الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن إنشائه تقليد السلطان الملك الناصر لما ترك الديار المصرية وأقام بالكرك
«1» -
وكتب له بذلك من ديوان الإنشاء عن الملك المظفّر ركن الدين، فلم يمكن الكاتب الإطناب، ولا وسعه «2» غير الاختصار، فلم يرضه الكتاب، وعمل جماعة منهم فى ذلك تجربة لخواطرهم ولم يكتب بشىء منها فعمل هو-:
الحمد لله مدبّر الأمر على ما يشاء فى عباده، ومنقّل الحال على حكم اختياره ووفق مراده، ومجرى أسباب الممالك على يد من اختاره من عباده لإصدار الأمر وإيراده، ومجيب من أصبح قاصدا بابه الشريف والزهادة فيما حوله من اعتقاده، ومعزّ من أضحى له من حقونا «3» ركن استند إليه الدهر فى استناده، يلبّى دعوة مرامه حيث كان من بلاده؛ ويجيب داعى نداه وإن بعد فيكون أقرب من سرّه الى فؤاده؛ يذبّ عن حوزة نسائه ببيض مرهفاته وسمر صعاده، ويحمى بيضة جاهه بالغلب من أشياعه والجرد من جياده؛ نحمده على أن جعل موالاتنا لهذا البيت الشريف المنصورىّ تستديم عهوده، وتلتحف من المحافظة على مراضيه الشريفة فى كلّ حال بروده؛ وترد من القيام بواجب حقّه أعذب منهل شرعه الصفاء وسنّه، وأكّد موالاته الوفاء وحسن الوفاء من شعار أهل السّنّة؛ ونشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له شهادة ترفع أعلام الهدى بكلمها، وتخمد نار الشرك بنور هداية
علمها وعلمها، وتطهّر أديم البسيطة من أرجاس الكفرة بالحدّين من غربى «1» صمصامها وقلمها، وتروى كلّ قطر أصبح ما حلا من قطرى عدلها ونعمها؛ ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذى كانت الزهادة ملاك أمره و [الملوك «2» ] تحت وطأة أقدامه، والملائكة يحفّونه من حوله «3» ومن أمامه، ومعادن الذهب تعرض عليه فيساوى لديه لزهادته بين نضاره ورغامه؛ صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تحاكى أرج الصّبا وقد سرى عن خزامه «4» ، وتضاهى فتيق «5» المسلك وقد تنفّس عن ختامه، مشفوعة إلى يوم القيامة برضوانه وسلامه؛ وبعد، فإنه لما كان المقام العالى الملكىّ الفلانىّ هو الذى ربّته الممالك فى حجرها وليدا، وخوّلته السلطنة الشريفة من نفائس ذخائرها طارفا وتليدا؛ وبوّأته من مراتب العز أقصى غاية لا ترام، وأبادت بمرهفه البتّار جمع التتار الطّغام؛ واستخدمت لطاعته جيشين:
جيش نهار بكّر فيه مواليه على أعدائه بسابق خيله ومرهف حسامه، وجيش ليل تبسط أولياء دولته أكفّهم للدعاء ببقائه فى جنح ظلامه؛ طالما هزّت المنابر أعطافها طربا عند ذكر اسمه، وازدادت وسامة الدّينار حسنا لمّا شرّفها بحسن
وسمه ورسمه؛ وتلت أوصاف بأسه ألسنة خرصانه «1» ، ورجعت سوابق الهمم عن التطاول للمطاولة فى ميدانه، وقالت فوارس الحروب لمّا رأت كرّه: هذا سباق لسنا من رهانه؛ كم فرّق بجيشه اللهام «2» جيشا أرمد جفن الشمس بقتامه، ونصر الأحزاب يوم الكريهة بالعاديات من خيله والمرسلات من سهامه، فالدهر يشكر مواقف إقدامه، والعدل ينشر منشور فضله وسديد أحكامه؛ والممالك تثنى على عليائه بالسداد، والمسالك تهدى لسالكها ما خصّها به من أمنها المعتاد؛ والناس فى ظلّ عدل لياليه [خلقت «3» ] كما شاءوا أسحارا، والوحش والغنم كلّ منهما قد جعل صاحبه جارا؛ ومواطن العلوم أمست تطرّز بمحاسن أوصافه، وحكّام الشرع الجليل أضحت تميس فى حلل عدله وإنصافه؛ والأماكن التى تشدّ لها الرحال يفترّ ثغرها عن عدله، والمشاعر المعظّمة قد حمى حوزتها بالسهم من نصله والشهم من رجله «4» ؛ تنقّل فى مراتب الملك صغيرا الى أن اشتدّ بالعزم القوىّ كاهله، واستوطن ربع العزّ مذ كان يجتلى بدوره وتجتليه عقائله؛ فلم تبق له مأربة إلا قضاها، ولا حالة إلا ابتلاها، ولا غمّة إلا جلاها، ولا آية شكر إلا تلاها؛ الى أن قمع بحدّ
سيفه كلّ مجترى، وقال للسحابة كما قيل: امطرى «1» ؛ رأى «2» أن الموارد الدنيويّة لا بدّ لها من مصادر، وأن أوائل الأمور تستدعى الأواخر، وأن للزهادة فى الدنيا وإن عظم قدرها الشأن الكبير، وأن الانقطاع الى الله تعالى منهل صفو لا يقبل شوائب التكدير؛ وقوى عزمه فى الرّحلة عن مقرّ ملكه الى أعزّ حصونه المنيعه، بل الى أجلّ معاقله الشامخة الرفيعه؛ قاصدا بها الانفراد، عالما بأن الله يطلع على خفيّات الفؤاد؛ فرحل ركابه العالى ونظام المملكة من حسن الهيئة قائم على ساق، وقلوب كفّال الممالك الشريفة متّفقة على الاتفاق؛ واثقا بأن للملك من أولياء بيته الشريف كلّ ولىّ عهد لا تخفر لديه الذمم، وكلّ سلطان أفق «3» تضؤل دون عزمه الهمم؛ يحمى بيضة خدره من كلّ متطاول إليها، ويقصّر أسباب الحرص من كلّ شأن «4» عليها؛ واختار الانفراد، وتيقّن أنّا لا نعدل عمّا أراد؛ ونصب عمد خيامه الشريفة على سفح روض الكرك النّضر، وحلّ منه رأس شاهقة نبتها خضر؛ ورغب فى الزهادة وشعارها، واستوت «5» عنده الدنيا فى حالتى إقبالها وإدبارها؛ فاقتضى اعتناؤنا الشريف أن نبلّغه من مآربه الشريفة أقصى المرام، وأن نساعده فى كلّ أمر يعرف منه الموافقة منّا على الدوام؛ وأن ننظم الأمر فى سلك الإرادة على مراده، وأن نبادر إلى راحة سرّه الشريف وفؤاده؛ ولسوف نعامل مقامه العالى بكلّ احترام يصل