باعتبار الحكمة لا نفس الوصف المناسب فقط والمراد بالمناسب فيما سبق وفيما يأتي العلة قوله وجاتتمة بقصر جاء للوزن أي من المناسب ما هو تتمة التحسيني ما استحسن عادة من غير احتياج إليه ولم تلجئ إليه ضرورة وإنما استحسن عادة لأنه حث على مكارم الأخلاق وإتباع أحسن المناهج في العادات والمعاملات والضروري ما كان حفظه سببا للسلامة من هلاك البدن أو الدين.
بينهما ما ينتمي للحاجي
…
وقدم القوى في الرواج
يعني أن بين مرتبة المناسب الضروري والمناسب التحسيني مرتبة ثالثة تسمي المناسب الحاجي فالمناسب ضروري فحاجي فتحسيني وقدم في الرواج أي الاعتبار القوى من الثلاثة عند تعارض الأقيسة فيقدم الضروري ثم الحاجي ثم التحسيني فبهذا يظهر ثمرة ترتبها والحاجي ما يحتاج إليه ولم يصل إلى حد الضروري
دين ونفس ثم عقل نسب
…
مال إلى ضرورة تنتسب
يعني أن الضروريات وهي أصول المصالح منها حفظ الدين وهو الحكمة المقصودة من ترتب الحكم بمعنى المحكوم به وهو القتل على الوصف المناسب وهو الكفر وكذلك هو الحكمة المقصودة من قتل المرتد والزنديق وأصحاب البدع المضلة ومنها حفظ النفس وهو الحكمة المقصودة من ترتب القصاص على القتل ومنها حفظ العقل وهو الحكمة
المقصودة من ترتب الحد على الاسكار ومنها حفظ النسب وهو الحكمة المقصودة من ترتب حد الزنى على الزنى ومنها حفظ المال وهو الحكمة المقصودة من ترتب حد السرقة وحد قطع الطريق عليهما من ترتب الضمان على المتلفات وإنما كان حفظ المال من الضروريات لتوقف البنية عليه واشتراط عدالة الشهود ضروري صونا للنفوس والأموال وفي الإمامة حاجية وفيها خلاف لأنها شفاعة والحاجة داعية إلى إصلاح حال الشفيع وفي النكاح تتمة لأن الولي قريب ينزعه طبعه عن الوقوع في العار ورخص في البلد الذي يتعذر فيه العدول قبول شهادة أمثلهم حالا وكذا في القضاة وولاة الأمر.
ورتبن ولتعطفن مساويا
…
عرضا على المال تكن موافيا
العرض بالكسر النفس وجانب الرجل الذي يصونه من نفسه وحسبه أن ينتقض ويثلب أو سواء كان في نفسه أو سلفه أو من يلزمه أمره أو موضع المدح والذم أو ما يفتخر به من حسب وشرف وقد يراد به الآباء والأجداد والخليقة المحمودة إلى غير ذلك يعني أن ما ذكر من الضروريات مرتب فكل واحد منها دونما قبله في الرتبة فيقدم عليه عند التعارض الأحفظ المال وحفظ العرض فإنهما معا في آخر رتبة ومعنى تكن موافية بضم الميم تكن موافقا لأهل الأصول فحفظ العرض هو الحكمة المقصودة من ترتب جلد ثمانين على القذف وتسوية العرض والمال مذهب السبكي لكن الظاهر أن يفصل فيقال من فوائد حفظ الأعراض صيانة الأنساب عن تطرق الشك إليها بالقذف فيلحق بحفظ النسب فيكون بهذا الاعتبار أرفع من المال فإن حفظهما بتحريم الزنا تارة وبتحريم القذف المفضي إلى الشك في الأنساب أخرى وتحريم الأنساب مقدم على الأموال ومن الأعراض ما هو دون
جميع الضروريات وهو دون الأموال لا في رتبتها وهذا القسم من الأعراض هو ما عدا القسم الأول قاله بعضهم قال في الآيات البينات ولا يخفى أن للمصنف يعني السبكي أن لا يسلم أنه في الشق الأول أرفع في المال. وأنه في الشق الثاني دون المال فلا يرد عليه ذلك هـ
واستشكل جعل حفظ المال من الضروري والبيع من الحاجي مع أن ضرورية المال إنما هي لتوقف البنية عليه وحجة.
فأي فرق بين المال الذي في يده والمال الذي يراد تحصيله بالبيع ولم كان حفظ الأول ضروريا دون الثاني مع التوقف على كل منهما واحتمال الاستغناء عن البيع بنحو هبة أو إعارة أو تصدق فإن منع ضرورية البيع لإغناء ذلك عنه فليمنع ضرورية حفظ ما بيده كذلك هـ من الآيات البينات.
فحفظها حتم على الإنسان
…
في كل شرعة من الأديان
الشرعة بالكسر بمعنى الشريعة وهي ما شرعه الله تعالى لعباده والمعنى أن حفظ الضروريات المذكورة واجب على كل إنسان مكلف بإجماع جميع الملل قال الجزائري:
قد أجمع الأنبياء والرسل قاطبة
…
على الديانة بالتوحيد في الملل
وحفظ نفس ومال معهما نسب
…
وحفظ عقل وعرض غير مبتذل
قال التشيتي:
العرض ضد الطول والعرض غدا
…
ومفرد العروض فتحها بدا
والعرض بالكسر بمعنى النفس
…
والضم للجانب دون لبس
قوله والعرض غدا المراد بغدا يوم القيامة يعني عرض الأعمال فيه:
الحق به ما كان ذا تكميل
…
كالحد فيما يسكر القليل
بالجر نعت لما من قوله فيما يسكر يعني أنه يجب أن يلحق بالضروري مكمله أي المؤكد له والمبالغ في حفظه بسببه كالحد في القليل من المسكر جنسه قال شهاب الدين عميرة الوصف المناسب في هذا المثال هو كون القليل يدعو إلى الكثير والحكم الحد المرتب عليه والمقصود من شرع الحد الحفظ من الدعاء إلى المفوت وهذا الحفظ مكمل لحفظ العقل أي مؤكد له ومبالغ فيه بسببه هـ.
لم يبح الله تعالى النفوس ولا شيئا من الستة المذكورة في ملة من الملل بإجماع فالمسكرات حرام في جميع الملل وإن وقع الخلاف في اليسير الذي لا يسكر ففي الإسلام حرام وفي الشرائع المتقدمة هو حلال أما القدر المسكر فحرام إجماعا في جميع الملل والمراد من إلحاق مكمل الضروري به إنه في رتبته اعلم أن الضروريات أصول المصالح ولكل تكملة فيها من حيث هي تكملة شرط وهو أن لا يعود اعتبارها على الأصل بالإبطال:
وهو حلال في شرائع الرسل
…
غير الذي نسخ شرعه السبل
أباحها في أول الإسلام
…
بداءة ليست من الأحكام
هو ضمير راجع لقليل المسكر يعني أن قليل ما يسكر جنسه مما لا يسكر هو بنفسه مباح عند جميع السبل أي الملل المتقدمة وهو حرام في شريعته صلى الله عليه وسلم الناسخة لجميع
الشرائع والضمير في أباحها للخمر والبيت جواب عن اعتراض النووي على الأصوليين في قولهم أن الكليات الست مما علم التفات الشرع إليه قطعا في كل شريعة فإن الخمر كانت حلالا في أول الإسلام كان متعقلا من البراءة الأصلية وهي ليست بحكم شرعي على الصحيح كتناولهم لغيرها مما لم يرد فيه نص بتحريمه ونحو هذا لأبي إسحاق الشاطبي (والبيع فالإجارة الحاجي) الحاجي مبتدأ خبره البيع والإجارة معطوف عليه يعني أن الحاجي كالحكمة المقصودة من شرع البيع والإجارة وهي الملك للذات أو المنفعة والحكم هو جوازهما والعلة الاحتياج إلى المعاوضة واختلف أهل مذهبنا هل النكاح من باب الحاجيات بناء على أنه تفكه أو من باب الضروريات بناء على أنه من باب الأقوات وجه كونه من الضروريات أنه شرع لتحصين النفوس وقد يكون الحاجي في الأصل ضروريا كالإجارة لتربية الطفل وبهذا يعلم عدم انحصار الضروري في المذكورات قولنا كالإجارة أي كالحكمة المقصودة من الإجارة فإن ملك المنفعة فيها وهي تربيته يفوت بفواته لو لم تشرع الإجارة حفظ نفس الطفل وفواته يكون بعدم وجود جارية مملوكة تربيه وبعدم وجود متبرع.
(خيار بيع لاحق جلي) لاحق خبر خيار بيع وجلي نعت لاحق يعني أنه يلحق بالحاجي مكمله فيكون في رتبته كالمقصود من الخيار في البيع المشروع للتروي كمل به الملك ليسلم عن الغبن وإنما قلنا كمل به الملك ولم نقل كمل به البيع لأن الملك هو الحاجي ومن مكمل الحاجي اعتبار الكفء في النكاح ومهر المثل في الصغيرة فإنهما داعيان إلى دوام النكاح ومنه اغتفار غرر يسير للحاجة
وما يتمم لدى الحذاق
…
حث على مكارم الأخلاق
يعني أن الحكمة المسماة تتمة هي ما كان فيه حث على مكارم الأخلاق وإتباع أحسن المناهج ويسمي تحسينا كما تقدم سمى به لأنه مستحسن عادة وسميت تتمة لأنها تتمة للمصالح.
منه موافق أصول المذهب
…
كسلب الاعبد شريف المنصب)
يعني أن التحصين قسمان قسم موافق أصول المذهب أي قواعده وقسم مخالف لها.
الأول كسلب الاعبد شريف المناصب كأهلية الشهادة والقضاء والإمامة وولاية النكاح لنقصه بيان الوصف المناسب والحكمة المقصودة منه والحكم أن يقال سلب العبد الأهلية لنقصه عن المناصب الشريفة ليحصل المقصود الذي هو الجري على ما عهد من محاسن العادة وكثيرا ما يمثلون لمطلق الحاجي والتحسيني مع قطع النظر عن استيفاء كل من الحكم والوصف المناسب الذي هو العلة ومن الحكمة التي هي المقصود من شرع الحكم فما لم يظهر لك فيه الاستيفاء من أمثلتهم فاحمله على الثاني فلا يصعب عليك فهم أمثلتهم والمنصب كمنبر في المصباح يقال لفلان تنصب كمسجد أي علو ورفعة المراد به الرتبة وهو في الأصل حديد ينصب عليه القدر والاعبد جمع عبد.
وحرمة القذر والإنفاق
…
على الأقارب ذوي الإملاق
بجر حرمة الإنفاق عطفا على سلب يعني أن من التحسيني غير مخالف القواعد كالمقصود من تحريم بيع النجاسات لعدم طهارتها والمقصود هو الجري على ما عهد من محاسن العادة ومكارم الأخلاق لأن بيعه يستلزم جواز كيله أو وزنه وذلك غير لائق ومنه أيضا وجوب
الإنفاق على الأقارب الفقراء لأجل قرابتهم فيحصل الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العادة ومن التتمة العتق بغير عوض.
وما يعارض كتابة) بجر ما ويعارض بكسر الراء وهذا القسم الثاني من التحسيني وهو ما يخالف القواعد كالمقصود من شرع الكتابة لفك الرقبة والمقصود الجري على محاسن العادة من تكريم بني آدم فالكتابة غير محتاج إليها لأنها لو منعت ما ضر وهي خارمة لقاعدة امتناع بيع الشخص بعض ماله ببعض آخر إذ ما يحصله المكاتب في قوة ملك السيد له بناء على أن العبد لا يملك وإن الكتابة عقد معاوضة قال حلولو ولكن الكتابة عندنا ليست عقد معاوضة بحال بل قال مالك ما يؤديه المكاتب من جنس الغلة هذا هو الصحيح من المذهب انتهى.
سلم ونحوه) أي وكذلك خولفت القواعد في السلم والمساقات وبيع الغائب والمغارسة والمجاعلة ونحوها مما فيه غرر وجهل كالقراض وأكل ما صيد يؤم) أكل مبتدأ خبره يؤم بالبناء للمفعول بمعنى يقصد يعني أن مما خالف القواعد أكل الصيد خولفت لبقاء الفضلات فيه وعدم تسهيل الموت على الحيوانات وإنما خالفت المذكورات لتتمة المعاني فإن من الناس من يحتاج في معاشه إلى أحد هذه الأمور فجعلت شرعا عاما لعدم الانضباط في مقادير الحاجات قاله القرافي في شرح التنقيح.
من المناسب مؤثر ذكر) بكسر المثاثة وذكر بالبناء للمفعول يعني أن الوصف المناسب المعلل به ينقسم من حيث اعتبار الشرع له في ربط الأحكام به إلى أربعة أقسام مؤثر وملائم وغريب ومرسل
الأول مؤثر يسمى مؤثرا لظهور تأثيره بما اعتبره الشرع به من نص أو إجماع وأشار إلى تفسيره بقوله.
بالنص والإجماع نوعه أعتبره في النوع للحكم) نوعه مبتدأ خبره أعتبر بالبناء للمفعول يعني أن الوصف المناسب. المؤثر هو ما اعتبر الشرع فيه غير الوصف في عين الحكم أي نوعه في نوعه بنص أو إجماع.
مثال الاعتبار بالنص تعليل نقض الوضوء بمس الذكر فإنه مستفاد من حديث من مس ذكره فليتوضأ).
ومثال الاعتبار بالإجماع تعليل ولاية المال على الصغير بالصغر فإنه مجمع عليه. (وإن لم يعتبر بذين بل ترتب الحكم ظهر على وفاقه فذا الملائم يعتبر مبنى للمفعول يعني وإن لم يعتبر الشرع نوع من الوصف في نوع الحكم بأحد الأمرين اللذين هما النص والإجماع بل اعتبر عين الوصف في عين الحكم بترتيب الحكم على وفقه أي وفق الوصف حيث ثبت معه فهذا الناسب يسمى ملائما
بكسر الهمزة لملاءمته للحكم
…
أقواه ما ذكر قبل القاسم.
من اعتبار النوع في الجنس ومن
…
عكس ومن نوع بآخر زكن
القاسم فاعل ذكر يعني أن الملائم ثلاثة أقسام أقواها ما يذكرونه عند عدهم الأقسام أولا فالأول أقوى من الثاني والثاني أقوى من الثالث.
أشار لأولهما بقوله: من اعتبار للنوع في الجنس أي نوع الوصف في جنس الحكم كتعليل ولاية النكاح التي هي الحكم بالصغر
الذي هو الوصف حيث ثبت معه وقيل علة الولاية البكارة وقيل هما معا وقد اعتبر الصغر في جنس الولاية حيث اعتبر في ولاية المال بالإجماع لأن الإجماع على اعتباره في ولاية المال إجماع على اعتباره في جنس الولاية الجامع لولاية النكاح وولاية المال فهذا المثال اعتبر فيه عين الوصف بسبب ترتيب الحكم على وفق الوصف دون نص أو إجماع على اعتبار العين في العين وإنما كان الإجماع على اعتبار الصغر في ولاية المال إجماعا على اعتبار في جنس الولاية لأنهم نظروا إلى مجرد تعليل الولاية للصغر مع قطع النظر عن المال إذ لو كان خصوص المال ملحوظا في المعلول لم ينهض هذا حجة على اعتبار الصغر في ولاية النكاح قاله شهاب الدين عميرة.
وأشار لثانيها بقوله ومن عكس وهو اعتبار العين في العين بترتيب الحكم على وفق الوصف حيث ثبت الحكم معه والحال إن الشارع اعتبر الجنس في العين كتعليل جواز الجمع في الحضر ايلة المطر على القول به بالحرج الحاصل من المطر وقد اعتبر جنس الحرج عين الجواز في السفر بالنص.
وأشار لثالثها بقوله ومن جنس الخ زكن بمعنى علم مبنى للمفعول وهو اعتبار العين في العين بترتيب الحكم على وفق الوصف حيث ثبت معه وقد اعتبر الشارع جنسه في جنسه كتعليل القصاص في القتل بمثقل بالقتل العمد العدوان حيث ثبت معه وقد اعتبر جنس القتل العمد العدوان إذ هو جنس للقتل بمثقل والقتل بمحدد في جنس القصاص إذ هو جنس للقصاص بالمحدد والقصاص بالمثقل قاله المحلي قال المحشي وفيه نظر لأن القتل العمد العدوان هو عين الوصف الجامع بين الأصل والفرع لا جنس الوصف الجامع فلا
يكون اعتباره من اعتبار الجنس وقد أوضح العضد هذا المحل فقال مثال الثالث وهو اعتبار جنس الوصف في جنس الحكم أن يقال يجب القصاص في القتل بالمثقل قياسا على القتل بالمحدد بجامع كونهما جناية عمد عدوانا فالحكم مطلق القصاص وهو جنس يجمع القصاص في النفس وفي الأطراف وغيرهما من القوى وفي المال وقد اعتبر جنس الجناية في جنس القصاص بالنص والإجماع هـ والباء في بآخر بفتح الخاء المعجمة ظرفية:
اخص حكم منع مثل الخمر
…
أو الوجوب لمضاهي العصر
فمطلق الحكمين بعده الطلب
…
وهو بالتخيير في الوضع اصطحب
فكونه حكما) يعني أن الحكم له أجناس منها عال ومنها متوسط ومنها سافل فأخص أجناسه أي أقربها كونه مثلا تحريم الخمر أو إيجاب الصلاة كالعصر مثلا ويلي ذلك كونه مطلق إيجاب أو تحريم أو ندب مثلا فإن قلت كيف يذكر أحد الثلاثة غير مضاف لنحو العصر أو الخمر أو الفجر قلت كما في قول السبكي فإن اقتضى الخطاب الفعل اقتضاء جازما فإيجاب إلى آخره ويلي ذلك كونه طلبا أو تخييرا وإلى هذا الإشارة بقولنا وهو بالتخيير لخ إذ الطلب تساوي مع التخيير في الوضع أي في رتبة واحدة ويلي ذلك كونه حكما قوله أخص مبتدأ خبره منع الوجوب معطوف على الخبر وكذا مطلق وقوله بعده الطلب جملة من مبتدأ وخبره واصطحب بفتح الطاء وكونه مرفوع معطوف على الطلب وكذا مطلق وقوله بعده الطلب جملة من مبتدأ وخبره واصطحب بفتح الطاء وكونه مرفوع معطوف على الطلب أي بعد الطلب كونه حكما فكونه حكما هو أعلى الأجناس.
. كما في الوصف
…
مناسب خصصه ذو العرف
مصلحة وضدها بعد فما
…
كون محلها من ألذ علما
قوله كما في الوصف معناه أن أجناس الحكم أعمها وأبعدها كونه حكما وكذلك أجناس الوصف أعمها وأبعدها كونه وصفا تناط به الأحكام.
قوله مناسب خصصه ذو العرف بضم العين المهملة يعني أن صاحب العرف الأصولي جعل كون الوصف مناسبا أخص وأقرب من مطلق الوصف.
قوله مصلحة وضدها بعد مصلحة مبتدأ وضد معطوف عليه والخبر بعد بالبناء على الضم يعني أن كون الوصف مصلحة أو ضدها من المشقة والمفسدة بعد كونه مناسبا أي أخص وأقرب فيلي ذلك مصلحة أو مفسدة محلها مما علم أي من الضروريات والحاجيات والتتمات فيما رأيت يظهر لك الجنس العالي والمتوسط والقريب للأحكام والأوصاف.
(فقدم الأخص) قدم فعل أمر للوجوب يعني أنه يجب تقديم الأخص من الأوصاف والأحكام فيقدم الجنس السافل على المتوسط والمتوسط على البعيد لأن ما كان الاشتراك فيه بالسافل فهو أغلب على الظن مما كان بالمتوسط وما كان بالمتوسط فهو أغلب على الظن مما كان بالجنس البعيد ولذلك قدمت البنوة في الميراث عى الأخوة والأخوة على العمومة وقدم ترك النجس على الحرير في الصلاة لأنه أخص بالصلاة من الحرير قال القرافي لأن تحريم الحرير لا يختص بالصلاة فكان تحريم النجس أقوى منه لأنه يختص بها ولذلك إذا لم يجد
المحرم إلا ميتة وصيدًا أكل الميتة دون الصيد لأن تحريم الصيد خاص بالإحرام فالقاعدة أن الأخص أبدًا مقدم هـ.
وإذا علمت ذلك فتأثير النوع في النوع مقدم على تأثير النوع في الجنس وتأثير النوع في الجنس مقدم على تأثير الجنس في النوع وهو مقدم على تأثير الجنس في الجنس وجه تقديم تأثير نوع العلة في جنس الحكم على عكسه هو الإبهام في العلة أكثر محذورًا منه في المعلول الذي هو الحكم والأخوة نوع من الأوصاف والتقدم في الميراث نوع من الأحكام فهو من اعتبار نوع الوصف في نوع الحكم.
والغريب ألغى اعتباره العلي الرقيب)) يعني أن الحكم المناسب المسمى بالغريب هو الذي ألغى العلي الرقيب وهو الله تعالى اعتباره أي لم يعتبره في ذلك الحكم بنص ولا إجماع ولا بترتيب الحكم على وفقه ويسمى الغريب طردًا فالطرد مشترك بين وصف مناسب ألغى الشارع اعتباره وبين مقارنة الحكم للعلة وبعضهم يجعل ما هنا بياء مشددة سمي غريبًا لبعده عن الاعتبار فلا يعلل به كما هو في مواقعة الملك فإن حاله يناسب التكفير ابتداء بالصوم كما هو مذهب الشافعي ليرتدع دون الإعتاق والإطعام لسهولة بذل المال عليه في شهوة الفرج وقد أفتى يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي صاحب مالك الإمام عبد الرحمان الداخل الأموي سلطان الأندلس لما واقع جارية له في رمضان ثم ندم ندمًا شديدًا فسأل الفقهاء عن توبته وكفارته بصوم شهرين متتابعين نظرًا إلى حاله المناسب لذلك لكن الشارع ألغاه بتخيير بينه وبين الإطعام والإعتاق من غير تفرقة بين ملك وغيره فلما قال يحيى ما قال سكت بقية الفقهاء إجلالًا له فلما خرجوا من عند الملك قالوا له لم لم تفته بمذهب مالك قال لو فتحنا
له هذا الباب لسهل عليه أن يطأ كل يوم ويعتق رقبة ولكن حملته على أصعب الأمور ليلًا يعود وليس هذا الإفتاء من التعليل بالمناسب الذي أعدده الشرع بل الدليل المعتمد عليه فيه غيره ولعله من باب سد الذريعة إلى الحرام بدليل قوله لو فتحنا له هذا الباب إلخ ووصف الغريب بالمناسبة من جهة كونه ملائمًا لأفعال العقلاء عادة وقد تنفي عنه المناسبة من جهة إلغاء الشارع له فلا تشتبه عليه الطرق.
والوصف حيث الاعتبار يجهل
…
فهو الاستصلاح قل والمرسل
ببناء يجهل للمفعول والمرسل بصيغة اسم المفعول يعني أن الوصف المناسب إذا جهل اعتبار الشارع له بأن لم يدل دليل على إلغائه ولا على اعتباره يسمى بالاستصلاح وبالمرسل وبالمصالح المرسلة سمي بالاستصلاح لما فيه من مطلق المصلحة للناس وبالمرسل لإرساله أي لإهماله عما يدل على اعتباره وإلغائه.
(نقبله لعمل الصحابة) يعني أنا معشر المالكية نجوز العمل بالمرسل رعاية للمصلحة حتى جوز مالك ضرب المتهم بالسرقة ليقر فجواز ضرب المتهم هو الحكم وتوقع الإقرار هو المصلحة المرسلة والمراد بالمتهم بالسرقة المعروف بها وإنما جوزه المالكية لعمل الصحابة به فإن من المقطوع به أنهم كانوا يتعلقون بالمصالح في وجوه الرأي ما لم يدل الدليل على إلغاء تلك المصلحة ورده الأكثر وقال لا يجوز ضرب المتهم بالسرقة ليقر لأنه قد يكون بريئًا وترك الضرب لمذنب أهون من ضرب بريء وقال القرافي أن جميع المذاهب موجود فيها العمل بالمصالح المرسلة لأنهم إذا جمعوا أو فرقوا بين مسألتين لا يطلبون شاهدًا بالاعتبار لذلك المعنى الذي به جمعوا أو فرقوا بل
يكتفون بمطلق المناسبة وهذه هي المصلحة المرسلة فهي حينئذ في جميع المذاهب ثم أن الشافعية يدعون أنهم أبعد الناس عنها وهم قد أخذوا بأوفر نصيب منها وقد ذكر أمام حرمين منهم أمورًا من المصالح المرسلة فلو قيل أن الشافعية هم أهل المصالح المرسلة دون غيرهم لكان صوابًا.
(كالنقط للمصحف والكتابة) بفتح نون النقط يعني أن من أمثلة المرسل نقط المصحف وشكله وكتابته لأجل حفظه في الأولين من التصحيف وفي الثالث من الذهاب بالنسيان ومن أمثلته حرق عثمان رضي الله عنه للمصاحف وجمع الناس على مصحف واحد خوف الاختلاف.
تولية الصديق للفاروق
…
وهدم جار مسجد للضيق
بجر تولية عطفًا على النقط يعني أن من أمثلة المرسل تولية أبي بكر لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما لكونه أحق بالخلافة ممن سواه فتوليته هو الحكم وكونه أحق هو الوصف ومن أمثلته أيضًا ترك عمر الخلافة شورى بين ستة لأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راض ومنها هدم وقف أو غيره إذا كان مجاورًا لمسجد عند ضيق مسجد لأجل توسعته.
وعمل السكة تجديد الندا والسجن) بجر الثلاثة عطفًا على النقط إلا أن تجديد معطوف بمحذوف والسجن بكسر السين يعني أن من أمثلته عمل السكة للمسلمين فعله عمر رضي الله تعالى عنه لتسهل على الناس المعاملة ومنها تجديد عثمان رضي الله عنه النداء أي الآذان يوم الجمعة لكثرة الناس ومنها
اتخاذ عمر للسجن لمعاقبة أهل الجرائم السجن بفتح السين معناه الحصر وهو من العقوبات الشديدة ولذا قرن بالعذاب الأليم في قوله تعالى: (إلا أن يسجن أو عذاب أليم) ولم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر سجن فلما انتشرت الرعية في زمان عمر ابتاع بمكة دارًا وجعلها سجنًا يسجن فيها وفيه دليل جواز اتخاذ السجن وقد سجن عمر الحطيئة على الهجو وصبيغا على سؤاله عن المتشابه وسجن عثمان رضي الله تعالى عنه ظابيء بني حارثة وكان من لصوص بني تميم حتى مات في السجن وسجن علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه في الكوفة وسجن ابن زبير في مكة وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم سجن ولم يكن ذلك في سجن متخذ للسجن.
(تدوين الدواوين بدًا) جملة بدًا خبر تدوين يعني أن من أمثلة المصالح المرسلة تدوين الدواوين أول من دونها في الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ولم يتقدم فيه ولا في شيء مما ذكر قبله ولا في نظيره أمر من الشارع وما نسبه أمام الحرمين لمالك من جواز قتل ثلث الأمة لإصلاح الثلثين قال القرافي قد أنكر المالكية نسبته لمالك فلذلك لا يوجد في كتبهم وإنما هو في كتب المخالفين لهم وكذلك ما ذكره أن مالكًا يبيح قطع الأعضاء في التعزيزات لا تصح نسبته له لأنه مما دل الدليل على إهداره قاله الإبياري.
أخرج مناسبًا بمفسد لزم
…
للحكم وهو غير مرجوح علم
مفسد من الرباعي وغير حال من نائب فاعل علم وهو راجع للمفسد يعني أن مناسبة الوصف تنخرم أي تبطل بمفسدة ملازمة للحكم إذ كانت المفسدة غير مرجوحة بل لابد أن تكون المفسدة إما
راجحة على مصلحة الحكم أو مساوية لها وإذا كانت كذلك لا يعلل بذلك الوصف المناسب إذ لا مصلحة مع المفسدة الراجحة أو المساوية خلافًا للإمام الرازي في قوله ببقاء المناسبة مع موافقته على انتفاء للحكم فهو عنده كوجود المانع وعلى الأول لانتفاء العلة ومن فروع هذه المسألة فك الأسارى من أيدي الكفار بالسلاح ونحوه ومنها مسافر له طريقان إحداهما مسافة قصر دون الأخرى فسلك البعيدة لا لغرض غير القصر لم يقصر لأن المناسب وهو السفر البعيد عورض بمفسدة هي العدول عن القريب لا لمعنى حتى كأنه حصر قصره في تفويت ركعتين من الرباعية قاله ولي الدين المحشي وقال حلولو أنه ليس منه لأن انخرام المناسبة هنا لم يكن لاستلزامه مفسدة بل لعدم حصول المعنى الذي شرع القصر لأجله وهو رفع الحرج عن المكلف بوجود السفر الذي هو مظنة المشقة هـ.
وما يجب أن ينتبه له في هذه المسئلة النظر في مئالات الأمور فلا يحكم المجتهد على فعل من أفعال المكلفين بالإقدام عليه أو الإحجام إلا بعد نظره فيما يئول إليه فربما ظهر في فعل أنه مشروع لمصلحة تستجلب أو منهي عنه لمفسدة تنشأ عنه لكن مئاله على خلاف ذلك وقال ابن العربي أن العلماء متفقون على ذلك.
السادس الشبه أي السادس من مسالك العلة الشبه بفتحتين ويطلق الشبه على الوصف في المسلك المسمى بالشبه فإذا أريد بالشبه المسلك الدال على العلية فهو اسم مصدر وإذا أريد به نفس العلة فهو وصف بمعنى المشبه بضم الميم والشبه بالمعنى الأول لابد له من وصفين يكون بينهما الشبه والوصف المسمى شبهًا هو أحدهما والمعرف بفتح الراء هو الوصف المشتمل عليه المسلك لا المسلك وحقيقة
هذا المسلك هو كون الوصف شبيهًا وتحقيق كون الشبة من المسالك أن الوصف كما أنه قد يكون مناسبًا فيظن بذلك كونه علة كذلك قد يكون شبيهًا فيكون ظنًا ما بالعلية وقد ينازع في إفادته الظن فيحتاج إلى إثباته بشيء من مسالك العلة إلا أنه لا يثبت بمجرد للمناسبة إذ لو ثبت به كان من المناسب بالذات لا من الشبه وقضية إثباته بشيء من مسالك العلة أن إثباته بالنص والإجماع لا يخرجه عن كونه شبهًا ولا يخرج قياسه عن كونه قياس شبه وقد استشكل جريان القول برده مع ورود النص أو الإجماع على العلية قال في الآيات البينات اللهم إلا أن يقال النص على العلية لا يستلزم تعديها حتى يتأتى القياس هـ.
تنبيه: قال في الآيات البينات ينبغي أن يتأمل في نحو مجرد الاسم واللقب والوصف اللغوي مما تقدم أنه يجوز التعليل به هل يكون من المناسب بالذات حتى يكون من قياس المعنى أو من المناسب بالتبع حتى يكون من قياس الشبه أو لا يكون من واحد منهما فيكون قسمًا آخر غيرهما وغير الطرد أي مسلكه فيه نظر والأولان في غاية البعد وألهما أشد بعدًا هـ.
(والشبه المستلزم المناسبا) الشبه مبتدأ خبره المستلزم بكسر الزاي والمناسب بكسر السين مفعول المستلزم يعني أن الشبه المراد به الوصف هو الوصف المستلزم الوصف المناسب للحكم بالذات فإن لم يناسب بذاته ولا استلزم المناسب فهو الوصف الطرد الملغي إجماعًا فالطرد يطلق على الوصف المذكور كما يطلق على المسلك الآتي بخلاف الطردي فهو مختص بالوصف قولنا (وأشبه المستلزم المناسبا) هو بمعنى قول القاضي هو المناسب بالتبع أي
بالاستلزام وتلك العبارتان يحتمل موافقتهما لما صدر به السبكي في تفسير الشبه أعني قوله منزلة بين المناسب والطرد إذا فسرت المنزلة بالمناسبة بالتبع ويكون الخلاف في مجرد العبارة لا في المعنى ويحتمل هو ظاهر السبكي والمحلي تفسير المنزلة بأعم من المناسبة بالتبع فيكون أعم من تفسير القاضي ويحتمل تفسيرها بما يوهم المناسبة من غير إطلاع عليها وهو ما رجحه الأمدي في أحكامه فيقال على ظاهر السبكي والمحلي يشبه الطردي من حيث أنه غير مناسب بالذات ويشبه الوصف المناسب بالذات من حيث التفات الشرع إليه في الجملة كالذكورة والأنوثة في القضاء والشهادة وعلى ما رجحه الأمدي يقال مشابه للمناسب في أنه غير مجزوم بنفي المناسبة عنه ومشابه للطردي في أنه غير مجزوم بظهور المناسبة فيه فهو دون المناسب وفوق الطردي ثم ذكر الأمدي أنه أقرب إلى قواعد الأصول وأنه الذي ذهب إليه أكثر المحققين قال ويليه في القرب وذهب القاضي أبي بكر وهذا المذهب مباين لمذهب القاضي.
تنبيه: قال ناصر الدين اللقاني أن القياس بالمناسب بالتبع هو القياس المسمى بقياس الدلالة فهو الجمع بما يناسب العلة هـ.
قال في الآيات البينات وفيه نظر لما يأتي عن شيخ الإسلام يعني زكرياء مما حاصله أن القياس بهذا المناسب قد يدخل في قياس العلة لشمول العلة في قياس العلة المناسب بالذات والمناسب بالتيع هـ.
مثل الوضوء يستلزم التقربا) بقصر الوضوء للوزن هذا مثال للمناسب بالتبع يعني كتعليل وجوب النية في التميم بكونه طهارة فيقاس عليه الوضوء بجامع أنه طهارة فإن الطهارة من حيث هي لا تناسب اشتراط النية وإلا اشترطت في الطهارة من النجس لكن
تناسبه من حيث أنها عبادة وقربة والعبادة مناسبة لاشتراط النية لقوله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله) الآية ويقال عليه إذا كان المناسب لاشتراط النية جهة العبادة فهلا اشترطت في الطهارة من النجس لتحقق تلك الجهة فيها لأنها عبادة إذ لا تكون إلا واجبة أو مندوبة والواجب والندوب عبادة وأجيب بأنها من حيث هي لم توضع للتعبد فقد لا تكون واجبة ولا مندوبة كإزالتك لها عن أرضك دفعًا للاستقذار بخلاف الوضوء مثلًا فإنه لا يقع إلا عبادة ولا ينافي ذلك غسل الأعضاء لمجرد التنظيف لأن غسلها على الوجه والترتيب الخاصين لا يكون إلا للتعبد: ؟
مع اعتبار جنسه القريب
…
في مثله للحكم لا للغريب
قال القرافي في التنقيح الرابع الشبه قال القاضي أبو بكر هو الوصف الذي لا يناسب لذاته ويستلزم المناسب لذاته وقد شهد الشرع بتأثير جنسه القريب في جنس الحكم القريب هـ.
يعني ولا يكتفي بالجنس البعيد في ذلك كقولنا في الخل مائع لا تنبني القنطرة على جنسه فلا تزال به النجاسة كالدهن فقولنا لا تنبني القنطرة على جنسه ليس مناسبًا في ذاته غير أنه مستلزم للمناسب قال القرافي في شرح التنقيح فإن العادة أن القنطرة لا تبنى على الأشياء القليلة بل على الكثيرة كالأنهار فالقلة مناسبة لعدم مشروعية المتصف بها من المائعات للطهارة العامة فإن الشرع العام يقتضي أن تكون أسبابه عامة الوجود أما تكليف الكل بما لا يجده إلا البعض فبعيد عن القواعد فصار قولنا لا تبنى القنطرة على جنسه ليس بمناسب ولا هو مستلزم للمناسب وقد شهد الشرع بتأثير جنس القلة والتعذر في عدم مشروعية الطهارة بدليل أن
الماء إذا قل أو اشتدت إليه الحاجة فإنه يسقط الأمر به ويتوجه التيمم هـ:
صلاحه لم يدر دون الشرع
…
ولم ينط مناسب للسمع
يعني أن صلاحية الشبه لما يترتب عليه من الأحكام لا يدركها العقل لو قدر عدم ورود الشرع قوله ولم ينط الخ ببناء ينط للمفعول ومناسب نائب الفاعل وبالسمع متعلق بينط يعني أن صلاحية الوصف المناسب لما يترتب عليه من الأحكام لا يتعلق إدراكها بالشرع بل يدركها العقل لو لم يرد الشرع باعتبارها حتى ظنت المعتزلة أن الحكم صفة لمحله وهذا الفرق بين المناسب والشبه ذكره الفهري فاشتراط النية في الطهارة لو لم يرد الشرع باشتراطها في التيمم لما أدرك العقل اعتبارها فيها.
وحيثما أمكن قيس العلة
…
فتركه بالاتفاق أثبت
أثبت فعل أمر وترك مفعوله مقدم عليه يعني أن قياس العلة المشتمل على المناسب بالذات إذا أمكن وجب ترك قياس الشبه بالإجماع فالمراد بقياس العلة هنا ما قابل قياس الشبه وهو ما اشتمل على المناسب بالذات بخلاف المراد به آخر هذا الكتاب فهو ما كان الجمع فيه بنفس العلة كانت مناسبة بالذات أو بالتبع وإن جمع فيها بلازمها أو أثرها أو حكمها فهو قياس الدلالة وقد يسمى قياس الشبه بقياس الدلالة فقياس الدلالة مشترك بين قياس الشبه وبين القياس المجموع فيه بلازم أو أثرها أو حكمها.
إلا ففي قبوله تردد) يعني أن قياس العلة إذا لم يوجد فقد تردد القاضي أبو بكر الباقلاني من في قبول قياس الشبه فقبله مرة
كالشافعي نظرًا إلى شبهه بالمناسب ثم استقر على رده كبعض الشافعية نظرًا إلى شبهه بالطرد قال في التنقيح وهو ليس بحجة عند القاضي منا هـ.
وحاصل قول المحلي بأن لم يوجد غير قياس الشبه عند قول السبكي فإن تعذرت إن قياس الشبه مؤخر عن قياس المناسب بالذات سواء كان من قبيل قياس العلة أو من قبيل قياس الدلالة لكن يستشكل تقديم قياس الدلالة على قياس الشبه بالمعنى الذي قاله القاضي وكذا بالمعنى الذي تقدم عن الأمدي إذ لا فرق في المعنى بين الجمع بلازم المناسب كما في قياس الدلالة وبين الجمع بما يستلزم المناسب كما في قياس الشبه إذ مئال كل منهما هو الجمع بالمناسب لكنه لم يصرح به لكن دل عليه بلازمه أو ملزومه وأورد هذا الإشكال في الآيات البينات دون جواب عنه.
غلبة الأشباه هو الأجود) أي الأقوى على القول بحجيته يعني أن قياس غلبة الأشباه هو أقوى القياسات المبنية على الشبه بمعنى الوصف وهو الذي جمع به فيها وهو إلحاق فرع متردد بين أصلين بأحدهما الغالب شبهه به في الحكم والصفة على شبهه بالآخر فيهما مثاله إلحاق العبد بالمال في إيجاب القيمة في قتله ولو زادت على الدية لأن شبهه بالمال في الصفة والحكم أكثر من شبهه بالحر فيهما لكونه يباع ويشترى ويوهب ويعار هذا من الحكم وأما من جهة الصفة فلتفاوت قيمته بحسب تفاوت أوصافه جودة ورداءة ويشبهه الحر في أنه آدمي مخاطب مثاب معاقب فقياس غلبة الأشباه إما قسم من قياس الشبه أو هو نفسه وعينه قال في الآيات البينات ولم يقل
أحد أنه قسيم لقياس الشبه بل الأمر منحصر في أمرين أحدهما أنه قسم منه والآخر أنه هو دون غيره هـ.
فهذا ما عليه أئمة الأصول وهو الصواب وقال العضد أنه ليس نوعًا من المسلك المسمى بالشبه وأن حاصلة تعارض مناسبين بالذات رجح أحدهما فهو من مسالك المناسب بالذات وأن الشبه لفظ مشترك يطلق على كل منهما وكون قياس غلبة الأشباه أقوى قياسات الشبه إنما هو بالنظر إلى غير ماله أصل واحد لأن ماله أصل واحد هو أقوى قياسات الشبه مطلقًا لسلامة أصله من معارضة أصل آخر له وفي الآيات البينات أن المفهوم من غلبة الأشباه أن الأشباه متعددة في الجانبين فيعتبر أكثرها ويبقى ما لو لم تتعدد من الجانبين فإن تعدد الشبه في أحدهما واتحد في الآخر واتحد فيهما فهل يصدق عليه غلبة الأشباه ويسمى بذلك اصطلاحًا فيه نظر:
في الحكم والصفة ثم الحكم
…
فصفة فقط لدى ذي العلم
يعني أن قياس غلبة الأشباه ثلاثة أنواع نوع يكون في الصفة والحكم معًا كما تقدم من قياس العبد على المال فالمشابهة معتبرة في عين العلة من الحكم أو الصفة المظنون كل منهما علة الحكم وكذا من الصورة المظنون كونها علة الحكم في الشبه الصوري وقال العضد أن شبه العبد بالحر فيهما أكثر من شبهه بالمال لأنه يشبهه في الصفات البدنية والنفسانية وفي أكثر الأحكام التكليفية قوله ثم الحكم يعني أن غلبة الأشباه فيهما يليها في القوة غلبة الأشباه في الحكم فقط وفائدة الزيادة في القول الترجيح بها عند التعارض ولم أظفر له بمثال قوله فصفة أي فيلي القسمين المذكورين غلبة الأشباه في الصفة فقط كإلحاق الأقوات بالبر والشعير في الربى والمراد بالصفة غير الصورة
بدليل تفسير الكمال وغيره الصفة في العبد بتفاوت قيمته بحسب تفاوت أوصافه جودة وضدها والظاهر أن الصفة بهذا المعنى غير الصورة ولو سلم أن الصفة هي الصورة لم يدخل الصوري الآتي في أقسام غلبة الأشباه لأنها مصورة بتعدد الأصل بخلاف الصوري وبقي غلبة الأشباه في الحكم والصورة أو في الصفة والصورة كيف رتبتها والظاهر عندي جريانه على ما تقدم من تقديمه في الحكم ثم الصفة وإذا تعددت أشباه أحد الأصلين في الحكم وتعددت أشباه الآخر في الصفة فقط فالظاهر تقديم أشباه الحكم ما لم تكن أشباه الصفة أكثر فيجوز اعتبار كل لأن لكل مرجحًا.
وابن علية يرى للصوري
…
كالقيس للخيل على الحمير
يعني أن إسماعيل بن علية بضم العين وفتح اللام وتشديد الياء قائل بجواز العمل بقياس الشبه الصوري لأجل الشبه في الصورة التي يظن كونها علة الحكم والصوري ما كان الشبه فيه بالخلقة بالكسر كقياس الخيل على البغال والحمير في عدم وجوب الزكاة وفي حرمة الأكل للشبه الصوري بينهما وكقياس المني على البيض لتولد الحيوان الطاهر من كل منهما في طهارته وكقياس أحد التشهدين على الآخر في الوجوب أو الندب وكقياس الجلسة الأولى على الثانية في الوجوب لشبهها بها في الصورة وقد قال به بعض الشافعية في صور منها إلحاق الهرة الوحشية بالإنسية في التحريم على الأصح ومنها إعطاء الخل عوضًا عن الخمر في الصداق والبقرة عوضًا عن الخنزير على قول ومنها أن ما أكل نظيره في البر من صيد البحر فهو حل ومالا فلا والأصل في اعتبار الشبه الصوري جزاء الصيد الثابت بقوله تعالى: (فجزاء مثل ما قتل من النعم) الآية وبدل القرض المتقدم وهو
المثل صورة فقد اقترض صلى الله عليه وسلم بكرًا ورد رباعيًا رواه مسلم.
تنبيه: اختلف القائلون بقياس الشبه فمنهم من اعتبره مطلقًا ومنهم من اشترط في اعتباره إرهاق الضرورة إلى الحكم في واقعة لا يوجد فيها إلا الوصف الشبهي ومنهم من شرط في اعتباره أن يجتذب الفرع أصلان فيلحق بأحدهما لغلبة الأشباه ويسمون هذا قياس غلبة الأشباه ومنهم من يعتبر الأشباه الحكمية ثم الراجعة إلى الصفة ومنهم من يسوي بينهما ومنهم من قال إنما يعتبر شبه الأحكام فقط دون شبه الصورة ولعله أراد بالصورة هنا الصفة بالمعنى الأعم من الصورة ومنهم من اعتبر شبه الصورة أيضًا كقياس الخيل على البغال والحمير في عدم وجوب الزكاة وحرمة أكل اللحم ولا يعنون بقياس الشبه أن يشبه الشيء الشيء من وجه أو أكثر لأنه ليس في العالم شيء إلا وهو يشبه شيئًا آخر من وجه أو أكثر بل يعنون أنه لا يوجد شيء أشبه به منه فلا يوجد شيء أشبه بالوضوء من التيمم فيلحق به.
السابع الدوران الوجودي والعدمي وقد يسمى بالدوران فقط وبالطرد والعكس، وهذا هو السابع من مسالك العلة وسيأتي الكلام على الدوران الوجودي:
أن يوجد الحكم لدى وجود
…
وصف وينتفي لدى الفقود
بضم الفاء مصدر فقد بالفتح يعني أن الدوران المذكور هو أن يوجد الحكم كلما وجد الوصف ويعدم كلما عدم.
والوصف ذو تناسب أو احتمل له) يعني أن الوصف في الدوران المذكور لا بد أن يكون ظاهر التناسب مع الحكم أو محتملًا للتناسب فإن قيل المناسبة بنفسها تثبت العلة فأي فائدة في الدوران فالجواب كما في الآيات البينات أن غاية ما في الباب أن تجتمع جهتان كل منهما تقيد العلية ولا محذور في ذلك.
وإلا فعن القصد أعتزل) بفتح الزاي أي وألا تكن المناسبة ظاهرة ولا محتلمة فالصوف بمعزل عن القصد فلا يعلل به.
وهو عند الأكثرين سند) بالتحريك أي حجة يعني أن الدوران المذكور حجة ظنية عند الأكثر من المالكية وغيرهم قال القرافي لأن اقتران الوجود بالوجود والعدم بالعدم يغلب على الظن أن المدار علة الدائر بل قد يحصل القطع به هـ.
وقيل أنه قطعي في إفادة العلية ومذهب الأقل أنه لا يفيد لا قطعًا ولا ظنًا وهو اختيار ابن الحاجب تبعًا للإمام الرازي والغزالي وغيرهما لجوازان يكون الوصف ملازمًا للعلة لا نفسها كرائحة الخمر المخصوصة فإنها دائرة مع الإسكار وجودًا وعدمًا وليست علة له فإن الأحكام التعبدية قد يقارنها وصف وجودًا وعدمًا على سبيل الإتفاق من غير أن يكون علة لها.
في صور أو صورتين يوجد) أي يوجد الدوران في صورة واحدة أو في صورتين الأول كالخمر فإن رائحته المخصوصة موجودة مع الإسكار وجودًا وعدمًا فإنها تعدم في العصير قبل الإسكار ثم لما حدث السكر فيه وجدت فيه ثم لما زال بصيرورته خلا زالت منه ومثال الثاني وهو دون الأول الحلي المباح تجب فيه الزكاة لكونه نقدًا
والنقد أحد الحجرين والنقدية يدور معها الوجوب وجودًا في المشكوك وعدمًا في نحو الثياب والعبيد والدواب.
أصل كبير في أمور الآخرة
…
والنافعات عاجلًا والضائرة
برفع أصل خبر مبتدأ محذوف أي الدوران الوجودي والعدمي أصل كبير في أمور الآخرة وفي النافعات عاجلًا من أمور الدنيا والضائرة عاجلًا منها حتى جزم الأطباء بالأدوية المسهلة والغائضة وجميع ما يعطونه بسبب وجود تلك الآثار عند وجود تلك العقاقير وعدمها عند عدمها.
الدوران الوجودي وهو الطرد.
وجود حكم حيثما الوصف حصل
…
والاقتران في انتفا الوصف انحظل
هذا هو الثامن من مسالك العلة يعني أن الطرد هو مقارنة الحكم لوصف بأن يوجد الحكم مع الوصف في جميع صور حصوله غير صورة النزاع فإن في حصوله معه فيها النزاع قوله والاقتران الخ يعني أن الاقتران بين الحكم والوصف في حالة انتفا الوصف منحظل أي ممتنع فلا يعدم الحكم عند عدم الوصف وإلا كان دورانًا وجوديًا وعدميًا قوله وانتفا بالقصر للوزن:
ولم يكن تناسب بالذات
…
وتبع فيه لدى الثقات
بتحريك تبع وجده عطفًا على الذات والضمير فيه للوصف والثقات بكسر المثلثة أهل التحقيق الموثوق برأيهم يعني أن الوصف في الطرد لا مناسبة بينه وبين الحكم لا بالذات وإلا كان قياس علة وقياس
العلة هو قياس المعنى قال في الآيات البينات أي الذي ينظر فيه للمعنى وهو المشتمل على الوصف المناسب بالذات ولا بالتبع وإلا كان قياس شبه كتعليل ربى الفضل بمجموع الإقتيات والإدخار فنفي المناسبة في الطرد يخرج بقية السالك حتى الدوران الوجودي والعدمي
ورده النقل عن الصحابة) أي رد النقل عن الصحابة رضي الله عنه تعالى عنهم التعليل بالوصف الطردي فإن المنقول عنهم العمل بالمناسب دون غيره ورد أيضًا بأنه لا يعتبر في الشرع إلا المصالح ودرء المفاسد فما لم يعلم فيه واحد منهما وجب ألا يعتبر وكونه لا يعلل به هو مذهب أكثر الأصوليين.
ومن رأي الأصل قد أجابه) مفعول رأي محذوف أي ومن رأى جواز التعليل بالوصف الطردي قد أجاب المانع له بالأصل أي بأن الأصل في هذه المقارنة كون هذا الوصف علة نفيًا للتعبد بحسب الإمكان لأن الاقتران في جميع الصور مع انتفاء ما يصلح للعلية غيره بالصبر والتقسيم يغلب على الظن عليته والعمل بالظن واجب فالطرد من المسالك على هذا القول فلا ينافي عده منها رده عند الأكثر فالحاصل أن من قال من العلماء بعدم حجية الطرد والعكس قال بعدم حجية الطرد من باب أولى والقائلون بحجية ذلك اختلفوا في حجية هذا والقائلون بحجية هذا بعضهم قال تكفي المقارنة في صورة واحدة
والعكس هو الدوران العدمي
…
ليس بمسلك لتلك فاعلم
الإشارة بتلك للعلة والعكس مبتدأ خبره جملة ليس يعني أن هذا القسم الثالث يسمى بالدوران العدمي وبالعكس وإلى تفسيره الإشارة بقولنا:
أن ينتفي الحكم متى الوصف انتفى
…
وما لدى الوجود أثره اقتفى
بكسر همزة أثر وسكون المثلثة ويجوز فيه في غير البيت التحريك ونظيره في الوجهين قيب قوس وقيد رمح وقد قلت:
أثر وقيب قوس قيد رمح
…
يجوز فيها فعل بالفتح
أي بفتح الأول والثاني أثر منصوب مفعول اقتفى يعني أن العكس هو أن ينتفى الحكم عند انتفاء الوصف ولا يوجد عند وجوده بالنسبة بين أنواع الدوران الثلاثة التباين ونعني بقولنا ولا يوجد عند وجوده أنه قد ينتفى الحكم مع وجود الوصف كما لو علل المالكية علة ربى الفضل في الطعام بالطعم فإن الحكم الذي هو الربى منتف مع وجود الوصف الذي هو الطعم في التفاح مثلًا.
تنقيح المناط) بفتح الميم والمناط علة الحكم أي تهذيب علة الحكم بتصفيته وإزالة ما لا يصلح عما يصلح والمناط من الإناطة وهي تعليق الشيء على الشيء وإلصاقه به قال حسان:
وأنت زنيم في آل هاشم
…
كما نيط خلف الراكب القدح الفرد
وقال أبو تمام:
بلاد بها نيطت على تمائمي
…
وأول أرض مس جلدي ترابها
أحب بلاد الله ما بين منعجي
…
إلي وسلمى أن يصوب سحابها
سمي به لأن العلة ربط بها الحكم وعلق عليها مع ما في ذلك من التصفية المخصومة التي تذكر والتنقيح مأخوذ من تنقيح المنخل
وهو إزالة ما يستغنى عنه وإبقاء ما يحتاج إليه وكلام منقح أي لا حشو فيه وهذا هو المسلك التاسع وبه قال أكثر الأئمة:
وهو أن يجيء على التعليل
…
بالوصف ظاهر من التنزيل
أو الحديث فالخصوص يطرد
…
عن اعتبار الشارع المجتهد
فاعل يجيء بالقصر ظاهر وفاعل يطرد المجتهد والخصوص مفعوله يعني أن التنقيح المناط هو أن يدل ظاهر من القرآن أو الحديث على التعليل بوصف فيحذف المجتهد خصوصه عن اعتبار الشارع له وينيط الحكم بالمعنى الأعم.
مثاله في القرآن قوله تعالى: فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) فقد ألغوا خصوص الإناث في تشطير الحدود وأناطوه بالرق ومثال الثاني حديث جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يضرب صدره وينتف شعره يقول هلكت وأهلكت واقعت أهلي في رمضان) فألغى مالك وأبو حنيفة خصوص الأهل وأناط الكفارة بالإفطار عمدًا لما فيه من انتهاك حرمة رمضان ومن هذا القسم قوله صلى الله عليه وسلم لا يقضي القاضي وهو غضبان فإن ذكر الغضب مقرونًا بالحكم يدل على التعليل بالغضب لكن ثبت بالنظر والاجتهاد أنه ليس علة لذاته بل لما يلازمه من التشويش المانع من استيفاء الفكر فيحذف خصوص الغضب ويناط النهي بالمعنى الأعم
فمنه ما كان بالغًا الفارق
…
وما بغير من دليل رائق
يعني أن إلغاء الفارق قسم من تنقيح المناط وأن جعله السبكي العاشر من مسالك العلة ويسمى حجة تنقيح المناط وإلغاء الفارق وهو
تبيين عدم تأثير الفارق المنطوق به في الحكم فيثبت الحكم لما اشتركا فيه لأنه إذا لم يفارق الفرع الأصل إلا فيما لا يؤثر ينبغي اشتراكهما في المؤثر فيلزم من ثبوت الحكم في الأصل ثبوته في الفرع ومن تنقيح المناط ما كان بغير إلغاء الفارق بل بدليل آخر ومعنى رائق معجب لصحته ويسمى حينئذ تنقيح المناط فقط قال المحشي عند قول السبكي العاشر إلغاء الفارق ما لفظه وهو عند التحقيق قسم من تنقيح المناط لأن حذف خصوص الوصف عن الاعتبار قد يكون بإلغاء الفارق وقد يكون بدليل آخر والقياس المستند إلى إلغاء الفارق قال به كثير ممن ينكر القياس هـ.
نعم ذكر غيره أن تنقيح المناط قال به أكثر الأمة وإلغاء الفارق منه قطعي كإلحاق صب البول في الماء الراكد بالبول فيه في الكراهة ومنه ظني كإلحاق الأمة بالعبد في سراية العتق الثابت بحديث الصحيحين من اعتق شركًا له في عبد) فإن كان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق عليه فاعتق فالفارق بين العبد والأمة الأنوثة ولا تأثير لها في منع السراية فتتبت السراية في الأنوثة لأجل ما شاركت فيه العبد من الأحكام غير السراية وإنما كان هذا المثال ظنيًا لأنه قد يتخيل فيه احتمال اعتبار الشارع في عتق العبد استقلاله في جهاد وجمعة وغيرهما مما لا مدخل للأنثى فيه قاله زكرياء ومنه إلحاق العبد بالأمة في تشطير الحد:
من المناط أن تجي أوصاف
…
فبعضها يأتي له انحذاف
عن اعتباره وما قد بقيا
…
ترتب الحكم عليه اقتفيا
الضمير في اعتباره للشارع والألف في بقيا لإطلاق القافية واقتفى بالبناء للمفعول خبر ترتب يعني أن هذا القسم من تنقيح المناط وهو قسيم للقسم الأول وهو أن تكون أوصاف في محل الحكم فيحذف بعضها عن الاعتبار بالاجتهاد ويناط الحكم بالباقي من الأوصاف وحاصله أن الاجتهاد في الحذف والتعيين كما تقدم في السبر ويمثل لذلك بحديث الصحيحين في المواقعة في نهار رمضان) ألغوا فيه كونه أعرابيًا يضرب صدره وينتف شعره وكون الموطوءة زوجة وكون الوطء في القبل لأنها لا تصلح للتعليل والباقي عند الشافعي هو المجامعة في نهار رمضان وعند مالك وأبي حنيفة الإفطار عمدًا لما فيه من انتهاك حرمة رمضان فقد نقحاه مرتين ونقحة الشافعي مرة واحدة فعلم أن أبا حنيفة يستعمل تنقيح المناط في الكفارة وإن كان يمنع القياس فيها قال المحشي واعلم أن الثاني من قسمي تنقيح المناط هو بعينه مسلك السبر والتقسيم كما نبه عليه في المحصول فله اسمان وفيه باعتبار المعنى تكرار تبع فيه المص أي السبكي المنهاج يعني للبيضاوي هـ. وقد نظم بعضهم مسالك بقوله:
مسالك علة رتب فنض
…
فإجماع فإيماء فسبر
مناسبة كذا شبه فبتلو
…
له الدوران طرد يستمر
فتنقيح المناط فالغ فرقًا
…
وتلك لمن أراد الحصر عشر
(تحقيق علة عليها ائتلفا
…
في الفرع تحقيق مناط ألفًا
تحقيق مبتدأ خبره جملة ألفًا تحقيق مناط ببناء ألف بمعنى وجد للمفعول وتحقيق مفعوله الثاني وائتلف بمعنى اتفق مبني للمفعول وفي الفرع متعلق بتحقيق يعني أن تحقيق المناط أي العلة هو إثبات العلة
المتفق عليها في الفرع كتحقيق أن النباش الذي ينبش القبور ويأخذ الأكفان سارق فإنه وجد فيه العلة وهو أخذ المال خفية من حرز مثله فيقطع خلافًا لأبي حنيفة لكن تحقيق المناط ليس من المسالك بل هو دليل تثبت به الأحكام فلا خلاف في وجوب العمل به بين الأمة وإليه تضطر كل شريعة قال أبو إسحاق الشاطبي لابد من الاجتهاد فيه في كل زمن لابد من الاجتهاد فيه في كل زمن ولا ينقطع إذ لا يمكن التكليف إلا به هـ
وإنما ذكرته هنا جريًا على عادة أهل الجدل في قرانهم بين الثلاثة تنقيح المناط وتخريج المناط وتحقيق المناط ولم أذكر تخريج- المناط هنا لتقدمه؟
والعجز عن إبطال وصف لم يفد
…
علية على الذي اعتمد
بالبناء للمفعول هذا البيت وما بعده في نفي مسلكين ضعيفين يعني أن عجز الخصم عن إبطال علية وصف لا يفيد عليته فلا يكون ذلك العجز مسلكًا على المعتمد وهو مذهب الجمهور وقال الشيخ أبو إسحاق أنه دليل على كونه علة كالمعجزة فإنها دلت على صدق الرسول للعجز عن معارضتها وأجيب بأن العجز في المعجزة من الخلق وهنا من الخصم:
كذا إذا ما أمكن القياس
…
به على الذي ارتضاه الناس
يعني أن تأتي القياس على تقدير كون الوصف علة لا يفيد عليته على ما ذهب إليه الجمهور وقيل بدل عليه لأن القياس مأمور به في قوله تعالى (فاعتبروا) والعور لغة الخروج من شاطئ البحر إلى شاطئه الآخر والمراد به هنا خروج لنظر وانتقاله من الأصل إلى الفرع ماحقًا له به في الحكم على تقدير علية الوصف يخرج بقياسه عن عهدة