الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنّة؛ فجنّد له الجنود وجمّع له الكتائب واقض فى مواقفه على الأعداء من بأسك بالقواضى القواضب؛ واغزهم فى عقر الدار، وأرهف سيفك البتّار، لتأخذ منهم للمسلمين بالثار؛ والثغور والحصون، فهى سرّ الملك المصون، وهى معاقل النفوس «اذا دارت رحى الحرب الزّبون «1» » ؛ فلتقلّد أمرها لكفاتها، وتحصّن حماها بحماتها، وتضاعف لمن بها أسباب قوّتها ومادّة أقواتها؛ وأمراء الإسلام، وجنود الإيمان، فهم أولياء نصرك، وحفظة شامك ومصرك؛ وحزبك الغالب، وفريقك الذى تفرق منه قلوب العدوّ فى المشارق والمغارب؛ فليكن المقام العالى السلطانىّ- نصره الله تعالى- لأحوالهم متفقّدا وببسط وجهه لهم متودّدا؛ حتى تتأكّد لمقامه العالى طاعتهم، وتتجدّد لسلطانه العزيز ضراعتهم؛ وأما غير ذلك من المصالح فما برح تدبيره الجميل لها ينفّذ ورأيه الأصيل بها يشير، ولا يحتاج مع علمه بغوامضها الى إيضاحها «ولا ينبئّك مثل خبير» والله تعالى يخصّ دولته من العدل والإحسان بأوفر نصيب، ويمنح سلطانه ما يرجوه من النصر المعجّل والفتح القريب؛ بمنّه وكرمه.
وكتب تقليدا مظفّريّا للأمير سيف الدين سلار المنصورىّ بنبابة السلطنة الشريفة
فى سنة ثمان وسبعمائة، وهو:
الحمد لله الذى شيّد ركن الإسلام بسيفه المنتضى، وجدّد للملك مزيد التأييد بكافله الذى ما برح وفاؤه للملوك الأواخر والأوائل مرتضى، وأنجز من وعوده الاتفاق والتوفيق ما كان من ذمّة الدهر مقتضى، جامع شمل الأوامر والنواهى بتفويضها
الى من تبيت العدا من مهابته على جمر الغضى، ومنيل المنى بمواهبه التى تحوز موادّ الاختيار وتجوز أمد الرضا، وملقى مقاليد التدبير الى من أضحى جميل التأثير اذا تصرّف فى الرفع والخفض حكم القضا، ومصرّف أزمّة الأمور فى يد من غدا ثابت العزمات فى الأزمات، فما أظلم خطب إلا انجلى بمصابيح آرائه وأضا؛ نحمده على أن عضّد دولتنا بالكافل الكافى الذى اختاره الله لنا على علم، ومنح أيّامنا موالاة الولىّ الذى جمعت فيه خلّتان يحبّهما الله ورسوله: وهما الأناة والحلم؛ ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مشرقة الأنوار، مغدقة سحبها بأنواء المنن الغزاز؛ ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذى بعثه الله لإقامة شعائر الإيمان، وخصّ ملّته فى الدنيا والآخرة باليمن والأمان؛ صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين منهم من أضحى بفضل السّبق للإيمان به صدّيقه وصديقه، وأمسى لفرط الألفة أنيسه فى الغار ورفيقه؛ ومنهم من ضافره فى إظهار النبوّة ووازره «1» ، وظاهره على إقامة منارها بإطفاء كل تائرة وإخماد كلّ نائره «2» ؛ ومنهم من ساعد وساعف فى تجهيز جيش العسره «3» ، وأحسن وحسّن مع إخوانه المؤمنين الصحبة والعشره؛ ومنهم من كان سيفه الماضى الحدّ، ومهنّده الذى كم فلّ بين يديه الجموع فما اعترض إلا قطّ «4» ولا اعتلى إلا قدّ؛ وسلّم تسليما كثيرا؛ أما بعد، فان الله تعالى لما هنّأ لنا مواهب الظّفر، وهيّأ لنا من الملك موادّ إدراك المنى وبلوغ الوطر، وأيدنا من أنصارنا بكلّ ذى فعل أبرّ ووجه أغرّ؛ وشدّ أزرنا بمضافرة سيف يزهى الملك بتقليده، وأمدّنا بمؤازر تتصرّف المنى والمنون
بين وعده ووعيده؛ وجب علينا أن نحوط دولتنا بمن لم تزل حقوق مودّته بحسن الثناء حقيقه، وعهود محبّته فى ذمام الوفاء متمكّنة وثيقه، وطريقته المثلى فى المحاسن والإحسان مشهورة ولا نرى مثلا لتلك الطريقه؛ وتقلّد كفالة ممالكنا للولىّ الذى ما برح يتلقّى أمورنا بفسيح صدره، ويتوقّى حدوث كلّ ما نكرهه فينهض فى دفعه بصائب رأيه وثاقب فكره؛ وكان الجناب الكريم العالى الأميرىّ الكبيرىّ العالمىّ العادلىّ الكافلىّ المؤيّدىّ الزعيمىّ الغياثىّ «1» المسندىّ الممهّدىّ المثاغرىّ المظفّرىّ المنصورىّ السّيفىّ، معزّ الإسلام والمسلمين، سيّد أمراء العالمين؛ سند الممالك، مدبّر الدّول، مقدّم العساكر، أمير الجيوش، كهف الله، حصن الأمّة، نصرة الملوك والسلاطين، (سلار المنصورىّ) نائب السلطنة المعظّمة، وكافل الممالك الاسلامية،- أعز الله نصره- هو واسطة عقد الأولياء، وسيف الدولة الفاتك بالأعداء، والذى أسلف فى نصرة الإسلام حقوقا غدت مرقومة فى صحف الفخار، واستأنف فى مصالح الأمّة المحمديّة تدبيرات أظهر بها أسباب التأييد على الأعداء والاستظهار؛ كم أصلح بيمن سياسته ذات البين، وكم أبهج ببركة تأتّيه «2» وتأنّيه كلّ قلب وأقرّ كلّ عين؛ وكم ساس من ملك فأضحى ثابت الأساس، وجعل شعاره دفعا للباس ونفعا للناس؛ ما عوهد إلا وأوفى، ولا عوند إلا وعفّ وعفا، ولا استشفى فى طبّ معضلة إلا وشفى، ولا استدرك تدبيره فارط «3» أمر كان على شفا؛ فما يومه فى الفضل بواحد، ولا أحد لمثل محاسنه الجميلة بواجد؛ لعزماته فى مواقف الجهاد السوابق
الغرّ المحجّله، ولتدبيراته فى مصالح العباد والبلاد المنافع المعجّلة والمؤجّله؛ وهو الذى خافت مهابته الكتائب، وأمّلت مواهبه الرغائب «1» ، ولعبت «2» سطواته للعدا خيالا فى المراقد وخيلا فى المراقب، وامتطى من الشهامة كاهلها فأحجم عنه لمّا أقدم كلّ محارب، وصدق من نعته بالسيف، فلو لم ينعت به لقيل: هذا سيف يفتك بالضّريبة ولا تفلّ له مضارب؛ وكم لقى بصدره الألوف من التتار- خذلهم الله- والمنايا قد بلغت من النفوس المنى، وأمضى سيفه فى الحروب وما شكا الضنى؛ وحمل حملة فرّق بها كلّ شمل للكفّار اجتمع، وقطع أعناق العدافى رضى الله تعالى ولا ينكر السيف إذا قطع؛ ووصل من العلياء إلى غاية تزاحم الكواكب بالمناكب، وتفرّد بأمر الجيوش فأضحى بدر الكتائب وصدر المواكب؛ إذا جاش الجيش ثبت عند مشتجر الرماح، وإذا أظلم ليل النّقع وضحت أسارير جبينه وضوح الصباح، وإذا أقدم فى كتيبة «رأيت البرّ بحرا من سلاح» واذا رفعت راياته يوم الوغى كبّرت بالظّفر على ألسنة الرماح، وإذا كان فى جحفل كانت عزائمه للقلب قلبا وصوارمه جناحا للجناح، وإذا قدر فى السلم عفا لكنه فى الحرب قليل الصفح بيّن الصّفاح؛ وهو الذى ما برحت أيدى انتقامه تهدم من أهل الشرك العمائر والأعمار، وبروق سيوفه تذهب بالنفوس لا بالأبصار، ويمن يمينه وصبح جبينة هذا يستهلّ بالأنواء وذا بالأنوار؛ اقتضى حسن الرأى الشريف أن نوفى حقوق مودّته التى أسلفها لنا فى كل نعمى وبوسى، وأن نضاعف علوّ مكانه من أخوّتنا ليكون منا كهرون
من موسى؛ فلذلك رسم بالأمر الشريف العالى المولوىّ السلطانىّ الملكىّ المظفّرىّ الركنى- لا برح يوفى بعهود الأولياء ويفى، ويمنح من أخلص النّية فى ولائه البرّ الخفىّ والفضل الحفى- أن تكون كلمة الجناب الكريم العالى الأميرىّ السيفىّ المشار إليه- أعزّ الله نصره- نافذة فى كفالة الممالك الإسلاميّة، متحكّمة فى نيابة السلطنة المعظّمة، وأوامره المطاعة فى إمرة الجيوش وحياطة الثغور التى غدت بدوام كفالته متبسّمة؛ على أجمل عوائده «1» ، وأكمل قواعده؛ نيابة ثابتة الأساس، نامية الغراس؛ لا يضاهى فيها ولا يشارك، ولا يخرج شىء من أحوالها عن رأيه المبارك؛ فليبسط نهيه وأمره فى التدبير والإحكام، وليضبط الممالك حتى لا تسامى ولا تسام؛ وليطلع من آرائه فى سماء الملك نجوما بها فى المصالح يهتدى، وليرفع من قواعده ما يخفض به قدر العدا؛ وليضاعف ما ألفته الأمّة من عدله، وليجر على أكرم عاداته من نشر إنصافه وشمول فضله، وليعضّد جانب الشرع المطهّر فى عقده وحلّه، وتحريمه وحلّه؛ ولينفذ كلمته على ما هو من ديانته مألوف، وليستكثر من الافتداء بأحكامه فى النهى عن المنكر والأمر بالمعروف؛ وأمراء الإسلام وجنوده، فهم ودائع سرّه، وصنائع شكره، وطلائع نصره، وما منهم إلا من غذى بلبان «2» درّه، وغدا [من «3» ] ثناء «4» عصره متقلدا لعقود درّه؛ فليستخدم حنوّه عليهم وإشفاقه، وليوال إليهم برّه وإرفاده وإرفاقه؛ والوصايا كثيرة لكنها منه تستملى، والتنبيهات على المصالح منه تستفاد نقلا وعقلا، وما زلنا نستضئ فى المهمّات بيمن آرائه التى جمعت للمصالح شملا؛ فمثله لا يدلّ على صواب وهو المتفرّد بالسداد، والخبير بتفريج كرب الخطوب والسيوف