الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر الجزية الواجبة على أهل الذمّة و
…
ما ورد فيها من الأحكام الشرعيّة وأوّل من ضربها وقرّرها على الرءوس وما اصطلح عليه كتّاب التصرّف فى زماننا من استخراجها وموضع إيرادها فى الحساب ونسبتها فى الإقطاعات الجيشيّة وما يلزم مباشرها من الأعمال وما يحتاج إليه والله أعلم
أما الأحكام الشرعيّة
فالأصل فى وجوبها قوله تعالى: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ
وقد ورد فى هذه الآية تأويلات ذكرها أقضى القضاة أبو الحسن علىّ بن محمد بن حبيب الماوردىّ- رحمه الله فى الأحكام السلطانيّة، نحن نذكرها على ما أورده، قال: أما قوله: «الّذين لا يؤمنون بالله» فأهل الكتاب [وإن «1» ] كانوا معترفين بأن الله سبحانه واحد، فيحتمل [نفى «2» ] هذا الإيمان بالله تأويلين، أحدهما: لا يؤمنون بكتاب الله سبحانه وهو القرآن، والثانى: لا يؤمنون برسوله محمد صلى الله عليه وسلم، لأن تصديق الرّسل إيمان بالمرسل؛ وقوله:«وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ» *
يحتمل تأويلين، أحدهما: لا يخافون وعيد اليوم الآخر وإن كانوا معترفين بالثواب والعقاب، والثانى: لا يصدّقون بما وصفه الله تعالى من أنواع العذاب؛ وقوله تعالى: «وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»
يحتمل تأويلين،
أحدهما: ما أمر الله سبحانه بنسخه من شرائعهم، والثانى: ما أحلّه لهم وحرّمه عليهم؛ «ولا يدينون دين الحقّ» فيه تأويلان، أحدهما: ما فى التوراة والإنجيل من اتّباع الرسول- وهو قول الكلبىّ-، والثانى: الدخول فى دين الإسلام- وهو قول الجمهور-، وقوله:«مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» *
فيه تأويلان، أحدهما: من أتباع «1» الذين أوتوا الكتاب، والثانى: من الّذين ملّتهم الكتاب، لأنهم فى اتّباعه كإيتائه «2» ؛ وقوله:«حتّى يعطوا الجزية» فيه تأويلان، أحدهما: حتى يدفعوا الجزية، والثانى حتى يضمنوها، لأنه بضمانها يحب الكفّ عنهم؛ وفى الجزية تأويلان، أحدهما:
أنها من الأسماء المجملة التى لا يعرف منها ما أريد بها إلا أن يرد بيان «3» ، والثانى: أنها من الأسماء العامّة التى يجب إجراؤها على عمومها إلا ما خصصه دليل؛ واسمها مشتق من الجزاء، وهو إما جزاء على كفرهم، أو جزاء على أماننا لهم؛ وفى قوله:«عن يد» [تأويلان، أحدهما: عن غنى «4» وقدرة، والثانى: أن يعتقدوا أن لنا فى أخذها منهم يدا وقدرة عليهم؛ وفى قوله] : «وهم صاغرون» تأويلان، أحدهما: أذلّاء مساكين «5» ، والثانى: أن تجرى عليهم أحكام الإسلام. وقال غيره: الصّغار أن يضرب على فكّ الذمىّ برءوس الأنامل عند قيامه بالجزية ضربا لطيفا غير مؤلم. وقال الماوردىّ:
فيجب على ولىّ الأمر أن يضرب الجزية على رقاب من دخل فى الذمّة من أهل الكتاب ليقرّوا بها فى دار الإسلام؛ ويلتزم لهم ببذلها حقّين: أحدهما الكفّ عنهم، والثانى الحماية لهم، ليكونوا بالكفّ آمنين، وبالحماية محروسين؛ روى نافع عن ابن عمر رضى الله عنهم قال: آخر ما تكلّم به النبىّ صلى الله عليه وسلم: «احفظونى فى ذمّتى «1» » قال الماوردىّ: ولا تؤخذ من مرتدّ ولا دهرىّ ولا عابد وثن، وأخذها أبو حنيفة من عبدة الأوثان من العجم، ولم يأخذها منهم إذا كانوا عربا «2» ؛ وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى، وكتابهم التوراة والإنجيل، وتجرى المجوس مجراهم فى أخذ الجزية منهم؛ وتؤخذ من الصابئين «3» والسامرة»
اذا وافقوا اليهود والنصارى فى أصل معتقدهم وان خالفوهم فى فروعه، ولا تؤخذ منهم إن خالفوا اليهود والنصارى فى أصل معتقدهم؛ ومن جهلت حاله أخذت جزيته، ولا تؤكل ذبيحته؛ والجزية تجب على الرجال الأحرار «5» العقلاء، ولا تجب على صبىّ ولا امرأة ولا مجنون ولا عبد، لأنهم أتباع وذرارىّ؛ ولو تفرّدت امرأة منهم [عن «6» ] أن تكون تبعا لزوج أو نسيب لم تؤخذ منها الجزية، لأنها تبع لرجال قومها وإن كانوا أجانب
منها؛ ولو تفرّدت امرأة فى دار الحرب فبذلت الجزية للمقام فى دار الإسلام لم يلزمها ما بذلته، وكان ذلك منها كالهبة لا يؤخذ منها إن امتنعت؛ ولا تؤخذ الجزية من خنثى مشكل، فإن زال «1» إشكاله وبان رجلا أخذت منه فى مستقبل أمره وماضيه؛ واختلف الفقهاء فى قدر الجزية، فذهب أبو حنيفة إلى تصنيفهم ثلاثة أصناف:
أغنياء يؤخذ منهم ثمانية وأربعون درهما، وأوساط يؤخذ منهم أربعة وعشرون درهما وضرب «2» يؤخذ منه اثنا عشر درهما، [فجعلها مقدّرة الأقلّ والأكثر «3» ] ومنع من اجتهاد الولاة فيها.
وقال مالك: لا يقدّر أقلّها ولا أكثرها، وهى موكولة إلى اجتهاد الإمام فى الطرفين.
وذهب الشافعىّ إلى أنها مقدّرة الأقلّ بدينار لا يجوز الاقتصار على أقلّ منه، وعنده أنها غير مقدّرة الأكثر، يرجع فيه إلى اجتهاد الولاة، ويجتهد رأيه فى التسوية بين جميعهم، أو التفضيل «4» بحسب أحوالهم، فإذا اجتهد رأيه فى عقد الجزية معهم على مراضاة أولى الأمر منهم صارت لازمة لجميعهم ولأعقابهم قرنا بعد قرن، ولا يجوز لوال بعده أن يغيّره «5» الى زيادة عليه أو نقصان منه.
ويشترط عليهم فى عقد الجزية شرطان: مستحقّ ومستحبّ، أما المستحقّ فستة «1» أشياء: أحدها ألّا يذكروا كتاب الله تعالى بطعن فيه ولا تحريف له، والثانى ألّا يذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتكذيب له ولا ازدراء به، والثالث ألّا يذكروا دين الإسلام بذمّ له ولا قدح فيه، والرابع ألّا يصيبوا مسلمة بزنى ولا باسم نكاح، والخامس ألّا يفتنوا «2» مسلما عن دينه ولا يتعرّضوا لماله ولا دمه «3» ، والسادس ألّا يعينوا أهل الحرب ولا يؤووا أغنياءهم؛ فهذه الستة حقوق ملتزمة بغير شرط، وإنما تشترط إشعارا لهم، وتأكيدا لتغليظ العهد عليهم، فيكون انتهاكها بعد الشرط نقضا لعهدهم.
وأما المستحبّ فستة أشياء: أحدها تغيير هيآتهم بلبس الغيار «4» وشدّ الزّنّار «5» ، والثانى ألّا يعلموا على المسلمين فى الأبنية، ويكونوا إن لم ينقصوا مساوين لهم، والثالث ألّا يسمعوهم أصوات نواقيسهم، ولا تلاوة كتبهم، ولا قولهم فى عزير والمسيح، والرابع ألّا يجاهروهم بشرب خمورهم، ولا بإظهار صلبانهم وخنازيرهم، والخامس أن يخفوا «6» دفن موتاهم ولا يجهروا بندب عليهم ولا نياحة، والسادس أن يمنعوا من ركوب الخيل عتاقا وهجنا، ولا يمنعوا من ركوب البغال والحمير؛ قال: فهذه الستة المستحبّة
لا تلزم بعقد الذّمّة حتى تشترط فتصير بالشرط ملتزمة، ولا يكون ارتكابها بعد الشرط نقضا للعهد، لكن يؤخذون «1» بها إجبارا «2» ، ويؤدّبون «3» عليها زجرا، ولا يؤدّبون إن لم يشترط ذلك عليهم، ويحتاط «4» به.
[وتجب الجزية عليهم «5» ] فى كل سنة مرّة واحدة بعد انقضائها «6» بالشهور الهلاليّة، ومن مات منهم فى أثناء السنة أخذ من تركته بقدر ما مضى منها، ومن أسلم كان ما لزم من جزيته دينا فى ذمّته يؤخذ منه؛ وأسقطها أبو حنيفة بإسلامه وموته؛ ومن بلغ من صغارهم، أو أفاق من مجانينهم استقبل به حول [ثم أخذ «7» ] بالجزية ويؤخذ الفقير بها إذا أيسر، وينتظر بها إذا أعسر؛ ولا تسقط عن شيخ ولا زمن، وقيل: تسقط عنهما وعن الفقير؛ ولأهل العهد إذا دخلوا دار الإسلام الأمان على نفوسهم وأموالهم، ولهم أن يقيموا فيها أربعة أشهر بغير جزية، ولا يقيموا سنة إلا بجزية، وفيما بين «8» الزمانين خلاف؛ ويلزم الكفّ عنهم كأهل الذمّة، ولا يلزم الدفع عنهم؛ واذا أمّن بالغ عاقل من المسلمين حربيّا لزم أمانه كافّة المسلمين، والمرأة
فى بذل الأمان كالرجل، والعبد فيه كالحرّ؛ وقال أبو حنيفة: لا يصحّ أمان العبد إلا أن يكون مأذونا له فى القتال؛ وإذا «1» تظاهر أهل الذّمّة والعهد بقتال المسلمين كانوا حربا لوقتهم، يقتل مقاتلهم، ويعتبر حال من عدا المقاتلة منهم بالرضا بفعلهم والإنكار له؛ وإذا امتنع أهل الذمّة من أداء الجزية كان نقضا لعهدهم؛ وقال أبو حنيفة: لا ينتقض به عهدهم إلّا أن يلحقوا بدار الحرب، وتؤخذ منهم جبرا كالدّيون؛ وإذا نقض أهل الذمّة عهدهم لم يستبح بذلك قتلهم، ولا غنم أموالهم، ولا سبى «2» ذراريّهم ما لم يقاتلوا، ووجب إخراجهم من بلاد المسلمين آمنين حتى يلحقوا مأمنهم من أدنى بلاد الشّرك، فإن لم يخرجوا طوعا أخرجوا كرها؛ فهذه هى الأحكام الشرعيّة فى أمر الجزية.
وأوّل ما ضربت الجزية وجعلت على الرءوس فى خلافة عمر «3» بن الخطّاب
- رضى الله عنه- وكانت قبل ذلك تحمل قطائع؛ واختلف: هل استأداها سلفا أو عند انقضاء الحول.