الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بْنِ هَارُونَ عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالْغِرْبَالِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَعِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ خَالِدِ بْنِ إلْيَاسَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ فَرُّوخَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ.
فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ 1 فِي "كِتَابِ الشَّهَادَاتِ" عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُرِيدَ عَلَى ابْنَةِ حَمْزَةَ، فَقَالَ:"إنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي، إنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَأَنَّهُ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ"، انْتَهَى. وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: مَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّحِمِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْهَا - إلَّا ابْنَ مَاجَهْ - وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ 2: أَنَّ عَمَّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ - يُسَمَّى: أَفْلَحَ - اسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا فَحَجَبَتْهُ، فَأَخْبَرَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهَا:"لَا تَحْتَجِبِي مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ"، انْتَهَى. وَلَفْظُ الْبَاقِينَ: مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ، وَفِي لَفْظٍ: مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْمَعَنَّ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، انكح أختي، قال:"أوتحبين ذَلِكَ؟ قُلْت: نَعَمْ، لَسْت لَك بِمُخْلِيَةٍ، وَأُحِبُّ مَنْ شَرِكَنِي فِي خَيْرِ أُخْتِي، قَالَ: فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي، قُلْت: فَإِنِّي أُخْبِرْت أَنَّك تَخْطُبُ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي مَا حَلَّتْ لِي، إنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَاهَا ثُوَيْبَةُ، فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ، وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ"، زَادَ الْبُخَارِيُّ:
1 عند البخاري في "باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض" ص 360 - ج 1، وعند مسلم في "كتاب الرضاع" ص 467 - ج 1.
2 عند البخاري في "باب ما يحل من الدخول والنظر إلى النساء في الرضاع" ص 788 - ج 2، وعند مسلم في "الرضاع" ص 467 - ج 1، وعند الترمذي في "باب ما جاء يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب" ص 248 - ج 1، وعند أبي داود في "باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب" ص 280 - ج 1.
3 عند البخاري في "باب {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} " ص 764 - ج 2، وعند مسلم في "باب الرضاع" ص 468 - ج 1.
قَالَ عُرْوَةُ: وَثُوَيْبَةُ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ، كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا حِينَ أَرْضَعَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أهله بشرحبية، قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيت؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ، غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الطَّلَاقِ" 1 وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "النِّكَاحِ" عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجَيَشَانِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ الضَّحَّاكَ بْنَ فَيْرُوزَ، فَحَدَّثَ عَنْ أبي فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ، قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَسْلَمْت وَتَحْتِي أُخْتَانِ، فَقَالَ عليه السلام:"طَلِّقْ أَيَّتَهمَا شِئْت"، انْتَهَى. وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ:"اخْتَرْ أَيَّتَهمَا شِئْت"، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَأَبُو وَهْبٍ الْجَيَشَانِيَّ، اسْمُهُ: الدَّيْلَمُ بْنُ هَوْشَعٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجَيَشَانِيَّ عَنْ ابْنِ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ أَبِي لهب الجيشاني عن أبي خراش الرُّعَيْنِيِّ عَنْ الدَّيْلَمِيِّ، نَحْوَهُ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: " لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا، وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا"، قُلْت: رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ 2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاللَّفْظُ لَهُمْ - خَلَا مُسْلِمًا - عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا الْعَمَّةُ عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا، وَلَا الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا، وَلَا تُنْكَحُ الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى، وَلَا الصُّغْرَى على الكبرى"، اتنهى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" كُلُّهُمْ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ مُسْلِمًا رحمه الله لَمْ يُخَرِّجْهُ هَكَذَا بِتَمَامِهِ، وَلَكِنَّهُ فَرَّقَهُ حَدِيثَيْنِ، فَأَخْرَجَ صَدْرَهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا:"لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا عَلَى خَالَتِهَا"، انْتَهَى. وَأُخْرِجَ بَاقِيهِ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا:"لَا تُنْكَحُ الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ الْأَخِ، وَلَا بِنْتُ الْأُخْتِ عَلَى الْخَالَةِ"، انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ" هَذَا الْحَدِيثَ لِمُسْلِمٍ، لِكَوْنِهِ فَرَّقَهُ، وَهُوَ يَتَسَاهَلُ
1 عند أبي داود في "الطلاق - باب من أسلم وعنده نساء أكثر من أربعة" 305 - ج 1، وعند الترمذي في "باب ما جاء في الرجل يسلم وعنده أختان" ص 146 - ج 1، وكلا الحديثين عند ابن ماجه "باب الرجل يسلم وعنده أختان" ص 141.
2 عند أبي داود في "باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء" ص 282 - ج 1، وعند الترمذي في "باب ما جاء لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها" ص 145، وعند النسائي في "تحريم الجمع بين المرأة وخالتها" ص 181 - ج 2، وعند مسلم في "النكاح" ص 452، و453 - ج 1.
فِي أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، وَقَالَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، وَلَمْ أَجِدْ الْبُخَارِيَّ ذَكَرَهُ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ نَحْوَهُ عَنْ جَابِرٍ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَادَ فِيهِ: فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ" عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى قَرَابَتِهَا مَخَافَةَ الْقَطِيعَةِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ، غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ، وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ". قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلَى مَجُوسِ هَجَرَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ، فَمَنْ أَسْلَمَ قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ، وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "النِّكَاحِ"، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "كِتَابِ أَهْلِ الْكِتَابِ"، وَلَفْظُهُ فِيهِ: وَلَا تُؤْكَلُ لَهُمْ ذَبِيحَةٌ، وَلَا تُنْكَحُ فِيهِمْ امْرَأَةٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هَذَا مُرْسَلٌ، وَمَعَ إرْسَالِهِ فَفِيهِ قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَهُوَ ابْنُ الرَّبِيعِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَهُوَ مِمَّنْ سَاءَ حِفْظُهُ بِالْقَضَاءِ: كَشَرِيكٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ - هُوَ الْوَاقِدِيُّ - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَكَمِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلَى مَجُوسِ هَجَرَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ، فَإِنْ أَبَوْا عَرَضَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ، وَبِأَنْ لَا تُنْكَحَ نِسَاؤُهُمْ، وَلَا تُؤْكَلَ ذَبَائِحُهُمْ، وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَالْوَاقِدِيُّ مُتَكَلِّمٌ فِيهِ، وَرَوَى مَالِكٌ فِي "مُوَطَّئِهِ" 2 عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ الْمَجُوسَ، فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ"، انْتَهَى. وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي فِي "بَابِ الْجِزْيَةِ" إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنَّ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي وَضْعِ الْجِزْيَةِ عَلَى المجوس أمسّ منه ههنا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَعَادَهُ فِي "الذَّبَائِحِ".
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكَحُ"، قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ 3 - إلَّا الْبُخَارِيَّ - عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرْسَلَهُ إلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ يَسْأَلُهُ - وَأَبَانُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْحَاجِّ - وَهُمَا مُحْرِمَانِ: إنِّي أَرَدْت أَنْ أُنْكِحَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ ابْنَةَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ أَبَانُ: سَمِعْت أَبِي عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ،
1 عند البخاري "باب لا تنكح المرأة على عمتها" ص 766 - ج 2، وحديث الأعرج عن أبي هريرة، عند مسلم: ص 452 - ج 1.
2 عند مالك في "الموطأ - في باب جزية أهل الكتاب" ص 121.
3 عند مسلم "باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته" ص 453 - ج 1.
وَلَا يُنْكَحُ"، زَادَ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد فِي رِوَايَةٍ: وَلَا يَخْطُبْ، وَزَادَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ": وَلَا يُخْطَبُ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
الْآثَارُ: رَوَى مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" 1 عَنْ دَاوُد بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ أَبَا غَطَفَانَ الْمُرِّيِّ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ طَرِيفًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَرَدَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نِكَاحَهُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام تَزَوَّجَ بِمَيْمُونَةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ" 2 عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَيْمُونَةَ وَهُوَ محرم، انتهى. وزاد الْبُخَارِيُّ: وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ، وَمَاتَتْ بِسَرِفَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ، وَمَاتَتْ بِسَرِفَ، انْتَهَى. وَلَهُ عَنْهُ أَيْضًا، قَالَ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَيْمُونَةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَلَمْ يَصِلْ سَنَدُهُ بِهِ، ذَكَرَهَا فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَابْنُ مَاجَهْ 3 فِي "النِّكَاحِ"، وَالْبَاقُونَ فِي "الْحَجِّ"، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ عليه السلام تَزَوَّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي "الرَّوْضِ الْأُنُفِ": إنَّمَا أَرَادَتْ نِكَاحَ مَيْمُونَةَ، وَلَكِنَّهَا لَمْ تُسَمِّهَا، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ الْمُعَارِضَةُ: رَوَى مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 4 عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي مَيْمُونَةُ بنت الحارث عن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ5،
1 عند مالك في "الموطأ - باب نكاح المحرم" ص 135.
2 عند البخاري في "الحج - باب تزويج المحرم" ص 248 - ج 1، وفي "عمرة القضاء" ص 611 - ج 2، وليس في رواية البخاري طاوس، بل فيها عطاء، وعكرمة، ومجاهد.
3 وعند مسلم في "النكاح - باب تحريم نكاح المحرم" ص 453 - ج 1، وعند ابن ماجه في "النكاح - في باب المحرم يتزوج" ص 142، وعند أبي داود في "باب تزويج المحرم" ص 255 - ج 1 عن عكرمة، وعند الترمذي في "الحج" عن عكرمة: ص 116 - ج 1، وعند النسائي في "الحج - باب الرخصة في النكاح للمحرم" ص 26 - ج 2، وعند الدارقطني: ص 400.
4 عند مسلم في "باب تحريم نكاح المحرم" ص 454، وعند الترمذي في "الحج - باب ما جاء في الرخصة في ذلك" ص 116 - ج 1، وعند أبي داود "باب المحرم يتزوج" ص 255 - ج 1.
5 قال ابن الهمام في "الفتح" ص 375 - ج 2: وما عن يزيد بن الأصم أنه تزوجها، وهو حلال لم يقو قوة هذا، فإنه مما اتفق عليه الستة، وحديث يزيد لم يخرجه البخاري، ولا النسائي، وأيضاً لا يقاوم بابن عباس حفظاً واتقاناً، ولذا قال عمرو بن دينار للزهري: وما يدري ابن الأصم كذا وكذا - لشيء قاله - أتجعله مثل ابن عباس؟! وما روي عن أبي رافع أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال، وبنى بها وهو حلال، وكنت أنا الرسول بينهما، لم يخرج في واحد من "الصحيحين"، وإن روي في "صحيح ابن حبان" فلم يبلغ درجة الصحة، ولذا لم يقل فيه الترمذي سوى: حديث حسن، قال: ولا نعلم أحداً أسنده غير حماد عن مطر، وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال، فمنكر عنه، لا يجوز النظر إليه بعدما اشتهر، إلى أن كاد يبلغ اليقين عنه في خلافه، =
قَالَ: وَكَانَتْ خَالَتِي، وَخَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى بِلَفْظِ مُسْلِمٍ. وَفِي لَفْظٍ لَهُ: وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفَ، انْتَهَى. زَادَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" بَعْدَ أَنْ رَجَعْنَا مِنْ مَكَّةَ، انْتَهَى. ثُمَّ أَسْنَدَ أَبُو دَاوُد عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: وَهَمَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَزْوِيجِ مَيْمُونَةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ 1 عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ أَنَّهُ عليه السلام نَكَحَ مَيْمُونَةَ، وَهُمَا حَلَالَانِ، قَالَ عَمْرٌو: فَقُلْت لِلزُّهْرِيِّ: وَمَا يَدْرِي ابْنُ الْأَصَمِّ، أَعْرَابِيٌّ بَوَّالٌ عَلَى عَقِبَيْهِ، أَتَجْعَلُهُ مِثْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ؟! انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ثَنَا مَطَرٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّهُ عليه السلام تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ، وَبَنَى عَلَيْهَا وَهُوَ حَلَالٌ، وَكُنْت أَنَا الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"
= ولذا بعد أن أخرج الطبراني ذلك عارضه بأن أخرجه عن ابن عباس رضي الله عنه من خمسة عشر طريقاً: أنه تزوجها وهو محرم، وفي لفظ: وهما محرمان، وقال: هذا هو الصحيح، وما أول به حديث ابن عباس بأن المعنى وهو في الحرم، فإنه يقال: أنجد، إذا دخل أرض نجد، وأحرم إذا دخل أرض الحرم، بعيد، ومما يبعده حديث البخاري: تزوجها وهو محرم، وبنى بها وهو حلال.
والحاصل أنه قام ركن المعارضة بين حديث ابن عباس، وحديثي يزيد بن الأصم، وأبان بن عثمان بن عفان، وحديث ابن عباس أقوى منهما سنداً، فإن رجحنا باعتباره كان الترجيح معنا، ويعضده ما قال الطحاوي: روى أبو عوانة عن مغيرة عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها، قالت: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه وهو محرم، قال: ونقلة هذا الحديث كلهم ثقات يحتج بروايتهم، انتهى: ومحصل كلام الطحاوي في "شرح الآثار" 443 - ج 1، والذين رووا: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم، أهل علم، وأثبت أصحاب ابن عباس: سعيد بن جبير، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وعكرمة، وجابر بن زيد، وهؤلاء كلهم أئمة فقهاء، يحتج برواياتهم وآرائهم، والذين نقلوا عنهم فكذلك أيضاً، منهم: عمرو بن دينار، وأيوب السختياني، وعبد الله بن أبي نجيح، فهؤلاء أيضاً أئمة يقتدى برواياتهم، ثم قد روي عن عائشة أيضاً ما قد وافق ما روي عن ابن عباس، وروى ذلك عنها من لا يطعن أحد فيه: أبو عوانة عن مغيرة عن أبي الضحى عن مسروق، فكل هؤلاء أئمة يحتج برواياتهم، فما رووا من ذلك أولى مما روى من ليس كمثلهم في الضبط، والثبت، والفقه، والأمانة، وأما حديث عثمان فإنما رواه نبيه بن وهب، وليس كعمرو ابن دينار، ولا كجابر بن زيد، ولا كمن روى ما يوافق ذلك عن مسروق عن عائشة، ولا لنبيه موضع في العلم، كموضع أحد ممن ذكرنا، فلا يجوز - إن كان كذلك - أن يعارض به جميع من ذكرنا ممن روى بخلاف الذي روى، انتهى كلامه.
ثم أخرج الطحاوي في آخر الباب آثاراً عن ابن مسعود، وابن عباس، وأنس أنهم كانوا لا يرون بأساً أن يتزوج المحرمان، انتهى. وقال شيخنا حجة الإسلام إمام العصر "محمد أنور الكشميري" رحمه الله تعالى - في إملائه على جامع الترمذي - الموسوم "بعرف الشذى" أقول: يلزم عليه [أي قول الترمذي: إنه عليه السلام تزوجها في طريق مكة، وظهر أمر تزويجها وهو محرم، ثم بنى بها وهو حلال بسرف] أنه عليه السلام تجاوز عن الميقات بلا إحرام، وهو يريد الحج، لأن في الروايات أنه عليه السلام نكح بسرف، وهو بين مكة، وذي الحليفة، وكانت المواقيت مؤقتة، كيف! وفي البخاري في "غزوة الحديبية" ص 600 - ج 2 في حديث المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم: فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدي، وأشعر وأحرم منها بعمرة، الحديث، انتهى.
1 عند الطحاوي: ص 442 - ج 1.
عَنْ ابْنِ خزيمة بمسنده عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ غَيْرَ حَمَّادٍ عَنْ مَطَرٍ1، وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ رَبِيعَةَ مُرْسَلًا، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَيْمُونَةَ، لِأَنَّهُ عليه السلام تَزَوَّجَهَا فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَزَوَّجَهَا حَلَالًا، وَظَهَرَ أَمْرُ تَزْوِيجِهَا، وَهُوَ مُحْرِمٌ ثُمَّ بَنَى بِهَا، وَهُوَ حَلَالٌ بِسَرِفَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، وَمَاتَتْ مَيْمُونَةُ بِسَرِفَ حَيْثُ بَنَى بِهَا، وَدُفِنَتْ بِسَرِفَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ تَعَارُضٌ، وَلَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَهَمَ، لِأَنَّهُ أَحْفَظُ وَأَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَكِنْ عِنْدِي أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: تَزَوَّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، أَيْ دَاخِلٌ فِي الْحَرَمِ، كَمَا يُقَالُ: أَنْجَدَ، وَأَتْهَمَ، إذَا دَخَلَ نَجْدًا، وَتِهَامَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، فَبَعَثَ مِنْ الْمَدِينَةِ أَبَا رَافِعٍ، وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ إلَى مَكَّةَ لِيَخْطُبَا مَيْمُونَةَ لَهُ، ثُمَّ خَرَجَ وَأَحْرَمَ، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ وَسَعَى وَحَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ، وَتَزَوَّجَ بِهَا، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَلَاثًا، ثُمَّ سَأَلَهُ أَهْلُ مَكَّةَ الْخُرُوجَ، فَخَرَجَ حَتَّى بَلَغَ سَرِفَ، فَبَنَى بِهَا، وَهُمَا حَلَالَانِ، فَحَكَى ابْنُ عَبَّاسٍ نَفْسَ الْعَقْدِ، وَحَكَتْ مَيْمُونَةُ عَنْ نَفْسِهَا الْقِصَّةَ عَلَى وَجْهِهَا، وَهَكَذَا أَخْبَرَ أَبُو رَافِعٍ، وَكَانَ الرَّسُولُ بَيْنَهُمَا، فَدَلَّ ذَلِكَ - مَعَ نَهْيِهِ عليه السلام عَنْ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَإِنْكَاحِهِ - عَلَى صِحَّةِ مَا ادَّعَيْنَاهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حدثنا أحمد بن عمرو البزار ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَخْلَدٍ الْوَاسِطِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَلَّامٍ أَبِي الْمُنْذِرِ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ، وَهُوَ حَلَالٌ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ طَرِيقًا 2 أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَفِي لَفْظٍ: وَهُمَا حَرَامَانِ، وَقَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ.
حَدِيثٌ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" 3 نَقْلًا عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ
1 قال الطحاوي: ص 442 - ج 1: إن هذا الأمر إن كان يؤخذ من طريق الاسناد واستقامته، وهكذا مذهبهم، فإن حديث أبي رافع الذي ذكروا فإنما رواه مطر الوراق، ومطر عندهم ليس ممن يحتج بحديثه، وقد رواه مالك، وهو أضبط منه، فقطعه: حدثنا يونس قال: أنا ابن وهب، أن مالكاً حدثه عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار، الحديث، انتهى. وذكر هذا الحديث في "الموطأ - في باب نكاح المحرم" ص 135.
2 وأخرج ابن سعد في "طبقاته من ترجمة ميمونة بنت الحارث بن حزن" ص 96، و97 - ج 2 حديث ابن عباس من ستة عشر طريقاً في كتاب أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم.
3 عند مالك في "الموطأ" ص 135.
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ، وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ 1 فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ ابْنَةَ الْحَارِثِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ": وَعَنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ أَجْوِبَةٌ، أَصَحُّهَا أَنَّهُ إنَّمَا تَزَوَّجَهَا حَلَالًا، هَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ، قَالَ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: لَمْ يَرْوِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا مُحْرِمًا غَيْرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحْدَهُ، وَرَوَتْ مَيْمُونَةُ، وَأَبُو رَافِعٍ، وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا، وَهُمْ أَعْرَفُ بِالْقَضِيَّةِ لِتَعَلُّقِهِمْ بِهِ، وَهُمْ أَضْبَطُ وَأَكْثَرُ، الثَّانِي: أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فِي الْحَرَمِ وَهُوَ حَلَالٌ، وَيُقَالُ لِمَنْ هُوَ فِي الحرام: مُحْرِمٌ، وَإِنْ كَانَ حَلَالًا، قَالَ الشَّاعِرُ:
قَتَلُوا ابْنَ عَفَّانَ الْخَلِيفَةَ مُحْرِمًا
…
وَدَعَا فَلَمْ أَرَ مِثْلَهُ مَخْذُولًا
أَيْ فِي الْحَرَمِ، انْتَهَى. قُلْت: وَجَدْت فِي "صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ" مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ: أَحْرَمَ الرَّجُلُ إذَا دَخَلَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَأَنْشَدَ الْبَيْتَ الْمَذْكُورَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ: أَنَّهُ عليه السلام تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ، يَدْفَعُ هَذَا التَّفْسِيرَ، أَوْ يُبْعِدُهُ، وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَهُوَ مُحْرِمٌ، أَيْ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، ثُمَّ أَنْشَدَ الْبَيْتَ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ أَنَّهُ رَوَى بِسَنَدِهِ عَنْ إسْحَاقَ الْمَوْصِلِيِّ، قَالَ: سَأَلَ هَارُونُ الرَّشِيدُ الْأَصْمَعِيَّ بِحَضْرَةِ الْكِسَائِيّ، عَنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ: قَتَلُوا ابْنَ عَفَّانَ الْخَلِيفَةَ مُحْرِمًا فَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: لَيْسَ مَعْنَى هَذَا أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَلَا أَنَّهُ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، وَلَا أَنَّهُ في الحرام، فَقَالَ الْكِسَائِيُّ: وَيْحَك، فَمَا مَعْنَاهُ؟ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: فَمَا أَرَادَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ بِقَوْلِهِ:
قَتَلُوا كِسْرَى بِلَيْلٍ مُحْرِمًا
…
فَتَوَلَّى لَمْ يُمَتَّعْ بِكَفَنِ
أَيُّ إحْرَامٍ لِكِسْرَى؟ فَقَالَ الرَّشِيدُ: فَمَا الْمَعْنَى؟ قَالَ: كُلُّ مَنْ لَمْ يَأْتِ شَيْئًا يُوجِبُ عَلَيْهِ عُقُوبَةً فَهُوَ مُحْرِمٌ، لَا يَحِلُّ مِنْهُ شَيْءٌ، فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ: أَنْتَ لَا تُطَاقُ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالثَّالِثُ مِنْ الْأَجْوِبَةِ عَنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ: أَنَّ الصَّحِيحَ عند الْأُصُولِيِّينَ تَقْدِيمُ الْقَوْلِ إذَا عَارَضَهُ الْفِعْلُ، لِأَنَّ الْقَوْلَ يَتَعَدَّى إلَى الْغَيْرِ، وَالْفِعْلَ قَدْ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، قَالَ: وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، انْتَهَى. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ "النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ": وَالْأَخْذُ بِحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ أَوْلَى، لِأَنَّهُ كَانَ السَّفِيرَ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ مُبَاشِرًا لِلْحَالِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ حَاكِيًا، وَمُبَاشِرُ الْحَالِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَاكِيهِ، أَلَا تَرَى عَائِشَةَ كَيْفَ أَحَالَتْ عَلَى عَلِيٍّ حين سئلت عَنْ مَسْحِ الْخُفِّ، وَقَالَتْ: سَلُوا عَلِيًّا، فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عليه السلام "لا ينكح الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ"، قُلْت: رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ
1 قلت: والرجل الذي كان مع أبي رافع اسمه: أوس بن خوتي، كما في "طبقات ابن سعد" ص 94 - ج 8.
فِي "سُنَنِهِ 1 - فِي الطَّلَاقِ" مِنْ حَدِيثِ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "طَلَاقُ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَقُرْءُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ، وَيَتَزَوَّجُ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ، وَلَا يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ"، انْتَهَى. وَمُظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ ضَعِيفٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ - فِي سُورَةِ النِّسَاءِ" عِنْدَ قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى ثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ثَنَا سُفْيَانُ عن هشام الدسوائي عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُنْكَحَ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ، قَالَ: وَيُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ، وَمَنْ وَجَدَ طَوْلًا لِحُرَّةٍ فَلَا يَنْكِحْ أَمَةً، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" مختصراً عَلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْكِحَ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يَنْكِحَ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ، انْتَهَى.
الْآثَارُ: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لَا يَنْكِحْ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ، وَيَنْكِحُ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَا يَنْكِحْ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ، وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: يَتَزَوَّجُ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ، وَلَا يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ بُرْدٍ 2 عَنْ مَكْحُولٍ نَحْوَهُ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه السلام: "وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ عَائِشَةَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: وَتَتَزَوَّجُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ، وَلَا تَتَزَوَّجُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ، وَعِنْدَ الطَّبَرِيِّ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "وَيَنْكِحُ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ"، وَمَوْقُوفًا عَلَى جَابِرٍ بسند صحيح عند عَبْدِ الرَّزَّاقِ: وَيَنْكِحُ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" والدارقطني3، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا" عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيِّ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إذَا نُكِحَتْ الْحُرَّةُ عَلَى
1 عند الدارقطني: ص 441 في "الطلاق" قال الدارقطني: حدثنا أبو بكر النيسابوري نا محمد بن إسحاق، قال: سمعت أبا عاصم يقول: ليس بالبصرة حديث أنكر من حديث مظاهر هذا، انتهى.
2 هو برد بن سنان الشامي، كذا في "التهذيب" ص 290 - ج 10.
3 عند الدارقطني: ص 410، وعند البيهقي في "السنن" عن المنهال ابن عمرو عن زر بن حبيش عن علي: ص 175 - ج 7.
الْأَمَةِ فَلِهَذِهِ الثُّلُثَانِ، وَلِهَذِهِ الثُّلُثُ، أَنَّ الْأَمَةَ لَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَزَوَّجَ عَلَى الْحُرَّةِ، انْتَهَى. وَالْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو فِيهِ مَقَالٌ، وَعَبَّادٌ الْأَسَدِيُّ ضَعِيفٌ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، وَحَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ ضَعَّفَهُ.
قَوْلُهُ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةِ عَلِيٍّ، وَابْنَتِهِ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ قُثَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةِ عَلِيٍّ، وَابْنَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 1 عَنْ قُثَمٍ مَوْلَى الْعَبَّاسِ، قَالَ: تَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بِنْتَ عَلِيٍّ، وَامْرَأَةَ عَلِيٍّ النَّهْشَلِيَّةَ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ" تَعْلِيقًا2، فَقَالَ فِي "بَابِ مَا يَحِلُّ مِنْ النِّسَاءِ وَمَا يَحْرُمُ": قَالَ: وَجَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ ابْنَةِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ. لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ مَرَّةً، ثُمَّ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ 3 فِي "الطَّبَقَاتِ" أَخْبَرَنَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ تَزَوَّجَ لَيْلَى امْرَأَةَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْنَبَ بِنْتَ عَلِيٍّ مِنْ غَيْرِهَا، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدِ أن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ، وَابْنَتَهُ - يَعْنِي مِنْ غَيْرِهَا - انْتَهَى. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: سئل عَنْ ذَلِكَ مُحَمَّدَ بْنَ سيرين فلم يرى بِهِ بَأْسًا، وَقَالَ: نُبِّئْت أَنَّ جَبَلَةَ - رَجُلًا كَانَ بِمِصْرَ - جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةَ رَجُلٍ وَابْنَتَهُ مِنْ غَيْرِهَا، انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، يُقَالُ لَهُ: جَبَلَةُ كَانَ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةِ رَجُلٍ، وَابْنَتَهُ مِنْ غَيْرِهَا، قَالَ أَيُّوبُ: وَكَانَ الْحَسَنُ يَكْرَهُهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ، وَعِكْرِمَةَ أَنَّهُمَا كَرِهَاهُ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: قُلْنَا: ثَبَتَ النَّسْخُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - يَعْنِي نَسْخَ الْمُتْعَةِ - قُلْت: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ 4 عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَامَ بِمَكَّةَ، فَقَالَ: إنَّ نَاسًا أَعْمَى اللَّهُ قُلُوبَهُمْ، كَمَا أَعْمَى أَبْصَارَهُمْ
1 عند الدارقطني في "النكاح" ص 424.
2 ذكره البخاري في "باب ما يحل من النساء وما يحرم" ص 765 - ج 2، وابنة على هذه اسمها: زينب، من فاطمة، وامرأته هي ليلى بنت مسعود.
3 قلت: ذكره ابن سعد في "الطبقات" ص 341 - ج 8 في "ترجمة زينب بنت علي" بإسناد غير هذا، قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن ابن أبي ذئب، قال: حدثني عبد الرحمن بن مهران، الحديث.
4 عن مسلم في "باب نكاح المتعة" ص 452 - ج 1.
يُفْتُونَ بِالْمُتْعَةِ، يَعْرِضُ بِرَجُلٍ، فَنَادَاهُ: إنَّك لَجِلْفٌ جَافٌّ، فَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَتْ الْمُتْعَةُ تُفْعَلُ فِي عَهْدِ إمَامِ الْمُتَّقِينَ - يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَجَرِّبْ بِنَفْسِك، فو الله لَئِنْ فَعَلْتهَا لَأَرْجُمَنَّك بِأَحْجَارِك، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ سَيْفِ اللَّهِ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رَجُلٍ، جَاءَهُ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَاهُ فِي الْمُتْعَةِ، فَأَمَرَهُ بِهَا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيُّ: مَهْلًا، قَالَ: مَا هِيَ؟ وَاَللَّهِ لَقَدْ فُعِلَتْ فِي عَهْدِ إمَامِ الْمُتَّقِينَ، قَالَ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ: إنَّهَا كَانَتْ رُخْصَةً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِمَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهَا، كَالْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، ثُمَّ أَحْكَمَ اللَّهُ الدِّينَ، وَنَهَى عَنْهَا، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي رَبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: قَدْ كُنْت اسْتَمْتَعْت فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةً مِنْ بَنِي عَامِرٍ بِبُرْدَيْنِ أَحْمَرَيْنِ، ثُمَّ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْمُتْعَةِ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَسَمِعْت رَبِيعَ بْنَ سَبْرَةَ يُحَدِّثُ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَنَا جَالِسٌ، انْتَهَى.
أحاديث التحريم والنسخ: أخرجه مُسْلِمٌ 1 عَنْ إيَاسِ بْنِ مسلمة بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: رَخَّصَ رسول الله عليه وسلم عَامَ أَوْطَاسٍ فِي الْمُتْعَةِ ثَلَاثًا، ثُمَّ نَهَى عَنْهَا، انتهى. قال البيقهي 2: وَعَامُ أَوْطَاسٍ، وَعَامُ الْفَتْحِ وَاحِدٌ، لِأَنَّهَا بَعْدَ الْفَتْحِ بِيَسِيرٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: أَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمُتْعَةِ، فَانْطَلَقْت أَنَا وَرَجُلٌ إلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ، كَأَنَّهَا بَكْرَةٌ عَيْطَاءُ، فَعَرَضْنَا عَلَيْهَا أَنْفُسَنَا، فَقَالَتْ: مَا تُعْطِي؟، فَقُلْت: رِدَائِي، وَقَالَ صَاحِبِي: رِدَائِي، وَكَانَ رِدَاءُ صَاحِبِي أَجْوَدَ مِنْ رِدَائِي، وَكُنْت أَشَبَّ مِنْهُ، فَإِذَا نَظَرَتْ إلَى رِدَاءِ صَاحِبِي أَعْجَبَهَا، وَإِذَا نَظَرَتْ إلَيَّ أَعْجَبْتُهَا، ثُمَّ قَالَتْ: أَنْتَ وَرِدَاؤُك يَكْفِينِي، فَمَكَثَ مَعَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ النِّسَاءِ الَّتِي يَتَمَتَّعُ بِهِنَّ، فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ، فَأَذِنَ لَنَا فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ، الْحَدِيثَ. وَفِي لَفْظٍ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمُتْعَةِ عَامَ الْفَتْحِ حِينَ دَخَلْنَا مَكَّةَ، ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى نَهَانَا عَنْهَا، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال:" يا أيها النَّاسُ، إنِّي كُنْت أَذِنْت لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنْ النِّسَاءِ، وَأَنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ، وَقَالَ: أَلَا إنَّهَا حَرَامٌ، مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَانَ أَعْطَى شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ، انْتَهَى. وَطَوَّلَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، فَقَالَ: ذَكَرَ الْبَيَانَ بِأَنَّ الْمُصْطَفَى
1 عند مسلم في: ص 452.
2 ولفظ البيهقي: ص 204 - ج 7، وعام أوطاس، وعام الفتح واحد، فأوطاس، وإن كانت بعد الفتح، فكانت في عام الفتح بعده بيسير، فما نهى عنه لا فرق بين أن ينسب إلى عام أحدهما، أو إلى الآخر، انتهى.
عليه السلام حَرَّمَ الْمُتْعَةَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ بِسَنَدِهِ عَنْ سَبْرَةَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قَضَيْنَا عُمْرَتَنَا قَالَ لَنَا:"اسْتَمْتِعُوا مِنْ هَذِهِ النِّسَاءِ"، قَالَ: وَالِاسْتِمْتَاعُ عِنْدَنَا يَوْمَئِذٍ التَّزَوُّجُ، فَعَرَضْنَا بِذَلِكَ النِّسَاءَ أَنْ نَضْرِبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُنَّ أَجَلًا، قَالَ: فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " افْعَلُوا"، فَخَرَجْت أَنَا، وَابْنُ عَمٍّ لِي، مَعِي بُرْدَةٌ وَمَعَهُ بُرْدَةٌ، وَبُرْدُهُ أَجْوَدُ مِنْ بُرْدِي، وَأَنَا أَشَبُّ مِنْهُ، فَأَتَيْنَا امْرَأَةً فَعَرَضْنَا ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَأَعْجَبَهَا شَبَابِي، وَأَعْجَبَهَا بُرْدُ ابْنِ عَمِّي، فَقَالَتْ: بُرْدٌ كَبُرْدٍ، فَتَزَوَّجْتُهَا، وَكَانَ الْأَجَلُ بَيْنِي وَبَيْنَهَا عَشْرًا، فَلَبِثْتُ عِنْدَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ غَادِيًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدْتُهُ بَيْنَ الْحَجَرِ وَالْبَابِ قَائِمًا يَخْطُبُ النَّاسَ، وَهُوَ يَقُولُ:"أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي كُنْت أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ فِي هَذِهِ النِّسَاءِ، أَلَا وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 1 مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَتَذَاكَرْنَا مُتْعَةَ النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ: قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي أَنَّهُ حَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، انْتَهَى. وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ الحازمي في "كتاب النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ"2 عَلَى نَسْخِ الْمُتْعَةِ، وَبِحَدِيثِ عَلِيٍّ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ الْآتِي.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ3 مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: إنَّ عَلِيًّا سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَلِينُ فِي الْمُتْعَةِ، فَقَالَ: مَهْلًا يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ، وَمُسْلِمٌ فِي "النِّكَاحِ"، وَفِي "الذَّبَائِحِ"، وَرَوَاهُ الْبَاقُونَ - خَلَا أَبَا دَاوُد - قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي "الرَّوْضِ الْأُنُفِ" 4: هَذِهِ رِوَايَةٌ مُشْكِلَةٌ، فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ لَا يَعْرِفُهُ
1 عند أبي داود في "باب نكاح المتعة" ص 283 - ج 1.
2 ذكره الحازمي في "باب نكاح المتعة" ص 178.
3 عند مسلم في "نكاح المتعة" ص 452 - ج 1، وعند البخاري في "باب نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة أخيراً" ص 767 - ج 2.
4 قال ابن قدامة في "المغنى" ص 572 - ج 7 بعد ما ذكر حديث ربيع بن سبرة: أنه قال: أشهد على أبي أنه حدث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه في حجة الوداع، وحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الأهلية، رواه مالك في "موطأه" فقال: واختلف أهل العلم في الجمع بين هذين الخبرين، فقال قوم: في حديث علي تقديم وتأخير، وتقديره: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، ونهى عن متعة النساء، ولم يذكر ميقات النهي عنها، وقد بينه الربيع بن سبرة في حديثه، أنه كان في حجة الوداع: حكاه الإمام أحمد عن قوم، وذكره ابن عبد البر، وقال الشافعي: لا أعلم شيئاً أحله الله، ثم حرمه، ثم أحله، ثم حرمه إلا المتعة، فحمل الأمر على ظاهره، وأن النبي صلى الله عليه وسلم حرمها يوم خيبر، ثم أباحها في حجة الوداع، ثلاثة أيام، ثم حرمها، ولأنه لا تتعلق به أحكام النكاح من الطلاق، والظهار، واللعان، والتوارث، فكان باطلاً، كسائر الأنكحة الباطلة، انتهى.
أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ، وَرُوَاةُ الْأَثَرِ: أَنَّ الْمُتْعَةَ حُرِّمَتْ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، فَقَالَ فِيهِ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أَكْلِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ عَامَ خَيْبَرَ، وَعَنْ الْمُتْعَةِ، وَمَعْنَاهُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ: أَيْ وَنَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَهُوَ إذًا تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ فِي لَفْظِ ابْنِ شِهَابٍ، لَا فِي لَفْظِ مَالِكٍ، لِأَنَّ مَالِكًا قَدْ وَافَقَهُ عَلَى لَفْظِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ رُوَاةِ ابْنِ شِهَابٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قُلْت: لَمْ أَجِدْ رِوَايَةَ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" إلَّا بِلَفْظِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، انْتَهَى. ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ بِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ، انْتَهَى. ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ بِهِ، أَنَّ عَلِيًّا سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَلِينُ فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ، فَقَالَ: مَهْلًا يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ، انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ1، وَيُنْظَرُ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، فَأَغْرَبُ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ رِوَايَةُ مَنْ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، ثُمَّ رِوَايَةُ الْحَسَنِ: إنَّ ذَلِكَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَالْمَشْهُورُ فِي ذَلِكَ رِوَايَةُ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ عَامَ الْفَتْحِ، وَهُوَ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ".
وَفِيهِ حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد 2 مِنْ حَدِيثِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَيْضًا: أَنَّ تَحْرِيمَهَا كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَرِوَايَةُ مَنْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَةِ أَوْطَاسٍ مُوَافِقَةٌ لِرِوَايَةِ عَامِ الْفَتْحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: رِوَايَةُ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَخْرَجَهَا الْحَازِمِيُّ فِي "النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ" 3 عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ، حَتَّى إذَا كُنَّا عِنْدَ الْعَقَبَةِ مِمَّا يَلِي الشَّامَ جَاءَتْ نِسْوَةٌ، فَذَكَرْنَا تَمَتُّعَنَا، وَهُنَّ تَطُفْنَ فِي رِحَالِنَا، فَجَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَنَظَرَ إلَيْهِنَّ، وَقَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةُ؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نِسْوَةٌ تَمَتَّعْنَا مِنْهُنَّ، قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ، وَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ، وَقَامَ فِينَا خَطِيبًا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ، فَتَوَادَعْنَا يَوْمَئِذٍ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، وَلَمْ نَعُدْ، وَلَا نَعُودُ لَهَا أَبَدًا، فَبِهَا سُمِّيَتْ يَوْمَئِذٍ: ثَنِيَّةُ الْوَدَاعِ، انْتَهَى.
1 قلت: لم أجده في "البخاري".
2 عند أبي داود في "نكاح المتعة" ص 283 - ج 1.
3 ذكره الحازمي في "الاعتبار" ص 180.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُد ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْأَزْهَرِ ثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"حَرَّمَ أَوْ هَدَمَ الْمُتْعَةَ، النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعِدَّةُ، وَالْمِيرَاثُ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": إسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَلَيْسَ فِيهِ مَنْ يُنْظَرُ فِي أَمْرِهِ، إلَّا أَحْمَدُ بْنُ الْأَزْهَرِ بْنِ مَنِيعٍ النَّيْسَابُورِيُّ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ رَوَوْا عَنْهُ نَحْوَ الْعَشَرَةِ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ1 أَيْضًا نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ إيَاسِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْمُتْعَةِ، قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَتْ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ، فَلَمَّا أُنْزِلَ النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعِدَّةُ، وَالْمِيرَاثُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ نُسِخَتْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ"2 مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَالَ: غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ تُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا، انْتَهَى. وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ".
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَامَ بِمَكَّةَ، فَقَالَ: إنَّ نَاسًا أَعْمَى اللَّهُ قُلُوبَهُمْ، كَمَا أَعْمَى أَبْصَارَهُمْ يُفْتُونَ بِالْمُتْعَةِ، يَعْرِضُ بِرَجُلٍ3، فَنَادَاهُ، فَقَالَ: إنَّك لَجِلْفٌ جَافٌّ، فَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَتْ الْمُتْعَةُ تُفْعَلُ فِي عَهْدِ إمَامِ الْمُتَّقِينَ - يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَجَرِّبْ بِنَفْسِك، فَوَاَللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتهَا لَأَرْجُمَنَّك بِأَحْجَارِك، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ بْنِ سَيْفِ اللَّهِ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رَجُلٍ جَاءَهُ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَاهُ، فَأَمَرَهُ بِهَا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيُّ: مَهْلًا، قَالَ: مَا هِيَ؟ وَاَللَّهِ لَقَدْ فُعِلَتْ فِي عَهْدِ إمَامِ الْمُتَّقِينَ، قَالَ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ: إنَّهَا كَانَتْ رُخْصَةً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِمَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهَا، كَالْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، ثُمَّ أَحْكَمَ اللَّهُ الدِّينَ، وَنَهَى عَنْهَا، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي رَبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: كُنْت اسْتَمْتَعْت فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةً مِنْ بَنِي عَامِرٍ بِبُرْدَيْنِ أَحْمَرَيْنِ، ثُمَّ نَهَانَا عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ": وَقَدْ كَانَتْ الْمُتْعَةُ مُبَاحَةً مَشْرُوعَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا أَبَاحَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلسَّبَبِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، كَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: كُنَّا نغزوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ لَنَا نِسَاءٌ، فَقُلْنَا: أَلَا نَسْتَخْصِي، فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ، إلَى أَجَلٍ، ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
1 حديث أبي هريرة المار، وهذه الرواية عند الدارقطني في "النكاح" ص 398.
2 ذكره الحازمي في "الاعتبار - باب نكاح المتعة" ص 171.
3 قال ابن الهمام في "الفتح" ص 386 - ج 2: ولا تردد في أن ابن عباس هو الرجل المعرض به، وكان رضي الله عنه قد كف بصره، فلذا قال ابن الزبير: كما أعمى أبصارهم، الخ.
آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} ، انْتَهَى. أَوْ لِلسَّبَبِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إنَّمَا كَانَتْ الْمُتْعَةُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ الْبَلْدَةَ لَيْسَ لَهُ بِهَا مَعْرِفَةٌ، فَيَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ يُقِيمُ، فَتَحْفَظُ لَهُ مَتَاعَهُ، وَتُصْلِحُ لَهُ شَيْئَهُ، حَتَّى إذَا نَزَلَتْ الْآيَةُ {إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَكُلُّ فَرْجٍ سِوَاهُمَا حَرَامٌ، انْتَهَى. قَالَ الْحَازِمِيُّ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَبَاحَهَا لَهُمْ وَهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ، وَكَذَلِكَ نَهَاهُمْ عَنْهَا غَيْرَ مَرَّةٍ، وَأَبَاحَهَا لَهُمْ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ بِحَسَبِ الضَّرُورَاتِ، حَتَّى حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ فِي آخِرِ سِنِيهِ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَكَانَ تَحْرِيمَ تَأْبِيدٍ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، إلَّا طَائِفَةً مِنْ الشِّيعَةِ، وَيُحْكَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: وَأَمَّا مَا يُحْكَى فِيهَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَتَأَوَّلُ إبَاحَتَهَا لِلْمُضْطَرِّ إلَيْهَا، بِطُولِ الْغُرْبَةِ، وَقِلَّةِ الْيَسَارِ، وَالْجُدَّةِ، ثُمَّ تَوَقَّفَ، وَأَمْسَكَ عَنْ الْفَتْوَى بِهَا، ثُمَّ أَسْنَدَ مِنْ طَرِيقِ الْخَطَّابِيِّ ثَنَا ابْنُ السَّمَّاكِ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ السَّوَّاقُ ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الْمِنْهَالِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: لَقَدْ سَارَتْ بِفُتْيَاك الرُّكْبَانُ، وَقَالَتْ فِيهَا الشُّعَرَاءُ، قَالَ: وَمَا قَالُوا؟ قُلْت: قَالُوا:
قَدْ قُلْت لِلشَّيْخِ لَمَّا طَالَ مَجْلِسُهُ:
…
يَا صَاحِ هَلْ لَك فِي فُتْيَا ابْنِ عَبَّاسِ
هَلْ لَك فِي رُخْصَةِ الْأَطْرَافِ آنِسَةٍ
…
تَكُونُ مَثْوَاك حَتَّى مَصْدَرِ النَّاسِ؟
فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! وَاَللَّهِ مَا بِهَذَا أَفْتَيْت، وَمَا هِيَ إلَّا كَالْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، لَا تَحِلُّ إلَّا لِلْمُضْطَرِّ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ مُخَالِفَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَدِمَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مُعْتَمِرًا فَجِئْنَاهُ فِي مَنْزِلِهِ، فَسَأَلَهُ الْقَوْمُ عَنْ أَشْيَاءَ، ثُمَّ ذَكَرُوا الْمُتْعَةَ، فَقَالَ: نَعَمْ اسْتَمْتَعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ رضي الله عنهما، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بِالْقَبْضَةِ مِنْ التَّمْرِ، وَالدَّقِيقِ الْأَيَّامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وأبي بَكْرٍ، حَتَّى نَهَى عَنْهُ عُمَرُ فِي شَأْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: كُنْت عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَتَاهُ آتٍ، فَقَالَ: إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ اخْتَلَفَا فِي الْمُتْعَتَيْنِ، فَقَالَ جَابِرٌ: فَعَلْنَاهُمَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ نَهَانَا عَنْهُمَا عُمَرُ، فَلَمْ نَعُدْ لَهُمَا، انتهى.
قوله: وابن عَبَّاسٍ صَحَّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمْ: فَتَقَرَّرَ الْإِجْمَاعُ، قُلْت: رَوَى التِّرْمِذِيُّ