المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الحج

- ‌مدخل

- ‌فَصْلٌ فِي الْمَوَاقِيتِ

- ‌بَابُ الْإِحْرَامِ

- ‌بَابُ الْقِرَانِ

- ‌بَابُ التَّمَتُّعِ

- ‌باب الجنايات

- ‌بَابُ الْإِحْصَارِ

- ‌بَابُ الْفَوَاتِ

- ‌بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ

- ‌بَابُ الْهَدْيِ

- ‌كِتَابُ النكاح

- ‌مدخل

- ‌فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ

- ‌بَابُ فِي الْأَوْلِيَاءِ والأكفاء

- ‌بَاب الْمَهْر

- ‌بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ

- ‌بَابُ نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ

- ‌بَابُ الْقَسْمِ

- ‌‌‌كِتَابُ الرَّضَاعِ

- ‌كِتَابُ الرَّضَاعِ

- ‌كِتَابُ الطلاق

- ‌السنة في الطلاق

- ‌باب إيقاع الطلاق

- ‌فَصْلٌ فِي تَشْبِيهِ الطَّلَاقِ

- ‌بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ

- ‌فَصْلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ

- ‌بَابُ الرَّجْعَةِ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ

- ‌بَابُ الْإِيلَاءِ

- ‌بَابُ الْخُلْعِ

- ‌بَابُ الظِّهَارِ

- ‌بَابُ اللِّعَانِ

- ‌بَابُ الْعِنِّينِ

- ‌باب العدة

- ‌بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ

- ‌بَابُ حضانة الولد ومن أَحَقُّ بِهِ

- ‌بَابُ النَّفَقَةِ

- ‌كِتَابُ الْعِتْقِ

- ‌فضل العتق

- ‌بَابٌ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بَعْضُهُ

- ‌بَابُ التَّدْبِيرِ

- ‌بَابُ الِاسْتِيلَادِ

- ‌كِتَابُ الأيمان

- ‌من حلف يمينا كاذبا

- ‌بَابُ مَا يَكُونُ يَمِينًا، وَمَا لَا يَكُونُ يَمِينًا

- ‌فَصْلٌ فِي الْكَفَّارَةِ

- ‌بَابُ الْيَمِينِ فِي الْخُرُوجِ وَالْإِتْيَانِ وَالرُّكُوبِ

- ‌بَابُ الْيَمِينِ فِي الْكَلَامِ

- ‌بَابُ الْيَمِينِ فِي الْعِتْقِ

- ‌بَابُ الْيَمِينِ في الصلاة والصوم والحج

- ‌كِتَابُ الْحُدُودِ

- ‌مدخل

- ‌باب الوطء الذي يوجب الحد

- ‌بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا

- ‌بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ

- ‌بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ

- ‌كِتَابُ السرقة

- ‌مدخل

- ‌بَابُ مَا يُقْطَعُ فِيهِ وَمَا لَا يُقْطَعُ

- ‌فَصْلٌ فِي الحرز

- ‌فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ

- ‌كِتَابُ السير

- ‌مدخل

- ‌بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ

- ‌بَابُ الْمُوَادَعَةِ

- ‌بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا

- ‌فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ

- ‌فَصْلٌ في التنقيل

- ‌باب استيلاء الكفار

- ‌بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ:

- ‌بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ

- ‌بَابُ الْجِزْيَةِ

- ‌بَابُ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ

- ‌بَابُ الْبُغَاةِ

- ‌كِتَابُ اللَّقِيطِ

- ‌كِتَابُ اللُّقَطَةِ

- ‌كِتَابُ الْإِبَاقِ

- ‌كِتَابُ الْمَفْقُود

- ‌كِتَابُ الشَّرِكَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَقْفِ

الفصل: ‌باب نكاح أهل الشرك

عَبْدًا، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ1، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْآثَارُ وَجَبَ التَّوْفِيقُ فِيهَا، فَنَقُولُ: إنَّا وَجَدْنَا الْحُرِّيَّةَ تَعْقُبُ الرِّقَّ، وَلَا يَنْعَكِسُ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كان حراً عند ما خُيِّرَتْ، عَبْدًا قَبْلَهُ، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ عَبْدٌ، فَلَا يَنْفِي الْخِيَارَ لَهَا تَحْتَ الْحُرِّ، إذْ لَمْ يَجِئْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ إنَّمَا خَيَّرَهَا، لِكَوْنِهِ عَبْدًا، قَالَ: وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَيْضًا، فَقَدْ رَأَيْنَا الْأَمَةَ فِي حَالِ رِقِّهَا لِمَوْلَاهَا، أَنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ عَلَيْهَا لِلْحُرِّ والعبد، ورأيناها بعد ما يُعْتِقُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ عَلَيْهَا عَقْدَ نِكَاحٍ، لَا لِحُرٍّ وَلَا لِعَبْدٍ، فَاسْتَوَى حُكْمُ مَا إلَى الْمَوْلَى فِي الْعَبِيدِ، وَالْأَحْرَارِ، وَمَا لَيْسَ إلَيْهِ فِيهِمَا، وَرَأَيْنَاهَا إذَا أُعْتِقَتْ بَعْدَ عَقْدِ الْمَوْلَى عَلَيْهَا نِكَاحَ الْعَبْدِ، يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ، فَجَعَلْنَاهُ كَذَلِكَ فِي جَانِبِ الْحُرِّ قِيَاسًا وَنَظَرًا، ثُمَّ أُسْنِدَ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ قَالَ: لِلْأَمَةِ الْخِيَارُ إذَا أُعْتِقَتْ، وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ قُرَشِيٍّ، وَفِي لَفْظٍ: قَالَ لَهَا: الْخِيَارُ فِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ مِثْلَ ذَلِكَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ طَاوُسٍ كَذَلِكَ بِاللَّفْظَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ2، قَالَ: تُخَيَّرُ، حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: تُخَيَّرُ، وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، انْتَهَى.

1 راجع "شرح الآثار - للطحاوي - باب خيار العتق" ص 49 - ج 2، وقال صاحب "الجوهر النقي": وإذا اختلفت الآثار في زوجها وجب حملها على وجه لا تضاد فيه، والحرية تعقب الرق، ولا ينعكس، فثبت أنه كان حراً عند ما خيرت عبداً قبله، ومن أخبر بعبوديته لم يعلم بحريته قبل ذلك، وقال ابن حزم ما ملخصه: إنه لا خلاف أن من شهد بالحرية يقدم على من شهد بالرق، لأن عنده زيادة علم، ثم لو لم يختلف أنه كان عبداً، هل جاء في شيء من الأخبار أنه عليه الصلاة السلام إنما خيرها لأنها تحت عبد؟ هذا لا يجدونه أبداً، فلا فرق بين من يدعي أنه خيرها، لأنه كان عبداً، وبين من يدعي أنه خيرها لأنه كان أسود، فكل من ملكت نفسها تختار، سواء كانت تحت حر أو عبد، وإلى هذا ذهب ابن سيرين، وطاوس، والشعبي، ذكر ذلك عبد الرزاق بأسانيد صحيحة، وأخرجه ابن أبي شيبة عن النخعي، ومجاهد، وحكاه الخطابي عن حماد، والثوري، وأصحاب الرأي، وفي "التهذيب للطبري" وبه قال مكحول، وفي الاستذكار أنه قول ابن المسيب أيضاً، انتهى ملخصاً.

2 وهكذا ذكره ابن قدامة في "المغني" ص 591 - ج 7

ص: 208

‌بَابُ نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ

قَوْلُهُ: وَإِذَا تَزَوَّجَ الْكَافِرُ بِغَيْرِ شُهُودٍ، أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ، وَذَلِكَ فِي دِينِهِمْ جَائِزٌ، ثُمَّ أَسْلَمَا أُقِرَّا عَلَيْهِ، قُلْت: فِي صِحَّةِ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ أَحَادِيثُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"3: اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى صِحَّةِ أَنْكِحَةِ الْمُشْرِكِينَ بِحَدِيثِ الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ رَجَمَهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الزِّنَا،

3 ومثله قال في "السنن" ص 190 - ج 7 في "باب نكاح أهل الشرك وطلاقهم".

ص: 208

قَالَ: لأن الناكح لَوْ لَمْ يُحِلَّهَا لَهُ لَمَا جَرَى الْإِحْصَانُ عَلَيْهِمَا، انْتَهَى. وَحَدِيثُ الْيَهُودِيَّيْنِ صَحِيحٌ ثَابِتٌ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ 1 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَسَيَأْتِي فِي "الْحُدُودِ".

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ، لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا، انْتَهَى. وَفِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ: بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ: بَعْدَ سَنَتَيْنِ، وَرِوَايَتَانِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا بَأْسَ بِإِسْنَادِهِ، وَسَمِعْت عَبْدَ بْنَ حُمَيْدٍ يَقُولُ: سَمِعْت يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ يَقُولُ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا أَجْوَدُ إسْنَادًا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ عليه السلام رَدَّهَا لَهُ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، وَلَكِنْ لَا يُعْرَفُ وَجْهُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَعَلَّهُ جَاءَ مِنْ دَاوُد بْنِ حُصَيْنٍ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الْمَذْكُورُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، زَادَ التِّرْمِذِيُّ: وَمَهْرٍ جَدِيدٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: أَسْلَمَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ زَوْجِهَا أَبِي الْعَاصِ بِسَنَةٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَبُو الْعَاصِ فَرَدَّهَا لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، انْتَهَى. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إنْ صَحَّ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عِدَّتُهَا تَطَاوَلَتْ - لِاعْتِرَاضِ سَبَبٍ - حَتَّى بَلَغَتْ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ضَعِيفٌ بِالْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، فَإِنَّهُ مَعْرُوفٌ بِالتَّدْلِيسِ، وَحُكِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَسْمَعْهُ الْحَجَّاجُ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ3، وَلَا أَعْلَمُ رَوَاهُ مَعَهُ إلَّا مَنْ هُوَ دُونَهُ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ

1 عند البخاري في مواضع: منها في "الحدود - باب أحكام أهل الذمة" ص 1011 - ج 2، وعند مسلم في "الحدود" ص 69 - ج 2.

2 عند الترمذي "باب ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما" ص 147 - ج 1، والمخرج تصرف في كلام الترمذي بعض تصرف، وعند ابن ماجه "باب الزوجين يسلم أحدهما قبل الآخر" ص 146، وعند أبي داود "باب إلى متى ترد عليه امرأته إذا أسلم بعدها" ص 304 - ج 1، وفي "المستدرك" من حديث ابن عباس: ص 200 - ج 2.

3 ومحصل ما قال صاحب "الجوهر النقي" ص 188 - ج 7، قلت: في حديث ابن عباس أشياء: منها أن ابن إسحاق فيه كلام، ومنها أن داود بن الحصين فيه لين، قال ابن المديني: ما رواه عن عكرمة فهو منكر، وقال أبو داود: أحاديثه عن عكرمة، ذكر ذلك الذهبي في "الميزان" ثم قال: أخرجه الترمذي، وقال: لا يعرف وجهه، لعله جاءه من قبل حفظ داود بن الحصين، وكيفما كان فخبر ابن عباس متروك لا يعمل به عند الجميع، وحديث عبد الله بن عمرو في ردها بنكاح جديد تعضده الأصول، وذكر في "الاستذكار" ردها بنكاح جديد، ثم قال: وكذا قال الشعبي، - مع علمه بالمغازي أنه لم يردها إليه إلا بنكاح جديد، وتبين بهذا كله أن قول ابن عباس ردها إليه على النكاح الأول =

ص: 209

أَنَّهُ قَالَ: هُوَ حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ، قَالَ: لِأَنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ رُجُوعَهَا إلَيْهِ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ عِدَّتِهَا، وَأَمَّا حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ فَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": لَوْ صَحَّ الْحَدِيثَانِ لَقُلْنَا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً، وَلَكِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ الْحُفَّاظُ، فَتَرَكْنَاهُ، وَأَخَذْنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَادَّعَى بَعْضُ مَنْ يُسَوِّي الْأَخْبَارَ عَلَى مَذْهَبِهِ1 نَسْخَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِحَدِيثِ

= - إن صح - أراد به على مثل الصداق الأول، وحديث عمرو بن شعيب عندنا صحيح، وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال: إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها بساعة حرمت عليه، وهذا يقتضي أن الفرقة تقع بينهما بإسلامهما، فكيف يخالف ابن عباس ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة زينب، انتهى. وقال ابن الهمام في "الفتح" ص 511 - ج 2: وأما أبو العاص، فإنما ردها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنكاح جديد، روى ذلك الترمذي، وابن ماجه، والإمام أحمد، والجمع إذا أمكن أولى من إهدار أحدهما، وهو مجمل قوله: ردها على النكاح الأول على معنى بسبب سبقه مراعاة لحرمته، كما يقال: ضربته على إساءته، وقيل: قوله: ردها على النكاح الأول لم يحدث شيئاً، معناه على مثله لم يحدث زيادة في الصداق والحباء، وهو تأويل حسن، انتهى.

1 قال في "الجوهر النقي" ص 188 - ج 7: وقال ابن حزم: أسلمت زينب أول ما بعث صلى الله عليه وسلم بلا خلاف، ثم هاجرت وبين إسلامها وإسلام زوجها أزيد من ثمان عشرة سنة، وولدت في خلال ذلك ابنها علياً، فأين العدة؟ وذكر صاحب "التمهيد" حديث ابن عباس، ثم قال: إن صح فهو متروك منسوخ عند الجميع، ويدل على أنه منسوخ إجماع العلماء على أن أبا العاص كان كافراً، وأن المسلمة لا يحل أن تكون زوجة كافر، قال الشعبي: ولا خلاف بين العلماء في الكافرة تسلم، فيأبى زوجها الاسلام حتى تنقضي عدتها أنه لا سبيل له عليها إلا بنكاح جديد، وذهب أبو حنيفة، وأصحابه إلى العمل بحديث عمرو بن شعيب، وأن أحد الحربيين إذا أسلم وخرج إلينا، وبقي الآخر بدار الحرب وقعت الفرقة باختلاف الدارين، لقوله تعالى:{فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} فلو كانت الزوجية باقية، كما يقوله الشافعي، كان هو أحق بها، وقال تعالى:{لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ} الآية، وقال تعالى:{وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} فأمر برد المهر على الزوج، فلو كانت الزوجية باقية لما استحق البضع، وبدله، وقال تعالى:{وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} ولو كان النكاح الأول باقياً لما جاز أن تتزوج، وقال تعالى:{وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} قال ابن عطية: رأيت لأبي علي الفارسي أنه قال: سمعت الفقيه أبا الحسن الكرخي يقول في تفسير قوله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} : إنه في الرجال والنساء، فقلت له: النحويون لا يرون هذا إلا في النساء، لأن - كوافر - جمع كافرة، فقال: وأيش يمنع هذا؟ أليس الناس يقولون: طائفة كافرة، وفرقة كافرة، فبهت، وقلت: هذا تأييد، انتهى.

وبالجملة عند أبي حنيفة أن الحربية إذا أسلمت وهاجرت ولم يسلم زوجها تبين باختلاف الدارين، ومعنى الاختلاف أن يكون أحدهما من أهل دارنا، إما بإسلام، أو ذمة، والآخر حربياً من أهل دارهم، حتى لو دخل مسلم دارهم بأمان، أو دخل حربي دارنا أو أسلما ثمة، ثم خرج أحدهما إلينا فلا فرقة، انتهى.

فائدة مهمة: قال ابن الهمام في "الفتح" ص 512 - ج 2: واعلم أن بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تتصف واحدة منهن قبل البعثة بكفر، ليقال: آمنت بعد أن لم تكن مؤمنة، فقد اتفق علماء المسلمين أن الله تعالى لم يبعث نبياً قط أشرك بالله طرفة عين، والولد يتبع المؤمن من الأبوين، فلزم أنهن لم تكن إحداهن قط إلا مسلمة، نعم قبل البعثة، كان الاسلام اتباع ملة إبراهيم حنيفاً، ومن حين وقعت البعثة لا يثبت الكفر إلا بإنكار المنكر بعد بلوغ الدعوة، ومن أول ذكره صلى الله عليه وسلم لأولاده لم تتوقف واحدة منهن، ثم قال ابن الهمام ص 510 - ج 2: وتباين الدارين بين أبي العاص بن الربيع، وبين زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أظهر، وأشهر، فإنها هاجرت إلى المدينة وتركته بمكة على شركه، ثم جاء وأسلم بعد سنتين، وقيل: ثلاث، وقيل: ثمان، فردها عليه بالنكاح الأول، انتهى.

ص: 210

عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ أَنَّ أَبَا الْعَاصِ أُخِذَ أَسِيرًا يَوْمَ بَدْرٍ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنَتَهُ، وَكَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْفَرَائِضِ، قَالَ: وَهَذَا مُنْقَطِعٌ لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ يَوْمَ بَدْرٍ1، وَإِنَّمَا أسلم بعد ما أَخَذَتْ سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَا مَعَهُ، فَأَتَى الْمَدِينَةَ، فَأَجَارَتْهُ زَيْنَبُ فَقَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِوَارَهَا، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهَا: أَيْ بُنَيَّةُ، أَكْرِمِي مَثْوَاهُ، وَلَا يَدْنُ إلَيْك، فَإِنَّك لَا تَحِلِّينَ لَهُ، وَكَانَ هَذَا بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الِامْتِحَانِ فِي الْهُدْنَةِ، ثُمَّ إنَّهُ رَجَعَ، بِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ بَضَائِعِ أَهْلِ مَكَّةَ إلَى مَكَّةَ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَخَرَجَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَإِنَّمَا الَّذِي فِي قِصَّةِ بَدْرٍ أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا أَسَرَهُ يَوْمَ بَدْرٍ أَطْلَقَهُ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِ ابْنَتَهُ، وَكَانَتْ بِمَكَّةَ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي، فَإِنْ قَالَ: إنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَدَّهَا عَلَيْهِ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ، وَفِي رِوَايَةٍ سَنَتَيْنِ، وَالْعِدَّةُ لَا تَبْقَى فِي الْغَالِبِ هَذِهِ الْمُدَّةَ، قُلْنَا: النِّكَاحُ كَانَ بَاقِيًا إلَى وَقْتِ نُزُولِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَهِيَ آيَةُ الْمُمْتَحِنَةِ، فلم يؤثر فيه إسْلَامُهَا، وَبَقَاؤُهُ عَلَى الْكُفْرِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ الْآيَةُ تَوَقَّفَ نِكَاحُهَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، ثُمَّ كَانَ إسْلَامُ أَبِي الْعَاصِ

1 وفي "الاصابة" ص 122 - ج 4 عن مغازي بن إسحاق عن عائشة، قالت: لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلادة لها كانت عند خديجة أدخلتها بها على أبي العاص، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة، وقال للمسلمين: إن رأيتم تطلقوا لها أسيرها، وتردوه عليها، ففعلوا، وساق ابن إسحاق قصته أطول من هذا، وأنه شهد بدراً مع المشركين، وأسر فيمن أسر، ففادته زينب، فاشترط عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرسلها إلى المدينة، وفي "المستدرك" ص 201 - ج 2: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة إلى مكة بخاتمه، فأرسله إليها على يد الراعي، فعرفته، فقالت: من أعطاك هذا؟ قال: رجل، قالت: فأين تركته؟ قال: بمكان كذا، فخرجت إليه بليل، فركب وركبت وراءه، وقال عروة في هذا الحديث: وإنما كان ذلك قبل نزول آية {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} قال الذهبي في "تلخيصه": قلت: يريد بقوله: قبل نزول هذه الآية، لأن زيداً كان يدعى ابن محمد، فعلى هذا كان أخاً لزينب، فسافرت معه، انتهى ملخصاً. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ما ذممنا مهر أبي العاص"، وأخرج ابن سعد: ص 22 - ج 8 عن الحارث التيمي عن أبيه، قال: خرج أبو العاص بن الربيع إلى الشام في عير لقريش، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تلك العير قد أقبلت من الشام، فبعث زيد بن حارثة في سبعين ومائة راكب، فلقوا العير بناحية العيص في جمادى الأولى سنة ست من الهجرة، فأخذوها، الحديث، وفي "فتح القدير" ص 511 - ج 2، وروى أنها كانت حاملاً، فأسقطت حين خرجت مهاجرة إلى المدينة، وروعها هبار بن الأسود بالرمح، واستمر أبو العاص على شركه إلى ما قبيل الفتح، فخرج تاجراً إلى الشام، فأخذت سرية المسلمين ماله، وأعجزهم هرباً، ثم دخل بليل على زينب، فأجارته، ثم كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم السرية، فردوا إليه ماله، فاحتمل إلى مكة، فأدى الودائع، وما كان أهل مكة أبضعوا معه، وكان رجلاً أميناً كريماً، فلما لم يبق لأحد عليه علقة، قال يا أهل مكة هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟ قالوا: لا، فجزاك الله عنا خيراً، فقد وجدناك وفياً كريماً، قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، والله ما منعني من الاسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم، فلما أداها الله إليكم، وفرغت منها أسلمت، ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، انتهى.

ص: 211

بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ يَسِيرٍ، بِحَيْثُ يُمْكِنُ عِدَّتُهَا لَمْ تَنْقَضِ فِي الْغَالِبِ1، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الرَّدُّ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ كَانَ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ: وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ أَكَابِرِهِمْ 2 فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَلِمَ بِتَحْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى رُجُوعَ الْمُؤْمِنَاتِ إلَى الْكُفَّارِ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَهُ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، فَقَالَ: رَدَّهَا عَلَيْهِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ ابْنُ عَبَّاسٍ بِتَحْرِيمِ الْمُؤْمِنَاتِ عَلَى الْكُفَّارِ حِينَ عَلِمَ بِرَدِّ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ، فَقَالَ: رَدَّهَا بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بَيْنَهُمَا فَسْخُ نِكَاحٍ، قَالَ: وَهَذَا فِيهِ سُوءُ ظَنٍّ بِالصَّحَابَةِ، وَرُوَاةِ الْأَخْبَارِ حَيْثُ نَسَبَهُمْ إلَى رِوَايَةِ الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ سَمَاعِهِمْ لَهُ، بَلْ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ مَعَاذَ اللَّهِ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي فِي الشِّرْكِ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَفِي الْإِسْلَامِ تَطْلِيقَةً، فَأَلْزَمَهُ الطَّلَاقَ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَيُوسُفُ مَتْرُوكٌ، وَيَحْيَى ضَعِيفٌ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ" أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى ثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ أُمَّ حَكِيمٍ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ كَانَتْ تَحْتَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ، فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ، وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ حَتَّى قَدِمَ الْيَمَنَ، فَرَحَلَتْ إلَيْهِ امْرَأَتُهُ بِالْيَمَنِ، وَدَعَتْهُ إلَى الْإِسْلَامِ، فَأَسْلَمَ، وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَايَعَهُ، فَثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا ذَلِكَ، انْتَهَى. وَرُوِيَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ 3 ابْنَةُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ زَمَنَ الْفَتْحِ، فَلَمْ يُفَرِّقْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا، وَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ حَتَّى أَسْلَمَ صَفْوَانُ، وَكَانَ بَيْنَ إسْلَامِهِمَا نَحْوٌ مِنْ شَهْرٍ، مُخْتَصَرٌ.

1 قال ابن الهمام في "الفتح" ص 511 - ج 2: وأيضاً يقطع بأن الفرقة وقعت بين زينب وبين أبي العاص بمدة تزيد على عشرة سنين، فإنها أسلمت بمكة في ابتداء الدعوة حين دعا صلى الله عليه وسلم زوجته خديجة وبناته، ولقد انقضت المدة التي تبين بها في دار الحرب مراراً، وولدت، ثم قال بعده: وما ذكر في الروايات من قولهم: وذلك بعد ست سنين، أو ثمان سنين، أو ثلاث سنين، فإنما ذلك من حين فارقته بالأبدان، وذلك بعد غزوة بدر، وأما البينونة فقبل ذلك بكثير، لأنها إن وقعت من حين آمنت فهو قريب من عشرين سنة إلى إسلامه، وإن وقعت من حين نزلت:{وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} وهي مكية، فأكثر من عشر، هذا غير أنه كان حابسها قبل ذلك إلى أن أسر فيمن أسر ببدر، وهو صلى الله عليه وسلم كان مغلوباً على ذلك قبل ذلك، الخ. وقال شيخنا الحجة السيد "محمد أنور الكشميري" رحمه الله في "إملائه على الترمذي" ص 405: فيحمل ست سنين على ما بعد الهجرة، وأربع سنين على ما بعد بدر، وأسره أولاً، وسنتين على ما بعد أسره ثانياً، عند قفوله من الشام، انتهى.

2 قلت: هذا تعريض إلى ما حكى الطحاوي في "شرح الآثار" ص 150 - ج 2 عن محمد بن الحسن.

3 عند مالك في "الموطأ - باب نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته" ص 197، وفي "الاصابة" ص 187 - ج 2 عن ابن شهاب، قالوا: إنه هرب يوم فتح مكة، وأسلمت امرأته، وهي ناجية بنت الوليد بن المغيرة قال: فأحضر له ابن عمه عمير بن وهب أماناً من النبي صلى الله عليه وسلم، انتهى.

ص: 212

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ هُشَيْمِ حَدَّثَنِي الْمَدِينِيُّ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا وَلَدَنِي شَيْءٌ مِنْ سِفَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا وَلَدَنِي إلَّا نِكَاحٌ كَنِكَاحِ الْإِسْلَامِ"، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: خَرَجْت مِنْ نِكَاحٍ غَيْرِ سِفَاحٍ، قَالَ فِي "التنفيح": الْوَاقِدِيُّ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَفِي الْأَوَّلِ الْمَدِينِيُّ، وَهُوَ إنْ كَانَ وَالِدَ عَلِيٍّ فَهُوَ ضَعِيفٌ، وَكَذَا إنْ كَانَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى، وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: هُوَ عِنْدِي فُلَيْحِ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو الْحُوَيْرِثِ اسْمُهُ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، انْتَهَى.

قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو، وَلَا يُعْلَى، قُلْت: لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ حَدِيثًا، وَهُوَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، وَمَوْقُوفٌ، فَالْمَوْقُوفُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ 1 - فِي الْجَنَائِزِ" تَعْلِيقًا، فَقَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْإِسْلَامُ يَعْلُو، وَلَا يُعْلَى، انْتَهَى. وَالْمَرْفُوعُ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيّ، وَمِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ.

فَحَدِيثُ عُمَرَ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط"، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ" 2 عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إنَّ هَذَا الدِّينَ يَعْلُو، وَلَا يُعْلَى" أَخْرَجَاهُ فِي حَدِيثِ الضَّبِّ الَّذِي كَلَّمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.

وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيّ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَشْرَجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"الْإِسْلَامُ يَعْلُو، وَلَا يُعْلَى"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَشْرَجٍ، وَأَبُوهُ مَجْهُولَانِ، انْتَهَى.

وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ: فَرَوَاهُ نَهْشَلٌ فِي "تَارِيخِ وَاسِطَ" حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى ثَنَا عِمْرَانُ بْنُ أَبَانَ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ عَنْ أَبِي الأسود الديلي عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " الْإِيمَانُ يَعْلُو، وَلَا يُعْلَى"، انْتَهَى.

قَوْلُهُ: وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ بَنِي حَنِيفَةَ ارْتَدُّوا، ثُمَّ أَسْلَمُوا، وَلَمْ تَأْمُرْهُمْ الصَّحَابَةُ بِتَجْدِيدِ الْأَنْكِحَةِ، قُلْت غَرِيبٌ.

1 عند البخاري موقوفاً عن ابن عباس "باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه؟ " ص 180 - ج 1.

2 في "دلائل النبوة" ص 134 في حديث طويل، وعند الطحاوي في "شرح الآثار - باب إسلام أحد الزوجين" عن ابن عباس: ص 150 - ج 2.

3 عند الدارقطني في "النكاح" ص 395.

ص: 213