الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الِاسْتِيلَادِ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا"، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ 1 - فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ذُكِرَتْ أُمُّ إبْرَاهِيمَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - فِي الْبُيُوعِ"2، وَسَكَتَ عَنْهُ، إلا أنه قال: أبي بَكْرِ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ، وَالْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بِابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، وَحُسَيْنٍ، فَإِنَّهُمَا ضَعِيفَانِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَقَدْ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، قَالَ قَاسِمُ بْن أَصْبَغَ فِي "كِتَابِهِ": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثَنَا مُصْعَبُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو خَيْثَمَةَ الْمِصِّيصِيِّ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - هُوَ الرَّقِّيِّ - عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا وَلَدَتْ مَارِيَةُ إبْرَاهِيمَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي "التَّمْهِيدِ" وَمِنْ جِهَةِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" وَخَلَّطَ فِي إسْنَادِهِ تَخْلِيطًا بَيَّنَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ"، وَحَرَّرَهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" بِسَنَدِ ابْنِ مَاجَهْ، وَأَعَلَّهُ بِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، وَقَالَ: إنَّهُ فِي جُمْلَةِ مَنْ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَأَسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَعَنْ النَّسَائِيّ أَنَّهُ قَالَ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَإِلَى ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا 3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ الْحُسَيْنِ بِهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ هَذَا ضَعِيفٌ عَنْ حُسَيْنٍ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَكَرِيَّا الْمَدَائِنِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي سَارَةُ عَنْ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدٌ هَذَا فِيهِ لِينٌ، وَابْنُ أَبِي سَارَةُ مَجْهُولٌ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ حُسَيْنٍ الْمَذْكُورِ، وَأَبُو أُوَيْسٍ فِيهِ لِينٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا 4 عَنْ شَرِيكٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِهِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": هَكَذَا رَوَاهُ شَرِيكٌ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو أُوَيْسٍ الْمَدَنِيُّ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَرَوَاهُ أبو بكر من أَبِي سَبْرَةَ عَنْ حُسَيْنٍ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ فِي أُمِّ إبْرَاهِيمَ حِينَ وَلَدَتْهُ:"أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا"، وَكَذَلِكَ
1 عند ابن ماجه في "العتق - باب أمهات الأولاد" ص 183.
2 ص 19 - ج 2.
3 عند الدارقطني في "باب المكاتب" ص 480 - ج 2.
4 عند ابن ماجه في "العتق - باب أمهات الأولاد" ص 183 - ج 2، وفي "المستدرك - في البيوع" ص 19 - ج 2.
رَوَاهُ أَبُو أُوَيْسٍ عَنْ حُسَيْنٍ، إلَّا أَنَّهُ أَرْسَلَهُ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عباس، ولم يثبت فيها شَيْءٌ، وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ: أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا، وَإِنْ كَانَ سِقْطًا، وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عُمَرَ، وَرَوَاهُ خَصِيفٌ الْجَزَرِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ، فَعَادَ الْحَدِيثُ إلَى قَوْلِ عُمَرَ، وَهُوَ الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ، وَأَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ خَطَّابِ بْنِ صَالِحٍ مَوْلَى الْأَنْصَارِ عَنْ أُمِّهِ عَنْ سَلَّامَةَ بِنْتِ مَعْقِلٍ - امْرَأَةٍ مِنْ خَارِجَةِ قَيْسِ عَيْلَانَ - قَالَتْ: قَدِمَ بِي عَمِّي فِي "الْجَاهِلِيَّةِ" فَبَاعَنِي مِنْ الْحُبَابِ بْنِ عَمْرٍو أَخِي أَبِي الْيُسْرِ بْنِ عَمْرٍو، فَوَلَدْت لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحُبَابِ، ثُمَّ هَلَكَ، فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ: الْآنَ وَاَللَّهِ تُبَاعِينَ فِي دَيْنِهِ، فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ مِنْ خَارِجَةِ قَيْسِ عَيْلَانَ، قَدِمَ بِي عَمِّي الْمَدِينَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَبَاعَنِي مِنْ الْحُبَابِ بْنِ عَمْرٍو - أَخِي أَبِي الْيُسْرِ بْنِ عَمْرٍو - فَوَلَدْت لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ: الْآنَ وَاَللَّهِ تُبَاعِينَ فِي دَيْنِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ وَلِيُّ الْحُبَابِ؟ قِيلَ: أَخُوهُ أَبُو الْيُسْرِ بْنُ عَمْرٍو، فَبَعَثَ إلَيْهِ، فَقَالَ: أَعْتِقُوهَا، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِرَقِيقٍ قَدِمَ عَلَيَّ فَأْتُونِي أُعَوِّضُكُمْ مِنْهَا"، قَالَتْ: فَأَعْتَقُونِي، وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَقِيقٌ فَعَوَّضَهُمْ مِنِّي غُلَامًا، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قُلْت: قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو أُوَيْسٍ، حَدِيثُ أَبِي أُوَيْسٍ، رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ ثَنَا أَبِي عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَإِنَّهَا حُرَّةٌ إذَا مَاتَ، إلَّا أَنْ يُعْتِقَهَا قَبْلَ مَوْتِهِ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِعِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَأَنْ لَا يُبَعْنَ فِي دَيْنٍ، وَلَا يُجْعَلْنَ مِنْ الثُّلُثِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 2 عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَقَالَ:" لَا يُبَعْنَ، وَلَا يُوهَبْنَ، وَلَا يُورَثْنَ، يَسْتَمْتِعُ بِهَا سَيِّدُهَا مادام حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ"، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إلَى آخِرِهِ، وَهَذَا أَعَلَّهُ ابْنُ عَدِيٍّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ نَجِيحٍ الْمَدِينِيِّ 3 وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ، وَالسَّعْدِيِّ، وَالْفَلَّاسِ،
1 عند أبي داود في "العتق - باب في عتق أمهات الأولاد" ص 195 - ج 2.
2 عند الدارقطني في "كتاب المكاتب" ص 481.
3 وهو والد علي بن المديني راجع "ترجمته - في التهذيب" ص 174 - ج 5.
وَابْنِ مَعِينٍ، وَلَيَّنَهُ هُوَ، وَقَالَ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَمَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيِّ ثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ الْقَسْمَلِيُّ، وَهُوَ ثِقَةٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ، فَقَالَ عَنْهُ: يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ثِقَةٌ، وَهُوَ الَّذِي رَفَعَهُ، وَقَالَ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ إسْحَاقَ، وَفُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عمر لم يتجاوزه، وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَعِنْدِي أَنَّ الَّذِي أَسْنَدَهُ خَيْرٌ مِمَّنْ وَقَفَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ1، فِي ذِكْرِ التَّرْجِيحَاتِ" الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ مَنْسُوبًا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَصًّا وَقَوْلًا، وَالْآخَرُ يُنْسَبُ إلَيْهِ اسْتِدْلَالًا وَاجْتِهَادًا، فَيَكُونُ الْأَوَّلُ مُرَجَّحًا نَحْوُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَقَالَ:" لَا يُبَعْنَ"، إلَى آخِرِهِ، فَهَذَا أَوْلَى بِالْعَمَلِ بِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: كُنَّا نَبِيعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ: قَوْلُهُ عليه السلام، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ حُجَّةٌ، وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ لَيْسَ فِيهِ تَنْصِيصٌ مِنْهُ عليه السلام فَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَنْ كَانَ يَرَى هَذَا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خِلَافَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ اجْتِهَادًا مِنْهُ، فَكَانَ تَقْدِيمُ مَا نُسِبَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَصًّا أَوْلَى، وَنَظِيرُهُ حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ فِي الْمُزَارَعَةِ: كُنَّا نُخَابِرُ، وَكُنَّا نُكْرِي الْأَرْضَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُمْ ذَلِكَ مُسْنَدًا إلَى إذْنِهِ عليه السلام، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ 2 عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، قَالَ: كُنَّا نَبِيعُهُنَّ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ النَّسَائِيُّ: زَيْدٌ الْعَمِّيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَصَحَّحَهُ، وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ، وَأَعَلَّهُ بِزَيْدٍ الْعَمِّيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَغَيْرُ زَيْدٍ يَرْوِيهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا حَمَّادٌ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ: بِعْنَا أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ نَهَانَا فَانْتَهَيْنَا، قَالَ الْحَاكِمُ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ4: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنَّا نَبِيعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَيْنَا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ هَذَا خَفِيَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ، وَغَيْرِهِ مِنْ
1 ص 16.
2 وعند الدارقطني أيضاً: ص 481، وفي "المستدرك - في البيوع" ص 19 - ج 2.
3 في "المستدرك - في البيوع" ص 18 - ج 2، وعند أبي داود في "العتق - باب في عتق أمهات الأولاد" ص 195 - ج 2.
4 وعند الدارقطني: ص 481 - ج 2.
الصَّحَابَةِ، أَوْ يَكُونَ النَّهْيُ وَرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، هَذَا، ثُمَّ قَالَ: يُرْوَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ ، وَلَا يَصِحُّ مُسْنَدًا ; وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي " كِتَابِهِ "، وَقَالَ: إنَّمَا يُرْوَى مِنْ قَوْلِ عُمَرَ ، رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" 1 مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ بكير عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: أَيُّمَا وَلِيدَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهَا، وَلَا يَهَبُهَا، وَلَا يُوَرِّثُهَا، وَهُوَ يَسْتَمْتِعُ مِنْهَا، فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَغَيْرُهُ عَنْ نَافِعٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ، وَغَلِطَ فِيهِ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ فَرَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: وَهُوَ وَهْمٌ لَا يَحِلُّ رِوَايَتُهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ 2 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَفْرِيقِيِّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ أَعْتَقَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَقَالَ: أَعْتَقَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، انْتَهَى. وَالْأَفْرِيقِيُّ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، قَالَ ابن القطان: سعيد عَنْ عُمَرَ مُنْقَطِعٌ، وَنَقَلَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ - فِي بَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ" عَنْ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ عِنْدَنَا حُجَّةٌ، فَإِنَّهُ رَآهُ، وَسَمِعَ مِنْهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: مَوْقُوفٌ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْت عَلِيًّا يَقُولُ: اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَنْ لَا يُبَعْنَ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْدُ أَنْ يُبَعْنَ، قَالَ عَبِيدَةُ: فَقُلْت لَهُ: فَرَأْيُك وَرَأْيُ عُمَرَ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ رَأْيِك وَحْدَك فِي الْفُرْقَةِ، قَالَ: فَضَحِكَ عَلِيٌّ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: وَقَدْ سُرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِ الْقَائِفِ فِي أُسَامَةَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"3، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْفَرَائِضِ"، وَمُسْلِمٌ فِي "الرَّضَاعِ"، وَأَبُو دَاوُد فِي "اللِّعَانِ"، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الْوَلَاءِ"، وَالنَّسَائِيُّ فِي "الطَّلَاقِ"، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "الْأَحْكَامِ" كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم،
1 عند مالك في "الموطأ - في عتق أمهات الأولاد، وجامع القضاء في العتاقة" ص 226.
2 عند الدارقطني في "باب المكاتب" ص 482.
3 عند البخاري في "الفرائض - باب القائف" ص 1001 - ج 2، وفي "باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم" ص 502 - ج 1، وفي "باب مناقب زيد بن حارثة" ص 528 - ج 1، وعند مسلم في "الرضاع - باب العمل بالحاق القائف الولد" ص 471 - ج 1، وعند أبي داود في "اللعان - باب في القافة" ص 309 - ج 1، وعند ابن ماجه فيه: ص 171 - ج 1، وعند الترمذي في "الولاء - باب ما جاء في القافة" ص 36 - ج 2، وعند النسائي في "الطلاق - باب القافة" ص 111 - ج 2.
ذَاتَ يَوْمٍ مَسْرُورًا فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ، وَعِنْدِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَرَأَى أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَزَيْدًا، وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ، وَقَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا، وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ: هَذِهِ أَقْدَامٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: كَانَ أُسَامَةُ أَسْوَدَ، وَكَانَ زَيْدٌ أَبْيَضَ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، قَالَتْ: دَخَلَ قَائِفٌ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَاهِدٌ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مُضْطَجِعَانِ، فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَسُرَّ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي وَلَدٍ، فَدَعَا عُمَرُ الْقَائِفَةَ، وَاقْتَدَى فِي ذَلِكَ بِبَصَرِ الْقَائِفَةِ، وَأَلْحَقَهُ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَسُرُورُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رُوِيَ - لِأَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَطْعَنُونَ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ، وَكَانَ قَوْلُ الْقَائِفِ مُقْطِعًا لِطَعْنِهِمْ، فَسُرَّ بِهِ.
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَتَبَ إلَى شُرَيْحٍ فِي هَذِهِ الحادثة، لبسا، فليس عَلَيْهِمَا، وَلَوْ بَيَّنَا لَبُيِّنَ لَهُمَا، وَهُوَ ابْنُهُمَا يَرِثُهُمَا وَيَرِثَانِهِ، وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُ ذلك، قلت: الحارثة هِيَ أَمَةٌ كَانَتْ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ أَتَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِنَقْصٍ يَسِيرٍ، أَخْرَجَهُ عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ فِي رَجُلَيْنِ وَطِئَا جَارِيَةً فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَجَاءَتْ بِغُلَامٍ، فَارْتَفَعَا إلَى عُمَرَ، فَدَعَا لَهُ ثَلَاثَةً مِنْ الْقَافَةِ، فَاجْتَمَعُوا عَلَى أَنَّهُ أَخَذَ الشَّبَهَ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَكَانَ عُمَرُ قَائِفًا يَقُوفُ، فَقَالَ: قَدْ كَانَتْ الْكَلْبَةُ يَنْزُوا عَلَيْهَا الأسود الأصفر وَالْأَحْمَرُ، فَيُؤَدِّي إلَى كُلِّ كَلْبٍ شَبَهٌ، وَلَمْ أَكُنْ أَرَى هَذَا فِي النَّاسِ حَتَّى رَأَيْت هَذَا، فَجَعَلَهُ عُمَرُ لَهُمَا يَرِثُهُمَا وَيَرِثَانِهِ، وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ مُنْقَطِعٌ، وَمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: رَأَى الْقَائِفَةُ، وَعُمَرُ جَمِيعًا شَبَهَهُ فِيهِمَا، وَشَبَهَهُمَا فِيهِ، فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ بَيْنَكُمَا يَرِثُكُمَا وَتَرِثَانِهِ، قَالَ: فَذَكَرْت ذَلِكَ لِابْنِ الْمُسَيِّبِ، فَقَالَ: نَعَمْ، هُوَ لِلْآخِرِ مِنْهُمَا، انْتَهَى.
وَأَمَّا أَثَرُ عَلِيٍّ: فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ" 1 عَنْ سِمَاكٍ عَنْ مَوْلَى لِبَنِي مَخْزُومٍ، قَالَ: وَقَعَ رَجُلَانِ عَلَى جَارِيَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَعَلِقَتْ الْجَارِيَةُ فَلَمْ يُدْرَ مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ، فَأَتَيَا عَلِيًّا، فَقَالَ: هُوَ بَيْنَكُمَا يَرِثُكُمَا وَتَرِثَانِهِ، وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْكُمَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: أَتَاهُ رَجُلَانِ وَقَعَا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ، فَقَالَ: الْوَلَدُ بَيْنَكُمَا، وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْكُمَا، انْتَهَى. وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: يَرْوِيهِ سِمَاكٌ عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ لَمْ
1 باب حكم الولد إذا ادعاه الرجلان" ص 294 - ج 2.