المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر شىء من الأبيات الداخلة فى هذا الباب - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٨

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثامن

- ‌[تتمة الفن الثاني في الإنسان وما يتعلق به]

- ‌[تتمة القسم الخامس في الملك وما يشترط فيه و

- ‌[تتمة الباب الرابع عشر في الكتابة وما تفرع من أصناف الكتاب]

- ‌[تتمة ثم الكتابة بحسب من يحترفون بها على أقسام]

- ‌[تتمة ذكر كتابة الإنشاء وما اشتملت عليه]

- ‌ذكر نبذة من كلام القاضى الفاضل الأسعد محيى الدين

- ‌ذكر شىء من رسائل الشيخ الإمام الفاضل ضياء الدين

- ‌ومثل صدر هذه الرسالة لبعض الكتاب المتقدّمين

- ‌ولنعد الى كلام الشيخ ضياء الدين بن القرطبى

- ‌وكتب إليه أيضا شفاعة فى بعض الأعيان

- ‌وكتب إلى الصاحب قاضى القضاة بدر الدين السنجارى

- ‌وكتب الى القاضى شمس الدين الأصفهانى الحاكم

- ‌ومن إنشائه رحمه الله تقليد السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل بولاية عهد السلطنة

- ‌ذكر شىء من إنشاء المولى الماجد السالك

- ‌وكتب تقليدا مظفّريّا للأمير سيف الدين سلار المنصورىّ بنبابة السلطنة الشريفة

- ‌ومن انشائه أيضا أعزه الله تعالى مقامة عملها فى سنة اثنتين وسبعمائة

- ‌ذكر شىء من إنشاء المولى الفاضل الصدر الكبير الكامل؛ البارع الأصيل، الأوحد النبيل؛ تاج الدين عبد الباقى بن عبد المجيد اليمانى

- ‌ومن إنشائه تقليد السلطان الملك الناصر لما ترك الديار المصرية وأقام بالكرك

- ‌ذكر شىء من الأبيات الداخلة فى هذا الباب

- ‌ولنصل هذا الفصل بذكر هفوات الأمجاد وكبوات الجياد

- ‌ذكر شىء من الحكم

- ‌ومن الأبيات المناسبة لهذا الفصل قول الأضبط بن قريع:

- ‌ذكر كتابة الديوان وقلم التصرف وما يتصل بذلك

- ‌ذكر اشتقاق تسمية الديوان ولم سمّى ديوانا ومن سمّاه بذلك

- ‌ذكر ما تفرّع عن كتابة الديوان من أنواع الكتابات

- ‌ذكر مباشرة ديوان الجيش وسبب وضع الدواوين وأول من وضعها فى الإسلام

- ‌وأما دواوين الأموال

- ‌وأما ديوان العراق

- ‌ويحتاج إلى بسط جريدة إقطاع صورتها:

- ‌ويحتاج إلى أن يتعاهد مباشرى المعاملات والبرور

- ‌ويحتاج أيضا إلى بسط جريدة ثالثة بأسماء أرباب النقود والمكيلات خاصّة

- ‌ويحتاج أيضا الى أوراق أخر تتضمن أسماء أمراء الميمنة وأمراء الميسرة، والجالس

- ‌ويحتاج الكاتب إلى تحرير شواهده وحفظها

- ‌ويحتاج إلى أنه مهما انحلّ من الإقطاعات

- ‌ويحتاج مباشر الجيش إلى مراجعة جرائده:

- ‌وأما مباشرة الخزانة

- ‌ومنها ضبط ما يصل إلى الخزانة من تقادم الملوك والنوّاب

- ‌ومنها تجهيز ما جرت العادة بأن يجهّز فى خزائن الصحبة عند استقلال ركاب السلطان من مقرّ ملكه

- ‌ومنها تحرير ما يصل إليه من الأقمشة من دار الأعمال

- ‌وأما مباشر بيت المال

- ‌ذكر مباشرة البيوت السلطانية

- ‌وأما الشراب خاناه

- ‌وأما الفراش خاناه

- ‌وأما السلاح خاناه

- ‌ذكر الجزية الواجبة على أهل الذمّة و

- ‌أما الأحكام الشرعيّة

- ‌وأما ما اصطلح عليه كتّاب التصرّف

- ‌وأما ما يلزم مباشر الجوالى وما يحتاج الى عمله

- ‌ذكر جهات الخراجىّ وأنواعه وما يحتاج اليه مباشره

- ‌أما الديار المصريّة وأوضاعها وقوانينها وما جرت عليه قواعدها على ما استقرّ فى زماننا هذا وتداوله الكتّاب

- ‌وأما الخراج الراتب

- ‌وأما جهات الخراجىّ بالشام وكيفيّتها وما يعتمد عليه مباشروها

- ‌وأما ما يشترك فيه الهلالىّ والخراجىّ ويختلف باختلاف أحواله فجهات

- ‌أما المراعى

- ‌وأما المصايد

- ‌وأما الأحكار

- ‌وأما أقصاب السكّر ومعاصرها

- ‌ذكر كيفية الاعتصار والطبخ وتقدير المتحصّل

- ‌وأما أقصاب الشأم

- ‌ذكر أوضاع الحساب وما يسلكه المباشر ويعتمده فيها

- ‌أوّل ما يحتاج اليه كلّ مباشر أن يضع له تعليقا ليوميّته

- ‌ثم يكتب العامل مخزومة يورد فيها المستخرج والمحضر والمجرى والمصروف

- ‌ذكر ما ينتج عن التعليق من الحسبانات بعد المخازيم

- ‌فأما الختم

- ‌وأما التوالى

- ‌ولهم أيضا توال يسمّونها توالى الارتفاع

- ‌ولهم أيضا توالى الاعتصار

- ‌وأما الأعمال

- ‌فأما أعمال الغلال والتقاوى

- ‌وأما عمل الاعتصار

- ‌وأما عمل المبيع

- ‌وأما عمل المبتاع

- ‌وأما عمل الجوالى

- ‌وأما عمل الخدم والجنايات والتأديبات

- ‌وأما السياقات

- ‌فأما سياقة الأسرى والمعتقلين

- ‌وأما سياقة الكراع

- ‌وأما سياقة العلوفات

- ‌وأما الارتفاع

- ‌ومن أبواب المضاف ما يضاف بالقلم

- ‌ومن وجوه المضاف الغريبة: المستعاد نظير المعاد

- ‌وأما الحواصل المعدومة المساقة بالأقلام

- ‌ومما يلزم الكاتب رفعه المحاسبات

- ‌ومما يلزم الكاتب رفعه ضريبة أصول الأموال ومضافاتها عن كلّ سنة كاملة

- ‌ويلزمه رفع المؤامرات

- ‌ويلزمه رفع ضريبة ما يستأدى من الحقوق

- ‌ومما يلزمه رفعه فى كلّ سنة تقدير الارتفاع

- ‌ويلزمه فى كل ثلاث سنين رفع الكشوف الجيشيّة

- ‌ذكر أرباب الوظائف وما يلزم كلا منهم مع حضور رفقته ومع غيبتهم وما يسترفعه كل مباشر عند مباشرته وما يلزمه عمله

- ‌وأما الناظر على ذلك

- ‌وأما صاحب الديوان

- ‌وأما مقابل الاستيفاء

- ‌وأما المستوفى

- ‌وأما المشارف

- ‌وأما الشاهد

- ‌وأما العامل

الفصل: ‌ذكر شىء من الأبيات الداخلة فى هذا الباب

إليه تفصيلا وإجمالا، ونراعى معه أدب أسلافه الكرام حالا فحالا، وإنّا لا نخليه من تجهيز مثال يتضمّن من محاسنه سيرا وأمثالا، ولولا عرف السلطنة ونظام المملكة يقتضيان ذلك ما جهّزنا إلى بابه الشريف مثالا، فلذلك خرج الأمر الشريف بكذا وكذا.

هذا ما اتفق إيراده فى هذا الفصل من رسائل الكتّاب، وكتّاب العصر- أعزّهم الله تعالى- كثير، وكلامهم مشهور، ومدوّن بأيدى الناس ومحفوظ فى صدورهم، ولم نشترط أن نورد لجميعهم فنلتزم الشرط، ولو فعلنا ذلك لطال الكتاب وخرج عن شرطه، وانما خصصنا هؤلاء بالذكر لتعلّقنا بهم، واتصال سببنا فى الوداد بسببهم.

‌ذكر شىء من الأبيات الداخلة فى هذا الباب

«1»

فمن ذلك قول بعض الشعراء:

إنّى لعظم تشوّقى

وشديد وجدى واكتئابى

أصبحت أحسد من يفو

ز بقربكم حتى كتابى

وقال آخر:

وما تأخّر كتبى عنك من ملل

طوبى «2» لودّك يا بن السادة النّجب

لكن حسدت كتابى أن يراك وما

أراك فاخترت إمساكى عن الكتب

ص: 163

[وقال «1» آخر] :

عقت الرسائل طامعا أن نلتقى

فأبى الزمان يتيح لى ما أطلب

وتأخّرت كتبى فقلت أعاتب

فى ذاك أنت علىّ أم متعتّب «2»

فإذا «3» وجدتك فى الضمير ممثّلا

أبدا تناجينى إلى من أكتب

وقال آخر:

الكتب تكتب للبعي

د وانت من قلبى قريب

فإذا وجدتك فى الفؤا

د فمن أكاتب أو أجيب

وقال آخر:

لو أنّ كتبى بقدر الشوق واصلة

كانت إليك مع الأنفاس تتّصل

لكنّنى والذى يبقيك لى أبدا

على جميل اعتقادى فيك أتّكل

وقال آخر:

وفى الكتب نجوى من يعزّ لقاؤه

وتقريب من لم يدن منه مزار

فلم تخلنى «4» منها وتعلم أنّها «5»

لعينى وقلبى قرّة وقرار

وقال آخر:

سألتك عوّذنى بكتبك إنّ لى

شياطين شوق لا تفارق مضجعى

إذا استرقت أسرار فكرى تمرّدا

بعثت إليها فى الدجى شهب أدمعى

ص: 164

وقال آخر:

أتبخل بالقرطاس والخط عن أخ

وكفّاك أندى بالعطايا من المزن

لعمرى لقد قوّى جفاؤك ظنّتى

وأوهن تأميلى وما كان ذا وهن

وقال آخر:

أظنّ القراطيس فى مصركم

تخوّنها ريب دهر خؤون

فلو أنها صفحات الخدو

د يكتب فيها بماء الجفون

لما أعوزتك ولكن جفوت

فألقيت شأنى خلال الشؤون

وقال المتنبّى فى جواب كتاب ورد عليه:

بكتب الأنام كتاب «1» ورد

فدت يد كاتبه كلّ يد

يعبّر عما له عندنا

ويذكر من شوقه ما نجد

وقال أبو الفتح البستىّ:

لمّا أتانى كتاب منك مبتسم

عن كل فضل وبرّ غير محدود

حكت معانيه فى أثناء أسطره

آثارك البيض فى أحوالى السود

وقال آخر:

طلع الفجر من كتابك عندى

فمتى باللقاء يبدو الصباح

وقال آخر:

ولمّا أتانى بعد هجر كتابكم

وفيه شفاء الواله الدنف المضنى

سررت به حتى توهّمت أنه

كتابى وقد أعطيته بيدى اليمنى

ص: 165

وقال آخر:

نفسى الفداء لغائب عن ناظرى

ومحلّه فى القلب دون حجابه

لولا تمتّع مقلتى بلقائه

لوهبتها لمبشّرى بكتابه

وقال آخر:

ورد الكتاب مبشّرا

نفسى بأوقات «1» السرور

وفضضته فوجدته

ليلا على صفحات نور

مثل السوالف والخدو «2»

د البيض زينت بالشعور

أنزلته منّى بمنزلة

القلوب من الصدور

وقال آخر فى كتاب عدم فلم يصل إليه:

نبّئت أنّ كتابا

أرسلته مع رسول

ملأته منك طيبا

فضاع قبل الوصول

ومما يتصل بهذا الباب ويلتحق «3» به، ويحتاج الكاتب إلى معرفته والاطلاع عليه الحجّة البالغة والأجوبة الدامغة.

فمن ذلك فى التنزيل قوله عز وجل: وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ* قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ.

وقوله تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً* أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى * ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى* فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى * أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى.

ص: 166

وقوله تعالى حكاية عن إبراهيم: وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ.

وقوله تعالى: قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا.

وقوله تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ.

وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ.

وقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ.

وقال تعالى فى الدّلالة على إثبات نبوّة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ* أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ

، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يعرف فى قريش بالصادق الأمين وقوله تعالى: قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ

ولمّا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا معشر قريش لو قلت لكم إنّ خيلا تطلّع عليكم من هذا الجبل كنتم تصدّقونى «1» ؟ قالوا: نعم؛ قال:

ص: 167

فإنّى «نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ»

فلمّا أقرّوا بصدقه خاطبهم بالإنذار، ودعاهم إلى الإسلام. فهذه حجج من الكتاب والسنّة لا جواب عنها ولمّا انتهى إلى علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه يوم السّقيفة أنّ الأنصار قالت: منّا أمير ومنكم أمير؛ قال علىّ: فهلّا احتججتم عليهم بأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بأن يحسن إلى محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم؛ قالوا: وما فى هذا من الحجة عليهم؟ قال: لو كانت الإمارة فيهم لم تكن الوصيّة بهم.

ولمّا قال الحباب بن المنذر فى يوم السّقيفة أيضا: أنا جذيلها «1» المحكّك وعذيقها «2» المرجّب، إن شئتم كررناها جذعة «3» ، منّا أمير ومنكم أمير، فإن عمل المهاجرىّ شيئا فى الأنصارىّ ردّه عليه الأنصارىّ، وإن عمل الأنصارىّ شيئا فى المهاجرىّ ردّه عليه المهاجرىّ؛ أراد عمر الكلام، فقال أبو بكر رضى الله عنه: على رسلك «4» ، نحن المهاجرين أوّل الناس إسلاما، وأوسطهم دارا، وأكرم الناس حسبا، وأحسنهم وجوها، وأكثر الناس ولادة «5» فى العرب، وأمسّهم رحما بالرسول صلّى الله

ص: 168

عليه وسلّم، أسلمنا قبلكم، وقدّمنا فى القرآن عليكم، وأنتم إخواننا فى الدّين، وشركاؤنا فى الفىء، وأنصارنا على «1» على العدوّ، آويتم وواسيتم، فجزاكم الله خيرا، نحن الأمراء وأنتم الوزراء، لا تدين العرب الا لهذا الحىّ من قريش. قالوا: قد رضينا وسلّمنا.

قال بعض اليهود لعلى رضى الله عنه: ما دفنتم «2» نبيّكم حتى اختلفتم؛ فقال: انما اختلفنا عليه «3» لا فيه، ولكنكم ما جفّت أرجلكم من البحر حتى قلتم لنبيّكم: اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ.

وقال حاطب بن أبى بلتعة: لما بعثنى النبىّ صلى الله عليه وسلم الى المقوقس ملك الإسكندريّة بكتابه، أتيته وأبلغته الرسالة، فضحك ثم قال: كتب إلىّ صاحبك يسألنى أن أتّبعه على دينه، فما يمنعه إن كان نبيا أن يدعو الله فيسلّط علىّ البحر فيغرقنى فيكتفى مؤنتى، ويأخذ ملكى؟ قلت: ما منع عيسى عليه السلام إذ أخذته اليهود فربطوه فى حبل، وحلقوا وسط رأسه، وجعلوا عليه إكليلا من شوك، وحملوا خشبته التى صلبوه عليها على عاتقه، ثم أخرجوه وهو يبكى حتى نصبوه على الخشبة ثم طعنوه حيّا بحربة حتى مات- على زعمكم- فما منعه أن يدعو الله فينجيه ويهلكهم، ويكتفى مؤنتهم، ويظهر هو وأصحابه عليهم؟ وما منع يحيى بن زكريّا حين سألت امرأة الملك الملك أن يقتله فقتله وبعث برأسه اليها حتى وضع بين يديها أن يسأل الله أن يحميه ويهلكهم؟ فأقبل على جلسائه وقال: والله إنه لحكيم، وما تخرج الحكم إلّا من عند الحكماء.

ص: 169

وخطب معاوية بن أبى سفيان ذات يوم وقال: إن الله تعالى يقول:

(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ)

فما نلام نحن؛ فقام اليه الأحنف بن قيس فقال له: يا معاوية، إنا والله ما نلومك على ما فى خزائن الله، وإنّما نلومك على ما آثرك الله [به «1» ]«2» علينا من خزائنه فأغلقت بابك دونه.

وقال معاوية لرجل من اليمن: ما كان أحمق قومك حين ملّكوا عليهم امرأة! قال: قومك أشدّ حماقة إذ قالوا: «اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السّماء أو ائتنا بعذاب أليم» أفلا قالوا: اهدنا له.

وقيل: مرّت امرأة من العرب بمجلس من مجالس بنى نمير، فرماها جماعة منهم بأبصارهم، فوقفت ثم قالت: يا بنى نمير، لا أمر الله تعالى أطعتم، ولا قول الشاعر سمعتم، قال الله تعالى:(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ)

وقال الشاعر «3» :

فغضّ الطرف إنّك من نمير

فلا كعبا بلغت ولا كلابا

فما اجتمع منهم بعد ذلك اثنان فى مجلس.

وقيل: استعمل عتبة بن أبى سفيان رجلا من أهله على الطائف، فظلم رجلا من أزد شنوءة، فأتى الأزدىّ عتبة فقال:

أمرت من كان مظلوما ليأتيكم

فقد أتاكم غريب الدار مظلوم

ص: 170

ثم ذكر ظلامته، فقال عتبة: إنّى أرى أعرابيّا جافيا، والله ما أحسبك تدرى كم تصلّى فى اليوم والليلة؛ فقال: إن أنبأتك ذلك تجعل لى عليك مسألة؟ قال:

نعم؛ فقال الأعرابىّ:

إنّ الصلاة أربع وأربع

ثم ثلاث بعدهنّ أربع

ثم صلاة الفجر لا تضيّع

قال: صدقت فاسأل؛ فقال: كم فقار ظهرك؟ فقال: لا أدرى؛ قال: أفتحكم بين الناس وأنت تجهل هذا من نفسك؟ فأمر بردّ ظلامته عليه.

وقال الحجّاج بن يوسف ليحيى بن سعيد بن العاصى «1» : بلغنى أنّك تشبه إبليس فى قبح وجهك؛ قال: وما ينكر الأمير من أن يكون سيّد الإنس يشبه سيّد الجنّ؟.

وقال لسعيد بن جبير: اختر لنفسك أىّ قتلة شئت؛ قال: اختر أنت فإنّ القصاص أمامك.

وحكى أن حويطب «2» بن عبد العزّى بلغ عشرين ومائة سنة، ستين فى الجاهليّة وستين فى الإسلام، فلما ولى مروان بن الحكم المدينة دخل عليه حويطب، فقال له مروان: لقد تأخّر إسلامك أيها الشيخ حتى سبقك «3» الاحداث؛ فقال: والله لقد «4» هممت

ص: 171

بالإسلام غير مرّة كلّ ذلك يعوقنى أبوك عنه «1» وينهانى، ويقول: أتدع دين آبائك «2» [لدين «3» محدث] ؟! أما أخبرك عثمان ما كان قد لقى من أبيك حين أسلم.

وقيل: لمّا ظفر الحجّاج بابن الأشعث وأصحابه أمر بضرب أعناقهم، حتى أتى على رجل من تميم، فقال التميمىّ: أيها الأمير، والله لئن «4» أسأنا فى الذنب ما «5» أحسنت فى العقوبة؛ فقال الحجاج: وكيف ذاك؟ قال: لأنّ الله تعالى يقول: (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً)

فو الله ما مننت ولا فاديت «6» ؛ فقال الحجّاج: أفّ «7» لهذه الجيف، أما كان منهم من يحسن مثل هذا؟ وأمر بإطلاق من بقى وعفا عنهم.

وحكى أن الرشيد سأل موسى بن جعفر فقال: لم قلتم إنّا ذرّيّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجوّزتم للناس أن ينسبوكم اليه ويقولوا: يا [بنى «8» ] نبىّ الله وأنتم

ص: 172

بنو علىّ، وانما ينسب الرجل إلى أبيه دون جدّه؛ فقرأ «1» :(وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ)

وليس لعيسى أب، وانما لحق بذرّيّة الأنبياء من قبل أمّه؛ وكذلك ألحقنا بذرّيّة الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل أمّنا فاطمة- عليها السلام وأزيدك يا أمير المؤمنين، قال الله تعالى:(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ)

ولم يدع صلى الله عليه وسلم فى مباهلة «2» النصارى غير فاطمة والحسن والحسين «3» ، وهما «4» الأبناء.

قيل: لما ولّى يحيى بن أكثم قضاء البصرة استصغر الناس سنّه، فقال له رجل: كم سنّ القاضى- أعزّه الله-؟ فقال: سنّ عتّاب «5» بن أسيد حين ولّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاء مكّة. فجعل جوابه احتجاجا.

قال يزيد بن عروة: لمّا مات كثير لم تتخلّف بالمدينة امرأة ولا رجل عن جنازته، وغلب النساء عليها، وجعلن يبكينه ويذكرن عزّة فى ندبهنّ له؛ فقال

ص: 173

أبو جعفر محمد بن علىّ الباقر: أفرجوا «1» لى عن جنازة كثيّر لأرفعها، فجعلنا ندفع النساء عنها ومحمد بن علىّ يقول: تنحّين يا صويحبات يوسف؛ فانتدبت له امرأة منهن فقالت: يا بن رسول الله، لقد صدقت، إنّا لصويحباته، ولقد كنّا له خيرا منكم له؛ فقال أبو جعفر [لبعض مواليه «2» ] : احتفظ بها حتى تجيئنى «3» بها إذا انصرفت؛ قال: فلما انصرف أتى بها وكأنّها شررة النار؛ فقال لها محمد بن علىّ: إيه «4» ، أنت القائلة: إنّكنّ ليوسف خير منّا؟ قالت: نعم، تؤمّننى غضبك يا بن رسول الله؟

فقال: أنت آمنة من غضبى فأنبئينى؛ فقالت: نحن دعوناه إلى اللّدّات من المطعم والمشرب والتمتّع والتنعّم، وأنتم معاشر الرجال ألقيتموه فى الجبّ وبعتموه بأنجس الأثمان، وحبستموه فى السجن؛ فأيّنا كان عليه أحنى، وبه أرأف؟ فقال محمد:

لله درّك! لن تغالب امرأة إلّا غلبت؛ ثم قال لها: ألك بعل؟ فقالت: لى من الرجال من أنا بعله؛ فقال أبو جعفر: ما أصدقك! مثلك من تملك الرجل «5» ولا يملكها؛ فلمّا انصرفت قال رجل من القوم: هذه فلانة «6» بنت معقب «7» .

وقال المأمون ليحيى بن أكثم: من الذى يقول:

قاض يرى الحدّ فى الزناء ولا

يرى على من يلوط من باس

ص: 174