المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الاستدلال الاستدلال لغة طلب الدليل ويطلق في العرف على إقامة - نشر البنود على مراقي السعود - جـ ٢

[الشنقيطي، عبد الله بن إبراهيم]

الفصل: ‌ ‌كتاب الاستدلال الاستدلال لغة طلب الدليل ويطلق في العرف على إقامة

‌كتاب الاستدلال

الاستدلال لغة طلب الدليل ويطلق في العرف على إقامة الدليل مطلقًا من نص أو إجماع أو غيرهما وعلى نوع خاص من الدليل وهو المراد هنا ويطلق أيضًا على ذكر الدليل.

ما ليس بالنص من الدليل

وليس بالإجماع والتمثيل

يعني أن الاستدلال المعقود له هذا الكتاب هو دليل ليس بنص من كتاب أو سنة وليس بإجماع جميع مجتهدي الأمة وليس بقياس التمثيل ويسمى القياس الشرعي وهو المتقدم وهو حمل معلوم على معلوم لمساواته في علة حكمه عند الحامل وهو المتعارف من إطلاق لفظ القياس عند الأصوليين وغير تلك الأدلة الأربعة من الأدلة الشرعية هو الاستدلال وذلك كإجماع أهل المدينة وإجماع أهل الكوفة عند بعضهم والقياس المنطقي بنوعيه الاقتراني والاستثنائي وقول الصحابي والمصالح المرسلة والاستصحاب والبراءة الأصلية والعوائد والاستقراء وسد الذرائع والاستحسان والأخذ بالأخف والعصمة وإجماع العشرة وإجماع الخلفاء الأربعة ذكر جميع تلك الأنواع في التنقيح وهذه الأدلة مختلف في الأكثر منها ومنها ما هو متفق عليه كالقياس المنطقي فلا خلاف في صحة الاستدلال به وكالاستقراء التام لأنه قطعي عند الأكثر.

منه قياس المنطقي والعكس) يعني أن الاستدلال يدخل فيه قياس المنطقي المتقدم.

ص: 255

المتقدم ذكره ومنه قياس العكس وهو إثبات عكس حكم شيء لمثله لتعاكسهما في العلة كما في حديث مسلم أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه ووزر الحديث) ومنه احتجاج المالكية على أن الوضوء لا يجب من كثير القيء بأنه لما لم يجب من قليله لم يجب من كثيره عكس البول لما وجب من قليله وجب من كثيره وقال الفهري هو نقل للعلة من محل النزاع إلى محل الوفاق ونقل المازري وغيره الخلاف في قبوله وقال ابن محرز أنه أضعف من الشبه وقال أيضًا بعض الشافعية أنه ليس بدليل.

ومنه فقد الشرط دون لبس) بفتح اللام بمعنى شك يعني أن فقد الشرط من الاستدلال فهو دليل على نفي الحكم لأن الشرط هو ما يلزم من عدمه عدم الحكم ولا يلزم من وجوده وجود للحكم أو عدم لذاته.

ثم انتفا المدرك مما يرتضي) انتفا بالقصر للوزن مبتدأ والمدرك بفتح الميم والراء ومما يرتضي بالبناء للمفعول خبر يعني أن انتفاء مدرك الحكم أي دليله الذي يدرك به بأن لم يجده المجتهد بعد الفحص الشديد عنه دليل على انتفاء الحكم دلالة ظنية فعدم وجدانه المظنون به انتفاؤه دليل على انتفاء الحكم خلافًا للأكثر قالوا لا يلزم من عدم وجدان الدليل انتفاء الحكم.

(كذا وجود مانع أو ما اقتضى) يعني أن وجود المانع دليل من أنواع الاستدلال كالذي قبله والذي بعده لأن المانع هو الوصف الوجودي المعرف نقيض الحكم كالأبوة في القصاص فوجود المانع دليل على انتفاء الحكم وكذلك وجود المقتضي بالكسر أي السبب دليل على وجود الحكم إذ السبب هو ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم خلافًا للأكثر في قولهم ليس شيء من ذلك دليلًا بل دعوى دليل

ص: 256

وإنما يكون دليلًا إذا عين المقتضي بالكسر والمانع والشرط وبين وجود الأولين ولا حاجة إلى بيان فقد الشرط لأن الأصل عدمه ثم على القول بأنه دليل هل هو استدلال مطلقًا لأنه غير النص والإجماع والقياس أو إنما يكون استدلالًا إذا ثبت وجود المقتضي أو المانع أو فقد الشرط بغير النص والإجماع والقياس فيه نظر.

ومنه الاستقراء بالجزئي

على ثبوت الحكم للكلي

يعني أن الاستقراء داخل في الاستدلال والاستقراء لغة التتبع من قولك استقريت البلاد إذا تتبعتها قرية فقرية وبلدًا فبلدًا وحاصله أن يستقري أي يستدل بإثبات الحكم للجزيئات الحاصل تتنبع حالها على ثبوته للكلي بتلك الجزيئات وبواسطة ثبوته للكلي بهذا الطريق يثبت للصورة المخصوصة المتنازع فيها.

فإن يعم غير ذي انشقاق

فهو حجة بالاتفاق

يعني أن الاستقراء ينقسم إلى تام وغير تام فالتام هو أن يعم الاستقراء غير صورة الشقاق أي النزاع بأن يكون ثبوت الحكم في ذلك الكلي بواسطة إثباته بالسبع في جميع جزيئاته ما عدى صورة التنازع وهو دليل قطعي في إثبات الحكم في صورة النزاع عند الأكثر ولا خلاف في حجيته فيها كرفع الفاعل ونصب المفعول في لغة العرب ومنه في الفقه ما نسب إلى مالك من حجية خبر الواحد والقياس.

وهو في البعض إلى الظن انتسب

يسمى لحوق الفرد بالذي غلب

يعني أن غير التام من الاستقراء هو أن يكون ثبوت الحكم في الكلي بواسطة إثباته بالتتبع في بعض الجزيئات الخالي عن صورة النزاع بشرط أن يكون ثبوت الحكم للبعض يحصل معه ظن عموم

ص: 257

الحكم ولا يتقيد البعض بكونه الأكثر وإن قيد به كثير من المناطقة ويشهد لما قلنا كلام التنقيح ولفظه وهو أي الاستقراء تتبع الحكم في جزئياته على حالة يغلب على الظن أنه في صورة النزاع كذلك ثم قال وهذا الظن حجة عندنا وعند الفقهاء وعدم التقييد بالأكثر وقع أيضًا في كلام المحصول وتبعه الأسنوي وأيضُا فعلى التقييد بأكثر الجزئيات يلزم خروج ما كان بنصف الجزئيات فأقل فلا يكون استقراء قال في الآيات البينات وحينئذ يستشكل الأمر بمسائل استند الفقهاء فيها إلى الاستقراء مع أنه لم يقع فيها استدلال بجميع الجزئيات ولا بأكثرها كما في كون أقل سن الحيض تسع سنين وإن أقله يوم وليلة وأكثره خمسة عشر وغالبه ست أو سبع فإنهم صرحوا بأن مستند الشافعي في جميع ذلك هو الاستقراء ومعلوم أن الشافعي لم يستقرئ حال جميع نساء العالم في زمانه ولا حال أكثرهن بل ولا حال نصفهن ولا ما يقرب منه فضلًا عن نساء العالم على الإطلاق للقطع بعدم استقرائه حال جميع الإعصار المتقدمة عليه من لدن وجد الإنسان والمتأخرة عنه إلى قيام الساعة فالوجه ترك التقييد بالأكثر في الناقص هـ.

وقوله يسمى لحوق الخ يعني أن الاستقراء الناقص يسميه الفقهاء إلحاق الفرد بالأغلب وجعلنا الاستقراء هو الاستدلال بثبوت الحكم للجزئي على ثبوته للكلي هو الموافق لاصطلاح المناطقة فإنه عندهم عبارة عن الاستدلال بالجزيئات على الكلي وعند الأصوليين الاستدلال بحال ما عدى صورة النزاع من الجزئيات المعلوم بالتتبع على صورة النزاع.

ورجحن كون الاستصحاب

للعدم الأصلي من ذا الباب

بعد قصارى البحث عن نص فلم

يلف وهذا البحث وفقًا منحتم

ص: 258

يعني أن الراجح عند المالكية كون استصحاب العدم الأصلي من هذا الباب أي باب الاستدلال فهو حجة والعدم الأصلي هو انتفاء الأحكام السمعية في حقنا قبل بعثته صلى الله وعليه وسلم لقوله تعالى: ((وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا)) أي ولأن ثبوت العدم في الماضي يوجب ظن عدمه في الحال لكن إنما يحتج به بعد قصارى البحث أي غايته عن دليل يدل على خلافه فلم يوجد فإذا وجد عمل به وهذا البحث أي استفراغ الجهد في طلب الدليل وعدم وجوده واجب اتفاقًا في الاستصحاب وغيره.

فالمراد بالنص مطلق الدليل كعدم وجوب صوم رجب لأن رجبا لم يثبت في صومه شيء إلا حديث صوموا من الحرم وافطروا وهو ضعيف لا يحتج به وخالف الأبهري وأبو الفرج منا وظائفه من الفقهاء فمنهم من قال الأصل الحظر لقوله تعالى: ((يسئلونك ماذا أحل لهم)) وقوله: ((أحلت لكم بهيمة الأنعام)) ومنهم من قال الأصل الإباحة لقوله تعالى: ((خلق لكم ما في الأرض جميعًا)) والفرق بين القول بأصالة العدم الأصلي إن الإباحة على أصالة العدم عقلية وعلى القول الآخر شرعية.

وإن يعارض غالبا ذا الأصل

ففي المقدم تنافي النقل

يعني أن محل استصحاب العدم الأصلي ما لم يعارض الغالب الأصلي وإلا فقيل يقدم الأصل على الغالب وقيل يقدم الغالب عليه كاختلاف الزوجين في النفقة الغالب دفعها لها والأصل بقاؤها في ذمة الزوج إذ الأصل بقاء ما كان على ما كان واتفقوا في مسائل على تغليب الأصل على الغالب كالدعاوي فإن الأصل براءة الذمة

ص: 259

والغالب المعاملة واتفقوا في مسائل أخرى على تغليب الغالب على الأصل كالبينة فإن الغالب صدقها والأصل براءة الذمة.

وما على ثبوته للسبب

شرع يدل مثل ذاك استصحب

على ثبوته متعلق بيدل والسبب متعلق بالمصدر قبله وقوله. استصحب فعل أمر مفعوله الموصول قبله.

يعني أن استصحاب ما دل الشرع على ثبوته لوجود سببه حجة ودليل من الاستدلال مثل استصحاب ذلك العدم الأصلي المتقدم كثبوت الملك لثبوت الشراء وثبوت شغل الذمة بعد جريان الإتلاف أو الالتزام.

وأما استصحاب العموم والنص إلى أن يوجد مخصص أو ناسخ فليسا من الاستصحاب بحال لأن الحكم مستند إلى الدليل لا إلى الاستصحاب قاله الإبياري منا وأما الحرمين قال الأمام الرازي وأن سمى هذا مسم استصحابًا بم يناقش.

وما بماض مثبت للحال

فهو مقلوب وعكس الحال

هذا نوع من الاستدلال يسمى مقلوب الاستصحاب وهو إثبات أمر في الزمن الماضي لثبوته في الحال أي الزمن الحاضر فالباء في قوله بماض ظرفية وقوله فهو مقلوب الخ أي يسمى استصحًابا مقلوبًا يسمى أيضا معكوس الاستصحاب الخالي أي الماضي الذي هو ثبوت أمر في الزمن الحاضر لثبوته في الزمن الماضي لعدم ما يصلح للتغيير من الأول إلى الثاني.

ص: 260

مثال الاستصحاب المقلوب قال المحلي كان يقال في المكيال الموجود الآن كان على عهده صلى الله وعليه وسلم باستصحاب الحال في الماضي وقد يقال في الاستصحاب المقلوب ليظهر الاستدلال به لو لم يكن الثابت اليوم ثابتا أمس لكان غير ثابت أمس إذ لا واسطة بين الثبوت وعدمه فيقتضي استصحاب أمس الخالي عن الثبوت فيه بأنه الآن غير ثابت وليس كذلك لأنه مفروض الثبوت الآن عدل ذلك على أنه ثابت أمس أيضًا.

كجري ما جهل فيه المصرف

على الذي الآن لذاك يعرف

يعني أن من أمثلة الاستصحاب المقلوب ما لبعض القرويين والأندلسيين من أهل مذهبنا من أن الحبس إذا جهل أصل مصرفه ووجد على حالة فإنه يجري عليها وراءوا أن إجراءه على هذه الحالة دليل على أنه كان كذلك في الأصل فهذا دليل على أنه حجة عندهم وظاهر كلام السبكي أنه حجة وقد احتج به الشافعية في بعض المسائل على زعم بعضهم.

والأخذ بالذي له رجحان

من الأدلة هو الاستحسان

يعني أن الباجي نقل عن ابن خويز منداد من المالكية أن الاستحسان الذي قال به المالكية هو الأخذ بأقوى الدليلين وهذا لا خلاف فيه للإجماع على وجوب العمل بالراجح كتخصيص العرايا من منع بيع الرطب بالتمر لتجويز السنة ذلك وكتصديق مشتر وزوج أدعيا الأشبه في التنازع في قدر الثمن والصداق وكشهادة الرهن في قدر الدين.

ص: 261

معنى الاستحسان ما حسن في الشرع ولم ينافه فهو يستحسنه المجتهد بعقله ويميل غليه ودليل حجية الاستحسان قوله صلى الله وعليه وسلم ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن) وقول القاضي أياس بن معاوية قيسوا القضاء ما علم الناس فإذا فسدوا فاستحسنوا.

(أو هو تخصيص بعرف ما يعم) بالبناء للفاعل يعني أن الاستحسان عند أشهب هو تخصيص هو تخصيص الدليل العام بالعادة لمصلحة الناس كما إذا أوصى لقرابته فالقياس دخول الوارث والاستحسان عدم دخوله كاستحسان جواز دخول الحمام من غير تعيين زمن المكث فيه وقدر الماء فإنه معتاد على خلاف الدليل وكذلك الشرب من السقاء من غير تعين قدره لأنه غرر يسير معفو عنه والمضايقة في ذلك بتعيينه قبيحة في العادة وقد قال صلى الله وعليه وسلم (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وقال إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها) وهذه العادة إن جرت في زمنه صلى الله وعليه وسلم أو بعده من غير إنكار منه ولا من الأئمة عمل بها إجماعًا لقيام الدليل على ثبوتها من السنة والإجماع وإلا ردت إجماعًا.

(ورعي الاستصلاح بعضهم يؤم) بعضهم مبتدأ خبره يؤم ورعي مفعوله مقدم عليه يعني أن الأبياري قال الذي يظهر من مذهب مالك في الاستحسان أنه استعمال مصلحة جزئية كما إذا اختار بعض ورثة المشتري بالخيار الرد وبعضهم الإمضاء فالقياس رد الجميع أن رد بعضهم لأنهم ورثوا عنه الخيار وهو أن رد البعض تعين رد الجميع لما في التلفيض عند الجمهور من دخول الضرر على البائع والاستحسان أخذ المجيز الجميع ارتكابًا لأخف الضررين فالاستحسان على هذا

ص: 262

القول الأخذ بمصلحة جزءية في مقابلة دليل كلي ويشهد له الرخص الواقعة في الشريعة فان حقيقتها ترجع إلى اعتبار المثال في جلب المصالح درء المفاسد على الخصوص وإن كان الدليل العام يقتضي ذلك.

ورد كونه دليلًا ينقدح

ويقصر التعبير عنه متضح

رد مبتدأ خبره متضح يعني أن بعضهم فسر الاستحسان بأنه دليل ينقدح أي يظهر في نفس المجتهد تنصر عنه عبارته ورده ابن الحاجب بأن الدليل أن تحقق عند المجتهد فمعتبر ولا يصر القصور عبارته عنه اتفاقًا وإن لم يتحقق عنده فمردود اتفاقًا قال وتصوره عندي كالممتنع وهو ظاهر لأن من أوصاف المجتهد أن يكون ذا الرتبة الوسطى عربية وبلاغة والبليغ هو من له سجية على القدرة على التعبير عن كل معنى أراد التعبير عنه بلفظ بليغ سواء قلنا معنى قصر عبارته عنه العجز عن التعبير أصلًا أو قلنا أنه بعبر عنه ولكن لم تؤد تلك العبارة أصل المراد لما فيها من الإخلال اللفظي أو المعنوي لأنه تعقيد يخل بالفصاحة المشترطة في البلاغة عند الجمهور.

ورأي الصحابي على الأصحاب لا

يكون حجة بوفق من خلا

يعني أن رأي الصحابي المجتهد ليس بحجة على صحابي آخر مجتهد باتفاق من خلا أي مضي من أهل الأصول أي جميعهم والمراد برأيه مذهبه في المسألة قولًا كان أو فعلًا أما ما كان أو حاكمًا أو مفتيًا أما قول الصحابي غير المجتهد فغير حجة على الصحابي وغيره اتفاقًا فلا يعمل بما جاء عنه إلا ما كان رواية صريحة أو كالصريحة بأن كان لا مجال للاجتهاد فيه.

ص: 263

في غيره ثالثها أن انتشر

وما مخالف له قط ظهر

يعني إنما ذكر هو قول الصحابي المجتهد بالنسبة للصحابي المجتهد وغيره هو قول الصحابي المجتهد في حق المجتهد غير الصحابي كالتابعي فمن بعده فالمشهور عن مالك أنه حجة في حق غير الصحابة من المجتهد لقوله صلى الله وعليه وسلم (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) وهذا قول الشافعي القديم والثاني المنع مطلقًا وهو مروي عن مالك أيضًا والثالث التفصيل وعزاه الباجي لمالك وهو أنه حجة بشرط أن لا يعلم له مخالف لأنه حجة إجماع وأن خولف فليس بحجة لأن القول الآخر يناقضه وكونه حجة أن انتشر ليس بمنزلة الإجماع السكوتي لأن اشتراط الانتشار لا يلزمه بلوغ الكل ومضي مهلة النظر عادة وتجرد السكون عن إمارة رضي أو سخط كما في صورة السكوتي.

ويقتدي من عم بالمجتهد

منهم لدى تحقق المعتمد

يعني أن العامي وهو غير المجتهد يجوز له أن يقتدي بالمجتهد من الصحابة عند تحقق المعتمد بفتح الميم أي تحقق مذهب الصحابي في المسألة لأن مذاهب الصحابة لم تثبت حق الثبوت لأنها تفلت فتاوى مجردة فلعل لها مقيدًا أو مخصصًا أو مكملًا لو انضبط كلام قائله ظهر بخلاف تقليد أحد الأئمة الأربعة للثقة بمذاهبهم لتدوينها فالعامي مأمور بإتباع مذاهب الخلف لأجل ذلك وإن كان نظر الصحابة أعلى وأتم لأنهم شاهدوا التنزيل وعرفوا التأويل ووقفوا من أحواله صلى الله وعليه وسلم ومراده من كلامه على ما لم يقف عليه غيرهم فكان حال التابعي ومن بعده بالنسبة إليهم كحال العامي بالنسبة إلى المجتهد التابعي.

ص: 264

والتابعي في الرأي لا يقلد

له من أهل الاجتهاد أحد

يعني أن التابعي المجتهد فمن بعده لا يجوز لمجتهد أن يقلده في رأيه أي اجتهاده إذ اجتهد لا يخلصه من الله إلا الاجتهاد لا تقليد مجتهد إلا إذا كان المقلد بالفتح صحابيًا مجتهدًا والمقلد بالكسر مجتهد غير صحابي ففيه ثلاثة الأقوال المذهبية التي تقدمت وأكثر من ثلاثة بالنسبة إلى سائر المذاهب فالقائل بالجواز يخصص به قولهم لا يقلد مجتهد مجتهدًا غيره.

ومن لم يكن مجتهدًا فالعمل

منه بمعنى النص ما يحظل

بالبناء للمفعول يعني غير المجتهد يظل له أي يمنع أن يعمل بمعنى نص من كتاب أو سنة وإن صح سندها لاحتمال عوارضه من نسخ وتقييد وتخصيص وغير ذلك من العوارض التي لا يضبطها إلا المجتهد فلا يخلصه من الله إلا تقليد مجتهد قاله القرافي فأياك وما يفعله بعض جهلة الطابة من الاستدلال بحديث لا يعلمون صحته فضلًا عن الإطلاع على ما ذكر من العوارض فضلوا وأضلوا ومن يحمل آية أو حديثًا على محمل غير ظاهر بلا دليل فهو كافر.

سد الذرائع إلى المحرم

حتم كفتحها إلى المنحتم

الذريعة الوسيلة على الشيء ومعنى سدها حسم مادة وسائل الفساد دفعًا له فمتى كان الفعل السالم من المفسدة وسيلة إلى المفسدة منع من ذلك الفعل وهو مذهب مالك كذلك يجب فتح الذريعة إلى الواجب ويندب فتحها إلى المندوب ويكره إلى المندوب ويكره إلى المكروه وبباح إلى المباح كما أشار إليه بقوله.

ص: 265

(وبالكراهة وندب وردًا) أي السد والفتح فذريعة المكروه يندب سدها ويكره فتحها وذريعة المندوب يندب فتحها ويكره سدها ووسيلة الواجب واجبة كالسعي للحج والجمعة أعلم أن الأمة اجتمعت على أن سد الذرائع ثلاثة أقسام:

أحدهما معتبرًا جماعًا كحفر الآبار في طرق المسلمين وإلقاء السم في أطعمتهم وسب الأصنام عند من يعلم أنه يسب الله عز وجل.

وثانيهما ملغي وسيأتي في قولنا والغ أن يك الفساد الخ.

وثالثهما مختلف فيه كبيوع الآجال اعتبرنا الذريعة في هذا القسم فالحاصل أنا اعتبرنا الذريعة أكثر من غيرنا لا أن اعتباره خاص بينا كما زعم بعضهم فالذريعة الأولى هي القريبة جدًا والثانية تأتي بقسميها. (والغ أن يك الفساد أبعدًا).

أو رجح الإصلاح كالاسارى

تفدي بما ينفع النصارى

وانظر تدلي دوالي العنب

في كل مشرق وكل مغرب

الغ من الإلغاء هذا هو القسم الثاني من الذرائع وهو الملغي إجماعًا يعني أنه يجب أجماعًا إلغاء الذريعة إذا كان الفساد أبعد جدًا من المصلحة وأشرت إلى دليل ذلك بقولي وانظر الخ.

يعني أنه مما يدل على إلغاء الذريعة التي الفساد فيها بعيد جدًا ما تشاهده في مشارق الدنيا ومغاربها من دوالي العنب المغروسة المتدلية العناقيد ولم يمنع أحد من غرسها خوف شرب الخمر لتي تكون من عنبها وكذا لم يمنع أحد من الشركة في الدور خشية الوقوع

ص: 266

في الزنى قوله أو رجح الإصلاح كالاسارى الخ هذا هو القسم الثاني من الملغي إجماعًا يعنى أه يجب إلغاء الذريعة إذا كان الفساد بعيدًا جدًا أو رجحت المصلحة على المفسدة والمصلحة اللذة أو سببها والمفسدة الألم أو سببه وكل منهما دنيوي وأخروي قال القرافي في التنقيح قد تكون وسيلة المحرم غير محرمة إذا أفضت إلى مصلحة راجحة كالتوسل إلى فداء الاسارى بدفع المال للعدو الذي هو محرم عليهم الانتفاع به كالانتفاع به لكونهم مخاطين بفروع الشريعة عندنا وكدفع مال الرجل ليأكله حرامًا حتى لا يزني بامرأة إذا عجز عن ذلك إلا به وكدفع المال للمحارب حتى لا يقتل هو صاحب المال. واشترط مالك فيه البشارة هـ.

تنبيه: قال في التنقيح ينقل عن مذهبنا أن من خواصه اعتبار لعوائد والمصلحة المرسلة وسد الذرائع وليس كذلك أما العرف فمشترك بين المذاهب ومن استقراها وجدهم يصرحون بذلك فيها وأما المصلحة المرسلة فغيرنا يصرح بإنكارها ولكن عند التفاريع فيها نجدهم يعللون بمطلق المصلحة ولا يطالبون أنفسهم عند الفروق والجوامع بإبداء الشواهد لها بالاعتبار بل يعتمدون على مجرد المناسبة وهذا هو المصلحة المرسلة وأما سد الذرائع فقد اجتمعت الأمة على أنها ثلاثة أقسام هـ يعني الأقسام السابقة.

وينبذ الإلهام بالعراء

أعني به الهام الأولياء

ينبذ فعل مبني لمفعول نائبه الإلهام بكسر الهمزة والعراء بالفتح وتخفيف الراء الفضاء الذي لا يستتر فيه بشيء أعلم أن الإلهام من الأدلة المختلف في العمل بها والإلهام إيقاع شيء في القلب يثلج له الصدر من غير استدلال بآبة ولا نظر في حجة يخص

ص: 267

به الله تعالى بعض أصفيائه وليس بحجة عدم ثقة من ليس معصومًا بخواطره لأنه لا يأمن دسيسة الشطان فيها وهذا هو معنى قولنا وينبذ الإلهام البيت.

ويثلج بضم اللام مضارع ثلج بالفتح ويثلج بفتحها مضارع ثلج بالكسر وثلج الصدر أي القلب طمأنينته وسكونه قال الشاذلي ضمنت لنا العصمة في الشريعة ولم تضمن لنا في الخواطر وكذا من رأي النبي صلى الله وعليه وسلم في النوم يأمره وينهاه لا يجوز اعتماده وإن كان من رآه في النوم فقد رآه حقًا وإن كان على غير صفته المعروفة في الدنيا عند الجمهور لعدم ضبط الراءى فلا يحتج بالإلهام في دين الله تعالى ولا يعمل به إلا إذا فقد الدليل في باب ما أبيح فيه العمل بلا علم.

وقد رآه بعض من تصوفا ...... وعصمة النبي توجب اقتفا

يعنى أن بعض المتصوفة رآو الاحتجاج بالإلهام في حق نفسه دون غيره وبعض الجبرية رآه حجة في حق الملهم وحق غيره بمنزلة الوحي المسموع لقوله تعالى: ((فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام)) (ولخبر اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى) وكون النبي صلى الله وعليه وسلم معصومًا يوجب الاقتداء به في خواطره في حق غيره إذا تعلق بهم وكذا يجب عليه هو العمل به هو بمنزلة الوحي.

لا يحكم الولي بلا دليل

من النصوص ومن التأويل

ص: 268

حذفت إحدى ياءي الولي وسكنت الأخرى للوزن هذا البيت بيان لنبذ الهام الأولياء لأن معنى نبذ إلهام الأولياء إنهم لا يحكمون أي لا يثبتون حكمًا من أحكام الله تعالى إلا بدليل من الأدلة الشرعية من نص صريح ومؤول وغير ذلك من الأدلة الشرعية لانعقاد الاجتماع على أنه لا تعرف أحكامه تعالى إلا بأدلتها وقد كان صلى الله وعليه وسلم ينتظر الوحي وقال أبو سليمان الداراني وغيره ما قبلت واردًا إلا بشاهدين من الكتاب والسنة يعني بما استنبط منهما.

في غيره الظن وفيه القطع

لأجل كشف ما عليه نفع

النفع بالفتح الغبار يعني أن غير حكم الله تعالى من فراسات الصالحين أي إلهاماتهم منع ما يكون ظنيًا ومنع ما يكون قطعيًا لم يقع لهم فيه من الكشف معاينة وإن كان الأولياء إنما يرون أمثال الأشياء عكس الأنبياء فإنهم يرون حقائق الأشياء ومن يخبره الولي بشيء فقد يحصل له القطع به لموجب من موجبات اليقين ككونه تكرر منه أنه لا يخبره بشيء إلا رآه كما أخبر به فمثل ذلك يحصل اليقين من غير الولي فضلا عنه.

والظن يختص بخمس الغيب

لنفي علمها بدون ريب

يعني أن الظن يختص بالخمس التي هي مفاتيح الغيب لنفي للعلم بها في الحديث الصحيح ونفي العلم لا يستلزم نفي الظن وقال بعضهم أن نفي العلم بها إنما يكون قبل تكلم الملائكة بوقوع الأمر أنا بعده فقد يعلمه الولي وقال القرافي إن الذي اختص الله به علم الخمس بلا سبب أما به كالمنام فقد يحصل لغيره تعالى كقصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في حمل بنت خارجة حين أخبر بأنه أنثى.

ص: 269

(قد أسس الفقه على رفع الضرر) الفقه نائب أسس هذا الكلام إلى آخر البيت الثالث في قواعد ثبت مضمونها بالدليل فأشبه ارتباط جزئياتها في تعريف حكمها منها ارتباط الدليل بالمدلول في تعريف حكمه منه فناسب لذلك إيرادها خاتمة للكلام في الأدلة يعني أن بعض الأصوليين وهو القاضي حسين من الشافعية قد أسس الفقه أي بني مسائله على أربعة أصول.

أحدها أن الضرر يزال ويشهد لهذه القاعدة قوله صلى الله وعليه وسلم لا ضرر ولا ضرار وأيضًا الشريعة مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد ومن مسائلها شرع الزواجر من الحدود والضمان ورد المغصوب مع القيام وضمانه بالتلف وارتكاب أخف الضررين والتطليق بالأضرار والإعسار ومنع الجار من أحداث ما يضر بجاره.

(وإن ما يشق يجلب الوطر) بفتح الهمزة أن يعني القاعدة الثانية هي أن المشقة تجلب التيسير وهو المراد بالوطر لقوله تعالى ((وما جعل عليكم في الدين من حرج)) ومن مسائلها الأخذ بالأخف والرخص كالجواز القصر والجمع والفطر في السفر قال القرافي المشاق قسمان.

قسم لا تنفك عنه العبادة كالوضوء في البرد والصوم في النهار الحامي والمخاطرة بالنفوس في الجهاد ونحوها فهذا لا يوجب تخفيفًا في العبادة لأنها قررت معه.

والثاني ما تنفك عنه العبادة فإن كان في مرتبة الضروريات عفي عنه إجماعًا كما لو كانت طهارة الحدث والخبث تذهب النفس أو بعض

ص: 270

الأعضاء وإن كان في مرتبة التتمات لم يعف عنه إجماعًا كالطهارة بالماء البارد وما كان في المرتبة الوسطى وهي الحاجيات فمحل خلاف بين العلماء هـ.

يعني كما إذا خاف باستعمال الماء مرضًا خفيفًا

تنبيه: أعلم أن أهل الفروع كثيرًا ما يطلقون الضرورة على المشقة دون القسم الثالث من المناسب الذي هو أصل المصالح فلا يلتبس عليك الأمر.

(ونفى رفع القطع بالشك) بجر نفي عطفًا على رفع هذه هي القاعدة الثالثة وهي أن اليقين لا يرفع بالشك ولا يخفي أن اليقين لاشك معه فالمراد استصحاب حكم الأمر المتيقن إذا طرأ الشك في حصول ضده الذي حكمه مضاد لحكمه ومن مسائلها إذا لم يدر أصلي ثلاثًا أم أربعًا بني على اليقين وقوله صلى الله وعليه وسلم للمدعى شاهداك أو يمينه لأن الأصل براءة الذمة وعمارتها مشكوك فيها قال حلولو والظاهر من إطلاقهم أن المراد بالشك ما استوي طرفاه كما هو المعلوم في الاصطلاح وذكر النووي في شرح مسلم أن أصحابهم أن المراد به عدم التحقق قال فيدخل فيه الظن فلو غلب على ظنه أنه أحدث لم يجب عليه أن يتوضأ وإنما رأى مالك الشك ناقصًا للوضوء في أحد قوليه لأنه شك في الشرط الذي هو الطهارة والأصل عدم الشرط والشافعي لا ينقض عنده الشك في الحدث لأن المتيقن الذي هو للطهارة لا يرفع بالمشكوك الذي هو الحدث.

(وإن يحكم العرف) بفتح الهمزة أن عطفًا على رفع من قوله رفع الضرر وبفتح كاف يحكم مع التشديد وبضم عين العرف أي العادة

ص: 271

يعني أن القاعدة الرابعة هي أن العادة محكمة وشاهدها قوله تعالى ((خذ العفو وأمر بالعرف)) فمن هذا الأصل ما يختلف الحكم فيه باختلاف العوائد كطول الفصل في السهو وقصره واقل الحيض والنفاس وأكثر ومنها ما لم يختلف الحكم فيه باختلاف العوائد كالخسة والكفاءة في النكاح والأحكام المبنية على العوائد تتبدل بتبدل العوائد ويدخل في هذا القاعدة تخصيص عموميات ألفاظ الناس في الإيمان والمعاملات وتقييد مطلقها بالعرف فلا يجوز لحاكم ولا مفت أن يحكم لو يفتي في لفظة حتى يعلم معناها في عرف ذلك البلد ولذا قالوا الجمود على النصوص أبدًا ضلال وإضلال وهذه القاعدة محيطة بكثير من الفقه لا بكله (وزاد من فطن).

(كون الأمور تبع القاصد) بتثليث طاء فطن وتحريك تبع يعني أن بعضهم زاد على الأمور الأربعة التي حصر القاضي الحسين فيها مذهب الشافعي أصلًا.

خامسًا وهو أن الأمور بمقاصدها أي الوسائل تعطي حكم المقصود بها ومن مسائله وجوب النية في الطهارة التي هي وسيلة لصحة الصلاة والصلاة عبادة تجب فيها النية اتفاقًا وشاهد هذا الأصل إنما الأعمال بالنيات قال الشافعي إن هذا الحديث ثلث لعلم وقال بعضهم ربع الدين ويدخل في هذا الأصل تميز العبادات من العادات وتمييز أنواع العبادات بعضها عن بعض كالفرض من الندب والعكس والظهر من العصر مثلا والعكس ويدخل فيها أيضًا قاعدة سد الذرائع وهي الوسائل لأن المنع من الأمر الذي ظاهره الصحة إنما هو لأجل قصد الفساد ورد بعضهم هذه القاعدة إلى قاعدة أن اليقين لا يرفع بالشك لأن الشيء إذا لم يقصد فاليقين عدم حصوله شرعًا.

ص: 272