الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وليس لى ما أمت به إلا صدق الغرام، والإقدام فى حبّه «1» على ارتكاب «2» الحمام
جدّد عهود تواصل وتلاق
…
واستبق لى رمقا فليس بباق
واشفع إلى ما رقّ من ترف الصّبا
…
من وجنتيك برقّة الأخلاق
ما حقّ ذى قلب صفا لك ودّه
…
تقطيعه بقطيعه وفراق
مع ذا وذا كيف استهنت فكن أنا ال
…
موثوق «3» بى مولاى فى الميثاق
قال الراوى: فسمع شكواى وما أشكى «4» ، وقابل رقّتى بجفوة بها القلب أنكى «5» والطرف أبكى؛ ولفق أعذارا، وأقسمت عليه أن يزور فلم ير لقسمى إبرارا هذا ما اتّفق إيراده من كلامه- أدام الله علوّه- فى هذا الموضع، وسنورد إن شاء الله من كلامه أيضا ما تقف عليه فى آخر فن الحيوان فى السفر الذى يليه إن شاء الله تعالى.
ذكر شىء من إنشاء المولى الفاضل الصدر الكبير الكامل؛ البارع الأصيل، الأوحد النبيل؛ تاج الدين عبد الباقى بن عبد المجيد اليمانى
هو الذى أتقن صناعة الأدب فى غرّة شبابه، وبرزّ على من اكتهل فى طلبها وشاب فى الترقّى الى رتبها، فما ظنّك بأترابه؛ وجارى «6» ذوى الفضل فى «7» الأقطار اليمنيّة
فطلع مجلّى «1» الحلبة، وبارى نجباء الأفاضل بالمملكة التّعزّيّة «2» وكان المؤمّل «3» منهم بالنسبة إليه أرفعهم رتبه؛ وسما إلى سماء البلاغة فكان نجمها الزاهر، وارتقى إلى أفلاك البراعة فكان نيّرها الباهر، ورام من سواه الارتقاء إلى محلّه والمناوأة «4» لفضله فغدا وهو فى ذيول حيرته عاثر؛ فعند ذلك علموا عجزهم عن إدراك غاياته، واعترفوا بالتقصير عن مجاراته ومباراته؛ وحين لم يجد لفضله مجاريا، ولا عاين لفضائله مباريا؛ صار بها كالغريب وإن كان فى أهله ووطنه، والفريد «5» مع كثرة أبنائه وإخوان زمنه؛ فسمت «6» به نفسه إلى طلب العلوم من مظانّها، والاحتواء عليها فى إبّانها؛ واللّحاق بأعيان أهلها، والاختلاط بمن ارتدى بأردية فضلها؛ ورؤية من توشّح بقلائدها، وترشّح لبذل فوائدها ونظم فرائدها؛ ففارق الأقطار اليمنيّة وهى تسأله التأنّى، وتبذل لرضاه الرغبة والتمنّى؛ وهو لا يجيب مناديها ولا يعرّج على ناديها، ولا يميل الى حاضرها ولا ينظر الى باديها؛ وصرف وجهه عنها، ونفض يده منها؛ والتحق «7» بالديار
المصريّه، وانبتّ «1» فى طلب العلوم بأجمل سريرة وأحسن سيرة وأخلص نيّه؛ فبلغ فيها «2» مناه، وأدرك بها ما تمنّاه؛ وغدا وثغر فصاحته بالعلوم أشنب، وبرد بلاغته بالآداب مذهب
تناهى علاء والشباب رداؤه
…
فما ظنّكم بالفضل والرأس أشيب
ولما عاينه أعيان أهل هذا الوادى، وشاهدوه يبكّر فى طلب العلوم ويغادى؛ تلقّوه بالإكرام والترحيب، وقابلوه بالتبجيل والتقريب، وأنزلوه بالمحلّ الأرفع والفناء الخصيب؛ وعاملوه بمحض الوداد، وساواه شبابهم بالإخوة ومشايخهم بالأولاد؛ وخلطوه بالنفس والمال، وظهر له فى ابتداء أمره بقرائن الأحوال حسن المآل؛ فأصبح من عدول المصر، وأمسى وهو من أعيان العصر؛ فشكر عاقبة مسيره وحمد صباح سراه، وأجابه لسان الفضائل بالتّلبية لمّا دعاه؛ ثم ارتحل الى الشأم فجعل دمشق مقرّ وطنه، وموطن سكنه؛ ومحلّ استفادته وإفادته، ونهاية رحلته وغاية إرادته؛ فعامله أهلها بفوق «3» ما فى نفسه، فحمد يومه بها على أمسه؛ وغدا لأهل المصرين شاكرا، ولمناقبهم تاليا ولمحاسنهم ذاكرا؛ وله من النظم ما رقّت حواشيه، وراقت معانيه؛ ومن النثر ما عذب وصفا، وكمل بلاغة ولطفا؛ وحسن إعجازا، وتناسب صدورا وأعجازا؛ وقد قدّمنا من كلامه فى هذا الكتاب ما باسمه ترجمناه، ولفضائله نسبناه؛ مما تقف عليه فى مواضعه، وتغتذى بلبان مراضعه؛ فلنورد له
فى هذا الباب غير ما تقدّم إيراده وما تأخّر، ونأخذ لتصنيفنا من بلاغته بالنصيب الأوفى والحظّ الأوفر.
فمن إنشائه كتاب عن الخليفة المستكفى بالله أمير المؤمنين أبى الربيع سليمان لملك «1» اليمن-
عمله تجربة لخاطره عند ما رسم بمكاتبته، ابتدأه بأن قال:
أما بعد حمد الله مانح القلوب السليمة هداها، ومرشد العقول إلى أمر معادها ومبتداها؛ وموفّق من اختاره الى محجّة صواب لا يضلّ سالكها، ولا تظلم عند اختلاف الأمور العظام مسالكها؛ وملهم من اصطفاه اقتفاء آثار السنن النبويّه، والعمل بموجب القواعد الشرعيّه؛ والانتظام فى سلك من طوّقته الخلافة عقودها، وأفاضت على سدّته الجليلة برودها؛ وملّكته أقاصى البلاد، وناطت بأحكامه السديدة أمور العباد؛ وسارت تحت خوافق أعلامه الملوك الأكاسره، وسرت «2» بأحكامه النيّرة مناجح الدنيا ومصالح الآخره؛ وتبختر «3» كلّ منبر من ذكره فى ثوب من السيادة معلم، وتهلّلت من ألقابه الشريفة أسارير كلّ دينار ودرهم؛ يحمده أمير المؤمنين على أن جعل أمور الخلافة ببنى العباس منوطه، وجعلها كلمة باقية فى عقبه الى يوم
القيامة محوطه؛ ويصلّى على ابن عمه محمد الذى أحمد الله بمبعثه ما ثار من الفتن، وأطفأ برسالته ما اضطرم من نار الإحن؛ صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين حموا حمى الخلافة فذادوا عن مواردها، وتجهّزوا «1» لتشييد المعالم الدينيّة فأقاموها على قواعدها؛ صلاة دائمة الغدوّ والرواح، متصلا أوّلها بطرّة الليل وآخرها بجبين الصباح؛ هذا وإن الذين الذى فرض الله على الكافّة الانضمام الى شعبه، وأطلع فيه شموس هداية تشرق من مشرقه ولا تغرب فى غربه؛ جعل الله حكمه بأمرنا منوطا، وفى سلك أحكامنا مخروطا «2» ؛ وقلّدنا من أمر الخلافة سيفا طال نجاده، وكثر أعوانه وأنجاده «3» ؛ وفوّض إلينا أمر الممالك الإسلاميّة فإلى حرمنا تجبى ممراتها، ويرفع الى ديواننا العزيز نفيها وإثباتها؛ يخلّف الأسد إن مضى فى غابه شبله، ويلفى فى الخبر والخبر مثله؛ ولما أفاض الله علينا حلّة الخلافة، وجعل حرمنا الشريف محلّ الرحمة والرافه؛ وأقعدنا على سدة خلافة طالما أشرقت بالخلائف من آبائنا، وابتهجت بالسادة الغطاريف»
من أسلافنا؛ وألبسنا خلعة هى من سواد السؤدد مصبوغه، ومن
سواد العيون وسويداوات القلوب مصوغه؛ وأمضينا على سدّتنا أمور الخاصّ والعامّ، وقلّدنا أرباب الكفاية كلّ إقليم من عملنا ممن تصلح سياسته على الدوام؛ واستكفينا بالكفاة من عمّالنا على أعمالنا، واتخذنا مصر دار مقامنا، وبها سدة مقامنا لما كانت فى هذا العصر قبّة الإسلام، وفيئة «1» الإمام، وثانية دار السلام؛ تعيّن علينا أن نتصفّح جرائد عمّالنا، ونتأمّل نظام أعمالنا؛ مكانا فمكانا، وزمانا فزمانا؛ فتصفّحناها فوجدنا «2» قطر اليمن، خاليا من ولايتنا فى هذا الزمن، والعادة مستمرّة بأن لم تزل نوّابنا فى بلاد اليمن «3» ؛ عرّفنا هذا الامر من اتخذناه للممالك الإسلاميّة عينا وقلبا، وصدرا ولبّا؛ وفوّضنا اليه أمر الممالك الإسلامية فقام فيها قياما أقعد الأضداد، وأحسن فى ترتيب ممالكنا نهاية الإصدار وغاية الإيراد؛ وهو السلطان الأجلّ السيّد الملك الناصر، لا زالت أسباب المصالح على يديه جاريه، وسحائب الإحسان من أفق راحته ساريه؛ فلم يعدّ جوابا لما رسمناه، ولا عذرا عما ذكرناه؛ إلا تجهيز شرذمة من حجافله المنصوره، وتعيين أناس من فوارسه المذكوره؛ يقتحمون الأهوال، ولا يعبأون
بتغيّرات الأحوال؛ يرون الموت مغنما إن صادفوه، وشبا المرهف مكسبا إن صافحوه؛ لا يشربون سوى الدماء مدامه، ولا يلبسون غير التّرائك «1» عمامه؛ ولا يعرفون طربا إلا ما أصدره «2» صليل الحسام من غنا، ولا ينزلون قفرا إلا وأنبت ساعة نزولهم عن صهوات خيلهم قنا؛ ولما وثقنا منه بإنفاذهم راجعنا رأينا الشريف فاقتضى أن نكاتب من بسط يده فى ممالكها، وملك جميع مسالكها؛ واتخذ أهلها خولا، وأبدى فى خلال ديارها من عدم سياسته خللا؛ فبرز مرسومنا الشريف النبوىّ أن نكاتب من قعد على تخت مملكتها، وتصرّف فى جميع أمور دولتها؛ فطولع بأنه ولد السلطان الملك المظفّر يوسف بن عمر الذى له شبهة «3» تمسّك بأذيال المواقف المستعصميّة «4» ، وهو مستصحب الحال على زعمه، أو ما علم الفرق بين الأحياء والأموات؟ أو ما تحقّق الحال بين النفى والإثبات؟ أصدرناها إلى الرّحاب التّعزّيّه «5» ، والمعالم اليمنيّه؛ تشعر من تولّى فيها فاستبدّ، وتولّى كبره فلم يعرّج على أحد؛ أنّ أمر اليمن ما برحت حكّامنا ونوّابنا تحكم فيه بالولاية الصحيحه، والتفويضات التى هى غير جريحه «6» ؛ وما زالت تحمل إلى بيت المال المعمور ما تمشى به الجمال وئيدا «7» ، وتقذفه بطون الجوارى «8» الى ظهور
اليعملات «1» وليدا؛ وتطالعنا بأمر مصالحه ومفاسده، وبحال معاهده ومقاصده «2» ؛ ولك أسوة بوالدك السلطان الملك المظفّر، هلّا اقتفيت ما سنّه من آثاره، ونقلت ما دوّنته أيدى الزمن من أخباره؛ واتصل بمواقفنا الشريفة أمور صدرت منك: منها «3» - وهى العظمى التى ترتّب عليها ما ترتّب- قطع الميرة عن البيت الحرام، وقد علمت أنه واد غير ذى زرع، ولا يحلّ لأحد أن يتطرّق إليه بمنع؛ وكفتك الآية «4» دليلا على ما صنعت، وبرهانا على ما فعلت؛ ومنها انصبابك «5» على تفريغ مال بيت المال فى شراء «6» لهو الحديث، ونقض العهود القديمة بما تبديه من حديث؛ ومنها تعطيل أجياد المنابر من عقود اسمنا، وخلوّ تلك الأماكن من أمر عقدنا وحلّنا؛ ولو أوضحنا لك ما اتصل بنا من أمرك لطال، ولا اتسعت فيه [دائرة «7» ] المقال؛ رسمنا بها والسيف يودّ لو سبق القلم حدّه، والعلم المنصور يحب لو فات القلم واهتزّ بتلك الروابى قدّه؛ والكتائب المنصورة تختار لو بدرت «8» عنوان الكتاب و [أهل «9» ] العزم والحزم يودّون اليك إعمال الرّكاب؛ والجوارى المنشآت قد
تكوّنت من ليل ونهار، وبرزت كصور الفيلة «1» لكنها على وجه الماء كالأطيار، وما عمدنا «2» الى مكاتبتك إلا للإنذار، وما جنحنا لمخاطبتك الا للإعذار؛ فأقلع عما أنت بصدده من الخيلاء والإعجاب، وانتظم فى سلك من استخلفناه على أعمالنا فأخذ بيمينه ما أعطى من كتاب؛ وصن بالطاعة نفوس من زعمت أنهم مقيمون تحت لواء علمك، ومنتظمون فى سلك أوامر كلمك، وداخلون تحت طاعة قلمك؛ فلسنا نشنّ الغارات على من نطق بالشهادتين لسانه وقلبه، وامتثل أوامر الله المطاعة عقله ولبّه؛ ودان الله «3» بما يجب من الدّيانه، وتقلّد عقود الصلاح والتحف بمطارف «4» الأمانه؛ ولسنا ممن يأمر بتجريد سيف الا على من علمنا أنه خرج عن طاعتنا، ورفض كتاب الله ونزع عن مبايعتنا؛ [فأصدرنا «5» ] مرسومنا هذا اليه يقصّ عليه من أنباء حلمنا ما أطال مدّة دولته، وشيّد قواعد صولته؛ ويستدعى منه رسولا إلى مواقفنا الشريفه، ورحاب ممالكنا المنيفه؛ لينوب عنه فى قبول الولاية مناب نفسه، وليجنى بعد ذلك ثمار شفقاتنا إن غرس شجر طاعتنا ومن سعادة المرء أن يجنى ثمار غرسه؛ بعد أن يصحبه من ذخائر الأموال ما كثر قيمة وخفّ حملا، وتغالى «6» فى القيمة «7» رتبة وحسن مثلا؛ واشرط على نفسك فى كل
سنة قطيعة «1» ترفعها الى بيت المال، وإيّاك ثم إيّاك أن تكون عن هذا الأمر ممن مال؛ ورتّب جيشا مقيما تحت لواء علم السلطان الأجلّ الملك الناصر للقاء العدوّ المخذول التتار، ألحق الله أوّلهم بالهلاك وآخرهم بالبوار؛ وقد علمت تفاصيل أحوالهم المشهوره، وتواريخ سيرهم المذكوره؛ واحترص «2» على أن يخصك من هذا المشرب السائغ أوفى نصيب، و [أن تكون «3» ] ممن جهّز جيشا فى سبيل الله فرمى بسهم فله أجر كان مصيبا أو غير مصيب؛ ليعود رسولك من دار الخلافة بتقاليدها وتشاريفها حاملا أهلّة أعلامنا المنصوره، شاكرا برّ موافقنا المبروره؛ وإن أبى حالك «4» إلا أن استمررت على غيّك، واستمرأت مرعى بغيك؛ فقد منعناك التصرّف فى البلاد، والنظر فى أحكام العباد؛ حتى تطأ خيلنا العتاق مشمخرّات حصونك، وتعجّل حينئذ ساعة منونك؛ وتمسى لهوادى قلاعك عقودا، ولعرائس حصونك نهودا؛ وما علّمناك غير ما علمه قلبك، ولا فهّمناك غير ما حدسه «5» لبّك؛ فلا تكن كالصغير تزيده كثرة التحريك نوما، ولا ممن غرّه الإمهال يوما فيوما؛ وقد أعلمناك ذلك فاعمل بمقتضاه، موفّقا إن شاء الله تعالى؛ والحمد لله وحده.