المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر شىء من الحكم - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٨

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثامن

- ‌[تتمة الفن الثاني في الإنسان وما يتعلق به]

- ‌[تتمة القسم الخامس في الملك وما يشترط فيه و

- ‌[تتمة الباب الرابع عشر في الكتابة وما تفرع من أصناف الكتاب]

- ‌[تتمة ثم الكتابة بحسب من يحترفون بها على أقسام]

- ‌[تتمة ذكر كتابة الإنشاء وما اشتملت عليه]

- ‌ذكر نبذة من كلام القاضى الفاضل الأسعد محيى الدين

- ‌ذكر شىء من رسائل الشيخ الإمام الفاضل ضياء الدين

- ‌ومثل صدر هذه الرسالة لبعض الكتاب المتقدّمين

- ‌ولنعد الى كلام الشيخ ضياء الدين بن القرطبى

- ‌وكتب إليه أيضا شفاعة فى بعض الأعيان

- ‌وكتب إلى الصاحب قاضى القضاة بدر الدين السنجارى

- ‌وكتب الى القاضى شمس الدين الأصفهانى الحاكم

- ‌ومن إنشائه رحمه الله تقليد السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل بولاية عهد السلطنة

- ‌ذكر شىء من إنشاء المولى الماجد السالك

- ‌وكتب تقليدا مظفّريّا للأمير سيف الدين سلار المنصورىّ بنبابة السلطنة الشريفة

- ‌ومن انشائه أيضا أعزه الله تعالى مقامة عملها فى سنة اثنتين وسبعمائة

- ‌ذكر شىء من إنشاء المولى الفاضل الصدر الكبير الكامل؛ البارع الأصيل، الأوحد النبيل؛ تاج الدين عبد الباقى بن عبد المجيد اليمانى

- ‌ومن إنشائه تقليد السلطان الملك الناصر لما ترك الديار المصرية وأقام بالكرك

- ‌ذكر شىء من الأبيات الداخلة فى هذا الباب

- ‌ولنصل هذا الفصل بذكر هفوات الأمجاد وكبوات الجياد

- ‌ذكر شىء من الحكم

- ‌ومن الأبيات المناسبة لهذا الفصل قول الأضبط بن قريع:

- ‌ذكر كتابة الديوان وقلم التصرف وما يتصل بذلك

- ‌ذكر اشتقاق تسمية الديوان ولم سمّى ديوانا ومن سمّاه بذلك

- ‌ذكر ما تفرّع عن كتابة الديوان من أنواع الكتابات

- ‌ذكر مباشرة ديوان الجيش وسبب وضع الدواوين وأول من وضعها فى الإسلام

- ‌وأما دواوين الأموال

- ‌وأما ديوان العراق

- ‌ويحتاج إلى بسط جريدة إقطاع صورتها:

- ‌ويحتاج إلى أن يتعاهد مباشرى المعاملات والبرور

- ‌ويحتاج أيضا إلى بسط جريدة ثالثة بأسماء أرباب النقود والمكيلات خاصّة

- ‌ويحتاج أيضا الى أوراق أخر تتضمن أسماء أمراء الميمنة وأمراء الميسرة، والجالس

- ‌ويحتاج الكاتب إلى تحرير شواهده وحفظها

- ‌ويحتاج إلى أنه مهما انحلّ من الإقطاعات

- ‌ويحتاج مباشر الجيش إلى مراجعة جرائده:

- ‌وأما مباشرة الخزانة

- ‌ومنها ضبط ما يصل إلى الخزانة من تقادم الملوك والنوّاب

- ‌ومنها تجهيز ما جرت العادة بأن يجهّز فى خزائن الصحبة عند استقلال ركاب السلطان من مقرّ ملكه

- ‌ومنها تحرير ما يصل إليه من الأقمشة من دار الأعمال

- ‌وأما مباشر بيت المال

- ‌ذكر مباشرة البيوت السلطانية

- ‌وأما الشراب خاناه

- ‌وأما الفراش خاناه

- ‌وأما السلاح خاناه

- ‌ذكر الجزية الواجبة على أهل الذمّة و

- ‌أما الأحكام الشرعيّة

- ‌وأما ما اصطلح عليه كتّاب التصرّف

- ‌وأما ما يلزم مباشر الجوالى وما يحتاج الى عمله

- ‌ذكر جهات الخراجىّ وأنواعه وما يحتاج اليه مباشره

- ‌أما الديار المصريّة وأوضاعها وقوانينها وما جرت عليه قواعدها على ما استقرّ فى زماننا هذا وتداوله الكتّاب

- ‌وأما الخراج الراتب

- ‌وأما جهات الخراجىّ بالشام وكيفيّتها وما يعتمد عليه مباشروها

- ‌وأما ما يشترك فيه الهلالىّ والخراجىّ ويختلف باختلاف أحواله فجهات

- ‌أما المراعى

- ‌وأما المصايد

- ‌وأما الأحكار

- ‌وأما أقصاب السكّر ومعاصرها

- ‌ذكر كيفية الاعتصار والطبخ وتقدير المتحصّل

- ‌وأما أقصاب الشأم

- ‌ذكر أوضاع الحساب وما يسلكه المباشر ويعتمده فيها

- ‌أوّل ما يحتاج اليه كلّ مباشر أن يضع له تعليقا ليوميّته

- ‌ثم يكتب العامل مخزومة يورد فيها المستخرج والمحضر والمجرى والمصروف

- ‌ذكر ما ينتج عن التعليق من الحسبانات بعد المخازيم

- ‌فأما الختم

- ‌وأما التوالى

- ‌ولهم أيضا توال يسمّونها توالى الارتفاع

- ‌ولهم أيضا توالى الاعتصار

- ‌وأما الأعمال

- ‌فأما أعمال الغلال والتقاوى

- ‌وأما عمل الاعتصار

- ‌وأما عمل المبيع

- ‌وأما عمل المبتاع

- ‌وأما عمل الجوالى

- ‌وأما عمل الخدم والجنايات والتأديبات

- ‌وأما السياقات

- ‌فأما سياقة الأسرى والمعتقلين

- ‌وأما سياقة الكراع

- ‌وأما سياقة العلوفات

- ‌وأما الارتفاع

- ‌ومن أبواب المضاف ما يضاف بالقلم

- ‌ومن وجوه المضاف الغريبة: المستعاد نظير المعاد

- ‌وأما الحواصل المعدومة المساقة بالأقلام

- ‌ومما يلزم الكاتب رفعه المحاسبات

- ‌ومما يلزم الكاتب رفعه ضريبة أصول الأموال ومضافاتها عن كلّ سنة كاملة

- ‌ويلزمه رفع المؤامرات

- ‌ويلزمه رفع ضريبة ما يستأدى من الحقوق

- ‌ومما يلزمه رفعه فى كلّ سنة تقدير الارتفاع

- ‌ويلزمه فى كل ثلاث سنين رفع الكشوف الجيشيّة

- ‌ذكر أرباب الوظائف وما يلزم كلا منهم مع حضور رفقته ومع غيبتهم وما يسترفعه كل مباشر عند مباشرته وما يلزمه عمله

- ‌وأما الناظر على ذلك

- ‌وأما صاحب الديوان

- ‌وأما مقابل الاستيفاء

- ‌وأما المستوفى

- ‌وأما المشارف

- ‌وأما الشاهد

- ‌وأما العامل

الفصل: ‌ذكر شىء من الحكم

قال المدائنىّ: كان رجل من ولد عبد الرحمن بن سمرة أراد الوثوب بالشام فى زمن المهدىّ، فأخذ وحمل إليه، فلمّا مثل بين يديه اعتذر، فرأى منه المهدىّ نبلا وفضلا، فعفا عنه وخلطه بجلسائه؛ ثم قال له يوما: أنشدنى شيئا من شعر زهير، فأنشده قصيدته التى أوّلها:«لمن الديار بقنّة «1» الحجر» حتى أتى على آخرها؛ فقال المهدىّ: مضى من يقول مثل هذا؛ فقال السّمرىّ: وذهب والله من يقال «2» فيه مثله؛ فاستشاط «3» المهدىّ غضبا، وأمر أن يجرّ برجله، وألّا يؤذن له بعدها.

ولنختم ما ذكرناه من أمر كتابة الإنشاء بشىء من الحكم.

‌ذكر شىء من الحكم

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحكمة ضالّة المؤمن» .

وقال علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه: لكلّ جواد كبوه، ولكلّ حكيم هفوه؛ ولكلّ نفس ملّة «4» ، فاطلبوا لها طرائف الحكمة.

ومن الحديث النبوىّ- صلوات الله تعالى وسلامه على قائله- ممّا يدخل فى هذا الفصل قوله صلى الله عليه وسلم: «كرم الرجل دينه، ومروءته عقله، وحسبه عمله» . «خير الأمور أوسطها» «5» . «كلّ ميسّر لما خلق له» .

ص: 181

«زر غبّا تزدد حبّا» . «الوحدة خير من قرين السوء» . «البركة فى الحركة» .

«صلوا أرحامكم ولو بالسلام» . «من كثر سواد قوم فهو منهم» . «ما قلّ وكفى خير مما كثر وألهى» . «ليس الغنى عن كثرة العرض، إنّما الغنى غنى النفس» .

وقال أبو بكر الصّدّيق- رضى الله عنه-: صنائع المعروف تقى مصارع السوء.

وقال علىّ بن أبى طالب: استغن عمّن شئت فأنت نظيره، واحتج إلى من شئت فأنت أسيره، وأفضل على من شئت فأنت «1» أميره.

قال بعض الشعراء:

وإذا ما الرجاء أسقط بين الناس

فالناس كلّهم أكفاء

وقال لقمان لابنه: ثلاثة لا يعرفون إلّا فى ثلاثة مواضع: لا يعرف الحليم إلّا وقت الغضب، ولا الشجاع إلا فى الحرب اذا لاقى الأقران، ولا أخوك إلا عند حاجتك.

وقال عمر بن الخطّاب رضى الله تعالى عنه: أحبّكم إلينا قبل أن نختبركم «2» أحسنكم صمتا، فإذا تكلّم فأبينكم منطقا، فإذا اختبرناكم فأحسنكم فعلا.

وفى رواية: أحبّكم إلينا أحسنكم اسما، فإذا رأيناكم فأجملكم منظرا، فإذا اختبرناكم فأحسنكم مخبرا.

وخطب علىّ رضى الله عنه يوما فقال فى خطبته: وأعجب ما فى الإنسان قلبه، له أمداد «3» من الحكمة، وأضداد من خلافها، فإذا سنح له الرجاء هاج به

ص: 182

الطمع، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص، وإن ملكه اليأس قتله الأسف، وإن عرض له الغضب اشتدّ به الغيظ، وإن أسعد بالرضا نسى التحفّظ، وإن ناله الخوف شغله الحزن، وإن أصابته مصيبة قصمه الجزع، وإن أفاد ما لا أطغاه الغنى، وإن عضّته فاقة شغله البلاء، وإن جهده الجوع أقعده الضعف، فكلّ تقصير به مضرّ، وكلّ إفراط له مفسد.

ومن كلامه- رضى الله عنه-: فرض الله تعالى الإيمان تطهيرا من الشّرك، والصّلاة تنزيها عن الكبر، والزكاة سببا للرزق، والصيام ابتلاء لإخلاص الخلق، والحجّ تقوية للبدن، والجهاد عزّ للإسلام، والأمر بالمعروف مصلحة للعوامّ «1» ، والنهى عن المنكر ردعا للسفهاء، وصلة الرحم منماة للعدد، والقصاص حقنا للدماء، وإقامة الحدود إعظاما للمحارم، وترك شرب الخمر تحصينا للعقل، ومجانبة السرقة إيجادا «2» للعفّة، وترك الزنى تصحيحا للنّسب، وترك اللواط تكثيرا للنسل، والشهادات استظهارا على المجاحدات، وترك الكذب تشريفا للصدق، والسلام أمانا من المخاوف، والإمامة نظاما للأمّة، والطاعة تعظيما للإمامة «3» .

وقال فرفوريوس «4» : لو تميزت الأشياء بأشكالها لكان الكذب مع الجبن، والصدق مع الشجاعة، والراحة مع اليأس، والتعب مع الطمع، والحرمان مع الحرص، والعزّ مع القناعة، والأمن «5» مع العفاف، والسلامة مع الوحدة.

ص: 183

وقال آخر: الشكر محتاج إلى القبول، والحسب محتاج إلى الأدب، والسرور محتاج إلى الأمن «1» ، والقرابة محتاجة إلى المودّة، والمعرفة محتاجة إلى التجارب، والشرف محتاج إلى التواضع، والنّجدة محتاجة إلى الجدّ.

وقال حكيم يونانىّ: السعادات كلّها فى سبعة أشياء: حسن الصورة، وصحّة الجسم، وطول العمر، وكثرة العلم، وسعة ذات اليد، وطيب الذكر، والتمكّن من الصديق والعدوّ.

وقال بعض الأدباء- وقد سئل عن العيش- فقال: فى الغنى فإنى رأيت الفقير لا يلتذّ بعيش أبدا؛ فقال له السائل: زدنى، قال: فى الصحّة، فإنى رأيت المريض لا يلتذّ بعيش أبدا؛ فقال له: زدنى، قال: فى الأمن، فإنى رأيت الخائف لا يلتذّ بعيش أبدا؛ قال: زدنى؛ قال: لا أجد مزيدا. وهذا الكلام مأخوذ من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«من أصبح آمنا فى سربه «2» ، معافى فى بدنه، عنده «3» قوت يومه، فكأنّما حيزت له الدنيا بحذافيرها» .

وقال فيلسوف: كثير من الأمور لا تصلح إلّا بقرنائها: لا ينفع العلم بغير ورع، ولا الحفظ بغير عقل، ولا الجمال بغير حلاوة، ولا الحسب بغير أدب، ولا السرور بغير أمن، ولا الغنى بغير كفاية، ولا الاجتهاد بغير توفيق.

ص: 184

وقالوا: المنظر يحتاج إلى القبول، والحسب إلى الأدب، والسرور إلى الأمن، والقربى إلى المودّة، والمعرفة إلى التجارب، والشرف إلى التواضع، والنجدة إلى الجدّ «1» .

وقال علىّ رضى الله عنه: يغلب المقدار على التقدير، حتى تكون الآفة فى التدبير.

أخذه ابن الرومىّ فقال:

غلط الطبيب علىّ غلطة مورد

عجزت موارده «2» عن الإصدار

والناس يلحون الطبيب وإنّما

غلط الطبيب إصابة المقدار

وقال: اذا انقضت المدّه، كان الهلاك فى العدّة.

وقال القدماء: لا خير فى القول إلّا مع الفعل، ولا فى المنظر إلّا مع المخبر، ولا فى المال إلّا مع الجود، ولا فى الصديق إلّا مع الوفاء، ولا فى الفقه إلّا مع الورع، ولا فى الصدقة إلّا مع حسن النيّة، ولا فى الحياة إلّا مع الصحّة، ولا فى السرور إلّا مع الأمن.

قال بعض بنى تميم: حضرت مجلس الأحنف بن قيس وعنده قوم مجتمعون، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الكرم، منع الحرم؛ ما أقرب النّقمة من أهل البغى! لا خير فى لذّة تعقب ندما؛ لن يهلك من قصد، ولن يفتقر من زهد؛ ربّ هزل قد عاد جدّا؛ من أمن الزمان خانه، ومن تعظّم عليه أهانه؛ دعوا المزاح فإنه

ص: 185

يؤرّث «1» الضغائن؛ وخير القول ما صدّقه الفعل؛ احتملوا من أدلّ عليكم، واقبلوا عذر من اعتذر إليكم؛ أطع أخاك وإن عصاك، وصله وإن جفاك؛ أنصف من نفسك قبل أن ينتصف منك؛ وإيّاكم ومشاورة النساء؛ واعلم أنّ كفر النعمة لؤم، وصحبة الجاهل شؤم؛ ومن الكرم، الوفاء بالذمم؛ ما أقبح القطيعة بعد الصّلة؛ والجفاء بعد اللّطف، والعداوة بعد الودّ! لا تكوننّ على الإساءة أقوى منك على الإحسان، ولا إلى البخل أسرع منك إلى البذل؛ واعلم أنّ لك من دنياك، ما أصلحت به مثواك، فأنفق فى حقّ ولا تكوننّ خازنا لغيرك؛ واذا كان الغدر موجودا فى الناس فالثقة بكلّ أحد عجز؛ اعرف الحقّ لمن عرفه لك؛ واعلم أنّ قطيعة الجاهل، تعدل صلة العاقل، قال: فما رأيت كلاما أبلغ منه، فقمت وقد حفظته. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

ومن كلام علىّ رضى الله عنه: من أبصر عيب نفسه شغل عن عيب غيره؛ ومن سلّ سيف البغى قتل به؛ ومن حفر لأخيه بئرا وقع فيها؛ ومن هتك حجاب أخيه انهتكت عورات بيته «2» ؛ ومن نسى خطيئته استعظم خطيئة غيره، ومن تكبّر على الناس زلّ؛ ومن سفه على الناس شتم؛ ومن خالط العلماء وقّر، ومن خالط الأنذال حقر؛ ومن أكثر من شىء عرف به؛ والسعيد من وعظ بغيره؛ وليس مع قطيعة الرحم تقى، ولا مع الفجور غنى؛ رأس العلم الرفق، وآفته الخرق؛ كثرة الزيارة تورث الملالة.

وقال موسى بن جعفر: ما تسابّ «3» اثنان إلّا انحطّ الأعلى إلى مرتبة الأسفل.

ص: 186

وقال آخر: ما تسابّ اثنان إلا غلب ألأمهما.

وقال الحسن بن علىّ بن موسى الرّضا: اعلم أن للحباء «1» مقدار فإن زاد عليه فهو سرف، وللحزم مقدارا فإن زاد عليه فهو جبن، وللاقتصاد مقدارا فإن زاد عليه فهو بخل.

قال مهدىّ بن أبان: قلت لولّادة العبديّة- وكانت من أعقل النساء-:

إنّى أريد الحج فأوصينى، قالت: أوجز فأبلغ، أم أطيل فأحكم؟ فقلت: ما شئت؛ فقالت: جد تسد، واصبر تفز؛ قلت: أيضا؛ قالت: لا يبعد غضبك حلمك، ولا هواك علمك؛ وق دينك بدنياك، وق عرضك بعرضك؛ وتفضّل تخدم، واحلم تقدّم؛ قلت: فبمن أستعين؟ قالت: بالله؛ قلت: من الناس؛ قالت: الجلد النشيط، والصالح الأمين؛ قلت: فمن أستشير؟ قالت: المجرّب الكيّس، أو الأديب الأريب؛ قلت: فمن أستصحب؟ قالت: الصديق المسلّم، أو المؤاخى «2» المتكرّم؛ ثم قالت: يا بناه، إنك تفد إلى ملك الملوك فانظر كيف يكون مقامك بين يديه.

وقال حكيم: من الذى بلغ جسيما فلم يبطر «3» ، واتّبع الهوى فلم يعطب؛ وجاور النساء فلم يفتتن، وطلب إلى اللئام فلم يهن، وواصل الأشرار فلم يندم، وصحب السلطان فدامت سلامته.

ص: 187

وقال: الاعتبار يفيدك «1» الرشاد، وكفاك أدبا لنفسك ما كرهت من غيرك.

وكان يقال: عليكم بالأدب فإنه صاحب فى السّفر، ومؤنس فى الوحدة، وجمال فى المحفل، وسبب إلى طلب الحاجة.

وقال بعضهم: احذر كلّ الحذر من أن يخدعك «2» الشيطان فيمثّل لك التوانى فى صورة التوكّل، ويورثك الهوينى «3» بالإحالة على القدر، فإن الله تعالى أمر بالتوكّل عند انقطاع الحيل، وبالتسليم للقضاء بعد الإعذار، فقال تعالى:«خُذُوا حِذْرَكُمْ» *

«وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» .

وقال آخر: لا تجاهد الطلب جهاد الغالب، ولا تتّكل على القدر اتّكال المستسلم، فإنّ ابتغاء الفضل «4» من السنّة، والإجمال فى الطلب من العفّة، وليست العفّة بدافعة رزقا، ولا الحرص بجالب فضلا.

وقالوا: عشر خصال فى عشرة أصناف أقبح منها فى غيرهم: الضيق فى الملوك، والغدر فى الأشراف، والكذب فى القضاة، والخديعة فى العلماء، والغضب فى الأبرار، «5» والحرص فى الأغنياء، والسّفه «6» فى الشيوخ، والمرض فى الأطبّاء، والزّهو فى الفقراء، والفجور فى القرّاء «7» .

ص: 188