الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: الأدلة على فساد صناعتهم، وأنها ظنون كاذبة
الفصل الرابع: الأدلة على فساد صناعتهم، وأنها ظنون كاذبة
…
الفصل الرابع: الأدلة على فساد صناعتهم، وأنها ظنون كاذبة
إن كل سبيل يطلب فيه الإنسان معرفة الغيب وكل دعوى يزعم فيها الإنسان أنه يشارك الله فيما استأثر به لنفسه لا بد وأن يعتمد على التمويهات والخداع التي يتقلبها عادة السذج من الناس. فإذا اقتنعوا بها نمقوها وزخرفوها، وزادوا وأنقضوا، وجادلوا وماروا فيكونون بهذا دعاة للباطل، وباعة للكذب والبهتان. فالمنجمون ودعاتهم من جنس هؤلاء. فقد سمعوا ظنونهم الكاذبة علماً، وتمويهاتهم وخداعهم أصلاً، وكذبهم وبهتانهم حكماً. وسأستعرض هنا –إن شاء الله- الأدلة على فساد صناعتهم. وسأبين أنهم يعتمدون على مجرد الظنون الكاذبة مما يدل على أن هذا العلم المزعوم لا حقيقة له، وأه ليس بعلم، بل هو كلام جعله هؤلاء على هيئة قوانين تهيئ الناس لقبول باطلهم، وسأقسم الأدلة التي تبين فساد صناعتهم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الأدلة على فساد اعتقادهم بأن هذه الكواكب آلهة، أو أن لها تصرفاً في هذا الكون.
القسم الثاني: الأدلة على اعتقادهم أن لهذه الكواكب تأثيراً في هذا الكون.
القسم الثالث: الأدلة على فساد أحكام النجوم المزعومة، والتي تبين أن هذه الأحكام ظنون كاذبة.
القسم الأول: الأدلة على فساد اعتقادهم بأن هذه الكواكب آلهة، أو أن لها تصرفاً في هذا الكون: والأدلة على ذلك من المنقول والمعقول، فمن
المنقول الأدلة من القرآن الدالة على انفراد الله بالخلق والتدبير، وقد سبق أن ذكرتها في المبحث الأول في التمهيد وهي أدلة أيضاً على فساد اعتقاد هؤلاء أن الأفلاك آلهةـ أو أن لها تصرفاً في هذا الكون. وأضيف إلى تلك الأدلة أدلة أخرى تدل على فساد هذا المعتقد نفسه وهي:
الآيات الدالة على أن الكواكب مسخرة مدبرة، تجري بمقدار معين، وعلى منهاج مقنن جعله الله لها لا تستطيع الخروج عنه، وأنها لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضراً، فضلاً عن أن تملك ذلك لغيرها، ومن كان هذا حاله يستحيل أن يكون إلهاً. أو أن يكون له تصرف في الكون.
قال الله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} 1، وقال:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} 2، وقال:} يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} 3، وقال تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} 4،
1 سورة النحل، الآية:12.
2 سورة لقمان، الآية:29.
3 سورة فاطر، الآية:13. والقطمير: لفافة النواة. "تفسير البيضاوي": (ص576)، و"لسان العرب":(5/108) .
4 سورة الحج، الآية:18.
قال ابن كثير رحمه الله: (إنما الشمس والقمر على التنصيص لأنها قد عبدت من دون الله. فبين أنها تسجد لخالقها، وأنها مربوبة مسخرة)2.
أما الأدلة من المعقول فهي كما يلي:
الدليل الأول: إن القول بصدور الحوادث الأرضية من الكواكب كالإحياء والإماتة والرزق ونحو ذلك يقتضي أن تكون هذه الكواكب مؤثرة بذاتها وطبعها، وهذا يتطلب منها أن تكون مختارة مريدة، وهذا منتفي لما يأتي:
أولا: لو أن هذه الكواكب مختارة مريدة لجرت الأحكام على وفق إرادتها، ولم تتوقف هذه الأحكام على اتصالاتها وهبوطها وارتفاعها، ولاختلفت أحكامها أيضاً بحسب اختلاف الدواعي. كما هو حال المختار المريد3.
ثانياً: أن هذه الكواكب لو كانت مختارة مريدة لما بقيت حركتها أبداً على سير أحد لا يتبدل، إذ إن هذه صفة الجماد المدبر الذي لا اختيار له4.
1 سورة فصلت، الآية:37.
2 "تفسير ابن كثير": (3/211) .
3 انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/129) .
4 انظر: "الفصل في الملل والأهواء والنحل": (5/147)، وذكرها أبو معشر في "أسرار النجوم". انظر:"فرج المهموم": ص82.
الدليل الثاني: أن هذه الكواكب لو كانت آلهة مصرفة لهذا الكون –كما يزعمون- لكانت مستقلة بإحداث شيء من الحوادث الأرضية، واعتقادهم يخالف هذا، إذ إنهم يعتقدون أن حركة الفلك التاسع جزء السبب، وحركة كل فلك جزء السبب فتكون هذه الحوادث ناتجة عن مجموع حركات الأفلاك –على حسب زعمهم1- وهذا يناقض أن تكون واجبة الوجود، أو أن تكون آلهة، إذ إن المشتركين في المفعول الواحد لا يمكن أن يكون كل واحد منهم قادراً عليه بانفراد وإلا لاستقل به، وهذا يدل على عجزه وقصوره وعدم مقدرته على إكمال نفسه، ومن كان متصفاً بهذه الأوصاف لا يمكن أن يكون واجب الوجود: إذ إن من صفات واجب الوجود الغنى المطلق، ولو كان هذه الأفلاك متصفة بهذه الصفة لم تفتقر إلى غيرها في فعلها، فافتقارها إلى غيرها بوجه من الوجوه دليل عدم غناها2.
ثالثاً: لو فرضنا أن لتدبير الكواكب شيئاً من الحركات والحوادث الأرضية لكان الصادر عنها الحركة العرضية على نسق حركتها، أما بقية الحركات فلا تكون صادرة عنها، ومن باب أولى لا يكون صادراً عنها الأجسام نفسها وقواها وصفاتها، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ويعلم بذلك أن المتصرف في الكون المشهود والموجود له رب غيرها هو الذي أبدعها وصورها وحركها على الحركات المختلفة، وبهذا يتبين بطلان ربوبية هذه الكواكب3.
1 انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية": (8/170-171) .
2 انظر: المصدر السابق نفسه: (20/180-181) .
3 انظر: المصدر نفسه: (8/173) .
رابعاً: لو سلم أن هذه الكواكب هي المدبرة لهذا الكون لكان تدبيرها حال ظهورها فقط، أما حال أفولها فينقطع تصرفها بالكلية، وهذا ينافي ربوبيتها، إذ إن الرب الذي يكون متصرفاً لهذا الكون يجب أن يكون قيوماً يقيم هذا الكون في جميع الأوقات وفي جميع الأحوال، كما قال تعالى:{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً} 1، لذا أشار الخليل عليه السلام عند محاجته لقومه إلى هذا المعنى بقوله:{لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} 2.
القسم الثاني: الأدلة على فساد اعتقادهم أن لهذه الكواكب تأثيراً في هذا الكون، والأدلة على ذلك من المنقول والمعقول، فمن المنقول الأحاديث التي تدل على إبطال تأثير الكواكب في الحوادث الأرضية، منها ما أخرجه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأستموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي"3، وما رواه مسلم عن ابن عباس –رضي الله عنهما قال: أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمي بنجم فاستنار، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ماذا كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا؟ "، قالوا: الله ورسوله أعلم، كنا نقول: ولد الليلة رجل عظيم ومات رجل عظيم. فقال رسول
1 سورة الفرقان، الآية:58.
2 انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية": (8/173) ، والآية (76) من سورة الأنعام.
3 سبق تخريجه: ص103.
الله صلى الله عليه وسلم: "لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته.."1. وما رواه الإمام مسلم رحمه الله عن أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة" 2. فذم النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء يدل على أنه لا تأثير للكواكب ولا للأنواء في حوادث العالم السفلي3.
أما الأدلة من المعقول فتتبين من خمسة أوجه:
الوجه الأول: أن معرفة تأثير الكواكب في هذا الكون يكون بأحد أربعة طرق: إما الخبر الصادق الصحيح من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا غير موجود، بل دلت الأدلة على انتفاء وجوده، والنهي عن اعتقاده.
وإما الحس فيشترك الناس في إدراكه وهذا منتفي وغير موجود، وإما ضرورة العقل أو نظره وهذا غير موجود أيضاً4 وإما التجربة –وهذا ما يدعونه5- ويشترط في صحة التجربة أن تكون بتكرر موثوق بدوامه تضطر النفوس إلى الإقرار به، وهذا لا يمكن في القضاء بالنجوم لأن النصب الدالة على الكائنات –عندهم- لا تعود في الدرجة والدقيقة نفسها إلا بعد آلاف السنين كما ذكر ذلك البيروني6 فقال: (إن الكواكب الثابتة
1 سبق تخريجه: ص110.
2 سبق تخريجه: ص109.
3 انظر: "الأنواء في مواسم العرب": ص15.
4 انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/131) .
5 انظر: "رسالة الأحكام على تحاويل سني العالم" لابن أبي الشكر: (ق1/أ) .
6 هو محمد بن أحمد، أبو الريحان البيروني الخوارزمي، فيلسوف، رياضي، مؤرخ، منجم، توفي سنة أربعين وأربعمائة. انظر:"حكماء الإسلام": ص72، و"عيون الأنباء": ص459.
تقطع كل واحد من منازل القمر في ستمائة سنة) 1،
وعلى هذا لا يعود إلى موضعه إلا بعد ستة عشر ألف وثمانمائة سنة، وكما قال إخوان الصفا أيضاً:(واعلم أن الكائنات التي يستدل عليها المنجمون سبعة أنواع: منها الملل والدول التي يستدل بها من القرانات الكبار، التي تكون في ألف سنة بالتقريب مرة واحدة..)2. وتجري تأثير الكواكب في مثل هذا الوقت لا يمك قطعاً، ومن هذا يتضح أن دعوى تأثير الكواكب في هذا الكون دعوى وهمية لا تقوم على دليل أو برهان3.
الوجه الثاني: ادعاؤهم أن لهذه الكواكب تأثيراً في الكون بالسعادة والنحوسة، وأن لها تأثيراً في حصول الأحوال النفسية من ذكاء وبلادة ونحو ذلك، وأن هذا التأثير من جنس تأثير الشمس والقمر في الحرارة والبرودة واليبوسة والحرارة وغير ذلك4 ادعاء باطل لا يستقيم، وذلك لأن هذا القياس فاسد، وذلك لوجود الفرق بين المقيس، والمقيس عليه، إذ إننا لا ننازع في تأثير الشمس والقمر في هذا العالم على ما يجري على الأمر الطبيعي بما جعله الله فيها من مميزات، كتأثير الشمس في الرطوبة والبرودة والحرارة ونحو ذلك، وتأثيرها في أبدان الحيوانات والنباتات والناس في نشاطهم وخمولهم ونحو ذلك، ومع هذا فإن هذه الكواكب
1 "القانون المسعودي" للبيروني: (3/990) .
2 "رسائل إخوان الصفا": (1/154) .
3 انظر: "الفصل في الملل والأهواء والنحل": (5/149) .
4 انظر: "رسائل إخوان الصفا": (1/146) .
جزء من السبب المؤثر، وليست بمؤثر تام، فإن تأثير الشمس مثلاً إنما كان بواسطة الهواء، وقبوله للسخونة والحرارة، ويختلف هذا القبول عند قرب الشمس من الأرض وبعدها.. وهكذا. فكل واحد من هذه جزء السبب مع وجود أشياء أخرى مكملة لسبب. وقد يقدر الله تعالى أموراً أخرى تمنع هذه الأسباب ليظهر عليها أثر القهر والتسخير، فإثبات مثل هذه التأثيرات لا ينكر، أما الذي ينكر عليهم فهو دعوى أن جملة الحوادث في العالم من الأرزاق والآجال والسعادة والنحوسة وجميع ما في العالم تقع لكون الكواكب هي المؤثرة فيه ومن تحتها خاضع لها، وهذا يختلف عن ذلك1.
ثم إن النوع الأول قد دل عليه الشرع والعقل والحس بخلاف النوع الثاني لم يدل عليه شيء من ذلك، بل يناقضه كما أشرت إلى ذلك في الوجه الأول.
الوجه الثالث: لو سلمنا –جدلاً- أن للكواكب تأثيراً بالسعد والنحس –كما يزعمون- فإنه لا يمكن معرفة هذا التأثير إلا بالنظر إليها ومعرفة طبائعها مفردة ومجتمعة، فإذا لم يفعل ذلك المنجم لا يمكن له حصوله العلم بهذا التأثير2، وهذا لا يستطيع الإحاطة به منجم، بل ولا أي مخلوق مما يجعل معرفة هذا التأثير مستحيلاً، ويجعل هذه الصناعة مستحيلة الوجود ويحكم على أحكام الأولين والآخرين بالبطلان، وذلك لأربعة أمور هي:
1 انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/160-166) .
2 انظر: المصدر نفسه: (2/128) .
الأمر الأول: أنه لا سبيل إلى معرفة طبائع البروج وطبائع الكواكب وامتزاجها إلا بالتجربة. وأقل ما لا بد منه في التجربة أن يحصل ذلك الشيء على حالة مرتين فأكثر، إلا أن الكواكب لا يمكن تحصيل ذلك فيها لأنه إذا حصل كوكب معين في موضع معين في الفلك وكانت سائر الكواكب متصلة به على وضع مخصوص وشكل مخصوص فإن ذلك الوضع المعين بحسب الدرجة والدقيقة لا يعود إلا بعد آلاف السنين، وعمر الإنسان لا يفي بذلك، فثبت أنه لا يمكن الوصول إلى هذا الأحوال عن طريق التجربة1 –كما سبق الإشارة إلى هذا المعنى في الوجه الأول-.
الأمر الثاني: من المعلوم أن في فلك البروج كواكب لم يعرفها المنجمون إلا في العصر الحاضر، فلعل وقوع نجم من هذه النجوم المجهولة في ذلك العصر على درجة الطالع يوجب أثراً ما لا يوجبه بدونها2، ومن هذه الكواكب التي لم تكتشف إلا في العصر الحاضر (مذنب هالي) الذي سماه المنجمون الكوكب الآثاري3، وكوكب (أورانوس) الذي اكتشف سنة 1781م4، وغيرها كثير لم يتوصلوا إليه حتى اليوم، إذ إن نجوم السماء كثيرة جداً، حتى إن بعض الفلكيين صور كثرتها بقوله:(إن عدد النجوم يزيد على عدد حبات الرمل على شواطئ جميع بحار الدنيا) 5، وهذا الوصف وإن كان فيه شيء من المبالغة إلا أنه
1 المصدر السابق نفسه: (2/134) .
2 انظر: "النبوات" للرازي: ص218، و"مفتاح دار السعادة":(2/128-129) .
3 انظر: "قراءة الأبراج والطوالع والحظوظ": ص25.
4 انظر: مجلة الأزهر: عدد (2) ، ص134، مقال العقاد.
5 "كل شيء عن النجوم": ص93.
يبين كثرة النجوم في السماء، فإن كانوا عاجزين عن اكتشاف هذه النجوم فعجزهم عن إدراك طبائعها وتأثيراتها أولى وأحرى، فإن قالوا: لو حصلت هذه الكواكب الصغيرة لم تكن لها قوة وتأثير أصلاً، لأجل أن صغرها يوجب ضعفها، قيل لهم: هذا باطل، لأن عطارد مع غاية صغره تقاربه سائر الكواكب السيارة مع عظم أجرامها، بل الرأس والذنب نقطتان1، وأصحاب الأحكام أثبتوا لهما آثاراً عظيمة، بل سهم السعادة وسهم الغيب نقطتان وهميتان2، والمنجمون أثبتوا لها آثاراً قوية3، فإن جعلوا لهذه آثاراً فمن باب أولى بقية النجوم على حسب منهجهم.
الأمر الثالث: أننا نفترض –جدلاً- أنهم عرفوا طبائع الكواكب حال بساطتها، لكن من المسلم به وما شهد به كبراؤهم أنه لا يمكن معرفة طبائعها وآثارها حال امتزاج بعضها ببعض، وذلك لأن الامتزاج الحاصل من ألف كوكب أو يزيد يستحيل على العقل ضبطه4. فقد نقل أبو حيان التوحيدي5 عن بعض كبرائهم أنه قال: (وقد يغفل – مع هذا كله -
1 هما نقطتان وهميتان تحدثان عند تقاطع مدار القمر مع دائرة البروج عند حدوث الكسوف تسمى إحداهما: الرأس، والأخرى الذنب. انظر:"رسائل إخوان الصفا": (1/121-122) .
2 يعدها المنجمون من سهام الكواكب السبعة، ويطلقون على الأول سهم القمر، وعلى الثاني سهم الشمس. انظر:"التفهيم": ص283.
3 انظر: "النبوات" للرازي: ص217-218.
4 انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/128) .
5 هو علي بن محمد بن العباس التوحيدي، أبو حيان، فيلسوف، متصوف، معتزلي، نعته ياقوت الحموي: بشيخ الصوفية وفيلسوف الأدباء. توفي سنة أربعمائة. انظر: "ميزان الاعتدال": (4/518)، و"لسان الميزان":(7/38-41)، و"الأعلام":(4/326) .
المنجم اعتبار حركات كثيرة من أجرام مختلفة، لأنه يعجز عن نظمها وتقويمها ومزجها وتسييرها، وتفسير أحوالها، وتحصيل خواصها، مع بعد حركة بعضها، وبطئها وسرعتها، والتفاف صورها، والتباس مقاطعها، وتداخل أشكالها، ومن الحكمة في هذا الإغفال أن الله تقدس اسمه يتميز بذلك القدر المغفل، والقليل الذي لا يؤبه له، والكثير الذي لا يحاول البحث عنه أمراً لم يكن في حساب الخلق) 1.
الأمر الرابع: نفترض –جدلاً كذلك- أنهم استطاعوا معرفة طبيعة الامتزاجات الحاصلة في وقتهم، ولكن من الممتنع عليهم معرفة الامتزاجات السالفة، فربما كان لها أثر في هذه الحوادث كالامتزاجات الحاصلة في وقتهم الذي يدعونه2.
الوجه الرابع: من الأصول التي بنى عليها المنجمون تأثير الكواكب قائماً على علاقة المشابهة بين أسماء البروج وما يوافقها من عالم الكون والفساد، بمعنى أنهم جعلوا تأثير الحيوانات السفلية بما يقابلها من الصور العلوية، فبرج العقرب –مثلاً- يؤثر في العقارب
…
وهكذا كما قال بطليموس3: (الصور الموجودة في عالم التركيب مطيعة للصور الفلكية، إذ هي في ذاتها على تلك الصور، فليست تلك الصور وهمية،
1 "المقابسات": ص127، وقد جعلوا الله منفرداً بهذا النزر القليل فقط، وهذا من تأليهم على الله –تعالى الله عما يقولن-.
2 انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/121) .
3 ملك بن الإسكندر: وكان حريصاً على الفلسفة، مولعً بها، جمع بين علوم عدة منها: التنجيم والجغرافية والتاريخ والفلسفة والطب وغيرها، وألف فيها. "طبقات الأطباء والحكماء": ص35، و"الفهرست" لابن النديم: ص374.
وإلا لم يكن لها أثر في أمثالها من العالم السفلي) 1 موافقاً بقوله هذا سلفه من المشركين من قوم إبراهيم عليه السلام2.
وكما قال ابن أبي الشكر المغربي: (أما الجنس الذي يؤثر فيه الكسوف فهو من جوهر البروج الذي يقع فيه الكسوف، إن وقع في البروج الناطقة كان الحادث في الإنسان، وإن كان في ذوات الأظلاف كان الحادث في الغنم والبقر، وإن كان في البروج المائية كان الحادث في حيوان الماء، وإن كان برج الأسد كان الحادث في السباع وأشباهها، وإن كان في البروج الأرضية كان الحادث في نبات الأرض)3. وهذا الأصل فاسد، ويتبين فساده بأمرين هما:
الأمر الأول: أن المتقدمين لما قسموا الفلك إلى اثني عشر قسماً أرادوا أن يميزوا بعضها عن بعض فشبهوا كل قسم من هذه الأقسام بصورة معينة، ولكن هذا الشبه لم يحدث علاقة بين هذه النجوم وما يقابلها من الكائنات الأرضية4 بإقرار أئمتهم على ذلك. فمن أئمتهم القائلين بهذا أبو الحسين عبد الرحمن الصوفي5، والبيروني6، وابن طاووس7،
1 "سعود المطالع": (2/107) .
2 انظر: "السر المكتوم": (ق176/أ) .
3 "رسالة الأحكام على تحاويل سني العالم": (ق 33/أ) .
4 "مفتاح دار السعادة": (2/129) .
5 هو عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن سهل الصوفي، أبو الحسين الرازي، صاحب الملك عضد الدولة، فارسي النسبة، توفي سنة ست وسبعين وثلاثمائة. "تاريخ الحكماء": ص226، و"الأعلام":(3/319) .
6 انظر: "التفهيم": ص263.
7 انظر: "فرج المهموم": ص64-65.
وغيرهم.
قال عبد الرحمن الصوفي: (أن تسمية البروج الاثني عشر بالحمل والثور والجوزاء
…
إلى آخرها لا أصل له ولا حقيقة. وإنما وضعها الراصدون لهم متعارفاً بينهم، وكذلك جميع الصور التي عن جنبي منطقة البروج الاثني عشر وغيرها، والجميع ثمان وأربعون صورة عندهم مشهورة، وعلمائهم معترفون بأن ترتيب هذه الصور وتشبيهها وقسمة الكواكب عليها وتسميتها صنعه متقدموهم ووضعه حذاقهم الراصدون لها) 1.
الأمر الثاني: أنهم جعلوا تأثير الكواكب قائماً على المشابهة بين صور البروج وصورة المأثر فيه. وهذا ليس سبباً كافياً للقول بالتأثير، بل ولا يدل مطلقاً على تأثير الكواكب بالسعادة والنحوسة فيما يقابلها –هذا إن صحت المشابهة-.
الوجه الخامس: الأصول التي بني عليها المنجمون تأثير الكواكب في العالم السفلي أيضاً أنهم جعلوا لكل كوكب طبعاً يختلف عن طبع الكوكب الآخر، وجعلوا تأثيرها في العالم بحسب طبعها، فجعلوا طبع زحل البرد واليبس بإفراط وتأثيره بحسب طبعه، وطبع المشتري الحر والرطوبة بإعتدال، وطبع المريخ الحر واليبس بإفراط، وطبع الشمس الحر واليبس بمقدار أقل مما للمريخ، وطبع الزهرة البرد والرطوبة باعتدال
…
2.
واستدلوا على اختلاف طبائع الكواكب باختلاف ألوانها فقالوا: زحل لونه
1 ذكره الصوفي في كتاب "صور الكواكب الثمانية والأربعين"، نقلاً عن "فرج المهموم": ص64-65.
2 انظر: "رسائل إخوان الصفا": (1/124-125)، و"التفهيم في أوائل صناعة التنجيم": ص231-232.
الغبرة والكمودة، فطبعه البرد واليبس، والمريخ يشبه لونه لون النار فطبعه حار يابس، وكذلك الزهرية فإن لونها كالمركب من البياض والصفرة، والبياض يدل على طبيعة البلغم وهو البرد والرطوبة، والصفرة تدل على الحرارة، ولما كان بياضها أكثر من صفرتها حكمنا بأن بردها ورطوبتها أكثر
…
وهكذا1 وهذا الأصل ظاهر البطلان، ويتبين ذلك بأربعة أمور هي:
الأمر الأول: أن البرودة والحرارة واليبس والرطوبة صفات للعناصر التي دون فلك القمر، وليس شيء من هذه الصفات في الأجرام العلوية، لأنها خارجة عن محل حوامل هذه الصفات2.
الأمر الثاني: أن المشاركة في بعض الصفات لا تقتضي المشاركة في الماهية والطبيعة.
الأمر الثالث: أن الدلالة بمجرد اللون على طبيعة شيء ما أمر باطل، إذ إن النورة والنشادر وغيرها في غاية البياض مع أن طبائعها في غاية الحرارة.
الأمر الرابع: أن بعض كبرائهم لما علم فساد هذا القول وتكذيب العقل له أنكر ذلك3.
القسم الثالث: الأدلة على فساد أحكام النجوم المزعومة. والتي تبين أن هذه الأحكام ظنون كاذبة، والأدلة على ذلك من المنقول والمعقول. فمن المنقول ما يأتي:
1 رسالة عيسى بن علي التي نقلها ابن القيم في "مفتاح دار السعادة": (2/159-160) .
2 "الفصل في الملل والأهواء والنحل": (5/149) . هذا ما ذكره والعهدة عليه.
3 رسالة عيسى بن علي التي نقلها ابن القيم في "مفتاح دار السعادة": (2/160) .
أولاً: الآيات الدالة على أن الله هو المنفرد بعلم الغيب. وأن هذا المنجم لا يعلم شيئاً من الغيب، وكذا الكواكب لا تعلم شيئاً من الغيب. ولم يجعلها الله دالة على شيء من الغيب. وقد سبق ذكرها في المبحث الأول في التمهيد.
ثانياً: الأحاديث والآثار التي تدل على إبطال أحكام النجوم، والتي تبين أنها ظنون كاذبة منها:
ما رواه الشيخان رحمهما الله عن عائشة رضي الله عنها قال: سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس من الكهان. فقال: "ليس بشيء". فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثونا أحياناً بشيء فيكون حقاًّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تلك الكلمة من الحق يحفظها من الجني فيقرها في أذن وليه فيخلطون معها مائة كذبة"1. فالإخبار عن الأمور الغيبية التي يخبرها بها المنجمون، ويسمونها أحكام النجوم، هي من جنس أخبار الكهان التي حكم عليها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها ليست بشيء. لهذا علم بالتجربة والتواتر أن الأحكام التي يحكم بها المنجمون يكون الكذب فيها أضعاف الصدق2.
وما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قيل له لما أراد لقاء الخوارج: "أتلقاهم والقمر في العقرب؟! فقال رضي الله عنه: فأين قمرهم؟ وكان ذلك في آخر الشهر"3. قال القرطبي4 رحمه الله: (انظر إلى
1 أخرجه البخاري: (7/249) ، كتاب الطب، ومسلم:(7/36) ، كتاب السلام.
2 انظر: "مجموعة الفتاوى المصرية": (1/327) .
3 "تفسير القرطبي": (19/28-29) .
4 هو محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرج الأنصاري الخزرجي الأندلسي. أبو عبد الله القرطبي من كبار المفسرين، كان ورعاً متعبداً. توفي سنة إحدى وسبعين وستمائة. انظر:"الديباج المذهب": (2/308)، و"هدية العارفين":(2/129) .
هذه الكلمة التي أجاب بها وما فيها من المبالغة في الرد على من يقول بالتنجيم، والإفحام لكل جاهل يحقق أحكام النجوم) 1.
وما أخرجه الخطيب البغدادي عن قتادة أنه قال: "إن الله تعالى إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصال: جعلها زينة للسماء، وجعلها نهتدي بها، وجعلها رجوماً للشياطين، فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد أخطأ حظه، وقال برأيه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به. وإن ناساً جهلة بأمر الله تعالى قد أحدثوا في هذه النجوم كهانة، من أعرس بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا، ومن سافر بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا، ولعمري ما ممن النجوم نجم إلا يولد به الطويل والقصير، والأحمر والأبيض، والحسن والذميم، قال: وما علم هذا النجم وهذه الدابة وهذا الطير بشيء من الغيب، وقضى الله أنه:{لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} ، ولعمري لو أن أحداً علم الغيب لعلمه آدم الذي خلقه الله تعالى بيده وأسجد له ملائكته وعلمه أسماء كل شيء وأسكنه الجنة فأكل منها رغداً حيث شاء، ونهاه عن شجرة واحدة. فما زال به البلاء حتى وقع بما نهي عنه، ولو كان أحد يعلم الغيب لعلمه الجن حين مات نبي الله سليمان عليه السلام، فلبث الجن يعملون له حولاً في أشد العذاب، وأشد الهوان، لا يشعرون بموته، وما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته، فلما خر تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين. قال: قد كانت تقول قبل ذلك: إنا نعلم. فابتلاهم الله تعالى، وجعل موت
1 "تفسير القرطبي": (19/29) .
سليمان للجن والإنس عبرة1.
ثالثاً: أن هذه الصناعة تصرف الناس عن الالتجاء إلى الله، والتوجه إليه، وطلب الاستخارة منه إلى الالتجاء إلى النجوم وطلب الاستخارة منها، وهذا المسلك مبتدع، ومخالف لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسور من القرآن، "إذا هم أحدكم فليركع ركعتين، ثم يقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإن تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأننت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: في عاجل أمري وآجله فاقدره لي، وإن كنت تعلم إن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري أو قال: في عاجل أمري وآجله، فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كلن ثم رضني به ويسمي حاجته" 2، وما كان مخالفاً لطريق النبي صلى الله عليه وسلم فهو مردود لما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد"3، وما كان كذلك فلا شك في فساده، لذلك لما لقي سفيان الثوري4 ما شاء الله اليهودي
1 سبق تخريجه: ص147.
2 أخرجه البخاري: (8/146) ، كتاب الدعوات.
3 أخرجه البخاري: (4/21) ، كتاب الصلح، ومسلم:(5/132) ، كتاب الأقضية.
4 هو سفيان بن سعد بن مسروق، أبو عبد الله، الثوري، الكوفي، علم، إمام، حافظ، مجتهد، توفي سنة إحدى وستين ومائة. انظر:"المعارف": ص497، و"سير أعلام النبلاء":(7/229) .
قال له: "أنت تخاف زحل، وأنت ترجو المشتري، وأنا أرجو رب المشتري، وأنت تغدو بالاستشارة، وأننا أغدو بالاستخارة، فكم بيننا؟ فقال له ما شاء الله: كثير بيننا، حالك أرجى، وأمرك أنجح وأحجى"1،
وما رواه الخطيب البغدادي عن أبي محمد البافي2 أنه قيل له: "إن منجماً لقي رجلاً مسلماً فقال له: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت أرجو الله وأخافه، وأصبحت ترجو المشتري وتخاف زحل، فنظمه البافي شعراً وأنشدناه:
أصبحت لا أرجو ولا أخشى سوى
الجبار في الدنيا ويوم المحشر
وأراك تخشى ما يقدر أنه
يأتي به زحل وترجو المشتري
شتان ما بيني وبينك فالتزم
طرق النجاة وخل طرق المنكر3
وأما الأدلة على فساد صناعتهم، وعلى أنهم ظنون كاذبة من المعقول فهي كثيرة، نذكر أهمها في ثلاثة عشر وجهاً:
الوجه الأول: اعتراف كثير من زعمائهم بأن هذه الصناعة تقوم على الخرص والتوهم، وأنها لا تفيد العلم البتة، كما صرح بذلك بطليموس وأرسطاطاليس4،
فقال أرسطاطاليس: (لما كان حال العلم واليقين في
1 "المقابسات": ص123.
2 هو عبد الله بن محمد البافي الخوارزمي، أبو محمد، شاعر، فقيه، غزير العلم، بفقه الشافعية، توفي سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة. انظر:"طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة: (1/159)، و"الأعلام":(4/141) .
3 "حكم علم النجوم": (ق15/ب) .
4 انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/175) ، وأرسطاطاليس هو ابن نيقوماخس الفيثاغوري، ويطلق عليه أرسطو اختصاراً، تتلمذ على أفلاطون، وإليه انتهت فلسفة اليونانيين، وهو سيد علمائهم، وفيلسوف الروم، وعالمها، وخطيبها، وطبيبها، كان وزير الإسكندر المقدوني الكافر، وكان يعبد الأصنام، وهو مؤسس المدرسة المشائية. انظر:"طبقات الأطباء والحكماء": ص25، و"تاريخ الحكماء": ص27، و"عيون الأنباء": ص86، و"إغاثة اللهفان":(2/260) .
جميع السبل التي لها مبادئ أو أسباب أو استقصاءات إنما يلزم من قبل المعرفة بهذه، فإذا لم تعرف الكواكب على أي وجه تفعل هذه الأفاعيل أعني بذاتها أو بطريق العرض، ولم تعرف ماهيتها، وذواتها لم تكن معرفتنا بالشيء أنه يفعل على وجهة اليقين) 1، وكقول ثابت بن قرة:(وأما علم القضاء من النجوم فقد اختلف فيه أهله اختلافاً شديداً، وخرج فيه قوم إلى ادعاء ما لا يصح ولا يصدق بما لا اتصال له بالأمور الطبيعية، حتى ادعوا في ذلك ما هو من علم الغيب، ومع هذا فلم يوجد منه إلى زماننا هذا قريب من التمام كما وجد غيره) 2، وقول أبي نصر الفارابي:(واعلم أنك لو قبلت أوضاع المنجمين فجعلت العد نحساً، والنحس سعداً، والحار بارداً، والبارد حاراً، والذكر أنثى، والأنثى ذكراً، ثم حكمت لكانت أحكامك من جنس أحكامهم تصيب تارة وتخطئ تارة)3.
وقال أيضاً: (من ظن أن هذه التجارب عليها وجدت دلائل هذه الكواكب وشهادتها، فليعملها إلى سائر ما وضع وليقلبها ثم ليحكم بها مقلوباً في المواليد والمسائل والتحاويل، فإن وجد بعضها يصح، وبعضاً لا يصح، على ما عليه حال ما وضع على ما وضع، فليعلم أن ذلك ظن
1 نقل ذلك ابن القيم في "مفتاح دار السعادة": (2/175) عن كتاب "السماع الطبيعي".
2 نقل ذلك ابن القيم في "مفتاح دار السعادة": (2/175) عن كتاب "ترتيب العلوم".
3 "مجموعة الفتاوى المصرية": (1/332)، و"مفتاح دار السعادة":(2/175) .
وحسبان واستحسان) 1،
وما ذكره يعقوب بن إسحاق الكندي مما أراد أن يقيم به للمنجمين عذراً لأغلاطهم، فحط من أقدارهم، فقال ما ملخصه: إن علماء الهند أحذق الناس في علم التنجيم، فأرادوا أن يعلموه أبناءهم، فعجزوا لغموضه، فأجمع علماؤهم جزءاً من ألف جزء من علمهم، فتقبله أبناؤهم، وتعلموه، فلما نشأ أبناؤهم أرادوا تعليمهم هذا العلم كما علمهم آباؤهم ذلك من قبل، فعجزوا عن ذلك، فاختصروه، فصار جزءاً من ألف جزء مما علمهم آباؤهم، ففهمه أبناؤهم وأدركته أذهانهم، ثم قال الكندي:(فما ظنك بعلم اختصر منه جزء من ألف جزء ما يبقى منه الإصابة؟) 2، وهذا القول وإن أورده الكندي عذراً للمنجمين عن كثرة أغلاطهم، وإلا أن فيه دليلاً على اختلال هذا العلم، وعدم إدراك الإصابة فيه، وأن صدق المنجم فيما وجد منه –على حسب قوله- مرة في كل ألف، ألف مرة3.
وقول أبي معشر4: (كل الأعراض الغائبة توهم لا يكون شيء منها يقيناً، وإنما يكون توهم أقوى من توهم.. ومن تأمل أحوال القوم علم
1 "كتاب في إبطال حكم النجوم" للفارابي: (ق 298) .
2 انظر: "حكم علم النجوم": (ق14/ب) - (ق298) .
3 انظر: المصدر نفسه: (ق15/أ) .
4 هو جعفر بن محمد بن عمر البلخي، أبو معشر، أستاذ عصره في صناعة التنجيم، أصله من بلخ من خراسان، توفي سنة اثنتين وسبعين ومائتين. "الفهرست" لابن النديم: ص386-387، و"تاريخ الحكماء":(ص152، و"وفيات الأعيان": (1/358-359) .
أن ما معهم إلا رزق وتفرس يصيبون معها ويخطئون) 1،
وقول يحيى بن محمد بن أبي الشكر شرحاً على كتاب الإسطرلاب قال: (إنني قد أسهبت وطولت، وذكرت شيئاً من الأحكام لم يقع عليها برهان إلا بالتجربة، وحاكي الكفر ليس بكافر، فلا ينسبنا من قرأ هذا الجزء، وكان له غرض في الشريعة إلى التخلف) 2، وما ذكره ابن تيمية رحمه الله عن المنجمين بقوله:(إني خاطبتهم بدمشق، وحضر عندي رؤساؤهم، وبينت فساد صناعتهم بالأدلة العقلية التي يعرفون صحتها، فقال لي رئيس منهم: والله إنا نكذب مائة كذبة حتى نصدق في كلمة)3.
الوجه الثاني: إن هؤلاء القوم أقروا على أنفسهم بفساد صناعتهم، إذ إن كل فريق حكم بفساد أصول الفريق الآخر، وكلما جاءت أمة نقضت أصول من سبقهم، وادعت أن أصولهم هي الصحيحة دون من سواهم، وهذا يبرهن على أن أصولهم المزعومة قائمة على الحدس والتخمين، ومن هذا أن الأوائل في عهد بطليموس عملوا رصداً، واتفقوا أنه هو الصحيح، وبقي الأمر على ذلك سبعمائة سنة تقريباً، والناس ليس بأيديهم إلا تقليدهم، حتى كان عهد المأمون، فاتفق الرصاد في عصره على أنهم امتحنوا رصد الأوائل فوجدوهم غالطين، وأنشئوا رصداً جديداً وسموه الرصد الممتحن، وبهذا أبطلوا رصد الأوائل، فما كان من
1 نقل ذلك ابن القيم عن كتاب "أسرار النجوم" في "مفتاح دار السعادة": (2/145) بحثت عن هذا الكلام في الجزء الذي حصلت عليه من مخطوط "أسرار النجوم" فلم أجده، ولعله في الجزء الناقص منه.
2 "كتاب الإسطرلاب" لكوشيار الجيلي: (ق55/أ، ب) .
3 "مجموعة الفتاوى المصرية": (1/327) .
الأوائل إجماع على صحة رصدهم الذي عملوه، وما كان من هؤلاء إجماع على فساد رصد الأوائل، وبالتالي إجماع منهم على أنفسهم بأنهم كانوا مخطئين في العمل بالرصد السابق، ثم حكمت طائفة بعد الرصد الممتحن بستين عاماً تقريباً، وزعيمهم أبو معشر محمد بن جعفر بفساد هذا الرصد الممتحن،
وردوا عليهم، وبينوا خطأهم في ذلك1، ثم جاءت جماعة أخرى منهم كوشيار بن باشهري الجيلي2، حكموا على من سبقهم من المنجمين بالجهل، ومن حكمه عليهم قوله في مقدمة كتاب المجمل:(ومن المنفردين بالعلم الثاني –يعني علم أحكام النجوم- من يأتي على جزئياته بحجج على سبيل النظر والجدل فظن أنها برهان، لجهله بطريق البرهان) ، ثم جاءت جماعة بعد هؤلاء منهم أبو الحسين عبد الرحمن بن عمر الصوفي، الذي ذكر أنه قد عثر على أغلاط كثيرة استدركها على المتقدمين، وصنف فيها كتاباً قال في مقدمته:(ولما رأيت هؤلاء القوم مع ذكرهم في الآفاق، وتقدمهم في الصناعة، وإقتداء الناس بهم، واشتغالهم بمؤلفاتهم قد تبع كل واحد منهم من تقدمه، من غير تأمل لخطئه وصوابه بالعيان والنظر، وأوهموا الناس بالرصد حتى ظن كل من نظر في مؤلفاتهم أن ذلك حاصل من معرفتهم بالكواكب ومواضعها..) ، ثم ذكر أن من سبقه ليس معهم بصيرة، بل شهد عليهم بأنهم مموهون مدلسون كذابون مفترون.
1 ذكر أبو معشر شيئاً من ذلك من كتاب "أسرار النجوم": (ق4/ب) ، (ق9/أ) .
2 أبو الحسن كوشيار الجيلي، منجم له قدر عند المنجمين، توفي سنة خمسين وثلاثمائة.
انظر: "تاريخ حكماء الإسلام": (ص91)، و"هدية العارفين":(1/838) .
ثم جاءت جماعة أخرى في عهد الحاكم1 بالديار المصرية، خالفوا من سبقهم، وحكموا على الأرصاد السابقة بالفساد، ووضعوا رصداً آخر سموه بالرصد الحاكمي، ثم جاءت جماعة أخرى منهم أبو الريحان البيروني حكموا بفساد أصول من تقدمهم، وذكروا كثيراً من مناقضاتهم والرد عليهم بما هو دال على فساد الصناعة نفسها حتى أن البيروني قال في ذلك:(وعند البلوغ إلى هذا الموضع من صناعة التنجيم كفاية، ومن تعداها فقد عرض نفسه وصناعته لما بلغت إليه الآن من السخرية والاستهزاء فقد جهلها المنتسبون إليها) 2، كما حكم على فساد طرق منجمي الهند في تنجيمهم فقال:(وإنما حكيت هذا ليعلم تباين طرق قومنا وطرق الهند في أحكام النجوم، وأما طرقهم في أحداث العالم فمع طولها فهي ركيكة جداًّ) 3، وقال أيضاً فيهم: (فليعلم أولاً أن معولهم في أكثر الأحكام على ما يشبه الزجر والفراسة
…
) 4.
ثم جاءت طائفة أخرى بعدهم منهم أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى بن الزرقالة5 خالفوا الأوائل والأواخر، وحكموا على رصدهم وأحكامهم
1 هو الحاكم بأمر الله أبو علي المنصور بن العزيز بالله نزار بن المعز العبيدي، حاكم مصر، كان جباراً عنيداً، وشيطاناً مريداً، ثير التلون في أحكامه، وأفعاله، وأقواله، جائراً، وإليه تنسب الفرقة الضالة الحاكمية، هلك سنة إحدى عشرة وأربعمائة.
"الكامل" لابن الأثير: (9/314)، و"البداية والنهاية":(11/341) ، (12/10) .
2 "التفهيم لأوائل صناعة التنجيم": ص331.
3 "تحقيق ما للهند من مقولة": ص492.
4 المصدر نفسه: ص473.
5 هو إبراهيم بن يحيى التنجيبي النقاش، المعروف بابن الزرقالة، من منجمي الأندلس، أبصر أهل زمانه بالأرصاد والتنجيم، توفي سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة. "تاريخ الحكماء": ص57، و"كشف الظنون": ص870، و"الأعلام":(1/79) .
بالفساد، فأسقط ابن الزرقالة من الرصد الممتحن المأموني في البروج درجات، ومن الرصد الحاكمي دقائق وسلك في الأحكام طرقاً غير الطرق المعهودة قبله، وزعم أن عليها المعوا، وأن طرق من تقدمه ليست بشيء.
ثم جاءت جماعة أخرى منهم أبو الصلت الأندلسي1 حكم على المنجمين كلهم، الأوائل منهم والأواخر بأنهم أصحاب زرق وهذيان، مع أنه كان رأساً في صناعة التنجيم، فقال:
وراعك قول للمنجم مولاهم
ومن يعتقد زرق المنجم يوهم
فواعجباً يهذي المنجم دهره
ويكذب إلا فيك قول المنجم2
كما حكم إمامهم الفارابي على المنجمين كلهم بأنهم كذابون مخادعون، وأن علم التنجيم باطل في ذاته لا يمكن تحصيله فقال:(إن أثر الناس الذين لا حنكة لهم لما وجدوا أموراً مجهولة بحثوا عنها، وطلبوا علمها، وظنوا أنه إنما يخلو منه لقصورهم عن إدراك سببه، وأنه سيتوصل إلى معرفته بنوع من البحث والتفتيش، ولم يعلموا أن الأمر في طبيعته ممتنع، ولا يكون به تقدم المعرفة البتة بجهة من الجهات إذ هو ممكن الطبيعة وما هو ممكن، فهو بطبعه غير محصل، ولا محكوم عليه بوجود ثبات أو لا وجود) 3، ولا شك أن حكم بعضهم على بعض
1 هو أمية بن عبد العزيز الأندلسي الداني، أبو الصلت المغربي، فريد عصره، في الفلسفة والتنجيم وعلوم الأوائل، توفي سنة تسع وعشرين وخمسمائة. "تاريخ الحكماء": ص80، و"معجم الأدباء":(7/53) .
2 انظر: "مفتاح دار السعادة": ص144-148.
3 انظر: "كتاب في إبطال أحكام النجوم": ص268.
بفساد أصولهم وصناعتهم دليل كاف يبين فساد الصناعة نفسها، ويبرهن على أن القوم ليس عندهم إلا الظنون الكاذبة.
الوجه الثالث: أن هذا العلم أنكره الناس من غير المنجمين على مر العصور، وبينوا فساده شعراً ونثراً، كما بينوا أنه يقوم على الكذب والأوهام، حتى صار بهتانهم مشهوراً بين الناس كافة من كثرة ما قيل في ذلك، فمن ذلك قول قس بن ساعدة:
علم النجوم على العقول وبال
وطلاب شيء لا ينال ضلال
ماذا طلابك علم شيء غيبت
من دونه الخضراء ليس ينال
هيهات ما أحد بغامض فطنة
يدري كم الأرزاق والآجال
إلا الذي فوق السماء مكانه
فلوجهه الإكرام، والإجلال1
وقال الخليل بن أحم2:
أبلغنا عني المنجم أني
كافر بالذي قضته الكواكب
عالم أن ما يكون وما كان
قضاء من المهيمن واجب
موقن أن من تكهن أو
نجم كل على المقادير كاذب3
وقال محمد البافي:
وكنت إن بكرت في حاجة
أطالع التقويم والزيجا
1 "حكم علم النجوم": (ق 14/أ) . سبق أن أوردتها عن "المفضليات" للضبي، ويلاحظ اختلاف بعض الألفاظ في هذه الرواية.
2 هو الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي، أبو عبد الرحمن، من أئمة اللغة والأدب، توفي سنة خمس وسبعين ومائة، وقيل: سنة سبعين ومائة.
انظر: "إنباه الرواة": (1/341)، و"تهذيب التهذيب":(3/163) .
3 "حكم علم النجوم": (ق15/ب) .
فأصبح الزيج كتصحيفه
وأصبح التقويم تعويجا1
وقال إسحاق الفيروزآبادي2:
حكيم يرى أن النجوم حقيقة
ويذهب في أحكامها كل مذهب
يخبر عن أفلاكها وبروحها
وما عنده علم بما في المغيب3
وقال آخر:
من كان يخشى زحلاً
أو كان يرجو المشتري
فإنني منه وإن
كان أبي الأدنى بري4
وقال آخر:
إذا ما أراد تضيع قطعة
على جاهل صارت بكف منجم
لعمرك ما يبريك من داء عمله
طبيب به داء كذلك فافهم
ولكن تعليل النفوس توهم
وليس يشين المرء مثل التوهم
رأيت البلايا والمنايا خفية
إذا خفي الشيء الخفي فسلم5
وقال آخر:
خوفني منجم أخو خبل
تراجع المريخ في برج الحمل
فقلت دعني من أباطيل الحيل
المشتري عندي سواء وزحل6
1 المصدر نفسه: (ق16/أ) .
2 هو إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي، نبغ في علوم الشريعة الإسلامية واشتهر بقوة الحجة في الجدل، والمناظرة، توفي سنة ست وسبعين وأربعمائة. "تهذيب الأسماء واللغات":(2/172)، و"طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة:(1/238) .
3 "حكم علم النجوم": (ق16/ب) .
4 "حكم علم النجوم": (ق16/أ) ، والأبيات لمنصور الفقيه.
5 المصدر نفسه.
6 المصدر نفسه، والأبيات لابن عباد الصاحب.
أما من النثر فكثير جداً منها:
رسالة للخطيب البغدادي في حكم علم النجوم، وكذلك كتاب "مفتاح دار السعادة" لابن قيم الجوزية ذكر فيه كثيراً من مناقضاتهم والردود عليهم، وفي العصر الحاضر كتاب "تقويم الزمان" ذكر شيئاً من الأدلة على فساد صناعتهم1، كما ذكر مؤلف كتاب "قراءة الأبراج والطوالع والحظوظ بين الحلال والحرام والحقيقة والأوهام" بعض الأدلة الدالة على فساد هذه الصناعة، وعلى أنهم يعتمدون على الظنون والأوهام2.. وسأكتفي بهذه الأقوال، وسيأتي غيرها فيما يأتي من الأوجه إن شاء الله.
ومن هذه الأقوال ومن الأقوال السابقة في الأوجه الماضية يتبين اتفاق الأوائل والأواخر، والفلاسفة والمنجمين وغير المنجمين على أن هذه الصناعة قائمة على الظنون والأوهام، والكذب والبهتان.
الوجه الرابع: أن المنجمين إذا أجمعوا على شيء لم يقع غالباً وهذا دليل قاطع يدل على فساد صناعتهم، وعلى أن أحكامهم مبنية على الظنون الكاذبة، وقد حمل لنا التاريخ القصص الكثيرة الواردة في ذلك3 منها:
ما ذكره الطبري وغيره في حوادث سنة سبع وثلاثين أن منجماً لقي علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما خرج لمقاتلة الخوارج، فأشار عليه بسير وقت من النهار، وقال: إن سرت في غير ذلك الوقت لقيت أنت وأصحابك ضراًّ شديداً، فخالفه وسار في الوقت الذي نهاه عن السير فيه، فلما فرغ من النهر حمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: (لو سرنا في
1 انظر: "تقويم الزمان" لعبد الله السليم: ص95-102.
2 انظر: "قراءة الأبراج والطوالع" لعباس مراد: ص2-64.
3 انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/135) .
الساعة التي أمرنا بها المنجم لقال الجهال الذين لا يعلمون: سار في الساعة التي أمره بها المنجم فظفر) . فما غزا رضي الله عنه غزوة بعد رسول الله أتم منها، حيث أنه لم ينجو من الخوارج إلا عدد قليل1.
2-
ما أجمع عليه المنجمون من خراب العالم في سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة بدعوى أن الكواكب الستة تجتمع فيه في الميزان، فيكون طوفان الريح في سائر البلدان، فارتعد جهلة الناس، وتأهبوا بحفر مغارات في الجبال، وأسراب في الأرض، خوفاً من ذلك، فلما كانت تلك الليلة التي أشاروا إليها لم ير ليلة مثلها في سكونها وركودها وهدوئها، فظر كذب المنجمين واستبانت حقيقة حالهم، حتى نظر الشعراء في تكذيب المنجمين، أشعاراً منها قصيدة مطلعها:
مزق التقويم والزيج فقد بان الخطأ إنما التقويم والزيج هباء وهوا2
3-
ما زعمه المنجمون من أن المعتصم لا يفتح عمورية، وراسلته الروم بأنا نجد ذلك في كتبنا، أنه لا تفتح مدينتنا إلا في وقت إدراك التين والعنب، وبيننا وبين ذلك الوقت شهور يمنعك من المقام بها البرد والثلج، فأبى أن ينصرف، وأكب عليها ففتحها، فأبطل ما قالوا، فأنشأ أبو تمام3 قصيدة يمدح المعتصم فيها، ويذكر حريق عمورية وفتحها، ويبين كذب المنجمين وفساد علمهم المزعوم فقال:
1 "تاريخ الطبري": (6/47)، و "الكامل" لابن الأثير:(3/343) .
2 انظر: "الكامل" لابن الأثير: (11/528)، و"البداية والنهاية":(12/340) .
3 هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، أبو تمام، شاعر، أديب، استقدمه المعتصم إلى بغداد وقدمه على نظراته، توفي سنة إحدى وثلاثين ومائتين. "أخبار أبي تمام": ص273، و"وفيات الأعيان":(2/11) .
السيف أصدق أنباء من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف في
متونهن جلاء الشك والريب
والعلم في شهب الأرماح اللامعة
بين الخمسين لا في السبعة الشهب
أين الرواية أم أين النجوم وما
صاغوه من زخرف فيها ومن كذب
تخرصًّا وأحاديث ملفقة
ليست بنبع إذا عدت ولا غرب
عجائباً زعموا الأيام مجفلة
عنهن في صفر الأصفار أو رجب
وخوفوا الناس من دهياء مظلمة
إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب
وصيروا الأبراج العليا مرتبة
ما كان منقلباً أو غير منقلب
يقضون بالأمر عنها وهي غافلة
ما دار في فلك منها وفي قطب
لو بينت قط أمراً قبل موقعه
لم تخف ما حل بالأوثان والصلب1
4-
ومن ذلك إجماع المنجمين في زمن الواثق بالله2 أنه يعيش في الخلافة دهراً طويلاً، وقدروا له خمسين سنة مستقبلة من يوم نظروا ولم يعش بعد ما نظروا إلا عشرة أيام ثم توفي3.
5-
ومن ذلك إجماع المنجمين على خراب العالم، وهلاك سائر المكونات بعد مضي تسعمائة وستين سنة4 وقد ظهر كذبهم.
1 انظر: "حكم علم النجوم": (ق13/ب)، و"شرح ديوان أبي تمام" للخطيب التبريزي:(1/44) .
2 هو هارون الواثق بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد، أحد الخلفاء العباسيين، توفي سنة اثنتين وثلاثين ومائتين. انظر:"تاريخ الطبري": (11/24)، و"سير أعلام النبلاء":(10/306) .
3 انظر: "تاريخ الطبري": (11/24)، و"البداية والنهاية":(32110-322) .
4 انظر: "مقدمة ابن خلدون": ص337.
??
6-
ومن ذلك اتفاقهم سنة اثنتين وتسعين ومائتين في قصة القرامطة على أن المكتفي بالله1 إن خرج لمقاتلتهم كان هو المغلوب الملزوم، وكان المسلمون قد لقوا منهم على توالي الأيام شراًّ عظيماً، وخطباً جسيماً، من ذلك أنهم قتلوا النساء والأطفال، واستباحوا الحريم والأموال، وهدموا المساجد، وربطوا فيها خيولهم ودوابهم، وقصدوا وفد الله وزوار بيته فأوقعوا فيهم القتل الذريع، والفعل الشنيع، وأباحوا محارم الله، فعزم المكتفي على الخروج إليهم بنفسه، فاجتمع المنجمون، وأشاروا على الخليفة أن لا يخرج فإنه إن خرج لم يرجع، وبخروجه تزول دولته، وبهذا تشهد النجوم التي يقضي بها طالع مولده، فخالفهم المكتفي بالله وخرج وأقام بالرقة حتى أخذ أعداء الله جميعاً، وسيقت جموعهم بالسيف2.
7-
ومن ذلك النكبات التي حلت بمن تقيد بهذا العلم في أفعاله وأسفاره، وغير ذلك من أحواله، وهي عبر يكفي العاقل بعضها في تكذيب هؤلاء القوم، ولا يكاد يعرف أحد تقيد بالنجوم في ما يأتيه ويذوره إلا نكب أقبح نكبة وأشنعها، مقابلة له بنقيض قصده، فمن ذلك:
حال أبي علي بن مقلة الوزير3، وتعظيمه لأحكام النجوم، ومراعاته
1 هو الخليفة العباسي، أبو محمد، علي بن المعتضد بالله أحمد بن الموفق العباسي، توفي شاباً سنة خمس وتسعين ومائتين. "تاريخ بغداد":(11/316)، و"سير أعلام النبلاء":(13/479) .
2 انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/143) .
3 هو أبو علي محمد بن الحسين بن علي بن مقلة، وزير من الشعراء، يضرب به المثل في حسن الحظ، توفي سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة. انظر:"تحفة الوزراء": ص124، و"البداية والنهاية":(11/27) .
لها أشد المراعات،
ودخوله داراً بناها بطالع زعم الكذابون أنه طالع سعد، ولا يرى به في الدار مكروهاً، فقطعت يده ولسانه، وخربت داره فصارت كوماً، ونكب أقبح نكبة نكبها وزير، حتى أنشده بعض الشعراء فيه فقال:
قل لابن مقلة: مهلاً لا تكن عجلاً
واصبر، فإنك في أضغاث أحلام
تبني بأحجر دور الناس مجتهداً
داراً ستهدم قنصاً بعد أيام
ما زلت تختار سعد المشتري لها
فكم نحوس به من نحس بهرام1
إن القران وبطليموس ما اجتمعا
في حال نقض ولا في حال إبرام2
ومن ذلك أيضاً أن المنجمين حكموا لحاكم بأمر الله بركوب الحمار على كل حال، وألزموه أن يتعاهد الجبل المقطم في أكثر الأيام، وينفرد وحده بخطاب زحل بما علموه إياه من الكلام، ويتعاهد فعل ما وضعوه له من البخورات والأعزام، وحكموا بأنه ما دام على ذلك، وهو يركب الحمار فهو سالم النفس عن كل إيذاء، فلزم ما أشاروا به عليه، فجعل الله العزيز العليم، رب الكواكب ومسخرها، ومدبرها أن هلاكه كان في ذلك الجبل، وعلى ذلك الحمار، فإنه خرج بحماره إلى ذلك الجبل على عادته، وانفرد بنفسه، منقطعاً عن موكبه، وقد استعد له قوم بسكاكين، فقطعوه هنالك للوقت والحين، ثم أعدموا جثته فلم يعلم لها خبر3.
1 بهرام يطلق على المريخ. انظر: "حكم علم النجوم": (ق3/أ) .
2 انظر: "تاريخ الإسلام" للذهبي، حوادث (321-330) : ص243، و"مفتاح دار السعادة":(2/144)، و"البداية والنهاية":(11/207-208) .
3 انظر: "الكامل" لابن الأثير: (9/314)، و"مفتاح دار السعادة":(2/139) .
والقصص في كذب المنجمين كثيرة جداً، وقتلى المنجمين لا يحصيهم إلا الله، وفيما ذكرناه كفاية في بيان فساد صناعتهم، وفي إظهار كذبهم.
الوجه الخامس: لو كان هذا العلم صحيحاً لحظي المنجمون بالغنى والسلامة والنعم، ومعلوم من واقعهم أن الأمر بالعكس، فالغالب في أحوال المنجمين ومن سمع منهم وعمل بقولهم الفقر والنحوسة والحرمان، والتاريخ أكبر شاهد على ذلك1.
الوجه السادس: أن هذه الصنعة –على فرض صحة أحكامها- فلا فائدة في حصول العلم بها، إذ إن الإنسان لا يقدر أن يزيد فيه سعداً، ولا ينقص منه نحساً، بشهادتهم على ذلك2، فضلاً عن المضرة الحاصلة الواقعة على مكتسب هذا العلم، وذلك أن متوقع السعادة يحصل له من قلق المتوقع، وحرقة الانتظار ما يقطعه عن منافعه، ويقصر به عن حركته اتكالاً على ما يأتيه، وتعويلاً على ما يصل إليه، ففكره منقسم، وقلبه معذب، بعد الدقائق والثواني شوقاً إلى ما وعد، فإذا تأخر السعد أو تخلف –وكثيراً ما يحدث- انقدح في القلب حسرة وندامة على ما فاته من السعد الموهوم فكانت مضرة على مضرة، أما متوقع النحس فهو حاصل له قبل وقوعه، لشدة رعبه من قدومه، ففكره لا ينصرف عنه، وعن التفكير فيه، فتبقى حياته منغصة حتى يحين موعده المزعوم، وقد يأتي وقد يتخلف، فعلم من ذلك أن هذه الصناعة ضارة بأهلها وبمن اعتقدها، معذبة لهم، سواء أكانت علماً صحيحاً أم فاسداً3.
1 انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/131-132) .
2 انظر: "المقابسات": ص120، وما بعدها، و"فرج المهموم": ص60-61.
3 انظر: "فرج المهموم": ص61-62.
الوجه السابع: اختلاف أصحابها في الأصول التي يبنون عليها أمرهم، ويفرغون عنها أحكامهم1 فمن ذلك:
أولاً: اختلافهم في البروج التي نؤثر في هذا العالم –بزعمهم-، والتي تبنى عليها أحكامهم، والاختلاف فيها في ثلاثة أمور:
الأمر الأول: في أسمائها: تختلف أسماء البروج بين أمم المنجمين اختلافاً بيناً، فالبروج عند اليونانيين والمصريين والعرب اثنا عشر برجاً، وهي: الحمل، والثور، والجوزاء، والسركان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت2.
أما الصينيون فالبروج عندهم كما يلي: برج الفأر، والقط، والحصان، والديك، والجاموس، والتنين، والماعز، والكلب، والنمر، والثعبان، والقرد، والخنزير3.
الأمر الثاني: اختلاف أحكامهم في دلالة هذه البروج على طباع الناس بناء على اختلافهم في أسمائهم، إذا أنهم جعلوا طبائع المولود تابعة لطبيعة الحيوان الذي سمي باسمه البرج الذي ولد فيه هذا المولود، ولنأخذ مثالاً على ذلك قول أبي معشر في مواليد برج الحمل باعتباره أول البروج عند اليونانيين ومن تابعهم قال: (المولود بهذا البرج يكون رجلاً أسمر اللون، طويل القامة، كبير الرأس، صعب المراس، سريع الغضب، قريب الرضا، سريع الانتقال من مكان إلى مكان، يقول
1 رسالة عيسى بن علي التي نقلها ابن القيم في "مفتاح دار السعادة": (2/150) .
2 انظر: "الأنواء في مواسم العرب": ص6، و"التفهيم في أوائل صناعة التنجيم": ص265.
3 انظر: "الأبراج الصينية": ص9.
الحق ويكره الباطل، لا يعمل إلا برأيه، ويكون استقلاله بمشورته فيه بعض فساد تارة، وتارة يستغني، حاله حسن، صبوراً على الأهوال)
فقد استمدوا بعض صفات الحمل وجعلوها صفات لمواليد هذا البرج كما مضى من قول أبي معشر: (سريع الغضب، قريب الرضا، وثاباً، سريع الانتقال من مكان إلى مكان..) وهذه صفات الحمل.
وكذلك فعل الصينيون إلا أنهم بحككم اختلافهم في البروج جعلوا للمولود صفات تختلف عن الصفات التي جعلها اليونانيون، فأول البروج عند الصينيين –كما سبق- برج الفأر، وقالوا في صفات من ولد فيه، (ولد الفأر في برج الفتنة، والعدوان، وهو يبدو للوهلة الأولى هادئاً متزناً.. فرحاً.. ولكن حذار، فإن تحت هذا المظهر الوديع يكمن مزيج من العدوان والقلق المتواصل.. والفأر خلاق للمواقف الحرجة، مهتم بتوافه الأمور، مختل الأعصاب أحياناً، بادئ بالتذمر دائماً، ويميل الفأر أن يكون ضمن مجموعة..) 2 وهذه صفات الفأر، طبقوها على من ولد في هذا البرج.
الأمر الثالث: اختلافهم في المدة التي تجعل لكل برج: لا شك أن اليوم الواحد، بل الساعة الواحدة لها أثر في اختلاف حكم النجوم المزعوم، فكيف لو امتدت المدة أشهراً؟؟ بلا ريب سيكون اختلاف واضحاً بين الحكمين –على حد زعمهم- إلا أننا نجد أن مدة كل برج عند اليونانيين وأتباعهم ما يقارب الشهر3، فيكون أثر هذا البرج خلال هذه
1 انظر: "كتاب بغية الطالب": ص11.
2 انظر: "الأبراج الصينية": ص11.
3 انظر: "الأنواء في مواسم العرب": ص6.
المدة1، أما الصينيون فقد جعلوا لكل برج من بروجهم سنة كاملة2، وهذا يجعل جميع مواليد أبراج اليونانيين تحت حكم واحد، وهذا البون الشاسع دلالة واضحة على كذب هؤلاء.
ثانياً: معرفة السعود من الكواكب والنحوس مهم عند المنجمين، إذ إن الحكم عند وجد كوكب سعد يختلف عن الحكم عند وجود كوكب نحس –على حد زعمهم- فمن ذلك قول ابن الفرخان3 في كتاب الأحكام:(معرفة سلامة المسئول عنه وضرره انظر كيف حال رب برج المسئول عنه والقمر، فإن وجدتهما ساقطين أو منحوسين، وكان القمر ناقصاً في نوره، والدليل للمسئول عنه راجع في سيره وهبوطه، دل على ضرر بالمسئول عنه، وإن كان مستقيماً، أو شرقياً، أو في شرفه، أو في شيء من حظوظه، أو مسعوداً كان القمر زائداً في نوره وكان في بعض حظوظه ولم يكن في هبوطه سليماً من النحوس، دل على سلامة بدن المسئول عنه) 4 فاختلافهم في السعد من الكواكب من النحس منها دليل على بهتان هؤلاء، لأنه يؤدي إلى صدور أحكام متضادة، ولو كان علم أحكام النجوم صحيحاً ما حصل هذا التضاد، لأن النجوم في سماء
1 انظر: "الأبراج" لحنا تادرس: ص19.
2 انظر: "الأبراج الصينية": ص8.
3 هو عمر بن الفرخان أبو حفص الطبري، أحد رؤساء الترجمة والمتحققي في علم حركات النجوم وأحكامها" توفي سنة مائتين.
"الفهرست" لابن النديم: ص381، و"تاريخ الحكماء": ص241، و"معجم المؤلفين":(7/304) .
4 "كتاب الأحكام" لابن الفرخان: (ق8/ب) .
الشعوب كلها واحدة، فوجود مثل هذا يدل على كذبهم في ادعاء أن هذه الأحكام صادرة من الكواكب، أو هي دالة عليها، فنجد أن مذهب أهل الهند أن السعود من الكواكب ثلاثة هي: المشتري، والزهرة، والقمر، والنحوس منها ثلاثة هي: زحل، والمريخ، والشمس، والمنقلب واحد: وهو عطارد، وسُمي بذلك لأن أحواله تنقلب فيكون سعداً مع السعد، ونحساً مع النحس1.
ومذهب البلخي: أن السعود من الكواكب أربعة: المشتري، والزهرة، والشمس، والقمر، والنحوس منها اثنان: زحل، والمريخ، والمنقلب: عطارد2.
ومنهم من يقول: إن القمر سعد إذا زاد نوره ونحس إذا نقص نوره.
ومنهم من يقول: إنه في العشر الأوائل من الشهر القمري لا سعد ولا نحس، وفي العشر الأوسط سعد، وفي الأخير نحس3.
والمنجمون من الرافضة يجعلون زحل من السعود، ويدعون أنه نجم الأنبياء والأوصياء4.
ثالثاً: اختلافهم في البروج المذكورة والبروج المؤنثة على مذاهب:
الأول: ذهبت طائفة منهم إلى ترتيب البروج المذكرة والمؤنثة من البرج الطالع، فعدوا واحداً مذكراً، وآخراً مؤنثاً، وابتدئوا من المذكر5.
1 انظر: "تحقيق ما للهند من مقولة": ص473.
2 "المدخل في النجوم" لأبي معشر: (ق5/ب) .
3 "كتاب التفهيم": ص234.
4 "فرج المهموم": ص93.
5 رسالة عيسى بن علي التي نقلها ابن القيم في "مفتاح دار السعادة": (2/152) .
الثاني: ذهبت طائفة أخلى إلى تقسيم البروج أربعة أجزاء، فجعلوا البروج المذكرة وهي التي من الطالع إلى وسط السماء، والتي يقابلها من الغرب إلى وتد الأرض1، والمربعان الباقيان مؤنثان2.
الثالث: ذهب أهل الهند وأبو معشر البلخي إلى تقسيم البروج. المذكرة والمؤنثة اعتباراً من برج الحمل فجعلوه مذكراً، ثم برج الثور أنثى، وهكذا الثالث ذكر والرابع أنثى
…
إلى آخر البروج3.
رابعاً: اختلافهم في كيفية معرفة السعادة من هذه الكواكب على أقوال:
القول الأول: قال بطليموس: يؤخذ دائماً العدد الذي يحصل من موضع الشمس إلى موضع القمر، ويبتدئ من الطالع فيرصد منه مثل ذلك العدد، ويؤخذ إلى الجهة التي تتلو البروج فيكون قد عرف موضع السهم.
القول الثاني: زعم غيره أنه يعد من الشمس، ثم يبتدئ من الطالع فيعد مثل ذلك إلى الجهة المتقدمة من البروج.
القول الثالث: قال الفرس: لأن الشمس لها نوبة النهار، والقمر له نوبة الليل، وكان سهم السعادة بالنهار يؤخذ من الشمس إلى القمر
1 قسم المنجمون الفلك إلى أربعة أقسام، كل ربع منها تسعون درجة، فإذا رقمنا هذه الأرباع، وبدأنا من الربع الأول الذي هو من أفق السماء إلى وسطها، فيكون المقصود الربع الأول والثالث. انظر:"رسائل إخوان الصفا": (1/127) .
2 انظر: "كتاب الأحكام" لعمر بن الفرخان: (ق10/ب) .
3 انظر: "المدخل في النجوم" لأبي معشر: (12/أ، ب)، و"تحقيق ما للهند من مقولة": ص479.
فوجب أن يؤخذ سهم السعادة بالليل من القمر إلى الشمس1.
خامساً: اختلفوا في اعتماد وقوع الخير والشر، والإعطاء والمنع، ونحو ذلك في العالم من الكواكب على أقوال:
الأول: على حسب السعود والنحوس.
الثاني: على حسب كونها من البروج الموافقة والمنافرة لها.
الثالث: على حسب نظر بعضها إلى بعض من التسديس والتربيع والتثليث
…
إلخ.
الرابع: على حسب كونها في شرفها وهبوطها2.
سادساً: اختلفوا في الحدود، والحدود هي: أقسام في البروج مختلفة ينسب كل قسم من كل برج إلى كوكب من الكواكب المتحيرة3، وتختلف الأحكام في البرج الواحد بحسب اختلاف هذه الأقسام، ووقوع هذه الكواكب فيها، فمن ذلك قول ابن أبي الشكر فيمن سأل عن دفين قال: (إن كان في الطالع عطارد فهو مدفون في الأرض، وإن كانت الزهرة فهو تحت فراش أو فرش، وإن كان المشتري ففي حائط، وإن كان زحل ففي قدر مظلم
…
) 4.
1 رسالة عيسى بن علي التي نقلها ابن القيم في "مفتاح دار السعادة": (2/151-152) .
2 المصدر نفسه: (2/150) .
3 انظر: "التفهيم": ص256.
والكواكب المتحيرة هي: المشتري، والزهرة، وعطارد، والمريخ، وزحل. كما سأبين ذلك في المتن إن شاء الله.
4 انظر: "المدخل المفيد": (ق1/أ) .
قلت: إنهم اختلفوا في تقسيم هذه الكواكب على هذه الأقسام، فالكلدانيون لهم تقسيم، وأهل الهند لهم تقسيم آخر، والمصريون لهم تقسيم آخر، وبطليموس له تقسيم يختلف عن جميع تقسيمات من سبق، ومثال اختلافهم في هذه التقسيمات جعل المصريون حدود الجدي –مثلاً- عطارد، والمشتري، والزهرة، وزحل، والمريخ، على الترتيب أما حدود الجدي عند بطليموس فهو الزهرة وعطارد والمشتري والمريخ وزحل على هذا الترتيب1، ولا يخفى على كل ذي لب أثر هذا الاختلاف على اختلاف الأحكام.
سابعاً: اختلفوا في تقويم الكواكب بالزيجات المختلفة، فبعضهم يقومها بزي بطليموس، وبعضهم يقومها بالسند هند، وبعضهم يقومها بالممتحن، وإذا اختلفت هذه الزيجات اختلف الحساب، وإذا اختلف الحساب اختلفت مواقع الكواكب في البروج عند الحساب، وإذا اختلفت دلائلها المزعومةـ وإذا اختلفت دلائلها اختلف القضاء بها، والحكم فيها، وإذا اختلف القضاء بها والحكم فيها وقع الخطأ والكذب لا محالة2، والكذب واقع في هذه الصناعة بكل حال.
ثامناً: من الأحوال المهمة التي يبنون عليها أحكامهم –بالإضافة إلى ما سبق- تقسيم الكواكب إلى مذكر ومؤنث ومشارك للجنسين، وإن كانت هذه القسمة وهمية، إلا أنها عندهم في غاية الأهمية، إذ بها تعرف الدلالة على الذكور والإناث في سائر أحكامهم، مثال ذلك دلالة الكواكب على المولود أذكر هو أم أنثى؟
1 انظر: "التفهيم": ص256.
2 انظر: "حكم علم النجوم": (ق18/ب) .
قال السجزي1: (الشمس في الطالع والطالع برج ذكر، وعدد الساعات فرد دليل على التذكير، وبالعكس الطالع برج ذو جسدين، وفيه كوكب ذكر وعدد الساعات فرد يدل على الذكر
…
) 2 وكذلك في دلالته على اللص هل هو ذكر أو أنثى أوخنثى3، وغير هذه من الأحكام –كثير يعتمد على تذكير الكواكب وتأنيثها- فقد اختلفوا أيضاً في هذا الأصل فمنهم من جعل الشمس وزحل والمشتري والمريخ ذكوراً، والزهرة والقمر أنثيان، وعطارد مشارك للجنسين4، ومنهم من جعل زحل كالمخصي5.
ومنهم من جعل المريخ أنثى، ومنهم من جعل أحياناُ أنثى، وأحياناً ذكر6.
ولو أردت أن أستقصي اختلافاتهم لما وسعتها مئات الأوراق، ولكن أكتفي بما ذكرت، وأشير إلى ما يحضرني منها، ومن أراد التوسع رجع إلى ما أذكره من مراجعها، فمن هذه الاختلافات اختلافهم في عدد السهام7، واختلافهم في الهيلاج والكداخداه8، واختلافهم في صداقة
1 هو أحمد بن محمد بن عبد الجليل، أبو سعيد السجزي، توفي سنة سبع وسبعين وأربعمائة. "أعيان الشيعة":(9/473)، و"هدية العارفين":(1/80)، و"معجم المؤلفين":(2/115) .
2 "الدلائل في أحكام النجوم": (ق14/ب) .
3 المصدر نفسه: (ق23/أ) .
4 "المدخل في النجوم" للبلخي: (ق12/ب) .
5 "التفهيم": ص234.
6 "المعاني في أحكام النجوم": (ق42/أ) .
7 انظر: "التفهيم": ص282.
8 هما دليلا أعمار الحيوان.
انظر للتعريف والاختلاف: "متاب المعاني في أحكام النجوم": (ق25/أ) .
الكواكب وعداوتها1، واختلافهم في درجات الفلك الثلاثمائة وستين درجة المذكر منها والمؤنث2، واختلافهم في عدد الدرجات لكل كوكب3، واختلافهم في صورة الفلك وشكله، وحركته، وصورة كواكبه، وأشكالها وحركاتها، وهل تتحرك بأنفسها أو بأفلاكها4؟
الوجه الثامن: أن هذه الصناعة تشتمل على أصول فاسدة كثيرة منها:
1-
دلالة الطالع على أحوال المولود: إن من أهم الأصول التي يبنى عليها المنجمون أحكامهم معرفة الطالع، وجعلوا الطالع هو النجم الذي يظهر في المشرق عند انفصال الولد من رحم أمه، وجعلوه دالاًّ على جميع أحوال المولود إلى آخر عمره، والذي يدل على هذا أقوال المنجمين أنفسهم، ومن هذه الأقوال قول أبي سعيد السجزي:(اعلم أن صاحب الطالع دليل حال المولود، فإن كان صالح الحال فإنه يدل في كل أموره على الصلاح، وإذا كان رديء الحال فإنه يدل على الفساد) 5، وهذا الأصل باطل من عدة أمور هي:
الأمر الأول: إنه لا ارتباط بين المولود وبين شكل الطالع إلا في شيء واحد وهو أن كلاًّ منهما ظهر بعد خفاء، ومجرد هذا الشبه لا يوجب الاستدلال بهذا الشكل على جميع أحوال الإنسان.
1 "التفهيم": ص260.
2 المصدر نفسه: ص269.
3 انظر: "حكم علم النجوم": (ق8/أ) .
4 انظر: المصدر نفسه: (ق18/ب) ، (ق19/أ) .
5 "كتاب المعاني في أحكام النجوم": (ق7/أ، ب) .
الأمر الثاني: أن الأجسام لا تنفعل من غيرها إلا بواسطة المماسة، وهذه الكواكب لا مماسة لها بأعضائها وأبداننا، وأرواحنا، فيمتنع كونها فاعلة فينا، إلا ما كان من وصول شعاع بعضها إلى أجسامنا.
الأمر الثالث: أن ذلك الشكل لم يحدث إلا في تلك اللحظة ثم يفنى ويزول، ويحدث شكل آخر، فهذا الشكل معدوم في جميع أجزاء عمر الولد إلا في تلك اللحظة فلا يكون علة ولا جزءاً من العلة لهذا المولود، وإذا كان كذلك امتنع الاستدلال به على جميع أجزاء عمره.
الأمر الرابع: أنه عند حدوث الطالع فإن أنواعاً من الحيوانات، والجمادات، والنباتات قد حدثت في ذلك الوقت، فلو كان ذلك الطالع يوجب آثاراً مخصوصة لحصلت لهذه الأشياء كذلك، فلما لم يحدث ذلك علمنا أن القول بتأثير الطالع باطل1.
الأمر الخامس: نفترض –جدلاً- أن الطالع له تأثير في أحوال المولود، فعلى هذا يكون اعتبار طالع الولادة خطأ، بل الأولى أن يكون طالع سقوط النطفة هو المعتبر لا طالع الولادة، وذلك لأن سقوط النطفة هو مبدأ التكوين، أما الولادة فهو انتقال من مكان إلى مكان بعد أن تم تكوينه وحدوثه، وطالع سقوط النطفة لا يمكن إدراكه، فدل ذلك على عدم إمكان حصول العلم بهذه الصناعة2.
أنهم يبنون صناعة التنجيم على السيارات السبع، ويعدونها فيخطئون لأنهم يحسبون القمر من السيارات وليس هو منها، ولا يحسبون
1 انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/130) .
2 المصدر السابق نفسه.
الكرة الأرضية، وهي في وسطها، وكان المنجمون الأقدمون يجهلون ثلاثاً من السيارات لأنها لم تكشف قبل اختراع المنظار المقرب، وهو أورانوس الذي اكتشف سنة 1781م، ونبتون الذي كشف في منتصف القرن الماضي، وبلوتس الذي كان معروفاً بالظن، ولم يعرف على وجه التحقيق قبل سنة 1930م1.
3-
أن المنجمين يذكرون بروج الفلك، ويذكرون سلطان كل برج منها كأنه ثابت في مكانه، وقد أثبت أخيراً أن البروج تنتقل من أماكنها فلا تتفق طوالع المواليد اليوم، وطوالعهم قبل ألف سنة ولا قبل مائة سنة، لأن مواضعها في أفلاك البروج لا تزال في انتقال واختلاف2.
4-
أن المنجمين حكموا على بعض الأجرام العلوية بالسعادة، وعلى بعضها بالنحوسة، مع إجماعهم أن هذه الأجرام غير قابلة في ذاتها للتأثيرات والتكوينات، ولا اختلاف في طباعها، فإن ادعوا أنهم قسموا هذا التقسيم من أجل ألوانها أو حركاتها البطيئة والسريعة فلا يستقيم، إذ ليس كل ما أشبه شيئاً بعرض من الأعراض يجب أن يكون شبيهاً به في طبعه، وأن يصدر عن كل واحد منهما ما يصدر عن الآخر3.
أن المنجمين جعلوا دلالة الكواكب على الأشياء السفلية على حسب اتفاق هذه الكواكب مع هذه الأشياء في اللون أو في الحركة، وهذا لا يصح إذ لو وجب أن يكون كل
1 انظر: مجلة الأزهر: عدد (2) ، ص134، مقال العقاد.
2 انظر: المصدر السابق.
3 انظر: "إبطال أحكام النجوم": (ق269) .
ما لونه من الكواكب شبيهاً بلون الدم مثل المريخ دليلاً على القتال وإراقة الدماء لوجب أن يكون كل ما لونه أحمر من الأجسام السفلية أيضاً دليلاً على ذلك، إذ هي أقرب منها، ولو وجب أن يكون كل ما حركته سريعة أو بطيئة من الكواكب دلائل على التباطئ والتسارع في الحوائج لوجب أن يكون كل بطيء، وكل سريع من الأجسام السفلية أدل عليها، إذ هي أقرب منها، وأشد اتصالاً، وكذلك الأمر في سائرها1.
6-
أن المنجمين قسموا الفلك إلى أجزاء من درجات، ودقائق، وثواب
…
وهذه الأجزاء المفترضة في الفك إما أن تكون متشابهة في الطبيعة والماهية، أو مختلفة فيها، فإن كانت متشابهة في الطبيعة والماهية كان الطالع مساوياً لسائر الأجزاء، وحكم سائر الأجزاء واحد، وإن كانت الأجزاء مختلفة وهذا ما يدعونه إذ أنهم جعلوا لكل جزء من الفلك طبيعة مختلفة2، فلا شك في فساد أحكامهم، لأن سرعة الفلك عظيمة جداً، حتى قالوا: إن الفرس شديد العدو إذا رفع رجله ووضعها يكون الفلك قد تحرك ثلاثة آلاف ميل، فإن كان كذلك فمن الوقت الذي ينفصل فيه الجنين عن بطن أمه إلى أن يأخذ المنجم الإسطرلاب وينظر في الفلك قد تحرك مسافات بعيدة جداً3.
وغير ذلك من الأصول الفاسدة التي شملتها هذه الصناعة.
الوجه التاسع: إن علم أحكام النجوم المزعوم مبني على معرفة مواضع الكواكب ومناسبتها مع بعضها، وهذا تتوقف معرفته على آلات الرصد، وهي لا تنفك عن شيء من الزلل، والخلل الذي لا يستطيع
1 انظر: المصدر نفسه: (ق270) .
2 انظر: "التفهيم": (ص269) .
3 انظر: "النبوات" للرازي: ص220، و"مفتاح دار السعادة":(2/133) .
الإنسان توفيه، وهذا ما اعترف به بعض كبرائهم منهم أبو سعيد السجزي، حيث قال:(وأما الموضع الذي يخطئ عامة المنجمين فيه أن تكون الدلالة الحسية على معرفة هيئة الفلك بالتغير، إما باعوجاج الآلات مثل الإسطرلاب فإنه يمكن أن يتغير آخر برج من البروج فيصير أول البروج الذي يليه، أو ما شكل ذلك) 1 بالإضافة إلى عدم مقدرتها على ضبط الثواني والثوالث والروابع والخوامس2
…
إلى آخر ذلك بما يعتمد عليه المنجمون، وذلك لسرعة جريان جرم الفلك3 ودقة هذه الأجرام مما يستحيل معه ضبطها.
الوجه العاشر: لو أن شخصين سألا منجمين في وقت واحد، وفي بلد واحد عن خصمين طالعها واحد أيهما يظفر بصاحبه؟ فإن دل الطالع على حال الغالب والمغلوب مع كونه مشتركاً بني الخصمين لزم أن يكون كل واحد منهما غالباً ومغلوباً، وهذا محال، إذ فيه اجتماع الضدين، واجتماعهما يستحيل حصوله4.
الوجه الحادي عشر: من المشاهد أنه يموت مجموعة كبيرة من الناس في ساعة واحدة، إما بغرق أو بقتل في حرب أو نحو ذلك، مع اختلاف
1 "كتب المعاني في أحكام النجوم": (ق5/ب) .
2 قسم المنجمون الفلك إلى اثني عشر قسماً، كل قسم منها يسمى برجاً، وكل برج ثلاثون درجة جملتها ثلاثمائة وستون درجة، وكل درجة ستون جزءاً يسمى دقيقة، وكل دقيقة ستون جزءاً يسمى ثانية، وكل ثانية ستون جزءاً يسمى ثالثة
…
وهكذا إلى الروابع والخوامس وما زاد بالغاً ما بلغ.
انظر: "رسائل إخوان الصفا": (1/115-116) .
3 انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/128) .
4 انظر: "النبوات": ص219-220، و"مفتاح دار السعادة":(2/131) .
أحوالهم، وتباين طبقاتهم، واختلاف طوالعهم، ودرجات نجومهم، ولو كان للطوالع تأثير لامتنع عند اختلافها الاشتراك في طريقة ووقت الموت، فإن قال المنجم: يؤخذ الحكم بين الطالع الذي ركبوا فيه، قيل له: يكون على مقتضى ذلك أن الطالع أبطل أحكام تلك الطوالع كلها على اختلافها، فيكون بهذا لا فائدة في أخذ الطوالع عند الولادة، ولا يوثق في أحكامها، إذا يحتمل أن كل طالع ينسخ حكم ما تقدم من أحكام الطوالع، فلا يبقى بهذا حكم يوثق به1.
الوجه الثاني عشر: ما هو معلوم بالحس والواقع أن الإنسان يستطيع أن يخالف ما يدعيه المنجم من الأحكام، وبهذا يتبين كذب المنجم إذ لو كانت حقاًّ وحتماً لما أمكن مخالفتها فصح أنها تخرص وتخمين2.
الوجه الثالث عشر: أن هذه الصناعة محتوية على أحكام كثيرة مستبشعة تقتضي التقرب إلى الكواكب وعبادتها، وهتك أعراض الناس بمجرد النون الكاذبة، وارتكاب الفواحش، وذم الإسلام وأهله، وتني هدم الإسلام وكسر الملة الإسلامية. فمن ذلك:
ما نقله الرازي عن أبي معشر أنه قال: (من أراد هذا العلم الشريف فلا بد أن يبتدئ بالقمر فإذا حصل منه مقصوده توسل به إلى سحر عطارد، وبهما إلى الزهرة، ثم بالثلاثة إلى الشمس لاسيما عطارد في وقت احتراقه
…
) 3 والتوسل من العبادة التي يجب أن تصرف لله وحده.
1 انظر: "الفصل": (5/150)، و"تفسير القرطبي":(19/28)، و"مفتاح دار السعادة":(2/132) .
2 انظر: "الفصل": (5/150)، و"مفتاح دار السعادة":(2/133-134) .
3 "السر المكتوم": (ق91/ب) .
وما ذكره الرازي أيضاً عن أبي معشر البلخي: (وينبغي إذا طلعت الزهرة بحيث يراها أن يكون أسباب المجلس مهيأة هكذا ثلاثة أيام، لايشتغل بشيء آخر سوى شرب الخمر، ويلوط، ويزني في كل ليلة، ثم في الليلة الثالثة إذا طلعت الزهرة يقوم ويخدمها إذا فرغ من جماع المغنية، ويظهر عشقه لها، ويشكو مايقاسي من حبها، ويذكر من الأشعار المذكورة في باب العشق بالعربية والفارسية ويتضرع إليها غاية التضرع، فإنه يصير مقبولاً، وعلامة ذلك أن تكثر أسباب اللهو، ويميل الغلمان والنساء إليه، ويدخلون عليه من غير طلبه) 1، وقال أيضاً:(الباب الثاني في القربانات والضابط في هذا الباب أن قربان كل كوكب حيوان يكون أشرف الحيوانات المنتسبة إليه) 2، وغير هذه الأقوال كثير تظهر فيها عبادة هذه الكواكب والتقرب لها بالفواحش، والمنكرات، وفعل كل قبيح، ومن هتك أعراض الناس.
قال عمر بن فرخان: (إذا أردت أن تعلم هل المرأة عفيفة أو فاسدة انظر فإن كان الطالع بيت زحل وفيه المريخ فإن المرأة زانية، وإن نظر المريخ مع هذا فهي زانية
…
فاسدة غير عفيفة، وإن كانت المسألة عن رجل، وكان الطالع بيت عطارد وفيه الزهرة فإنه لوطي
…
) 3.
وكذلك ما اتفق عليه المنجمون أن الإنسان إذا أراد أن يستجيب الله دعاءه جعل الرأس في وسط السماء مع المشتري أو شطراً منه، مقبل القمر، متصلاً به، أو منصرفاً عنه
…
فهنالك لا يشكو أن الإجابة
1 المصدر نفسه: (ق199/ب) .
2 المصدر نفسه: (ق207/أ) .
3 انظر: "كتاب الأحكام": (ق23/أ، ب) .
وذكر مثله أبو معشر في كتاب "مختصر الأسرار": (ق15/ب) .
حاصلة1.
وكذلك من أحكام المستبشعة أنهم جعلوا المشتري دالاًّ على الديانة النصرانية، وكوكب الزهرة دالاًّ على الإسلام2، مع دعواهم أن المشتري يقتضي معرفة الناس، وإصلاح ذات البين، والصداقة بينهم، والتمسك بالدين، والأمر بالمعروف، والزهرة تقتضي البطالة والاستهزاء، والرفض، وحب الخمر والعسل، واللعب بالشطرنج، والنرد، وكراهة الإيمان، والكذب، والفرح والخلاعة3.
وهذا ظاهر البطلان، إذ كل عاقل يعلم أن النصارى أعظم الملل جهلاً وضلالاً، وأكثرهم اشتغالاً بالملاهي وتعبداً بها4
وكيف تنطبق هذه الأوصاف عليهم وقد أخبر الله سبحانه عن هؤلاء بقوله: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ * قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ * وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ * وَتَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} 5، وقوله: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى
1 انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/142) .
2 انظر: "التفهيم": ص253، و"نثار الأزهار": ص162.
3 "التفهيم": ص251.
4 "مجموعة الفتاوى المصرية": (1/334) .
5 سورة المائدة، الآيات: 59-63.
لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} 1.
والفلاسفة متفقون على أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم الشرائع، وأن أمته أكمل الناس عقلاً وديناً وعلماً، حتى فلاسفة اليهود والنصارى لا يرتابون في أن المسلمين أفضل عقلاً وديناً من كل أمه.
ومن ذلك يتضح أن المسلمين أولى بالعلم والدين والعقل والعدل والأمر بالمعروف والجد باتفاق كل ذي عقل، والنصارى أبعد الناس عن ذلك2.
ومن هذا يتضح أيضاً ما يكنُّهُ هؤلاء تجاه الإسلام وأهله، وأقوالهم المستبشعة كثيرة جداًّ، غير ما ذكرت منها، فضلاً عن بشاعة صناعتهم نفسها، وما ذكرته من أقوالهم كافٍ في بيان حالهم.
وهذه الأوجه كلها دالة على أن هذه الصناعة فاسدة لا يوثق بها، بل إنها تعتمد على الظنون الكاذبة بشهادتهم على ذلك، وبشهادة الناس عليهم، وبالأدلة الأخرى الدالة على ذلك.
1 سورة المائدة، الآيتان: 78-79.
2 انظر: "مجموعة الفتاوى المصرية": (1/334-335) .