المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الغنائم وقسمتها - نصب الراية - جـ ٣

[الجمال الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الحج

- ‌مدخل

- ‌فَصْلٌ فِي الْمَوَاقِيتِ

- ‌بَابُ الْإِحْرَامِ

- ‌بَابُ الْقِرَانِ

- ‌بَابُ التَّمَتُّعِ

- ‌باب الجنايات

- ‌بَابُ الْإِحْصَارِ

- ‌بَابُ الْفَوَاتِ

- ‌بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ

- ‌بَابُ الْهَدْيِ

- ‌كِتَابُ النكاح

- ‌مدخل

- ‌فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ

- ‌بَابُ فِي الْأَوْلِيَاءِ والأكفاء

- ‌بَاب الْمَهْر

- ‌بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ

- ‌بَابُ نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ

- ‌بَابُ الْقَسْمِ

- ‌‌‌كِتَابُ الرَّضَاعِ

- ‌كِتَابُ الرَّضَاعِ

- ‌كِتَابُ الطلاق

- ‌السنة في الطلاق

- ‌باب إيقاع الطلاق

- ‌فَصْلٌ فِي تَشْبِيهِ الطَّلَاقِ

- ‌بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ

- ‌فَصْلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ

- ‌بَابُ الرَّجْعَةِ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ

- ‌بَابُ الْإِيلَاءِ

- ‌بَابُ الْخُلْعِ

- ‌بَابُ الظِّهَارِ

- ‌بَابُ اللِّعَانِ

- ‌بَابُ الْعِنِّينِ

- ‌باب العدة

- ‌بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ

- ‌بَابُ حضانة الولد ومن أَحَقُّ بِهِ

- ‌بَابُ النَّفَقَةِ

- ‌كِتَابُ الْعِتْقِ

- ‌فضل العتق

- ‌بَابٌ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بَعْضُهُ

- ‌بَابُ التَّدْبِيرِ

- ‌بَابُ الِاسْتِيلَادِ

- ‌كِتَابُ الأيمان

- ‌من حلف يمينا كاذبا

- ‌بَابُ مَا يَكُونُ يَمِينًا، وَمَا لَا يَكُونُ يَمِينًا

- ‌فَصْلٌ فِي الْكَفَّارَةِ

- ‌بَابُ الْيَمِينِ فِي الْخُرُوجِ وَالْإِتْيَانِ وَالرُّكُوبِ

- ‌بَابُ الْيَمِينِ فِي الْكَلَامِ

- ‌بَابُ الْيَمِينِ فِي الْعِتْقِ

- ‌بَابُ الْيَمِينِ في الصلاة والصوم والحج

- ‌كِتَابُ الْحُدُودِ

- ‌مدخل

- ‌باب الوطء الذي يوجب الحد

- ‌بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا

- ‌بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ

- ‌بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ

- ‌كِتَابُ السرقة

- ‌مدخل

- ‌بَابُ مَا يُقْطَعُ فِيهِ وَمَا لَا يُقْطَعُ

- ‌فَصْلٌ فِي الحرز

- ‌فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ

- ‌كِتَابُ السير

- ‌مدخل

- ‌بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ

- ‌بَابُ الْمُوَادَعَةِ

- ‌بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا

- ‌فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ

- ‌فَصْلٌ في التنقيل

- ‌باب استيلاء الكفار

- ‌بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ:

- ‌بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ

- ‌بَابُ الْجِزْيَةِ

- ‌بَابُ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ

- ‌بَابُ الْبُغَاةِ

- ‌كِتَابُ اللَّقِيطِ

- ‌كِتَابُ اللُّقَطَةِ

- ‌كِتَابُ الْإِبَاقِ

- ‌كِتَابُ الْمَفْقُود

- ‌كِتَابُ الشَّرِكَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَقْفِ

الفصل: ‌باب الغنائم وقسمتها

‌بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا

الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَإِذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً عَنْوَةً، فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ قَسَمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَيْبَرَ، قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"1، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلَا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبَّانًا 2 لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ قَرْيَةٌ إلَّا قَسَمْتهَا كَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ، وَلَكِنْ أَتْرُكُهَا لَهُمْ خِزَانَةً، يَقْتَسِمُونَهَا، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ يَقُولُ: لَوْلَا أَنْ تترك آخِرَ النَّاسِ لَا شَيْءَ لَهُمْ، مَا افْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ قَرْيَةً إلَّا قَسَمْتهَا سُهْمَانًا، كَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ سُهْمَانًا، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ فِي "بَابِ الْقَسَامَةِ" أَنَّهُ عليه السلام أَقَرَّ خَيْبَرَ عَلَى أَهْلِهَا، وَوَضَعَ عَلَيْهِمْ الْخَرَاجِ، قِيلَ: إنَّ الطَّحَاوِيَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَلْيُنْظَرْ.

أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ 3 - فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ" عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ، نِصْفًا لِنَوَائِبِهِ، وَنِصْفًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": إسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَيَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَهُوَ أَحَدُ الثِّقَاتِ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ قَسَمَهَا عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا، جَمْعُ كُلِّ منهم مِائَةُ سَهْمٍ، فَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِلْمُسْلِمِينَ النِّصْفُ مِنْ ذَلِكَ، وَعَزَلَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ لِمَنْ نَزَلَ بِهِ مِنْ الْوُفُودِ، وَالْأُمُورِ، وَنَوَائِبِ النَّاسِ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ خَيْبَرَ قَسَمَهَا سِتَّةً وَثَلَاثِينَ سَهْمًا جَمْعًا، فَعَزَلَ لِلْمُسْلِمِينَ الشَّطْرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، يَجْمَعُ كُلُّ سَهْمٍ مِائَةً،

1 عند البخاري في "المغازي - في غزوة خيبر" ص 608 - ج 2.

2 قوله: "ببانا" - بفتح موحدة أولى، وتشديد ثانية، وبنون - أي شيئاَ واحداً، وقيل: مستوياً، أي لولا أترك الذين بعدنا فقراء مستوين في الفقر لقسمت أراضي القرى مفتوحة بين الغانمين، فأتركها وقفاً مؤبداً باسترضائهم، كالخزانة يقتسمونها، كل وقت إلى يوم القيامة، انتهى. كذا في "هوامش البخاري" ص 608 - ج 2، نقلاً عن "مجمع البحار" للمحدث الفتني الهندي.

3 عند أبي داود في "الخراج - باب ما جاء في حكم أرض خيبر" ص 69 - ج 2.

ص: 397

وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَهُمْ لَهُ سَهْمٌ، كَسَهْمِ أَحَدِهِمْ، وَعَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَهُوَ الشَّطْرُ لِنَوَائِبِهِ، وَمَا يَنْزِلُ بِهِ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ ذَلِكَ الْوَطِيحَ، وَالْكَتِيبَةَ، وَالسَّلَالِمَ، وتوابعها، فلما صارت الأمور بِيَدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُمَّالٌ يَكْفُونَهُمْ عَمَلَهَا، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيَهُودَ، فَعَامَلَهُمْ، انْتَهَى. زَادَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ": فَعَامَلَهُمْ عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبِي بَكْرٍ، حَتَّى كَانَ عُمَرُ، فَكَثُرَ الْعُمَّالُ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَقَوُوا على العمل، فأجلا عُمَرُ الْيَهُودَ إلَى الشَّامِ، وَقَسَمَ الْأَمْوَالَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إلَى الْيَوْمِ، انْتَهَى. وَبَشِيرُ بْنُ يَسَارٍ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ، يَرْوِي عَنْ أَنَسٍ، وَغَيْرِهِ يَرْوِي هَذَا الْخَبَرَ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَبَعْضُ أَصْحَابِ يَحْيَى يَقُولُ فِيهِ: عَنْ بَشِيرٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمِنْهُمْ مَنْ يُرْسِلُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُرَقِّعِ، قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ قَسَمَهَا عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، فَجَعَلَ لِكُلِّ مِائَةٍ سَهْمًا، وَهِيَ مُخْضَرَّةٌ مِنْ الْفَوَاكِهِ، فَوَقَعَ النَّاسُ عَلَى الْفَاكِهَةِ، فَأَخَذَتْهُمْ الْفَاكِهَةُ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إنَّ الْحُمَّى قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ، فَإِذَا هِيَ أَخَذَتْكُمْ فَبَرِّدُوا لَهَا الْمَاءَ فِي الشِّنَانِ، ثُمَّ صُبُّوهَا عَلَيْكُمْ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ - يَعْنِي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ - قَالَ: فَفَعَلُوا، فَذَهَبَتْ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ فِي "سِيرَتِهِ عُيُونِ الْأَثَرِ": اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَدِينَةِ إذَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، هَلْ تُقْسَمُ أَرْضُهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، كَسَائِرِ الْغَنَائِمِ، أَوْ تُوقَفُ؟ فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقْسِمَهَا كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَرْضِ خَيْبَرَ، أَوْ يُقِرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا، وَيَضَعَ عَلَيْهِمْ الْخَرَاجَ، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ، فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَبِالْأَوَّلِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ، وَبِالثَّانِي أَخَذَ مَالِكٌ، نَفْعًا لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الْبُخَارِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خَيْبَرَ قُسِمَتْ كُلَّهَا سُهْمَانًا، وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 1 عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ شِهَابٍ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم افْتَتَحَ خَيْبَرَ عَنْوَةً بَعْدَ الْقِتَالِ، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ نَحْوُهُ، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَزَا خَيْبَرَ، فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً، وَجَمَعَ السَّبْيَ، قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي "مَغَازِيهِ": وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي أَرْضِ خَيْبَرَ أَنَّهَا كَانَتْ عَنْوَةً، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَسَمَ جَمِيعَ أَرْضِهَا عَلَى الْغَانِمِينَ، وَهُمْ أَهْلُ الْحُدَيْبِيَةِ، وَرَوَى مُوسَى

1 الأحاديث المذكورة في كلام أبي الفتح اليعمري، وابن عبد البر المعزوة إلى أبي داود، هي عنده في "باب حكم أرض خيبر".

ص: 398

بْنُ عُقْبَةَ، وَغَيْرُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ بَعْضَهَا كَانَ عَنْوَةً، وَبَعْضَهَا كَانَ صُلْحًا، قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَهَذَا وَهْمٌ، وَإِنَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْحِصْنَيْنِ اللَّذَيْنِ أَسْلَمَهُمَا أَهْلَهُمَا فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ، وَهُمَا الْوَطِيحُ وَالسَّلَالِمُ، كَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا حَاصَرَ أَهْلَ خَيْبَرَ فِي حِصْنِهِمْ الْوَطِيحِ، وَالسَّلَالِمِ، حَتَّى إذَا أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ سَأَلُوهُ أَنْ يُسَيِّرَهُمْ، وَأَنْ يَحْقِنَ لَهُمْ دِمَاءَهُمْ، فَفَعَلَ، فَحَازَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْأَمْوَالَ وجمع الْحُصُونِ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَيْنِك الْحِصْنَيْنِ، فَلَمَّا نَزَلَ أَهْلُ خَيْبَرَ عَلَى ذَلِكَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعَامِلَهُمْ فِي الْأَمْوَالِ عَلَى النِّصْفِ، وَقَالُوا: نَحْنُ أَعْلَمُ بِهَا مِنْكُمْ، فَصَالَحَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى النِّصْفِ، عَلَى أَنَّا إذَا شِئْنَا أَنْ نُخْرِجَكُمْ أَخْرَجْنَاكُمْ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ أَهْلُ ذَيْنِك الْحِصْنَيْنِ مَغْنُومَيْنِ ظُنَّ أَنَّ ذَلِكَ صُلْحٌ، وَلَعَمْرِي إنَّهُ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ لَضَرْبٌ مِنْ الصُّلْحِ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَتْرُكُوا أَرْضَهُمْ، إلَّا بِالْحِصَارِ وَالْقِتَالِ، فَكَانَ حُكْمُ أَرْضِهِمَا كَحُكْمِ سَائِرِ أَرْضِ خَيْبَرَ كُلِّهَا عَنْوَةً غَنِيمَةً مَقْسُومَةً بَيْنَ أَهْلِهَا قَالَ وَرُبَّمَا شُبِّهَ عَلَى هَذَا الْقَائِلُ بِحَدِيثِ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ عليه السلام قَسَمَ خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ، نِصْفًا لَهُ، وَنِصْفًا لِلْمُسْلِمِينَ، قَالَ: وَهَذَا إنْ صَحَّ، فَمَعْنَاهُ أَنَّ النِّصْفَ لَهُ مَعَ سَائِرِ مَنْ وَقَعَ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ مَعَهُ، لِأَنَّهَا قُسِمَتْ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا، فَوَقَعَ سَهْمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَطَائِفَةٍ مَعَهُ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَوَقَعَ سَائِرُ النَّاسِ فِي بَاقِيهَا، وَكُلُّهُمْ مِمَّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ، ثُمَّ خَيْبَرَ، وَلَيْسَتْ الْحُصُونُ الَّتِي أَسْلَمَهَا أَهْلُهَا بَعْدَ الْحِصَارِ وَالْقِتَالِ صُلْحًا، وَلَوْ كَانَتْ صُلْحًا لَمَلَكَهَا أَهْلُهَا، كَمَا يَمْلِكُ أَهْلُ الصُّلْحِ أَرْضَهُمْ، وَسَائِرَ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ: فَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، دُونَ مَا قَالَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْهُ، انْتَهَى كَلَامُ أَبِي عُمَرَ. قَالَ أَبُو الْفَتْحِ: وَيَتَرَجَّحُ مَا قَالَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَغَيْرُهُ: إنَّ بَعْضَ خَيْبَرَ كَانَ صُلْحًا، بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ خَيْبَرَ كَانَ بَعْضُهَا عَنْوَةً وَبَعْضُهَا صُلْحًا، وَالْكَتِيبَةُ أَكْثَرُهَا كَانَ عَنْوَةً، وَفِيهَا صُلْحٌ، قُلْت لِمَالِكٍ: وَمَا الْكَتِيبَةُ؟ قَالَ: أَرْضُ خَيْبَرَ، وَهِيَ أَرْبَعُونَ أَلْفَ عِذْقٍ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم افتتح بَعْضَ خَيْبَرَ عَنْوَةً، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَبَعْضِ وَلَدِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةً، قَالُوا: بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ تَحَصَّنُوا، فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ، وَيُسَيِّرَهُمْ، فَفَعَلَ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ أَهْلُ فَدَكَ، فَنَزَلُوا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، قَالَ: وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَحْسِبُهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَاتَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ، فَغَلَبَ عَلَى النَّخْلِ وَالْأَرْضِ، وَأَلْجَأَهُمْ إلَى قَصْرِهِمْ، فَصَالَحُوهُ عَلَى أَنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّفْرَاءَ وَالْبَيْضَاءَ وَالْحَلَقَةَ، وَلَهُمْ مَا حَمَلَتْ رِكَابُهُمْ عَلَى أَنْ لَا يَكْتُمُوا، وَلَا يُغَيِّبُوا شَيْئًا، فَإِنْ فَعَلُوا فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ، وَلَا عَهْدَ، فَغَيَّبُوا مِسْكًا لِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَقَدْ كَانَ قُتِلَ قَبْلَ خَيْبَرَ، كَانَ احْتَمَلَهُ مَعَهُ يَوْمَ بَنِي النَّضِيرِ حِينَ أُجْلِيَتْ النَّضِيرُ، فِيهِ حُلِيُّهُمْ،

ص: 399

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِسَعْيَةَ بْنِ عَمْرٍو: " أَيْنَ مِسْكُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ؟ " قَالَ: أَذْهَبَتْهُ الْحُرُوبُ وَالنَّفَقَاتُ، فَوَجَدُوا الْمِسْكَ، فَقَتَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ابْنَيْ أَبِي الْحَقِيقِ، وَسَبَى نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ، وَأَرَادَ أَنْ يُجْلِيَهُمْ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ دَعْنَا نَعْمَلْ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ، وَلَنَا الشَّطْرُ مَا بَدَأَ لَكُمْ، وَلَكُمْ الشَّطْرُ، وَزَادَ الْبَلَاذِرِيُّ فِيهِ: قَالَ: فَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَعْيَةَ بْنَ عَمْرٍو إلَى الزُّبَيْرِ، فَمَسَّهُ بِعَذَابٍ، فَقَالَ: رَأَيْت حُيَيًّا يَطُوفُ فِي هَذِهِ الْخَرِبَةِ، فَفَتَّشُوهَا، فَوَجَدُوا الْمِسْكَ، فَقَتَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ابْنَيْ أَبِي الْحَقِيقِ، وَأَحَدُهُمَا زَوْجُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَسَبَى نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ، وَقَسَمَ أَمْوَالَهُمْ، لِلنَّكْثِ الَّذِي نَكَثُوا، فَفِي هَذَا أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا، وَأَنَّ الصُّلْحَ اُنْتُقِضَ، فَصَارَتْ عَنْوَةً، ثُمَّ خَمَّسَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَسَمَهَا، وَفِي رِوَايَةِ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ الْمُرْسَلَةِ: أَنَّهُ عليه السلام عَزَلَ شَطْرَهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ مِنْهَا الْوَطِيحُ، وَالسَّلَالِمُ، وَالْكَتِيبَةُ الَّتِي كَانَ بَعْضُهَا صُلْحًا وَبَعْضُهَا عَنْوَةً، وَقَدْ تَكُونُ غَلَبَ عَلَيْهَا حُكْمُ الصُّلْحِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَقْسِمْ فِيمَا قَسَمَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَالْوَطِيحُ، وَالسَّلَالِمُ، لَمْ يَجْرِ لَهُمَا ذِكْرٌ صَرِيحٌ فِي الْعَنْوَةِ، فَصَارَ هَذَا الْقَوْلُ قَوِيًّا، انْتَهَى كَلَامُ أَبِي الْفَتْحِ رحمه الله.

قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ أَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا، وَوَضَعَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ، وَعَلَى أَرَاضِيهِمْ الْخَرَاجَ، هَكَذَا فَعَلَ عُمَرُ رضي الله عنه بِسَوَادِ الْعِرَاقِ بِمُوَافَقَةٍ مِنْ الصحابة، ولم يحمل مَنْ خَالَفَهُ، قُلْت: رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ - فِي تَرْجَمَةِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ" أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ "ح" وَأَخْبَرَنَا مُخْبِرٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُيَسَّرِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَجَّهَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ عَلَى خَرَاجِ السَّوَادِ، وَرِزْقُهُ كُلَّ يَوْمٍ رُبْعُ شَاةٍ وَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَمْسَحَ السَّوَادَ عَامِرَهُ وَغَامِرَهُ، وَلَا يَمْسَحَ سَبْخَةً، وَلَا تَلًّا، وَلَا أَجَمَةً، وَلَا مُسْتَنْقَعَ مَاءٍ، وَلَا مَا لَا يَبْلُغُهُ الْمَاءُ، فَمَسَحَ عُثْمَانُ كُلَّ شَيْءٍ دُونَ الْجَبَلِ - يَعْنِي حُلْوَانَ - إلَى أَرْضِ الْعَرَبِ - وَهُوَ أَسْفَلُ الْفُرَاتِ - وَكَتَبَ إلَى عُمَرَ: إنِّي وَجَدْت كُلَّ شَيْءٍ بَلَغَهُ الْمَاءُ مِنْ عَامِرٍ وَغَامِرٍ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفَ جَرِيبٍ، وَكَانَ ذِرَاعُ عُمَرَ الَّذِي مَسَحَ بِهِ السَّوَادَ ذِرَاعًا وَقَبْضَةً، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: أَنْ افْرِضْ الْخَرَاجَ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ، عَمَلَهُ صَاحِبُهُ، أَوْ لَمْ يَعْمَلْهُ، دِرْهَمًا وَقَفِيزًا، وَافْرِضْ عَلَى الْكَرْمِ، وَعَلَى كُلِّ جَرِيبٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى الرِّطَابِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَأَطْعِمْهُمْ النَّخْلَ وَالشَّجَرَ، وَقَالَ: هَذَا قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى عِمَارَةِ بِلَادِهِمْ، وَفَرَضَ عَلَى رِقَابِهِمْ، عَلَى الْمُوسِرِ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى مَنْ دُونَ ذَلِكَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى مَنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَقَالَ: دِرْهَمٌ لَا يُعْوِزُ رَجُلًا فِي كُلِّ شَهْرٍ، وَرَفَعَ عَنْهُمْ الرِّقَّ بِالْخَرَاجِ الَّذِي وَضَعَهُ فِي رِقَابِهِمْ، وَجَعَلَهُمْ أَكَرَةً فِي الْأَرْضِ، فَحُمِلَ مِنْ خَرَاجِ سَوَادِ الْكُوفَةِ إلَى عُمَرَ

ص: 400

فِي أَوَّلِ سَنَةٍ، ثَمَانُونَ أَلْفَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ حُمِلَ مِنْ قَابِلٍ، مِائَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ زَنْجُوَيْهِ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ" حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ أَنْبَأَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ 1 عَنْ الشَّعْبِيِّ "ح" وَأَنْبَأَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ "ح"، قَالَ الْهَيْثَمُ: وَأَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ، قَالُوا: وَجَّهَ عُمَرُ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ، الْحَدِيثَ.

الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قَتَلَ مِنْ الْأُسَارَى، قُلْت: فِي الْبَابِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ خَطَلٍ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ، وَعَلَى رَأْسِهِ مِغْفَرٌ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ، زَادَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا نَرَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا، انْتَهَى.

وَحَدِيثُ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ "الْأَرْبَعَةِ" 3 عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْهُ، قَالَ: كُنْت فِيمَنْ أُخِذَ مِنْ سَبْيِ قُرَيْظَةَ، فَكَانُوا يَقْتُلُونَ مَنْ أَنْبَتَ، وَيَتْرُكُونَ مَنْ لَمْ يُنْبِتْ، فَكُنْت فِيمَنْ تُرِكَ، انْتَهَى. وَيُنْظَرُ "أَطْرَافُ الصَّحِيحِ".

حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ" أَخْبَرَنَا أبو علي الرودباري ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ ثَنَا ابْنُ أَبِي مُرَّةَ ثَنَا الْمُقْرِي ثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، فَقَطَعُوا أَكْحَلَهُ، فَحَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّارِ، فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ، فَتَرَكَهُ، فَنَزَفَهُ الدَّمُ، فَحَسَمَهُ أُخْرَى، فَانْتَفَخَتْ، فَلَمَّا رَأَى سَعْدٌ ذَلِكَ، قَالَ: اللَّهُمَّ لَا تُخْرِجْ نَفْسِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَاسْتَمْسَكَ عِرْقَهُ، فَمَا قَطَرَ قَطْرَةً حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَحَكَمَ أَنْ يُقْتَلَ رِجَالُهُمْ، وتسبى نساءهم، وَذَرَارِيِّهِمْ يَسْتَعِينُ بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِسَعْدٍ:" لَقَدْ أَصَبْت حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ"، وَكَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَتْلِهِمْ انْفَتَقَ عَرَقُهُ، فَمَاتَ، انْتَهَى. وَيُنْظَرُ "الْأَطْرَافُ"، وَأَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، فَذَكَرَ قِصَّةَ قُرَيْظَةَ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ اسْتَنْزَلُوا - يَعْنِي أُسَارَى قُرَيْظَةَ - فَحَبَسَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ فِي دَارِ

1 عبد الله بن عياش بن عبد الله بن الهمداني، يكنى أبا الجراح، روى عن الشعبي، وغيره، روى عنه الهيثم ابن عدي، ذكره في "اللسان" ص 322 - ج 3، وقال في "التقريب": عبد الله بن عياش، ويقال له: ابن عباس أيضاً، انتهى.

2 عند البخاري في "المغازي - باب غزوة الفتح في رمضان" ص 612 - ج 2، وعند مسلم في "الحج - باب تحريم مكة" ص 439 - ج 1.

3 عند الترمذي في "السير - باب ما جاء في النزول على الحكم" ص 205 - ج 1.

ص: 401

زَيْنَبَ بِنْتِ الْحَارِثِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى مَوْضِعٍ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ، فَخَنْدَقَ فِيهِ خَنْدَقًا، ثُمَّ بَعَثَ إلَيْهِمْ فَكَانَ يُؤْتَى بِهِمْ أَرْسَالًا، فَتُضْرَبُ أَعْنَاقُهُمْ فِي ذَلِكَ الْخَنْدَقِ، وَالْمُكَثِّرُ لَهُمْ يَقُولُ: مَا بَيْنَ الثَّمَانِمِائَةِ وَالتِّسْعِمِائَةِ، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ" عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَاثَةً مِنْ قُرَيْشٍ صَبْرًا: الْمُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ، وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"، وَقَالَ: هَكَذَا يَقُولُ هُشَيْمِ: الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ وَهُوَ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا هُوَ طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيٍّ، وَهُوَ أَخُو الْمُطْعِمِ، وَأَهْلُ الْمَغَازِي يُنْكِرُونَ قَتْلَ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ يَوْمَئِذٍ، وَيَقُولُونَ: مَاتَ بِمَكَّةَ قَبْلَ بَدْرٍ، وَاَلَّذِي قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَخُو طُعَيْمَةَ، وَلَمْ يُقْتَلْ صَبْرًا، وَإِنَّمَا قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ، ويصدق هذا الحديث الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ حِينَ كَلَّمَهُ فِي الْأُسَارَى:"شَيْخٌ لَوْ كَانَ أَتَانَا شَفَّعْنَاهُ" - يَعْنِي أَبَاهُ مُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ - فَكَيْفَ يَكُونُ مَقْتُولًا يَوْمَئِذٍ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِيهِ ذَلِكَ، انْتَهَى.

قَوْلُهُ: وَفِي "السِّيَرِ الْكَبِيرِ" أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ - يَعْنِي فِدَاءَ أسرى المشركين بمال يأخذ مِنْهُمْ - إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ، اسْتِدْلَالًا بِأُسَارَى بَدْرٍ، قُلْت: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ1 عَنْ أَبِي زُمَيْلٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى الْمُشْرِكِينَ، وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَثُمِائَةٍ وَسَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، إلَى أَنْ قَالَ: فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ، وَأَسَرُوا سَبْعِينَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ:" مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ، أَرَى أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً، فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، وَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أرى أن نضرب أَعْنَاقُهُمْ، فَهَوَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوِ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ وَجَدَ عُمَرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَاعِدًا يَبْكِي، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ:"أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُك مِنْ أَخْذِهِمْ الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} إلَى قوله تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا} فَأَحَلَّ اللَّهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ، مُخْتَصَرٌ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد2، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حَبِيبٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي الْعَنْبَسِ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ فِدَاءَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعَمِائَةٍ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَرَوَاهُ أَبُو بَحْرٍ الْبَكْرَاوِيُّ عَنْ شُعْبَةَ، وَأَبُو الْعَنْبَسِ هَذَا هُوَ الْأَكْثَرُ، لَا يُسَمَّى، انْتَهَى.

1 عند مسلم في "الجهاد" ص 93 - ج 2.

2 عند أبي داود في "المغازي - باب في فداء الأسير بالمال" ص 10 - ج 2.

ص: 402

حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: اسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ:"إنَّ اللَّهَ قَدْ أَمْكَنَكُمْ مِنْهُمْ"، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ، قَالَ: فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ عَادَ عليه السلام، فَقَالَ:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَمْكَنَكُمْ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا هُمْ إخْوَانُكُمْ بِالْأَمْسِ"، فَقَالَ عُمَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ عليه السلام، ثُمَّ عَادَ عليه السلام، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى أَنْ تَعْفُوَ عَنْهُمْ، وَأَنْ تَقْبَلَ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ، قَالَ: فَذَهَبَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ مِنْ الْغَمِّ، ثُمَّ عَفَا عَنْهُمْ، وَقَبِلَ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ:{لَوْلَا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} الْآيَةَ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْفِدَاءَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعَةَ آلَافٍ لِكُلِّ رَجُلٍ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى، سَأَلْت نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ، كَيْفَ كَانَ الْفِدَاءُ يَوْمَ بَدْرٍ؟ قَالَ: أَرْفَعُهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ إلَى ثَلَاثَةِ آلَافٍ، إلَى أَلْفَيْنِ، إلَى أَلْفٍ، إلَى قَوْمٍ لَا مَالَ لَهُمْ، مَنَّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّ الْمُطَّلِبَ بْنَ أَبِي وَدَاعَةَ، أُسِرَ أَبُوهُ أَبُو وَدَاعَةَ يَوْمَئِذٍ، فَفَدَاهُ ابْنُهُ الْمُطَّلِبُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، مُخْتَصَرٌ. حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ: وَأُسِرَ يَوْمَئِذٍ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي وَجْزَةَ، أَسَرَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَدِمَ فِي فِدَائِهِ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَافْتَدَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ، انْتَهَى. وَحَدَّثَنِي أَيُّوبُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: وَأُسِرَ يَوْمَئِذٍ أَبُو عَزِيزِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَهُوَ أَخُو مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ لِأَبِيهِ، وَأُمِّهِ، وَقَعَ فِي يَدِ مُحْرِزِ بْنِ فَضْلَةَ، فَقَالَ مُصْعَبٌ لِمُحْرِزٍ: اُشْدُدْ يَدَيْك بِهِ، فَإِنَّ لَهُ أُمًّا بِمَكَّةَ كَثِيرَةَ الْمَالِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَزِيزٍ: هَذِهِ وَصَاتُك بِي يَا أَخِي؟ فَقَالَ: إنَّ مُحْرِزًا أَخِي دُونَك، فَبَعَثَتْ أُمُّهُ عَنْهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ، قَالَ: وَالسَّائِبُ بْنُ أَبِي حُبَيْشِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى أَسَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَائِذِ بْنِ أَسَدٍ أَسَرَهُ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ، وَسَالِمُ بْنُ سَمَاحَ أَسَرَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَدِمَ فِي فِدَائِهِمْ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي حُبَيْشٍ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ لِكُلِّ رَجُلٍ، قَالَ: وَخَالِدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَأُمَيَّةُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَسَرَهُ بِلَالٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَدِمَ فِي فِدَائِهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، فَافْتَدَاهُمْ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ لِكُلِّ رَجُلٍ، قَالَ: وَالْوَلِيدُ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَسَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ، فَقَدِمَ فِي فِدَائِهِ أَخَوَاهُ خَالِدٌ، وَهِشَامٌ ابْنَا الْوَلِيدِ، فَافْتَدَيَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ، ثُمَّ خَرَجَا بِهِ، حَتَّى بَلَغَا بِهِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَرَجَعَ الْوَلِيدُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَسْلَمَ، قَالَ: وَقَيْسُ بْنُ السَّائِبِ أَسَرَهُ عَبْدَةُ بْنُ الْحِسْحَاسِ، فَقَدِمَ فِي فِدَائِهِ أَخُوهُ فَرْوَةُ

ص: 403

بْنُ السَّائِبِ، فَافْتَدَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فِيهَا عَرَضٌ، قَالَ: وَأَبُو الْمُنْذِرِ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ أُسِرَ، فَافْتَدَى بِأَلْفَيْنِ، وَعَبْدُ اللَّهِ أَبُو عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ أَسَرَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَافْتَدَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، قَالَ: وَفَرْوَةُ بْنُ خُنَيْسِ1 بْنِ حُذَافَةَ أَسَرَهُ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ، قَدِمَ فِي فِدَائِهِ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، فَافْتَدَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، قَالَ: وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرِو بْنِ شَمْسٍ أَسَرَهُ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُمِ، فَقَدِمَ فِي فِدَائِهِ مُكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ، وَكَانَ لِسُهَيْلٍ مَالٌ بِمَكَّةَ، فَقَالَ لَهُمْ مُكْرَزٌ: احْبِسُونِي مَكَانَهُ، وَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَخَلَّوْا سَبِيلَ سُهَيْلٍ وَحَبَسُوا مُكْرَزَ بْنَ حَفْصٍ. وَبَعَثَ سُهَيْلٌ بِالْمَالِ مَكَانَهُ مِنْ مَكَّةَ. مُخْتَصَرٌ مِنْ كَلَامٍ طَوِيلٍ.

أَحَادِيثُ الْخُصُومِ فِي الْمُفَادَاةِ بِالْأُسَارَى: وَاسْتُدِلَّ لِلشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ فِي جَوَازِ الْمُفَادَاةِ بِالْأَسَارَى بِأَحَادِيثَ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 2 عَنْ إيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ، أَمَّرَهُ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَغَزَوْنَا فَزَارَةَ، فَلَمَّا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَاءِ سَاعَةٌ، أَمَرَنَا أَبُو بَكْرٍ فَعَرَّسْنَا، ثُمَّ شَنَّ الْغَارَةَ، ثُمَّ نَظَرْت إلَى عُنُقٍ فِيهِمْ الذَّرَارِيُّ، فَخَشِيتُ أَنْ يَسْبِقُونِي إلَى الْجَبَلِ، فَرَمَيْتُ بِسَهْمٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْجَبَلِ، فَلَمَّا رَأَوْا السَّهْمَ وَقَفُوا، فَجِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ، وَفِيهِمْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ، عَلَيْهَا قَشْعٌ مِنْ أُدْمٍ، وَالْقَشْعُ: النِّطَعُ، مَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، فَسُقْتُهُمْ حَتَّى أَتَيْت بِهِمْ أَبَا بَكْرٍ، فَنَفَّلَنِي ابْنَتَهَا، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي السُّوقِ، فَقَالَ لِي:" يَا سَلَمَةَ، هَبْ لِي الْمَرْأَةَ لِلَّهِ أَبُوك"، فَقُلْتُ: هِيَ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَوَاَللَّهِ مَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا، فَبَعَثَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى مَكَّةَ، فَفَدَى بِهَا نَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، كَانُوا أُسِرُوا بِمَكَّةَ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ 3 عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَى رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، انْتَهَى. بِلَفْظِ التِّرْمِذِيِّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَطَوَّلَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد بِقِصَّةِ الْعَضْبَاءِ، أَخْرَجَاهُ فِي "كِتَابِ النُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ".

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَنَّ عَلَى بَعْضِ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ، قُلْت: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" 4 مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَصَابَ جَارِيَتَيْنِ مِنْ سَبْيِ حُنَيْنٍ، فَوَضَعَهُمَا فِي بَعْضِ بُيُوتِ مَكَّةَ، قَالَ: فَمَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى سَبْيِ حُنَيْنٍ، فَجَعَلُوا يَسْعَوْنَ

1 قلت: وفي "السيرة - لابن هشام - في باب من أسر من قريش يوم بدر" فروة بن قيس.

2 عند مسلم في "الجهاد - باب فداء المسلمين بالأسارى" ص 89 - ج 2.

3 عند مسلم في "النذور والأيمان" ص 45 - ج 2، وعند أبي داود فيه "باب النذر فيما لا يملك" ص 113 - ج 2، وعند الترمذي في "السير - باب ما جاء في قتل الأسارى والفداء" ص 203 - ج 2.

4 عند البخاري في "الجهاد - باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم" ص 445 - ج 1.

ص: 404

فِي السِّكَكِ، قَالَ عُمَرُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، اُنْظُرْ مَا هَذَا؟ فَقَالَ: مَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّبْيِ، قَالَ: اذْهَبْ، فَأَرْسِلْ الْجَارِيَتَيْنِ، مُخْتَصَرٌ، هَذَا مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ، وَاَلَّذِي بَعْدَهُ حَدِيثُ الْكِتَابِ.

وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَأْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 1 عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: " لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ"، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"2 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بِمَالٍ، وَبَعَثَ فِيهِ بِقِلَادَةٍ كَانَتْ خَدِيجَةُ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ حِينَ بَنَى عَلَيْهَا، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:" إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا فَافْعَلُوا"، قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَفَعَلُوا، وَأَطْلَقُوهُ، وَرَدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - فِي الْمَغَازِي" وَزَادَ فِيهِ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِ أَنْ يُخَلِّيَ زَيْنَبَ إلَيْهِ، فَفَعَلَ، انْتَهَى. وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ"3 حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي الْمُنْذِرُ بْنُ سَعْدٍ مَوْلَى بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى عَنْ عِيسَى بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ كَانَ فِيمَنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَسَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النُّعْمَانِ الْأَنْصَارِيُّ، فَلَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسَارَاهُمْ قَدِمَ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ أَخُوهُ عَمْرُو بْنُ الرَّبِيعِ، وَبَعَثَتْ مَعَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ بِقِلَادَةٍ لَهَا، كَانَتْ لِخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، فَأَدْخَلَتْهَا عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْقِلَادَةِ، فَبَعَثَتْ بِهَا فِي فِدَاءِ زَوْجِهَا أَبِي الْعَاصِ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقِلَادَةَ عَرَفَهَا، فَرَّقَ لَهَا، وَتَرَحَّمَ عَلَى خَدِيجَةَ، وَقَالَ:" إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا مَتَاعَهَا فَافْعَلُوا"، قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَطْلَقُوا أَبَا الْعَاصِ، وَرَدُّوا عَلَى زَيْنَبَ قِلَادَتَهَا، وَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي الْعَاصِ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهَا إلَيْهِ، فَوَعَدَهُ ذَلِكَ وَفَعَلَ، انْتَهَى. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَهَذَا عِنْدَنَا أَثْبَتُ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَنَّ زَيْنَبَ هَاجَرَتْ مَعَ أَبِيهَا صلى الله عليه وسلم، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "النِّكَاحِ" أَنَّ زَيْنَبَ هَاجَرَتْ مَعَ أَبِيهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي "السِّيرَةِ - فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ الْكُبْرَى": قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمَّنْ سَمَّى لَنَا مِنْ

1 عند البخاري في "الجهاد - باب ما منّ النبي صلى الله عليه وسلم على الأسارى من غير أن يخمس" ص 443 - ج 1.

2 عند أبي داود في "المغازي - باب في فداء الأسير بالمال" ص 11 - ج 2، وفي "المستدرك - في المغازي" ص 23 - ج 3.

3 عند أبن سعد في "ترجمة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم" ص 20 - ج 8.

ص: 405

أُسَارَى بَدْرٍ مِمَّنْ مُنَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ فِدَاءٍ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ، مَنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَنْ بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِفِدَائِهِ، وَرَدَّهُ عَلَيْهَا، وَالْمُطَّلِبُ بْنُ حَنْطَبٍ أَسَرَهُ أَبُو أَيُّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَخَلَّى سَبِيلَهُ، فَلَحِقَ بِقَوْمِهِ، وَصَيْفِيُّ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بَقِيَ فِي يَدَيْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ فِي فِدَائِهِ أَخَذُوا عَلَيْهِ لِيَبْعَثُوا إلَيْهِمْ بِفِدَائِهِ، فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ، فَلَمْ يَفِ لَهُمْ بِشَيْءٍ، وَأَبُو عَزَّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ جُمَحَ الْجُمَحِيُّ، كَانَ مُحْتَاجًا ذَا بَنَاتٍ، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَنَّ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُظَاهِرَ عَلَيْهِ أَحَدًا، وَامْتَدَحَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِأَبْيَاتٍ ذَكَرَهَا، ثُمَّ أَعَادَ خَبَرُهُ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَزَادَ: فَقَالَ لَهُ يَوْمًا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِلْنِي، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" وَاَللَّهِ لَا تَمْسَحُ عَارِضَيْك بِمَكَّةَ بَعْدَهَا، تَقُولُ: خَدَعْت مُحَمَّدًا مَرَّتَيْنِ، يَا زُبَيْرُ اضْرِبْ عُنُقَهُ"، فَضَرَبَ الزُّبَيْرُ عُنُقَهُ، انْتَهَى. وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْأَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ أَبَا عَزَّةَ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ الْجُمَحِيَّ، وَكَانَ شَاعِرًا، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ لِي خَمْسُ بَنَاتٍ لَيْسَ لَهُنَّ شَيْءٌ، وَأَنَا أُعْطِيك مَوْثِقًا لَا أُقَاتِلُك، وَلَا أُكَثِّرُ عَلَيْك أَبَدًا، فَتَصَدَّقْ بِي عَلَيْهِنَّ يَا مُحَمَّدُ، فَأَعْتَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ جَاءَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، فَقَالَ لَهُ: اُخْرُجْ مَعَنَا، وَضَمِنَ لَهُ إنْ قُتِلَ أَنْ يَجْعَلَ بَنَاتِهِ مَعَ بَنَاتِهِ، وَإِنْ عَاشَ أَعْطَاهُ مَالًا كَثِيرًا، فَخَرَجَ مَعَهُمْ، وَجَعَلَ يَدْعُو الْعَرَبَ وَيَحْشُرُهَا، فَأُسِرَ، وَلَمْ يُؤْسَرْ مِنْ قُرَيْشٍ غَيْرُهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إنَّمَا أُخْرِجْت كُرْهًا، وَلِي بَنَاتٌ فَامْنُنْ عَلَيَّ، قَالَ:" لَا وَاَللَّهِ لَا تَمْسَحُ عَارِضَيْك بِمَكَّةَ، تَقُولُ: سَخِرْت بِمُحَمَّدٍ مَرَّتَيْنِ، يَا عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ اضْرِبْ عُنُقَهُ"، فَقَدَّمَهُ عَاصِمٌ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ، انْتَهَى. وَحَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ يَحْيَى1 عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ قَالَ: وَأُسِرَ يَوْمَئِذٍ مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ رَجُلَانِ: السَّائِبُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَعُبَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، وَكَانَ لَا مَالَ لَهُمَا، وَلَمْ يَقْدُمْ فِي فِدَائِهِمَا أَحَدٌ، فَأَرْسَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِغَيْرِ فِدْيَةٍ، انْتَهَى. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِي عُفَيْرٍ، قَالَ: وَعَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ صَارَ فِي سَهْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْقُرْعَةِ، كَانَ أَسَرَهُ عَلِيٌّ، فَأَرْسَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِغَيْرِ فِدْيَةٍ، انْتَهَى. قَالَ: وَوَهْبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ خَلَفٍ أَسَرَهُ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ الزُّرَقِيُّ، فَقَدِمَ أَبُوهُ فِي فِدَائِهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبِ بْنِ خَلَفٍ، فَأَسْلَمَ، فَأَرْسَلَ لَهُ ابْنَهُ بِغَيْرِ فِدَاءٍ.

الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ذَبْحِ الشَّاةِ إلَّا لِمَأْكَلَةٍ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثْتُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَعَثَ جُيُوشًا إلَى الشَّامِ، فَخَرَجَ يَتْبَعُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَ: إنِّي أُوصِيك بِعَشْرٍ: لَا تَقْتُلَنَّ

1 وفي - نسخة [س]- "عائذ بن يحيى".

ص: 406

صَبِيًّا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا كَبِيرًا هَرِمًا، وَلَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا، وَلَا تَعْقِرَنَّ شَاةً، وَلَا بَقَرَةً، إلَّا لِمَأْكَلَةٍ، وَلَا تُخَرِّبَنَّ عَامِرًا، وَلَا تُغَرِّقَنَّ نَخْلًا، وَلَا تُحَرِّقَنَّهُ، وَلَا تَجْبُنْ1، وَلَا تَغْلُلْ، انْتَهَى. وَهُوَ فِي "مُوَطَّإِ مَالِكٍ 2 - فِي أَوَّلِ الْجِهَادِ"، وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعَثَ جُيُوشًا، إلَى آخِرِهِ.

قَوْلُهُ: بِخِلَافِ التَّحْرِيقِ، قَبْلَ الذَّبْحِ، فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: فَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْثٍ، فَقَالَ لَنَا:" إنْ وَجَدْتُمْ فُلَانًا وَفُلَانًا، فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ"، فَلَمَّا خَرَجْنَا دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:" إنْ وَجَدْتُمْ فُلَانًا وَفُلَانًا، فَاقْتُلُوهُمَا وَلَا تَحْرِقُوهُمَا، فَإِنَّهُ لَا يُعَذِّبُ بِهَا إلَّا اللَّهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَسَمَّى الرَّجُلَيْنِ، فَقَالَ فِيهِ: فَقَالَ: "إنْ وَجَدْتُمْ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ. وَنَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَحَرِّقُوهُمَا بِالنَّارِ"، قَالَ: وَكَانَا قَدْ نَخَسَا بِزَيْنَبِ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ خَرَجَتْ مِنْ مَكَّةَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ تَزَلْ ضَنِيَّةً حَتَّى مَاتَتْ، فَلَمَّا خَرَجْنَا دَعَانَا، الْحَدِيثَ، وَطَوَّلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ"، وَفِيهِ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ خَرَجَتْ ابْنَتُهُ زَيْنَبُ تُرِيدُ أَنْ تَلْحَقَ بِأَبِيهَا مُخْتَفِيَةً، فَأَدْرَكَهَا هَبَّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَنَافِعُ بْنُ قَيْسٍ الْفِهْرِيُّ، فَرَوَّعَاهَا بِالرُّمْحِ، وَهِيَ فِي هَوْدَجِهَا حَتَّى صَرَعَاهَا، وَأَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا، وَأُهْرِيقَتْ دَمًا، وَكَانَتْ تَحْتَ أَبِي الْعَاصِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ" طَوَّلَهُ، وَقَالَ فِيهِ: وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَتَلَ أَخَوَيْ هَبَّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ يَوْمَ بَدْرٍ، زَمْعَةَ، وَعَقِيلَ ابْنَيْ الْأَسْوَدِ.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا 3 فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ أَنَّ عَلِيًّا أَتَى بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أُحْرِقْهُمْ، لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ"، وَلَقَتَلَتْهُمْ، لِقَوْلِهِ عليه السلام:"مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ"، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 4 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَى حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتْ الْحُمَّرَةُ، فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا، رُدُّوهُ عَلَيْهَا"، وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا، فَقَالَ:"مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ؟ " قُلْنَا: نَحْنُ، قَالَ:"إنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ"، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ، وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَهُ عَنْهُ فِي "جَامِعِهِ".

1 وفي - نسخة [س]- "ولا تخن".

2 عند مالك في "الموطأ - باب النهي عن قتل النساء والولدان في الغزو" ص 167.

3 عند البخاري في "كتاب استتابة المرتدين - باب حكم المرتد والمرتدة" ص 1023 - ج 2.

4 عند أبي داود في "المغازي - باب في كراهية حرق العدو بالنار" ص 7 - ج 2.

ص: 407

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حِبَّانَ، قَالَ: كُنْت عِنْدَ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، فَأَخَذَتْ بُرْغُوثًا فَأَلْقَتْهُ فِي النَّارِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ.

الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَنْعِ جَوَازِ قَسْمِ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، قَالَ: لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي مَعْنَى الْقِسْمَةِ، فَكَمَا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ كَذَلِكَ لَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ.

الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: " الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ"، ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْمَشْهُورُ وَقْفُهُ عَلَى عُمَرَ، قُلْت: غَرِيبٌ مَرْفُوعًا، وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى عُمَرَ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ غَزَوْا نَهَاوَنْدَ، فَأَمَدَّهُمْ أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَعَلَيْهِمْ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَظَهَرُوا، فَأَرَادَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ أَنْ لَا يَقْسِمُوا لِأَهْلِ الْكُوفَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الْأَجْدَعُ، تُرِيدُ أَنْ تُشَارِكَنَا فِي غَنَائِمِنَا؟! وَكَانَتْ أُذُنُهُ جُدِعَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: خَيْرَ أُذُنَيْ سَبَبْت، ثُمَّ كَتَبَ إلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ عُمَرُ: إنَّ الْغَنِيمَةَ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وقل: هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ بَخْتَرِيِّ بْنِ مُخْتَارٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَبَخْتَرِيٌّ هَذَا لَا أَعْلَمُ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا، انْتَهَى.

أَحَادِيثُ الْقِسْمَةِ لِمَنْ غَابَ عَنْ الْوَقْعَةِ: لِمَذْهَبِنَا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فِي "الصَّحِيحَيْنِ"1 عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْهُ قَالَ: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ، فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إلَيْهِ، أَنَا وَأَخَوَانِ لِي، أَنَا أَصْغَرُهُمْ: أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ، وَالْآخَرُ أَبُو رُهْمٍ، فِي بِضْعٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي، فَرَكِبْنَا سَفِينَةً، فَأَلْقَتْنَا إلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأَصْحَابَهُ عِنْدَهُ، فَقَالَ جَعْفَرٌ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بعثنا ههنا، وَأَمَرَنَا بِالْإِقَامَةِ، فَأَقِيمُوا مَعَنَا، فَأَقَمْنَا حَتَّى قَدِمْنَا، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، فَأَسْهَمَ لَنَا، وَلَمْ يُسْهِمْ لِأَحَدٍ غَابَ عَنْ فَتْحِ خَيْبَرَ، إلَّا أَصْحَابَ سَفِينَتِنَا، مُخْتَصَرٌ. وَحَمَلَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّهُمْ شَهِدُوا قَبْلَ جواز الْغَنَائِمِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ": إنَّمَا أَعْطَاهُمْ

1 عند البخاري في "المغازي - باب غزوة خيبر" ص 607 - ج 2، وعند مسلم "باب في فضائل جعفر، وأهل سفينتهم" ص 304 - ج 2.

ص: 408

مِنْ خُمُسِ خُمُسِهِ عليه السلام لِيَسْتَمِيلَ بِهِ قُلُوبَهُمْ، وَلَمْ يُعْطِهِمْ مِنْ الْغَنِيمَةِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا فَتْحَهُ، انْتَهَى.

حَدِيثُ الْخَصْمِ: وَلِلشَّافِعِيَّةِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَبَانًا عَلَى سَرِيَّةٍ مِنْ الْمَدِينَةِ قِبَلَ نَجْدٍ، فَقَدِمَ أَبَانُ، وَأَصْحَابُهُ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، بعد ما افْتَتَحَهَا، إلَى أَنْ قَالَ: فَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ، مُخْتَصَرٌ.

الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام فِي طَعَامِ خَيْبَرَ: "كُلُوهَا، وَاعْلِفُوهَا، وَلَا تَحْمِلُوهَا"،قُلْت: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ" أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْخَلِيلِ ثَنَا الْوَاقِدِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ: "كُلُوا، وَاعْلِفُوا، وَلَا تَحْتَمِلُوا"، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" بِغَيْرِ هَذَا السَّنَدِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا انْتَهَيْنَا إلَى الْحِصْنِ، وَالْمُسْلِمُونَ جِيَاعٌ، إلَى أَنْ قَالَ: فَوَجَدْنَا وَاَللَّهِ فِيهِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ مَا لَمْ يَظُنَّ أَنَّ هُنَاكَ من الشعير، والثمر، وَالسَّمْنِ، وَالْعَسَلِ، وَالزَّيْتِ، وَالْوَدَكِ، وَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" كُلُوا، وَاعْلِفُوا، وَلَا تَحْتَمِلُوا"، يَقُولُ: وَلَا تَخْرُجُوا بِهِ إلَى بِلَادِكُمْ، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَأْخُذُونَ مُدَّةَ مَقَامِهِمْ طَعَامَهُمْ، وَعَلْفَ دَوَابِّهِمْ، لَا يَمْتَنِعُ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ، مُخْتَصَرٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَيُعَارِضُهُ حَدِيثٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 2 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ ابْنَ حَرْشَفٍ الْأَزْدِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ الْقَاسِمِ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: كُنَّا نَأْكُلُ الْجَزَرَ فِي الْغَزْوِ، وَلَا نَقْسِمُهُ، حَتَّى إنْ كُنَّا لَنَرْجِعُ إلَى رِحَالِنَا، وَأَخْرِجَتُنَا مِنْهُ مَمْلُوءَةٌ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَسَنَدُ الْآخَرِ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ "فِي كِتَابِهِ": وَابْنُ حَرْشَفٍ هَذَا لَا أَعْرِفُهُ مَوْجُودًا فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الرِّجَالِ الَّتِي هِيَ مَظَانُّ ذِكْرِهِ، فَهُوَ مَجْهُولٌ جِدًّا، انْتَهَى.

أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ، قَالَ: دُلِّيَ جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ، فَالْتَزَمْته، ثُمَّ قُلْت: لَا أُعْطِي مِنْ هَذَا الْيَوْمِ أَحَدًا شَيْئًا، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَبَسَّمُ، انْتَهَى. وَزَادَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ في "مسنده": وقال له عليه السلام: "هُوَ لَك"، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ

1 عند البخاري في "غزوة خيبر" ص 608 - ج 2.

2 عند أبي داود في "المغازي - باب في حمل الطعام من أرض العدو" ص 13 - ج 2.

3 عند البخاري في "الجهاد" ص 446 - ج 1، وعند مسلم في "الجهاد" ص 97 - ج 2.

ص: 409

فِي "كِتَابِهِ": وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مُفِيدَةٌ، لأنها نص من إبَاحَةٍ لَهُ، وَهِيَ صَحِيحَةُ الْإِسْنَادِ، فَإِنَّهُ رَوَاهَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْعَبْسِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ هِلَالٍ الْعَدَوِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، فَذَكَرَهُ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا1، عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ، وَالْعِنَبَ، فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُجَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: قُلْت: هَلْ كُنْتُمْ تُخَمِّسُونَ - يَعْنِي الطَّعَامَ - فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: أَصَبْنَا طَعَامًا يَوْمَ خَيْبَرَ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا يَكْفِيهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي زُرْعَةَ ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْعَانِيُّ ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْعَاقِلِيُّ 3 ثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"عَشْرٌ مُبَاحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فِي مَغَازِيهِمْ: الْعَسَلُ، وَالْمَاءُ، وَالْمِلْحُ، وَالطَّعَامُ، وَالْخَلُّ، وَالزَّبِيبُ، وَالْجِلْدُ الطَّرِيُّ، وَالْحَجَرُ، وَالْعُودُ مَا لَمْ يَنْحِتْ"، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ مَوْقُوفٌ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ هَانِئِ بْنِ كُلْثُومٍ أَنَّ صَاحِبَ جَيْشِ الشَّامِ كَتَبَ إلَى عُمَرَ: إنَّا فَتَحْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ، فَكَرِهْت أَنْ أَتَقَدَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلا بأمرك، فكتب إليهم، دَعْ النَّاسَ يَأْكُلُونَ وَيَعْلِفُونَ، فَمَنْ بَاعَ شَيْئًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَفِيهِ خُمُسُ اللَّهِ، وَسِهَامُ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ فَهُوَ لَهُ"، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ يس الزَّيَّاتِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ في "الكامل"، وأعله بيس، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ، وَقَالَ: عَامَّةُ أَحَادِيثِهِ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ إنَّمَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلًا، انْتَهَى. وَمُرْسَلُ عُرْوَةَ قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ"، قَالَ: وَهُوَ مُرْسَلٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى.

1 عند البخاري في "الجهاد" ص 446 - ج 1.

2 عند أبي داود في "المغازي - باب في النهي عن النهبى" ص 13 - ج 2.

3 وفي - نسخة [س]- "العاملي".

ص: 410

أَحَادِيثُ الْبَابِ: قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ1 بَابُ إذَا أَسْلَمَ القوم فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَهُمْ مَالٌ وَأَرْضُونَ، فَهِيَ لَهُمْ" وَسَاقَ بِسَنَدِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَعْمَلَ مَوْلًى لَهُ، يُقَالُ لَهُ: هَنِيُّ عَلَى الْحِمَى، فَقَالَ: يَا هَنِيُّ اُضْمُمْ جَنَاحَك عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِينَ، فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ، وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَالْغَنِيمَةِ، وَإِيَّايَ، وَنَعْمَ ابن العوف، وَنَعْمَ ابْنَ عَفَّانِ، فَإِنَّهُمَا إنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى نَخْلٍ، وَزَرْعٍ، وَإِنَّ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَالْغَنِيمَةِ إنْ تهلك ماشيتهما، يأتيني ببينة، فَيَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا لَا أَبَا لَك، فَالْمَاءُ وَالْكَلَأُ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَأَيْمُ اللَّهِ إنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أني قد ظلمتهم، وإنها لَبِلَادُهُمْ، قَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلَا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عليه وفي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْت عَلَيْهِمْ مِنْ بِلَادِهِمْ شِبْرًا، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ2 فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ" عَنْ أَبَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ صَخْرِ بْنِ الْعَيْلَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَزَا ثَقِيفًا، فَلَمَّا أَنْ سَمِعَ بِذَلِكَ صَخْرٌ رَكِبَ فِي خَيْلٍ يَمُدُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ انْصَرَفَ، وَلَمْ يَفْتَحْ، فَجَعَلَ صَخْرٌ حِينَئِذٍ عَهْدَ الله وذمته لَا يُفَارِقَ هَذَا الْقَصْرَ حَتَّى يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَتَبَ إلَيْهِ صَخْرٌ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ ثَقِيفًا قَدْ نَزَلَتْ عَلَى حُكْمِك يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَا مُقْبِلٌ إلَيْهِمْ، وَهُمْ فِي خَيْلٍ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالصَّلَاةِ جَامِعَةً، فَدَعَا لِأَحْمَسَ عَشْرَ دَعَوَاتٍ، " اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأَحْمَسَ فِي خَيْلِهَا وَرِجَالِهَا"، فَأَتَاهُ الْقَوْمُ، فَتَكَلَّمَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّ صَخْرًا أَخَذَ عَمَّتِي، وَدَخَلَتْ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ، فَدَعَاهُ، فَقَالَ:" يَا صَخْرُ إنَّ الْقَوْمَ إذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ، فَادْفَعْ إلَى الْمُغِيرَةِ عَمَّتَهُ"، فَدَفَعَهَا إلَيْهِ، وَسَأَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَاءً لِبَنِي سُلَيْمٍ، قَدْ هَرَبُوا عَنْ الْإِسْلَامِ، وَتَرَكُوا ذَلِكَ الْمَاءَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَنْزِلْنِيهِ أَنَا وَقَوْمِي، قَالَ: نَعَمْ، فَأَنْزَلَهُ، وَأَسْلَمَ - يَعْنِي السُّلَمِيِّينَ - فَأَتَوْا صَخْرًا، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرْفَعَ إلَيْهِمْ الْمَاءَ، فَأَبَى، فَأَتَوْا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَسْلَمْنَا، وَأَتَيْنَا صَخْرًا لِيَدْفَعَ إلَيْنَا مَاءَنَا، فَأَبَى عَلَيْنَا، فَدَعَاهُ، فَقَالَ:" يَا صَخْرُ إنَّ الْقَوْمَ إذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَادْفَعْ إلَى الْقَوْمِ مَاءَهُمْ"، قَالَ: نَعَمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَرَأَيْت وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَغَيَّرُ

1 عند البخاري في "الجهاد - باب إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال" ص 430 - ج 1.

2 عند أبي داود في "الخراج - باب في إقطاع الأرضين" ص 80 - ج 2.

ص: 411