المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: حكم الاستسقاء بالأنواء - التنجيم والمنجمون وحكم ذلك في الإسلام

[عبد المجيد بن سالم المشعبي]

فهرس الكتاب

-

- ‌المقدمة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: أن الله هو المتفرد بالخلق، والمتصرف في الكون، والعالم بالغيب وحده

- ‌المطلب الثاني: تعريف التنجيم

- ‌المطلب الثالث: أقسام علم النجوم

- ‌الباب الأول: التنجيم في القديم والحاضر

- ‌الفصل الأول: التنجيم عند قوم إبراهيم

- ‌‌‌المبحث الأول: عبادة قوم إبراهيم للنجوم

- ‌المبحث الأول: عبادة قوم إبراهيم للنجوم

- ‌المبحث الثاني: لم يكن خليل الرحمن منجما

- ‌المطلب الأول: لم يكن خليل الرحمن متعلقا بالكواكب في قوله تعالى: {فلما جن عليه الليل وراء كوكبا قال هذا ربي فلما قال قال لا أحب الأفلين}

- ‌المطلب الثاني: لم يكن خليل الرحمن منجماً في قول الله تعالى: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ}

- ‌المطلب الثالث: لم يكن خليل الرحمن يعتقد أن للفلك تدبيراً في هذا الكون:

- ‌‌‌الفصل الثاني: تنزيه الأنبياء أن يكونوا منجمين

- ‌الفصل الثاني: تنزيه الأنبياء أن يكونوا منجمين

- ‌‌‌الفصل الثالث: التنجيم عند العرب في الجاهلية

- ‌الفصل الثالث: التنجيم عند العرب في الجاهلية

- ‌الفصل الرابع: دور أعداء الإسلام في نشر التنجيم

- ‌المبحث الأول: دور أهل الكتاب وغيرهم من المشركين في نشر التنجيم بين المسلمين

- ‌المبحث الثاني: دور الرافضة في نشر التنجيم بين المسلمين

- ‌‌‌الفصل الخامس: التنجيم في العصر الحاضر

- ‌الفصل الخامس: التنجيم في العصر الحاضر

- ‌الباب الثاني: أحكام التنجيم

- ‌‌‌الفصل الأول: الحكمة من خلق النجوم

- ‌الفصل الأول: الحكمة من خلق النجوم

- ‌‌‌الفصل الثاني: حكم الاستسقاء بالأنواء

- ‌الفصل الثاني: حكم الاستسقاء بالأنواء

- ‌‌‌الفصل الثالث: حكم تعلم علم الفلك

- ‌الفصل الثالث: حكم تعلم علم الفلك

- ‌‌‌الفصل الرابع: الأدلة على فساد صناعتهم، وأنها ظنون كاذبة

- ‌الفصل الرابع: الأدلة على فساد صناعتهم، وأنها ظنون كاذبة

- ‌‌‌الفصل الخامس: شبهات المنجمين، والرد عليها

- ‌الفصل الخامس: شبهات المنجمين، والرد عليها

- ‌الفصل السادس: حكم التنجيم

- ‌المبحث الأول: حكم العمل بالتنجيم

- ‌المبحث الثاني: حكم تعلم التنجيم دون العمل به

- ‌المبحث الثالث: حكم إتيان المنجمين، وتصديقهم بما يخبرون به

- ‌المبحث الرابع: حكم الأجرة المأخوذة على صناعة التنجيم، والواجب تجاه المنجمين

- ‌الباب الثالث: فيما يلحق بالتنجيم وما قد يظن أنه منه، وهو ليس منه

- ‌الفصل الأول: ما يلحق بالتنجيم

- ‌المبحث الأول: حروف أبي جاد، والاستدلال بها على

- ‌المبحبث الثاني: الخط على الرمل، وما يلحق به، والاستدلال به على المغيبات

- ‌الفصل الثاني: أمور ليست من التنجيم، وقد يظن أنها منه

- ‌المبحث الأول: توقع حدوث الكسوف والخسوف

- ‌المبحث الثاني: توقع حالة الجو

الفصل: ‌الفصل الثاني: حكم الاستسقاء بالأنواء

‌‌

‌الفصل الثاني: حكم الاستسقاء بالأنواء

الفصل الثاني: حكم الاستسقاء بالأنواء

الفصل الثاني: حكم الاستسقاء بالأنواء1

منازل القمر ثمان وعشرون2 منزلة3، قد أشار الله إليها بقوله:{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} 4، ينزل القمر كل ليلة في منزلة منها5، أما الشمس فتقطع كل منزلة في ثلاثة عشر يوماً تقريباً إلا الجهمية فتقطعها في أربعة عشر يوماً6، لذلك فإن سقوط كل نجم من هذه بعد ثلاثة عشر يوماً خلا الجهبة فسقوطها بعد أربعة عشر يوماً، حيث تنقضي السنة بانقضاء سقوط النجوم كلها7، وما من نجم يسقط إلا ويطلع رقيبه في الوقت نفسه الذي يسقط فيه8، فمن حين سقوطه إلى

1 النوء: سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر، وطلوع رقيبه من الشرق يقابله من ساعته. "الصحاح":(1/79) .

2 وهي الشرطان، والبطين، والثريا، والدبران، والمقعة، والهنعة، والذراع، والنثرة، والطرفة، والجهبة، والزبرة، والصرفة، والعواء، والسماك، والغفر، والباني، والإكليل، والقلب، والشولة، والنعائم، والبلدة، وسعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السعود، وسعد الأخبية، والفرع المقدم، والفرع المؤخر، والحوت. انظر:"الأنواء في مواسم العرب": ص16-18.

3 المنزلة: كناية عن الفضاء الذي بين الكواكب، لا أنها نفس الكواكب، وإنما الكواكب حدود لها. انظر:"سعود الطوالع": (2/100) .

4 سورة يس، الآية:39.

5 "النهاية في غريب الحديث": (5/122)، و"تفسير القرطبي":(15/29) .

6 "سعود الطوالع": (2/104) .

7 انظر: "الأنواء في مواسم العرب": ص6-7.

8 المصدر نفسه، "النهاية في غريب الحديث":(5/122) .

ص: 163

سقوط التالي له هو نوءه، وذلك ثلاثة عشر أو أربعة عشر يوماً1 -على ما بينته آنفاً-، فمثلاً إذا سقط الشرطان طلع الإكليل في ساعته فمن حين سقوط الشرطان إلى سقوط الإكليل هو نوء الشرطان

وهكذا في بقية المنازل.

وقد كانت العرب تدعي نسبة ما يحدث في هذه المدة من مطر أو ريح أو برد أو حر إلى النجم الساقط، وقيل: إلى الطالع2، وكل منزلة من المنازل التي ذكرتها آنفاً لها نوء، ولكنها تختلف عندهم، فبعضها أحمد وأغزر، كنوء الثريا، ويجعلونها إناثاً، وذوات نتاج، ويجعلون مالا نتاج له ذكراً، ومنحوساً3، فعلى هذا يكون نسبة المطر إلى النوء ينقسم إلى قسمين4:

القسم الأول: نسبة الفعل للكواكب، وادعاء أنه هو الذي ينشئ السحاب، ويأتي بالمطر5، وهذا اعتقاد باطل، إذ إن من اعتقد أن هذه الأنواء فاعلة للمطر من دون الله فهو كافر، ومن اعتقد أنها فاعلة له وحدها بما جعل الله فيها من القدرة على ذلك ثم تركها فهو كافر أيضاً، لأن الخلق والأمر من الله وحده6، كما قال تعالى:

1 انظر: "الأنواء في مواسم العرب": (ص9) .

2 انظر: "الأنواء في مواسم العرب": ص7، 9، و"النهاية في غريب الحديث":(5/122)، و"شرح النووي على صحيح مسلم":(2/61) .

3 انظر: "الأنواء في مواسم العرب": ص7، 15-16.

4 المصدر نفسه: ص13.

5 انظر: المصدر نفسه: ص14، و"شرح النووي على صحيح مسلم":(2/60)، و"شرح الزرقاني على الموطأ":(1/389) .

6 انظر: "القبس": (1/ق 45 أ) .

ص: 164

{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} 1، وهذا ما عليه إجماع المسلمين2.

القسم الثاني: اعتقاد أن المطر من عند الله، مع نسبته إلى النوء والوقت: فهذا من إضافة إنعام الله إلى غيره، وهذا من جنس قول الناس: كانت الرياح طيبة، والملاح حاذقاً إذا نجوا بالسفينة إلى البر. فنسب هؤلاء حسن جريان السفينة إلى طيب الريح وحذق الملاح وسياسته، ونسوا الله تعالى، هذا ما كان عليه أهل الجاهلية، وهو محرم3، وقد دلت الأدلة على تحريمه، منها:

قوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} 4، فهذه الآية نزلت في الذين يقولون/ مطرنا بنوء كذا، ولا ينسبونه إلى الله تعالى، ودل على هذا ما رواه الإمام مسلم رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مطر الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر". قالوا: هذه رحمة الله. قال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا. قال: فنزلت هذه الآية: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} حتى بلغ {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} " 5.

ومعنى {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} أي: شكركم لله على رزقه، ومعنى {أَنَّكُمْ

1 سورة الأعراف، الآية:54.

2 انظر: "كتاب الأم": (1/223)، و"أحكام القرآن" لابن العربي:(3/1150)، و"القبس":(1/ق 45 أ)، و"تفسير القرطبي":(17/229)، و"شرح النووي على صحيح مسلم":(2/60) .

3 انظر: "المبدع شرح المقنع": (2/212)، و"تيسير العزيز الحميد": ص451، 585.

4 سورة الواقعة، الآية:82.

5 الحديث أخرجه مسلم: (1/60) ، والآيات (75-82) من سورة الواقعة.

ص: 165

تُكَذِّبُونَ} أي: بنعمة الله بقولكم سقينا بنوء كذا1.

وما رواه الشيخان رحمهما الله وغيرهما عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل على الناس، فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بين مؤمن بالكوكب" 2، وما رواه مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا عدوى ولا هامة ولا نوء ولا صفر"3، وما رواه مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ألم تروا إلى ما قال ربكم قال: ما أنعمت على عبادي من نعمة ألا أصبح فريق منهم كافر يقولون الكواكب، وبالكواكب"، وما رواه مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما أنزل الله من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين ينزل الله الغيث، فيقولون الكوكب كذا وكذا" 4، وما رواه مسلم أيضاً وغيره عن أبي مالك الأشعري5 رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أربع في أمتي من

1 "تفسير الطبري": (27/208)، و"تفسير القرطبي":(17/229) .

2 سبق تخريجه: ص109.

3 أخرجه مسلم: (7/32) ، كتاب السلام.

4 أخرجه مسلم: (1/59) ، كتاب الإيمان.

5 اختلف في اسمه، قيل: اسمه الحارث بن الحارث، وقيل: عبيد، وقيل: عبيد الله، وقيل: عمر، وقيل: كعب بن عاصم، وقيل: كعب بن كعب، وقيل: عامر بن الحارث له صحبه. انظر: "الاستيعاب": (4/1745)، و"تهذيب التهذيب":(12/218)، و"الإصابة":(4/171) .

ص: 166

أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة" 1،

وما رواه الإمام أحمد بن حنبل عن معاوية الليثي2 قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون الناس مجدبين فينزل الله تبارك وتعالى عليهم رزقاً من رزقه فيصبحون مشركين"، فقيل له: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: "يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا"3.

وما أخرجه أحمد والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله عز وجل ليبيت القوم بالنعمة، ثم يصبحون وأكثرهم كافرون يقولون مطرنا بنجم كذا وكذا"4.

وما رواه الطبراني5 وغيره عن أبي أمامة6 قال: قال رسول الله

1 أخرجه مسلم: (3/45) ، كتاب الجنائز.

2 صحابي. انظر: "الاستيعاب": (3/1425)، و"الإصابة":(3/438) .

3 أخرجه الإمام أحمد في "مسنده": (3/429) . قال الهيثمي: (رجاله موثوقون) . "مجمع الزوائد": (2/212) . وقال البوصيري: (سنده حسن) . "المطالب العالية": (1/183) .

4 أخرجه أحمد في "مسنده": (2/525)، والبيهقي في "السنن الكبرى":(3/359) . قال الذهبي فيه: حسن غريب. "المهذب": (3/332) . وقال أحمد البنا: (سنده عند البيهقي صحيح، لأن محمد بن إسحاق صرح عنده بالتحديث) . "الفتح الرباني": (16/137) .

5 هو سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الشامي، أبو القاسم، من كبار المحدثين، صاحب المعاجم الثلاثة، توفي سنة ستين وثلاثمائة. انظر:"سير أعلام النبلاء": (16/119)، و"البداية والنهاية":(11/287) .

6 هو أبو أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري الأوسي المدني الفقيه، اسمه أسعد باسم جده لأمه أسعد بن زرارة، صحابي جليل، توفي سنة مائة. انظر:"الكنى والأسماء" للإمام مسلم: (1/103)، و"البداية والنهاية":(9/189)، و"تهذيب التهذيب":(1/263)، و"الإصابة":(4/9) .

ص: 167

صلى الله عليه وسلم: "إن أخوف ما أخاف على أمتي في آخر زمانها النجوم، وتكذيب بالقدر، وحيف1 السلطان"2.

وما رواه أبو يعلى3 رحمه الله وغيره عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة، فالتفت إليها فقال:"إن الله قد برأ هذه الجزيرة من الشرك، ولكن أخاف أن تضلهم النجوم" قالوا: يا رسول الله كيف تضلهم النجوم؟ قال: "ينزل الغيث فيقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا"4. فهذه الأدلة كلها تبين أن من نسب المطر إلى

1 الحيف: الجور والظلم. "الصحاح": (4/1346) .

2 أخرجه الطبراني في"المعجم الكبير" كما ذكر الهيثمي، وبحثت عنه فلم أجده، وأبو يعلى في "المسند":(7/162) . وقال الهيثمي: (فيه ليث بن أبي سليم، وهو لين، وبقية رجاله وثقوا) . "مجمع الزوائد": (7/162) . وقال المناوي": (أشار بتعدد طرقه إلى تقويته) . "فيض القدير": (1/204) . وقال الشيخ محمد حجازي الشعراني: (إسناده حسن) . انظر: "السراج المنير": (1/68) . وقال الألباني: (الحديث له شواهد كثيرة يرتقي بها إلى درجة الصحة في نقدي) . "سلسلة الأحاديث الصحيحة": (3/119) .

3 هو الإمام أبو يعلى أحمد بن علي بن المثمنى التميمي الموصلي، محدث الموصل، وصاحب المسند والمعجم، توفي سنة سبع وثلاثمائة. انظر:"سير أعلام النبلاء": (14/184)، و"العبر":(1/451)، و"البداية والنهاية":(11/140) .

4 أخرجه أبو يعلى في "مسنده": (12/70، 77)، والخطيب في "حكم علم النجوم":(ق6/ب)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم":(2/39) . قال الهيثمي: (فيه قيس ابن الربيع وثقه شعبه والثوري، وضعفه الناس، وبقية رجاله ثقات) . "مجمع الزوائد": (5/116)، وقال في موضع آخر:(إسناد أبي يعلى حسن) . "مجمع الزوائد": (8/114) . قال الأعظمي: (أخرج أبو يعلى هذا الحديث بإسنادين يشد كل واحد منهما الآخر) . انظر: (المطالب العالية": (1/184) .

ص: 168

الأنواء والنجوم فقد وقع في الشرك الخفي، وذم النبي صلى الله عليه وسلم لهذا المعتقد يدل على أنه لا عمل للنوء في السحاب والرياح والمطر1.

وورود الشرع بالمنع من هذه الكلمة دال على التحريم2.

ولأنها كلمة مترددة بين الكفر وغيره، فيساء الظن بصاحبها.

ولأنها شعار الجاهلية ومن سلك مسلكهم3.

ولأن في التحريم سداً لباب الشرك وحماية لجناب التوحيد4.

أما جعل الأنواء علامة على المطر مع عدم نسبته إليه لا قولاً ولا اعتقاداً: فقد استدل العلماء على جوازه بأدلة5 هي:

قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} 6، وقوله:{وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً}

وما في معناها من الآيات، وبما رواه مالك والطبراني عن عائشة رضي الله عنها

1 انظر: "الأنواء في مواسم العرب": (ص15) .

2 "المنتقى" للباجي: (1/335) .

3 "شرح النووي على صحيح مسلم": (2/60) .

4 انظر: "تيسير العزيز الحميد": ص455.

5 انظر: "الأم": (1/223)، رسالة "حكم علم النجوم":(ق7أ)، "أحكام القرآن" لابن العربي:(3/1150) .

6 سورة الأعراف، الآية:57.

7 سورة الفرقان، الآية:48.

ص: 169

قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أنشأت بحرية ثم تشاءمت فهي عين غديقة" 1، قالوا: دلت الآيات السابقة والحديث على جواز جعل الرياح علامة على المطر بحسب ما جرت عليه العادة، وكذلك الأنواء يجوز جعلها علامة على ما جرت به العادة، بشرط أن يعتقد أن النوء لا تأثير له في نزول المطر، ولا هو فاعل، وأن المنفرد بإنزاله هو الله وحده2.

وبما رواه الببهقي والطبري بسنديهما وغيرهما عن سعيد بن المسيب قال: (قد حدثني من لا أتهم أنه شهد المصلى مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يستسقي بالناس عام الرمادة، قال فدعا والناس طويلاً، واستسقى طويلاً، وقال للعباس بن عبد المطلب: يا عباس كم بقي من نوء الثريا؟ فقال له العباس رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين إن أهل العلم بها يزعمون أنها تعترض بالأفق بعد وقوعها سبعاً. قال: فوالله ما مضت تلك السبع حتى أغيث الناس)3.

1 أخرجه مالك في "الموطأ": ص157. قال الهيثمي: (فيه الواقدي، وفي الواقدي كلام، وقد وثقة غير واحد، وبقية رجاله لا بأس بهم، وقد وثقوا) . انظر: "مجمع الزوائد": (2/217) . وقال ابن الصلاح: (رواه ابن أبي الدنيا، وليس إسناده بذلك لمكان محمد بن عمرو، الظاهر أنه الواقدي)، وقال ابن عبد البر:(إن الشافعي رواه عن إبراهيم بن أبي يحيى، وهو متروك الحديث) . انظر: "رسالة في وصل البلاغات الأربع": ص11.

2 انظر: "المنتقى" للباجي: (1/335) .

3 أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى": (3/359)، والطبري في "تفسيره":(27/208) . قال الذهبي: (حسن غريب) . "المهذب": (3/332) . قلت: رواية الطبري فيها عن ابن إسحاق، وأما رواية البيهقي فقد سبق كلام أحمد البنا عليها، وإرسال سعيد بن المسيب لا يضر، إذ له حكم المتصل.

ص: 170

قال الشافعي رحمه الله: (إنما أراد –عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله: كم بقي من وقت الثريا، ليعرفهم بأن الله عز وجل قدر الأمطار في أوقات فيما جربوا، كما علموا أنه قدر الحر والبر بما جربوا في أوقات)1. ومثل هذا ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن ابن عباس رضي الله عنهما في رجل قال لامرأته: أمرك بيدك. فقالت: أنت طالق ثلاثاً. فقال ابن عباس: (خطأ الله نوءها، لو قالت: أنا طالق ثلاثاً لكان كما قالت)2.

فقد أراد النوء الذي يجئ فيه المطر3، أي أخلى الله نوءها من المطر، ويكون المعنى، حرمها الله الأخير كما حرم من لم يمطر وقت المطر4.

ونسبة المطر إلى المنخفضات الجوية القادمة من مناطق معينة –كما هو معروف اليوم –له الحكم نفسه.

أما ما رواه مالك أنه بلغه أن أبا هريرة كان يقول إذا أصبح وقد مطر الناس: (مطرنا بنوء الفتح، ثم يتلو هذه الآية: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} )5.

وما رواه البيهقي بسنده عن الشعبي قال: (خرج عمر بن الخطاب

1 انظر: كتاب "الأم"م: (1/223) .

2 أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": (5/57-58) .

قلت: سنده صحيح.

3 "النهاية في غريب الحديث": (5/122) .

4 "الأنواء في مواسم العرب": ص13-14.

5 أخرجه مالك غي "الموطأ": ص157، والآية (2) من سورة فاطر.

ص: 171

رضي الله عنه يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع فقيل له: ما رأيناك استسقيت؟ فقال: لقد طلبت المطر بمجاديح السماء الذي يستنزل به المطر، ثم قرأ:{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً} 1. {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} 2.

فليس في كلام هذين الصحابيين نسبة المطر إلى النجوم، بل ورد كلامهما على سبيل المضادة لقول أهل الإلحاد وإطال مذهبهم في الأنواء، وبيان كذبهم فيه مع إرشادهم إلى الطريق الصحيح وهو فتح الله تعالى الرحمة للناس على قول أبي هريرة، والتوجه إلى الله بكثرة الاستغفار على قول عمر رضي الله عنهما3.

1 سورة نوح، الآيتان: 10-11.

2 أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى": (3/352) ، والآية (52) من سورة هود.

3 انظر: "غريب الحديث" للهروي: (3/259-261)، و "المنتقى" للباجي:(1/335) .

ص: 172