المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الْحُدُودِ ‌ ‌مدخل … كتاب الحدود الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام، لِلَّذِي قَذَفَ امْرَأَتَهُ: - نصب الراية - جـ ٣

[الجمال الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الحج

- ‌مدخل

- ‌فَصْلٌ فِي الْمَوَاقِيتِ

- ‌بَابُ الْإِحْرَامِ

- ‌بَابُ الْقِرَانِ

- ‌بَابُ التَّمَتُّعِ

- ‌باب الجنايات

- ‌بَابُ الْإِحْصَارِ

- ‌بَابُ الْفَوَاتِ

- ‌بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ

- ‌بَابُ الْهَدْيِ

- ‌كِتَابُ النكاح

- ‌مدخل

- ‌فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ

- ‌بَابُ فِي الْأَوْلِيَاءِ والأكفاء

- ‌بَاب الْمَهْر

- ‌بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ

- ‌بَابُ نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ

- ‌بَابُ الْقَسْمِ

- ‌‌‌كِتَابُ الرَّضَاعِ

- ‌كِتَابُ الرَّضَاعِ

- ‌كِتَابُ الطلاق

- ‌السنة في الطلاق

- ‌باب إيقاع الطلاق

- ‌فَصْلٌ فِي تَشْبِيهِ الطَّلَاقِ

- ‌بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ

- ‌فَصْلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ

- ‌بَابُ الرَّجْعَةِ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ

- ‌بَابُ الْإِيلَاءِ

- ‌بَابُ الْخُلْعِ

- ‌بَابُ الظِّهَارِ

- ‌بَابُ اللِّعَانِ

- ‌بَابُ الْعِنِّينِ

- ‌باب العدة

- ‌بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ

- ‌بَابُ حضانة الولد ومن أَحَقُّ بِهِ

- ‌بَابُ النَّفَقَةِ

- ‌كِتَابُ الْعِتْقِ

- ‌فضل العتق

- ‌بَابٌ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بَعْضُهُ

- ‌بَابُ التَّدْبِيرِ

- ‌بَابُ الِاسْتِيلَادِ

- ‌كِتَابُ الأيمان

- ‌من حلف يمينا كاذبا

- ‌بَابُ مَا يَكُونُ يَمِينًا، وَمَا لَا يَكُونُ يَمِينًا

- ‌فَصْلٌ فِي الْكَفَّارَةِ

- ‌بَابُ الْيَمِينِ فِي الْخُرُوجِ وَالْإِتْيَانِ وَالرُّكُوبِ

- ‌بَابُ الْيَمِينِ فِي الْكَلَامِ

- ‌بَابُ الْيَمِينِ فِي الْعِتْقِ

- ‌بَابُ الْيَمِينِ في الصلاة والصوم والحج

- ‌كِتَابُ الْحُدُودِ

- ‌مدخل

- ‌باب الوطء الذي يوجب الحد

- ‌بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا

- ‌بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ

- ‌بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ

- ‌كِتَابُ السرقة

- ‌مدخل

- ‌بَابُ مَا يُقْطَعُ فِيهِ وَمَا لَا يُقْطَعُ

- ‌فَصْلٌ فِي الحرز

- ‌فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ

- ‌كِتَابُ السير

- ‌مدخل

- ‌بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ

- ‌بَابُ الْمُوَادَعَةِ

- ‌بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا

- ‌فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ

- ‌فَصْلٌ في التنقيل

- ‌باب استيلاء الكفار

- ‌بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ:

- ‌بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ

- ‌بَابُ الْجِزْيَةِ

- ‌بَابُ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ

- ‌بَابُ الْبُغَاةِ

- ‌كِتَابُ اللَّقِيطِ

- ‌كِتَابُ اللُّقَطَةِ

- ‌كِتَابُ الْإِبَاقِ

- ‌كِتَابُ الْمَفْقُود

- ‌كِتَابُ الشَّرِكَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَقْفِ

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الْحُدُودِ ‌ ‌مدخل … كتاب الحدود الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام، لِلَّذِي قَذَفَ امْرَأَتَهُ:

‌كِتَابُ الْحُدُودِ

‌مدخل

كتاب الحدود

الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام، لِلَّذِي قَذَفَ امْرَأَتَهُ:"ائْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يَشْهَدُونَ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِك"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَبِمَعْنَاهُ مَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" 1 حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ الْجَرْمِيِّ ثَنَا مَخْلَدٍ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَوَّلُ لعان فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ شَرِيكَ ابْنَ سَحْمَاءَ قَذَفَهُ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ بِامْرَأَتِهِ، فَرَفَعَتْهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَرْبَعَةُ شُهُودٍ، وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِك"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنِّي لَصَادِقٌ، وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ عَلَيْك مَا يُبْرِئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل آيَةَ اللِّعَانِ، وَلَاعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "اللِّعَانِ" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْهُ، أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ ابن سحماء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:" الْبَيِّنَةَ، وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِك"، الْحَدِيثَ.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 2 فِي "اللِّعَانِ" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا، أُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟! قَالَ:"نَعَمْ"، انْتَهَى. زَادَ فِي رِوَايَةٍ: قَالَ: كَلًّا، وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ، إنْ كُنْت لَأُعْجِلُهُ بِالسَّيْفِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"اسْمَعُوا إلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ، إنَّهُ لَغَيُورٌ، وَإِنِّي أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي"، انْتَهَى.

أَثَرٌ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ 3 - فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ" عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ خَيْبَرِيٍّ، وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، فَقَتَلَهُ، أَوْ قَتَلَهَا، فَأَشْكَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْقَضَاءُ فِيهِ، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، فَسَأَلَ أَبُو مُوسَى عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: إنَّ هَذَا لَشَيْءٌ مَا هُوَ بِأَرْضِي، عَزَمْت عَلَيْك لَتُخْبِرَنِّي! فَقَالَ أَبُو مُوسَى: كَتَبَ إلَيَّ فِي ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَبُو حَسَنٍ إنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ، انْتَهَى.

1 قلت: بهذا اللفظ عند البخاري في "تفسير سورة النور - باب قوله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} " الخ ص 695 - ج 2، وفي "اللعان" مختصراً "باب يبدأ الرجل بالتلاعن" ص 799 - ج 2.

2 عند مسلم في "اللعان" ص 491 - ج 1.

3 عند مالك في "الموطأ - في الأقضية - باب القضاء فيمن وجد مع امرأته رجلاً" ص 308، وفي سنده ابن خيبري، قال الزرقاني في شرح "الموطأ": هو بفتح الخاء، وسكون الياء، وفتح الراء، بعدها ألف مقصورة، انتهى.

ص: 306

قَوْلُهُ: وَالسَّتْرُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: لِمُسْلِمٍ: فِي "الْبِرِّ وَالصِّلَةِ" عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ:"لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، انْتَهَى. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْأَدَبِ"2، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الْحُدُودِ"، وَالنَّسَائِيُّ فِي "الرَّجْمِ" عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَشْتُمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، فَإِنَّ اللَّهَ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، غَرِيبٌ.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ نَشِيطٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ كَثِيرٍ أَبِي الْهَيْثَمِ، مَوْلَى عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ رَأَى عَوْرَةً فَسَتَرَهَا، كَانَ كَمَنْ أَحْيَا مَوْءُودَةً"، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مَاعِزًا أَتَى إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَقَرَّ عِنْدَهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ، وَقَالَ لِهَزَّالٍ:"لَوْ سَتَرْته بِثَوْبِك لَكَانَ خَيْرًا لَك"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَصَحَّحَهُ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَيَزِيدُ بْنُ نُعَيْمٍ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ"، وَأَبُوهُ نُعَيْمٌ ذَكَرَهُ فِي "الثِّقَاتِ" أَيْضًا، وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ، فَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ صُحْبَتُهُ، فَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ.

حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" 5 حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ بْنِ كَاسِبٍ ثَنَا مُحَمَّدُ

1 عند مسلم في "الذكر - باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن" ص 345 - ج 2، واللفظ الآخر عند مسلم في "البر والصلة" 322 - ج 2.

2 عند الترمذي في "الحدود - باب ما جاء في الستر على المسلم" ص 183 - ج 1، وعند أبي داود في "الأدب - باب المؤاخاة" ص 314 - ج 2.

3 عند أبي داود في "الأدب - باب الستر على المسلم" ص 314 - ج 2.

4 عند أبي داود في "الحدود - باب الستر أهل الحدود" ص 245 - ج 2، والحاكم في "الحدود" ص 363 - ج 4، وفيه: قال شعبة: قال يحيى: فذكرت هذا الحديث بمجلس فيه يزيد بن نعيم بن هزال، فقال يزيد: هذا هو الحق، وهو حديث جدي.

5 عند ابن ماجه في "الحدود - باب الستر على المؤمن ودفع الحدود" ص 186.

ص: 307

بْنُ عُثْمَانَ الْجُمَحِيُّ ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِي بَيْتِهِ"، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام اسْتَفْسَرَ مَاعِزًا عَنْ الْكَيْفِيَّةِ وَالْمَزْنِيَّةِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 1 عَنْ يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ قَالَ: كَانَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أَبِي، فَأَصَابَ جَارِيَةً مِنْ الْحَيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبِرْهُ مَا صَنَعْت، لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ لَك، قَالَ: فَأَتَاهُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إلَى آخِرِهِ، إنَّ مَاعِزًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي زَنَيْت، فَأَقِمْ عَلِيَّ كِتَابَ اللَّهِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَعَادَ حَتَّى قَالَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ عليه السلام:"إنَّك قَدْ قُلْتهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَبِمَنْ؟ " قَالَ: بِفُلَانَةَ، قَالَ:"هَلْ ضَاجَعْتهَا؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:"هَلْ بَاشَرْتهَا؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:"هَلْ جَامَعْتهَا؟ " قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ، فَأُخْرِجَ إلَى الْحَرَّةِ، فَلَمَّا وَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ، خَرَجَ يَشْتَدُّ، فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٌ، وَقَدْ عَجَزَ أَصْحَابُهُ، فَنَزَعَ لَهُ بِوَظِيفِ بَعِيرٍ، فَرَمَاهُ بِهِ فَقَتَلَهُ. ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:"هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ أَنْ يَتُوبَ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ؟! "، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَرَوَى حَدِيثَ مَاعِزٍ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ فِيهِ: فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ فَرُجِمَ، فَلَمْ يُقْتَلْ حَتَّى رَمَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِلِحَى بَعِيرٍ، فَقَتَلَهُ، فَأَصَابَ رَأْسَهُ، الْحَدِيثَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

حَدِيثٌ آخَرُ: فِي الِاسْتِفْسَارِ عَنْ الْكَيْفِيَّةِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الصَّامِتِ ابْنِ عَمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ الْأَسْلَمِيُّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ أَصَابَ امْرَأَةً حَرَامًا، أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ فَأَقْبَلَ فِي الْخَامِسَةِ، فَقَالَ:"أَنِكْتَهَا؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:"حَتَّى غَابَ ذَلِكَ مِنْك، فِي ذَلِكَ مِنْهَا؟ " قَالَ: نَعَمْ، "كَمَا يَغِيبُ الْمِرْوَدُ فِي الْمُكْحُلَةِ، والرشاد فِي الْبِئْرِ؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:"فَهَلْ تَدْرِي مَا الزِّنَا؟ " قَالَ: نَعَمْ، أَتَيْت مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ حَلَالًا، قَالَ:"فَمَا تُرِيدُ بِهَذَا الْقَوْلِ؟ " قَالَ: أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اُنْظُرْ إلَى هَذَا الَّذِي سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمْ تَدَعْهُ نَفْسُهُ حَتَّى رُجِمَ رَجْمَ الْكَلْبِ، فَسَكَتَ عَنْهُمَا، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً حَتَّى مَرَّ بِجِيفَةِ حِمَارٍ شَائِلٍ بِرِجْلِهِ، فَقَالَ:"أَيْنَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ؟ " فَقَالَا: نَحْنُ ذَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:"انْزِلَا فَكُلَا مِنْ جِيفَةِ هَذَا الْحِمَارِ"، قَالَا: وَمَنْ يَأْكُلُ مِنْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: "فَمَا نِلْتُمَا مِنْ عِرْضِ أَخِيكُمَا

1 عند أبي داود في "الحدود - باب في الرجم" ص 250.

ص: 308

آنِفًا أَشَدُّ مِنْ أَكْلٍ مِنْهُ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهُ الْآنَ لَفِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ يَنْغَمِسُ فِيهَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" كَذَلِكَ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هَضَّاضٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْهَضَّاضِ ابْنِ أَخِي أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ هُوَ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الصَّامِتِ، وَقَالَ فِيهِ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْهَضَّاضِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الصَّامِتِ: لَا أَرَاهُ مَحْفُوظًا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ابْنُ الْهَضَّاضِ أَصَحُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "ادرءُوا الحدود ما استطعتم". قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ 1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهَا مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَيَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَهُوَ أَصَحُّ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ يَزِيدَ بِهِ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، فَقَالَ: يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ فِيهِ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "عِلَلِهِ الْكَبِيرِ": قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ: يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، ذَاهِبٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا" مَرْفُوعًا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْمَوْقُوفُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ مُخْتَارٍ التَّمَّارِ عَنْ أَبِي مَطَرٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "ادْرَءُوا الْحُدُودَ"، انْتَهَى. وَمُخْتَارٌ التَّمَّارُ ضَعِيفٌ.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ أَبِي إسْرَائِيلَ ثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ الْفَضْلِ الْمَخْزُومِيُّ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ

1 عند الترمذي في "الحدود - باب ما جاء في درء الحدود" ص 183 - ج 1، وفي "المستدرك - في الحدود - باب إن وجدتم مخرجاً فخلوا سبيله" ص 384 - ج 4، وعند الدارقطني في "الحدود" ص 324 - ج 2.

2 في "الحدود" ص 324 - ج 2.

ص: 309

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" 1 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْجَرَّاحِ ثَنَا وَكِيعٌ بِهِ مَرْفُوعًا: ادْفَعُوا الْحُدُودَ مَا وَجَدْتُمْ لَهَا مَدْفَعًا، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَبَسَ رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ نُبَيْشَةَ.

فَحَدِيثُ مُعَاوِيَةَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 2 فِي "الْقَضَاءِ"، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الدِّيَاتِ"، وَالنَّسَائِيُّ فِي "السَّرِقَةِ" عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَبَسَ رَجُلًا فِي تُهْمَةٍ، زَادَ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ: ثُمَّ خَلَّى عَنْهُ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، قَالَ: وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَيَأْتِي بَعْدُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ الْوَهَمُ وَالْإِيهَامُ": اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، فَحَكَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ شَيْخٌ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَعَنْ أَبِي زُرْعَةَ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: صَالِحٌ، وَلَكِنْ لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ، وَجَعَلَهُ الْحَاكِمُ فِي أَقْسَامِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَقَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ، لَا يُحْتَجُّ بِهِ، لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَبَهْزٌ ثِقَةٌ عِنْدَ مَنْ عَلِمَهُ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ الْجَارُودِ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ رِوَايَتَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: رَوَى عَنْهُ ثقات الناس: كالزهري، روى عَنْهُ حَدِيثَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ أَرَ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا، وَأَرْجُو أَنَّهُ إذَا حَدَّثَ عَنْهُ ثِقَةٌ، فَلَا بَأْسَ بِحَدِيثِهِ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ السَّبْتِيُّ: إسْنَادُ بَهْزٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ صَحِيحٌ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: سَأَلْت ابْنَ مَعِينٍ، هَلْ رَوَى شُعْبَةُ عَنْ بَهْزٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَوَى عَنْهُ حَدِيثَ:"أَتَرْعَوْنَ عَنْ ذِكْرِ الْفَاجِرِ"، وَقَدْ كَانَ شُعْبَةُ مُتَوَقِّفًا عَنْهُ، فَلَمَّا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ كَتَبَهُ، وَأَبْرَأَهُ مِمَّا اتَّهَمَهُ بِهِ، قُلْت: فَكَمْ لَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ؟ قَالَ: أَحَادِيثُ، قُلْت لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: مَا تَقُولُ فِي بَهْزٍ؟ قَالَ: سَأَلْت غُنْدَرًا عَنْهُ، فَقَالَ: كان شعبة مسّه، لم يُبَيِّنْ مَعْنَاهُ، فَكَتَبْت عَنْهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ3.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"4، وَالْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَأَبُو يَعْلَى عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ خُثَيْمِ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَبَسَ رَجُلًا

1 في "الحدود - في باب الستر على المؤمن" ص 186 - ج 2.

2 عند أبو داود في "القضاء - في باب في الدين هل يحبس به" ص 155 - ج 2، وعند الترمذي في "الديات - في باب ما جاء في الحبس في التهمة" ص 182 - ج 1 بزيادة: ثم خلى عنه، وعند النسائي في "السرقة - باب امتحان السارق بالضرب والحبس" ص 254 - ج 2، وعند الحاكم في "المستدرك - في الأحكام - في باب حبس الرجل في التهمة احتياطاً" ص 102 - ج 4.

3 قلت: هذا الكلام بحذافيره مذكور في "ترجمة بهز - في التهذيب" ص 498 - ج 1.

4 في "المستدرك في الأحكام" ص 102 - ج 4.

ص: 310

فِي تُهْمَةٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً اسْتِظْهَارًا، أَوْ احْتِيَاطًا، انْتَهَى. سَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، فَقَالَ: إبْرَاهِيمُ بْنُ خُثَيْمِ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "عِلَلِهِ الْكَبِيرِ": كَانَ إبْرَاهِيمُ بْنُ خُثَيْمِ كَالْمَجْنُونِ، يَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ، وَضَعَّفَهُ جِدًّا، انْتَهَى.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابَيْهِمَا" عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ زَكَرِيَّا الْوَاسِطِيِّ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَبَسَ رَجُلًا فِي تُهْمَةٍ، انْتَهَى. قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: إبْرَاهِيمُ بْنُ زَكَرِيَّا الْوَاسِطِيُّ مَجْهُولٌ، وَحَدِيثُهُ خَطَأٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذَا بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، فَقَالَ: إبْرَاهِيمُ بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ زَكَرِيَّا الْوَاسِطِيُّ، وَهُوَ يَرْوِي أَشْيَاءَ مَوْضُوعَةً، وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَهُوَ مِمَّا يَتَفَرَّدُ بِهِ مَعْمَرٌ، انْتَهَى.

وَأَمَّا حَدِيثُ نُبَيْشَةَ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ" 1 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ ذَكْوَانَ الْبَصْرِيُّ ثَنَا أَبُو هَمَّامٍ الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَازِمِيُّ عَنْ الْمُعَلَّى بْنِ رَاشِدٍ عَنْ جَدَّتِهِ عَنْ نُبَيْشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ، انْتَهَى. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرْنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي غِفَارٍ حَتَّى نَزَلَا مَنْزِلًا بِضَجَنَانَ، مِنْ مِيَاهِ الْمَدِينَةِ، وَعِنْدَهُمَا نَاسٌ مِنْ غَطَفَانَ، مَعَهُمْ ظَهْرٌ لَهُمْ، فَأَصْبَحَ الْغَطَفَانِيُّونَ، وَقَدْ فَقَدُوا بَعِيرَيْنِ مِنْ إبِلِهِمْ، فَاتَّهَمُوا الْغِفَارِيِّينَ، فَأَتَوْا بِهِمْ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَذَكَرُوا لَهُ أَمْرَهُمْ، فَحَبَسَ أَحَدَ الْغِفَارِيِّينَ، وَقَالَ لِلْآخَرِ:" اذْهَبْ فَالْتَمِسْ"، فَلَمْ يَكُ يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ بِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَحَدِ الْغِفَارِيِّينَ - حَسِبْت أَنَّهُ قَالَ لِلْمَحْبُوسِ -: اسْتَغْفِرْ لِي، فَقَالَ: غَفَرَ اللَّهُ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ عليه السلام:"وَلَك، وَقَتَلَك فِي سَبِيلِهِ"، قَالَ: فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ فِي الْبَابِ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 2 عن بقية بن صفوان عن عَمْرٍو عَنْ أَزْهَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ قَوْمًا سُرِقَ لَهُمْ مَتَاعٌ، فَاتَّهَمُوا أُنَاسًا مِنْ الْحَاكَّةِ، فَأَتَوْا النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، صَاحِبَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَحَبَسَهُمْ أَيَّامًا، ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُمْ، فَأَتَوْا النُّعْمَانَ، فَقَالُوا: خَلَّيْت سَبِيلَهُمْ بِغَيْرِ ضَرْبٍ، وَلَا امْتِحَانٍ،

1 قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ص 203 - ج 4: حديث نبيشة، عند الطبراني في "الأوسط" وفيه من لم أعرفه، انتهى.

2 عند أبي داود في "حد السرقة - في باب الامتحان بالضرب" ص 246 - ج 2.

ص: 311

فَقَالَ النُّعْمَانُ: إنْ شِئْتُمْ ضَرَبْتهمْ، فَإِنْ خَرَجَ مَتَاعُكُمْ فَذَاكَ، وإلا أخذت من ظهورهم مِثْلَهُ، فَقَالُوا: هَذَا حُكْمُك؟ قَالَ: هَذَا حُكْمُ اللَّهِ، وَحُكْمُ رَسُولِهِ، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": أَحْسَنُ حَدِيثِ بَقِيَّةَ مَا كَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ أَنَّهُ عليه السلام أَخَّرَ إقَامَةَ الْحَدِّ، إلَى أَنْ تَمَّ الْإِقْرَارُ مِنْهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، قُلْت: أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَنَادَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي زَنَيْت، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَتَنَحَّى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي زَنَيْت، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، حَتَّى ثَنَّى ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:" أَبْكِ جُنُونٌ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ:"فَهَلْ أُحْصِنْت؟ " قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ"، فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ، فَأَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ، فَرَجَمْنَاهُ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 2 عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: رَأَيْت مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ جِيءَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، رَجُلٌ قَصِيرٌ أَعْضَلُ لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ، فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَنَّهُ زَنَى، فَقَالَ عليه السلام، "فَلَعَلَّك كَذَا؟ " قَالَ: لَا وَاَللَّهِ، إنَّهُ قَدْ زَنَى، قَالَ: فَرَجَمَهُ، ثُمَّ خَطَبَ، فَقَالَ:" أَلَا كُلَّمَا نَفَرْنَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَخَلَّفَ أَحَدُهُمْ، لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التيس، يمنح إحداهن الكبثة، أَمَا وَاَللَّهِ إنْ يُمَكِّنِّي من أحدهم لأنكلته"، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا 3 عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ، فَقَالَ:"أَحَقٌّ مَا بَلَغَنِي عَنْك؟ " قَالَ: وَمَا بَلَغَك عَنِّي؟ قَالَ: "بَلَغَنِي أَنَّك فَجَرْت بِأَمَةِ آلِ فُلَانٍ؟ " قَالَ: نَعَمْ، فَرَدَّهُ حَتَّى شَهِدَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَمَرَ بِرَجْمِهِ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا 4 عَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذْ جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي زَنَيْت، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي، فَقَالَ عليه السلام:"ارْجِعْ"، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ أَتَاهُ أَيْضًا فَاعْتَرَفَ عِنْدَهُ بِالزِّنَا، فَقَالَ لَهُ:"ارْجِعْ"، ثُمَّ عَادَ الثَّالِثَةَ، فَاعْتَرَفَ عِنْدَهُ بِالزِّنَا، ثُمَّ رَجَعَ الرَّابِعَةَ فَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَحُفِرَ لَهُ حُفْرَةٌ، فَجُعِلَ فِيهَا إلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهُ، قَالَ بُرَيْدَةَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَصْحَابَ نَبِيِّ اللَّهِ أَنَّ مَاعِزًا لَوْ جَلَسَ فِي رَحْلِهِ بَعْدَ اعْتِرَافِهِ

1 عند مسلم في "الحدود - باب حد الزنا" ص 66 - ج 2، وعند البخاري في "كتاب المحاربين - في باب سؤال الامام المقرّ، هل أحصنت" ص 1008 - ج 2.

2 في "حد الزنا" ص 66 - ج 2.

3 في "حد الزنا" ص 67 - ج 2.

4 عند مسلم فيه: ص 68 - ج 2.

ص: 312

ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَطْلُبْهُ، وَإِنَّمَا رَجَمَهُ عِنْدَ الرَّابِعَةِ، انْتَهَى. وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد1، وَالنَّسَائِيُّ فِيهِ: قَالَ: كُنَّا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَتَحَدَّثُ أَنَّ الْغَامِدِيَّةَ، وَمَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ لَوْ رَجَعَا بَعْدَ اعْتِرَافِهِمَا لَمْ يَطْلُبْهُمَا، وَإِنَّمَا رَجَمَهُمَا بَعْدَ الرَّابِعَةِ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاعْتَرَفَ بِالزِّنَا، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ اعْتَرَفَ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، حَتَّى شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام:"أَبِكَ جُنُونٌ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ:"هَلْ أُحْصِنْت؟ " قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، زَادَ الْبُخَارِيُّ: فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْرًا، وَصَلَّى عَلَيْهِ، انْتَهَى. أَخْرَجَاهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ، وَسَيَأْتِي فِي "حَدِيثِ الصَّلَاةِ عَلَى الْغَامِدِيَّةِ".

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ فِي حِجْرِ أَبِي، فَأَصَابَ جَارِيَةً مِنْ الْحَيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبِرْهُ بِمَا صَنَعْت، لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ لَك، وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَخْرَجٌ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي زَنَيْت فَأَقِمْ عَلِيَّ كِتَابَ اللَّهِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، إلَى أَنْ أَتَاهُ الرَّابِعَةَ، فَقَالَ لَهُ:" إنَّك قَدْ قُلْتهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَبِمَنْ؟ قَالَ: بِفُلَانَةَ، قَالَ: هَلْ ضَاجَعْتهَا، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ بَاشَرْتهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ جَامَعَتْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ"، فَوَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ، فَخَرَجَ يَشْتَدُّ، فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٌ، فَنَزَعَ لَهُ بِوَظِيفِ بَعِيرٍ، فَقَتَلَهُ، وَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ"، انْتَهَى. وَزَادَ فِيهِ أَحْمَدُ: قَالَ هِشَامٌ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بن معين عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لَهُ حِينَ رَآهُ:"وَاَللَّهِ يَا هَزَّالُ لَوْ كُنْت سَتَرْته بِثَوْبِك لَكَانَ خَيْرًا لَك مِمَّا صَنَعْت بِهِ"، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": إسْنَادُهُ صَالِحٌ، وَهِشَامُ بْنُ سَعْدٍ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ مِنْ قَبْلِ حِفْظِهِ، وَيَزِيدُ بن معين رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثقات"، وأبوه نُعَيْمٍ ذَكَرَهُ فِي "الثِّقَاتِ" أَيْضًا، وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ، فَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ صُحْبَتُهُ، فَآخِرُ هَذَا الْحَدِيثِ مُرْسَلٌ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" 4 حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ

1 عند أبي داود في "حد الزنا - في باب الرجم" ص 252 - ج 2.

2 عند مسلم في "حد الزنا" ص 66 - ج 2، وعند البخاري في "كتاب المحاربين - باب الرجم بالمصلى" ص 1002 - ج 2.

3 عند أبي داود في "الحدود - باب الرجم" ص 250 - ج 2، وعند أحمد في "مسند هزال" ص 217 - ج 5.

4 عند أحمد في "مسند أبي ذر" ص 179 - ج 5.

ص: 313

عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُغِيرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمِقْدَامِ عَنْ ابْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ:"إنَّهُ زَنَى، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ ثَنَّى، ثُمَّ ثَلَّثَ، ثُمَّ رَبَّعَ، فَأَمَرَنَا فَحَفَرْنَا لَهُ، فَرُجِمَ"، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَحَجَّاجٌ فِيهِ كَلَامٌ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ هُوَ الطَّائِفِيُّ، وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَرَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمِقْدَامِ بْنُ الْمُوَرِّدِ طَائِفِيٌّ أَيْضًا، لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِجَرْحٍ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ1، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدَيْهِمَا"، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حدثنا وَكِيعٍ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاعْتَرَفَ، وَأَنَا عِنْدَهُ مَرَّةً، فَرَدَّهُ، ثُمَّ جَاءَ فَاعْتَرَفَ عِنْدَهُ الثَّانِيَةَ، فَرَدَّهُ، ثُمَّ جَاءَ، فَاعْتَرَفَ عِنْدَهُ الثَّالِثَةَ، فَرَدَّهُ، قَالَ: فَقُلْت لَهُ: إنْ اعْتَرَفْت الرَّابِعَةَ رَجَمَك، قَالَ: فَاعْتَرَفَ الرَّابِعَةَ فَحَبَسَهُ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْهُ، فقال: لَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، انْتَهَى.

أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: فِيهِ حَدِيثُ الْعَسِيفِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا: إنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْشُدُك اللَّهَ إلَّا قَضَيْت لِي بِكِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَ الْخَصْمُ الْآخَرُ، وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ: نَعَمْ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَأْذَنْ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"قُلْ "، قَالَ: إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، وَإِنِّي أُخْبِرْت أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فافتديت منه مائة شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ، فَسَأَلْت أَهْلَ الْعِلْمِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي جَلْدَ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبَ علم، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ عَلَيْك، وَعَلَى ابْنِك جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسٌ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا"، قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهَا، فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَتْ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا3: وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً، وَغَرَّبَهُ عَامًا، قَالُوا: فَعَلَّقَ رَجْمَهَا بِاعْتِرَافِهَا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْأَرْبَعَ.

حَدِيثٌ آخَرُ: وَهُوَ حَدِيثُ الْغَامِدِيَّةِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 4 عَنْ بُرَيْدَةَ فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ، قَالَ: أَتَتْ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ مِنْ الْأَزْدِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي، قَالَ:"وَيْحَكِ ارْجِعِي، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ، وَتُوبِي"، قَالَتْ: أَتُرِيدُ أَنْ ترددني، كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا؟ قَالَ:"وَمَا ذَاكَ"، قَالَتْ: إنِّي حُبْلَى مِنْ الزِّنَا،

1 عند أحمد في "مسند أبي بكر الصديق" ص 8 - ج 1.

2 عند البخاري في "كتاب المحاربين - في باب الاعتراف بالزنا" ص 1008 - ج 2، وعند مسلم في "حد الزنا" ص 69 - ج 2.

3 عند البخاري في "الأيمان والنذور - باب كيف كان يمين النبي صلى الله عليه وسلم" ص 981 - ج 2.

4 عند مسلم في "حد الزنا" ص 68 - ج 2.

ص: 314

فَقَالَ لَهَا: " حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِك"، قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: قَدْ وَضَعَتْ الْغَامِدِيَّةُ، قَالَ:"إذًا لَا نَرْجُمُهَا، وَنَدْعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا، لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ"، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: إلَيَّ رَضَاعَهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَرَجَمَهَا، انْتَهَى. قَالُوا: وَلَيْسَ فِيهِ إقْرَارُهَا أَرْبَعَ مرات، قالوا: وإنما ردد النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَاعِزًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، لِأَنَّهُ عليه السلام ظَنَّ أَنَّ فِي عَقْلِهِ شَيْئًا، لَا لِكَوْنِهِ شَرْطًا فِي وُجُوبِ الْحَدِّ، قَالُوا: وَقَدْ جَاءَ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ1، قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَصِيرٍ أَشْعَثَ ذِي عضلاة، عَلَيْهِ إزَارٌ، وَقَدْ زَنَى، فَرَدَّهُ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ اعْتَرَفَ بِالزِّنَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالُوا: وَهَذَا يُضْعِفُ الْقَوْلَ بِاشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ، وَالْجَوَابُ: أَمَّا حَدِيثُ الْعَسِيفِ، فَمَعْنَاهُ:" وَاغْدُ يَا أُنَيْسٌ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ"، الِاعْتِرَافَ الْمَعْهُودَ بِالتَّرَدُّدِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ الْغَامِدِيَّةِ: فَالرَّاوِي قَدْ يَخْتَصِرُ الْحَدِيثَ، ولا يلزم عن عَدَمِ الذِّكْرِ عَدَمُ الْوُقُوعِ، وَأَيْضًا فَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ رَدَّهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ سُلَيْمٍ ثَنَا شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ أَنَّهَا أَقَرَّتْ بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَهُوَ يَرُدُّهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا:" اذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي"، الْحَدِيثَ، وَيُرَاجَعُ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ عليه السلام ردد مَاعِزًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ بِعَقْلِهِ شَيْئًا، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّهُ عليه السلام سَأَلَ عَنْ عَقْلِهِ بعد اعتراف الرَّابِعَةَ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَحَدِيثِ جَابِرٍ الْمُخَرَّجَيْنِ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، فَلَوْ كَانَ تَكْرَارُ الْأَرْبَعَةِ إنَّمَا هُوَ لِاخْتِبَارِ عَقْلِهِ، لَمَا كَانَ فِي السُّؤَالِ عَنْهُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ فَائِدَةٌ، وَكَيْفَ! وَقَدْ رَدَّهُ عليه السلام بَعْدَ أَنْ أُخْبِرَ بِعَقْلِهِ، كَمَا أَوْرَدَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، أَنَّ مَاعِزًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَرَدَّهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ مِنْ الْغَدِ، فَرَدَّهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إلَى قَوْمِهِ، "هَلْ تَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا؟ " فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ إلَّا وَفِي الْعَقْلِ، مِنْ صَالِحِينَا، فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ أَيْضًا، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا بِعَقْلِهِ، فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً وَرَجَمَهُ، مُخْتَصَرٌ. فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْأَرْبَعَةَ مُعْتَبَرَةٌ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد فِي حَدِيثِ هَزَّالٍ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ لِمَاعِزٍ:" إنَّك قَدْ قُلْتهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ"، وَفِي لَفْظٍ لَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ:"إنَّك شَهِدْت عَلَى نَفْسِك أَرْبَعَ مَرَّاتٍ"2، وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ:"أَلَيْسَ أَنَّك قَدْ قُلْتهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ؟ " فَرَتَّبَ الرَّجْمَ عَلَى الْأَرْبَعِ، وَإِلَّا فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ قَالَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ فِي "مُسْنَدِ أَحْمَدَ" عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ اعْتِرَافِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: إنْ اعْتَرَفَتْ الرَّابِعَةَ رَجَمَك، وَهَذَا أَصْرَحُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ، لَوْلَا أَنَّ في إسناده جابر الْجُعْفِيَّ،

1 حديث جابر بن سمرة، عند مسلم: ص 66 - ج 2، وحديث أبي سعيد، عنده في: ص 67 - ج 2.

2 حديث ابن عباس، عند أبي داود في "الحدود - باب الرجم" ص 251 - ج 2.

ص: 315

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ وَرَدَ فِي "الصَّحِيحِ" أَنَّهُ رَدَّهُ مَرَّتَيْنِ، وَثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ رَدَّهُ مَرَّتَيْنِ بَعْدَ مَرَّتَيْنِ، وَاخْتَصَرَ الرَّاوِي مِنْهَا مَرَّتَيْنِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ فَاعْتَرَفَ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ، ثُمَّ قَالَ: رُدُّوهُ، فَاعْتَرَفَ مَرَّتَيْنِ، حَتَّى اعْتَرَفَ أَرْبَعًا، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ، فَارْجُمُوهُ، انْتَهَى. فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْمَرَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي "الصَّحِيحِ" هُمَا مِنْ الْأَرْبَعِ، وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ الثَّلَاثِ، أَيْ مَعَهَا رَابِعَةٌ، وَتَتَّفِقُ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام طَرَدَ مَاعِزًا فِي كُلِّ مَرَّةٍ حَتَّى تَوَارَى عَلَيْهِ بِحِيطَانِ الْمَدِينَةِ، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَبِمَعْنَاهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إنَّ الْأَبْعَدَ زَنَى، فَقَالَ لَهُ:" وَيْلَك، وَمَا يُدْرِيكَ مَا الزِّنَا؟ " فَأَمَرَ بِهِ، فَطُرِدَ، وَأُخْرِجَ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَمَرَ بِهِ، فَطُرِدَ، وَأُخْرِجَ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَمَرَ بِهِ، فَطُرِدَ، وَأُخْرِجَ، ثُمَّ أَتَاهُ الرَّابِعَةَ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ:" أَدْخَلْت وَأَخْرَجْت؟ " قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ، مُخْتَصَرٌ.

الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام لِمَاعِزٍ: " لَعَلَّك مَسَسْتَهَا، أَوْ قَبَّلْتهَا؟ "، قُلْت: رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 2 عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ الْعَدَنِيِّ ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَاعِزًا أَتَى إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ لَهُ: إنِّي أَصَبْت فَاحِشَةً، فَمَا تَأْمُرُنِي؟ فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيَسْتَغْفِرَ لَك، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ:"لَعَلَّك قَبَّلْتهَا؟ " قَالَ: لَا، قَالَ:"فَمَسَسْتهَا؟ " قَالَ: لَا، قَالَ:"فَفَعَلْت بِهَا كَذَا، أَوْ لَمْ تَكُنْ؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ" فَقَالَ: وَحَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْعَدَنِيُّ ضَعَّفُوهُ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ 3 بِلَفْظِ: "لَعَلَّك قَبَّلْت، أَوْ غَمَزْت، أَوْ نَظَرْت؟ " قَالَ: لَا، قَالَ:"أَفَنِكْتَهَا؟ " قَالَ: نَعَمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ، انْتَهَى. وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي "مُسْنَدِهِ":" لَعَلَّك قَبَّلْت، أَوْ لَمَسْت، أَوْ نَظَرْت"، الْحَدِيثَ.

1 عند أبي داود في "الحدود - باب الرجم" ص 251 - ج 2.

2 في "الحدود - باب ادرأوا الحدود ما استطعتم" ص 361 - ج 4.

3 في "كتاب المحاربين - باب هل يقول الامام للمقر: لعلك لمست، أو غمزت" ص 1008 - ج 2.

ص: 316

فَصْلٌ

الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام رَجَمَ مَاعِزًا، وَقَدْ أُحْصِنَ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ لَهُ: هَلْ أُحْصِنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ عليه السلام:" اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ"، وَلِلْبُخَارِيِّ 1 عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لَهُ:" أَبِكَ جُنُونٌ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ:"هَلْ أُحْصِنْتَ؟ " قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ، فَرُجِمَ بِالْمُصَلَّى.

الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه السلام: فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ: "وزنى بَعْدَ إحْصَانٍ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

فَأَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ: فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ 2 فِي "الْفِتَنِ" وَالنَّسَائِيُّ فِي "تَحْرِيمِ الدَّمِ"، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "الْحُدُودِ" عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَسْعَدَ بْنِ سَهْلٍ أَبِي أُمَامَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الدَّارِ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاَللَّهِ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلا بإِحدى ثلاث: زنى بَعْدَ إحْصَانٍ، وَارْتِدَادٍ بَعْدَ إسْلَامٍ، وَقَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ حَقٍّ؟ " قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: فَعَلَامَ تَقْتُلُونِي، الْحَدِيثَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فَرَفَعَهُ، وَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَغَيْرُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فَوَقَفُوهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى": سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، فَرَفَعَهُ، قَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا بِهِ دَاوُد بْنُ شَبِيبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهِ مَرْفُوعًا، قَالَ أَبُو عِيسَى: وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ مَرْفُوعًا، حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَرَوَوْهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مَوْقُوفًا، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ بِسَنَدِ السُّنَنِ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ فِي "الْحُدُودِ"، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئِ مُسْلِمٍ إلَّا مِنْ إحْدَى ثَلَاثٍ: كُفْرٍ بَعْدَ إيمان، وزنى بَعْدَ إحْصَانٍ، أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ"، انْتَهَى.

1 عند البخاري في "كتاب المحاربين - باب الرجم بالبلاط" ص 1002 - ج 2.

2 عند الترمذي في "الفتن - باب ما جاء لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث" ص 41 - ج 2، وعند النسائي في "كتاب المحاربة - باب ذكر ما يحل به دم المسلم" ص 165 - ج 2 عن أبي أمامة، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وعند ابن ماجه في "الحدود - باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا في ثلاث" ص 185، وعند الحاكم في "المستدرك - في الحدود فيه" ص 350 - ج 4.

ص: 317

وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ 1 - فِي كِتَابِ الْجِرَاحِ" وَهُوَ الْقِصَاصُ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ، بِلَفْظِ الشَّافِعِيِّ سَوَاءٌ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ:"أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ مُتَعَمِّدًا، فَيُقْتَلُ بِهِ"، قَالَ الْبَزَّارُ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عُثْمَانَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ 2 - أَوَّلَ الْحُدُودِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْبَاهِلِيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئِ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إحْصَانٍ، فَإِنَّهُ يُرْجَمُ، وَرَجُلٌ خَرَجَ مُحَارِبًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ، أَوْ يُصْلَبُ، أَوْ يُنْفَى فِي الْأَرْضِ، وَرَجُلٌ قَتَلَ نَفْسًا، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهَا"، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: مُرْسَلٌ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 3 عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا قِلَابَةَ مَا يَقُولُ فِي الْقَسَامَةِ، فَذَكَرَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: قَالَ أَبُو قِلَابَةَ، فَقُلْت: وَاَللَّهِ مَا قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَدًا قَطُّ إلَّا فِي إحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ: "رَجُلٌ قَتَلَ بِجَرِيرَةِ نَفْسِهِ، فَقُتِلَ، أَوْ رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إحْصَانٍ، أَوْ رَجُلٌ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ"، الْحَدِيثُ مُخْتَصَرٌ، وَفِي لَفْظٍ، قَالَ:"مَا عَلِمْت نَفْسًا حَلَّ قَتْلُهَا فِي الْإِسْلَامِ، إلَّا رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إحْصَانٍ"، الْحَدِيثَ. وَمَعْنَى الْحَدِيثِ فِي "الْكُتُبِ السِّتَّةِ" 4 أَخْرَجُوهُ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ، الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ"، انْتَهَى.

قَوْلُهُ: وَعَلَى ذَلِكَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، قُلْت: رَوَى الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 5 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ، فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَةَ الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا، وَوَعَيْنَاهَا، وَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَجَمْنَا مِنْ بَعْدِهِ، وَإِنِّي حَسِبْت إنْ طَالَ بِالنَّاسِ الزَّمَانُ، أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، فَالرَّجْمُ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إذَا كَانَ مُحْصَنًا، إنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ حَمْلٌ،

1 وعنده في "السنن أيضاً - في الجنايات - باب تحريم القتل من السنة" ص 18 - ج 8.

2 عند أبي داود في "أوائل الحدود" ص 242 - ج 2.

3 عند البخاري في "القسامة" ص 1018 - ج 2.

4 عند البخاري في "كتاب الديات - باب قول الله: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} " ص 1016 - ج 2، وعند مسلم في "القصاص - باب ما يباح به دم المسلم" ص 59 - ج 2، وعند أبي داود في "أوائل الحدود" ص 242 - ج 2، وعند الترمذي في "الديات - باب ما جاء لا يحل دم امرئ مسلم، إلا باحدى ثلاث" ص 180 - ج 1.

5 عند البخاري "كتاب المحاربين - باب رجم الحبلى من الزنا" ص 1009 - ج 2، وعند مسلم "باب حد الزنا" ص 65 - ج 2.

ص: 318

أَوْ اعْتِرَافٌ، وَأَيْمُ اللَّهِ لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل لَكَتَبْتُهَا، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 1 عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ - حِينَ رَجَمَ الْمَرْأَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ - قَالَ: رَجَمْتهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، انْتَهَى. وَتَكَلَّمَ النَّاسُ فِي سَمَاعِ الشَّعْبِيِّ مِنْ عَلِيٍّ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ، مَعَ أَنَّ سِنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِإِدْرَاكِ عَلِيٍّ، فَإِنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه قُتِلَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ، وَالشَّعْبِيُّ - إنْ صَحَّ عُمْرُهُ - كَانَ إذْ مَاتَ اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَمَوْتُهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ، كَمَا قَالَ مُجَالِدٌ: فَقَدْ كَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ، فَيَكُونُ إذْ قُتِلَ عَلِيٌّ ابْنَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَامًا، وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ، أَوْ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَمِائَةٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ قِيلَ: فَقَدْ زَادَ عَامٌ، أَوْ نَقَصَ عَامٌ، وَإِنْ صَحَّ أَنَّ سِنَّهُ كَانَ يوم مات سبعاً وسبعون، كَمَا قَدْ قِيلَ فِيهِ أَيْضًا: نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ، فَيَكُونُ ابْنَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَإِنْ صَحَّ أَنَّهُ مَاتَ ابْنَ سَبْعِينَ سَنَةً، كَمَا قَالَ أَبُو دَاوُد، فَقَدْ صَغُرَ سِنُّهُ عَنْ التَّحَمُّلِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ سَمَاعُهُ مِنْ عَلِيٍّ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيُّ، سَمِعَ الشَّعْبِيُّ مِنْ عَلِيٍّ؟ قَالَ: سَمِعَ مِنْهُ حَرْفًا، مَا سَمِعَ غَيْرَ هَذَا، ذَكَرَهُ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ"، وَحَدِيثُهُ عَنْهُ قَلِيلٌ مُعَنْعَنٌ، فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا، لَا تُغَالُوا فِي الْكَفَنِ، وَحَدِيثُهُ فِي رجم المحصنة، ومنهم ما يُدْخِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلِيٍّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَفِيهِ أَنَّهُ كَانَ حَاضِرَ الْوَاقِعَةِ، وَكَانَ فِيمَنْ رَجَمَ شُرَاحَةَ، وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا.

قَوْلُهُ: وَيَبْتَدِئُ الشُّهُودُ بِرَجْمِهِ، ثُمَّ الْإِمَامُ، ثُمَّ النَّاسُ، كَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا ابْتَدَأَ الْإِمَامُ النَّاسَ، كَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ الْأَجْلَحِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: جِيءَ بِشُرَاحَةَ الْهَمْدَانِيَّةِ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهَا: لَعَلَّ رَجُلًا وَقَعَ عَلَيْك، وَأَنْتِ نَائِمَةٌ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: لَعَلَّهُ اسْتَكْرَهَك؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: لَعَلَّ زَوْجَك مِنْ هَؤُلَاءِ، فَأَنْتِ تَكْتُمِينَهُ؟ يُلَقِّنُهَا، لَعَلَّهَا تَقُولُ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهَا فَحُبِسَتْ، فَلَمَّا وَضَعَتْ مَا فِي بَطْنِهَا أَخْرَجَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَضَرَبَهَا مِائَةً، وَحَفَرَ لَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الرَّحْبَةِ، وَأَحَاطَ النَّاسُ بِهَا، وَأَخَذُوا الْحِجَارَةَ، فَقَالَ: لَيْسَ هَكَذَا الرَّجْمُ، إذًا يُصِيبُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، صُفُّوا كَصَفِّ الصَّلَاةِ، صَفًّا خَلْفَ صَفٍّ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّمَا امْرَأَةٍ جِيءَ بِهَا، وَبِهَا حَبَلٌ، أَوْ اعْتَرَفَتْ، فَالْإِمَامُ أَوَّلُ مَنْ يَرْجُمُ، ثُمَّ النَّاسُ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ جِيءَ بِهَا، أَوْ رَجُلٍ زَانٍ، فَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا، فَالشُّهُودُ أَوَّلُ مَنْ يَرْجُمُ، ثُمَّ النَّاسُ، ثُمَّ رَجَمَهَا، ثُمَّ أَمَرَهُمْ، فَرَجَمَ صَفٌّ، ثُمَّ صَفٌّ، ثُمَّ صَفٌّ، ثُمَّ قَالَ: افْعَلُوا بِهَا مَا تَفْعَلُونَ بِمَوْتَاكُمْ، انْتَهَى.

1 عند البخاري فيه "باب رجم المحصن" ص 1006 - ج 2.

2 عند البيهقي في "السنن - في كتاب الحدود - باب من اعتبر حضور الإمام والشهود" ص 220 - ج 8.

ص: 319

وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ لِشُرَاحَةَ زَوْجٌ غَائِبٌ بِالشَّامِ، وَأَنَّهَا حَمَلَتْ فَجَاءَ بها مولاها إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ زَنَتْ، فَاعْتَرَفَتْ، فَجَلَدَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَحَفَرَ لَهَا إلَى السُّرَّةِ، وَأَنَا شَاهِدٌ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ الرَّجْمَ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَوْ كَانَ شَهِدَ عَلَى هَذِهِ أَحَدٌ لَكَانَ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي الشَّاهِدُ، يَشْهَدُ، ثُمَّ يَتْبَعُ شَهَادَتَهُ حَجَرُهُ، وَلَكِنَّهَا أَقَرَّتْ، فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَرْمِيهَا، فَرَمَاهَا بِحَجَرٍ، ثُمَّ رَمَى النَّاسُ، وَأَنَا فِيهِمْ، قَالَ: فَكُنْت وَاَللَّهِ فِيمَنْ قَتَلَهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ عَلِيًّا كَانَ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ الشُّهُودُ عَلَى الزِّنَا، أَمَرَ الشُّهُودَ أَنْ يَرْجُمُوا، ثُمَّ رَجَمَ هُوَ، ثُمَّ رَجَمَ النَّاسُ، وَإِذَا كَانَ بِإِقْرَارٍ بَدَأَ هُوَ فَرَجَمَ، ثُمَّ رَجَمَ النَّاسُ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ الزِّنَا زِنَاءَانِ: زِنَا سِرٍّ، وَزِنَا عَلَانِيَةٍ، فَزِنَا السِّرِّ أَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ، فَيَكُونَ الشُّهُودُ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي، ثُمَّ الْإِمَامُ، ثُمَّ النَّاسُ، وَزِنَا الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَظْهَرَ الْحَبَلُ، أَوْ الِاعْتِرَافُ، فَيَكُونَ الْإِمَامُ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي، قَالَ: وَفِي يَدِهِ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ، فَرَمَاهَا بِحَجَرٍ، فَأَصَابَ صِمَاخَهَا، فَاسْتَدَارَتْ،، وَرَمَى النَّاسُ، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: وَرَمَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْغَامِدِيَّةَ بِحَصَاةٍ، مِثْلِ الْحِمَّصَةِ، وَكَانَتْ قَدْ اعْتَرَفَتْ بِالزِّنَا، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ زَكَرِيَّا أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ: سَمِعْت شَيْخًا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجَمَ امْرَأَةً، فَحَفَرَ لَهَا إلَى الثَّنْدُوَةِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَحَدَّثْت عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ سُلَيْمٍ أَبُو عِمْرَانَ بِإِسْنَادِهِ نَحْوُهُ، وَزَادَ: ثُمَّ رَمَاهَا بِحَصَاةٍ مِثْلِ الْحِمَّصَةِ، قَالَ:"ارْمُوا وَاتَّقُوا الْوَجْهَ"، فَلَمَّا طُفِئَتْ أَخْرَجَهَا، فَصَلَّى عَلَيْهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي "الرَّجْمِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ عَنْ حِبَّانَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي عِمْرَانَ الْبَصْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْت شَيْخًا يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بِتَمَامِهِ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، قَالَ الْبَزَّارُ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا سَمَّى هَذَا الشَّيْخَ، وَتُرَاجَعُ أَلْفَاظُهُمْ، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ النَّسَائِيّ، وَلَمْ يُعِلَّهُ بِغَيْرِ الِانْقِطَاعِ.

الْحَدِيثُ الْحَادِي عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ فِي مَاعِزٍ: "اصْنَعُوا بِهِ كَمَا تَصْنَعُونَ بِمَوْتَاكُمْ"،

1 عند أبي داود في "الحدود - باب في المرأة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة" ص 352 - ج 2.

ص: 320

قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ" حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ علقمة بن مرصد عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: لَمَّا رُجِمَ مَاعِزٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: "اصْنَعُوا بِهِ مَا تَصْنَعُونَ بِمَوْتَاكُمْ، مِنْ الْغُسْلِ، وَالْكَفَنِ، وَالْحَنُوطِ، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ " انْتَهَى.

الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صلى على الغامدية بعد ما رُجِمَتْ، قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ 1 - إلَّا الْبُخَارِيَّ - مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ حُبْلَى مِنْ الزِّنَا، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلِيَّهَا، فَقَالَ: أَحْسِنْ إلَيْهَا، فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا، فَفَعَلَ، فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَقَدْ زَنَتْ؟ فَقَالَ:" لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْت تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ؟ "، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ مُشْتَمِلًا عَلَى قِصَّةِ مَاعِزٍ، وَالْغَامِدِيَّةِ مَعًا، وَفِيهِ: ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصُلِّيَ عَلَيْهَا، وَدُفِنَتْ، وَفِيهِ بَشِيرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": لَيْسَ لَهُ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: منكر الحديث، يجئ بِالْعَجَائِبِ، مُرْجِئٌ، مُتَّهَمٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَلَا عَيْبَ عَلَى مُسْلِمٍ فِي إخْرَاجِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ أَتَى بِهِ فِي الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ، لِيُبَيِّنَ اطِّلَاعَهُ عَلَى طُرُقِ الْحَدِيثِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ الصَّلَاةِ عَلَى مَاعِزٍ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ 2 - فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمُحَارِبِينَ" حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرَ قِصَّةَ مَاعِزٍ، وَفِي آخِرِهِ: ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْرًا، وَصَلَّى عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": قِيلَ لِلْبُخَارِيِّ: قَوْلُهُ: وَصَلَّى عَلَيْهِ، قَالَهُ غَيْرُ مَعْمَرٍ؟ قَالَ: لَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد 3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ، وَرَوَاهُ

1 عند مسلم في "حد الزنا" ص 68 - ج 2، وعند أبي داود في "الحدود" ص 253 - ج 2، وعند النسائي في "الجنائز - باب الصلاة على المرجوم" ص 278 - ج 1.

2 عند البخاري في "كتاب المحاربين - باب الرجم بالمصلى" ص 1002 - ج 2، وفيه سئل أبو عبد الله، صلى عليه يصح؟ قال: رواه معمر، فقيل له: رواه غير معمر؟ قال: لا.

3 وعند أبي داود "باب الرجم" ص 252 - ج 2، وعند الترمذي في "الحدود - باب ما جاء في درء الحد عن المعترف إذا رجع" ص 184 - ج 1، وعند النسائي في "الصغرى" عن محمد بن يحيى، ونوح بن حبيب في كتاب الجنائز - باب ترك الصلاة على المرجوم" ص 278 - ج 1.

ص: 321

التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بِهِ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي "الْجَنَائِزِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، وَمُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، وَنُوحِ بْنِ حَبِيبٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ، وَقَالُوا فِيهِ كُلُّهُمْ: وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ": وَقَدْ أَعَلَّ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ بِأَنَّ مَحْمُودَ بْنَ غَيْلَانَ شَيْخَ الْبُخَارِيِّ، تَفَرَّدَ بِهَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَقَدْ خَالَفَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ جَمَاعَةٌ: مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَنُوحُ بْنُ حَبِيبٍ، وَحُمَيْدَ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَحْمَدُ بن منصور الرمادي، وإسحاق بن إبراهيم الدبري، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ، قَالَ: فَهَؤُلَاءِ ثَمَانِيَةٌ، قَدْ خَالَفُوا مَحْمُودَ بْنَ غَيْلَانَ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَفِيهِمْ هَؤُلَاءِ الْحُفَّاظُ: إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَحُمَيْدَ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَحَدِيثُ إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْلِمٍ"1، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَهُ، وَأَحَالَ عَلَى حَدِيثِ عُقَيْلٍ قَبْلَهُ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الصَّلَاةِ، قَالَ: وَإِذَا حُمِلَتْ الصَّلَاةُ فِي حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ عَلَى الدُّعَاءِ اتَّفَقَتْ الْأَحَادِيثُ - يَعْنِي حَدِيثَ مَاعِزٍ، وَالْغَامِدِيَّةِ - انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ أَبُو قُرَّةَ الزَّبِيدِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ رَجْمِ مَاعِزٍ، وَطَوَّلَ فِي الْأُولَيَيْنِ، حَتَّى كَادَ النَّاسُ يَعْجِزُونَ مِنْ طُولِ الصَّلَاةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَلَمْ يُقْتَلْ، حَتَّى رَمَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِلِحَى بَعِيرٍ، فَأَصَابَ رَأْسَهُ، فَقَتَلَهُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَالنَّاسُ، مُخْتَصَرٌ. وَهَذَا اللَّفْظُ يُبْعِدُ تَأْوِيلَ الصَّلَاةِ بِالدُّعَاءِ، لِأَنَّ النَّاسَ صَلَّوْا عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ، وَعَطْفُ النَّاسِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، مُشْعِرٌ بِأَنَّ صَلَاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَصَلَاتِهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

حَدِيثٌ آخَرُ: فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ حَدَّثَنِي نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُصَلِّ عَلَى مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِأَنَّ فِيهِ مَجَاهِيلَ، وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: مَا نَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَى أَحَدٍ، إلَّا عَلَى الْغَالِّ، وَقَاتِلِ نَفْسِهِ، قَالَ: وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ، فَصَلَاتُهُ عَلَى الْغَامِدِيَّةِ كَانَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 3 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مالك أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إنَّهُ زَنَى، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي " الْخُلَاصَةِ ": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ رِوَايَةَ

1 عند مسلم في "باب الرجم" ص 66 - ج 2.

2 عند أبي داود في "الجنائز - باب الصلاة على من قتلته الحدود" ص 98 - ج 2.

3 عند أبي داود في "الحدود - باب الرجم" ص 251 - ج 2.

ص: 322

الْإِثْبَاتِ مُقَدَّمَةٌ، لِأَنَّهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ، أَوْ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُصَلِّ هُوَ بِنَفْسِهِ عَلَيْهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.

قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ كَسَرَ ثَمَرَةَ السَّوْطِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ حَنْظَلَةَ السَّدُوسِيِّ، قَالَ: سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ يُؤْمَرُ بِالسَّوْطِ، فَيُقْطَعُ ثَمَرَتُهُ، ثُمَّ يُدَقُّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، حَتَّى يَلِينَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِهِ، قُلْنَا لِأَنَسٍ: فِي زَمَانِ مَنْ كَانَ هَذَا؟ قَالَ: فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي مَاجِدٍ الْحَنَفِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ بِابْنِ أَخٍ لَهُ إلَيْهِ، فَقَالَ: إنَّهُ سَكْرَانُ، فَقَالَ: تَرْتِرُوهُ، وَمَزْمِزُوهُ، وَاسْتَنْكِهُوهُ، فَفَعَلُوا، فَرَفَعَهُ إلَى السِّجْنِ، ثُمَّ عَادَ بِهِ مِنْ الْغَدِ، وَعَادَ بِسَوْطٍ، ثُمَّ أَمَرَ بِثَمَرَتِهِ فَدُقَّتْ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، حَتَّى صَارَتْ دُرَّةً، ثُمَّ قَالَ لِلْجَلَّادِ: اجْلِدْ، وَأَرْجِعْ يَدَك، وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ": أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَصَبْت حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَوْطٍ شَدِيدٍ لَهُ ثَمَرَةٌ، فَقَالَ:"سَوْطٌ دُونَ هَذَا"، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ لَيِّنٍ، فَقَالَ:"سَوْطٌ فَوْقَ هَذَا"، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ بَيْنَ سَوْطَيْنِ، فَقَالَ:"هَذَا"، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ أَصَابَ حَدًّا، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" 1 قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَوْطٍ، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ، فَقَالَ:"فَوْقَ هَذَا"، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ يُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ، فَقَالَ:"بَيْنَ هَذَيْنِ"، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قَدْ رُكِّبَ بِهِ وَلَانَ، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، ثُمَّ قَالَ:"أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَةِ شَيْئًا، فَلْيَسْتَتِرْ بِسَتْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ، نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ"، انْتَهَى.

قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْمُرُ بِالتَّجْرِيدِ فِي الْحُدُودِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهُ، كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرْنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ فِي حَدٍّ، فضربه، وعليه كساء، فسطا بي قَاعِدًا، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا إسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ رَجُلٍ أَنَّ عَلِيًّا ضَرَبَ جَارِيَةً، فَجُرِّدَتْ وَتَحْتَ ثِيَابِهَا دِرْعُ حَدِيدٍ، أَلْبَسَهَا إيَّاهُ أَهْلُهَا، وَنَفَاهَا إلَى الْبَصْرَةِ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: سَأَلْت الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ عَنْ الْمَحْدُودِ أَتُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ؟ قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ فَرْوًا، أَوْ

1 عند مالك في "الموطأ - في الحدود - باب ما جاء فيمن اعترف على نفسه بالزنا" ص 350.

ص: 323

مَحْشُوًّا، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَا يَحِلُّ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ التَّجْرِيدُ، وَلَا مَدٌّ، وَلَا غَلٌّ، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام لِلَّذِي أَمَرَهُ بِضَرْبِ الْحَدِّ: "اتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ"، قُلْت: غَرِيبٌ مَرْفُوعًا، وروي موقوفاً عن عليّ، ورواه ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ سَكْرَانَ، أَوْ فِي حَدٍّ، فَقَالَ: اضْرِبْ، وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ، وَاتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: أُتِيَ عَلِيٌّ بِرَجُلٍ فِي حَدٍّ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمِ ثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هُنَيْدَةُ بْنُ خَالِدٍ الْكِنْدِيُّ عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَهُ، وَالنَّهْيُ عَنْ ضَرْبِ الْوَجْهِ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "الْبِرِّ"، وَلَهُ فِي "اللِّبَاسِ" عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ، وَعَنْ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يَضْرِبَ الصُّورَةَ، انْتَهَى. وَإِذَا كَانَ ضَرْبُ الْوَجْهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ حَالَةَ الْقَتْلِ، كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ شَيْخٍ حَدَّثَ عَنْ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجَمَ امْرَأَةً، فَحَفَرَ لَهَا إلَى الثَّنْدُوَةِ، ثُمَّ قَالَ:"ارْمُوا، وَاتَّقُوا الْوَجْهَ"، فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَنْهِيًّا عَنْهُ حَالَةَ الْجَلْدِ.

قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ: "اضْرِبْ الرَّأْسَ، فَإِنَّ فِيهِ شَيْطَانًا"، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أُتِيَ بِرَجُلٍ انْتَفَى مِنْ أَبِيهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: اضْرِبْ الرَّأْسَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ فِي الرَّأْسِ، انْتَهَى. وَالْمَسْعُودِيُّ ضَعِيفٌ.

أَثَرٌ آخَرُ: نَحْوُهُ عَنْ عُمَرَ، رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي "أَوَائِلِ مُسْنَدِهِ 2 - فِي بَابِ الْفُتْيَا"، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النُّعْمَانِ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ: صَبِيغٌ،

1 حديث جابر، عند مسلم في "اللباس - باب النهي عن ضرب الحيوان في وجهه ووسمه" ص 202 - ج 2، وحديث أبي هريرة، عنده في "البر والصلة - باب النهي عن ضرب الوجه" ص 322 - ج 2، وحديث ابن عمر في النهي عن ضرب الصورة، عند البخاري في "الذبائح - باب العلم والوسم في الصورة" ص 831 - ج 2، وحديث أبي هريرة عنده في "آخر العتق" ص 347 - ج 1.

2 عند الدارمي في "باب من هاب الفتيا، وكره التنطع والتبدع" ص 31.

ص: 324

قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ عُمَرُ - وَقَدْ أَعَدَّ لَهُ عَرَاجِينَ النَّخْلِ - فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ صَبِيغٌ، فَأَخَذَ عُمَرُ عُرْجُونًا مِنْ تِلْكَ الْعَرَاجِينِ، فَضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ، وَجَعَلَ عُمَرُ يَضْرِبُهُ حَتَّى دَمِيَ رَأْسُهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَسْبُك، قَدْ ذَهَبَ الَّذِي كُنْت أَجِدُ فِي رَأْسِي، انْتَهَى.

قَوْلُهُ: قَالَ عَلِيٌّ: يُضْرَبُ الرِّجَالُ فِي الْحُدُودِ قِيَامًا، وَالنِّسَاءُ قُعُودًا، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: يُضْرَبُ الرَّجُلُ قَائِمًا، وَالْمَرْأَةُ قَاعِدَةً فِي الْحَدِّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ.

الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ إلَى ثُنْدُوَتِهَا، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 1 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ سُلَيْمٍ أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ: سَمِعْت شَيْخًا يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ أبي بكرة عن أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجَمَ امْرَأَةً، فَحَفَرَ لَهَا إلَى الثَّنْدُوَةِ، انْتَهَى. وَفِيهِ مَجْهُولٌ، وَحَدِيثُهَا فِي "مُسْلِمٍ" مِنْ رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ، وَفِيهِ: ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إلَى صَدْرِهَا، ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ "الْهِدَايَةِ" حَفَرَ لَهَا إلَى ثَدْيِهَا، وَالثَّدْيُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَابْنُ فَارِسٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَرَّاءُ، وَثَعْلَبٌ غَيْرَ التَّذْكِيرِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الثَّدْيُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: الثَّدْيُ لِلْمَرْأَةِ، وَيُقَالُ: لِلرَّجُلِ ثُنْدُوَةٌ - بِفَتْحِ الثَّاءِ - بِلَا هَمْزَةٍ، - وَبِضَمِّهَا مَعَ الْهَمْزَةِ - وَهَذَا مُشْعِرٌ بِتَخْصِيصِ الثَّنْدُوَةِ بِالرَّجُلِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي "الصَّحِيحِ" أَنَّ رَجُلًا وَضَعَ ذُبَابَ سَيْفِهِ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ فِي "الْحَجِّ" فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْ، وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ ذَكَرَ اسْتِعْمَالَ الثَّنْدُوَةِ فِي الْمَرْأَةِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد اسْتِعْمَالُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا حَفَرَ لِشُرَاحَةَ، قُلْت: تَقَدَّمَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ شُرَاحَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَهُ، وفيه: وحفر لها، وزاد أَحْمَدُ: إلَى السُّرَّةِ.

قَوْلُهُ: وَإِنْ تَرَكَ الْحَفْرَ لَا يَضُرُّهُ، لِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ، قُلْت: هَذَا ذُهُولٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ، وَتَنَاقُضٌ، فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ أَنَّهُ عليه السلام حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ، وَهُوَ فِي "مُسْلِمٍ".

الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام مَا حَفَرَ لِمَاعِزٍ، قُلْت: رَوَاهُ مُسْلِمٌ 2 مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: لَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجْمِ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ خَرَجْنَا بِهِ إلَى الْبَقِيعِ، فَوَاَللَّهِ

1 عند أبي داود في "الحدود - باب في المرأة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة" ص 253 - ج 2.

2 عند مسلم في "الرجم" ص 67 - ج 2، وحديث بريرة، عنده فيه: ص 68 - ج 2.

ص: 325

مَا أَوْثَقْنَاهُ وَلَا حَفَرْنَا لَهُ، وَلَكِنَّهُ قَامَ لَنَا، قَالَ: فَرَمَيْنَاهُ بِالْعِظَامِ، وَالْمَدَرِ، وَالْخَزَفِ، فَاشْتَدَّ، وَاشْتَدَدْنَا خَلْفَهُ، حَتَّى أَتَى عُرْضَ الْحَرَّةِ، فَانْتَصَبَ لَنَا، فَرَمَيْنَاهُ بِجَلَامِيدِ الْحَرَّةِ، حَتَّى سَكَتَ، قَالَ: فَمَا اسْتَغْفَرَ لَهُ، وَلَا سَبَّهُ، انْتَهَى. وَوَقَعَ أَيْضًا فِي "مُسْلِمٍ" أَنَّهُ حَفَرَ لَهُ مِنْ رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ، وَفِيهِ: فَلَمَّا كَانَتْ الرَّابِعَةُ حُفِرَتْ لَهُ حُفْرَةٌ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، وَفِي "مُسْنَدِ" أَحْمَدَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ عليه السلام حَفَرَ لَهُ، وَفِيهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَلَمَّا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْبَيْهَقِيّ سَكَتَ عَنْهُمَا، قَالَ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَأَمَّا الْحَفْرُ لِلْمَرْجُومِ فَفِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: فَمَا حَفَرْنَا لَهُ، وَفِيهِ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَحُفِرَ لَهُ، فَجُعِلَ فِيهَا إلَى صَدْرِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.

الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "أَرْبَعٌ إلَى الْوُلَاةِ"، وَذَكَرَ مِنْهَا الْحُدُودَ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ:"أَرْبَعَةٌ إلَى السُّلْطَانِ: الصَّلَاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالْحُدُودُ، وَالْقِصَاصُ"، انْتَهَى. حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ، قَالَ:"الْجُمُعَةُ، وَالْحُدُودُ، وَالزَّكَاةُ، وَالْفَيْءُ إلَى السُّلْطَانِ"، انْتَهَى. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، قَالَ:"إلَى السُّلْطَانِ: الزَّكَاةُ، وَالْجُمُعَةُ، وَالْحُدُودُ"، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ 1 عَنْ ابْنِ عُمَرَ مُخْتَصَرًا، وَمُطَوَّلًا، أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الزِّنَا؟ " فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبْتُمْ، إنَّ فِيهَا الرَّجْمَ، فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ، فَنَشَرُوهَا، فَجَعَلَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، ثُمَّ جَعَلَ يَقْرَأُ مَا قَبْلَهَا، وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: ارْفَعْ يَدَك، فَرَفَعَهَا فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ، فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَا، انْتَهَى. وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد 2 مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ سَمِعْت رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةُ يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: زَنَى رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ مِنْ الْيَهُودِ، وَقَدْ أَحْصَنَا حِينَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، وَقَدْ كَانَ الرَّجْمُ مَكْتُوبًا عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ، الْحَدِيثَ. وَفِيهِ رَجُلٌ

1 عند مسلم في "الرجم" ص 69 - ج 2، وعند البخاري في "كتاب المحاربين - باب أحكام أهل الذمة وإحصانهم إذا زنوا" ص 1011 - ج 2، وعند أبي داود "باب رجم اليهوديين" ص 254 - ج 2.

2 عند أبي داود في "باب رجم اليهوديين" ص 255 - ج 2.

ص: 326

مَجْهُولٌ، وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ قَدْ أَحْصَنَا، انْتَهَى. وَعِنْدَهُ فِيهِ أَيْضًا: فَوَضَعَ ابْنُ صُورَيَاءَ الْأَعْوَرُ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ.

الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: " مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ"، قُلْت: رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ"، انْتَهَى. قَالَ إسْحَاقُ: رَفَعَهُ مَرَّةً، فَقَالَ: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَوَقَفَهُ مَرَّةً، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1، ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ إسْحَاقَ، وَيُقَالُ: إنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ، انْتَهَى. وَهَذَا لَفْظُ إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ"، كَمَا تَرَاهُ، لَيْسَ فِيهِ رُجُوعٌ، وَإِنَّمَا أَحَالَ التَّرَدُّدَ عَلَى الرَّاوِي فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَفِيفِ بْنِ سَالِمٍ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُحْصِنُ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا"، انْتَهَى. قَالَ الدارقطني: وهم عفيف رَفْعِهِ، وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى. قال ابن القطان فِي "كِتَابِهِ": وَعَفِيفُ بْنُ سَالِمٍ الْمَوْصِلِيُّ ثِقَةٌ، قَالَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَإِذَا رَفَعَهُ الثِّقَةُ لَمْ يَضُرَّهُ وَقْفُ مَنْ وَقَفَهُ، وَإِنَّمَا عِلَّتُهُ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي نَافِعٍ عَنْ عَفِيفٍ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ أَبُو سَلَمَةَ الْمَوْصِلِيُّ، وَلَمْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ مَوْضِعًا لِلْحَدِيثِ، وَذَكَرَ لَهُ فِيمَا ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ، قَالَ: هُوَ مُنْكَرٌ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ": هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ، فَرَوَاهُ عَفِيفُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَخَالَفَهُ أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، فَرَوَاهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَهُوَ أَصَحُّ، وَرُوِيَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَكَانَ الْمُرَادُ بِالْإِحْصَانِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إحْصَانَ الْقَذْفِ، وَإِلَّا فَابْنُ عُمَرَ هُوَ الرَّاوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا، وَهُوَ لَا يُخَالِفُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْهُ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "لَا يُحْصِنُ الْمُسْلِمُ الْيَهُودِيَّةَ، وَلَا النَّصْرَانِيَّةَ،

1 عند الدارقطني في "الحدود" ص 350 - ج 2.

ص: 327

وَلَا الْحُرُّ الْأَمَةَ، وَلَا الْحُرَّةُ العبد"، قلت: غريب، وروى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَمِنْ طَرِيقِهِ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ"1، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " لَا تَتَزَوَّجْهَا، فَإِنَّهَا لَا تُحْصِنُك"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ضَعِيفٌ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ لَمْ يُدْرِكْ كَعْبًا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ بُكَيْر الْغَسَّانِيُّ، الْغَالِبُ عَلَى حَدِيثِهِ الْغَرَائِبُ، قَلَّ مَا يُوَافِقُهُ عَلَيْهَا الثِّقَاتُ، وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَتُكْتَبُ أَحَادِيثُهُ، فَإِنَّهَا صَالِحَةٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ بِهِ، فَذَكَرَهُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَمُنْقَطِعٌ، فَانْقِطَاعُهُ فِيمَا بَيْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَضَعْفُهُ مِنْ جِهَةِ عُتْبَةَ بْنِ تَمِيمٍ، فَإِنَّهُ مِمَّنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ بَقِيَّةُ، وَهُوَ مِمَّنْ عُرِفَ ضَعْفُهُ، وَلَا يُعْلَمُ رَوَى عَنْ عُتْبَةَ بْنِ تَمِيمٍ إلَّا بَقِيَّةُ، وَإِسْمَاعِيلُ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَعُتْبَةُ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ غَيْرَ عُتْبَةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ، مُنْقَطِعٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ كَعْبٍ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ لَمْ يُدْرِكْ كَعْبًا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: فِيمَا أَخْبَرَنِي عَنْهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَرَوَاهُ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ كَعْبٍ، وَهُوَ أَيْضًا مُنْقَطِعٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا يُحْصِنُ الْأَمَةَ الْحُرُّ، وَلَا الْعَبْدَ الْحُرَّةُ، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَجْمَعْ فِي الْمُحْصَنِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ، قُلْت: فِيهِ حَدِيثُ الْعَسِيفِ، وَحَدِيثُ مَاعِزٍ.

فَحَدِيثُ الْعَسِيفِ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ2 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَقَالَ الْآخَرُ، وَكَانَ أَفْقَهَهُمَا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَأْذَنْ لِي أَنْ أَتَكَلَّمَ، قَالَ: تَكَلَّمْ، قَالَ: إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْت

1 عند الدارقطني في "الحدود" ص 350 - ج 2.

2 عند البخاري في "كتاب المحاربين - باب الاعتراف بالزنا" ص 1008 - ج 2، وعند مسلم في "الحدود" ص 69 - ج 2، وينظر البقية.

ص: 328

مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَبِجَارِيَةٍ لِي، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ، فَأَخْبَرُونِي إنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَإِنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَمَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا غَنَمُك وَجَارِيَتُك فَرَدٌّ إلَيْك، وَعَلَى ابْنِك جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسٌ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا"، قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهَا، فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهَا فَرُجِمَتْ، انْتَهَى.

وَحَدِيثُ مَاعِزٍ: تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَفِيهِ الرَّجْمُ، وَلَيْسَ فِيهِ الْجَلْدُ، حَتَّى إنَّ الْأُصُولِيِّينَ اسْتَدَلُّوا عَلَى تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ بِأَنَّهُ عليه السلام رَجَمَ مَاعِزًا، وَلَمْ يَجْلِدْهُ، لِأَنَّ آيَةَ الْجَلْدِ شَامِلَةٌ لِلْمُحْصَنِ، وَغَيْرِهِ.

أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ1 عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ، جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ"، انْتَهَى.

وَحَدِيثُ شُرَاحَةَ: تَقَدَّمَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ، وَأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جَلَدَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ: جَلَدْتهَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَرَجَمْتهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالْحَدِيثُ فِي "الْبُخَارِيِّ" لَيْسَ فِيهِ الْجَلْدُ، وَلَفْظُهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ 2 حِينَ رَجَمَ الْمَرْأَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، قَالَ: رَجَمْتهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، انْتَهَى. وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ" 3 رَوَى حَدِيثَ مَاعِزٍ جَمَاعَةٌ: كَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَنَفَرٌ تَأَخَّرَ إسْلَامُهُمْ، وَحَدِيثُ عُبَادَةَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، وَبَيْنَ الزَّمَانَيْنِ مُدَّةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": ذَهَبَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانُ: إنَّ الثَّيِّبَ عَلَيْهِ الرَّجْمُ دُونَ الْجَلْدِ، وَرَأَوْا حَدِيثَ عُبَادَةَ مَنْسُوخًا، وَتَمَسَّكُوا بِأَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ: مِنْهَا حَدِيثُ الْعَسِيفِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِيهِ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا، فَغَدَا عَلَيْهَا، فَاعْتَرَفَتْ، فَرَجَمَهَا، فَهَذَا الْحَدِيثُ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ، لِأَنَّ رَاوِيَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْجَلْدِ فِيهِ بِذِكْرٍ، انْتَهَى. الثَّانِي: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْلَمْ بِإِحْصَانِهِ، فَجَلَدَهُ، ثُمَّ عَلِمَ بِإِحْصَانِهِ فَرَجَمَهُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ

1 عند مسلم "باب حد الزنا" ص 65 - ج 2.

2 عند البخاري في "كتاب المحاربين - باب رجم المحصن" ص 1006 - ج 2.

3 ذكره الحازمي في "الناسخ والمنسوخ - باب جلد المحصن قبل الرجم" ص 204.

ص: 329

مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْت ابْنَ جُرَيْجٍ يُحَدِّثُ عَنْ ابن الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا زَنَى، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَجُلِدَ، ثُمَّ أُخْبِرَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَحْصَنَ، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا زَنَى، فَلَمْ يَعْلَمْ بِإِحْصَانِهِ، فَجُلِدَ، ثُمَّ عَلِمَ بِإِحْصَانِهِ فَرُجِمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ النَّسَائِيُّ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ غَيْرَ ابْنِ وَهْبٍ، وَوَقْفُهُ هُوَ الصَّوَابُ، وَرَفْعُهُ خَطَأٌ، انْتَهَى. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ، ورمي بالحجارة، والبكر بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَنَفْيُ سَنَةٍ"، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 2 عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ فِيمَنْ زَنَى، وَلَمْ يُحْصِنْ، بِجِلْدِ مِائَةٍ وَتَغْرِيبِ عَامٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَرَّبَ، ثُمَّ لَمْ تَزَلْ تِلْكَ السُّنَّةُ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِيمَنْ زَنَى، وَلَمْ يُحْصِنْ، بِنَفْيِ عَامٍ، وَبِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، انْتَهَى.

حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ الْعَسِيفِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَفِيهِ:" وَعَلَى ابْنِك جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ"، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ3: وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً، وَغَرَّبَهُ عَامًا، ذَكَرَهُ فِي "الْأَيْمَانِ"، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ كَشَطْرِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عليه السلام:"الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ" - يَعْنِي حَدِيثَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الْمَذْكُورَ - انْتَهَى.

قَوْلُهُ: وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: كَفَى بِالنَّفْيِ فِتْنَةً، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ"، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي الْبِكْرِ يَزْنِي بِالْبِكْرِ، قَالَ: يُجْلَدَانِ مِائَةً، وَيُنْفَيَانِ سَنَةً،

1 عند أبي داود في "الحدود - باب الرجم" ص 253 - ج 2.

2 عند البخاري في "كتاب المحاربين - باب البكران يجلدان وينفيان" ص 1010 - ج 2، وكذا حديث أبي هريرة الآتي.

3 ذكره البخاري في "الأيمان - باب كيف كان يمين النبي صلى الله عليه وسلم" ص 918 - ج 2، قلت: وفي "كتاب المحاربين - باب هل أمر الإمام رجلاً، فيضرب الحد غائباً عنه" ص 1013 - ج 2.

ص: 330

قَالَ: وَقَالَ عَلِيٌّ: حَسْبُهُمَا مِنْ الْفِتْنَةِ أَنْ يُنْفَيَا، انْتَهَى. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: كَفَى بِالنَّفْيِ فِتْنَةً، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: غَرَّبَ عُمَرُ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ فِي الشَّرَابِ إلَى خَيْبَرَ، فَلَحِقَ بِهِرَقْلَ فَتَنَصَّرَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا أُغَرِّبُ بَعْدَهُ مُسْلِمًا، انْتَهَى.

قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ النَّفْيُ الْمَرْوِيُّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، قُلْت: رَوَى التِّرْمِذِيُّ1 حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٌ، وَيَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ، قَالَا: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ عُبَيْدِ الله بن نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ وَغَرَّبَ ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ ، وَأَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ ، هَكَذَا رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ، فَرَفَعُوهُ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ إدْرِيسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ ، الْحَدِيثَ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ بِهِ، وَهَكَذَا رُوِيَ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إدْرِيسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، نَحْوَ هَذَا، وَهَكَذَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، لَمْ يَقُولُوا فِيهِ: عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، انْتَهَى. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ بِهِ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ" مِنْ جِهَةِ النَّسَائِيّ، وَقَالَ: رِجَالُهُ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُسْأَلُ عَنْهُ، لِثِقَتِهِ وَشُهْرَتِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ هَكَذَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ الْعَلَاءِ عَنْ ابْنِ إدْرِيسَ عَنْهُ، جَمَاعَةٌ ذَكَرَهُمْ الدَّارَقُطْنِيُّ، مِنْهُمْ: مَسْرُوقُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ، وَيَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ، وَجَحْدَرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ ابْنِ إدْرِيسَ رَوَاهَا يُوسُفُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ عَنْ ابْنِ إدْرِيسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، مُرْسَلًا، لَمْ يَذْكُرْ ابْنَ عُمَرَ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ عَنْ ابْنِ إدْرِيسَ، رَوَاهَا عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ، الْحَدِيثَ. لَمْ يَقُلْ فِيهِ: إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ جَمِيعَ ذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْأَخِيرَةَ هِيَ الصَّوَابُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَعِنْدِي أَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ ابْنِ إدْرِيسَ فِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ جَمِيعُ مَا ذَكَرَ، انْتَهَى.

أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" 2 عَنْ نَافِعٍ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عبيد الله أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةٍ بِكْرٍ، فَأَحْبَلَهَا، ثُمَّ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا، وَلَمْ يَكُنْ أَحْصَنَ، فَأَمَرَ

1 عند الترمذي في "الحدود - باب ما جاء في النفي" ص 185 - ج 1، وفي "المستدرك - في الحدود" ص 369 - ج 4.

2 عند مالك في "الحدود - باب ما جاء فيمن اعترف على نفسه بالزنا" ص.

ص: 331

بِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَجُلِدَ الْحَدَّ، ثُمَّ نُفِيَ إلَى فَدَكَ، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي الطَّلَاقِ" أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَذَكَرَ أَنَّ ضَيْفًا لَهُ افْتَضَّ أُخْتَهُ، اسْتَكْرَهَهَا عَلَى نَفْسِهَا، فَسَأَلَهُ، فَاعْتَرَفَ، فَضَرَبَهُ أَبُو بَكْرٍ الْحَدَّ، وَنَفَاهُ سَنَةً إلَى فَدَكَ، وَلَمْ يَضْرِبْهَا لِأَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا، ثُمَّ زَوَّجَهَا إيَّاهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَدْخَلَهُ عَلَيْهَا، انْتَهَى.

أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ ابْنِ يَسَارٍ مَوْلًى لِعُثْمَانَ، قَالَ: جَلَدَ عُثْمَانُ امْرَأَةً فِي زِنًا، ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا مَوْلًى لَهُ، يُقَالُ لَهُ: الْمَهْرِيُّ إلَى خَيْبَرَ، نَفَاهَا إلَيْهَا، انْتَهَى.

أَثَرٌ آخَرُ: فِي "مُوَطَّإِ مَالِكٍ" 1 عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدًا كَانَ يَقُومُ عَلَى رَقِيقِ الْخُمُسِ، وَأَنَّهُ اسْتَكْرَهَ جَارِيَةً مِنْ تِلْكَ الرَّقِيقِ، فَوَقَعَ بِهَا، فَجَلَدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَنَفَاهُ، وَلَمْ يَجْلِدْ الْوَلِيدَةَ، لِأَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ للغامدية: بعد ما وَضَعَتْ: "ارْجِعِي حَتَّى يَسْتَغْنِيَك وَلَدُك"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَهُوَ فِي "مُسْلِمٍ" 2 عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: جَاءَتْ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنِّي زَنَيْت فَطَهِّرْنِي، وَأَنَّهُ رَدَّهَا، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَعَلَّك تريد أن ترددني كَمَا رَدَّدْت مَاعِزًا، فَوَاَللَّهِ إنِّي لَحُبْلَى، فَقَالَ:" إمَّا لَا، فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي" 3، فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ، فَقَالَتْ: هَذَا يَا رَسُولَ الله، وقد فَطَمْته، وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ، فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إلَى صَدْرِهَا، فَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ مِنْ الْأَزْدِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي، فَقَالَ:"وَيْحِك ارْجِعِي، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ، وَتُوبِي إلَيْهِ"، قَالَتْ: أراك تريد أن ترددني كَمَا رَدَّدْت مَاعِزًا؟ قَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟ " قَالَتْ: إنَّهَا حُبْلَى مِنْ الزِّنَا، قَالَ:"أَنْتِ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهَا:"اذْهَبِي حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِك"، قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، حَتَّى وَضَعَتْ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:

1 في "الموطأ - باب ما جاء في حد الزنا" ص 350.

2 حديث بشير بن المهاجر عن بريدة، وحديث علقمة ابن مرثد عن سليمان بن بريدة، وحديث عمران بن حصين، عند مسلم في "حد الزنا" ص 68 - ج 2.

3 قوله: "إما لا، فاذهبي حتى تلدي"، قال النووي: في "شرح مسلم" ص 68 - ج 2: هو بكسر الهمزة من "إما" وتشديد الميم، وبالإمالة، ومعناه، إذا أبيت أن تستري على نفسك، وتتولي وترجعي عن قولك، فاذهبي حتى تلدي، فترجمين بعد ذلك، انتهى.

ص: 332