المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الخامس: شبهات المنجمين، والرد عليها - التنجيم والمنجمون وحكم ذلك في الإسلام

[عبد المجيد بن سالم المشعبي]

فهرس الكتاب

-

- ‌المقدمة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: أن الله هو المتفرد بالخلق، والمتصرف في الكون، والعالم بالغيب وحده

- ‌المطلب الثاني: تعريف التنجيم

- ‌المطلب الثالث: أقسام علم النجوم

- ‌الباب الأول: التنجيم في القديم والحاضر

- ‌الفصل الأول: التنجيم عند قوم إبراهيم

- ‌‌‌المبحث الأول: عبادة قوم إبراهيم للنجوم

- ‌المبحث الأول: عبادة قوم إبراهيم للنجوم

- ‌المبحث الثاني: لم يكن خليل الرحمن منجما

- ‌المطلب الأول: لم يكن خليل الرحمن متعلقا بالكواكب في قوله تعالى: {فلما جن عليه الليل وراء كوكبا قال هذا ربي فلما قال قال لا أحب الأفلين}

- ‌المطلب الثاني: لم يكن خليل الرحمن منجماً في قول الله تعالى: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ}

- ‌المطلب الثالث: لم يكن خليل الرحمن يعتقد أن للفلك تدبيراً في هذا الكون:

- ‌‌‌الفصل الثاني: تنزيه الأنبياء أن يكونوا منجمين

- ‌الفصل الثاني: تنزيه الأنبياء أن يكونوا منجمين

- ‌‌‌الفصل الثالث: التنجيم عند العرب في الجاهلية

- ‌الفصل الثالث: التنجيم عند العرب في الجاهلية

- ‌الفصل الرابع: دور أعداء الإسلام في نشر التنجيم

- ‌المبحث الأول: دور أهل الكتاب وغيرهم من المشركين في نشر التنجيم بين المسلمين

- ‌المبحث الثاني: دور الرافضة في نشر التنجيم بين المسلمين

- ‌‌‌الفصل الخامس: التنجيم في العصر الحاضر

- ‌الفصل الخامس: التنجيم في العصر الحاضر

- ‌الباب الثاني: أحكام التنجيم

- ‌‌‌الفصل الأول: الحكمة من خلق النجوم

- ‌الفصل الأول: الحكمة من خلق النجوم

- ‌‌‌الفصل الثاني: حكم الاستسقاء بالأنواء

- ‌الفصل الثاني: حكم الاستسقاء بالأنواء

- ‌‌‌الفصل الثالث: حكم تعلم علم الفلك

- ‌الفصل الثالث: حكم تعلم علم الفلك

- ‌‌‌الفصل الرابع: الأدلة على فساد صناعتهم، وأنها ظنون كاذبة

- ‌الفصل الرابع: الأدلة على فساد صناعتهم، وأنها ظنون كاذبة

- ‌‌‌الفصل الخامس: شبهات المنجمين، والرد عليها

- ‌الفصل الخامس: شبهات المنجمين، والرد عليها

- ‌الفصل السادس: حكم التنجيم

- ‌المبحث الأول: حكم العمل بالتنجيم

- ‌المبحث الثاني: حكم تعلم التنجيم دون العمل به

- ‌المبحث الثالث: حكم إتيان المنجمين، وتصديقهم بما يخبرون به

- ‌المبحث الرابع: حكم الأجرة المأخوذة على صناعة التنجيم، والواجب تجاه المنجمين

- ‌الباب الثالث: فيما يلحق بالتنجيم وما قد يظن أنه منه، وهو ليس منه

- ‌الفصل الأول: ما يلحق بالتنجيم

- ‌المبحث الأول: حروف أبي جاد، والاستدلال بها على

- ‌المبحبث الثاني: الخط على الرمل، وما يلحق به، والاستدلال به على المغيبات

- ‌الفصل الثاني: أمور ليست من التنجيم، وقد يظن أنها منه

- ‌المبحث الأول: توقع حدوث الكسوف والخسوف

- ‌المبحث الثاني: توقع حالة الجو

الفصل: ‌الفصل الخامس: شبهات المنجمين، والرد عليها

‌‌

‌الفصل الخامس: شبهات المنجمين، والرد عليها

الفصل الخامس: شبهات المنجمين، والرد عليها

الفصل الخامس: شبهات المنجمين، والرد عليها

إن المنجمين هو أفراخ الفلاسفة الذين عادوا الرسل، وكذبوا الشرائع، وأعلنوا التمرد والعصيان على الله، ومع ذلك نجد من انتسب للإسلام من هؤلاء المنجمين أرادوا أن يعززوا اعتقادهم في النجوم، ويؤيدوه بما كذبه معلوم ضرورة على الله ورسوله والصحابة رضي الله عنهم أجمعين

فحملوا الآيات على غير معناها، ولفقوا أقوالاً نسبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم تارة، وإلى صحابته رضوان الله عليهم تارة أخرى، مقتفين في ذلك أثر أهل الكتاب في الكذب على أنبيائهم، وتحريف كلام الله عن مواضعه، كما أخبر الله سبحانه بقوله:{مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً} 1. وسأبين –إن شاء الله تعالى- أهم شبهاتهم التي تمسكوا بها وهي ثلاث عشرة شبهة، أذكرها فيما يلي:

الشبهة الأولى: استدلالهم بالآيات الدالة على تعظيم هذه الكواكب منها:

قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} 2، قالوا: إن أكثر

1 سورة النساء، الآية:46.

2 سورة التكوير، الآيتان: 15-16.

ص: 233

المفسرين على أن المراد بالخنس والكنس الكواكب التي تسير راجعة تارة، ومستقيمة أخرى1.

2-

وقوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} 2، قالوا: قد صرح الله تعالى بتعظيم هذا القسم، وذلك يدل على غاية جلالة مواقع النجوم، ونهاية شرفها3.

3-

وقوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ} 4، قالوا: قد قال ابن عباس: الثاقب هو زحل لأنه يثقب بنوره سمك السماوات السبع5، وذكر الرافضة نحو قول ابن عباس عن جعفر الصادق6.

قالوا: إن الله تعالى بين إلهيته بكون هذه الكواكب تحت تدبيره وتسخيره فقال:} وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 7.

1 انظر: "فرج المهموم": ص108، وذكر ذلك الفخر الرازي ونقله عنه ابن القيم في "مفتاح دار السعادة":(2/186) . وقد بحثت عن هذه الاستدلالات فيما اطلعت عليه من كتب الرازي في مظان وجودها من هذه الكتب، وقد وجدت بعضها، ولم أجد الآخر، فما وجدته أثبته في موضعه.

2 سورة الواقعة، الآيتان: 75-76.

3 ذكر ذلك الرازي ونقله عن ابن القيم في "مفتاح دار السعادة": (2/186) .

وذكره أيضاً ابن طاووس في "فرج المهموم": ص108.

4 سورة الطارق، الآيات: 1-3.

5 ذكر ذلك الرازي ونقله عنه ابن القيم في "مفتاح دار السعادة": (2/186) .

6 انظر: "فرج المهموم": ص93، 108.

7 ذكر ذلك الرازي ونقله عنه ابن القيم في "مفتاح دار السعادة": (2/186) ، والآية (54) من سورة الأعراف.

ص: 234

الشبهة الثاني: استدلالهم بالآيات الدالة على أن لها تأثيراً في هذا العالم، كقوله تعالى:} فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً} 1، وقوله:{فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً} 2، قالوا: قال بعضهم: المراد هذه الكواكب3.

الشبهة الثالثة: استدلالهم بالآيات الدالة على أنه تعالى وضع حركات هذه الأجرام على وجه ينتفع بها في مصالح هذا العالم، فقال:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ} 4، وقال تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً} 5.

الشبهة الرابعة: استدلالهم بالآيات التالية:

1-

قوله تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} 6، قالوا: ولا يكون المراد من هذا كبر الجثة، لأن كل أحد يعلم ذلك، فوجب أن يكون المراد كبر القدر والشرف7.

1 سورة النازعات، الآية:5.

2 سورة الذاريات، الآية:4.

3 انظر: "التفسير الكبير": (31/31)، و"فرج المهموم": ص108، (إلا أن ابن طاووس اقتصر على الاستدلال بالآية الأولى)، وذكره ابن القيم عن الرازي أيضاً في "مفتاح دار السعادة":(2/186) .

4 سورة يونس، الآية:5.

5 سورة الفرقان، الآية:61.

6 سورة غافر، الآية:57.

7 ذكره الرازي ونقله عنه ابن القيم في "مفتاح دار السعادة": (2/186) .

ص: 235

2-

وقوله تعالى: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} 1، قالوا: لم يخلقها الله ليستدل الناس بتركيبها على وجود الصانع، إذ إن هذا القدر حاصل في تركيب البقة والبعوضة، وفي حصول الحياة في بنية الحيوانات على وجود الصانع دلالة أقوى من دلالة تركيب الأجرام الفلكية على وجود الصانع، لأن الحياة لا يقدر عليها أحد إلا الله، أما تركيب الأجسام وتأليفها فقد يقدر على جنسه غير الله، فلما كان هذا النوع من الحكمة حاصلاً في غير الأفلاك، ثم إنه تعالى خصها بهذا التشريف وهو قوله:{رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً} ، علما أن له تعالى في تخليقها أسراراً عالية، وحكماً بالغة، تتقاصر عقول البشر عن إدراكها2.

وقالوا: ويقرب من هذه الآية قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} 3، ولا يمكن أن يكون المراد أنه تعالى خلقها على وجه يمكن الاستدلال بها على وجود الصانع الحكيم، لأن كونها دالة على الافتقار إلى الصانع أمر ثابت لها لذاتها لأن كل متحيز محدث، وكل محدث فإنه مفتقر إلى الفاعل فثبت أن دلالة المتحيزات على وجود الفاعل أم ثابت لها لذواتها، وأعيانها4، وما كان كذلك لم يكن سبب الفعل والجعل، فلم يكن حمل قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا

1 سورة آل عمران، الآية:191.

2 انظر: "التفسير الكبير": (9/145)، ونقله عنه الرازي أيضاً ابن القيم في "مفتاح دار السعادة":(2/186) .

3 سورة ص، الآية:27.

4 هذا باطل وهو أصل قول المعطلة الذي نفوا به الصفات عن الله.

ص: 236

السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً} على هذا الوجه، فوجب حمله على الوجه الذي ذكرناه1.

الشبهة الخامسة: قالوا: إن الله تعالى حكى عن إبراهيم عليه السلام انه تمسك بعلم النجوم، فقال:{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} 2.

فلو لم يكن عالماً بالنجوم ما نظر فيها، ولا قال: إني سقيم3.

الشبهة السادسة: قالوا: إن إبراهيم عليه السلام لما استدل على إثبات الصانع تعالى بقول: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} ، قال له النمرود: أتدعي أنه يحيي ويميت بواسطة الطبائع والعناصر، أو لا بواسطة هذه الأشياء، فإن ادعيت الأول فذلك مما لا تجده البتة، لأن كل ما يحدث في هذا العالم فإنما يحدث بواسطة أحوال العناصر الأربعة والحركات الفلكية، وإذا ادعيت الثاني فمثل هذا الإحياء والإماتة حاصل مني، ومن كل أحد، فإن الرجل قد يكون سبباً لحدوث الولد لكن بواسطة تمزيج الطبائع، وتحريك الأجرام الفلكية –إلى أن قال- فثبت أن اعتماد إبراهيم الخليل عليه السلام معرفة ثبوت الصانع على الدلائل الفلكية، وأنه ما نازع الخصم في كون هذه الحوادث السفلية مرتبطة بالحركات الفلكية4.

1 انظر: "التفسير الكبير": (9/145)، ونقله ابن القيم عن الرازي في "مفتاح دار السعادة":(2/186-187) .

2 سورة الصافات، الآيتان: 88-89.

3 انظر: "التفسير الكبير": (26/147)، و"فرج المهموم": ص108، ونقله ابن القيم عن الرازي في "مفتاح دار السعادة":(2/186) .

4 انظر: "التفسير الكبير": (7/26)، ونقله ابن القيم عن الرازي في "مفتاح دار السعادة":(2/187) .

ص: 237

الشبهة السابعة: قالوا: إن اله وصف بعض الأيام بالنحوسة، فقال:{فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} 1، وزعموا أن جعفر الصادق قال:(كان القمر منحوساً بزحل)2.

الشبهة الثامنة: قالوا: إن كثيراً من الناس يظنون أن علم أحكام النجوم هو ادعاء الغيب، وليس الأمر كما ظنوا، لأن علم الغيب هو أن يعلم ما يكون بلا استدلال ولا علل، ولا سبب من الأسباب، وهذا لا يعلمه أحد من الخلق، كذلك لا منجم ولا كاهن، ولا نبي من الأنبياء، ولا ملك من الملائكة ولا يعلمه إلا الله عز وجل، فالمنجم إنما يخبر بما يظهر له من أدلة النجوم3.

الشبهة التاسعة: قالوا: لا يكون بعد علم القرآن علم أشرف من علم النجوم، وهو علم الأنبياء والأوصياء، وورثة الأنبياء الذين قال الله تعالى فيهم:{وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} 4، قالوا: ومما يدل على أنه علم الأنبياء ما يلي:

1-

ما جاء في الآثار أن أول من أعطي هذا العلم آدم، وذلك أنه عاش حين أدرك من ذريته أربعين ألفاً، وتفرقوا عنه في الأرض، وكان يغتم لخفاء خبرهم عليه، فأكرمه الله تعالى بهذا العلم، وكان إذا أراد أن يعرف حال أحدهم حسب له بهذا الحساب فيقف على حالته5.

1 سورة القمر، الآية:19.

2 انظر: "فرج المهموم": ص100-101.

3 انظر: "رسائل إخوان الصفا": (1/153)، ونقله الإمام الباجي عن المنجمين في "المنتقى":(1/334) .

4 سورة النحل، الآية:16.

5 نقله ابن القيم عن الرازي في "مفتاح دار السعادة": (2/188) .

ص: 238

وذكر ابن طاووس: أن الله تبارك وتعالى أهبط آدم من الجنة، وعرفه علم كل شيء، فكان مما عرفه النجوم والطب1.

2-

ما ورد عن إدريس أنه أول من حسب حساب النجوم2.

3-

أن الروايات الواردة في صفات النبي صلى الله عليه وسلم يفيد كثير منها أنه لم يكن كاهناً ولا ساحراً، وما وجدنا إلى الآن فيها وما كان عالماً بالنجوم، فلو كان المنجم كالكاهن والساحر ما كان يبعد أن تتضمنه بعض الروايات في ذلك الصفات3.

4-

الآثار التي تفيد أن علم النجوم من علوم النبوة منها:

ما ورد عن ميمون بن مهران أنه قال: (إياكم والتكذيب بالنجوم فإنه علم من علوم النبوة) 4، وما ورد عنه أيضاً أنه قال:(ثلاث ارفضوهن: لا تنازعوا أهل القدر، ولا تذكروا أصحاب نبيكم إلا بخير، وإياكم والتكذيب بالنجوم فإنه من علم النبوة)5.

الشبهة العاشرة: قالوا: إن الأحاديث الواردة في تعظيم الكواكب، والتشاؤم من بعضها فيها دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مؤيداً لعلم أحكام النجوم منها:

1 "فرج المهموم": ص22.

2 "رسائل إخوان الصفا": (1/138)، و"فرج المهموم": ص22.

3 "فرج المهموم": ص59.

4 "ربيع الأبرار": (1/117)، ونقله ابن القيم عن الرازي في "مفتاح دار السعادة":(2/188) .

5 نقله ابن القيم عن الرازي في "مفتاح دار السعادة": (2/188) .

ص: 239

1-

ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عند قضاء الحاجة عن استقبال الشمس والقمر واستدبارها1.

2-

أنه لما مات ولده إبراهيم انكسفت الشمس، ثم إن الناس قالوا: إنما انكسفت لموت إبراهيم، فقال:"إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة"2.

3-

ما روي عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ذكر القدر فأمسكوا، وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكر النجوم فأمسكوا"3.

4-

من الناس من يروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسافروا والقمر في العقرب) 4، وإن كان المحدثون لا يقبلونه5.

الشبهة الحادية عشرة: قالوا: إن بعض الآثار تدل على إثبات هذا العلم وهي كثيرة منها:

1-

قول عمر للعباس وهو يستقي: (يا عم رسول الله كم بقي من نوء الثريا؟) قال العباس: فإن العلماء بها يزعمون أنها تعترض في الأفق سبعاً6.

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (ومن اقتبس علماً من

1 لا أصل له، سبق الكلام عليه: ص102.

2 أخرجه الشيخان، سبق تخريجه: ص102.

3 حسن لغيره، سبق تخريجه: ص101.

4 موضوع. سبق تخريجه: ص99.

5 ذكره الرازي ونقله عنه ابن القيم في "مفتاح دار السعادة": (2/188) .

6 سبق تخريجه: ص153.

ص: 240

علم النجوم من حملة القرآن ازداد به إيماناً ويقيناً، ثم تلا: {إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ

} ) 1.

3-

ما تضمنته خطبة الأشباح من تصديق دلالة النجوم في النحوس والسعود، وذلك فيما روي عن علي رضي الله عنه في كتاب نهج البلاغة أنه قال في صفة السماء:(ورمي مسترق السمع بثواقب شهبها، وأجراها على أذلال2 تسخيرها من إثبات ثابتها، ومسير سائرها، وهبوطها وصعودها، ونحوسها وسعودها)3.

4-

مل يروى أن عليًّا رضي الله عنه كان يكره أن يسافر الرجل أو يتزوج في محاق الشهر، وإذا كان القمر في العقرب، وإن كان المحدثون لا يقبلونه4.

5-

ما رواه ابن طاووس بسنده، عن قيس بن سعد5 رضي الله عنه أنه قال: كنت أسائر أمير المؤمنين كثيراً إذا سار إلى وجه من الوجوه، فلما قصد أهل النهروان وصرنا بالمدائن، وكنت يومئذ مسايراً له،

1 "ربيع الأبرار": (1/117) .

2 الأذلال: المجاري والطرق.

انظر: "الصحاح": (4/1702) .

3 "نهج البلاغة": ص128.

4 انظر: "بيع الأبرار": (1/118)،وما نقله ابن القيم عن الرازي في "مفتاح دار السعادة":(2/188) .

5 هو قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي، الساعادي، أبو عبد الله، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن صاحبه، توفي في آخر خلافة معاوية رضي الله عنه.

انظر: "سير أعلام النبلاء": (3/102)، و"تهذيب التهذيب":(8/395)، و"الإصابة":(3/249) .

ص: 241

إذا خرج إلينا قوم من أهل المدائن من دهاقينهم1 معهم براذين2 قد جاءوا بها هدية إليه فقبلها، ومان فيمن تلقاه دهقان منهم كانت الفرس تحكم برأيه –فيما يعني- وترجع إلى قواه- إلى أن قال- فتبسم أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ثم قال: أيها الدهقان المنبئ بالأخبار، والمحذر من الأقدار، أتدري ما نزل البارحة في آخر الميزان؟ وأي نجم حل السرطان؟ قال: سأنظر ذلك، وأخرج من كمه اسطرلاباً وتقويماً، فقال: لا، قال: أفتقضي على الثابتات؟ قال: لا، قال: فأخبرني عن طول الأسد، وتباعده عن المطالع والمراجع؟ وما الزهرة من التوابع والجوامع؟ قال: لا علم لي بذلك، -إلى أن قال- قال: (يقصد عليًّا رضي الله عنه : هل علمت يا دهقان أن الملك اليوم انتقل من بيت إلى بيت في الصين، وتغلب برج ماجين، واحترقت دور بالزنج.. وهاج نمل السيح.. وعمي راهب عمورية، وسقطت شرفات القسطنطينية، أفعالم أنت بهذه الحوادث؟ وما الذي أحدثها شرقها أو غربها من الفلك؟ قال: لا علم لي بذلك.

قال: فبأي الكواكب تقضي في أعلى القطب؟ وبأيها ينحس من تنحس؟ قال: لا علم لي بذلك

3.

1 الدّهقان: بكسر الدال وضمها، كلمة فارسية معربة، يقصد بها التاجر.

انظر: "لسان العرب": (13/163) .

2 البراذين: الخيل.

انظر: "لسان العرب": (13/51) .

3 انظر: "فرج المهموم": ص102-104.

ص: 242

6-

ما روي عن الوليد بن جميع1، قال: رأيت عكرمة2 يسأل رجلاً عن حساب النجوم، والرجل يتحرج أن يخبره، فقال عكرمة: سمعت ابن عباس يقول: هو علم عجز الناس عنه، ولوددت أني علمته3.

7-

قال ابن عباس لعكرمة مولاه: اخرج فانظر كم بقي من الليل؟ فقال: إني لا أبصر النجوم، فقال ابن عباس: نحن نتحدى بك فتيان العرب وأنت لا تبصر النجوم، وقال: وددت أن أعرف (الهفت دوازده) ، يريد النجوم السبعة –السيارة، والبروج الاثنى عشر4.

عن عكرمة قال: قيل لابن عباس: إن هاهنا رجلاً يهودياً يتكهن ويخبر، فبعث عبد الله بن عباس إليه فجاءه فقال: يا يهودي، بلغني

1 هو الوليد بن عبد الله بن جميع، الزهري، الكوفي، وثقه ابن معين والعجلي، وقال أحمد، وأبو زرعة: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال ابن حبان: فحش تفرده، فبطل الاحتجاج به، وقال الحاكم: لو لم يذكره مسلم لكان أولى.

قال ابن حجر في "التقريب": صدوق يهم، ورمي بالتشيع.

انظر: "الجرح والتعديل": (9/8)، و"ميزان الاعتدال":(4/337-338)، و"تهذيب التهذيب":(11/138-139)، و"التقريب":(7432) .

2 هو عكرمة البربري مولى ابن عباس، تابعي، وثقه جماعة، واعتمده البخاري، أما مسلم فتجنبه وروى له قليلاً مقروناً بغيره، وتكلم فيه لرأيه لا لحفظه، فاتهم برأي الخوارج، قال ابن حجر في "التقريب": ثقة، ثبت، عالم بالتفسير، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر، ولا تثبت عنه بدعة. انظر:"الجرح والتعديل": (7/7)، و"ميزان الاعتدال":(3/93-97)، و"تهذيب التهذيب":(7/263-273)، و"التقريب":(4673) .

3 أخرجه الخطيب في "حكم علم النجوم": (ق10/ب)، وأورده الزمخشري في "ربيع الأبرار":(1/117) . واستدل به ابن طاووس في "فرج المهموم": ص110.

4 "ربيع الأبرار": (1/118) .

ص: 243

أنك تخبر بالغيب. قال: أما الغيب فلا يعلم إلا الله، ولكن إن شئت أخبرتك، قال: هات، قال: لك ولد له عشر سنين يختلف إلى الكتاب؟ قال: نعم، قال: فإنه يأتي محموماً من الكتاب، ويموت يوم العاشر، وأما أنت فلا تخرج من الدنيا حتى يذهب بصرك، فقال: هذا ما أخبرتني به عن ابني ونفسي، فأخبرني عن نفسك؟ قال: أموت رأس السنة، قال عكرمة: فجاء ابن عباس محموماً من الكتاب، ومات في اليوم العاشر، فلما كان رأس السنة، قال ابن عباس: يا عكرمة انظر ما فعل اليهودي. فأتيت أهله، فقالوا: مات أمس، ثم ما خرج ابن عباس من الدنيا حتى ذهب بصره1.

9-

روي أن الشافعي كان عالماً بالنجوم، وجاء لبعض جيرانه ولد، فحكم له الشافعي أن هذا الولد ينبغي أن يكون على العضو الفلاني منه خال صفته كذا وكذا، فوجد الأمر كما قال2.

10-

ما روي عن أئمة الشيعة –المزعومين- من تأييدهم لهذا العلم، ومن ذلك:

(إن رجلاً سأل أبا جعفر الصادق، فقال: جعلت لك الفداء، إن الناس يقولن: إن النجوم لا يحل النظر فيها وهي تعجبني، فإن كانت تضر بديني فلا حاجة لي بشيء يضر بديني، وإن كانت لا تضر بديني فو الله إني لأشتهيها، وأشتهي النظر فيها، فقال عليه السلام: ليس

1 "فرج المهموم": ص110-111، وأورده القرطبي في "تفسيره":(14/82) .

واستدل به الرازي كما ذكر ذلك ابن القيم في "مفتاح دار السعادة": (2/188) .

2 انظر: "مناقب الشافعي" للرازي: ص328.

وذكره الرازي فيما نقله ابن القيم عنه في "مفتاح دار السعادة": (2/188) .

ص: 244

كما يقولون لا تضر بدينك، ثم قال: إنكم تنظرون في شيء منها كثيره لا يدرك وقليله لا ينتفع به) 1.

ومن ذلك أيضاً ما روي عنه أنه سئل عن علم النجوم، فقال:

(ما يعلمها إلا أهل بيت من العرب وأهل بيت من الهند) 2، وما روي عنه أيضاً أنه قال:(إن الله تعالى خلق زحل في الفلك السابع من ماء بارد، وخلق سائر النجوم الستة الجاريات من ماء حار، وهو نجم الأنبياء والأوصياء، وهو نجم أمير المؤمنين عليه السلام يأمر بالخروج من الدنيا والزهد فيها، ويأمر بافتراش التراب، وتوسد اللبن، وأكل الجشب3، وما خلق الله نجماً أقرب إليه منه سبحانه) 4، وغيرها من الروايات كثير، وقد أطال ابن طاووس في ذكر مثل هذه الأقوال، وكلها تهدف إلى إلصاق التنجيم بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.

الشبهة الثانية عشرة: زعمهم اعتراف الناس قديماً وحديثاً بعلم أحكام النجوم، ومن ذلك:

1- إخبار آزر منجم النمرود عن ظهور مولود يكون هلاك النمرود على يده5.

أن الله تعالى حكى عن فرعون أنه كان يذبح أبناء بني إسرائيل، ويستحيي نساءهم والمفسرون قالوا: إن ذلك إنما كان لأن المنجمين

1 "فرج المهموم": ص86.

2 المصدر السابق نفسه: ص87.

3 أي: الغيط الخشن. انظر: "الصحاح": (1/99) .

4 "فرج المهموم": ص91.

5 "فرج المهموم": ص24.

ص: 245

أخبروه بأنه سيجيء ولد من بني إسرائيل، ويكون هلاكه على يده1.

3-

إخبار منجمي اليهود، ومنجمي الروم، ومنجمي الفرس، بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم2.

4-

أن هذا العلم ما خلت عنه ملة من الملل، ولا أمة من الأمم، ولا يعرف تاريخ من التواريخ القديمة والحديثة إلا وكان أهل ذلك الزمان مشتغلين بهذا العلم ومعولين عليه في معرفة المصالح، ولو كان هذا العلم فاسداً بالكلية لاستحال إطباق أهل المشرق والمغرب من أول بناء العالم إلى آخره عليه3.

الشبهة الثالثة عشرة: أن المنجمين اختبروا عدة طوالع، فكان الحكم كما ذكروا، ومن ذلك:

ما روي في عهد أردشير بن باك أنه قال في العهد الذي كتبه لولده: لولا اليقين بالبوار الذي على رأس ألف سنة لكنت أكتب لكم كتاباً إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً، وعني بالبوار ما أخبره المنجمون من أنه يزول ملكهم عند رأس ألف سنة من ملك آخر ملوك الفرس قبل ملوك الطوائف.

والمراد منه زوال دولتهم وظهور دولة الإسلام.

1 "فرج المهموم": ص27، وذكره الرازي فيما نقله ابن القيم عنه في "مفتاح دار السعادة":(2/188) .

2 "فرج المهموم": ص29-32.

3 انظر: "كتاب النبوات" للرازي: ص216.

ونقله ابن القيم عن الرازي في "مفتاح دار السعادة": (2/188-189) .

ص: 246

وروي أنه دخل الفضل بن سهل على المأمون في اليوم الذي قتل فيه، وأخبره أنه يقتل في هذا اليوم بين الماء والنار، وأنكر المأمون ذلك عليه، وقوي قلبه، ثم ما اتفق أنه دخل الحكام فقتل في الحمام، وكان الأمر كما أخبر ثم قال الرازي: واعلم أن التجارب في هذا الباب كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية1. وأطال ابن طاووس في ذكر مثل هذه الحوادث، وجاء بقرني حمار2 لتدعيم مذهبه به.

وهذه غاية أدلتهم، وقد نفضوا ما في جعبتهم، ورموا الكلام على عواهنه3.

وسأبين إن شاء الله تعالى سقوط استدلالاتهم هذه، وكشف أباطيلهم وتمويهاتهم، والله المستعان على ذلك، والرد عليهم بما يأتي:

الرد على الشبهة الأولى: وهي أن إقسام الله بالكواكب ومواقعها دال على أن لها تأثيراً في هذا العالم واستدلوا بالآيات الثلاث الآنفة الذكر.

والرد عليهم أن هذه الآيات قد اختلف المفسرون في تفسيرها4، وعلى القول بأن المراد من تفسير هذه الآيات هي الكواكب لا حجة لهم فيها، وذلك لما يأتي:

1 انظر ما ذكره ابن القيم عن الرازي في "مفتاح دار السعادة": (2/189) .

2 يطلق هذا المثمل على الرجل إذا جاء بالكذب والباطل.

انظر: "مجمع الأمثال" للميداني: (1/166) .

3 هذا المثل يطلق على الرجل إذا قال الكلام ولم يبال أصاب أم أخطأ.

انظر: "مجمع الأمثال" للميداني: (1/308) .

4 اختلف العلماء في تفسير قوله تعالى:} فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ {، هل المراد بالكواكب أم غيرها، وفي وقوله:} فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ {، هل المراد نجوم القرآن أو الكواكب؟ انظر على الترتيب:"تفسير القرطبي": (19/236) ، (17/223) .

ص: 247

1-

إن هذه الآيات دالة على أن الله أقسم بهذه الكواكب كما أقسم بغيرها من المخلوقات، وإن كان في إقسامه بالكواكب دلالة على أن لها تأثيراً في هذا العالم بالسعود والنحوس، أو أنها علامات على ذلك، وجب أن يكون لليل والنهار، والسماء والأرض، والنفس، والضحى، والتين، والزيتون، والفجر

تأثير في هذا العالم، أو أنها دلالات على السعود والنحوس، فإذا بطل هذا بطل استدلالهم1.

2-

إن هذا القسم وأمثاله ليس فيه تعظيم هذه المخلوقات، وإنما فيه تعظيم خالقها تبارك وتعالى، وتنزيه له عما نسبه إليه المعطلون لربوبيته، وإلهيته، فهذا القسم لا يقرر علم أحكام النجوم كما يزعم المفترون، بل يقرر ربوبية خالق هذه النجوم، ووحدانيته، وتفرده بالخلق، والإبداع2.

أما استدلالهم بالآية الرابعة من الشبهة الأولى وهو أن الله بين إلهيته يكون هذه الكواكب تحت تدبيره وتسخيره بقوله: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 3.

ويرد عليهم بما يأتي:

1-

إن هذا دليل عليهم لا لهم، إذ إن هذه الآية متضمنة لانفراد الله بالخلق والأمر، فكيف يكون لهذه الكواكب أمر أو تصرف، وقد انفرد الله بذلك؟

1 انظر: "مجموعة الفتاوى المصرية": (1/229-230)، و"مفتاح دار السعادة":(2/192) .

2 انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/190-191) .

3 سورة الأعراف، الآية:54.

??

ص: 248

قال الطبري رحمه الله: (وخلق الشمس والقمر، والنجوم، كل ذلك بأمره، أمرهن الله فأطعن أمره، ألا لله الخلق كله، والأمر الذي لا يخالف ولا يرد أمره دون ما سواه من الأشياء التي لا تضر ولا تنفع ولا تأمر، تبارك الله معبودنا الذي له عبادة كل شيء رب العالمين)1.

2-

إن كون هذه الكواكب مسخرة مدبرة مقهورة لا يدل على أن لها تأثيراً في هذا العالم بالسعود والنحوس، ونحو ذلك أو أنها دلالات على ذلك، ولو دل على هذا لدل قوله تعالى:{أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} 2 على أن للطير تأثيراً في هذا العالم أو أنه دلالة على السعود والنحوس والموت والحياة ونحو ذلك.

وكذلك الفلك والأنهار، بل كل ما في السموات والأرض لقوله تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} 3، فإن كان هذا مردوداً فقولهم من باب أولى4.

أما الشبهة الثانية: وهي أن الله أخبر أن لهذه الكواكب تأثيراً في العالم بقوله: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً} 5، وقوله:{فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً} 6، فالرد عليها:

1 "تفسير الطبري": (8/205-206) .

2 سورة النحل، الآية:79.

3 سورة الجاثية، الآية:13.

4 مستفاد من "مجموعة الفتاوى المصرية": (1/229) .

5 سورة النازعات، الآية:5.

6 سورة الذاريات، الآية4.

ص: 249

أن جمهور المفسرين ذهبوا إلى أن المقصود بالمدبرات في الآية الأولى الملائكة، وهذا ما تشهد له النصوص الأخرى، كقوله تعالى:{تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} 1، وقوله:{لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} 2، وأما على القول بأنها الكواكب فلا دليل عليه، سوى أنه قول قيل، وإذا حملت الآية على أن المقصود الكواكب يكون المعنى مدبرة لنفسها بالطلوع والأفول على وفق ما أمرها الله3، أما قوله:{فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً} ، فلم أجد من خالف في أنها الملائكة وفي ذلك قال ابن القيم: لم يقل أحد من أهل التفسير أنها النجوم، بل قالوا: هي الملائكة، فتفسير الآية بأنها النجوم كذل على الله، وعلى المفسرين4.

أما شبهتهم الثالثة: وهي أن الله جعل حركات هذه الأجرام على وجه ينتفع بها في مصالح هذا العالم، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ} 5، فليس فيها دلالة على ما يزعمونه من أحكام النجوم، بل ذكر الله وجه الانتفاع من هذه الأجرام وهو الضياء والنور، ومعرفة حساب الأيام والشهور والأعوام6. ولو كان لها

1 سورة القدر، الآية:4.

2 انظر: "تفسير القرطبي": (19/194)، و"أضواء البيان":(9/24) ، والآية (6) من سورة التحريم.

3 انظر: "تفسير القرطبي": (19/194) .

4 "مفتاح دار السعادة": (2/193-194) .

5 سورة يونس، الآية:5.

6 انظر: "تفسير ابن كثير": (2/407) .

ص: 250

أثر في هذا العالم كما يدعيه هؤلاء لكان الأليق ذكر ما تقتضيه هذه الكواكب من السعد والنحس، والخير والشر في هذا العالم، إذ إن هذا أعظم في العبرة من مجرد الضياء1.

واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً} 2، وكذلك هذه الآية ليس لهم دلالة فيها، إذ إنها تتضمن ثناء الله وتمجيده وتعظيمه لنفسه على ما خلق في السماء من الكواكب العظام أو القصور أو النجوم3 على اختلاف المفسرين في ذلك، وخلق فيها الشمس سراجاً والقمر نوراً.

فأي دلالة في ذكر هذه المخلوقات على أحكام النجوم؟ ولو كان لهذه المخلوقات دلالات وآثار في العالم لكان ذكرها أليق في هذا المقام4.

أما الشبهة الرابعة: فالرد عيها من شقين:

الشق الأول: إن استدلالهم بقوله تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} 5.

وقولهم: (ليس المراد هو كبر الجثة لأن هذا أمر معروف، فوجب أن يكون المراد كبر القدر والشرف) . استدلال في غاية الفساد، لأن المراد من الخلق هنا الفعل لا المفعول، وهذا من أبلغ الأدلة على إعادة الخلق يوم القيامة، أي أن الله هو الذي خلق السماوات والأرض، وخلقهما أكبر

1 انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/194-195) .

2 سورة الفرقان، الآية:61.

3 انظر: "تفسير الطبري"، (19/29) .

4 انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/195-196) .

5 سورة غافر، الآية:57.

ص: 251

من خلقكم، فكيف يعجزه خلقكم بعد ما تموتون، ونظير هذا قوله تعالى:{أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ 1} ، فهذا استدلال بشمول القدرة للنوعين، وأنها صالحة لهما، فلا يجوز أن تثبت تعلقهما بأحد المقدورين دون الآخر.

فهذا هو المقصود من الآية، ولم يتعرض فيها لأحكام النجوم بوجه قط، ولا لتأثير الكواكب، ولا لتعظيمها2.

الشق الثاني: ويشتمل على أمرين:

الأمر الأول: استدلالهم بقوله تعالى: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} 3، وقولهم: إن الله لم يخلق السماوات والأرض ليستدل بهما على وجود الصانع، لأن هذا القدر موجود في تركيب البقة والبعوضة، بل وجود الحياة في الحيوانات أبلغ في الدلالة على الصانع، لأن الحياة لا يقدر على إيجادها أحد إلا الله، فدل ذلك على أن في خلقها أسراراً عالية، وحكماً بالغة، لذلك خصها الله بالتشريف بقوله:{رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً} .

والرد عليهم من ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: لا ريب أن خلق السموات والأرض من أعظم الأدلة على وجود فاطرهما وكمال قدرته وعلمه وحكمته، وانفراده بالربوبية والوحدانية، ومن سوى بين ذلك وبين البقة والبعوضة، وجعل العبرة

1 سورة يس، الآية:81.

2 انظر: "تفسير الطبري": (24/77)، و"مفتاح دار السعادة":(2/198)، و"تفسير ابن كثير":(4/85) .

3 سورة آل عمران، الآية:191.

ص: 252

والدلالة والعلم بوجوب الرب الخالق منهما سواء،

فقد كابر وخالف ما هو معلوم من الشرع والعقل، فقد قال الله تعالى:{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} 1.

وأين الدلالة في خلق العالم العلوي والسفلي إلى خلق البقة والبعوضة؟ فكيف يسمح لعاقل عقله أن يسوي بينهما، ويجعل الدلالة من هذا كالدلالة من الآخر؟ 2.

الوجه الثاني: أن الله سبحانه إنما يذكر للدلالة عليه أظهر المخلوقات للحس والعقل، وأبينها دلالة، وأعجبها صنعة، كالسماء والأرض والشمس والقمر، والجبال، والإبل ونحو ذلك، ولا يدعو عباده إلى التفكر في القمل والبراغيث والبعوضة ونحوها، وإنما يذكر من ذلك في سياق ضرب الأمثال مبالغة في الاحتقار والضعف كقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} 3، وما في معناها من الآيات.

الوجه الثالث: أو قوله تعالى: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً} لا يختص بالسماوات والأرض، بمعنى أن الله لا يخلق شيئاً باطلاً، سواء أكان هذا الخلق هو السماوات والأرض أو غيره، وذلك لدلالة قوله:{سُبْحَانَكَ} وهي بمعنى تنزيه الله أن يخلق شيئاً باطلاً4.

فعلم من ذلك أن التشريف الذي ادعاه الرازي لا يختص بالسماوات والأرض، بل هو في جميع المخلوقات، فإن كان هذا التشريف دالاً على

1 سورة غافر، الآية:57.

2 انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/198-199) .

3 انظر: المصدر نفسه: (2/199) ، والآية (26) من سورة البقرة.

4 انظر: "تفسير ابن كثير": (1/439) .

ص: 253

أسرار عالية، وحكم بليغة لزمه إجراء ذلك على جميع ما في الكون، وإن انتفى ذلك انتفى استدلالهم.

أما الأمر الثاني: وهو استدلالهم بقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً} 1، وقولهم: لا يمكن أن يكون الله تعالى خلقها للاستدلال بها على الصانع لأن افتقارها إلى الصانع أمر ظاهر، وما كان كذلك لم يكن سبب الفعل والجعل، لذلك لا يمكن حمل الآية على ذلك، فوجب حملها على دلالتها على الأسرار الجليلة والحكم البليغة، والجواب عليه من وجهين:

الوجه الأول: أن هذه الآية من أقوى الأدلة وأبينها على بطلان قول المنجمين والدهرية الذين يسندون جميع ما في العالم من الخير والشر إلى النجوم وحركاتها واتصالاتها، وأن ادعاءهم أن لهذه الكواكب تصرفاً في هذا الكون، أو أنها مشاركة لله في علم الغيب، وإحالة حوادث العالم على حركات الكواكب وادعاء أن هذا العالم خلق عبثاً، وترك سدى، وخلي هملاً هو الباطل الذي نفاه الله عن نفسه في هذه الآية، قال تعالى:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} 2.

الوجه الثاني: أنه قوله لا يمكن أن يقال: المراد أنه خلقها على وجه يمكن الاستدلال بها على الصانع الحكيم

إلى آخر قوله مبني على أصل فاسد يكرره الرازي في كتبه وهو أن الذوات ليست بمجعولة للدلالة

1 سورة ص، الآية:27.

2 انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/200-201) ، والآيتان (115-116) من سورة المؤمنون.

ص: 254

على الصانع بفعل الفاعل،

وهذا مما أنكره أهل العلم والإيمان، وقالوا: إن كونها ذواتاً، وأن وجودها وأوصافها، وكل ما ينسب إليها هو بفعل الفاعل، وبجعل الجاعل، فهو الذي جعل الذوات والصفات، وثبوت دلالتها لذاتها لا تنفي أن تكون بجعل الجاعل، فإنه لما جعلها على هذه الصفة مستلزمة لدلالتها عليه، كانت دلالتها عليه بجعله1.

وبهذا يتبين بطلان استدلاله هذا.

أما الرد على الشبهة الخامسة والسادسة فقد تقدم في مبحث (لم يكن خليل الرحمن منجماً) ، ما يغني عن إعادته.

أما الشبهة السابعة: وهي أن الله وصف بعض الأيام بالنحوسة بقوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} 2، وقوله:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ} 3، فالرد عليها من ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: أن الأيام التي أوقع الله سبحانه فيها العقوبة بأعدائه، وأعداء رسله كانت أياماً نحسات عليهم، لأن النحس أصابهم فيها، وأن كانت أيام خير لأوليائه المؤمنين، فهي نحس على المكذبين سعد للمؤمنين، وهذا كيوم القيامة فإنه عسير على الكافرين، يوم نحس عليهم، يسير على المؤمنين يوم سعد لهم، فسعود الأيام ونحوستها، إنما هو بحسب الأعمال، وموافقتها لمرضاة الله عز وجل، ونحوس الأعمال ومخالفتها لما جاءت به الرسل، لأن الأيام منحوسة في ذاتها4.

1 انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/202) .

2 سورة القمر، الآية:19.

3 سورة فصلت، الآية:16.

4 انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/194) .

ص: 255

الوجه الثاني: أن اليوم الواحد يكون سعداً لطائفة، ونحساً لطائفة، كما كان يوم بدر يوم سعد للمؤمنين ويوم نحس على الكافرين، فما للكواكب والطالع والقرانات وهذا السعد والنحس؟ ولو كان المؤثر في النحس هو الكواكب والطالع لكان نحساً على العالم كله، فأما أن يؤثر الكوكب بالنحس على طائفة وبالسعد على أخرى، فهذا محال1.

الوجه الثالث: أن {مُسْتَمِرٌّ} صفة للنحس لا لليوم، أي لا يقلع عنهم كما تقلع مصائب الدنيا عن أهلها، بل هذا النحس دائم على هؤلاء المكذبين للرسل2.

وأما ما روي عن جعفر الصادق في ذلك فهو كذب عليه –كما سيأتي بيانه في الرد على الشبهة الحادية عشرة إن شاء الله.

أما الشبهة الثامنة: وهي أن علم أحكام النجوم ليست ادعاء لعلم الغيب، لأن علم الغيب هو أن يعلم ما يكون بلا استدلال ولا علل، ولا سبب من الأسباب، وهذا لا يعلمه إلا الله، وعلم أحكام النجوم ليس من جنس هذا، فالرد عليها من وجهين هما:

الوجه الأول: أن هذا قول من لا يعلم معنى الغيب، لأن الغيب هو كل ما غاب عنك3، والأشياء التي يخبر بها المنجم مما غاب عنه.

الوجه الثاني: لو كان الأمر كما ذهب إليه هذا القائل لما تصور أن

1 انظر: المصدر السابق نفسه.

2 انظر: المصدر نفسه.

3 انظر: "الصحاح": (1/196)، و"تفسير الطبري":(1/102)، و"تفسير القرطبي":(1/163) .

ص: 256

يكون غيب ينفرد الباري بعلمه، لأن على قولهم الفاسد ما من شيء كان ويكون إلا والنجوم تدل عليه1.

أما الشبهة التاسعة والعاشرة: فالرد عليها قد تقدم في فصل (تنزيه الأنبياء أن يكونوا منجمين) ما يغني عن إعادته.

أما الشبهة الحادية عشرة: وهي الآثار التي تدل على صحة هذا العلم فالرد على مسلكين: مسلك إجمالي، ومسلك تفصيلي:

-المسلك الإجمالي:

ويرد عليه فيه من ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: أن أكثر هذه الآثار مكذوبة على من نسبت إليه، وما صح منها حرفها هؤلاء عن معانيها الصحيحة، وصرفوها إلى معان توافق أهواءهم في تأييد مذهبهم.

الوجه الثاني: أن الأدلة صريحة في عدم جواز هذا العلم كما سأبينها إن شاء الله في فصل حكم التنجيم، والأدلة على فساد صناعتهم واضحة في فساد هذا العلم كما بسطتها في فصل الأدلة على فساد صناعتهم وأنها ظنون كاذبة، وهذه الأدلة كافية في بيان فساد أي شبهة يتمسك بها هؤلاء.

الوجه الثالث: أن هذه الآثار حتى وإن صحت ليس لهم حجة فيها، إذ إن الحجة في كتاب الله تعالى وفي أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته، وما خالف شيئاً من ذلك ضرب به عرض الحائط.

1 "المنتقى" للباجي: (1/334) .

ص: 257

-المسلك التفصيلي:

وسوف أستعرض فيه شبهاتهم بالتفصيل، وأورد عليها إن شاء الله فاستدلالهم بالأثر الأول وهو سؤال عمر للعباس وهو يستسقي كم بقي من نوء الثريا؟ لا دلالة لهم فيه على صحة أحكام النجوم، ولا على جوازه إذ المقصود من كلام عمر رضي الله عنه كم بقي من وقت نوء الثريا؟ ليعرف الناس أن الله قدر الأمطار في أوقات معينة فيما جربوا، كما علموا أنه قدر الحر والبرد بما جربوا في أوقات1.

وأوقات الأمطار، وأوقات الحر والبرد، يمكن أن تدل التجربة عليها لأن هذه الأوقات متكررة في كل عام، أما ما يدعونه من دلالتها على السعود والنحوس فلا يمكن معرفتها إن سلمنا جدلاً بوجودها، فكيف وهي غير موجودة أصلاً؟

أما استدلالهم بالأثر الثاني وهو ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: (من أتقتبس علماً من النجوم من حملة القرآن ازداد به إيماناً ويقيناً، ثم تلا قوله تعالى: {إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ

} ) 2.

فمقصود علي رضي الله عنه –إن صح عنه- علم التسيير، لا علم أحكام النجوم، بدليل قراءته لهذه الآية الكريمة.

قال ابن كثير في معنى الآية: (وقوله: {إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} أي تعاقبهما إذا جاء هذا ذهب هذا، وإذا ذهب هذا جاء هذا، وقوله:{وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي الآيات الدالة على

1 انظر: "الأم": (1/223) .

2 سورة يونس، الآية:6.

ص: 258

عظمته) 1، ومن هذا تبين أن هذه الآية بم تتعرض لأحكام النجوم بوجه، بل دلت على علم التسيير.

أما استدلالهم بالأمر الثالث، وهو ما ورد في كتاب نهج البلاغة أن علياًّ رضي الله عنه مثبتاً لنحوس الكواكب وسعودها لهذه النجوم فيرد عليه من وجهين:

الوجه الأول: أين إسناد هذا النقل، بحيث ينقله ثقة عن ثقة، متصلاً إليه؟ وهذا لم يوجد في هذه الرواية قط، وإنما وجد مثل هذا في كتاب نهج البلاغة وأمثاله، وأهل العلم يعلمون أن أكثر خطب هذا الكتاب مفتراة على عليّ رضي الله عنه، ولهذا لا يوجد غالبها في كتاب مقدم، ولا لها إسناد معروف، فهذا الذي نقلها من أين نقلها؟ ونحن في هذا المقام ليس من الضروري علينا أن نبين أن هذا كذب، بل تكفينا المطالبة بصحة النقل، فإن اله لم يوجب على الخلق أن يصدقوا بما لم يقم دليل على صدقه، بل هذا ممتنع بالاتفاق2.

الوجه الثاني: أن هذا الكلام مما يعلم قطعاً كذب نسبته إلى عليّ رضي الله عنه، إذ كيف يثبت ذلك، وقد علم من حاله النكير على المنجمين، ومن اعتقد اعتقادهم؟ كما ورد في قصته مع المنجم الذي لقيه عندما أراد الخروج لقتال الخوارج، وقد خالف قول المنجم، بل وخطب الناس محذراً من أمثال هؤلاء3.

1 "تفسير ابن كثير": (2/407) .

2 انظر: "منهاج السنة": (7/86-87) .

3 انظر: "تاريخ الطبري": (6/47) .

ص: 259

مما يدل دلالة قاطعة على كذب أية رواية تنسب إلى عليّ رضي الله عنه في تأييد التنجيم.

أما الأمر الرابع، وهو ما يروي عن عليّ أنه كان يكره السفر والزواج في المحاق، وإذا نزل القمر في العقرب، فالرد عليه من وجهين:

الوجه الأول: أن هذا الأثر لا يثبت عن عليّ رضي الله عنه1.

الوجه الثاني: على فرض صحة هذا الأثر عن عليّ رضي الله عنه ليس فيه تعرض لإثبات أحكام النجوم، بل يحمل ما روي عن عليّ في ذلك على محبته ابتداء الأعمال والأسفار في أول النهار، وأول الشهر، وأول العام، تطبيقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"اللهم بارك لأمتي في بكورها" 2، لذا كره رضي الله عنه أن يبتدأ بالأسفار والأعمال في نهاية الشهر، وأين هذا من علم أحكام النجوم3؟

1 حكم عليه تبن القيم والصاغاني بالوضع، وصححه السيوطي، وقال السخاوي والعجلوني (يشهد له ما في سؤلات ابن الجنيد لابن معين) لأن ابن الجنيد ذكره ليحيى بن معين، فلم ينكره، قال ابن حجر في ذلك:(أراد ابن الجنيد تضعيف عمر "بن المجاشع" برواية هذا المنكر، فإن المعروف عن عليّ الإنكار على من يعتقد ذلك.. والآفة في هذا الخبر من إبراهيم بن ناصح)، انظر:"موضوعات الصاغاني": ص53، و"مفتاح دار السعادة":(2/214)، و"التذكرة في الأحاديث المشتهرة": ص57) ، و"لسان الميزان":(4/324)، و"المقاصد الحسنة":(ص717)، و"الدرر المنتشرة":(رقم الحديث 467)، و"كشف الخفا":(2/472) .

2 أخرجه الترمذي، وأحمد في "مسنده":(1/154) .

حسنه الترمذي والنووي، وصححه الألباني، وعبد العزيز رباح، وأحمد الدقاق، ووافقهما شعيب الأرنؤوط. انظر:"رياض الصالحين": (رقم الحديث 955)، و"صحيح الجامع":(رقم 1311)، و"مشكاة المصابيح":(رقم 3908) .

3 انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/216) .

ص: 260

أما الأثر الخامس، وهو ما أورده ابن طاووس من حكاية الدهقان مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه فلا يثبت عن عليّ، بل هو موضوع، وحاشا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعي مثل ذلك، ومدار هذا الخبر على أبي محمد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري وهو رافضي راوية المناكير1، حتى متن الرواية يفوح من الكذب بصورة لا تجعل لقارئه أدنى شك في الحكم بوضعه.

أما الأثر السادس والسابع، وهما ما ورد عن ابن عباس أنه قال:"علم عجز الناس عنه، ولوددت أني علمته"، وقال أيضاً:"وددت أني أعرف النجوم السبعة السيارة، والبروج الاثني عشر".

فليس فيهما دلالة على ما يزعمون، إذ إن هذه الآثار ليس فيها ذكر أحكام النجوم، بل هي محمولة على علم التسيير، ويتضح ذلك من أربعة أوجه:

الوجه الأول: أن عكرمة سأل الرجل عن حساب النجوم، وحساب النجوم هو علم التسيير، إلا أن الرجل ظن أنه محظور لما سمع التغليظ الوارد في علم النجوم، وحسب أنه على العموم2.

الوجه الثاني: أن ابن عباس قال: إنه علم من علوم النبوة، وعلم أحكام النجوم ليس من علوم الأنبياء –كما بينت هذه في فصل تنزيه الأنبياء أن يكونوا منجمين –بل نسبة ذلك إليهم من جنس نسبة السحر إليهم.

1 انظر: "ميزان الاعتدال"، و"لسان الميزان":(6/182) .

2 انظر: "حكم علم النجوم": (ق10/ب) .

ص: 261

الوجه الثالث: أن ابن عباس أمر مولاه أن ينظر كم بقي من الليل؟ ولم يأمره أن ينظر في سعود الكواكب ونحوسها، واتصالاتها مع بعضها كما هو معروف عند أصحاب هذا الشأن.

الوجه الرابع: أن ابن عباس تمنى أن يتعلم النجوم السيارة، والبروج الاثني عشر وهو يعرفها، كما ذكرت ذلك في فصل حكم تعلم علم الفلك، مما يشير إلى ضعف الرواية الثانية، وعلى فرض التسليم بصحة نسبتها إليه، فهو لم يتمن معرفة أحكام النجوم، والفرق واضح بين تعلم هذه وتعلم علم أحكام النجوم.

أما الأثر الثامن: وهو ما ذكره الرازي وغيره عن اليهودي، الذي أخبر ابن عباس بما أخبر فالرد عليه من وجهين:

الوجه الأول: أن المشهور عن ابن عباس بغض المنجمين والكذابين، لا تقريبهم وسؤالهم وتصديقهم، وعلى فرض صحتها فلا دلالة لهم فيها إذ إن هذا الخبر من جنس أخبار الكهان بشيء من المغيبات التي حكم عليها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها ليست بشيء1.

الوجه الثاني: أي حجة في فعل هذا اليهودي، وهل نحن متعبدون بما يفعله اليهود والنصارى؟

وهذه الحكاية كما أنها لا تدل على جواز هذا العلم، فكذلك لا تدل على صحته، فإن تصدق هذا المنجم في هذه الحكاية –إن صحت الرواية- فله بلا شك من الكذب أضعاف ما صدق فيها، فإن استدلوا

1 تنظر: "مفتاح دار السعادة": (2/217) .

ص: 262

بصدق هذا المنجم على صحة علم أحكام النجوم استدللنا بكذبه على بطلان هذا العلم1.

أما الأثر التاسع: وهو استدلالهم بما روي أن الشافعي كان عالماً بالنجوم، وأنه حكم بأحكامها على عمر مولود، فيرد عليهم بما يلي:

إنهم نسبوا الشافعي وحكموه فيه بأحكام ليعجز عن مثلها أئمة المنجمين، والذي غرهم في ذلك –والله أعلم- أبو عبد الله الحاكم حيث صنف في مناقب الشافعي كتاباً كبيراً، وجعل الباب الرابع والعشرين منه في معرفة الشافعي بتسيير الكواكب من علم النجوم، وذكر فيه حكايات للشافعي تدل على تصحيحه لأحكام النجوم، ثم لما صنف الرازي في مناقب الشافعي اعتمد اعتماد على هذا الكتاب، والذي غر الحاكم من هذه الحكايات تساهله في إسنادها2، وفينا يلي سأبينها وأبين حالها ليتبين أن نسبة ذلك إلى الشافعي كذب عليه وهي ثلاث حكايات أوردها ابن القيم عن الحاكم، وهي:

الحكاية الأولى: ما رواه الحاكم بسنده عن عبد الله بن محمد البلوي3، قال: حدثه خاله قال: (كنت صديقاً لمحمد بن

1 مستفاد من رسالة عيسى بن عليّ التي أوردها ابن القيم في "مفتاح دار السعادة": (2/185) .

2 انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/219) .

3 هو عبد الله بن محمد البلوي، يروي عن خاله عمارة بن زيد، قال الدارقطني: يضع الحديث، قال الذهبي: روى عنه أبو عوانة في "صحيحه" في الاستسقاء خبراً موضوعاً، قال ابن حجر: هو صاحب رحلة الشافعي طولها ونمقها، وغالب ما أورده فيها مختلف.

انظر: "ميزان الاعتدال": (2/491)، و"لسان الميزان":(3/338) .

??

ص: 263

الحسن1،

فدخلت معه يوماً على هارون الرشيد، فسأله، ثم إني سمعت محمد بن الحسن وهو يقول: إن محمد بن إدريس يزعم أن للخلافة أهلاً، قال: فاستشاط هارون من قوله غضباً، ثم قال: علي به، فلما مثل بين يديه أطرق ساعة، ثم رفع رأسه إليه، فقال: إيه، قال الشافعي: ما إيه يا أمير المؤمنين، أنت الداعي وأنا المدعو وأنت السائل وأنا المجيب

فذكر حكاية طويلة سأله فيها عن العلوم ومعرفته بها –إلى أن قال- كيف علمك بالنجوم؟ قال: أعرف الفلك الدائر، والنجم السائر، والقطب الثابت والمائي والناري، وما كانت العرب تسمية الأنواء، ومنازل النيرين، والشمس والقمر، والاستقامة والرجوع، والنحوس والسعود، وهيأتها وطبائعها، وما أستدل به من بري وبحري، وأستدل في أوقات صلاتي، وأعرف ما مضى من الأوقات في كل ممسي ومصبح، وظعني في أسفاري، قال: فكيف علمك بالطب؟ قال: أعرف ما قالت الروم

بلغاتهم، وما نقل عن أطباء العرب، وفلاسفة الهند، ونمقته علماء الفرس

) 2، ثم ساق سائر العلوم عمل هذا النحو في حكاية طويلة، والرد عليها من أربعة أوجه:

الوجه الأول: أن هذه الحكاية يعلم من له علم بالمنقولات منها أنها

1 هو محمد بن الحسن بن فرقد، فقيه العراق، أبو عبد الله الشيباني، الكوفي، صاحب أبي حنيفة، توفي سنة تسع وثمانين ومائة. انظر:"تاريخ بغداد": (2/172)، و"سير أعلام النبلاء":(9/134)، و"البداية والنهاية":(20/202) .

2 انظر: "مناقب الشافعي" للبيهقي: ص130، و"مناقب الشافعي" للرازي: ص71، و"مفتاح دار السعادة":(2/219-220) .

ص: 264

كذب مختلق، وإفك مفترى على الشافعي1، إذ إن في إسنادها محمد بن عبد الله البلوي، وهو كذاب وضاع2.

الوجه الثاني: لم يكن أبو يوسف ومحمد بن الحسن سعياً في أذى الشافعي قط، إذ إن تعظيم محمد للشافعي ومحبته له، وتعظيم الشافعي له، وثناؤه عليه هو المعروف وهو يدفع هذا الكذب3.

الوجه الثالث: أن الشافعي لم يعرف لغة هؤلاء اليونان البتة، حتى يقول:(إني أعرف ما قالوه بلغاتهم)4.

الوجه الرابع: أن الشافعي رحمه الله لم يكن عنده من الطب إلا طرف من طب العرب، حفظ عنه في منثور كلامه، فأما أن يعلم طب اليونان والروم والهند والفرس بلغاتهم فهذا بهت وكذب عليه5.

وقد احتوت القصة على غير هذه الأكاذيب الشيء الكثير، وفيما سبق ذكره كفاية في بيان بطلانها.

الحكاية الثانية: قال الحاكم: أخبرنا أبو الوليد الفقيه6 قال: حدثت

1 انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية": (20/331)، و"مفتاح دار السعادة":(2/220)، و"كشف الخفا":(2/544) .

2 انظر: "ميزان الاعتدال": (2/491)، و"مفتاح دار السعادة":(2/220)، و"لسان الميزان":(3/338) .

3 انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية": (20/331)، و"مفتاح دار السعادة":(2/220) .

4 انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/220) .

5 المصدر نفسه.

6 هو حسان بن محمد بن أحمد القرشي الأموي، أبو الوليد النيسابوري، من شيوخ الحاكم، وأحد أئمة الشافعية، وكان إمام أهل الحديث بخراسان، توفي سنة تسع وأربعين وثلاثمائة.

انظر: "البداية والنهاية": (11/252)، و"طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة":(1/126، 193) .

ص: 265

عن الحسن بن سفيان1 عن حرملة2،

قال: (كان الشافعي يديم النظر في كتب النجوم، وكان له صديق وعنده جارية قد حبلت، فقال: إنها تلد إلى سبعة وعشرين يومأً، ويكون في فخذ الولد الأيسر خال أسود، ويعيش أربعة وعشرين يوماً ثم يموت، فجاءت به على النعت الذي وصف، وانقضت مدته فمات، فأحرق الشافعي بعد ذلك تلك الكتب، وما عاود النظر في شيء منها) 3، ويرد عليها من وجهين هما:

الوجه الأول: هذا الإسناد رجاله ثقات، لكن الشأن فيمن حدث أبا الوليد بهذه الحكاية عن الحسن بن سفيان وبهذا يكون إسناده منقطعاً4.

1 هو الحسين بن سفيان بن عامر بن عبد العزيز النسوي، أبو العباس، مصنف "المسند"، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وذكر أن أبي حاتم أنه صدوق. وقال الحاكم: كان محدث خراسان توفي سنة ثلاث وثلاثمائة. انظر: "الجرح والتعديل": (3/16)، و"سير أعلام النبلاء":(14/157)، و"ميزان الاعتدال":(1/492)، و"طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة:(1/92)، و"لسان الميزان":(2/211) .

2 هو حرملة بن يحيى بن عبد الله التجيبي، أبو حفص، المصري، أحد الأئمة الثقات، قال أبو حاتم: لا يحتج به، وضعفه عبد الله بن محمد، وقال ابن عدي: قد تبحرت حديث حرملة، وفتشته فلم أجد في حديثه ما يجب أن يضعف من أجله، وقال الذهبي: يكفيه أن ابن معين أثنى عليه، توفي سنة ثلاث وأربعين ومائتين. انظر:"ميزان الاعتدال": (1/472)، و"تهذيب التهذيب":(2/229) .

3 "مناقب الشافعي" للبيهقي: (2/126)، و"مفتاح دار السعادة":(2/220) .

4 انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/221) .

وقد حكم الحافظ ابن القيم بالانقطاع في موضعين، الموضع الأول: في قول أبي الوليد الفقيه حدثت، والموضع الثاني: في قول الحسن بن سفيان عن حرملة.

قلت: إن الحسن بن سفيان من الرواة عن حرملة.

انظر: "ميزان الاعتدال": (1/472-473) ولم يذكر أحد عن الحسن بن سفيان أنه كان مدلساً، ولا عرف بالتدليس. انظر:"طبقات المدلسين" لابن حجر، و"جامع التحصيل في أحكام المراسيل" للعلائي، و"التبيين في أسماء المدلسين" لسبط بن العجمي.

لذلك لا أرى أن الموضع الثاني من مواضع الانقطاع في الحديث.

ص: 266

الوجه الثاني: أنه ليس هناك طالع للولادة يقتضي هذا كله، إنما الطالع عند المنجمين طالعان، هما طالع مسقط النطفة، وهو الطالع الأصلي، وهذا لا سبيل إليه إلا في أندر النادر بزعمهم، والثاني طالع الولادة، وهم معترفون أنه لا يدل على أحوال الوالد وجزئيات أمره لأنه انتقال الولد من مكان إلى مكان، وإنما أخذوه بدلاً من الطالع الأصلي لما تعذر عليهم اعتباره، وهذه الحكاية ليس فيها أخذ أحد الطالعين، والمنجم يقطع بأن الحكم على هذا الولد لا سبيل إليه، وليس في صناعة النجوم ما يمكن الحكم عليه، والحالة هذه، وهذا يدل على أن هذه الحكاية كذب مختلق على الشافعي1.

الحكاية الثالثة: وهي ما رواه الحاكم أيضاً: أنبأني عبد الرحمن بن الحسن القاضي2 أن زكريا بن يحيى الساجي3 حدثهم أخبرني أحمد بن

1 انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/221) .

2 هو عبد الرحمن بن الحسن بن عبيد الأسدي، قال صالح بن أحمد: ادعى الرواية عن إبراهيم بن ديزيل فذهب علمه، وقال القاس بن أبي صالح يكذب.

وقال الدارقطني: رأيت في كتبه تخاليط، وقال أبو يعقوب بن الدخيل: لم يحمدوا أمره. انظر: "تاريخ بغداد": (10/292)، و"ميزان الاعتدال":(2/556)، و"لسان الميزان":(3/411) .

3 هو زكريا بن يحيى الساجي، أبو الحسين الحافظ البصري، قال الذهبي: أحد الإثبات ما علمت فيه جرحاً أصلاً، ووافقه ابن حجر على ذلك. توفي سنة سبع وثلاثمائة. انظر:"الجرح والتعديل": (3/601)، و"ميزان الاعتدال":(2/79)، و"لسان الميزان":(2/488) .

ص: 267

محمد ابن بنت الشافعي1 قال:

سمعت أبي يقول: (كان الشافعي وهو حدث ينظر في النجوم، وما نظر في شيء إلا فاق فيه، فجلس يوماً وامرأة تلد، فحسب فقال: تلد جارية عوراء على فرجها خال أسود وتموت إلى كذا وكذا، فولدت فكان كما قال، فجعل على نفسه ألا ينظر فيه أبداً) 2، والرد عليها من ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: أن في إسناد هذا الأثر عبد الرحمن بن الحسن وهو ضعيف3.

1 هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع بن السايب المطلبي، الشافعي، وهو ابن بنت الإمام الشافعي، واسم أمه زينب، كان واسع العلم جليلاً فاضلاً، لم يكن في آل شافع بعد الإمام أجل منه، كان أبوه من فقهاء أصحاب الشافعي، فتفقه على أبيه، وروى الكثير عنه عن الشافعي، توفي سنة خمس وتسعين ومائتين.

انظر: "تهذيب الأسماء واللغات": (2/296)، و"طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة":(1/75) .

2 انظر: "مناقب الشافعي" للبيهقي: (2/125-126)، و"مناقب الشافعي" للرازي: ص328، و"سير أعلام النبلاء":(10/57)، و"مفتاح دار السعادة":(2/221) .

3 قال ابن القيم في "مفتاح دار السعادة": (إن ابن بنت الشافعي لم يلق الشافعي والشأن فيمن حدثه بهذا)، قلت: وهذا القول محل نظر، لأن ابن بنت الشافعي روى هذا الخبر عن أبيه، وأبوه قد لقي الشافعي، بل روى الكثير عن أبيه عن الشافعي، لذا لم تكن هذه هي علة هذا الأثر، بل العلة التي يرد بها هذا الأثر في عبد الرحمن بن الحسن –كما هو مبين في المتن-.

ص: 268

الوجه الثاني: أن تنزيه الشافعي عن هذا هو الذي ينبغي أن يكون من مناقبه فأما أنن يذكر من مناقبه أنه كان منجماً يرى القول بأحكام النجوم وتصحيحها، فهذا فعل من يذم بما يظنه مدحاً1.

الوجه الثالث: إذا كان الشافعي شديد الإنكار على المتكلمين مزرياً بهم2، فلا بد أن رأيه أشد في المنجمين وأمثالهم3.

أما الاستدلال العاشر وهو استدلال الرافضة بأن أئمتهم –على حد زعمهم- يؤيدون هذا العلم، بل يعلمونه، ويعلمون به فالرد عليه من ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: أن ما روي من هذه الآثار من أكاذيب الشيعة على آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخصوصاً على علي بن أبي طالب وجعفر الصادق رضي الله عنهما، قال ابن تيمية رحمه الله: (ونحن نعلم من أحوال أمتنا أنه قد أضيف إلى جعفر الصادق، وليس هو بنبي من الأنبياء من جنس هذه الأمور –يقصد من جنس علم النجوم الذي نسب إلى إدريس –عليه السلام، ما يعلم كل عالم بحال جعفر رضي الله عنه أن ذلك كذب عليه، فإن الكذب عليه من أعظم الكذب، حتى أنهم قد نسبوا إليه أحكام الحركات السفلية

، والعلماء يعلمون أنه بريء من ذلك كله) 4.

الوجه الثاني: أن بعض الرافضة أورد كثيراً من النصوص عن أئمتهم المزعومين تفيد رد هذه الصناعة وإبطالها، وذم من يعمل بها، مما يبين

1 "مفتاح دار السعادة": (2/221) .

2 انظر: "مناقب الشافعي" للرازي: ص99.

3 انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/221) .

4 انظر: "مجموعة الفتاوى المصرية": (1/332) .

ص: 269

بهت هؤلاء القوم، وتطاولهم بالكذب على أهل البيت –ومن فمك أدينك- فمن ذلك:

ما ورد عن علي رضي الله عنه (لما أراد المسير إلى النهراوان أتاه منجم فقال له: يا أمير المؤمنين، لا تسر في هذه الساعة، وسر في ثلاث ساعات يمضين من النهار، فقال أمير المؤمنين: ولم ذاك؟ قال، لأنك إن سرت في هذه الساعة أصابك، وأصاب أصحابك أذى وضر شديد، وإن سرت في الساعة التي أمرتك ظفرت، وظهرت، وأصبت كلما طلبت، فقال له أمير المؤمنين: تدري ما في بطن هذه الدابة أذكر أم أنثى؟ قال: أن حسبت علمت. قال له أمير المؤمنين: من صدقك على هذا القول كذب بالقرآن: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} 1، ما كان محمد صلى الله عليه وسلم يدعي ما ادعيت، تزعم أنك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء، والساعة التي من سار فيها حاق به الضر، من صدقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة بالله في ذلك الوجه، وأحوج إلى الرغبة إليك في دفع المكروه عنه، وينبغي له أن يوليك الحمد دون ربه، فمن امن لك بهذا فقد اتخذك من دون الله نداً وضداً

) 2.

وما ورد عن أبي عبد الله أنه سئل عن النجوم.

فقال: (هو علم قلت منافعه، وكثرت مضراته، لأنه لا يدفع به المقدور، ولا يتقى به المحذور، وإن أخبر المنجم بالبلاء لم ينجه التحرز

1 سورة لقمان، الآية:34.

2 "نهج البلاغة": ص105، و"مرآة العقول":(4/460) .

ص: 270

من القضاء، وإن أخبرهم بخبر لم يستطع تعجيله، وإن حدث به سوء لم يمكنه صرفه، والمنجم ينازع الله في علمه، بزعمه أنه يرد قضاء الله عن خلقه) 1.

وروي أيضاً عن أبي جعفر الباقر رضي الله عنه أنه قال: (المنجم ملعون، والكاهن، والساحر ملعون

) 2.

وما روي عنه أيضاً أنه كان يدعو، ويقول: "اللهم إنك خلقت أقواماً يلجئون إلى مطالع النجوم لأوقات حركاتهم، وسكونهم، وتصرفهم، وعقدهم، وخلقتني أبرأ إليك من اللجوء إليها، ومن طلب الاختيارات بها، وأتيقن أنك لم تطلع أحداً على غيبك في مواقعها) .

ونقولاتهم عن الأئمة في هذا الشأن كثيرة مبسوطة في كتبهم، مما يبرهن أن نسبة التنجيم إلى آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كذب عليهم، وعلى أن علياً رضي الله عنه وأبناءه كانوا يذمون هذه الصناعة وأهلها.

الوجه الثالث: الاضطراب الشديد، والاختلاف بين الروايات عن أئمتهم المزعومين، إذ إنهم يروون تارة أن علم النجوم يختص وجوده بأهل الهند، ومن ذلك ما رووه عن أبي عبد الله جعفر الصادق أنه قال:(بعث الله المشتري في صورة رجل إلى الأرض –إلى أن قال-: وأخذ بيد رجل من الهند، فعلمه حتى أنه قد بلغ، وقال: انظر إلى المشتري، أين هو؟ فقال: إن حسابي ليدل على أنك أنت المشتري، قال: فشهق شهقة فمات، وورث علمه أهله، فالعلم هناك)

1 "مرآة العقول": (4/462) .

2 المرجع نفسه.

3 "الروضة من الكافي": (4/458) .

ص: 271

وتارة يرون أن هذا العلم موجود في أهل بيت من العرب، وأهل بيت من الهند ومن ذلك ما روي (أن أبا عبد الله سئل عن علم النجوم؟ فقال: ما يعلمها إلا أهل بيت من العرب، وأهل بيت من الهند) 1.

وتارة يرون أن هذا العلم لا يصدق منه شيء اليوم، بل كله حدث وتخمين، ومن ذلك ما روي عن أبي عبد الله أيضاً أنه قال:(لما رد الله تعالى الشمس على يوشع بن نون وعلي بن أبي طالب2 ضل علماء النجوم، فمنهم من صيب ومنهم مخطئ) 3، وإذا وجد الاضطراب والاختلاف سقط الاحتجاج.

أما شبهتهم الثانية عشرة وهي اعتراف الناس قديماً وحديثاً بعلم النجوم، وأنه ما خلت منه أمة من الأمم، ولا ملة من الملل، إلا كانوا مشتغلين به، ولو كان فاسداً لاستحال إطباق الناس عليه، فالرد عليه من ستة أوجه:

الوجه الأول: أن هذا من الكذب والافتراء على العالم من أول بنائه إلى آخرة، وذلك لما يأتي:

1-

إن آدم وأولاده كانوا برآء من ذلك، وأئمتهم معترفون بأن أول من عرف منه الكلام في هذا العلم، وتلقيت عنه أصوله هو إدريس عليه السلام، فكيف وهو كذب عليه؟ ومن نسب إليه ليس معه إلا مجرد القول والكذب على الأنبياء.

1 "فرج المهموم": ص87.

2 رد الشمس لعلي بن أبي طالب كذب مختلق، انظر:"منهاج السنة": (8/164، وما بعدها) .

3 "فرج المهموم": ص87.

ص: 272

2-

أو ليس من الفرية أن ينسب هذا العلم إلى أمه موسى في زمنه ويعدوه بأنه كان معولهم في مصالحهم؟

3-

أو ليس من الكذب كذلك أن ينسب إلى أمه عيسى، وأمه يونس، والذين كانوا مع نوح ونجوا معه في السفينة؟

4-

وهل كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعتمدون على هذا العلم في مصالحهم؟ أو كان قرن التابعين يفعله؟ أو قرن تابعي التابعين؟ أو الموفقون من خلفاء الأمة وملوكها وساداتها وكبرائها معولين على هذا العلم أو معتمدين عليه في مصالحهم؟ فإن ادعوا ذلك فهذه سيرهم تكذبهم وترد عليهم1.

الوجه الثاني: لا ننكر أن لهذا العلم طلبة مشغولين به معتنين بأمره، وهذا لا يدل علة صحته، فهذا السحر لم يزل في العالم من يشتغل به ويطلبه أعظم من اشتغال من يشاغل بالنجوم، وطلبهم له أكثر من ذلك بكثير، وتأثيره في الناس مما لاينكر، أفكان هذا دليلاً على صحته؟ 2.

الوجه الثالث: أن هذه الأصنام لم تزل تعبد في الأرض من قبل نوح وإلى الآن، ولها الهياكل المبنية والسدنة، ولها الجيوش التي تقاتل عنها، أفيدل هذا على صحة عبادتها، وأن عبادها على الحق؟ 3

الوجه الرابع: أما ادعاؤه أن أهل المشرق والمغرب من أول بناء العالم إلى أخره أطلقوا على هذا العلم، فليس هناك من فرية أبلغ من هذه الفرية، إذ إن هناك كثيراً من الناس ينكرون هذه الصناعة وينكرون على

1 انظر: "مفتاح دار السعادة": (5/226) .

2 انظر: المصدر نفسه: (2/226-227) .

3 المصدر السابق نفسه.

ص: 273

أهلها، كما يوجد من الكتب في إبطال هذا العلم والرد على أهله، وكثير منها للفلاسفة الذي يعظمهم هؤلاء1.

الوجه الخامس: لو أن مقابلاً قابله، لو كان هذا العلم صحيحاً لاستحال إطباق أهل المشرق على رده وإبطاله، لكان قول من جنس قوله، ولكن أهل المشرق والمغرب فيهم هذا وهذا كما يشهد به الحس والتاريخ2.

الوجه السادس: أن ما أخبروا به من أخبار المنجمين بنبوه بعض الأنبياء ليس لهم دلالة فيه، إذ إن في أخبار الكهان ما هو أعجب من هذا، ومع ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في أخبارهم:"ليس بشيء"، فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثونا أحياناً بشيء فيكون حقًّا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تلك الكلمة من الحق يحفظها من الجني فيقرها في أذن وليٍّه فيخلطون معها مائة كذبة" 3 يعني بذلك بطلان قولهم وأنه لا حقيقة له4، فلم يدل على صدقهم في بعضه الأحيان على صحة أصولهم أو مشروعية صناعتهم، وهذا محك الكلام مع أصحاب علم أحكام النجوم.

أما الشبهة الثالثة عشرة: وهي أن المنجمين اختبروا عدة طوالع فكان الحكم كما أخبروا، فالرد عليها من خمسة أوجه:

الوجه الأول: إن كان يدعونه يدل على صحة أحكام النجوم، فما الفرق بينهم وبين من قال: الدليل على بطلان الأحكام أنا امتحنا مواليد

1 انظر: المصدر نفسه.

2 المصدر نفسه.

3 سبق تخريجه: ص182.

4 انظر: "شرح النووي على صحيح مسلم": (14/223) .

ص: 274

صححنا طوالعها، ومسائل تفقدنا أحوالها فوجدنا جميعها باطلاً، ولم يصح الحكم في شيء منها، فإن كانت الدلالة على صحة مقالتهم صدقهم في بعض أحكامهم، فالدلالة على بطلانها كذبهم في بعضها1.

الوجه الثاني: أن الحكايات المتضمنة لإصابتهم في بعض الأحوال ليست بأكثر من الحكايات عن أصحاب الفأل، وزجر الطير، والضرب بالحصى، والطرق، والعيافة، والكهانة، والخط، والحدس، وغيرها.

فإن كانت حكايات هؤلاء لاتدل على أن علومهم صحيحة فكذلك حكايات المنجمين2.

الوجه الثالث: أن الشبهة تدخل على الناس من أمر المنجمين من قبيل أنهم يرون المنجم يصيب في مسألة تقع بين أمرين، كالجنين الذي لا يخلو من أن يكون ذكراً أو أنثى، أو المريض الذي لا يخلو من أن يصح أو يموت، أو الغائب الذي لا يخلو من أن يقيم بمكان أو يرحل عنه، ومن شأن الناس أن يحفظوا الصواب للعجب به، والشغف، ويتناسون الخطأ لأنه الأصل الذي يعرفونه، والأمر الذي يعهدونه، ومن ذا الذي يتحدث ممن قصد المنجم بأنه سأله فأخطأ؟ ومثل هذه المسائل التي يخبر المنجم فيها في الحكم بين أمرين تقع أحياناً للمعتوه والطفل فضلاً عن الرجل المتحذر3.

الوجه الرابع: كيف يسلم للمنجمين ما يدعونه وأحدهم لا يعرف على التحقيق ما يحدث في منزله ولا ما يصلح أهله وولده، بل لا يعرف ما يصلحه في نفسه، ويؤثر عنه بعد هذا كله أنه يخبر بالغيب الذي لم يؤته

1 انظر: رسالة عيسى بن علي التي نقلها ابن القيم في "مفتاح دار السعادة": (2/185) .

2 انظر: "مفتاح دار السعادة": (2/228) .

3 انظر: "حكم علم النجوم": (ق11/أ، ب) .

ص: 275

الله أحداً، ولم يستودعه بشراً إلا لرسول يرتضيه يطلعه على شيء منه، أو نبي يصطفيه1.

الوجه الخامس: أن يصدق هؤلاء في بعض الأمور ليس لحكمهم بعلم أحكام النجوم وإنما هو لأحد خمسة أمور وهي:

الأمر الأول: استعمال الجن واستراق السمع من السماء أو في الإخبار بأمور تخفى عن الناس، ويستطيع الجني الإطلاع عليها بما آتاه الله من القدرة على ذلك.

الأمر الثاني: إخبار الكتب السابقة بأمر الأمور، فيأخذ المنجم الخبر منها.

الأمر الثالث: تأليف قصة بعد وقوع حادثة ما، ويدعون أنهم قد أخبروا بها قبل وقوعها كذباً وبهتاناً.

الأمر الرابع: إخبارهم بأمور تعرف بالحساب كالإخبار بحادثتي الكسوف والخسوف، ونحوها، فتقع كما أخبروا، فيظن الجاهل أنها من جنس أعمالهم.

الأمر الخامس: أن يقع خبرهم مصادفاً لقدر قدره الله، فيظن الجاهل أن المنجم صدق في خبره.

وبهذا يتبين فساد الاستدلال المنجمين على جواز استعمال هذه الصناعة، وعلى صحة أحكامها، ويقتض ما لفقوه من الكذب والبهتان على الله ورسوله، وصفوة خلقه، وما عضدوا به مذهبهم من الاستدلالات التي لا تصح، والأخبار التي يعلم الكذب من سياقها، وهذا ليس ببعيد عنهم، إذ إن هذه الصناعة ما قامت إلا على الكذب والتمويه وخداع الناس.

1 انظر: المصدر نفسه: (ق11/ب) .

ص: 276