الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُغْزِي الْعَزَبَ، وَيَأْخُذُ فرس الْمُقِيمُ فَيُعْطِيهِ الْمُسَافِرَ، انْتَهَى. وَبَوَّبَ لَهُ "بَابَ مَا قَالُوا فِي الْعَزَبِ يُغْزِي، وَيَتْرُكُ الْمُتَزَوِّجَ"، ثُمَّ ذَكَرَ الحديث، رواه ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ1 فِي تَرْجَمَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ ثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يُغْزِي الأعزب عن ذي الجليلة، وَيُغْزِي الْفَارِسَ عَنْ الْقَاعِدِ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
1 عند ابن سعد في "ترجمة عمر" ص 220 - الأول من الثالث -.
بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا قَاتَلَ قَوْمًا حَتَّى دَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْمًا حَتَّى دَعَاهُمْ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا أَبُو حُبَابٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ يحيى بن هانئ عن عروة بن فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ، قَالَ: أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُ بِمُقْبِلِ قَوْمِي مُدْبِرَهُمْ؟ قَالَ: " نَعَمْ"، فَلَمَّا وَلَّيْت دَعَانِي، فَقَالَ:" لَا تُقَاتِلْهُمْ حَتَّى تَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ"، مُخْتَصَرٌ.
حديث آخر: روى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ عَنْ يَحْيَى بْنِ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ حِينَ بَعَثَهُ: " لَا تُقَاتِلْ قَوْمًا حَتَّى تَدْعُوَهُمْ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط" مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ عَلِيًّا إلَى قَوْمٍ يُقَاتِلُهُمْ، وَقَالَ لَهُ، إلَى آخِرِهِ، وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ إسْحَاقَ، إلَّا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ سَلْمَانَ أَنَّهُ انْتَهَى إلَى حِصْنٍ، أَوْ مَدِينَةٍ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: دَعُونِي
أَدْعُوهُمْ كَمَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يدعوهم، فقال لهم: إنَّمَا كُنْت رَجُلًا مِنْكُمْ فَهَدَانِي اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَسْلَمْتُمْ فَلَكُمْ مَا لَنَا وَعَلَيْكُمْ مَا عَلَيْنَا، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَأَدُّوا الْجِزْيَةَ وَأَنْتُمْ صَاغِرُونَ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ نَابَذْنَاكُمْ عَلَى سَوَاءٍ، إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ أَمَرَ النَّاسَ، فَغَدَوْا إليهم فَفَتَحُوهَا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى وُجُوبِ الدَّعْوَةِ قَبْلَ الْقِتَالِ بِمَا أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ، وَقَالَ لَهُ: إنَّك تَقْدُمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، الْحَدِيثَ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: إنَّهُ سَقَطَ الْوُجُوبُ بِحَدِيثِ أَنَّهُ عليه السلام أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَتَبْقَى السُّنَّةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ.
فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ:"حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْت بِهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ"، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا 2 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ، وَنَفْسَهُ إلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ؟ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاَللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لنقاتلنهم عَلَى مَنْعِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: فَوَاَللَّهِ مَا هُوَ إلَّا أَنْ رَأَيْت اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْت أَنَّهُ الْحَقُّ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِنَاقًا، أَخْرَجَهُ فِي الزَّكَاةِ.
1 عند البخاري في "الجهاد" 414 - ج 1، وعند مسلم في "كتاب الايمان" ص 37 - ج 1.
2 عند مسلم في "الإيمان" ص 37 - ج 1، وعند البخاري في "أوائل الزكاة" ص 188 - ج 1، وغيره.
وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَاهُ أَيْضًا 1 عَنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوهُ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ"، انْتَهَى. زَادَ الْبُخَارِيُّ: إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ.
وَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 2 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، بِلَفْظِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَادَ: ثُمَّ قَرَأَ {إنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ أَنَسٍ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 3 عَنْهُ فِي "الصَّلَاةِ" قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا، وَصَلَّوْا صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا، فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ"، انْتَهَى.
وَفِيهِ حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 4 عَنْ طَارِقِ بْنِ أَشَيْمَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، حَرَّمَ اللَّهُ مَالَهُ وَدَمَهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ"، وَفِي لَفْظٍ مَنْ وَحَّدَ اللَّهَ، أَخْرَجَهَا كُلَّهَا مُسْلِمٌ فِي "الْإِيمَانِ".
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أُمَرَاءَ الْجُيُوشِ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْكُفَّارِ إذَا امْتَنَعُوا مِنْ الْإِسْلَامِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ 5 - إلَّا الْبُخَارِيَّ - عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: "اُغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ، اُغْزُوا، وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيت عَدُوَّك مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ - أَوْ خِلَالٍ - فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ: اُدْعُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ اُدْعُهُمْ إلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ
1 عند البخاري في "الإيمان - باب {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} " ص 8 - ج 1، وعند مسلم في "الإيمان ص 37 - ج 1.
2 عند مسلم في "الإيمان ص 37 - ج 1.
3 عند البخاري في "الصلاة - باب فضل استقبال القبلة" ص 56 - ج 1.
4 عند مسلم في "كتاب الإيمان ص 37 - ج 1.
5 عند مسلم في "الجهاد - باب تأمير الإمام الأمراء" ص 82 - ج 2 وعند أبي داود في "الجهاد - باب في دعاء المشركين" ص 351 - ج 1، وعند الترمذي في "أواخر السير - باب ما جاء في وصية النبي صلى الله عليه وسلم" ص 208 - ج 1، وعند ابن ماجه في "الجهاد - باب وصية الإمام" ص 210.
وَالْفَيْءِ شَيْءٌ، إلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْأَلُوهُمْ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ، وَقَاتِلْهُمْ، وَإِذَا حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ، فَأَرَادُوك أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنْ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَك وَذِمَّةَ أَصْحَابِك، فَإِنَّكُمْ إنْ تَخْفِرُوا ذِمَّتَكُمْ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تَخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ، وَإِذَا حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ، فَأَرَادُوك أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِك، فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا، ثُمَّ اقضوا فيهم بعدُ ما شِئْتُمْ"، انْتَهَى. زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ: قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ عَلْقَمَةُ: فَذَكَرْت هَذَا الْحَدِيثَ لِمُقَاتِلِ بْنِ حِبَّانَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ هيضم عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا، وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 1 عَنْ الْحَكَمِ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي الْجَنُوبِ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: مَنْ كَانَتْ لَهُ ذِمَّتُنَا، فَدَمُهُ كَدَمِنَا، وَدِيَتُهُ كَدِيَتِنَا، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: خَالَفَهُ أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ، فَرَوَاهُ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْجَنُوبِ، وَأَبُو الْجَنُوبِ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. قُلْت: وَحَدِيثُ أَبَانَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ثَنَا قَيْسُ بْنُ رَبِيعٍ الْأَسَدِيُّ عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ عن حسين بْنِ مَيْمُونٍ بِهِ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام فِي وَصِيَّةِ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ: "فَادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ: "اُدْعُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ".
قَوْلُهُ: وَلَوْ قَاتَلَ قَبْلَ الدَّعْوَةِ أَثِمَ، لِلنَّهْيِ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُ بِمُقْبِلِ قَوْمِي مُدْبِرَهُمْ؟ قَالَ: " نَعَمْ"، فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي، فَقَالَ:"لَا تُقَاتِلْهُمْ حَتَّى تَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ"، مُخْتَصَرٌ، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ:"لَا تُقَاتِلْ قَوْمًا حَتَّى تَدْعُوَهُمْ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ، وَالسَّادِسُ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَهُمْ غَارُّونَ، وَعَهِدَ إلَى أُسَامَةَ أَنْ يُغِيرَ عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا، ثُمَّ يُحَرِّقَ، قُلْت: حَدِيثُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ ابْنِ عوف، قَالَ: كَتَبْتُ إلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ عَنْ الدُّعَاءِ قَبْلَ الْقِتَالِ، فَكَتَبَ إلَيَّ:
1 عند الدارقطني في "الحدود" ص 350.
2 عند مسلم في "أوائل الجهاد" ص 81 - ج 2، وعند أبي داود في "الجهاد" ص 354 - ج 1.
إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، قَدْ أَغَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَهُمْ غَارُّونَ، وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى على الماء، فقتل مقاتلهم، وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ، وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، حَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ أُسَامَةَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ 1 عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَهِدَ إلَيْهِ، فقال: اغز عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا، وَحَرِّقْ، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ": غَارُّونَ - بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ - هَكَذَا قَيَّدَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَالَ الْفَارِسِيُّ: أَظُنُّهُ غَادُونَ، بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْمُخَفَّفَةِ، فَإِنْ صَحَّتْ رِوَايَةُ الرَّاءِ فَوَجْهُهُ أَنَّهُمْ ذُو غِرَّةٍ، أَيْ أَتَاهُمْ الْجَيْشُ عَلَى غِرَّةٍ مِنْهُمْ، فَإِنَّ الْغَارَّ هُوَ الَّذِي يَغُرُّ غَيْرَهُ، وَلَا وَجْهَ لَهُ هُنَا، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ تَكَلُّفٌ، فَقَدْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ، وَغَيْرُهُ: الْغَافِلُ، انْتَهَى. وَأُبْنَى - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، بَعْدَهَا نُونٌ، وَأَلِفٌ مَقْصُورَةٌ - مَوْضِعٌ مِنْ فِلَسْطِينَ بَيْنَ عَسْقَلَانَ وَالرَّمْلَةِ، وَيُقَالُ: يُبْنَى - بِيَاءٍ مَضْمُومَةٍ آخِرَ الْحُرُوفِ - انْتَهَى. وَزَعَمَ الْحَازِمِيُّ فِي "النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ" أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمَ نَاسِخٌ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا الدَّعْوَةُ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَكَّارَ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَغَارَ عَلَى خَيْبَرٍ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَهُمْ غَارُّونَ، فَقَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ، وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ، انْتَهَى. قَالَ: وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، فَقَالَ: الْأَحَادِيثُ الْأُوَلُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْأَمْرِ بِدُعَاءِ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ، وَأَمَّا بَنُو الْمُصْطَلِقِ، وَأَهْلُ خَيْبَرَ، فَإِنَّ الدَّعْوَةَ كَانَتْ بَلَغَتْهُمْ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ: " فَإِنْ أَبَوْا فَادْعُهُمْ إلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ"، إلَى أَنْ قَالَ:" فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَقَاتِلْهُمْ"، قُلْت: تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نصب المناجيق عَلَى الطَّائِفِ، قُلْت: ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "الِاسْتِئْذَانِ" 2 مُعْضَلًا، وَلَمْ يَصِلْ سَنَدَهُ بِهِ، فَقَالَ: قَالَ قُتَيْبَةُ: ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ رَجُلٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى الطَّائِفِ، قَالَ قُتَيْبَةُ: قُلْت لِوَكِيعٍ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ؟ قَالَ: صَاحِبُكُمْ عُمَرُ بْنُ هَارُونَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
1 عند أبي داود في "الجهاد - باب في الحرق في بلاد العدو" ص 352 - ج 1، وعند ابن ماجه في "الجهاد" ص 209.
2 عند الترمذي في "الآداب - في ضمن باب ما جاء في الأخذ من اللحية" ص 106 - ج 2.
نَصَبَ المناجيق عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ" 1 أَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مَكْحُولٍ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "ضُعَفَائِهِ" مُسْنَدًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خِرَاشٍ عَنْ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي صَادِقٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: نَصَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي": وَقَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ يَوْمَئِذٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَى أَنْ تَنْصِبَ عَلَيْهِمْ المنجنيق، فَإِنَّا كُنَّا بِأَرْضِ فَارِسَ ننصب المناجيق عَلَى الْحُصُونِ، فَنُصِيبُ مِنْ عَدُوِّنَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْجَنِيقَ طَالَ الْمَقَامُ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَعَمِلَ مَنْجَنِيقًا بِيَدِهِ، فَنَصَبَهُ عَلَى حِصْنِ الطَّائِفِ، وَيُقَالُ: قَدِمَ بِالْمَنْجَنِيقِ يَزِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَقِيلَ: غَيْرُهُ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَرَّقَ الْبُوَيْرَةَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ" عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قطع نخل بنو النَّضِيرِ، وَحَرَّقَ - وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ - وَفِيهَا نَزَلَتْ {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا} الْآيَةَ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْمَغَازِي" عَنْ آدَمَ2، وَفِي "التَّفْسِيرِ" عَنْ قُتَيْبَةَ، وَمُسْلِمٌ فِي "الْمَغَازِي" عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ، أَرْبَعَتُهُمْ عَنْهُ بِهِ، وَأَبُو دَاوُد فِي "الْجِهَادِ"، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ فِي "السِّيَرِ"، وَفِي "التَّفْسِيرِ" عَنْ قُتَيْبَةَ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "الْجِهَادِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَ عليه السلام: "لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ"، قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ - إلَّا التِّرْمِذِيَّ - فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد3، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، انْتَهَى. وَزَادَ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ فِيهِ، قَالَ مَالِكٌ: أَرَاهُ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى أَنْ
1 ذكره ابن سعد في "غزوات النبي صلى الله عليه وسلم" ص 115 - ج 2 - القسم الأول منه -.
2 ص 575 - ج 2، وفي "تفسير سورة الحشر" ص 725 - ج 2 عن قتيبة، وعند مسلم في "الجهاد" ص 85 - ج 2، وعند أبي داود في "الجهاد - باب في الحرق في بلاد العدو" ص 352 - ج 1، وعند الترمذي في "السير - باب التحريق والتخريب" ص 200 - ج 1، وفي "التفسير" ص 168 - ج 2، وعند ابن ماجه في "الجهاد" ص 209.
3 عند البخاري في "الجهاد - باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو" ص 420 - ج 1، وعند مسلم في "كتاب الامارات - باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار" ص 131 - ج 2، وعند أبي داود في "الجهاد - باب في المصحف يسافر به إلى أرض العدو" ص 351 - ج 1، وينظر البقية.
يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، وَيَخَافُ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ، فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ"، قَالَ أَيُّوبُ: فَقَدْ نَالَهُ الْعَدُوُّ، وَخَاصَمُوكُمْ بِهِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: فَإِنِّي أَخَافُ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ".
وَاخْتَلَفَ الْحُفَّاظُ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ - أَعْنِي قَوْلَهُ: مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ - هَلْ هِيَ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ؟، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ" هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كَمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ، غَيْرَ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَحْيَى، وَيَحْيَى بْنَ بُكَيْر أَخْرَجَاهَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، فَإِنْ صَحَّ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مَالِكًا شَكَّ فِي رَفْعِهَا مَرَّةً، فَوَقَفَهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: غَلَطَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، فَزَعَمَ أَنَّهَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِ السُّنَنِ": هَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ، فَأَفْرَدَ الزِّيَادَةَ مِنْ قَوْلِهِ، وَوَافَقَ الْقَعْنَبِيَّ عَلَى ذَلِكَ أَبُو مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيُّ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْر، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَالْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ، فَأَدْرَجَهَا فِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى الْقَعْنَبِيِّ فِي ذَلِكَ، فَمَرَّةً يُبَيِّنُ أَنَّهَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَمَرَّةً يُدْرِجُهَا فِي الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ عَنْ مَالِكٍ، فَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ أَلْبَتَّةَ، وَقَدْ رَفَعَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُحْتَمَلُ أَنَّ مَالِكًا شَكَّ، هَلْ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ لَا، فَجَعَلَ لِتَحَرِّيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ كَلَامِهِ عَلَى التَّفْسِيرِ، وَإِلَّا فَهِيَ صَحِيحَةٌ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ، انْتَهَى. وَذَهِلَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ، فَعَزَاهُ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ، لِمَالِكٍ فِي "الْمُوَطَّإِ" فَقَطْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى الْجَيْشِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ ضَيَاعُهُ، وَالشَّافِعِيَّةُ مَعَنَا فِي ذَلِكَ، وَأَخَذَ الْمَالِكِيَّةُ بِإِطْلَاقِهِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُيُوشِ وَالسَّرَايَا عَمَلًا بِإِطْلَاقِ النَّصِّ، وَهُوَ - وَإِنْ كَانَ نَيْلُ الْعَدُوِّ لَهُ فِي الْجَيْشِ الْعَظِيمِ نَادِرًا - فَنِسْيَانُهُ وَسُقُوطُهُ لَيْسَ نَادِرًا، انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُرْآنِ فِي الْحَدِيثِ الْمُصْحَفُ. وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ:"بَابُ السَّفَرُ بِالْمَصَاحِفِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ" يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ سَافَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْقُرْآنَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِي عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: " لَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا"، قُلْت: تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ.
قَوْلُهُ: وَالْمُثْلَةُ الْمَرْوِيَّةُ فِي قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ مَنْسُوخَةٌ بِالنَّهْيِ الْمُتَأَخِّرِ، قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 حَدِيثَ الْعُرَنِيِّينَ فِي "كِتَابِ الْحُدُودِ" مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً، وَفِي لَفْظٍ أَنَّ أُنَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَايَعُوهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَاسْتَوْخَمُوا الْأَرْضَ، وَسَقِمَتْ أَبْدَانُهُمْ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"أَلَا تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِي إبِلِهِ، فَتُصِيبُونَ مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا؟ " قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَخَرَجُوا، فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَصَحُّوا، ثُمَّ مَالُوا عَلَى الرِّعَاءِ، فَقَتَلُوهُمْ، وَارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ، وَاسْتَاقُوا ذَوْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَبَعَثَ فِي إثْرِهِمْ، وَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَّلَ أَعْيُنَهُمْ، وَتَرَكَهُمْ فِي الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا، وَفِي لَفْظٍ: وَأُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ، وَلَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا، وَفِي لَفْظٍ: فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، ثُمَّ أَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ، ثُمَّ كَحَّلَهُمْ بِهَا، وَفِي لَفْظٍ: وَتَرَكَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَعَضُّونَ الْحِجَارَةَ، وَفِي آخِرِهِ، قَالَ قَتَادَةُ: وَبَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا2، قَالَ قَتَادَةُ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْحُدُودُ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبَيْهَقِيِّ: قَالَ أَنَسٌ: فَمَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ هَذَا خُطْبَةً، إلَّا نَهَى فِيهَا عَنْ الْمُثْلَةِ، انْتَهَى. قَالَ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَحَدِيثُ الْعُرَنِيِّينَ إمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى النَّسْخِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَقَتَادَةَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، أَوْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ بِهِمْ مَا فَعَلَ بِالرِّعَاءِ، وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: إنَّمَا سَمَّلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَعْيُنَ أُولَئِكَ لِأَنَّهُمْ سَمَّلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ فِي "سِيرَتِهِ": مِنْ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ حَدِيثَ الْعُرَنِيِّينَ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الْآيَةَ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَبَى ذَلِكَ، لِمَا وَقَعَ مِنْ الْخِلَافِ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ لَهَا قِصَّةً أُخْرَى، وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهَا أَكْثَرُ مِمَّا يُشْعِرُهُ لَفْظَةَ "إنَّمَا" مِنْ الِاقْتِصَارِ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ، عَلَى مَا فِي الْآيَةِ، وَأَمَّا مَنْ زَادَ عَلَى الْحِرَابَةِ جِنَايَاتٍ أُخَرَ، كَمَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ حَيْثُ زَادُوا بِالرِّدَّةِ، وَسَمْلِ أَعْيُنِ
1 قلت: لفظ الكتاب عند البخاري في "المغازي - باب قصة عكل وعرينة" ص 602 - ج 2، وأورده في مواضع من صحيحه، وعند مسلم في "كتاب المحاربين" ص 57 - ج 2، وأكثر طرق هذا الحديث في "الصحيحين" عن أبي قلابة عن أنس.
2 ذكره البخاري في "الطب - باب الدواء بأبوال الابل" ص 848 - ج 2، ولم أجده في "مسلم" والله أعلم.
الرِّعَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي خَبَرِهِمْ أَنَّهُمْ قَطَعُوا يَدَ الرَّاعِي وَرِجْلِهِ، وَغَرَزُوا الشَّوْكَ فِي لِسَانِهِ وَعَيْنَيْهِ حَتَّى مَاتَ، فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَمْنَعُ مِنْ التَّغْلِيظِ عَلَيْهِمْ، وَالزِّيَادَةِ فِي عُقُوبَتِهِمْ، فَهَذَا لَيْسَ بِمُثْلَةٍ، وَالْمُثْلَةُ مَا كَانَ ابْتِدَاءً عن غير جزع، وَقَدْ جَاءَ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ"، إنَّمَا سَمَّلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَعْيُنَهُمْ لِأَنَّهُمْ سَمَّلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ، وَلَوْ أَنَّ شَخْصًا جَنَى عَلَى قَوْمٍ جِنَايَاتٍ فِي أَعْضَاءٍ مُتَعَدِّدَةٍ، فَاقْتَصَّ مِنْهُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، لَمَا كَانَ التَّشْوِيهُ الَّذِي حَصَلَ مِنْ الْمُثْلَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ فِي نُزُولِ الْآيَةِ الْأَقْوَالُ، وَتَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ، فَلَا نَسْخَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ أَحَادِيثُ النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ فِي "كِتَابِ الْحَجِّ - فِي مَسْأَلَةِ الْإِشْعَارِ - مِنْ بَابِ التَّمَتُّعِ"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْت: مِمَّا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِ حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ بِالْآيَةِ مَا رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي إسْحَاقُ عَنْ صَالِحٍ مولى التوءَمة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا قَطَّعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَيْدِيَ أَصْحَابِ اللِّقَاحِ، وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَّلَ أَعْيُنَهُمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} إلَى آخِرِ الآية، قالوا: فَلَمْ تُسَمَّلْ بَعْدَ ذَلِكَ عَيْنٌ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ، قَالَ: مَا بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ بَعْثًا، إلَّا نَهَاهُمْ عَنْ الْمُثْلَةِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ قَتْلِ الصِّبْيَانِ وَالذَّرَارِيِّ، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ 1 - إلَّا ابْنُ مَاجَهْ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَقْتُولَةً، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلشَّيْخَيْنِ: فَأَنْكَرَ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد 2 عَنْ خالد بن الفزر حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، لَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلَا طِفْلًا، وَلَا صَغِيرًا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا تَغُلُّوا، وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ، وَأَصْلِحُوا، وَأَحْسِنُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"، انْتَهَى. وخالد بن الفزر، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِذَاكَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ مُعَارَضَةُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا 3 عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اُقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ وَاسْتَبْقَوْا شَرْخَهُمْ"، انْتَهَى. قَالَ: وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، وَالْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ مُنْقَطِعٌ فِي غَيْرِ حَدِيثِ الْعَقِيقَةِ، عَلَى مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، انْتَهَى.
1 عند البخاري في "الجهاد - باب قتل النساء في الحرب" ص 423 - ج 1، وعند مسلم في "الجهاد" ص 84 - ج 2، وعند أبي داود في "المغازي - باب قتل النساء" ص 6 - ج 2، وعند الترمذي في "السير - باب ما جاء في النهي عن قتل النساء" ص 203 - ج 1.
2 عند أبي داود في "المغازي - باب في قتل النساء" ص 6 - ج 2.
3 عند أبي داود في "المغازي" ص 6 - ج 2.
حَدِيثٌ آخَرُ: يُشْكِلُ عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ 1 عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الدَّارِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُبَيَّتُونَ، فَيُصَابُ مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ وَنِسَائِهِمْ، فَقَالَ عليه السلام:"هُمْ مِنْهُمْ"، وَفِي لَفْظٍ:"هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ"، انْتَهَى. زَادَ أَبُو دَاوُد: قَالَ الزُّهْرِيُّ: ثُمَّ نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، انْتَهَى. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، نَقَلَهُ الْحَازِمِيُّ فِي "النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ" عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ الزُّهْرِيِّ، الثَّانِي: أَنَّ حَدِيثَ الصَّعْبِ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي تَبْيِيتِ الْعَدُوِّ إذَا أُغِيرَ عَلَيْهِ، فَقَتَلَ مِنْ الذُّرِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، ضَرُورَةَ التَّوَصُّلِ إلَى الْعَدُوِّ، وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ فَالْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَالْمَنْعُ مِنْ قَتْلِهِمْ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ غَنِيمَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَجُوزُ إتْلَافُهَا، الثَّانِي: أَنَّ الشَّارِعَ لَيْسَ مِنْ غَرَضِهِ إفْسَادُ الْعَالَمِ، وَإِنَّمَا غَرَضُهُ إصْلَاحُهُ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِإِهْلَاكِ الْمُقَاتَلَةِ، وَمَا ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى امْرَأَةً مَقْتُولَةً، فَقَالَ:"هَاهْ، مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ، فَلِمَ قُتِلَتْ؟! "، قُلْت: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد2، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْمُرَقِّعِ بْنِ صَيْفِيٍّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّهِ رَبَاحِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ صَيْفِيٍّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ، فَرَأَى النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ عَلَى شَيْءٍ، فَبَعَثَ رَجُلًا، فَقَالَ:"اُنْظُرْ على مَ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ؟ " فَجَاءَ، فَقَالَ: امْرَأَةٍ قَتِيلٍ، فَقَالَ:" مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ"، وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَبَعَثَ رَجُلًا، فَقَالَ:"قُلْ لِخَالِدٍ: لَا يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً، وَلَا عَسِيفًا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْمُرَقِّعِ عَنْ جَدِّهِ رَبَاحٍ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَفِي لَفْظِهِ: فَقَالَ: "هَاهْ، مَا كَانَتْ تُقَاتِلُ"، الْحَدِيثَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَكَذَا رَوَاهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، فَصَارَ الْحَدِيثُ صَحِيحًا عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. فَحَدِيثُ الْمُغِيرَةِ تَقَدَّمَ عِنْدَ النَّسَائِيّ، وَابْنِ مَاجَهْ، وَحَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْمُرَقِّعِ بِهِ.
1 عند البخاري في "الجهاد - باب أهل الدار يبيتون" ص 423 - ج 1، وعند مسلم في "الجهاد" ص 84 - ج 2، وعند أبي داود فيه "باب في قتل النساء" ص 6 - ج 2، وعند الترمذي في "السير - باب ما جاء في النهي عن قتل النساء والصبيان" ص 203 - ج 1، وينظر البقية.
2 عند أبي داود في "المغازي - باب في قتل النساء" ص 6 - ج 2، وحديث المغيرة، عند ابن ماجه في "الجهاد - في باب الغارة والبيات وقتل النساء" ص 209، وفي "المستدرك - في الجهاد" ص 122 - ج 2.