المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ومن إنشائه رحمه الله تقليد السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل بولاية عهد السلطنة - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٨

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثامن

- ‌[تتمة الفن الثاني في الإنسان وما يتعلق به]

- ‌[تتمة القسم الخامس في الملك وما يشترط فيه و

- ‌[تتمة الباب الرابع عشر في الكتابة وما تفرع من أصناف الكتاب]

- ‌[تتمة ثم الكتابة بحسب من يحترفون بها على أقسام]

- ‌[تتمة ذكر كتابة الإنشاء وما اشتملت عليه]

- ‌ذكر نبذة من كلام القاضى الفاضل الأسعد محيى الدين

- ‌ذكر شىء من رسائل الشيخ الإمام الفاضل ضياء الدين

- ‌ومثل صدر هذه الرسالة لبعض الكتاب المتقدّمين

- ‌ولنعد الى كلام الشيخ ضياء الدين بن القرطبى

- ‌وكتب إليه أيضا شفاعة فى بعض الأعيان

- ‌وكتب إلى الصاحب قاضى القضاة بدر الدين السنجارى

- ‌وكتب الى القاضى شمس الدين الأصفهانى الحاكم

- ‌ومن إنشائه رحمه الله تقليد السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل بولاية عهد السلطنة

- ‌ذكر شىء من إنشاء المولى الماجد السالك

- ‌وكتب تقليدا مظفّريّا للأمير سيف الدين سلار المنصورىّ بنبابة السلطنة الشريفة

- ‌ومن انشائه أيضا أعزه الله تعالى مقامة عملها فى سنة اثنتين وسبعمائة

- ‌ذكر شىء من إنشاء المولى الفاضل الصدر الكبير الكامل؛ البارع الأصيل، الأوحد النبيل؛ تاج الدين عبد الباقى بن عبد المجيد اليمانى

- ‌ومن إنشائه تقليد السلطان الملك الناصر لما ترك الديار المصرية وأقام بالكرك

- ‌ذكر شىء من الأبيات الداخلة فى هذا الباب

- ‌ولنصل هذا الفصل بذكر هفوات الأمجاد وكبوات الجياد

- ‌ذكر شىء من الحكم

- ‌ومن الأبيات المناسبة لهذا الفصل قول الأضبط بن قريع:

- ‌ذكر كتابة الديوان وقلم التصرف وما يتصل بذلك

- ‌ذكر اشتقاق تسمية الديوان ولم سمّى ديوانا ومن سمّاه بذلك

- ‌ذكر ما تفرّع عن كتابة الديوان من أنواع الكتابات

- ‌ذكر مباشرة ديوان الجيش وسبب وضع الدواوين وأول من وضعها فى الإسلام

- ‌وأما دواوين الأموال

- ‌وأما ديوان العراق

- ‌ويحتاج إلى بسط جريدة إقطاع صورتها:

- ‌ويحتاج إلى أن يتعاهد مباشرى المعاملات والبرور

- ‌ويحتاج أيضا إلى بسط جريدة ثالثة بأسماء أرباب النقود والمكيلات خاصّة

- ‌ويحتاج أيضا الى أوراق أخر تتضمن أسماء أمراء الميمنة وأمراء الميسرة، والجالس

- ‌ويحتاج الكاتب إلى تحرير شواهده وحفظها

- ‌ويحتاج إلى أنه مهما انحلّ من الإقطاعات

- ‌ويحتاج مباشر الجيش إلى مراجعة جرائده:

- ‌وأما مباشرة الخزانة

- ‌ومنها ضبط ما يصل إلى الخزانة من تقادم الملوك والنوّاب

- ‌ومنها تجهيز ما جرت العادة بأن يجهّز فى خزائن الصحبة عند استقلال ركاب السلطان من مقرّ ملكه

- ‌ومنها تحرير ما يصل إليه من الأقمشة من دار الأعمال

- ‌وأما مباشر بيت المال

- ‌ذكر مباشرة البيوت السلطانية

- ‌وأما الشراب خاناه

- ‌وأما الفراش خاناه

- ‌وأما السلاح خاناه

- ‌ذكر الجزية الواجبة على أهل الذمّة و

- ‌أما الأحكام الشرعيّة

- ‌وأما ما اصطلح عليه كتّاب التصرّف

- ‌وأما ما يلزم مباشر الجوالى وما يحتاج الى عمله

- ‌ذكر جهات الخراجىّ وأنواعه وما يحتاج اليه مباشره

- ‌أما الديار المصريّة وأوضاعها وقوانينها وما جرت عليه قواعدها على ما استقرّ فى زماننا هذا وتداوله الكتّاب

- ‌وأما الخراج الراتب

- ‌وأما جهات الخراجىّ بالشام وكيفيّتها وما يعتمد عليه مباشروها

- ‌وأما ما يشترك فيه الهلالىّ والخراجىّ ويختلف باختلاف أحواله فجهات

- ‌أما المراعى

- ‌وأما المصايد

- ‌وأما الأحكار

- ‌وأما أقصاب السكّر ومعاصرها

- ‌ذكر كيفية الاعتصار والطبخ وتقدير المتحصّل

- ‌وأما أقصاب الشأم

- ‌ذكر أوضاع الحساب وما يسلكه المباشر ويعتمده فيها

- ‌أوّل ما يحتاج اليه كلّ مباشر أن يضع له تعليقا ليوميّته

- ‌ثم يكتب العامل مخزومة يورد فيها المستخرج والمحضر والمجرى والمصروف

- ‌ذكر ما ينتج عن التعليق من الحسبانات بعد المخازيم

- ‌فأما الختم

- ‌وأما التوالى

- ‌ولهم أيضا توال يسمّونها توالى الارتفاع

- ‌ولهم أيضا توالى الاعتصار

- ‌وأما الأعمال

- ‌فأما أعمال الغلال والتقاوى

- ‌وأما عمل الاعتصار

- ‌وأما عمل المبيع

- ‌وأما عمل المبتاع

- ‌وأما عمل الجوالى

- ‌وأما عمل الخدم والجنايات والتأديبات

- ‌وأما السياقات

- ‌فأما سياقة الأسرى والمعتقلين

- ‌وأما سياقة الكراع

- ‌وأما سياقة العلوفات

- ‌وأما الارتفاع

- ‌ومن أبواب المضاف ما يضاف بالقلم

- ‌ومن وجوه المضاف الغريبة: المستعاد نظير المعاد

- ‌وأما الحواصل المعدومة المساقة بالأقلام

- ‌ومما يلزم الكاتب رفعه المحاسبات

- ‌ومما يلزم الكاتب رفعه ضريبة أصول الأموال ومضافاتها عن كلّ سنة كاملة

- ‌ويلزمه رفع المؤامرات

- ‌ويلزمه رفع ضريبة ما يستأدى من الحقوق

- ‌ومما يلزمه رفعه فى كلّ سنة تقدير الارتفاع

- ‌ويلزمه فى كل ثلاث سنين رفع الكشوف الجيشيّة

- ‌ذكر أرباب الوظائف وما يلزم كلا منهم مع حضور رفقته ومع غيبتهم وما يسترفعه كل مباشر عند مباشرته وما يلزمه عمله

- ‌وأما الناظر على ذلك

- ‌وأما صاحب الديوان

- ‌وأما مقابل الاستيفاء

- ‌وأما المستوفى

- ‌وأما المشارف

- ‌وأما الشاهد

- ‌وأما العامل

الفصل: ‌ومن إنشائه رحمه الله تقليد السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل بولاية عهد السلطنة

سروج خيلنا من ظهر جواد فى السّرايا إلّا إلى ظهر جواد، وألا تشقّ لدينا إلا أكباد أكناد «1» ، ولا تجزّ «2» غير شعور ملوك التتار تتوّج «3» بها رءوس الرماح ويصعد بها على قمم الصّعاد «4» ؛ والله يشكر للمولى سعى مراثيه التى لولا لطف الله بما صبّرنا «5» به لأقامت الجنائز، واستخفّت «6» النحائز، ولهوت بالنفوس فى استعمال الجائز من الأسف وغير الجائز، ولا شغل الله لبّ المولى [بفادحه] ، ولا خاطره بسانحة من الحزن ولا بارحه ولا أسمعه بغير المسرّات من هواتف الإبهاج صادحه؛ بمنّه وكرمه.

‌ومن إنشائه رحمه الله تقليد السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل بولاية عهد السلطنة

من أبيه السلطان الملك المنصور- سقى الله عهدهما صوب الرحمة- وهو:

الحمد لله الذى لم يزل له السمع «7» والطاعة فيما أمر، والرضا والشكر فيما هدم من الأعمار وما عمر، والتفويض فى التعويض «8» إن غابت الشمس وبقى القمر

ص: 111

نحمده على أن جعل سلطاننا ثابت الاركان، نابت الأغصان، كلّ روضة من رياضه ذات أفنان؛ لا تزعزعه ريح عقيم «1» ، ولا يخرجه رزء عظيم عن الرضا والتسليم، ولا يعتبط «2» من جملته كريم إلا ويغتبط من أسرته بكريم؛ ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تزيد قائلها لله تفويضا، وتجزل له تعويضا وتحسن له على «3» الصبر الجميل فى كل خطب جليل تحريضا؛ ونشهد أن محمدا عبده الذى أنزل فى التسلية به:«وما محمّد إلّا رسول قد خلت من قبله الرّسل» والنبىّ الذى أوضح الله به المناهج وبيّن السّبل؛ صلّى الله عليه وعلى آله ما تجاوبت المحابر والمنابر فى «4» البكر والأصل؛ وما بدّدت عقود ونظّمت، ونسخت آيات وأحكمت ونقضت أمور وأبرمت، وما عزمت «5» آراء فتوكّلت وتوكلت فعزمت؛ ورضى الله عن أصحابه الذين منهم من كان للخليقة نعم الخليفة، ومنهم من لم يدرك أحد فى تسويد النفس الحصيفة «6» ولا فى تبييض الصحيفة مدّه ولا نصيفه «7» ، ومنهم من يسرّه الله

ص: 112

لتجهيز جيش العسرة «1» فعرف الله ورسوله معروفه، ومنهم من عمل صالحا أرضى ربه فأصلح فى ذريّته الشريفه؛ وبعد، فإن من الطاف الله بعباده، واكتناف عواطفه ببلاده «2» ؛ أن جعلنا كلّما وهى للملك ركن شديد شيّدنا ركنا عوضه، وكلّما اعترضت للمقادير جملة بدّلنا آية مكان آية وتناسينا تجلّدا تلك الجملة المعترضه؛ فلم نحوج اليوم لأمسه وإن كان حميدا، ولا الغارس لغرسه وإن كان ثمره يانعا وظلّه مديدا؛ فأطلعنا فى أفق السلطنة كوكب سعد «3» كان لحسن الاستخلاف معدّا، ومن لقبيل المسلمين خير ثوابا وخير مردّا، ومن بشّر الله به الأولياء المتقين وينذر به من الأعداء قوما لدّا، ومن لم يبق [إلّا به «4» ] أنسنا بعد ذهاب الذين نحبّهم [وبقى «5» ] كالسيف

ص: 113

فردا، والذى ما أمضى حدّه [فى «1» ] ضريبة إلا قدّ البيض «2» والأبدان قدّا، ولا جهّز «3» راية كتيبة إلا

أغنى «4» غناء الذاهبين

وعدّ «5» للأعداء عدّا

ولا بعثه جزع فقال: «كم من أخ لى صالح» إلا لقيه ورع فقال: «وخلقت يوم خلقت «6» جلدا» ؛ وهو الذى بقواعد السلطنة الأدرى وقوانينها الأعرف، وعلى الأولياء الأعطف وبالرعايا الأرأف، والذى ما قيل لبناء ملك: هذا عليه قد وهى إلا وقيل: هذا بناء مثله منه أسمى ملكا وأشرف، والذى ما برح النصر يتنسّم من مهابّ

ص: 114

تأميله والفلاح، ويتبسّم ثغره فتتوسّم الثغور من تبسّمه النجاح، وينقسم نوره على البسيطة فلا مصر من الأمصار إلا وهو يشرئبّ الى ملاحظة جبين عهده الوضّاح ويتّفق اشتقاق النعوت فيقول التسلّى للتملّى سواء الصالح والصلاح؛ والذى ما برح لشعار السلطنة الى توقّله «1» وتنقّله أتمّ حنين، وكأنّما كوشفت الإمامة العبّاسيّة بشرف مسمّاه فيما تقدّم من زمن من سلف من حين «2» ، فسمّت ووسمت باسمه أكابر الملوك [وأخاير «3» السلاطين] فخوطب كلّ منهم مجازا لا كهذه الحقيقة ب «خليل» أمير المؤمنين؛ والذى كم جلا بهاء جبينه من بهيم، وكم غدا الملك بحسن رأيه «4» ويمن آرائه يهيم وكم أبرأ مورده العذب هيم عطاش ولا ينكر الخليل اذا قيل عنه: إنه إبراهيم «5» ؛ ومن تشخص الأبصار لكماله يوم ركوبه حسيره، وتلقى البنان سلاحها ذهلا وهى لا تدرى لكثرة الإيماء إلى جلاله إذا يبدو مسيره؛ والذى ألهم الله الأمّة بجوده ووجوده صبرا جميلا، وآتاهم من نفاسة كرمه وحراسة سيفه وقلمه تأمينا وتأميلا، وعظم فى القلوب والعيون، بما من برّه سيكون، فسمّته الأبوّة الشريفة ولدا «6» وسمّاه الله: خليلا؛ ولمّا تحتّم من تفويض أمر الملك اليه ما كان الى

ص: 115

وقته المعلوم قد تأخّر، وتحيّن «1» حينه فكمل بزيادة «2» كزيادة الهلال حين بادر تمامه فأبدر؛ اقتضى حسن المناسبة لنصائح الجمهور، والمراقبة لمصالح الأمور، والمصاقبة «3» لمناحج البلاد والثغور، والمقاربة «4» من فواتح كل أمر ميسور؛ أن نفوّض اليه ولاية العهد الشريف بالسلطنة الشريفة المعظّمه، المكّرمة المفخّمة المنظّمة؛ وأن تبسط يده المنيفة لمصافتحها بالعهود، وتحكيمها فى العساكر والجنود، وفى البحور والثغور وفى التّهائم والنجود؛ وأن يعقد بسيفها وقلمها كلّ قطع ووصل، وكلّ فرع وأصل وكلّ نصر ونصل؛ وكلّ ما يحمى سرحا، ويهمى منحا، وفى المثيرات فى الإعداء «5» على الأعداء نقعا وفى المغيرات صبحا؛ وفى المنع والإطلاق، وفى الإرفاد «6» والإرفاق وفى الخميس إذا ساق «7» ، وفى الخمس «8» اذا انساق، وفى السيوف «إذا بلغت التّراقى وقيل:

من راق» ، وفى الرماح إذا التفّت الساق منها بالساق؛ وفى المعاهدات والهدن

ص: 116

وفى الفداء بما عرض من عرض وبالبدن للبدن «1» ، وفيما ظهر من أمور الملك وما بطن، وفى جميع ما تستدعيه بواعثه فى السرّ والعلن، وتسترعيه «2» نوافثه من كبت وكتب متفرّقين أو فى قرن؛ عهدا مباركة عوذه «3» وتمائمه، وفواتحه وخواتمه، ومناسمه «4» ومواسمه، وشروطه ولوازمه

[على «5» عاتق الملك الأغرّ نجاده

وفى يد جبّار السموات قائمه]

لا رادّ لحكمه، ولا ناقض لبرمه «6» ، ولا داحض لما أثبتته الأقلام من مكنون علمه.

ويزيده «7» مرّ الليالى جدّة

وتقادم الأيام حسن شباب

ص: 117

وتلزم السنون والأحقاب، استيداعه حتى «1» الذّرارىّ والأعقاب؛ فلا سلطان ذا قدر وقدره، وذا أمر وإمره؛ ولا نائب فى مملكة قربت أو بعدت، ولا مقدّم جيوش أتهمت أو أنجدت؛ ولا راعى ولا رعيّه، ولا ذا حكم فى الأمور الشرعيّه؛ ولا قلم إنشاء ولا قلم حساب، ولا ذوى أنساب ولا ذوى أسباب؛ إلا وكلّ داخل «2» فى قبول عقد هذا العهد الميمون، ومتمسّك بمحكم آيات كتابه المكنون والتسليم لنصّه الذى شهدته من الملائكة الكرام الكاتبون؛ وأمست بيعته بالرضوان محفوفه، والأعداء يدعونها تضرّعا وخيفه، فليشكروا الصنع الذى بعد أن كانت الخلفاء تسلطن الملوك قد صار سلطانهم يقيم لهم من ولاة العهد خليفة بعد خليفه؛ وأمّا الوصايا فأنت يا ولدنا الملك الأشرف- أعزّك الله- بها الدّرب ولسماع شدوها وحدوها الطّرب، الذى للّغو لا يضطرب؛ فعليك بتقوى الله فإنها ملاك سدادك، وهلاك أضدادك؛ وبها يراش جناح نجاحك، ويحسن اقتداء اقتداحك؛ فاجعلها دفين جوانح تأمّلك ووعيك، ونصب عينى أمرك ونهيك؛ والشرع الشريف فهو قانون الحقّ المتّبع، وناموس «3» الأمر المستمع؛ وعليه مدار إيعاء كلّ إيعاز «4» ، وبه يتمسّك من أشار «5» وامتاز، وهو جنّة والباطل نار

ص: 118

فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ

؛ فلا تخرج فى كلّ حال عن لوازمه وشروطه ولا تنكب عن معلّقه ومنوطه؛ والعدل، فهو مثمّر غروس الأموال، ومعمر بيوت الرجاء والرجال، وبه تزكو الأعمار والأعمال؛ فاجعله جامع أطراف مراسمك، وأفضل أيّام مواسمك؛ وسم به فعلك، وسمّ به فرضك ونفلك؛ ولا تفرد به فلانا دون فلان ولا مكانا دون مكان، واقرنه «1» بالفضل، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ

؛ وأحسن التخويل، وأجمل «2» التنويل، وكثّر لمن حولك التموين والتمويل؛ وضاعف الخير فى كلّ مضاف لمقامك، ومستضيف «3» بإنعامك، حتى لا تعدم فى كلّ مكان وكلّ زمان من النعماء ضيافة الخليل «4» ؛ والثغور، فهى للممالك مباسمها فاجعل نواجذها تفترّ عن أحسن ثنايا الصّون، ومراشفها شنبة «5» الشّفاه «6» بحسن العون؛ ومنها بما يحمى السّرح منها، وأعنها بما يدفع المكاره عنها؛ فإنها للنصر مقاعد، وبها حفظ البلاد من كلّ مارّ من الأعداء مارد؛ وأمراء الجيوش، فهم السّور الواقى بين يدى كلّ

ص: 119

سور، وما منهم إلّا بطل بالنصر مشهور كما سيفه مشهور؛ وهم ذخائر الملوك وجواهر السلوك، وأخاير الأكابر الذين خلصوا من الشكوك؛ وما منهم إلا من له حرمات «1» سلفت، وحقوق عرفت، وموات على استلزام «2» الرعاية للعهود وقفت؛ فكن لجنودهم «3» متحبّبا، ولمرابعهم مخصبا، ولمصالحهم مرتّبا، ولآرائهم مستصوبا وللاعتضاد بهم مستصحبا، وفى حمدهم مطنبا، وفى شكرهم مسهبا؛ والأولياء المنصوريّين الذين هم كالأولاد، ولهم سوابق أمتّ من سوابق الإيجاد «4» ؛ وهم من عملت استكانة «5» من «6» قربنا، ومكانة من قلبنا، وهم المساهمون فيما ناب، وما برحوا للدولة الظفر والناب؛ فأسهم لكلّ منهم من احترامك نصيبا، وأدم لهم ارتياحك، وألن «7» جماحك وقوّ بهم سلاحك، تجد منهم ضروبا، وتر كلّا منهم فى أعدائك ضروبا؛ وكما أنّا نوصيك بجيوش الإسلام، كذلك نوصيك بالجيش الذى له المنشآت فى البحر كالأعلام؛ فهو جيش الأمواه والأمواج، المضاف الى الأفواج من جيش الفجاج؛ وهو الجيش السّليمانىّ فى إسراع السّير، وما سمّيت شوانيه «8» غربانا إلا ليجمع بها لنا

ص: 120

ما اجتمع لسليمان صلى الله عليه وسلم من تسخير الريح والطير؛ وهى من الديار المصريّة على ثبج البحر الأسوار، فإن قذفت قذفت الرعب فى قلوب الأعداء وإن أقلعت «1» قلعت منهم الآثار؛ فلا تخله من تجهيز جيشه، وسكّن طيش البحر بطيشه؛ فيصبح لك جيشان كلّ منهما ذو كرّ وفرّ، هذا فى برّ بحر وهذا ببحر برّ؛ وبيوت العبادات فهى التى الى مصلّى سميّك خليل الله تنتهى محاريبها، وبها لنا ولك وللمسلمين سرى الدعوات وتأويبها «2» ؛ فوفّها نصيبها المفروض غير منقوص، ومر برفعها وذكر اسم الله فيها حسب الأمر المنصوص؛ وأخواتها من بيوت الأموال الواجدات»

الواجبات من حيث أنها كلّها بيوت لله هذه للصّلاة وهذه للصلات؛ وهذه كهذه فى رفع المنار، وجمع المبارّ، واذا كانت تلك مما أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فهذه ترفع ويذكر فيها اسمه حتى على الدرهم والدينار؛ فاصرف اليها اجتهادك فيما يعود [عليها] بالتثمير، كما يعود على تلك بالتنوير؛ وعلى هذه بإشحانها «4» بأنواع الصروف، كإشحان «5» تلك باستواء الصفوف؛ فإنها إذا أصبحت مصونه، احتملت بحمد الله المعونه

ص: 121

وكفلت بالمؤونة وبالزيادة على المؤونه، فتكمّل هذه لكلّ ولىّ دنياه كما كمّلت تلك لكل ولىّ دينه؛ وحدود الله، فلا يتعدّاها أحد، ولا يرأف فيها ولد بوالد ولا والد بولد؛ فأقمها وقم فى أمرها حتى تنضبط أتم الضبط، ولا تجعل يد القتل مغلولة إلى عنقها ولا تبسطها كلّ البسط، فلكلّ من الجنايات والقصاص شرط شرطه الله وحدّ حدّه فلا يتجاوز أحد ذلك الحدّ ولا يخرج عن ذلك الشرط؛ والجهاد فهو الدّيدن المألوف من حين نشأتنا ونشأتك فى بطون الأرض وعلى ظهور الخيل فمل على الأعداء كل الميل، وصبّحهم من فتكاتك بالويل بعد الويل، وارمهم بكلّ شمّرىّ «1» قد شمّر من يده عن الساعد ومن رمحه عن الساق ومن جواده الذّيل «2» ؛ واذهب بهم فى ذلك كلّ مذهب، وأبن «3» بنجوم الخرصان «4» كلّ غىّ وغيهب وتكثّر «5» فى غزوهم من الليل بكلّ أدهم ومن الشّفق بكلّ أحمر وأشقر [ومن الأصيل بكلّ أصفر «6» ] ومن الصبح بكلّ أشهب، وانتهب «7» أعمارهم واجعلها آخر ما يسلب

ص: 122

وأوّل ما ينهب؛ ونرجو أن يكون الله قد خبأ لك من الفتوحات ما يستنجزها لك صادق وعده، وأن ينصر بك جيوش الإسلام فى كلّ إنجاد وإتهام وما النصر إلا من عنده؛ وبيت الله المحجوج من كلّ فجّ، المقصود من كل نهج؛ يسّر سبيله، ووسّع الخير وأحسن تسبيله «1» ، وأوصل من برّك لكلّ من الحرمين ما هو «2» له، لتصبح ربوعه بذلك مأهوله؛ واحمه ممّن يرد فيه بإلحاد بظلم، وطهّره من كلّ مكس «3» وغرم؛ ليعود نفعك على البادى والعاكف، ويصبح واديه وناديه مستغنيين بذلك عن السحاب الواكف؛ والرّعايا، فهم للعدل زروع، وللاستثمار فروع، ولاستلزام «4» العمارة شروع «5» ؛ فمتى جادهم غيث أعجب الزّرّاع نباتهم، ونمت بالصلاح أقواتهم، وصلحت بالنّماء أوقاتهم، وكثرت للجنود مستغلّاتهم، وتوافرت زكواتهم، وتنوّرت مشكاتهم «والله يضاعف لمن يشاء» ؛ هذا عهدنا للسيّد الأجلّ الولد الملك الأشرف صلاح الدنيا والدّين، فخر الملوك والسلاطين، خليل أمير المؤمنين- أعزّنا الله ببقائه- فليكن

ص: 123

بعروته متمسّكا، وبنفحته متمسّكا «1» ؛ وليتقلّد سيف هذا التقليد، ويفتح مغلق كلّ فتح منه بخير إقليد «2» ، وها نحن قد كثّرنا لديه جواهره فدونه ما يشاء تحليته:

من تتويج مفرّق وتختيم أنامل وتسوير زند وتطويق جيد، ففى كلّ ذلك تبجيل وتمجيد؛ والله تعالى يجعل استخلافه للمتقين إماما، وللدين قواما، وللمجاهدين اعتصاما، وللمعتدين انقصاما، ويطفئ بمياه سيوفه نار كلّ خطب حتى تصبح كما أصبحت نار سميّه صلى الله عليه وسلم بردا وسلاما؛ إن شاء الله تعالى.

وكلامه رحمه الله كثير ورسائله مشهورة، وبيد الناس من إنشائه ما لو استقصيناه لطال وانبسط، وقد قدّمنا فى كتابنا هذا من كلامه فى باب التهانى بالفتوح ما تجده فى موضعه ونختم كلامه بشىء من أدعية الملوك، وهى:

ومكّن الله له فى الأرض، وجعل طاعته واجبة وجوب الفرض، وأيّد آراءه بالملائكة فى الحلّ والعقد والإبرام والنقض.

آخر: وأنجز له من النصر صادق وعده، وجعل الملوك من عبيده والملائكة من جنده، ومتّعه بما وهبه من الملك الذى لا ينبغى لأحد من بعده.

آخر: وحفظه بمعقّبات من أمره، وحمى حمى الدين بقصار بيضه وطوال سمره، وجعل قدر مملكته فى الدهر كليالى قدره، وألبس أولياءه من طاعته ما يجرّون أذيال فخره.

ص: 124

آخر: ولا زالت الدنيا بعدله مخضرّة الوهاد والرّبا، والامال بفضله قائلا لها النجح: مرحبا، والأقدار لنصره مسدّدة السهام مرهفة الظّبا، والأيّام لا تعدم من جميل أثره وجليل تأثيره فعلا مطربا، ووصفا مطيّبا. وجعلت ملكه موصولا بحبل لا يحلّ عقده، وحرمه محروسا بسيف التوفيق لا يفلّ حدّه. ولا زالت راياته ألسنة تنذر أعداءه بالفرار، وتبشّر أولياءه بالقرار، وآراؤه أعلاما عالية المنار واضحة الأنوار. وأنجز له عداته فى عداته، وجعل النصر والتوفيق مصاحبين لآرائه وراياته. وأناله النصر الذى يغنيه عن الحيلة والحول، وعقد السعد بعرا «1» ما يمضيه من الفعل والقول، وبوّأ أولياءه جنّة من النصر ما فيها غائلة وجنّة من العزّ ما فيها غول. وقصم بمهابته كلّ جبّار عنيد، وعصم كلّ من يأوى من رجائه إلى ركن شديد. وآتاه من التأييد سلطانا نصيرا، وجعل جيشه أكثر قوى وأقوى نفيرا. ولا زالت الآمال بسحابه مخضرّة الرّبا والوهاد، والتأييد بتمكينه مناديا فى كلّ ناد، والدنيا بملكه مسرورة الأسرار «2» حالية الأجياد، والأقدار لأمره متكفّلة بالنفاد «3» .

وطرّز بأيامه ملابس السّير، وأحلّ أمره أعلى هضبات النصر والظّفر، وحلّى أجياد الممالك من عدله وبذله بأشرف الدّرر، ولا برح القدر يوافق قصوده «4» فيقول للقدر:

ص: 125