الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخصوصية السابعة والخمسون: فيه ساعة الإجابة
126-
روى الشيخان، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة، فقال: فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه، وأشار بيده يقللها.
127-
ولمسلم عنه أن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم يسأل الله فيها خيرًا إلا أعطاه إياه هي ساعة خفيفة.
وقد اختلف أهل العلم من الصحابة والتابعين، فمن يعدهم في هذه الساعة على أكثر من ثلاثين قولا، فقيل: إنها رفعت.
128-
أخرج عبد الرزاق، عن عبد الله مولى معاوية قال: قلت
126- فتح الباري 8-415، 422- مسلم نووي 2-503، 504.
127-
مسلم نووي 2-504.
128-
عبد الرزاق 5586، وقال ابن حجر: إسناده قوي.
لأبي هريرة أنهم زعموا أن الساعة التي في يوم الجمعة يستجاب فيها الدعاء رفعت، فقال: كذب من قال ذلك.
قلت: فهي في كل جمعة قال: نعم، وقيل: إنها في جمعة واحدة من كل سنة قاله كعب الأحبار لأبي هريرة، فرده عليه، فرجع إليه أخرجه مالك، وأصحاب السنن، وقيل: إنها مخفية في جميع اليوم كما أخفيت ليلة القدر في العشر.
129-
أخرج ابن خزيمة، والحاكم عن أبي سلمة قال: سألت أبا سعيد الخدري عن ساعة الجمعة، فقال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عنها، فقال: قد أعلمتها ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر.
130-
وأخرج عبد الرزاق عن كعب، قال: لو أن إنسانا قسم جمعته في جمع لأتى على تلك الساعة.
قال ابن المنذر معناه أنه يبدأ، فيدعو في جمعة من أول النهار إلى وقت معلوم، ثم في جمعة يبتدئ من ذلك الوقت إلى وقت آخر، حتى يأتي على آخر النهار.
والحكمة في إخفائها بعث العبادة على الاجتهاد في الطلب، واستيعاب الوقت بالعبادة، وقيل أنها تنتقل في يوم الجمعة، ولا تلزم ساعة بعينها
129- المستدرك 1-279، 280، ابن خزيمة 1741.
وفي الهامش قال المحقق: رجال إسناده ثقات رجال الشيخين لكن فليح، وهو ابن سليمان فيه ضعف من قبل حفظه أشار إليه الحافظ بقوله:"صدوق كثير الخطأ"، وراجع السلسلة الضعيفة للألباني رقم 117.
130-
المصنف لعبد الرزاق رقم 5755.
ذكر بعضهم احتمالا، وجزم به ابن عساكر وغيره، ورجحه الغزالي، والمحب الطبري.
131-
وقيل: هي عند أذان المؤذن لصلاة الغداة أخرجه ابن أبي شيبة، عن عائشة.
132-
وقيل: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، رواه ابن عساكر عن أبي هريرة.
وقيل: عند طلوع الشمس حكاه الغزالي، وقيل: أول ساعة بعد طلوع الشمس حكاه الجيلي، والمحب الطبري شارحا التنبيه.
133-
وقيل: في آخر الساعة الثالثة من النهار لحديث أبي هريرة مرفوعا، وفي آخر ثلاث ساعات منه ساعة من دعا الله فيها استجيب له، أخرجه أحمد.
134-
وقيل: إذا زالت الشمس. حكاه ابن المنذر عن أبي العالية، ورواه عبد الرزاق عن الحسن.
135-
وروى ابن عساكر عن قتادة قال: كانوا يرون الساعة المستجاب فيها الدعاء إذا زالت الشمس.
قال ابن حجر: وكان مأخذهم في ذلك أنها وقت اجتماع الملائكة، وابتداء دخول وقت الجمعة، والأذان ونحو ذلك.
وقيل: إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة.
136-
أخرج ابن المنذر عن عائشة قالت: يوم الجمعة مثل يوم عرفة فيه تفتح أبواب السماء، وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئا إلا أعطاه، قيل: أية ساعة؟ قالت: إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة.
137-
وقيل: من الزوال إلى مصير الظل ذراعًا، أخرجه ابن المنذر، عن أبي ذر.
وقيل: إلى أن يدخل في الصلاة، حكاه ابن المنذر، عن أبي السوار العدوي.
وقيل: من الزوال إلى غروب الشمس حكاه الذماري في نكت التنبيه.
138-
وقيل: عند خروج الإمام رواه ابن زنجويه عن الحسن.
139-
وقيل: ما بين خروج الإمام إلى أن تقام الصلاة رواه ابن المنذر، عن الحسن والمروزي في كتاب الجمعة، عن عوف ابن حصره.
140-
وقيل: ما بين خروجه إلى انقضاء الصلاة، رواه ابن جرير، عن موسى وابن عمر موقوفا، وعن الشعبي.
141-
وقيل: ما بين أن يحرم البيع إلى أن يحل، رواه ابن أبي شيبة وابن المنذر عن الشعبي.
142-
وقيل: ما بين الأذان إلى انقضاء الصلاة، رواه ابن زنجويه عن ابن عباس.
وقيل: ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تنقضي الصلاة.
143-
روى مسلم، وأبو داود من حديث أبي موسى الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تنقضي الصلاة".
142- الأذكار النووية ص154- مسلم الجمعة 16- ابن خزيمة 1739-البيهقي 3-250.
143-
مسلم النووي 2-504، 505- أبو داود رقم 1049.
قال ابن حجر: وهذا القول يمكن أن يتخذو مع اللذين قبله.
144-
وقيل: من حين يفتتح الخطبة حتى يفرغها، رواه ابن عبد البر بسند ضعيف، عن ابن عمر مرفوعًا.
وقيل: عند الجلوس بين الخطبتين، حكاه الطيبي.
145-
وقيل: عند نزول الإمام من المنبر، رواه ابن المنذر، عن أبي بردة.
146-
وقيل: عند إقامة الصلاة، رواه ابن المنذر عن الحسن.
147-
وروى الطبراني بسند ضعيف عن ميمونة بنت سعد أنها قالت: يا رسول الله أفتنا عن صلاة الجمعة قال: "فيها ساعة لا يدعو العبد فيها ربه إلا استجاب له. قلت: أي ساعة هي يا رسول الله؟ قال: ذلك حين يقوم الإمام".
148-
وقيل: من بين إقامة الصلاة إلى تمام الصلاة لحديث الترمذي، وحسنه وابن ماجه عن عمرو بن عوف، قالوا: أية ساعة يا رسول الله؟ قال: حين تقوم الصلاة إلى الانصراف منها.
147- مجمع الزوائد 2-167، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وفي إسناده مجاهيل.
148-
الترمذي رقم 490، وقال: حسن غريب، وقال أحمد شاكر رحمه الله: في إسنده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، وقال: نقل ابن حجر في التهذيب، عن الترمذي قلت: لمحمد في حديث كثير بن عبد الله، عن أبيه عن جده في الساعة التي ترجى في يوم الجمعة، كيف هو: قال هو حديث حسن إلا أن أحمد كان يحمل على كثير، ويضعفه وقد روى يحيى بن سعيد الأنصاري، عنه فهذا البخاري يوافق الترمذي على تحسين هذا الحديث، والاحتجاج به وكفى بهما شهادة للراوي أن حديثه صحيح، ومقبول.
والحديث في ابن ماجه برقم 1138.
149-
ورواه البيهقي في الشعب بلفظ ما بين أن ينزل الإمام من المنبر إلى أن تنقضي الصلاة.
150-
وقيل: هي الساعة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيها الجمعة، رواه ابن عساكر، عن ابن سيرين.
151-
وقيل: من صلاة العصر إلى غروب الشمس، رواه ابن جرير عن ابن عباس موقوفا، والترمذي بسند ضعيف عن أنس مرفوعا: التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد العصر إلى غيبوبة الشمس.
152-
ولابن منده، عن أبي سعيد مرفوعا، فالتمسوها بعد العصر أغفل ما يكون
للناس.
153-
وقيل: في صلاة العصر رواه عبد الرزاق، عن يحيى بن إسحاق عن عبد الله بن أبي طلحة مرفوعا مرسلا.
وقيل: بعد العصر إلى آخر وقت الاختيار حكاه الغزالي.
154-
وقيل: من حين تصفر الشمس إلى أن تغيب، رواه عبد الرزاق عن طاوس.
155-
وقيل: آخر ساعة بعد العصر، أخرجه أبو داود والحاكم، عن جابر مرفوعا، ولفظه فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر.
152- البيهقي 3-250.
153-
عبد الرزاق رقم 5578.
154-
عبد الرزاق 5582.
155-
أبو داود رقم 1048 المستدرك 1-279.
156-
وأخرج أصحاب السنن عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم، وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه"، فقال كعب: ذلك في كل سنة يوم، فقلت: بل في كل جمعة، فقرأ كعب التوراة فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو هريرة: ثم لقيت عبد الله بن سلام فحدثته فقال: قد علمت أية ساعة هي آخر ساعة في يوم الجمعة فقلت: كيف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي، وتلك الساعة لا يصلي؟ فقال: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جلس مجلسا ينتظر الصلاة، فهو في صلاة"، قلت: بلى قال: فهو ذاك.
وفي الترغيب للأصفهاني من حديث أبي سعيد الخدري، مرفوعًا: الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة آخر ساعة من يوم الجمعة قبل غروب الشمس أغفل ما يكون عنه الناس.
157-
وقيل: إذا تدلى نصف الشمس للغروب أخرجه الطبراني في الأوسط، والبيهقي في الشعب عن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: أية ساعة هي؟ قال: "إذا تدلى نصف الشمس للغروب".
156- أبو داود رقم 1046.
- الترمذي رقم 488، 491، وقال: حسن صحيح.
- النسائي 3-113، 115.
- شرح السنة 7-208- الموطأ 1-108، 110.
- مسند أحمد 2-486.
157-
فتح الباري 2-421- إتحاف السادة المتقين 3-280.
- مجمع الزوائد 5-166.
فهذه جملة الأقوال في ذلك قال المحب الطبراني: أصح الأحاديث فيها حديث أبي موسى في مسلم، وأشهر الأقوال فيها قول عبد الله بن سلام.
قال ابن حجر: وما عداهما إما ضعيف الإسناد، أو موقوف أسند قائله إلى اجتهاد دون توقيف.
ثم اختلف السلف أي القولين المذكورين أرجح، فرجح كلا مرجحون، فرجح ما في حديث أبي موسى البيهقي، وابن العربي والقرطبي، وقال النووي: إنه الصحيح والصواب.
ورجح قول ابن سلام أحمد بن حنبل، وابن راهويه وابن عبد البر وابن الزملكاني من الشافعية.
قلت: وههنا أمر وذلك أن ما أورده أبو هريرة على ابن سلام من أنها ليست ساعة صلاة وارد على حديث أبي موسى أيضا؛ لأن حال الخطبة ليست ساعة صلاة، ويتميز ما بعد العصر بأنها ساعة دعاء، وقد قال في الحديث: يسأل الله شيئا، وليس حال الخطبة ساعة دعاء؛ لأنه مأمور فيها بالإنصات، وكذلك غالب الصلاة.
ووقت الدعاء منها إما عند الإقامة، أو في السجود أو التشهد، فإن حمل الحديث على هذه الأوقات اتضح مما ويحمل قوله: وهو قائم يصلي على حقيقته في هذين الموضعين، وعلى مجازه في الإقامة أي يريد الصلاة.
وهذا تحقيق حسن فتح الله به، وبه يظهر ترجيح رواية أبي موسى على قول ابن سلام: لإبقاء الحديث على ظاهره من قوله: يصلي ويسأله، فإنه أولى من حمله على انتظار الصلاة؛ لأنه مجاز بعيد، وموهم أن انتظار الصلاة شرط في الإجابة؛ ولأنه لا يقال في منتظر الصلاة قائم يصلي، وإن صدق أنه في صلاة؛ لأن لفظ قائم يشعر بملابسته الفعل.
والذي أستخير الله، وأقول به منهذه الأقوال أنها عند إقامة الصلاة، وغالب الأحاديث المرفوعة تشهدل له، أما حديث ميمونة فصريح فيه، وكذا حديث عمرو ابن عوف، ولا ينافيه حدي أبي موسى؛ لأنه ذكر أنها فيما بين أن يجلس الإمام إلى أن تنقضي الصلاة، وذلك صادق بالإقامة، بل منحصر فيها؛ لأن وقت الخطبة ليس وقت صلاة ولا دعاء،. ووقت الصلاة ليس وقت دعاء في غالبها، ولا يظن أنه أراد استغراق هذا الوقت قطعا؛ لأنها خفيفة بالنصوص والإجماع، ووقت الخطبة والصلاة متسع.
وغالب الأقوال المذكورة بعد الزوال، وعند الأذان تحمل على هذا، فترجع إليه ولا تتنافى.
158-
وقد أخرج الطبراني، عن عوف بن مالك الصحابي قال: إني لأرجو أن تكون ساعة الإجابة في إحدى الساعات الثلاث إذا أذن المؤذن، وما دام الإمام على المنبر، وعند الإقامة.
وأقوى شاهد له حديث الصحيحين، وهو قائم يصلي، فأحمل وهو قائم على القيام للصلاة عند الإقامة، ويصلي على الحال المقدرة، وتكون هذه الجملة الحالية شرطا في الإجابة، فإنها مختصة بمن شهد الجمعة ليخرج من تخلف عنها. هذا ما ظهر لي في هذا المحل من التقدير، والله أعلم بالصواب.
159-
وقال ابن سعد في طبقاته: أخبرنا عفان بن مسلم حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا علي بن زيد بن جدعان أن عبيد الله بن نوفل، وسعيد بن نوفل والمغيرة بن نوفل كانوا من قراء قريش، وكانوا يبكرون إلى
159- الطبقات الكبرى لابن سعد 5-13 "ط - التحرير".
- وفي مصنف عبد الرزاق بنحوه رقم 5576.
الجمعة إذا طلعت الشمس يريدون بذلك الساعة التي ترجى، فنام عبيد الله بن نوفل، فدح في ظهره دحة، فقيل: هذه الساعة التي تريد، فرفع رأسه، فإذا مثل غمامة تصعد إلى السماء، وذاك حين زالت الشمس.
فائدة:
احتج من قال بتفضيل الليل على النهار بأن في كل ليلة ساعة إجابة كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، وليس ذلك في النهار سوى يوم الجمعة.
ولتمام الفائدة ننقل كلام ابن حجر رحمه الله في فتح الباري 2/ 416-422.
قال ابن حجر ما نصه:
وقد اختلف أهل العلم من الصحابة والتابعين من بعدهم في هذه الساعة هل هي باقية، أو رفعت؟.
وعلى البقاء هل هي في كل جمعة، أو في جمعة واحدة من كل سنة؟
وعلى الأول هل هي وقت من اليوم معين أو مبهم؟
وعلى التعيين هل تستوعب الوقت، أو تبهم فيه؟
وعلى الإبهام ما ابتداؤه وما نتهاؤه؟
وعل كل ذلك هل تستمر أو تنتقل؟
وعلى الانتقال هل تستغرق اليوم أبو بعضه؟
وها أنا أذكر تلخيص ما اتصل إلي من الأقوال مع أدلتها، ثم أعود إلى الجمع بينها والترجيح.
فالأول أنها رفعت حكاه ابن عبد البر عن قوم وزيفه.
وقال عياض: رد السلف على قائله:
وروى عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني داود بن أبي عاصم، عن عبد الله بن عبس مولى معاوية قال: قلت لأبي هريرة: إنهم زعموا أن الساعة التي في يوم
..............................................................................................
الجمعة يستجاب فيها الدعاء رفعت. فقال: كذب من قال ذلك، قلت: فهي في كل جمعة؟ قال: نعم. إسناده قوي.
وقال صاحب الهدى: إن أراد قائله أنها كانت معلومة، فرفع علمها عن الأمة، فصارت مبهمة احتمل، وإن أراد حقيقتها، فهو مردود على قائله.
القول الثاني أنها موجودة لكن في جمعة واحدة من كل سنة، قاله كعب الأحبار لأبي هريرة، فرد عليه فرجع إليه.
رواه مالك في الموطأ، وأصحاب السنن.
الثالث: أنها مخفية في جميع اليوم كما أخفيت ليلة القدر في العشر.
روى ابن خزيمة، والحاكم من طريق سعيد بن الحارث، عن أبي سلمة سألت أبا سعيد عن ساعة الجمعة، فقال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عنها، فقال:"قد أعلمتها، ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر".
وروى عبد الرزاق، عن معمر أنه سأل الزهري فقال: لم أسمع فيها بشيء، إلا أن كعبا كان يقول: لو أن إنسانًا قسم جمعه في جمع لأتى على تلك الساعة.
قال ابن المنذر: معناه أنه يبدا، فيدعو في جمعة من الجمع من أول النهار إلى وقت معلوم، ثم في جمعة أخرى يبتدئ من ذلك الوقت إلى وقت آخر حتى يأتي على آخر النهار.
قال: وكعب هذا هو كعب الأحبار.
قال: وروينا عن ابن عمر أنه قال: إن طلب حاجة في يوم ليسير.
قال: معناه أنه ينبغي المداومة على الدعاء يوم الجمعة كله ليمر بالوقت الذي يستجاب فيه الدعاء انتهى.
والذي قاله ابن عمر: يصلح لمن يقوى على ذلك، وإلا فالذي قاله كعب سهل على كل أحد.
وقضية ذلك أنهماكانا يريان أنها غير معينة.
وهو قضية كلام جميع العلماء كالرافعي، وصاحب المغني وغيرهما حيث قالوا: يستحب أن يكثر من الدعاء يوم الجمعة رجاء أن يصادف ساعة الإجابة.
......................................................................................................
ومن حجة هذا القول تشبيهها بليلة القدر، والاسم الأعظم في الأسماء الحسنى.
والحكمة في ذلك حث العباد على الاجتهاد في الطلب، واستيعاب الوقت بالعبادة بخلاف ما لو تحقق الأمر في شيء من ذلك لكان مقتضيا للاقتصار عليه، وإهمال ما عداه.
والرابع إنها تنتقل في يوم الجمعة، ولا تلزم ساعة معينة لا ظاهرة ولا مخفية.
قال الغزالي: هذا أشبه الأقوال، وذكره الأثرم احتمالا، وجزم به ابن عساكر وغيره.
وقال المحب الطبري: إنه الأظهر، وعلى هذا لا يتأتى ما قاله كعب في الجزم بتحصيلها.
الخامس إذا أذن المؤذن لصلاة الغداة.
ذكره شيخنا أبو الفضل في شرح الترمذي، وشيخنا سراج الدين بن الملقن في شرحه على البخاري، ونسباه لتخريج ابن أبي شيبة عن عائشة.
وقد رواه الروياني في مسنده عنها، فأطلق الصلاة ولم يقيدها.
ورواه ابن المنذر، فقيدها بصلاة الجمعة، والله أعلم.
السادس من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
رواه ابن عساكر من طريق أبي جعفر الرازي، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد عن أبي هريرة.
وحكاه القاضي أبو الطيب الطبري، وأبو نصر بن الصباغ، وعياض القرطبي وغيرهم.
وعبارة بعضهم: ما بين طلوع الفجر، وطلوع الشمس.
السابع مثله وزاد، ومن العصر إلى الغروب.
رواه سعيد بن منصور عن خلف بن خليفة، عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد، عن أبي هريرة، وتابعه فضيل بن عياض، عن ليث عن ابن المنذر، وليث ضعيف، وقد اختلف عليه فيه كما ترى.
الثامن مثله وزاد: وما بين أن ينزل الإمام من المنبر إلى أن يكبر.
رواه حميد بن زنجويه في الترغيب له من طريق عطاء بن قرة، عن عبد الله
.....................................................................................................
بن ضمرة، عن أبي هريرة، قال:"التمسوا الساعة التي يجاب فيها الدعاء يوم الجمعة في هذه الأوقات الثلاثة"، فذكرها.
التاسع أنها أول ساعة بعد طلوع الشمس.
حكاه الجيلي في "شرح التنبي"، وتبعه المحب الطبري في شرحه.
العاشر عند طلوع الشمس.
حكاه الغزالي في الإحياء، وعبر عنه الزين بن المنير في شرحه بقوله: هي ما بين أن ترتفع الشمس شبرا إلى ذراع.
وعزاه لأبي ذر.
الحادي عشر أنها في آخر الساعة الثالثة من النهار.
حكاه صاحب المغني، وهو في مسند الإمام أحمد من طريق علي بن أبي طلحة، عن أبي هريرة مرفوعا يوم الجمعة فيه طبعت طينة آدم، وفي آخر ثلاث ساعات منه ساعة من دعا الله فيها استجيب له.
وفي إسناده فرج بن فضالة، وهو ضعيف وعلي لم يسمع من أبي هريرة.
قال المحب الطبري: قوله "في آخر ثلاث ساعات" يحتمل أمرين:
أحدهما أن يكون المراد الساعة الأخيرة من الثلاث الأول.
ثانيهما أن يكون المراد أنه في آخر كل ساعة من الثلاث ساعة.
إجابة فيكون فيه تجوز لإطلاق الساعة على بعض الساعة.
الثاني عشر من الزوال إلى أن يصير الظل نصف ذراع.
حكاه المحب الطبري في الأحكام، وقبله الزكي المنذري.
الثالث عشر مثله لكن قال: إلى أن يصير الظل ذراعا حكاه عياض، والقرطبي، والنووي.
الرابع عشر بعد زوال الشمس بشبر إلى ذراع رواه ابن المنذر، وابن عبد البر بإسناد قوي إلى الحارث بن يزيد الحضرمي، عن عبد الرحمن بن حجيرة، عن أبي
ذر أن امرأته سألته عنها، فقال ذلك.
ولعله مأخذ القولين اللذين قبله.
.....................................................................................................
الخامس عشر إذا زالت الشمس.
حكاه ابن المنذر، عن أبي العالية، وورد نحوه في أثناء حديث عن علي.
وروى عبد الرزاق من طريق الحسن أنه كان يتحراها عند زوال الشمس بسبب قصة وقعت لبعض أصحابه في ذلك.
وروى ابن سعد في الطبقات، عن عبيد الله بن نوفل نحو القصة.
وروى ابن عساكر من طريق سعيد بن أبي عروة، عن قتادة كانوا يرون الساعة المستجاب فيها الدعاء إذا زالت الشمس.
وكأن مأخذهم في ذلك أنها وقت اجتماع الملائكة، وابتداء دخول وقت الجمعة، وابتداء الأذان ونحو ذلك.
السادس عشر إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة.
رواه ابن المنذر، عن عائشة قالت:"يوم الجمعة مثل يوم عرفة تفتح فيه أبواب السماء، وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئا إلا أعطاه"، قيل: أية ساعة؟
قالت: إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة.
وهذا يغاير الذي قبله من حيث إن الأذان قد يتأخر عن الزوال.
قال الزين بن المنير: ويتعين حمله على الأذان الذي بين يدي الخطيب.
السابع عشر من الزوال إلى أن يدخل الرجل في الصلاة، ذكره ابن المنذر عن أبي السوار العدوي، وحكاه ابن الصباغ بلفظ إلى أن يدخل الإمام.
الثامن عشر من الزوال إلى خروج الإمام، حكاه القاضي أبو الطيب الطبري.
التاسع عشر من الزوال إلى غروب الشمس، حكاه أبو العباس أحمد بن علي بن كشاسب الدزماري، وهو بزاي ساكنة وقبل ياء النسب راء مهملة في نكته على التنبيه عن الحسن، ونقله عن شيخنا سراج الدين بن الملقن في شرح البخاري، وكان الدزماري المذكور في عصر ابن الصلاح.
العشرون ما بين خروج الإمام إلى أن تقام الصلاة.
رواه ابن المنذر عن الحسن.
وروى أبو بكر المروزي في كتاب الجمعة بإسناد صحيح إلى الشعبي، عن
..................................................................................................
عوف بن حصيرة رجل من أهل الشام مثله.
الحادي والعشرون عند خروج الإمام.
رواه حميد بن زنجويه في كتاب الترغيب، عن الحسن أن رجلا مرت به، وهو ينعس في ذلك الوقت.
الثاني والعشرون ما بين خروج الإمام إلى أن تنقضي الصلاة رواه ابن جرير من طريق إسماعيل بن سالم، عن الشعبي قوله: ومن طريق معاوية بن قرة، عن أبي بردة عن أبي موسى قوله، وفيه أن ابن عمر استصوب ذلك.
الثالث والعشرون ما بين أن يحرم البيع إلى أن يحل.
رواه سعيد بن منصور، وابن المنذر عن الشعبي قوله أيضا قال الزين بن المنير: ووجه أنه أحكام الجمعة؛ لأن العقد باطل عند الأكثر لو اتفق ذلك في غير هذه الساعة بحيث ضاق الوقت، فتشاغل اثنان بعقد البيع، فخرج وفاتت تلك الصلاة لأثما، ولم يبطل البيع.
الرابع والعشرون ما بين الأذان إلى انقضاء الصلاة، رواه حميد بن زنجويه، عن ابن عباس، وحكاه البغوي في شرح السنة عنه.
الخامس والعشرون ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تنقضي الصلاة، رواه مسلم، وأبو داود من طريق مخرمة بن بكير، عن أبيه عن أبي بردة بن أبي موسى أن ابن عمر سأله عما سمع من أبيه في ساعة الجمعة، فقال: سمعت أبي يقول:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره وهذا القول يمكن أن يتخذ من الذين قبله.
السادس والعشرون عند التأذين، وعند تذكير الإمام وعند الإقامة.
رواه حميد بن زنجويه من طريق سليم بن عامر، عن عوف بن مالك الأشجعي الصحابي.
السابع والعشرون مثله لكن قال: إذا أذن، وإذا ارتقى المنبر، وإذا أقيمت الصلاة رواه ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن أبي أمامة الصحابي قوله:
قال الزين بن المنير: ما ورد عند الأذان من إجابة الدعاء، فيتأكد يوم الجمعة، وكذلك الإقامة.
.......................................................................................................
وأما زمان جلوس الإمام على المنبر؛ فلأنه وقت استماع الذكر، والابتداء في المقصود من الجمعة.
الثامن والعشرون من حين يفتتح الإمام الخطبة حتى يفرغ، رواه ابن عبد البر من طريق محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا، وإسناده ضعيف.
التاسع والعشرون إذا بلغ الخطيب المنبر، وأخذ في الخطبة.
حكاه الغزالي في الإحياء.
الثلاثون عند الجلوس بين الخطبتين حكاه الطيبي، عن بعض شراح المصابيح.
الحادي والثلاثون أنها عند نزول الإمام من المنبر.
رواه ابن أبي شيبة، وحميد بن زنجويه، وابن جرير وابن المنذر بإسناد صحيح إلى ابن إسحاق، عن أبي بردة قوله:
وحكاه الغزالي قولا بلفظ: "إذا قام الناس إلى الصلاة".
الثاني والثلاثون حين تقام الصلاة حتى يقوم الإمام في مقامه.
حكاه ابن المنذر عن الحسن أيضا.
وروى الطبراني من حديث ميمونة بنت سعد نحوه بإسناد ضعيف.
الثالث والثلاثون من إقامة الصف إلى تمام الصلاة.
رواه الترمذي وابن ماجه من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو، عن أبيه عن جده مرفوعا، وفيه قالوا: أية ساعة يا رسول الله؟
قال: حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها، وقد ضعف كثير رواية كثير
ورواه البيهقي في الشعب من هذا الوجه بلفظ: "ما بين أن ينزل الإمام من المنبر إلى أن تنقضي الصلاة".
ورواه ابن أبي شيبة من طريق مغيرة، عن واصل الأحدب، عن أبي بردة قوله: وإسناده قوي إليه.
وفيه أن ابن عمر استحسن ذلك منه، وبرك عليه ومسح على رأسه.
وروى ابن جرير، وسعيد بن منصور عن ابن سيرين نحوه.
الرابع والثلاثون هي الساعة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيها الجمعة.
رواه ابن عساكر بإسناد صحيح، عن ابن سيرين، وهذا يغاير الذي قبله من جهة إطلاق ذلك، وتقييد هذا، وكأنه أخذه من جهة أن صلاة الجمعة أفضل صلوات ذلك اليوم، وأن الوقت الذي كان يصلي فيه النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الأوقات.
وأن جميع ما تقدم من الأذان والخطبة، وغيرهما وسائل، وصلاة الجمعة هي المقصودة بالذات.
ويؤيده ورود الأمر في القرآن بتكثير الذكر حال الصلاة، كما ورد الأمر بتكثير الذكر حال القتال، وذلك في قوله تعالى:{إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ، وفي قوله:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} -إلى قوله تعالى-: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .
وليس المراد إيقاع الذكر بعد الانتشار، وأن عطف عليه وإنما المراد تكثير الذكر المشار إليه أول الآية، والله أعلم.
الخامس والثلاثون من صلاة العصر إلى غروب الشمس.
رواه ابن جرير من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس موقوفًا.
ومن طريق صفوان بن سليم، عن أبي سلمة عن أبي سعيد مرفوعا بلفظ:"فالتمسوها بعد العصر".
وذكر ذلك ابن عبد البر أن قوله: "فالتمسوها". إلخ، مدرج في الخبر من قول أبي سلمة.
ورواه ابن منده من هذا الوجه، وزاد:" "أغفل ما يكون الناس".
ورواه أبو نعيم في الحلية من طريق الشيباني، عن عون بن عبد الله بن عتبة عن أخيه عبيد الله كقول ابن عباس.
ورواه الترمذي من طريق موسى بن وردان، عن أنس مرفوعا بلفظ:"بعد العصر إلى غيبوبة الشمس"، وإسناده ضعيف.
السادس والثلاثون في صلاة العصر.
رواه عبد الرزاق، عن عمر بن ذر عن يحيى بن إسحاق بن أبي طلحة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وفيه قصة.
.....................................................................................................
السابع والثلاثون بعد العصر إلى آخر وقت الاختيار.
حكاه الغزالي في الإحياء.
الثامن والثلاثون بعد العصر كما تقدم عن أبي سعيد مطلقًا.
رواه ابن عساكر من طريق محمد بن سلمة الأنصاري عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وأبي سعيد مرفوعا بلفظ:"هي بعد العصر".
ورواه ابن المنذر عن مجاهد مثله.
ورواه ابن جرير من طريق إبراهيم بن ميسرة، عن رجل أرسله عمرو بن أويس إلى أبي هريرة، فذكر مثله.
قال: وسمعته عن الحكم عن ابن عباس مثله.
ورواه أبو بكر المروذي من طريق الثوري، وشعبة جميعا، عن يونس بن حباب قال الثوري: عن عطاء، وقال شعبة: عن أبيه عن أبي هريرة مثله.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن ابن طاوس، عن أبيه أنه كان يتحراها بعد العصر.
وعن ابن جريج، عن بعض أهل العلم قال: لا أعلمه إلا عن ابن عباس مثله، فقيل له: لا صلاة بعد العصر فقال: بلى لكن من كان في مصلاه لم يقم منه فهو في صلاة.
التاسع والثلاثون من وسط النهار إلى قرب آخر النهار كما تقدم أول الباب، عن سلمة بن علقمة.
الأربعون من حين تصفر الشمس إلى أن تغيب.
رواه عبد الرزاق، عن ابن جريج بن إسماعيل بن كيسان، عن طاوس قوله: وهو قريب من الذي بعده.
الحادي والأربعون آخر ساعة بعد العصر.
رواه أبو داود والنسائي، والحاكم بإسناد حسن عن أبي سلمة، عن جابر مرفوعا، وفي أوله:"إن النهار اثنتا عشرة ساعة".
ورواه مالك وأصحاب السنن، وابن خزيمة وابن حبان من طريق محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة عن أبي هريرة، عن عبد الله بن سلام قوله: وفيه مناظرة أبي
هريرة له في ذلك، واحتجاج عبد الله بن سلام بأن منتظر الصلاة في صلاة.
وروى ابن جرير من طريق العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعا، ولم يذكر عبد الله بن سلام قوله ولا القصة.
ومن طريق ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري عن أبيه، عن أبي هريرة، عن كعب الأحبار قوله.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة أنه سمع أبا سلمة يقول: حدثنا عبد الله بن عامر، فذكر مثله.
وروى البزار، وابن جرير من طريق محمد بن عمر، وعن أبي سلمة، عن أبي هريرة عن عبد الله بن سلام مثله.
وروى ابن أبي خيثمة من طريق يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة وأبي سعيد، فذكر مثله.
وفيه: قال أبو سلمة: فلقيت عبد الله بن سلام، فذكرت له ذلك، فلم يعرض بذكر النبي صلى الله عليه وسلم بل قال: النهار اثنتا عشرة ساعة، وإنها لفي آخر ساعة من النهار.
ولابن خزيمة من طريق أبي النضر، عن أبي سلمة عن عبد الله بن سلام قال:
قلت -ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس: إنا لنجد في كتاب الله أن في الجمعة ساعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أو بعض ساعة" قلت: نعم أو بعض ساعة.
وفيه قلت: أي ساعة؟ فذكره.
وهذا يحتمل أن يكون القائل "قلت" عبد الله بن سلام، فيكون مرفوعا.
ويحتمل أن يكون أبا سلمة، فيكون موقوفا وهو الأرجح لتصريحه في رواية يحيى ابن أبي كثير بأن عبد الله بن سلام لم يذكر النبي صلى الله عليه، وفي الجواب.
الثاني والأربعون من حين يغيب نصف قرص الشمس، أو من حين تدلى الشمس للغروب إلى أن يتكامل غروبها.
رواه الطبراني في الأوسط، والدارقطني في العلل، والبيهقي في الشعب وفضائل الأوقات من طريق زيد بن علي بن الحسين بن علي حدثتني مرجانة مولاة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: حدثتني فاطمة عليها السلام عن أبيها، فذكر الحديث
وفيه قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: أي ساعة هي؟ قال: "إذا تدلى الشمس للغروب".
فكانت فاطمة إذا كان يوم الجمعة أرسلت غلاما لها يقال له: زيد ينظر لها الشمس، فإذا أخبرها أنها تدلت الغروب أقبلت على الدعاء إلى أن تغيب.
في إسناده اختلاف على زيد بن علي، وفي بعض رواته من لا يعرف حاله.
وقد أخرج إسحاق بن راهويه في مسنده من طريق سعيد بن راشد، عن زيد بن علي عن فاطمة لم يذكر مرجانة، وقال فيه: إذا تدلت الشمس للغروب.
وقال فيه: تقول لغلام يقال له أريد: اصعد على الظراب، فإذا تدلت الشمس للغروب، فأخبرني والباقي نحوه.
وفي آخره: ثم تصلي يعني المغرب.
فهذا جميع ما اتصل من الأقوال في ساعة الجمعة مع ذكر أدلتها، وبيان حالها في الصحة والضعف والرفع، والوقف والإشارة إلى مأخذ بعضها، وليست كلها متغايرة من كل جهة بل كثير منها يمكن أن يتحد مع غيره.
ثم ظفرت بعد كتابة هذا بقول زائد على ما تقدم، وهو غير منقول استنبطه صاحبنا العلامة الحافظ شمس الدين الجزري، وأذن لي في روايته عنه في كتابه المسمى "الحصن الحصين" في الأدعية لما ذكر الاختلاف في ساعة الجمعة، واقتصر على ثمانية أقوال مما تقدم، ثم قال ما نصه:
والذي أعتقده أنها وقت قراءة الإمام الفاتحة في صلاة الجمعة إلى أن يقول: آمين، جمعا بين الأحاديث التي صحت كذا قال: ويخدش فيه أنه يفوت على الداعي حينئذ الإنصات لقراءة الإمام، فليتأمل.
قال الزين المنير: يحسن جمع الأقوال، وكان قد ذكر مما تقدم عشرة أقوال تبعا لابن بطال قال: فتكون ساعة الإجابة واحدة منها لا بعينها، فيصادفها من اجتهد في الدعاء في جميعها، والله المستعان.
وليس المراد من أكثرها أن يستوعب جميع الوقت الذي عين، بل المعنى أنها تكون
في أثنائه لقوله فيما مضى: "يقللها"، وقوله:"وهي ساعة مخفية".
وفائدة ذكر الوقت أنها تنتقل فيه، فيكون ابتداء مظنها ابتداء الخطبة مثلا، وانتهاؤه انتهاء الصلاة.
.......................................................................................................
وكأن كثيرًا من القائلين عين ما اتفق له وقوعها فيه من ساعة في أثناء وقت من الأوقات المذكورة.
فبهذا التقرير يقل الانتشار جدًّا.
ولا شك أن أرجح الأقوال المذكورة حديث أبي موسى، وحديث عبد الله بن سلام كما تقدم.
قال المحب الطبري: أصح الأحاديث فيها حديث أبي موسى، وأشهر الأقوال فيها قول عبد الله بن سلام. ا. هـ.
وما عداهما إما موافق لهما، أو لأحدهما أو ضعيف الإسناد، أو موقوف استند قائله إلى اجتهاد دون توقيف.
ولا يعارضها حديث أبي سعيد في كونه صلى الله عليه وسلم أنسيها بعد أن علمها، لاحتمال أن يكونا سمعا ذلك منه قبل أن أنسي أشار إلى ذلك البيهقي وغيره.
وقد اختلف السلف في أيهما أرجح.
فروى البيهقي من طريق أبي الفضل أحمد بن سلمة النيسابوري أن مسلما قال: حديث موسى أجود شيء في هذا الباب وأصحه.
وبذلك قال البيهقي وابن العربي وجماعة.
وقال القرطبي: هو نص في موضع الخلاف، فلا يلتفت إلى غيره.
وقال النووي: هو الصحيح بل الصواب، وجزم في الروضة بأنه الصواب، ورجحه أيضا بكونه مرفوعا صريحًا، وفي أحد الصحيحين.
وذهب آخرون إلى ترجيح قول عبد الله بن سلام، فحكى الترمذي عن أحمد أنه قال: أكثر الأحاديث على ذلك.
وقال ابن عبد البر أنه أثبت شيء في هذا الباب.
وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن، أن ناسا من الصحابة اجتمعوا، فتذاكروا ساعة الجمعة، ثم افترقوا فلم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة.
...................................................................................................
ورجحه كثير من الأئمة أيضًا أحمد، وإسحاق، ومن المالكية الطرطوشي.
وحكى العلائي أن شيخه ابن الزملكاني، شيخ الشافعية في وقته كان يختاره، ويحكيه عن نص الشافعي.
وأجابوا عن كونه ليس في أحد الصحيحين بأن الترجيح بما في الصحيحين، أو أحدهما إنما هو حيث لا يكون مما انتقده الحفاظ كحديث أبي موسى هذا، فإنه أعل بالانقطاع والاضطراب.
أما الانقطاع؛ فلأن مخرمة بن بكير لم يسمع من أبيه قاله أحمد عن حماد بن خالد، عن مخرمة نفسه.
وكذا قال سعيد بن أبي مريم، عن موسى بن سلمة عن مخرمة وزاد: إنما هي كتب كانت عندنا.
وقال علي بن المديني: لم أسمع أحدا من أهل المدينة يقول، عن مخرمة: أنه قال في شيء من حديثه سمعت أبي، ولا يقال: مسلم يكتفي في المعنعن بإمكان اللقاء مع المعاصرة، وهو كذلك هنا؛ لأنا نقول: وجود التصريح عن مخرمة بأنه لم يسمع من أبيه كاف في دعوى الانقطاع، وأما الاضطراب فقد رواه أبو إسحاق، وواصل الأحدب ومعاوية بن قرة، وغيرهم عن أبي بردة من قوله، وهؤلاء من أهل الكوفة، وأبو بردة كوفي فهم أعلم بحديثه من بكير المدني، وهم عدد وهو واحد.
وأيضا فلو كان عند أبي بردة مرفوعا لم يفت فيه برأي بخلاف المرفوع.
ولهذا جزم الدارقطني بأن الموقوف هو الصواب.
وسلك صاحب الهدى مسلكا آخر، فاختار ساعة الإجابة منحصرة في أحد الوقتين المذكورين، وأن أحدهما لا يعارض الآخر لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم دل على أحدهما في وقت، وعلى الآخر في وقت.
..................................................................................................
وهذا كقول ابن عبد البر: الذي ينبغي الاجتهاد في الدعاء في الوقتين المذكورين.
وسبق إلى نحو ذلك الإمام أحمد.
وهو أولى في طريق الجمع.
وقال ابن المنير في الحاشية: إذا علم أن فائدة الإبهام لهذه الساعة، ولليلة القدر بعث الداعي على الإكثار من الصلاة، والدعاء، ولو بين لاتكل الناس على ذلك، وتركوا ما عداها.
فالعجب بعد ذلك ممن يجتهد في طلب تحديدها، وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم فضل يوم الجمعة لاختصاصه بساعة الإجابة.
وفي مسلم أنه خير يوم طلعت عليه الشمس.
وفيه فضل الدعاء استحباب الإكثار منه.
واستدل به على بقاء الإجمال بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وتعقب بأن الاختلاف في بقاء الإجمال في الأحكام الشرعية لا في الأمور الوجودية، كوقت الساعة، فهذا الاختلاف في إجماله، والحكم الشرعي المتعلق بساعة الجمعة، وليلة القدر -وهو تحصيل الأفضلية- يمكن الوصول إليه، والعمل بمقتضاه باستيعاب اليوم والليلة، فلم يبق في الحكم الشرعي إجمال، والله أعلم.
فإن قيل: ظاهر الحديث حصول الإجابة لكل داع بالشرط المتقدم مع أن الزمان يختلف باختلاف البلاد، والمصلى، فيتقدم بعض على بعض وساعة الإجابة متعلقة بالوقت، فكيف تتفق مع الاختلاف؟
أجيب باحتمال أن تكون ساعة الإجابة متعلقة بفعل كل مصل، كما قيل نظيره في ساعة الكراهة.
ولعل هذا فائدة جعل الوقت الممتد مظنة لها، وإن كانت هي خفيفة.
ويحتمل أن يكون عبر عن الوقت بالفعل، فيكون التقدير وقت جواز الخطبة، أو الصلاة أو نحو ذلك، والله أعلم.