الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غامضة الجفون فى الأغماد؛ والله تعالى يمتعنا من بركة كفالته بالخلّ الموافى «1» والأخ المواسى، ويشدّ أزر سلطاننا من مضافرته بمن أمسى جبل الحلوم «2» الرواسى؛ إن شاء الله تعالى.
ومن انشائه أيضا أعزه الله تعالى مقامة عملها فى سنة اثنتين وسبعمائة
،
على لسان من التمسها منه، فقال:
حكى أليف الغرام، وحليف السّقام؛ وقتيل العيون، وصريع الجفون؛ وفريسة الأسود، والمصاب بنبال الحدق السود؛ عن قصّته فى هواه، وقضيته التى كان فى أوّلها غناه، وفى آخرها عناه «3» ؛ قال: لم أزل فى مدّة العمر أترقّب حبيبا أتلذّذ بحبّه، وأتنعّم بقربه؛ وأحيا بانعطافه، وأسكر من ريقه بسلافه؛ وأستعذب العذاب فيه، وأرشف خمر الرضاب من فيه، وأقتطف ورد السرور من وجنتيه وأجتنيه؛ وأكتسى به لطفا، وأكتسب بمصاحبته ظرفا؛ حتى ظفرت يداى بمن رقّ وراق، ولطفت حدائق معانيه حتى كادت تخفى عن الأحداق
لطفت معانيه فهبّ مع الصّبا
…
ورقيبه بهبوبه لا يعرف
قد جمع أوصاف المحاسن والمعانى، وفاق كلّ مليح فليس له فى الحسن ثانى؛ أما قوامه، فقد ملك الفؤاد فأضحى ملكا عادلا، واستباح النفوس من اعتداله فلا غرو إن أضحى لها قاتلا
عجبا لقدّك ما ترنّح مائلا
…
إلا وقد سلب الغصون شمائلا
وأما لحاظه فقد غنيت عن الكحل بالكحل، وأذابت حبّات القلوب فى حبّ تلك المقل
وإذا رأيت الطرف يعمل فى الحشا
…
عمل الأسنّة فالقوام مثقّف
إلى غير ذلك من وجه كالبدر فى تمامه، يعلوه من شعره ما يصير به كالبدر تحت غمامه
قمر تبلّج وجهه فى حندس
…
من شعره فأضاء منه الحندس
ومقبّل أشهى من الراح، وأعطر من زهر الربا تفتّحت أكمامه عند الصباح
ومقبّل عذب كأنّ
…
رضابه برد وراح
وخدّ أمسى شقيق الشّقيق «1» ، ومبسم يرشف من شفاهه العقيق الرحيق
شفة كمحمرّ العقيق
…
ومبسم مثل الأقاح «2»
وصدغ سال على خدّه القانى، وامتدّ كدمع محبّه الأسير العانى
صبّ له دمع كصدغك سائل
…
فعساك يا مثرى الجمال تواسى
وخصر لطف ودقّ، وعلاه كثيب ردف فأثقله حتى ضنى ورقّ
يا ردفه رفقا على خصره
…
بينكما حرمة جيران
الى غير ذلك من أنواع حسن قصر عن وصفها قلمى، وعجز عن حصرها كلمى؛ وأشفقت من شرحها خوفا أن أنمّ عليه، أو أذكر ما تفرّد به من الحسن فأكون
قد أشرت اليه؛ وأنا قد تدرّعت ثوب الكتمان، وتستّرت حتى غاض من الدمع وأغضى الطرف وسكت اللسان
يقولون من هذا الذى متّ فى الهوى
…
به كلفا يا ربّ لا علموا الذى
غير أنّى قد متعت بذكر ملاحته فؤادى، ولا بدّ أن أوردها مجملة لأكمد «1» بلفظها «2» المعادى
حكاه من الغصن الرطيب وريقه
…
وما الخمر إلّا وجنتاه وريقه
هلال ولكن أفق قلبى محلّه
…
غزال ولكن سفح عينى عقيقه
بديع التثنّى راح قلبى أسيره
…
على أن دمعى فى الغرام طليقه
أقرّ له من كل حسن جليله
…
ووافقه من كل معنى دقيقه
من التّرك لا يصبيه وجد إلى الحمى
…
ولا ذكر بانات الغوير «3» يشوقه
ولا حلّ فى حىّ تلوح قبابه
…
ولا ساق فى ركب يساق وسيقه «4»
ولا بات صبّا للفريق «5» وأهله
…
ولكن إلى خاقان يعزى فريقه
يهدّد منه الطرف من ليس خصمه
…
ويسكر منه الريق من لا يذوقه
على خدّه جمر من الحسن مضرم
…
يشبّ ولكن فى فؤادى حريقه
له مبسم ينسى المدام بريقه
…
ويخجل نوّار الأقاحى بريقه
قال الراوى: فأعلمته ما خامر قلبى من هواه، وبذلت نفسى ابتغاء لرضاه
بثثت له سرّى ونحن بروضة
…
فمالت لتصغى للحديث غصون
فتلقّى ضراعتى بالرّحب والإقبال، وسفر عن وجه الرضا فبشّرت نفسى ببلوغ الآمال؛ وقلت «1» :
تذلّلت فى الشكوى إليه فرقّ لى
…
حنوّا لدمعى فى الهوى وتذلّلى
غزال لبست السّقم خلعة جفنه
…
على أننى فيه خلعت تجمّلى
تعدّل بالأعذار حتى خدعته
…
بسحر الرّقى أفديه من متعلّل
فراقب إغفاء الرقيب وهجعة السّمير
…
وراعى حين غفلة عذّلى
ووافى أخا الأشواق حلف صبابة
…
أسير هوى من وجده فى تململ
فلم أر روضا كان أحسن بهجة
…
- لعمر الهوى- من وجهه المتهلّل
فأعظمت مسراه وقبّلت خاضعا
…
ثرى خطوه شكرا الفضل التطوّل
وانعطف علىّ انعطاف الغصن الرطيب، وتمازجت قلوبنا حتى أشكل علىّ أينا «2» الحبيب؛ وفزت منه ببديع جمال تلذّ به النفوس، ورشفت من رضابه أحلى ما ترشفه الأفواه من شفاه الكؤوس
تعلّقته صائدا للقلوب
…
بألحاظه سالبا للنّهى
بديع الجمال إذا ما بدا
…
ترى فيه للعين مستنزها «3»
فكم فيه للعين من روضة
…
وكم فيه للنفس من مشتهى
يا حسنه لمّا أتى بوعد وعلى غير وعد، ويا لذاذة قربه ويا حرارة ما ذقناه بعدها من هجر وصدّ؛ فلم نزل على ذلك مدّة أغفى الدهر عنّا فيها، أقضّى حياة طابت تلذّذا وترفيها
رعى الله محبوبا نعمت بوصله
…
وقد بعدت عنّا الغداة عيون
حتى شعر بنا الدهر الخؤون، ورمانى بسهم فرقة أبعدت المنى وجلبت المنون؛ وعلم بما كتمناه الرقيب، وعجز عن داء قلبى الطبيب
لو كان للعشاق حظّ فى الهوى
…
ما كان يخلق فى الزمان فراق
فتجرّعت بعد الشّهد علقما، ولم أستطع أفتح «1» من الحزن فما؛ وهمت فى ساحة الشوق والالتياح «2» ، وفضحتنى الأدمع التى طال بها على المحبّين الافتضاح
لا جزى الله دمع عينىّ خيرا
…
وجزى الله كلّ خير لسانى
نمّ دمعى فليس يكتم شيئا
…
ووجدت اللسان ذا كتمان
كنت مثل الكتاب أخفاه طىّ
…
فاستدلّوا عليه بالعنوان
فاذا هو مرّ المذاق، وأمنع الدمع فيقول: وهل خبأتنى لأعظم من يوم الفراق
أبى الوجد أن يخفيه قلب متيّم
…
يكابده والدمع يبديه والضّنى
وكم ذاب القلب حسره، وتفتّتت الكبد فى تلك الفتره؛ على خلوة أبثّ فيها حزنى، وأفسح فيها المجال الذى ضاق به عطنى؛ فلم أظفر بخلوة فى لمحة بصر، ولا فزت بذكر كلمة أفرّج بها ما عرض من حصر
تعرّضت من شوق إليه فأعرضا
…
ولولا الهوى لم أمنح الحبّ مبغضا
وبحت إليه أنّ عندى رياضة «1»
…
عليه وما تلك الرّياضة عن رضا
قضى حبّه أنّى إذا عزّ فى الهوى
…
أذلّ وإنى قد رضيت بما قضى
لقلبى من عينيه سقم وصحّة
…
فكم مرّة فى الحبّ داوى وأمرضا
مضى لى به عيش بكيت لفقده
…
وهيهات أن يرتدّ عيش إذا مضى
وبليت «2» برقيب قد سلب الله من قلبه الإيمان، وسلّطه علىّ بغلظ الطباع وفظاظة اللسان؛ كأنه شيطان لا بل هو بعينه، لكنّه أربى عليه فى بهتانه ومينه؛ يحاقّ «3» على الكلمة الواحده، ولا يسمح بأن طرفى يمتدّ إلى تلك المحاسن التى غدت القلوب بها واجده؛ يودّ لو غطّى على بصرى، ويبدلنى مغيبى من محضرى؛ لا يفتر عن اللّوم والعذل، ولا يرى أن يقضى ساعاته إلّا فى بذل الحيل؛ يرغب فى شتات شملى، وانقطاع وصلى؛ وليس لى فى دفعه حيله، ولا فى الانتقام منه وسيله؛ وما زال حتى أحال الحبيب عن وداده، وكدر ما صفا من حسن ظنّه واعتقاده؛ وأنا أروض نفسا كادت تذوب، وأتسلّى بأيام وصاله وأقول: لعلها ترجع وتؤوب
لئن ذقت مرّ الصبر أو ملح أدمعى
…
لقد أعذبت تلك المذاقات منهلى
فلم يقنع الدهر لى بذلك، ولا رضى بالصدّ والعذل والهجر الذى هو أعظم المهالك؛ حتى قضى بالفرقة والبعاد، ورمتنى النوى بسهم فلم يخطئ الفؤاد؛ وكنت أتعلّل بالنظر، وأقول: مشاهدة هذا الوجه القمرىّ عندى أكبر وطر؛ حتى منعت الوصال والمشاهده، وندبت قلبى القريح بأدمع عينى الجامده
أحباب قلبى لقد قاسيت بعدكم
…
نوائبا صيرتنى فى الهوى مثلا
وقد تعجّبت أنّى بعد فرقتكم
…
أحيا وأيسر ما لاقيت «1» ما قتلا
وانقطعت عنّى الرسائل، وذهبت لذاذة ما اعتدته من تلك الوسائل
هل مخبر عنكم يعيش بقربه
…
ميت الرجا والصبر بعد إياس
أحبابنا قسما بساعة وصلنا
…
لم أكتحل من بعدكم بنعاس
غبتم فعندى بالفراق مآتم
…
فمتى تعود بعودكم أعراسى
وذوى غصن السرور بعد أن كان رطيبا، وفقدت لنداء ألمى مجيبا؛ وأغلقت باب الدّعه، وأسبلت هواطل أدمعى قائلا للأجفان: لا تخشى فأنت متفقة من سعه؛ ولولا التعلّل بالذكرى، والتأمّل «2» فى حسنه «3» الذى تشكّل فى مرآة القلب فسرّ سرّا؛ لقلت:
كأنّك قد ختمت على ضميرى
…
فغيرك لا يمر على لسانى
ولى عين تراك وأنت تنآى
…
كما ترنو إليك وأنت دانى
وأقرب ما يكون هواك منّى
…
إذا ما غاب شخصك عن عيانى
شغلت عن الورى بصرى وسمعى
…
كأنهما بحبّك مفردان
فهأنا لا أعاين ما بدا لى
…
سواك ولا أصيخ لمن دعانى
ثم إنّى فارقت الحياه، وبذلتها راغبا فى هواه؛ ولم أزل كذلك الى أن ظهرت آثار قربه، وسرى النسيم عطرا فعلمت قرب ركبه
وأذكرنى ذاك الصّبا «1» زمن الصّبا
…
وما الشوق إلا ما تجدّد بالذكر
فكاد قلبى يطير للقائه، ولولا تستّره بحجب الفؤاد لخرج من قوّة برحائه؛ وتذكرت كيف يكون اللقاء والاجتماع، والرقباء قد أزمعوا على المنع والدّفاع، وقلت: فارقنى على غير رضا، وجفانى من غير ذنب، ونآى عنّى من غير وداع؛ وهأنا فى غيابه وحضوره، وسخطه وسروره؛ لا أحول عن ودّه، ولا أرى إلا الوفاء بعهده
هيهات ما وجدى عليك بزائل
…
فإلام يطنب فى الملامة عاذلى
ناشدتك العهد القديم ومنا
…
بلوى الصّريم وبانه المتمايل «2»
هل تعلمنّ سوى هواك وسيلة
…
تدنى رضاك وقد جهلت وسائلى
أدنيتنى حتى إذا تيّمتنى
…
بمحاسن ومعاطف «3» وشمائل
وبحسن وجه لو تجلّى فى الدجى
…
سجد الصباح لضوئه المتكامل
ونواظر سحّارة لجفونها
…
فضل الصناعة «4» لا لساكن بابل «5»
ووقعت من قلبى بودّ قد جرى «1»
…
مجرى دمى بجوانحى ومفاصلى
قاطعتنى وسمعت قول حواسدى
…
وصرمت من بعد الوصال حبائلى «2»
ولرب ليل بتّ فيه مسهّدا
…
فردا أسامر لوعتى وبلابلى
أطوى على حرّ الغرام أضالعا
…
يطوين فيه «3» على قداح «4» النابل «5»
وهأنا أترقّب وصله، وأتوقّع عدله.
أتراه من جور الصبابة ينصف
…
ويرقّ للعانى عليه ويعطف
صبّ يرى السّلوان عنه محرّما
…
فله إليه تولّه وتلهّف
يا أهل كاظمة «6» وحقّ هواكم
…
قسما بكم وبغيركم لا يحلف
مشتاقكم ألف الصبابة فيكم
…
فكأنه لسواكم لا يعرف
فعدوه منكم بالوصال تعلّة
…
ولكم بأن تعدوا الوصال ولا تفوا
وحياتكم «7» يرعاكم فى بعدكم
…
ولقربكم فى بعدكم «8» يتشوّف