الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: حكم الأجرة المأخوذة على صناعة التنجيم، والواجب تجاه المنجمين
أجمع المسلمون على تحريم أخذ ودفع الأجرة التي يأخذها الكاهن على كهانته، لأنه عوض عن محرم، ولأنه أكل مال الغير بالباطل.
وفي معناه التنجيم، والضرب الحصى، وغير ذلك مما يتعاطاه العرافون عن استطلاع الغيب1.
لما رواه البخاري ومسلم عن أبي مسعود الأنصاري2 رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي وحلوان3 الكاهن"4.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (حلوان الكاهن الذي تسميه لعام "حلاوته"، ويدخل في هذا المعنى ما يعطيه المنجم وصاحب الأزلام التي يستقيم بها، مثل الخشبة المكتوب عليها أ، ب، ج، د والضارب بالحصى ونحوهم، فيما يعطى هؤلاء حرام، وقد حكى الإجماع على تحريمه غير واحد من العلماء كالبغوي، والقاضي عياض وغيرهما.
1 انظر: "شرح النووي على صحيح مسلم": (10/231)، و"روضة الطالبين":(9/364)، و"فتح الباري":(4/427) .
2 هو عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بن عسيرة الأنصاري البدري من علماء الصحابة، اختلف في تسميته بالبدري، توفي سنة تسع وثلاثين، وقيل: أربعين، وقيل: قبل ذلك. انظر: "سير أعلام النبلاء": (2/494)، و"تهذيب التهذيب":(7/247)، و"الإصابة":(2/490) .
3 الحلوان: مصدر حلوته حلواناً، إذا أعطينه، وأصله من الحلاوة، شبه بالشيء الحلو من حيث أنه يأخذ سهلاً، بلا كلفة ولا مشقة.
4 أخرجه البخاري: (7/248) ، كتاب الطب، ومسلم:(5/35) ، كتاب البيوع.
ويتبين بذلك أن الأجرة المأخوذة على ذلك، والكرامة حرام، على الدافع والآخذ، وأنه يحرم على الملاك، والنظار، والوكلاء، إكرام الحوانيت المملوكة، أو الموقوفة، أو غيرها من هؤلاء الكفار والفساق بهذه المنفعة، إذا غلب على ظنهم أنهم يفعلون فيها هذا الجبت الملعون) 1.
ولما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان لأبي بكر غلام يخرج له الخوارج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوماً بشيء فأكل منه أبي بكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية، وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه)2.
قال ابن حجر رحمه الله: (والذي يظهر أن أبا بكر إنما قاء لما ثبت عنده من النهي عن حلوان الكاهن، وحلوان الكاهن ما يأخذه على كهانته، والكاهن من يخبر بما سيكون من غير دليل شرعي)3.
ويجب على ولي الأمر، وكل قادر السعي بالإنكار على المنجمين وإزالتهم، ومنعهم من الجلوس في الحوانيت أو الطرقات، أو دخولهم على الناس في منازلهم لذلك، وإن لم يفعلوا ذلك يكفيهم قوله تعالى:{كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} 4،وقوله سبحانه: {لَوْلا
1 "مجموع فتاوى ابن تيمية": (35/194-195) .
2 أخرجه البخاري: (5/128) ، كتاب المناقب.
3 "فتح الباري": (7/154) .
4 سورة المائدة، الآية:79.
يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ} 1، فإن هؤلاء المنجمين يقولون الإثم، ويأكلون السحت بإجماع المسلمين2.
1 سورة المائدة، الآية:63.
2 انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية": (35/195) .