المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر شىء من رسائل الشيخ الإمام الفاضل ضياء الدين - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٨

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثامن

- ‌[تتمة الفن الثاني في الإنسان وما يتعلق به]

- ‌[تتمة القسم الخامس في الملك وما يشترط فيه و

- ‌[تتمة الباب الرابع عشر في الكتابة وما تفرع من أصناف الكتاب]

- ‌[تتمة ثم الكتابة بحسب من يحترفون بها على أقسام]

- ‌[تتمة ذكر كتابة الإنشاء وما اشتملت عليه]

- ‌ذكر نبذة من كلام القاضى الفاضل الأسعد محيى الدين

- ‌ذكر شىء من رسائل الشيخ الإمام الفاضل ضياء الدين

- ‌ومثل صدر هذه الرسالة لبعض الكتاب المتقدّمين

- ‌ولنعد الى كلام الشيخ ضياء الدين بن القرطبى

- ‌وكتب إليه أيضا شفاعة فى بعض الأعيان

- ‌وكتب إلى الصاحب قاضى القضاة بدر الدين السنجارى

- ‌وكتب الى القاضى شمس الدين الأصفهانى الحاكم

- ‌ومن إنشائه رحمه الله تقليد السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل بولاية عهد السلطنة

- ‌ذكر شىء من إنشاء المولى الماجد السالك

- ‌وكتب تقليدا مظفّريّا للأمير سيف الدين سلار المنصورىّ بنبابة السلطنة الشريفة

- ‌ومن انشائه أيضا أعزه الله تعالى مقامة عملها فى سنة اثنتين وسبعمائة

- ‌ذكر شىء من إنشاء المولى الفاضل الصدر الكبير الكامل؛ البارع الأصيل، الأوحد النبيل؛ تاج الدين عبد الباقى بن عبد المجيد اليمانى

- ‌ومن إنشائه تقليد السلطان الملك الناصر لما ترك الديار المصرية وأقام بالكرك

- ‌ذكر شىء من الأبيات الداخلة فى هذا الباب

- ‌ولنصل هذا الفصل بذكر هفوات الأمجاد وكبوات الجياد

- ‌ذكر شىء من الحكم

- ‌ومن الأبيات المناسبة لهذا الفصل قول الأضبط بن قريع:

- ‌ذكر كتابة الديوان وقلم التصرف وما يتصل بذلك

- ‌ذكر اشتقاق تسمية الديوان ولم سمّى ديوانا ومن سمّاه بذلك

- ‌ذكر ما تفرّع عن كتابة الديوان من أنواع الكتابات

- ‌ذكر مباشرة ديوان الجيش وسبب وضع الدواوين وأول من وضعها فى الإسلام

- ‌وأما دواوين الأموال

- ‌وأما ديوان العراق

- ‌ويحتاج إلى بسط جريدة إقطاع صورتها:

- ‌ويحتاج إلى أن يتعاهد مباشرى المعاملات والبرور

- ‌ويحتاج أيضا إلى بسط جريدة ثالثة بأسماء أرباب النقود والمكيلات خاصّة

- ‌ويحتاج أيضا الى أوراق أخر تتضمن أسماء أمراء الميمنة وأمراء الميسرة، والجالس

- ‌ويحتاج الكاتب إلى تحرير شواهده وحفظها

- ‌ويحتاج إلى أنه مهما انحلّ من الإقطاعات

- ‌ويحتاج مباشر الجيش إلى مراجعة جرائده:

- ‌وأما مباشرة الخزانة

- ‌ومنها ضبط ما يصل إلى الخزانة من تقادم الملوك والنوّاب

- ‌ومنها تجهيز ما جرت العادة بأن يجهّز فى خزائن الصحبة عند استقلال ركاب السلطان من مقرّ ملكه

- ‌ومنها تحرير ما يصل إليه من الأقمشة من دار الأعمال

- ‌وأما مباشر بيت المال

- ‌ذكر مباشرة البيوت السلطانية

- ‌وأما الشراب خاناه

- ‌وأما الفراش خاناه

- ‌وأما السلاح خاناه

- ‌ذكر الجزية الواجبة على أهل الذمّة و

- ‌أما الأحكام الشرعيّة

- ‌وأما ما اصطلح عليه كتّاب التصرّف

- ‌وأما ما يلزم مباشر الجوالى وما يحتاج الى عمله

- ‌ذكر جهات الخراجىّ وأنواعه وما يحتاج اليه مباشره

- ‌أما الديار المصريّة وأوضاعها وقوانينها وما جرت عليه قواعدها على ما استقرّ فى زماننا هذا وتداوله الكتّاب

- ‌وأما الخراج الراتب

- ‌وأما جهات الخراجىّ بالشام وكيفيّتها وما يعتمد عليه مباشروها

- ‌وأما ما يشترك فيه الهلالىّ والخراجىّ ويختلف باختلاف أحواله فجهات

- ‌أما المراعى

- ‌وأما المصايد

- ‌وأما الأحكار

- ‌وأما أقصاب السكّر ومعاصرها

- ‌ذكر كيفية الاعتصار والطبخ وتقدير المتحصّل

- ‌وأما أقصاب الشأم

- ‌ذكر أوضاع الحساب وما يسلكه المباشر ويعتمده فيها

- ‌أوّل ما يحتاج اليه كلّ مباشر أن يضع له تعليقا ليوميّته

- ‌ثم يكتب العامل مخزومة يورد فيها المستخرج والمحضر والمجرى والمصروف

- ‌ذكر ما ينتج عن التعليق من الحسبانات بعد المخازيم

- ‌فأما الختم

- ‌وأما التوالى

- ‌ولهم أيضا توال يسمّونها توالى الارتفاع

- ‌ولهم أيضا توالى الاعتصار

- ‌وأما الأعمال

- ‌فأما أعمال الغلال والتقاوى

- ‌وأما عمل الاعتصار

- ‌وأما عمل المبيع

- ‌وأما عمل المبتاع

- ‌وأما عمل الجوالى

- ‌وأما عمل الخدم والجنايات والتأديبات

- ‌وأما السياقات

- ‌فأما سياقة الأسرى والمعتقلين

- ‌وأما سياقة الكراع

- ‌وأما سياقة العلوفات

- ‌وأما الارتفاع

- ‌ومن أبواب المضاف ما يضاف بالقلم

- ‌ومن وجوه المضاف الغريبة: المستعاد نظير المعاد

- ‌وأما الحواصل المعدومة المساقة بالأقلام

- ‌ومما يلزم الكاتب رفعه المحاسبات

- ‌ومما يلزم الكاتب رفعه ضريبة أصول الأموال ومضافاتها عن كلّ سنة كاملة

- ‌ويلزمه رفع المؤامرات

- ‌ويلزمه رفع ضريبة ما يستأدى من الحقوق

- ‌ومما يلزمه رفعه فى كلّ سنة تقدير الارتفاع

- ‌ويلزمه فى كل ثلاث سنين رفع الكشوف الجيشيّة

- ‌ذكر أرباب الوظائف وما يلزم كلا منهم مع حضور رفقته ومع غيبتهم وما يسترفعه كل مباشر عند مباشرته وما يلزمه عمله

- ‌وأما الناظر على ذلك

- ‌وأما صاحب الديوان

- ‌وأما مقابل الاستيفاء

- ‌وأما المستوفى

- ‌وأما المشارف

- ‌وأما الشاهد

- ‌وأما العامل

الفصل: ‌ذكر شىء من رسائل الشيخ الإمام الفاضل ضياء الدين

وكلام «1» القاضى الفاضل- رحمه الله كثير، بأيدى الناس منه عدّة مجلّدات، أخبرنى من أثق بقوله من القضاة الحكام الأعيان أنه يزيد على خمسين مجلّدا قد جمعت، أما ما لم يجمعه الناس فكثير جدا؛ وقد نقل بعض من أرّخ، أنه وجد للقاضى الفاضل مسوّدات كتب صدرت عنه وأجوبة تزيد اذا جمعت على مائة مجلّد، ولا يحتمل الحال أن نورد له أكثر مما أوردناه، ورسائله المختارة كثيرة قد يكون فيها أجود مما اخترناه ونحوه، وإنما أوردنا له ما حضر فى هذا الوقت، إذ لم يمكن البحث عن كلامه والاستقصاء، وإن كان كلّ رسائله مختارة رحمه الله.

‌ذكر شىء من رسائل الشيخ الإمام الفاضل ضياء الدين

أبى العباس أحمد ابن الشيخ الإمام العابد القدوة أبى عبد الله محمد بن عمر بن يوسف بن عمر «2» بن عبد المنعم الأنصارىّ القرطبىّ رحمه الله،- وكانت وفاته بقنا من أعمال قوص فى سنة اثنتين وسبعين وستمائة- كتب إلى شيخنا الإمام العلّامة تقىّ الدين محمد ابن الشيخ الإمام الحبر مجد الدين أبى الحسن علىّ بن وهب بن مطيع القشيرىّ المعروف بابن دقيق العيد رحمهم الله تعالى: تخدم المجلس العالى صفات يقف الفضل عندها، ويقفو الشرف مجدها، وتلتزم المعالى حمدها؛ وسمات يبتسم ثغر الرياسة منها، وتروى أحاديث السيادة عنها؛ الصدرىّ الرئيسىّ المفيدىّ؛ معان استحقّها بالتمييز، واستوجبها بالتبريز، وسبكته الإمامة لها فألفته خالص الإبريز؛ ومعال أقرّته فى سويدائها، وأطلعته فى سمائها،

ص: 51

وألبسته أفضل صفاتها وأشرف أسمائها؛ العلّامىّ الفاضلىّ التقوىّ؛ نسب اختص به اختصاص التشريف، لا تعريفا «1» فالشمس تستغنى عن التعريف؛ لا زالت إمامته كافلة بصون الشرائع، واردة من دين الله وكفالة أمّة رسول الله أشرف الموارد وأعذب الشرائع «2» ، آخذة بآفاق سماء الشرف فلها قمراها والنجوم الطّوالع «3» ، قاطعة أطماع الآمال عن إدراك فضله وما زالت تقطّع أعناق الرجال المطامع «4» ، صارفة عن جلاله مكاره الأيام صرفا لا تعتوره القواطع، ولا تعترضه الموانع؛ وينهى ورود عذرائه التى «لها الشمس خدن «5» والنجوم ولائد» وحسنائه التى «لها الدرّ لفظ والدّرارى «6» قلائد» ومشرّفته التى «لها من براهين البيان شواهد» وكريمته التى «لها الفضل ورد والمعالى موائد «7» ووديعته التى «لها بين أحشائى وقلبى معاهد»

وآيته الكبرى التى دلّ فضلها

على أن من لم يشهد الفضل جاحد

وأنك سيف سلّه الله للهدى

وليس لسيف سلّه الله غامد

ص: 52

فلمثلها يحسن صوغ السوار، ولفضلها يقال:«أناة أيها الفلك المدار» وإنها فى العلم أصل فرع نابت، والأصل علّة النشأة والقرار، وفرع أصل «1» ثابت، والفرع فيه الورق والثمار؛ هذه التى وقفت قرائح الفضلاء على استحسانها، وأوقفتنى «2» على قدم التعبّد لإحسانها، وأيقنت أنّ مفترق الفضائل مجتمع فى إنسانها، وكنت أعلم علمها بالأحكام الشرعية فاذا هى فى النثر ابن مقفّعها، وفى القصائد أخو حسّانها؛ هذه وأبيك أمّ الرسائل المبتكره، وبنت الأفكار التى هذّبتها الآداب فهى فى سهل الإيجاز البرزة «3» وفى صون الإعجاز المخدّره، والمليئة ببدائع البدائه، فمتى تقاضاها متقاض لم تقل:«فنظرة الى ميسرة» ؛ والبديعة التى لم توجّه اليها الآمال فكرها لاستحالة غير مسبوق بالشعور، ولم تسم اليها مقل الخواطر لعدم الإحاطة بغيب الصدور قبل الصدور، والبديهة التى فصّل البيان كلماتها تفصيل الدرر بالشذور؛ إنّ كلمها ليميس فى صدورها وإعجازها، ويختال فى سطورها وإعجازها، وتنثال «4» عليها أغراض المعانى بين إسهابها وإيجازها؛ فهى فرائد ائتلفت من أفكار الوائلىّ والإيادىّ، وقلائد انتظمت انتظام الدرارىّ، ولطائم «5» فضّت عن العنبر الشّحرىّ «6» والمسك الدارىّ «7» ؛ لا جرم أن غوّاصى الفضائل ظلوا فى غمراتها خائضين، وفرسان

ص: 53

الكلام أضحوا فى حلباتها راكضين، وأبناء البيان تليت عليهم آياتها «فظلّت أعناقهم لها خاضعين» .

ما إن لها فى الفضل مثل كائن

وبيانها أحلى البيان وأمثل

فالعجز عنها معجز «1» متيقّن

ونبيّها بالفضل فينا مرسل

ما ذاك إلا أنّ ما يأتى به

وحى الكلام على اليراعة ينزل

بزغت شمسا لا ترضى غير صدره فلكا، وانقادت معانيها طاعة لا تختار سواه ملكا، وانتبذت بالعراء فلا تخشى إدراك الإنكار ولا تخاف دركا، وندّت شواردها فلا تقتنصها الخواطر ولو نصبت هدب الجفون شركا

فللأصائل «2» فى عليائها سمر

إن الحديث عن العلياء أسمار «3»

وللبصائر هاد من فضائلها

يهدى أولى الفضل إن ضلّوا وإن جاروا

بادى الإبانة لا يخفى على أحد

«كأنه علم فى رأسه نار»

أعجب بها من كلم جاءت كغمام الظّلال على سماء الأنهار! وسرت كعليل النسيم عن أندية الأسحار، وجليت محاسنها كلؤلؤ الطلّ على خدود الأزهار، وتجلّت كوجنة الحسناء فى فلك الأزرار، وأهدت نفحة الروض متأوّد الغصن بليل الإزار، فأحيتنا بذلك النفس المعطار، وحيّتنا بأحسن [من «4» ] كأسى لمى وعقار، وآسى ريحان وعذار؛

ص: 54

ولؤلؤى حبب وثغر، وعقيقى شفة وخمر، وربيعى زهر ونهر، وبديعى نظم ونثر؛ ولم أدر ما هى أثغور ولائد؟ أم شذور قلائد؛ أم توريد خدود، أم هيف قدود؛ أم نهود صدور، أم عقود نحور؛ أم بدور ائتلفت فى أضوائها، أم شموس أشرقت فى سمائها؟

جمعن شتيت الحسن من كلّ وجهة

فحيّرن أفكارى وشيّبن مفرقى

وغازلها قلبى بودّ محقّق

وواصلها ذكرى بحمد مصدّق

وما كنت عشّاقا لذات محاسن

ولكن من يبصر جفونك يعشق

ولم أدر والألفاظ منها شريفة

الى البدر تسمو أم إلى الشمس ترتقى

إنما هى جملة إحسان يلقى الله الرّوح من أمره على قلبها، أو روضة بيان «تؤتى أكلها كلّ حين بإذن ربّها» ؛ أو ذات فضل اشتملت على ذوات الفضائل، وجنت ثمر العلوم فأجنتها بالضحى والأصائل؛ أو نفس زكت فى صنيعها، ونفث روح القدس فى روعها؛ فسلكت سبل البيان ذللا، وعدمت مماثلا فأضحت فى أبناء المعالى مثلا؛ وسرت الى حوز الأمانى والأنام نيام، فوهب لها واهب النعم أشرف الأقسام؛ فجادت فى الإنفاق، ولم تمسك خشية إملاق، وقيّدت نفسها فى طلق «1» الطاعة فجاءها توقيع التفضيل على الإطلاق

أبن لى معزاها أخا الفهم إنها

الى الفضل تعزى أم الى المجد تنسب

هى الشمس إلّا أنّ فكرك مشرق

لإبدائها عندى وصدرى مغرب

وقد أبدعت فى فضلها وبديعها

فجاءت الينا وهى عنقاء مغرب «2»

ص: 55

فأعرب عن كلّ المعانى فصيحها

بما عجزت عنه نزار ويعرب

ومذ أشرقت قبل التناهى بأوجها

عفا فى سناها بدر تمّ وكوكب

تناهت علاء والشباب رداؤها

فما ظنكم بالفضل والرأس أشيب

لئن كان ثغرى بالفصاحة باسما

فثغرك بسّام الفصاحة أشنب

وإن ناسبتنى بالمجاز بلاغة

فأنت إليها بالحقيقة أنسب

ومذ وردت سمعى وقلبى فإنها

لتؤكل حسنا بالضمير وتشرب

وإنى لأشدو فى الورى بثنائها

كما ناح فى الغصن الحمام المطرّب

وتشهد أبناء البيان إذا انتدوا

بأنى من قسّ الإيادى أخطب

وإنّى لتدنينى الى المجد عصبة

كرام حوتهم «1» أوّل الدهر يثرب

وانّى إذا خان الزمان وفاءه

وفىّ على الضراء حرّ مجرّب

إباء أبت نفسى سواه وشيمة

قضى لى بها فى المجد أصل مهذّب

ونفس أبت الا اهتزازا إلى العلا

كما اهتزّ يوم الرّوع رمح ومقضب «2»

ولى نسب فى الأكرمين تعرّفت

إليه المعالى فهو ريّان «3» مخصب «4»

نمته أصول فى العلاء أصيلة

لها المجد خدن والسيادة مركب

تلاقى عليه المطعمون تكرّما

اذا احمرّ «5» أفق بالمجرّة «6» مجدب

من اليمنيّين الذين سما بهم

الى العزّ بيت فى المعالى مطنّب

ص: 56

قروا تبّعا بيض المواضى ضحاءه «1»

وكوم «2» عشار بالعشيّات تضهب «3»

فرحّله الجود العميم ومنصل «4»

له الغمد شرق والذوائب مغرب

وهم «5» نصروا والدين عزّ نصيره

وآووا وقد كادت يد الدين تقضب

وخاضوا غمار الموت فى حومة الوغى

فعاد نهارا بالهدى وهو غيهب

أولئك قومى حسبى الله مثنيا

عليهم وآى الله تتلى وتكتب

هذه اليتيمة أيدك الله ملحتها الإحماض «6» ، وتحليتها «7» الألفاظ فى أبعاض الاعتراض لتسرح مقل «8» الخواطر فى مختلفات الأنواع، ويتنوع «9» الوارد على القلوب والأسماع، وإلا فلا تماثل فى الأدوات، وان وقع التماثل فى الذوات، كالجمع بين النّوريّة فى

ص: 57

السراج والشمس، واشتمال الإنسانيّة على «1» القلامة والنفس، والتوارد الإدراكىّ بين كلّىّ بالعقل، وجزئىّ بالحسّ «2» ؛ وكالعناصر فى افتقار الذوات اليها، وان تميّزت الحرارة عليها؛ وكالمشاركة الحيوانيّة فى البضعة اللسانيّة، واختصاص الناطقيّة بالذات الإنسانيّة؛ فسيّدنا ثمر الروض ونسيمه، وسواه ثراه وهشيمه، وزهره وأنداؤه، وغيره شوكه وغثاؤه؛ والبدر وإشراقه، وسواه هلاليّته ومحاقه؛ اشتراك فى الأشخاص، وامتياز فى الخواصّ؛ ومشابهة فى الأنواع والأجناس، ومغايرة فى العقول والحواسّ؛ كالورد والشّقيق، والقهرمان «3» والعقيق؛ تماثلا فى الجواهر والأعراض، وتغايرا فى تمييز الأغراض؛ فسيّدنا من كلّ جنس رئيسه، ومن كلّ جوهر نفيسه؛ وأما حسناء المملوك على مذهبهم فى تسمية القبيح بالحسن، والحسن بالقبيح، والضرير بالبصير والأخرس بالفصيح؛ فما صدّت ولا صدّت يمنى»

كاسها. ولا شذّت فى مذهب ولائه عن اطّراد قياسها، ولا زوت عن وجه جلالته وجه إيناسها، ولا جهلت أنه فى العلوم الشرعيّة ابن أنسها، وفى المعانى الأدبيّة أبو نواسها؛ ولا خفى عنها أن سيّدنا مجرى اليمين «5» ، وفى وجه السيادة إنسان المقلة وغرّة الجبين، والدرّة فى تاج الجلالة

ص: 58

والشّذرة فى العقد الثمين؛ وأنه الصدر الذى يأرز «1» العلم إلى صدره، وتقترح «2» عقائل المعانى من فكره، وتأتمّ الهداة ببدره، وتنتمى «3» الهداية الى سرّه، وانّها فى الإيمان بمحمديّته أمّ عمارة «4» لا أمّ عمره؛ وانّه غاية فخارها؛ ونهاية إيثارها، [وآية نهارها «5» ] ومستوطن إفادتها بين شموس فضائله وأقمارها؛ فكيف تصدّ وفيه كلّيّة أغراضها، ومنه علّيّة جملتها وأبعاضها، وفى محلّه قامت حقائق جواهرها وأعراضها؛ لكنّها توارت بالحجاب، ولاذت بالاحتجاب؛ وقرب بالمجلس الكمالى ليكمّل ما بها من نقص كمال وكمال عيب، وتجمع بين حقيقتى إيمان الشهادة والغيب، وتعرض على الرأى التقوىّ سليمة الصدر نقيّة الجيب، وأشهد أنها جاءت تمشى على استحياء وليست كبنت شعيب «6» ؛ هذا ولم تشاهد وجه حسنائه، ولا عاينت سكينة «7» حسينه وهند «8»

ص: 59

أسمائه، ولا قابلت نيّر فضله وبدر سمائه؛ أقسم لقد كان يصرفها الوجل، ويقيّدها الخجل؛ عالمة أنّ البحر لا يساجل، والشمس لا تماثل؛ والسيف لا يخاشن، والبدر لا يحاسن؛ والأسد لا يكعم «1» ، والطّود لا يزحم؛ والسحاب لا يبارى، والسيل لا يجارى؛ وأنّى تبلغ الفلك هامة المتطاول، «وأين الثريّا من يد المتناول» ؛ تلك عوارف استولت على المعالى استيلاءها على المعالم، وشهدت لها الفضائل بالسيادة شهادة النبوّة بسيادة قيس بن عاصم «2» ؛ ولا خفاء بواضح هذا الصواب، عند مقابلة البداية بالجواب؛

فالشمس أوضح من ضياء الأنجم

ما البيّن الأعلى كداج مظلم

يا مثريا من كلّ علم نافع

أيقاس مثر فى العلوم بمعدم

أو كفت «3» فضلك فى رذاذ غمائمى

ما للرذاذ يد بنوء المرزم «4»

وانصبّ بحرك فى ربيع «5» خواطرى

ما للربيع وفيض بحر أعظم

وسللت سيف العلم أبيض مخذما

كالبرق يلمع فى غمام مثجم «6»

فللت حدّى معضد «7» فى راحتى

ما للكهام وحدّ أبيض مخذم «8»

ص: 60

يا سابقا جهدى «1» مصلّى عفوه

ما للسّكيت «2» يد بعفو مظهم «3»

بذّ السوابق فى العلوم وحازها

بالكسب منه والتراث الأعظم

العلم علم محمد وكفى به

وعلىّ الباب المبلّغ فاعلم

ما كنت أوّل محجم عن مورد

عذبت موارده لقرن مجحم «4»

سابقت سبّاقا شأوت «5» بيانهم

ببديع نثر أو بليغ منظّم

وسقيت بالكأس الكبيرة منهما

لما سقوا بالأصغر المتثلّم

حتى اذا سابقته وهو «6» ابن بح

رأو أبو بحر إليه ينتمى

طارت فضائله إلى عليائها

بجناح فتخاء «7» ونسر قشعم

وسما به العلم الأجلّ محلّه

حتى توقّل «8» فى المحلّ الأعظم

ومشى حضارا «9» فانثنيت مقصّرا

أتجول خيلى فى مقرّ الهيثم «10»

ص: 61

لا عار إن عضلت بدائه فكرتى

بابن المقفّع أو بنجل الأهتم «1»

يا أعلم الفضلاء لست مقاولا

فصحى بناتك «2» باللسان الأعجم

لو حاولت فكرى مساواة لها

يوما لجاءت بالغراب الأعصم «3»

أقتصر فللبيان فى بحر فضائله سبح طويل، وللسعى فى غاياته معرّس ومقيل، وللمحامد ببثينة محاسنه صبابة جميل، وإنّى وإن كنت كثّير عزّة ودّه، إلا أنّى فى حلبة الفضل لست من فرسان ذلك الرّعيل؛ لا سيّما وقد وردت مشرع ألفاظه التى راقت معانيها، ورقّت حواشيها، وأدنت ثمرات الفضل من يمين جانيها؛ فجاءت كالنسيم العليل، والشذا من نفحة الأصيل، والشراب البارد والظلّ الظليل

طبع تدفّق رقّة وسلاسة

كالماء عن متن الصفاة يسيل

كالمقلة الحسناء زان جفونها

كحل وأخرى زانها التكحيل

والروضة الغناء يحسن عرفها

وتزاد حسنا والنسيم عليل

والخاطر التقوىّ كمّل ذاته

علما وليس لكامل تكميل

والله تعالى يبقيه جامعا للعلوم جمع الراحة بنانها، رافعا له رفع القناة سنانها، حافظا له حفظ العقائد أديانها، والقلوب إيمانها

ص: 62

ليضحى نديما للمعالى كأنه

نديما صفاء مالك وعقيل «1»

ويصبح ظلّ الفضل من فىء ظلّه

على كنف الإسلام وهو ظليل

وينشأ أبناء العلوم وكلّهم

بحسنائه فى العاشقين جميل

دلالته فى الفضل من ذات نفسه

وليس على شمس النهار دليل

وكتب- رحمه الله تعالى- رسالة الى الصاحب شرف الدين الفائزىّ «2» عند ما ورد عليه كتاب يذكر أن رسول الخليفة وصل يلتمس إجابة الملك المعزّ «3» أوّل ملوك الترك إلى صلح الملك الناصر صلاح الدين يوسف «4» - وقد كان الناس يذكرون أن الملك الناصر يريد أن يهجم بعساكره على الديار المصرية، وأنه لا يجيب إلى الصلح، [فلما «5» ] جاء الرسول بذلك ظهر للناس خلاف ما ظنّوه-:

ص: 63

لأمرك أمر الله بالنجح عاضد

فصل آمرا فالدهر سيف وساعد

وقل ما اقتضت علياك فالعزّ قائم

بأمرك والمجد المؤثّل «1» قاعد

ونم وادعا فالجدّ يقظان حارس

لمجدك والعادى لبأسك راقد

فما تبرم الأيّام ما الله ناقض

ولا تنقض الأيّام ما الله عاقد

وقد برزت بكر المكارم والعلا

وفى جيدها من راحتيك قلائد

فحفّت بها الأملاك وهى مواهب

وسارت بها الرّكبان وهى محامد

وزفّت لها النعماء وهى مصادر

رفعنا لها الأمداح «2» وهى موارد

فنثّرها الإحسان وهى لآلئ

ونظّمها الإفضال وهى فرائد

فلا زلت محروس العلا يا ابن صاعد

وجدّك فى أفق السيادة صاعد

تسرّ بك الدنيا ويبتهج الورى

وتستوكف النّعمى وتحوى المقاصد

ورد كتاب كريم، ونبأ عظيم؛ لم تجر ينبوعه جياد الأقلام، ولم تجد بنوئه عهاد الأيام، ولم تظفر بمثله أعياد الإسلام؛ فتلى على عذبات «3» المنابر، وجلى على آماق الأبصار وأحداق البصائر؛ وكانت بشراه البكر العوان «4» ، لما ابتدأت «5» به من البشارة

ص: 64

ولما تلده من البشائر، وطليعة المسارّ التى واجهت الآمال ووجه السعد سافر، ومقدّمة الأمن التى لا يسرّ بها إلا مؤمن ولا يساء بها إلّا كافر؛ وتحيّة الله التى أحيت قلوب العباد، ومنّة «1» الله التى سكنت لها السيوف فى الأغماد، ونعمة الله التى عمّت كلّ حاضر وباد؛ ورحمة الله التى رحم بها هذه الأمّة وما زال بالمؤمنين رحيما، وفضل الله على هذه الملّة «2» وكان فضل الله عليها عظيما؛ وسعادة سارت بها الأيام الى المقام المعزّىّ بين الخبب والتقريب، ومركب عزّ قدّمته عناية الله تقدمة الجنيب، وكتابا عنايته «3» هذا عطاء الله، وعنوانه «نصر من الله وفتح قريب» ، وسلّم «4» جلّل وجه الإسلام برد لباسه القشيب، وسلامة جنت يمين الإيمان ثمر غصنها الرطيب، وعزّ ألبس الملك خلع شبابه بعد ما خلع غبار الوقائع [عليه «5» ] رداء المشيب، وشمس سعادة منذ طلعت فى أفقها لم تجنح للمغيب، ولطف خفىّ قعد له كلّ حمد وقام به كلّ خطيب، ومملكة تسمعها الأيّام: قفا نضحك بمسارّ الإنعام لا قفا نبك من ذكرى حبيب، وغنيمة باردة حازتها يد الملك ولسان السنان غير ناطق وكفّ السيف غير خضيب

بتسديد «6» رأى لو رأته أميّة

لما احتفلت «7» يوما بقتل شبيب «8»

ص: 65

الى غير ذلك من فكرة صاحبيّة شرفيّة سكن الملك تحت ظلالها ونام، وقعد بأمرها وقام؛ وتحرّكت لها العزائم، وسكنت لها الصوارم، واستنزلت العصم وذعرت العواصم، وهمم إذا سمت سامت السماء واذا همّت أهمت الغمائم، وعزّ تحت ظل ظلاله الشرف مقيم وفى خدمته المجد قائم، وعزم استيقظ له جفن النصر والسيف فى جفنه نائم، وسيف حزم على عاتق الملك منه نجاد وفى يد جبّار السموات منه قائم؛ وآراء استفتح عقائلها فأنجبت «1» ، ورمى غرض إصابتها فأكثبت، (أى أصابت «2» ) وأعمل رائدها فاستيقظت له الهمم والأنام نيام، وجلس فى صدور رياستها والعالمون قيام، وتدبير أحكم بإبرام النقض ونقض الإبرام، وذعر به رابض الأسد وأنس به نافر الآرام؛ وأجال به خيله فى مسارى الأرقم، ومقرّ الهيثم، وأمضاه فى مضايق خطبه فأغناه عن سنّ السّنان وشفة اللهذم؛ هذا ولما «3» صدقت عزائم المملكة التى نظم الله قلادة ملكها فليس لها انتثار، ولمعت كواكب أسلها «4» فى ليل الرّهج وسماء الغبار، وبنت حوافر خيلها سورا من متراكم النّقع المثار، وحصّنتها يد الله بما أظهرته من

ص: 66

كامن الغيب وأخفته «1» من طلائع الأقدار، وحضنتها «2» رعاية الله وله من القدر أعوان ومن الملائكة أنصار

فعمّت عموم اللّيل واللّيل مظلم

وجاءت مجىء الصبح والصبح مشرق

ومدّت غماما من سنابك خيلها

بسلّ المواضى المشرفيّات يبرق

فى كتائب إذا سارت سوابقها ملأت عرض الغبراء، واذا نشرت خوافقها سترت وجه الخضراء؛ وكادت تذعر الآساد بمواضى حتوفها، وتسكن المنايا تحت ظلال سيوفها؛ لا سيما إذا أنجمت «3» أنجم عواليها، ولمعت بروق مواضيها؛ وجاءت خيلها كالصخر الأصمّ والطود الأشم أعجازها وهواديها؛ من كلّ كميت «4» حلو فى الإزار، بين الشّقرة والاحمرار، كأنه ورديّة العقار

يحسّ وقع الرزايا وهى نازلة

فينهب الجرى نفس الحادث «5» المكر

وكلّ أشقر «6» كأنما قدّ أديمه من لهب النار، معار رداء الحسن، وأحقّ الخيل

ص: 67

بالركض المعار «1» ، لا تعلق به المذاكى «2» يوم رهان ولا تشقّ له الحوادث وجه غبار كأنما لبس ثوبا من خالص النّضار

عتاق لو جرت والريح شأوا

لفاتته وأوثقه «3» إسار

غدت ولها حجول من لجين

وراحت وهى من علق نضار

وكلّ أدهم كريم النّجار، غذىّ اللّبان «4» الغزار، كأنما فصّلت ثيابه من سواد الليل وصيغت حجوله من بياض النهار

بأغرّ يبتسم الصباح بوجهه

حسنا ويسفر عن محيّا مسفر

خلع الظلام عليه فضل ردائه

وثنى من التحجيل ثوب مقصّر

وكلّ أشهب أفرغ فى قالب الكمال، وجيهىّ»

الأب أعوجىّ «6» الخال، إن مشى ضاق بزهوه فسيح المجال، وإن سعى رأيت البرق ملجما بالثريّا مسرجا بالهلال، كأنّما انتعل خدّ الجنوب واشتمل بثوب «7» الشّمال

ص: 68

من الجياد التى لم تبد فى رهج

إلّا أرتك بياض الصبح فى غسق

ولا جرين مع النّكباء «1» فى طلق «2»

إلّا احتقرت التماع البرق فى الأفق

وكلّ مطهّم إن ركض قلق السماط لركضه، وخلت بعضه منفصلا عن بعضه وإن مشى رأيت الطود فى سمائه والرياح فى أرضه؛ وإن خطا ظننته يرتع فى روض المجرّة ويكرع فى حوض الغمام، وخلته الأشمّ من ابنى شمام «3» ، همّه جهة الأمام وصوته حركة اللجام، كأنه قطعة من سماء أو ظلّة من غمام

جرى «4» والريح فى طلقى رهان

فقامت دونه ومضى أماما

ومدّ من السنابك ثوب غيم

ولم أر قبلها ثوبا غماما

عليها كلّ كمىّ لابس الحرب ولابسته «5» ، ومارسها ومارسته؛ وكتبت عليه المواضى فى صدره كتابا أعجمته أطراف الأسل، وجنى ثمر الحديد أحلى عنده من العسل وسار إلى مهج الأبطال كسيف القضاء وحثّ «6» الأجل؛ له حنكة الأشيب ونجدة الغلام، وصنعة الضرب الفدّ والطعن التّؤام، والفتكات التى تطلع صبح الصوارم

ص: 69

فى ليل القتام، والفعلات التى لها فتكات الأورق «1» فى النّقد وصولات الأسد فى السّوام

يمشى الى الموت عالى الكعب معتقلا

أظمى «2» الكعوب كمشى الكاعب الفضل «3»

يحسن فى بحار الدروع سبح «4» الفوارس، بين بدور اليلب «5» ونجوم القوانس «6» ؛ من كلّ سابغة لا تصل إليها ألسنة الحداد، كأنها أثواب الأراقم خيطت بأعين الجراد؛ كفيلة بحماية الأنفس وصيانة المهج، تنير مسالك لابسها فى دياجى الرّهج، إنما هى البحر ولا حرج «7»

اذا ما مشوا فى السابغات حسبتهم

سيولا وقد سالت بهنّ الأباطح

وكلّ أبيض هندىّ تألّفت من الملح أبعاضه، البرد جسمه والبرق إياضه؛ المفارق مغاربه والأجفان مطالعه، والأنفس موارده والمنايا منابعه؛ لو أثمر لأنبت رءوسا ولو تفجّر لسال نفوسا، ولو تكشّف صافى حديده لرأيت فيه عبوسا

ص: 70

سليل «1» النار دقّ ورقّ حتى

كأنّ أباه أورثه السّلالا

ودبّت فوقه حمر المنايا

ولكن بعد ما مسخت نمالا

وكل أسمر اذا انتحى فهو صاح واذا انثنى فهو نشوان، واذا ورد دم القلب فهو ظمآن القناة ريّان السنان؛ اذا خطب النواصى وخط «2» ، واذا كتبت المواضى نقط؛ واذا قصرت يد القرن طال، واذا صليت نار الحرب العوالى صال

توهّم كلّ سابغة غديرا

فرنّق «3» يشرب الحلق الدّخالا «4»

وكلّ صفراء رقشاء «5» الأديم، كانها أرقم الصّريم «6» ؛ لها فلك بالرزيّة دائر، وسهم بالمنيّة طائر، إن ركب فهو مقيم وإن نزل فهو سائر؛ مع عزائم بنت على «7» الدولة سورا، وجعلت بينها وبين الذين لا يؤمنون بالدولة المعزّيّة حجابا مستورا؛ على أنها غنيمة لم تحتج إلى الإيجاف والإيضاع، وطلبة ألفاها على طرف الثمام «8» وحبل الذراع «9» ؛ وعناية جاءت على اختيار المراد ومراد الاختيار، ونعمة كرّت هى والتوفيق فى قرن

ص: 71

وجرت والسعادة فى مضمار، ومنحة ركضت بها الى المقام المعزّىّ سوابق الأقدار ومعنى خفى من نعم الله لم تلجه عقائل الأفكار؛ واذا سبقت عناية الله فليس لأمر حتمه الله رافع، واذا لحظت السعادة امرأ وقفت دونه آمال المطالب وتقطّعت خلفه أعناق المطامع، واستولت يمينه على آفاق سماء «1» الشرف فلها قمراها والنجوم الطوالع، وهذه مواهب لا تدركها دقائق الأسطرلاب «2» ولا درج الشمس ولا رصد الطوالع

لعمرك ما تدرى الضّوارب بالحصا

ولا زاجرات الطير ما الله صانع.

وينهى «3» أنّ حاملها من عقدت عليه الملوك خناصرها، واختصّ منها بالصحبة ناصرها؛ وله فضل لا يذاد عن منهل العلم سوامه، ولا تجهل فى مسالك الشرف

ص: 72

أعلامه؛ وله نفس سمت حتى أخذت سماء السيادة بيمينها، وهمّة اذا رأيت ذاتها الكريمة توسّمت الرّياسة فى جبينها، وأبوّة لا تتّجر من المعالى إلّا فى ثمينها؛ وقد أكلته السنة بل السنوات، وترادفت عليه الملمّات بل المؤلمات؛ وقد صيّر الجناب الزينىّ لما يحاوله ذريعه، وورد المنهل الرّحب وإنه لعذب الشريعه، وقد أصاب به مولانا طريق المصنع فألبسه ثياب الصنيعه؛ ومولانا أولى من أولاه شرف جلاله ونظر اليه بعين كريمة يقابل بها ما يقابله من كرم خلاله؛ فالإبريز قد يشتبه إلّا على نقّاده، والغيث قد يخلف إلا «1» على روّاده، والماء قد يأجن إلا على ورّاده؛ وسيّدنا مصعبىّ الهمم وهذا ابن قيس «2» رقيّاته، ومهلبىّ الشّيم وهذا حبيب أبنائه «3» ، وواثقىّ الإحسان وهذا فى الجلالة ابن [أبى «4» ] دواده وفى الأدب ابن زيّاته «5» ؛ فليضعه حيث

ص: 73