المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الحج

- ‌مدخل

- ‌فَصْلٌ فِي الْمَوَاقِيتِ

- ‌بَابُ الْإِحْرَامِ

- ‌بَابُ الْقِرَانِ

- ‌بَابُ التَّمَتُّعِ

- ‌باب الجنايات

- ‌بَابُ الْإِحْصَارِ

- ‌بَابُ الْفَوَاتِ

- ‌بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ

- ‌بَابُ الْهَدْيِ

- ‌كِتَابُ النكاح

- ‌مدخل

- ‌فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ

- ‌بَابُ فِي الْأَوْلِيَاءِ والأكفاء

- ‌بَاب الْمَهْر

- ‌بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ

- ‌بَابُ نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ

- ‌بَابُ الْقَسْمِ

- ‌‌‌كِتَابُ الرَّضَاعِ

- ‌كِتَابُ الرَّضَاعِ

- ‌كِتَابُ الطلاق

- ‌السنة في الطلاق

- ‌باب إيقاع الطلاق

- ‌فَصْلٌ فِي تَشْبِيهِ الطَّلَاقِ

- ‌بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ

- ‌فَصْلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ

- ‌بَابُ الرَّجْعَةِ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ

- ‌بَابُ الْإِيلَاءِ

- ‌بَابُ الْخُلْعِ

- ‌بَابُ الظِّهَارِ

- ‌بَابُ اللِّعَانِ

- ‌بَابُ الْعِنِّينِ

- ‌باب العدة

- ‌بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ

- ‌بَابُ حضانة الولد ومن أَحَقُّ بِهِ

- ‌بَابُ النَّفَقَةِ

- ‌كِتَابُ الْعِتْقِ

- ‌فضل العتق

- ‌بَابٌ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بَعْضُهُ

- ‌بَابُ التَّدْبِيرِ

- ‌بَابُ الِاسْتِيلَادِ

- ‌كِتَابُ الأيمان

- ‌من حلف يمينا كاذبا

- ‌بَابُ مَا يَكُونُ يَمِينًا، وَمَا لَا يَكُونُ يَمِينًا

- ‌فَصْلٌ فِي الْكَفَّارَةِ

- ‌بَابُ الْيَمِينِ فِي الْخُرُوجِ وَالْإِتْيَانِ وَالرُّكُوبِ

- ‌بَابُ الْيَمِينِ فِي الْكَلَامِ

- ‌بَابُ الْيَمِينِ فِي الْعِتْقِ

- ‌بَابُ الْيَمِينِ في الصلاة والصوم والحج

- ‌كِتَابُ الْحُدُودِ

- ‌مدخل

- ‌باب الوطء الذي يوجب الحد

- ‌بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا

- ‌بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ

- ‌بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ

- ‌كِتَابُ السرقة

- ‌مدخل

- ‌بَابُ مَا يُقْطَعُ فِيهِ وَمَا لَا يُقْطَعُ

- ‌فَصْلٌ فِي الحرز

- ‌فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ

- ‌كِتَابُ السير

- ‌مدخل

- ‌بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ

- ‌بَابُ الْمُوَادَعَةِ

- ‌بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا

- ‌فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ

- ‌فَصْلٌ في التنقيل

- ‌باب استيلاء الكفار

- ‌بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ:

- ‌بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ

- ‌بَابُ الْجِزْيَةِ

- ‌بَابُ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ

- ‌بَابُ الْبُغَاةِ

- ‌كِتَابُ اللَّقِيطِ

- ‌كِتَابُ اللُّقَطَةِ

- ‌كِتَابُ الْإِبَاقِ

- ‌كِتَابُ الْمَفْقُود

- ‌كِتَابُ الشَّرِكَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَقْفِ

الفصل: ‌باب العشر والخراج

‌بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ

الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَالْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ لَمْ يَأْخُذُوا الْخَرَاجَ مِنْ أَرَاضِي الْعَرَبِ، قُلْت:

قَوْلُهُ: وَعُمَرُ رضي الله عنه حِينَ فَتَحَ السَّوَادَ، وَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَيْهَا بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَوَضَعَ عَلَى مِصْرَ حِينَ افْتَتَحَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَكَذَا اجْتَمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى وَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَى الشَّامِ، قُلْت: رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"1 حَدَّثَنَا هُشَيْمِ بْنُ بَشِيرٍ أَنْبَأَ الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ السَّوَادَ، قَالُوا لِعُمَرَ: اقْسِمْهُ بَيْنَنَا، فَإِنَّا فَتَحْنَاهُ عَنْوَةً، قَالَ: فَأَبَى، وَقَالَ: مَا لِمَنْ جَاءَ بَعْدَكُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؟! قَالَ: فَأَقَرَّ أَهْلَ السَّوَادِ فِي أَرْضِهِمْ، وَضَرَبَ عَلَى رُءُوسِهِمْ الْجِزْيَةَ، وَعَلَى أَرَاضِيِهِمْ الْخَرَاجَ، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي كِتَابِ أَهْلِ الْكِتَابِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بَعَثَ عَمَّارَ بن ياسر، وعبد بْنَ مَسْعُودٍ، وَعُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ إلَى الْكُوفَةِ، فَجَعَلَ عَمَّارًا عَلَى الصَّلَاةِ وَالْقِتَالِ، وَجَعَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى الْقَضَاءِ، وَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَجَعَلَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ عَلَى مِسَاحَةِ الْأَرْضِ، وَجَعَلَ لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ شَاةً، ثُمَّ قَالَ: مَا أَرَى قَرْيَةً يُؤْخَذُ مِنْهَا كُلَّ يَوْمٍ شَاةٌ إلَّا سَيُسْرِعُ فِيهَا، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: إنِّي أَنْزَلْتُكُمْ فِي هَذَا الْمَالِ، وَنَفْسِي كَوَالِي الْيَتِيمِ، - مَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ، وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ - قَالَ: فَمَسَحَ عُثْمَانُ سَوَادَ الْكُوفَةِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَجَعَلَ عَلَى جَرِيبِ النَّخْلِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الْعِنَبِ ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الْقَضْبِ سِتَّةَ دارهم، وعلى جريب مِنْ الْبُرِّ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، وعلى جريب من الشعير درهمان، وَجَعَلَ عَلَى رَأْسِ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، كُلَّ عَامٍ، وَلَمْ يَضْرِبْ عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَأَخَذَ مِنْ تُجَّارِهِمْ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ فَرَضِيَ بِهِ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي أَوَاخِرِ الزَّكَاةِ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: وَضَعَ عُمَرُ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ عَلَى كُلِّ جَرِيبِ أَرْضٍ يَبْلُغُهُ الْمَاءُ، عَامِرٍ، أَوْ غَامِرٍ دِرْهَمًا، وَقَفِيزًا مِنْ طَعَامٍ، وَعَلَى الْبَسَاتِينِ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَعَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ مِنْ طَعَامٍ، وَعَلَى الرِّطَابِ عَلَى كُلِّ جَرِيبِ أَرْضٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَخَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ مِنْ طَعَامٍ، وَعَلَى كُلِّ جَرِيبِ أَرْضٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَعَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ، وَلَمْ يَضَعْ عَلَى النَّخْلِ شَيْئًا، جَعَلَهُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ قَتَادَةَ

1 في "كتاب الأموال" ص 57 - ج 1 ببعض اختصار.

ص: 438

عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: بَعَثَ عُمَرُ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ عَلَى مِسَاحَةِ الْأَرْضِ، قَالَ: فَوَضَعَ عُثْمَانُ عَلَى الْجَرِيبِ مِنْ الْكَرْمِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ النَّخْلِ ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الْقَضْبِ سِتَّةَ دراهم - بعني الرَّطْبَةَ - وَعَلَى جَرِيبِ الْبُرِّ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الشَّعِيرِ دِرْهَمَيْنِ، انْتَهَى. وَأَمَّا وَضْعُ الْخَرَاجِ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ، فَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ - فِي تَرْجَمَةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيِّ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ صَالِحَ بْنَ كَيْسَانَ يُخْبِرُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ مَشْيَخَةٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ افْتَتَحَ مِصْرَ عَنْوَةً، وَاسْتَبَاحَ مَا فِيهَا، وَعَزَلَ مِنْهُ مَغَانِمَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ صَالَحَ بَعْدُ عَلَى وَضْعِ الْجِزْيَةِ فِي رِقَابِهِمْ، وَوَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَى أَرْضِهِمْ، ثُمَّ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِذَلِكَ، مُخْتَصَرٌ. أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: كَانَ عَمْرُو بْنُ العاص يبعث جزية أَهْلِ مِصْرَ وَخَرَاجِهَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، كُلَّ سَنَةٍ بَعْدَ حَبْسِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَلَقَدْ اسْتَبْطَأَهُ عُمَرُ فِي الْخَرَاجِ سَنَةً، فَكَتَبَ إلَيْهِ بِكِتَابٍ يَلُومُهُ، وَيُشَدِّدُ عَلَيْهِ، مُخْتَصَرٌ.

وَأَمَّا وَضْعُ الْخَرَاجِ عَلَى أَرْضِ الشَّامِ فَمَعْرُوفٌ.

الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَحَ مَكَّةَ عَنْوَةً، وَتَرَكَهَا لِأَهْلِهَا، وَلَمْ يُوَظِّفْ الْخَرَاجَ، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ، اسْتَدَلَّ بِهَا الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ فَتْحَ مَكَّةَ، فَقَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ، فَبَعَثَ الزُّبَيْرَ عَلَى إحْدَى الْمُجَنِّبَتَيْنِ، وَبَعَثَ خَالِدًا عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْأُخْرَى، وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الجسر، وَأَخَذُوا بَطْنَ الْوَادِي، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي كَتِيبَةٍ، قَالَ: فَنَظَرَ إلَيَّ وَقَالَ: " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ"، قُلْت: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:" اهْتِفْ لِي بِالْأَنْصَارِ، فَلَا يَأْتِينِي إلَّا أَنْصَارِيٌّ"، فَهَتَفَ بِهِمْ، فَجَاءُوا، فَأَطَافُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَوَبَّشَتْ قُرَيْشٌ أَوْبَاشَهَا، فَقَالَ لَهُمْ:" أَلَا تَرَوْنَ إلَى أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ، وَأَتْبَاعِهِمْ؟ "!، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ - فَضَرَبَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى - وَقَالَ:" اُحْصُدُوهُمْ حَصْدًا، حَتَّى تُوَافُونِي بِالصَّفَا"، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَانْطَلَقْنَا، فَمَا شَاءَ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ، إلَّا قَتَلَهُ، وَمَا تَوَجَّهَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَيْنَا شَيْئًا، وَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّفَّا، وَجَاءَتْ الْأَنْصَارُ، فَأَطَافُوا بِالصَّفَا، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُبِيدَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ، لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ"، فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: أَمَّا الرَّجُلُ، فَأَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ، وَرَغْبَةٌ فِي قَرَابَتِهِ، وَنَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:

1 عند مسلم في "الجهاد - باب فتح مكة" ص 102 - ج 2.

ص: 439

"قُلْتُمْ: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ، وَرَغْبَةٌ فِي قَرَابَتِهِ، كَلًّا إنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ هَاجَرْتُ إلَى اللَّهِ، وَإِلَيْكُمْ، فَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ"، قَالُوا: وَاَللَّهِ مَا قُلْنَا إلَّا ضِنًّا بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، قَالَ:" فَإِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذِرَانِكُمْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" وَقَالَ: هَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً لَا صُلْحًا، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهَا أَجَارَتْ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَأَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:" قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ، وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ"، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": اُسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً، إذْ لَوْ فُتِحَتْ صُلْحًا لَوَقَعَ بِهِ الْأَمَانُ الْعَامُّ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى أَمَانِ أُمِّ هَانِئٍ، وَلَا تَجْدِيدِهِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ أَيْضًا فِي "الصَّحِيحَيْنِ" 2 عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ أَيْضًا فِي "الصَّحِيحَيْنِ" 3 عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: فِي الْغَدِ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ: "إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا تَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرًا، وَإِنَّمَا أُذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ"، انْتَهَى. وَبِهَذَا الْحَدِيثِ اسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ".

قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ وَضَعُوا الْعُشْرَ عَلَى أَرْضِ الْبَصْرَةِ، قُلْت: ذَكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَغَيْرُهُ.

قَوْلُهُ: وَالْخَرَاجُ الَّذِي وَضَعَهُ عُمَرُ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ من كل جَرِيبٍ يَبْلُغُهُ الْمَاءُ قَفِيزٌ هَاشِمِيٌّ، وَهُوَ الصَّاعُ، وَدِرْهَمٌ، وَمِنْ جَرِيبِ الرَّطْبَةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَمِنْ جَرِيبِ الْكَرْمِ الْمُتَّصِلِ، وَالنَّخِيلِ الْمُتَّصِلِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ عُمَرَ، فَإِنَّهُ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ حَتَّى يَمْسَحَ سَوَادَ الْعِرَاقِ، وَجَعَلَ حُذَيْفَةَ عَلَيْهِ مُشْرِفًا، فَمَسَحَ، فَبَلَغَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ أَلْفَ جَرِيبٍ، وَوَضَعَ عَلَى

1 عند البخاري في "الجهاد" ص 449 - ج 1، وعند مسلم في "الصلاة" ص 249 - ج 1.

2 عند مسلم في "الحج - باب النهي عن حمل السلاح بمكة" ص 434 - ج 1، وعند البخاري في "كتاب العلم - باب كتابة العلم" ص 22 - ج 1، وفي "اللقطة - باب كيف تعرف لقطة أهل مكة" ص 328 - ج 1.

3 عند مسلم في "الحج في تحريم مكة" ص 438 - ج 1، وعند البخاري في "الحج - باب لا يعضد شجر الحرم" ص 247 - ج 1.

ص: 440

ذَلِكَ مَا قُلْنَا، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَكَانَ إجْمَاعًا، قُلْت: تَقَدَّمَ حَدِيثُ عُمَرَ قَرِيبًا، وَفِيهِ بَعْضُ تَغْيِيرٍ، وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ" حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ، فَمَسَحَ السَّوَادَ، فَوَجَدَهُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفِ جَرِيبٍ، انْتَهَى.

قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ؟ فَقَالَا: بَلْ حَمَّلْنَاهَا مَا تُطِيقُ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ1 - فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ - فِي بَابِ الْبَيْعَةِ لِعُثْمَانَ" عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِأَيَّامٍ بِالْمَدِينَةِ، وَقَفَ عَلَى حُذَيْفَةَ، وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: كَيْف فَعَلْتُمَا: أَتَخَافَانِ أَنْ تَكُونَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ؟ قَالَا: حَمَّلْنَاهَا أَمْرًا هِيَ لَهُ مُطِيقَةٌ مَا فِيهَا كَبِيرُ فَضْلٍ، قَالَ: أَنْظِرَا أَنْ تَكُونَا حَمَّلْتُمَاهَا مَا لَا تُطِيقُ؟ قَالَا: لَا، فَقَالَ عُمَرُ: لَئِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ لَأَدَعَن أَرَامِلَ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يَحْتَجْنَ إلَى أَحَدٍ بَعْدِي، قَالَ: فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ إلَّا رَابِعَةٌ حَتَّى أُصِيبَ، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَهُوَ حَدِيثُ مَقْتَلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَبَيْعَةِ عُثْمَانَ.

قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَزِدْ حِينَ أُخْبِرَ لِزِيَادَةِ الطَّاقَةِ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي كِتَابِ أَهْلِ الْكِتَابِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ الْبُنَانِيَّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: أَرْضُ كَذَا وَكَذَا يُطِيقُونَ مِنْ الْخَرَاجِ أَكْثَرَ مِمَّا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: لَيْسَ إلَيْهِمْ سَبِيلٌ، انْتَهَى.

قَوْلُهُ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم اشْتَرَوْا أَرَاضِيَ الْخَرَاجِ، وَكَانُوا يُؤَدُّونَ خَرَاجَهَا، قُلْت: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ": قَالَ أَبُو يوسف: القول ما قاله أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّهُ كَانَ لِابْنِ مَسْعُودٍ، وَخَبَّابِ بْنِ الأرت، والحسين بْنِ عَلِيٍّ، وَلِشُرَيْحٍ أَرْضُ الْخَرَاجِ، حَدَّثَنَا مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ السُّلَمِيُّ، أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إنِّي اشْتَرَيْت أَرْضًا مِنْ أَرْضِ السَّوَادِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ فِيهَا مِثْلُ صَاحِبِهَا، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَسْلَمَتْ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ نَهَرِ الْمَلِكِ، فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إنْ اخْتَارَتْ أَرْضَهَا، فَأَدَّتْ مَا عَلَى أَرْضِهَا فَخَلُّوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَرْضِهَا، وَإِلَّا فَخَلُّوا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ أَرْضِهِمْ، انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ

1 عند البخاري في "مناقب عثمان - باب قصة البيعة" ص 523 - ج 1.

ص: 441

بْنِ شِهَابٍ أَنَّ دِهْقَانَةً مِنْ أَهْلِ نَهَرِ الْمَلِكِ أَسْلَمَتْ، فَقَالَ عُمَرُ: ادْفَعُوا إلَيْهَا أَرْضَهَا تُؤَدِّي عَنْهَا الْخَرَاجَ، انْتَهَى.

أَثَرٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا": حَدَّثَنَا هُشَيْمِ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ 1 عَنْ زُبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ أَنَّ دِهْقَانًا أَسْلَمَ عَلَى عَهْدِ عَلِيٍّ، فَقَالَ عَلِيٌّ: إنْ أَقَمْت فِي أَرْضِكَ رَفَعْنَا الْجِزْيَةَ عَنْ رَأْسِك، فَأَخَذْنَاهَا مِنْ أَرْضِك، وَإِنْ تَحَوَّلْتَ عَنْهَا فَنَحْنُ أَحَقُّ بِهَا، انْتَهَى.

أَثَرٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ قَالَا: إذَا أَسْلَمَ وَلَهُ أَرْضٌ وَضَعْنَا عَنْهُ الْجِزْيَةَ، وَأَخَذْنَا خَرَاجَهَا، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "لَا يَجْتَمِعُ عشر ولا خراج فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ"، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ يَحْيَى بْنِ عَنْبَسَةَ ثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَجْتَمِعُ عَلَى مُسْلِمٍ خَرَاجٌ وَعُشْرٌ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يَحْيَى بْنُ عَنْبَسَةَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا مِنْ قَوْلِ إبْرَاهِيمَ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، من قَوْلَهُ: فَجَاءَ يَحْيَى بْنُ عَنْبَسَةَ، فَأَبْطَلَ فِيهِ، وَوَصَلَهُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَيَحْيَى بْنُ عَنْبَسَةَ مَكْشُوفُ الْأَمْرِ فِي ضَعْفِهِ، لِرِوَايَاتِهِ عَنْ الثِّقَاتِ الْمَوْضُوعَاتِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَحْيَى بْنُ عَنْبَسَةَ دَجَّالٌ يَضَعُ الْحَدِيثَ، لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يَحْيَى هَذَا دَجَّالٌ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَهُوَ كَذِبٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَنْ بَعْدَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْمَوْضُوعَاتِ"، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ، وَيَحْيَى هَذَا مُتَّهَمٌ بِالْوَضْعِ.

الْآثَارُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي أَوَاخِرِ الزَّكَاةِ" حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُغِيرَةِ - خَتَنٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ - عَنْ أَبِي حَمْزَةَ السَّكُونِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ، وَخَرَاجٌ فِي أَرْضٍ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ عَنْ أَبِي الْمُنِيبِ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي مَالٍ، انْتَهَى.

فَائِدَةٌ: قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ" 2 الْأَرَاضِي الْعُشْرِيَّةُ هِيَ الَّتِي لَيْسَتْ بِأَرْضِ خَرَاجٍ، وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ:

أَحَدُهَا: أَرْضٌ أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا، فَهُمْ مَالِكُونَ لَهَا كَالْمَدِينَةِ وَالطَّائِفِ، وَالْيَمَنِ، وَالْبَحْرَيْنِ،

1 سيار أبي الحكم راجع ترجمته في "التهذيب" ص 293 - ج 4، وفي "فتح القدير" شيبان بن الحكم، وهو تصحيف.

2 في "كتاب الأموال" ص 512، وص 513.

ص: 442

وَكَذَلِكَ مَكَّةُ، إلَّا أَنَّهَا كَانَتْ فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَلَكِنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مَنَّ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يُعَرِّضْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَلَمْ يغنم أموالهم، قال: حدثت عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ فِي مَكَّةَ: لَا تَحِلُّ غَنِيمَتُهَا.

وَالنَّوْعُ الثَّانِي: كُلُّ أَرْضٍ أُخِذَتْ عَنْوَةً، ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَرَ أَنْ يَجْعَلَهَا فَيْئًا مَوْقُوفًا، وَلَكِنَّهُ رَأَى أَنْ يَجْعَلَهَا غَنِيمَةً فَخَمَّسَهَا، وَقَسَمَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا بَيْنَ الَّذِينَ افْتَتَحُوهَا خَاصَّةً، كَفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَيْبَرَ، فَهِيَ أَيْضًا مِلْكُهُمْ، لَيْسَ فِيهَا غَيْرُ الْعُشْرِ، وَكَذَلِكَ الثُّغُورُ كُلُّهَا إذَا قُسِمَتْ بَيْنَ الَّذِينَ افْتَتَحُوهَا خَاصَّةً، وَعَزَلَ عَنْهَا الْخُمُسَ لِمَنْ سَمَّى اللَّهُ.

وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ: كُلُّ أَرْضٍ عَادِيَةٍ لَا رَبَّ لَهَا، وَلَا عَامِرَ، أَقْطَعَهَا الْإِمَامُ رَجُلًا إقْطَاعًا مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ أَوْ غَيْرِهَا، كَفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ، فِيمَا أَقَطَعُوا مِنْ بِلَادِ الْيَمَنِ، وَالْيَمَامَةِ، وَالْبَصْرَةِ، وَمَا أشبهها.

النوع الرَّابِعُ: كُلُّ أَرْضٍ مَيِّتَةٍ اسْتَخْرَجَهَا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَأَحْيَاهَا بِالنَّبَاتِ، وَالْمَاءِ.

فَهَذِهِ الْأَرْضُونَ الَّتِي جَاءَتْ فِيهَا السُّنَّةُ بِالْعُشْرِ، أَوْ نِصْفِ الْعُشْرِ، وَكُلُّهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْأَحَادِيثِ، فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْ هَذِهِ فَهُوَ صَدَقَةٌ، إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا، كَزَكَاةِ الْمَاشِيَةِ، وَالصَّامِتُ يُوضَعُ فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي "سُورَةِ بَرَاءَةٌ" خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ النَّاسِ، وَمَا سِوَى هَذِهِ من البلاد، فلا تخلوا مِنْ أَنْ تَكُونَ أَرْضَ عَنْوَةٍ صُيِّرَتْ فَيْئًا كَأَرْضِ السَّوَادِ، وَالْجِبَالِ، وَالْأَهْوَازِ، وَفَارِسَ، وَكَرْمَانَ، وَأَصْبَهَانَ، وَالرَّيِّ، وَأَرْضِ الشَّامِ، سِوَى مُدُنِهَا، وَمِصْرَ، وَالْمَغْرِبِ، أَوْ يَكُونَ، أَرْضَ صُلْحٍ، مِثْلُ: نَجْرَانَ، وَأَيْلَةَ، وَأَذْرَحَ، وَدُومَةَ الْجَنْدَلِ، وَفَدَكَ، وَمَا أَشْبَهَهَا، مِمَّا صَالَحَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صُلْحًا، أَوْ فَعَلَتْهُ الْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ، وَكَبِلَادِ الْجَزِيرَةِ، وَبَعْضِ أَرْمِينِيَةَ، وَكَثِيرٍ مِنْ كُوَرِ خُرَاسَانَ، فَهَذَانِ النَّوْعَانِ مِنْ الْأَرَضِينَ، الصُّلْحُ، وَالْعَنْوَةُ الَّتِي تَصِيرُ فَيْئًا يَكُونَانِ عَامًّا لِلنَّاسِ فِي الْأَعْطِيَةِ، وَأَرْزَاقِ الذُّرِّيَّةِ، وَمَا يَنُوبُ الْإِمَامُ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ1: الْأَرْضُ الْمُفْتَتَحَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا الْأَرَاضِي الَّتِي أَسْلَمَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَهِيَ لَهُمْ مِلْكٌ، وَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ لَا شيء عليهم غيرها، وَأَرْضٌ اُفْتُتِحَتْ صُلْحًا عَلَى خَرَاجٍ مَعْلُومٍ، فَهُمْ عَلَى مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ، لَا يَلْزَمُهُمْ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَأَرْضٌ أُخِذَتْ عَنْوَةً فَهِيَ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهَا، فَقِيلَ: سَبِيلُهَا سَبِيلُ الْغَنِيمَةِ، تُخَمَّسُ وَتُقْسَمُ، فَيَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَالْخُمُسُ الْبَاقِي لِمَنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى، وَقِيلَ: النَّظَرُ فِيهَا لِلْإِمَامِ إنْ شَاءَ جَعَلَهَا غَنِيمَةً، فَيُخَمِّسُهَا وَيَقْسِمُهَا، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهَا مَوْقُوفَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا بَقُوا، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بِالسَّوَادِ، انْتَهَى كَلَامُهُ مُحَرَّرًا.

1 ذكره في "كتاب الأموال - باب فتوح الأرضين صلحاً، وسننها وأحكامها" ص 141.

ص: 443

أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: اسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" لِلشَّافِعِيِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْعُشْرِ، وَالْخَرَاجِ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ1 عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَنَّ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ عثرياً2 العشور، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفَ الْعُشْرِ، انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، قَالَ: وَهَذَا عَامٌّ فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ، وَغَيْرِهَا، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْعَثَرِيُّ الَّذِي يُؤْتَى بِمَاءِ الْمَطَرِ إلَيْهِ حَتَّى يُسْقِيَهُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ عَثَرِيًّا، لِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ فِي مَجْرَى السَّيْلِ عَاثُورًا، فَإِذَا صَدَمَهُ الْمَاءُ زَادَ، فَدَخَلَ فِي تِلْكَ الْمَجَارِي حَتَّى يبلغ النَّخْلَ وَيَسْقِيَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "الْإِمَامِ" لِلشَّافِعِيِّ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: سَأَلْت عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ الْمُسْلِمِ يَكُونُ فِي يَدِهِ أَرْضُ الْخَرَاجِ، فَيُسْأَلُ الزَّكَاةَ، فَيَقُولُ: إنَّمَا عَلَى الْخَرَاجِ، فَقَالَ: الْخَرَاجُ عَلَى الْأَرْضِ، وَالْعُشْرُ عَلَى الْحَبِّ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ يَحْيَى ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ، قَالَ: سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَنْ زَكَاةِ الْأَرْضِ الَّتِي عَلَيْهَا الْجِزْيَةُ، فَقَالَ: لَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَبَعْدَهُ يُعَامِلُونَ عَلَى الْأَرْضِ، وَيَسْتَكْرُونَهَا، وَيُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ مِمَّا خَرَجَ مِنْهَا، فَنَرَى هَذِهِ الْأَرْضَ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ: الْأَوَّلُ فَتْوَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالثَّانِي فِيهِ إرْسَالٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي "الزَّكَاةِ".

قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَالْجَوْرِ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا، وَكَفَى بِإِجْمَاعِهِمْ حُجَّةً.

قَوْلُهُ: ولا يتكرر الخارج بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ فِي سَنَتِهِ، لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمْ يُوَظِّفْهُ مُكَرَّرًا، قُلْت: تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ وَضْعِ الخارج عَلَى السَّوَادِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي أَوَاخِرِ الزَّكَاةِ" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ، قَالَ: اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ عَلَى الْمَتَاجِرِ، فَكُنْت أَعْشِرُ مَنْ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَخَرَجَ إلَيْهِ رَجُلٌ، فَأَعْلَمَهُ، فَكَتَبَ إلَى أَنْ لَا يُعَشَّرَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً - يَعْنِي فِي السَّنَةِ - انْتَهَى. وَرَوَى أَيْضًا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ غَالِبٍ أَبِي الْهُذَيْلِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: جَاءَ نَصْرَانِيٌّ إلَى عُمَرَ، فَقَالَ: إنَّ عَامِلَك عَشَّرَ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ:

1 عند البخاري في "الزكاة - باب العشر فيما يسقى" ص 201 - ج 1.

2 قوله: "العثرى" - بالمهملة، والمثلثة المفتوحتين، وكسر الراء، وتشديد التحتية - وهو ما يشرب بعروقه من غير سقي، قاله الخطابي، وقيل: ما سقي بالعاثور، والعاثور شبه نهر يحفر في الأرض، يسقى به البقول والنخل والزرع، انتهى من هوامش البخاري: ص 201 - ج 1.

ص: 444