الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال: يا أمير المؤمنين، هو «1» الذى يقول:
شاهدنا «2» يرتشى وحاكمنا
…
يلوط والراس شرّ ما راس
لا أحسب الجور ينقضى و «3» على الأمّة
…
وال من آل عبّاس
قال ومن هو؟ قال: أحمد بن [أبى «4» ] نعيم؛ فأمر بنفيه إلى السّند «5» .
وحكى أنّ أهل الكوفة تظلّموا إلى المأمون من عامل ولّاه عليهم؛ فقال:
ما علمت فى عدد عمّالى أعدل ولا أقوم بأمر الرعيّة ولا أعود بالرفق عليهم منه؛ فقام رجل من القوم فقال: يا أمير المؤمنين، ما أحد أولى بالعدل والإنصاف منك، فاذا كان الأمر على هذه الصفة فينبغى أن تعدل فى ولايته بين أهل البلدان، وتسوّى بنا «6» أهل الأمصار، حتى يلحق أهل كلّ بلد من عدله وإنصافه مثل الذى لحقنا، فاذا فعل أمير المؤمنين ذلك فلا يخصّنا منه أكثر من ثلاث سنين؛ فضحك المأمون وعزل العامل عنهم.
ولنصل هذا الفصل بذكر هفوات الأمجاد وكبوات الجياد
«7»
وقد رأيت بعض أهل الأدب ممن يستحقّ الأدب تعرّض فى هذا الفصل الى ذكر قصص
الأنبياء- صلوات الله عليهم- كآدم ويوسف وداود وسليمان فكرهت ذلك منه، ونزّهت كتابى عنه- قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ
فكانت هذه هفوة من المسلمين غفرها الله وعفا عنها.
وقال الأحنف بن قيس: الشريف من عدّت سقطاته.
وقال النابغة:
ولست بمستبق أخا لا تلمه
…
على شعث «1» أىّ الرجال المهذّب
وقالوا: كلّ صارم ينبو، وكلّ جواد يكبو.
وكان الأحنف بن قيس حليما سيّدا يضرب به المثل، وقد عدّت له سقطات فمن ذلك أنه نظر الى خيل لبنى مازن فقال: هذه خيل ما أدركت بالثار، ولا نقصت الأوتار «2» ؛ فقال له سعيد بن القاسم المازنىّ: أمّا يوم قتلت أباك فقد أدركت بثارها؛ فقال الأحنف: لشىء ما قيل: «دع الكلام حذر الجواب» - وكانت بنو مازن قتلت [أبا «3» ] الأحنف فى الجاهليّة.
ومنها أنه لمّا خرج مع مصعب بن الزبير أرسل اليه مائة ألف درهم، ولم يرسل الى زبراء «4» جاريته بشىء، فجاءت حتى وقفت بين يدى الأحنف، ثم أرسلت عينيها؛
فقال لها: ما يبكيك؟ فقالت: ما لى لا أبكى عليك إذ لم تبك على نفسك، أقعدتها وتذر مرو الرّوذ «1» تجمع بين غارين «2» من المسلمين؛ فقال: نصحتنى والله فى دينى إذ لم أتنبّه لذلك؛ ثم أمر بفسطاطه فقوّض، فبلغ ذلك مصعبا فقال: ويحكم، من دهانى فى الأحنف؟ فقيل: زبراء، فبعث إليها بثلاثين ألف درهم، فجاءت حتى أرخت عينيها بين يديه؛ فقال: ما لك يا زبراء؟ قالت: عجبت لأحوالك فى «3» أهل البصرة، تزفّهم كما تزفّ العروس، حتى اذا ضربت بهم فى نحور أعدائهم أردت أن تفتّ فى أعضادهم؛ قال: صدقت والله، يا غلام دع الفساطيط؛ فاضطرب العسكر بمجىء «4» زبراء مرّتين.
ومن سقطاته التى عدّت عليه أن عمرو بن الأهتم «5» دسّ إليه رجلا ليسفّهه، فقال له: يا أبا بحر، من كان أبوك فى قومه؟ قال: كان من أوسطهم، لم يسدهم ولم يتخلّف عنهم؛ فرجع إليه ثانية، ففطن الأحنف إلى أنه من قبل عمرو، فقال:
ما كان مال أبيك؟ قال: كانت له صرمة «1» يمنح منها ويقرى، ولم يكن أهتم سلّاحا.
وقيل: إن الحسن «2» سئل عن قوله تعالى: (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا)
فقال: إن كان لسريّا، وإن كان لكريما؛ فقيل له: من هو؟ قال: المسيح؛ فقال له حميد «3» بن عبد الرحمن: أعد نظرا، إنما السرىّ: الجدول؛ فأنعم «4» له، وقال:
يا حميد، غلبنا عليك الأمراء.
ومات ولد طفل لسليمان «5» بن علىّ، فأتاه الناس بالبصرة يعزّونه وفيهم شبيب بن شيبة وبكر «6» بن حبيب السّهمىّ؛ فقال شبيب: أليس يقال: إنّ الطفل لا يزال
محبنظئا «1» بباب الجنّة حتى يدخل أبواه؟ فجاء بظاء معجمة؛ فقال له بكر «2» بن حبيب: محبنطئا، بطاء مهملة؛ فقال شبيب: إلّا أنّ من بين لابتيها يعلم أنّ القول كما أقول «3» ؛ فقال بكر: وخطأ ثان، ما للبصرة لابتان «4» ، أذهبت إليه «5» بالمدينة؟.
(من بين لابتيها: أى «6» حرتيها) .
قيل: جلس محمد بن عبد الملك»
يوما للمظالم، وحضر فى جملة الناس رجل زيّه زىّ الكتّاب، فجلس بإزاء محمد، ومحمد ينقد الأمور وهو لا يتكلّم، ومحمد يتأمّله؛ فلما خفّ المجلس قال له: ما حاجتك؟ قال: جئتك- أصلحك الله- متظلّما؛ قال: ممّن؟ قال: منك، ضيعة لى فى يد وكيلك يحمل إليك غلّتها، ويحول بينى وبينها؛ قال: فما تريد؟ قال: تكتب بتسليمها إلىّ؛ قال: هذا يحتاج فيه إلى شهود وبيّنة وأشياء كثيرة؛ فقال له الرجل: الشهود هم البيّنة، وأشياء كثيرة عىّ منك؛ فخجل محمد وهاب الرجل، وكتب له بما أراد.
ووصف ذو «1» الرّمّة لعبد «2» الملك بن مروان بالذكاء وحسن الشعر، فأمر بإحضاره، فلما دخل عليه أنشده قصيدة أفتتحها بقوله:«ما بال عينك منها الماء ينسكب» وكانت عينا عبد الملك تدمعان دائما، فظنّ أنه عرّض به، فغضب وقال: مالك ولهذا السؤال يا بن اللّخناء؟ وقطع إنشاده، وأمر بإخراجه.
ودخل أبو النجم «3» على هشام بن عبد الملك وأنشده أرجوزته التى أوّلها:
«الحمد لله الوهوب المجزل «4» » حتى انتهى إلى قوله يصف الشمس عند الغروب:
«وهى على الأفق كعين الأحول» ، واستدرك سقطة لسانه، وقطع إنشاده، وعلم أنها زلّة، لأنّ هشاما كان أحول، فقال له هشام كمّل إنشادك ويلك وأتمم البيت، وأمر بوجء «5» عنقه وإخراجه من الرّصافة «6» .