المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالث: حكم تعلم علم الفلك - التنجيم والمنجمون وحكم ذلك في الإسلام

[عبد المجيد بن سالم المشعبي]

فهرس الكتاب

-

- ‌المقدمة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: أن الله هو المتفرد بالخلق، والمتصرف في الكون، والعالم بالغيب وحده

- ‌المطلب الثاني: تعريف التنجيم

- ‌المطلب الثالث: أقسام علم النجوم

- ‌الباب الأول: التنجيم في القديم والحاضر

- ‌الفصل الأول: التنجيم عند قوم إبراهيم

- ‌‌‌المبحث الأول: عبادة قوم إبراهيم للنجوم

- ‌المبحث الأول: عبادة قوم إبراهيم للنجوم

- ‌المبحث الثاني: لم يكن خليل الرحمن منجما

- ‌المطلب الأول: لم يكن خليل الرحمن متعلقا بالكواكب في قوله تعالى: {فلما جن عليه الليل وراء كوكبا قال هذا ربي فلما قال قال لا أحب الأفلين}

- ‌المطلب الثاني: لم يكن خليل الرحمن منجماً في قول الله تعالى: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ}

- ‌المطلب الثالث: لم يكن خليل الرحمن يعتقد أن للفلك تدبيراً في هذا الكون:

- ‌‌‌الفصل الثاني: تنزيه الأنبياء أن يكونوا منجمين

- ‌الفصل الثاني: تنزيه الأنبياء أن يكونوا منجمين

- ‌‌‌الفصل الثالث: التنجيم عند العرب في الجاهلية

- ‌الفصل الثالث: التنجيم عند العرب في الجاهلية

- ‌الفصل الرابع: دور أعداء الإسلام في نشر التنجيم

- ‌المبحث الأول: دور أهل الكتاب وغيرهم من المشركين في نشر التنجيم بين المسلمين

- ‌المبحث الثاني: دور الرافضة في نشر التنجيم بين المسلمين

- ‌‌‌الفصل الخامس: التنجيم في العصر الحاضر

- ‌الفصل الخامس: التنجيم في العصر الحاضر

- ‌الباب الثاني: أحكام التنجيم

- ‌‌‌الفصل الأول: الحكمة من خلق النجوم

- ‌الفصل الأول: الحكمة من خلق النجوم

- ‌‌‌الفصل الثاني: حكم الاستسقاء بالأنواء

- ‌الفصل الثاني: حكم الاستسقاء بالأنواء

- ‌‌‌الفصل الثالث: حكم تعلم علم الفلك

- ‌الفصل الثالث: حكم تعلم علم الفلك

- ‌‌‌الفصل الرابع: الأدلة على فساد صناعتهم، وأنها ظنون كاذبة

- ‌الفصل الرابع: الأدلة على فساد صناعتهم، وأنها ظنون كاذبة

- ‌‌‌الفصل الخامس: شبهات المنجمين، والرد عليها

- ‌الفصل الخامس: شبهات المنجمين، والرد عليها

- ‌الفصل السادس: حكم التنجيم

- ‌المبحث الأول: حكم العمل بالتنجيم

- ‌المبحث الثاني: حكم تعلم التنجيم دون العمل به

- ‌المبحث الثالث: حكم إتيان المنجمين، وتصديقهم بما يخبرون به

- ‌المبحث الرابع: حكم الأجرة المأخوذة على صناعة التنجيم، والواجب تجاه المنجمين

- ‌الباب الثالث: فيما يلحق بالتنجيم وما قد يظن أنه منه، وهو ليس منه

- ‌الفصل الأول: ما يلحق بالتنجيم

- ‌المبحث الأول: حروف أبي جاد، والاستدلال بها على

- ‌المبحبث الثاني: الخط على الرمل، وما يلحق به، والاستدلال به على المغيبات

- ‌الفصل الثاني: أمور ليست من التنجيم، وقد يظن أنها منه

- ‌المبحث الأول: توقع حدوث الكسوف والخسوف

- ‌المبحث الثاني: توقع حالة الجو

الفصل: ‌الفصل الثالث: حكم تعلم علم الفلك

‌‌

‌الفصل الثالث: حكم تعلم علم الفلك

الفصل الثالث: حكم تعلم علم الفلك

الفصل الثالث: حكم تعلم علم الفلك

علم الفلك هو علم مداره الأجرام العلوية، أي الشمس والقمر والكواكب السيارة والكواكب الثابتة وتوابعها ونحو ذلك، وهو قسمان نظري وعملي، فالأول يصف تلك الأجرام، ويعين لنا أبعادها عن الشمس وحركاتها وفصولها السنوية، وهيآتها، والثاني يبحث عن كيفية رصد تلك الأجرام1.

أما حكم تعلم هذا العلم فقد اتفق الفقهاء على اعتبار النجوم من الدلائل التي تدل على جهة القبلة عند خفائها، وعلى أنها من أقوى الأدلة على ذلك، وعلى ضرورة أن يتعلمها المسافر2 مستدلين بقوله تعالى:{وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} 3.

واتفقوا أيضاً على أن المواقيت تؤخذ من الأهلة، وأنها هي المعتبرة في مواقيت الناس ومواقيت العبادات4، كما أن الشمس دليل على أوقات الصلوات5.

1 انظر: "دائرة معارف القرن العشرين": (7/481) .

2 انظر: "الفروع" لأحمد بن حنبل: (1/281)، و"روضة الطالبين":(1/217)، و"المجموع":(3/187)، و"كفاية الأخبار":(1/59)، و"المبدع":(1/406)، و"الإنصاف" للمرادي:(2/12، 13)، و"رسالة القواعد والضوابط للأعمال الفلكية":(ق2أ) .

3 سورة النحل، الآية:16.

4 انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية": (25/132-133) .

5 انظر: "الفروع" للقرافي: (4/258)، و"تهذيب الفروع والقواعد السنية":(4/285) .

ص: 173

كما ذهب العلماء إلى أن ما يمكن معرفته عن طريق الحس أو المشاهدة أو الحساب أو نحو ذلك يجوز تعلمه كالعلم بأسماء الكواكب، ومناظرها، ومطالعها، ومساقطها، ومعرفة بعد الكواكب عن الأرض، ومقدار ما تقطعه الكواكب في أفلاكها، ومعرفة منازل القمر، والبروج الاثنى عشر، ودرجات الفلك ونحو ذلك1، واستدلوا على ذلك بأدلة منها:

قول الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} 2، وقوله:{يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 3، وقوله:{فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} 4، وقوله: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي

1 انظر: "معالم السنن"ك (5/372)، و"الفصل في الملل والأهواء والنحل":(5/148)، و"حكم علم النجوم":(ق2أ)، و"شرح السنة":(12/183)، و"رسالة القواعد والضوابط للأعمال الفلكية":(ق1أ) .

2 سورة البقرة، الآية:164.

3 سورة القرة، الآية:189.

4 سورة الأنعام، الآيتان: 96-97.

ص: 174

السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ} 1،

وقوله: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} 2، وقوله:{وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} 3، وقوله:{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} 4، وقوله تعالى:{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً} 5، وقوله:{أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً} 6، وقوله:{خَلَقَ الْأِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ * الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} 7، وغيرها من الآيات.

وما رواه البيهقي والخطيب البغدادي رحمهما الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أحب عباد الله إلى الله رعاء8 الشمس والقمر الذين يحببون عباد الله إلى الله ويحببون الله إلى

1 سورة يونس، الآيتان: 5-6.

2 سورة النحل، الآية:12.

3 سورة النحل، الآيتان: 15-16.

4 سورة الإسراء، الآية:12.

5 سورة الكهف، الآية:25.

6 سورة الفرقان، الآية:45.

7 سورة الرحمن، الآيات: 3-5.

8 أصل الرعاة حفاظ الماشية، وتطلق على الأمير والحاكم لقيامهم بتدبير الناس، والمراد بهم هنا المؤذنون، لأنهم يراعون طلوع الفجر والشمس وزوالها ونحو ذلك. انظر:"فيض القدير": (5/313) .

ص: 175

عباده" 1.

ومارواه مالك والخطيب البغدادي رحمهما الله عن عائشة رضي الله عنها قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أنشأت بحرية ثم تشاءمت قتلك عين غديقة"2.

وما أخرجه أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} 3: (هي ثمانية وعشرين منزلاً ينزلها القمر في كل شهر أربعة عشر منها شامية، وأربعة عشر منها يمانية

) 4، وإجماع السلف على القول باستدارة الفلك5.

أما تعلم ما زاد على ما يحتاجه الإنسان مما لا يحتاجه فقد كرهه بعض العلماء كابن رجب الحنبلي، وغيره، كما كره قتادة تعلم منازل القمر،

1 أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى": (1/379)، والخطيب في "حكم علم النجوم":(ق2/ب) . وضعفه ابن المنذر، وذكر له طريقاً آخر عن أبي أوفى رواه الطبراني والبزار والحاكم وقال فيه ابن المنذر:(تفرد به ابن عيينة عن مسعر، وحدث به غيره، وهو حديث غريب صحيح) . "الترغيب والترهيب": (1/150) . وقال الهيثمي فيه: (رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه جنادة بن مروان، قال الذهبي: اتهمه أبو حاتم) . "مجمع الزوائد": (1/326) . وقال المناوي: (فيه الوليد بن مروان، أورده الذهبي في "الضعفاء"، وقال: مجهول، وجنادة بن مروان ضعفه أبو حاتم واتهمه في الحديث، والحارث بن نعمان، قال البخاري: منكر الحديث) . "فيض القدير": (5/313) .

وضعفه الألباني أيضاً. انظر: "ضعيف الجامع الصغير": (4797) .

2 سبق تخريجه والحكم عليه: ص157.

3 سورة يس، الآية:39.

4 أخرجه الخطيب في "حكم علم النجوم": (ق3/أ) .

5 انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية": (6/586) .

ص: 176

وأنكر الإمام أحمد الاستدلال بالجدي على القبلة، وقال:"إنما ورد ما بين المشرق والمغرب القبلة"، وأنكر ابن مسعود على من قال: إن الفلك يدور، كما أنكر الإمام أحمد رحمه الله على المنجمين قولهم: إن الزوال يختلف في البلدان1.

وهذه الأقوال وما في معناها محمولة على أمرين:

الأمر الأول: على تعلم ما لا فائدة فيه في عصرهم. والاستغلال بما لا فائدة فيه لا شك في كراهته لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} 2.

الأمر الثاني: يحمل نهيهم هذا على أنهم لمسوا ممن تكلم في ذلك أنه أراد أن يبني على قوله هذا الشبهات، أو أراد التشكيك في قبلة المسلمين، أو نحو ذلك فأنكروا عليه، ومن كان بهذه الصفة لا بد من الإنكار عليه3.

وأما الاستدلال بقول عمر رضي الله عنه: (تعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبر ثم انتهوا) 4 على عدم جواز تعلم ما زاد على الاهتداء فلا يصح، إذ إن هذا الأثر ضعيف، لو صح لم يكن فيه حجة لأن المراد النهي عن علم التأثير لا التسيير5.

1 انظر: "فضل علم السلف على علم الخلف": ص132-134.

2 سورة المؤمنون، الآية:3.

3 انظر: فضل علم السلف على علم الخلف: ص134-135.

4 أخرجه الخطيب في "حكم علم النجوم": (ق2/ب) . قال المناوي: (قال عبد الحق: وليس بإسناده مما يحتج به، وقال ابن القطان: فيه من لا أعرفه) . "فيض القدير": (3/256) . وقال الألباني: ضعيف. "ضعيف الجامع الصغير": (2455) .

5 انظر: "فيض القدير": (3/256) .

ص: 177

أما إذا لمست مصلحة في تعلم شيء من ذلك، فلا بأس في تعلمه، بشرط أن لا يتعارض مع تعلم ما هو أوجب منه، وأن يسخر هذا العلم في طاعة الله بناءً على ما دلت عليه الأدلة السابقة1.

أما بالنسبة لصحة هذا العلم وفساده فينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ما تشهد الأدلة النقلية على صحته، مثل دوران الشمس والقمر في الفلك، وأن لكل منهما فلكاً يجري فيه، كما قال تعالى:{لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} 2، وكالقول بأن الأفلاك مستديرة لانعقاد الإجماع عليه3 ونحو ذلك، فهذا لاشك في صحته، ويجب الإيمان به لدلالة الكتاب والسنة والإجماع عليه، إذ إن المسائل المنصوص عليها بكتاب أو سنة أو إجماع تعتبر من جملة المسائل الشرعية التي يجب على المسلمين الإيمان بها، ولا يحيدون عنها، حتى وإن خالفها جميع الفلكيين.

القسم الثاني: ما كان مخالفاً لنصوص الكتاب أو السنة أو الإجماع، مثل القول بأن الشمس ثابتة لا تتحرك ونحو هذا، فهذا لا شك في فساده.

1 دل على ذلك قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} فذكر التقوى بعد ذكر الجواب عن فائدة الأهلة. وقوله في سورة يونس، الآيتان: 5-6 بعد أن ذكر تقدير الله منازل القمر بالحساب: {لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ} ، ولو تتبعنا بقية الآيات لوجدناها دالة على ذلك. وانظر: ص161-162.

2 سورة يس، الآية:40.

3 انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية": (6/586) .

ص: 178

القسم الثالث: ما لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في شواهد العيان ما يدل على قبوله، أو رده، فهذا لا يحكم بصحته ولا بفساده، بل يكون موقوفاً فيه، حتى يوجد من الأدلة العلمية ما يقتضي صحته أو فساده1.

وأما ما ذهب إليه بعض العلماء في العصر الحاضر إذ إن معرفة مقادير أجرام هذه الكواكب، وأبعادها، ومواردها، وغير ذلك غير ممكنة، فيكون القول في هذه الأمور من تعاطي علم الغيب فهو خطأ، واستدلاله على ذلك هو أن من ادعى ذلك أضعف وأعجز من أن يتوصل إلى اكتشاف ما في السماء الدنيا، وهو مسيرة خمسمائة عام، وقوله: إن النصوص قد دلت على أن الشمس والقمر والكواكب في السماء منها: قوله: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراًؤ} 2، وقوله:{وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَؤ} 3، ثم قال: في الآيات وما في معناها نص على أن الشمس والقمر في السماء، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة"

1 انظر: "مجموع الفتاوى المصرية": (1/322) . و"الأدلة النقلية والحسية على إمكان الصعود إلى الكواكب": ص43، 74.

2 سورة الفرقان، الآية:61.

3 سورة الحجر، الآية:16.

4 أخرجه الترمذي: (رقم 2540)، وأحمد في "مسنده":(3/75)، وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد. "سنن الترمذي": (4/586) . وقال فيه عبد القادر أرناؤوط: (رواه الترمذي وغيره من حديث دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد، ودراج عن أبي الهيثم ضعيف) . انظر: "جامع الأصول": (2/373) .

ص: 179

وإذا كان بين السماء والأرض هذا البعد الشاسع فالتوصل بالأرصاد والمناظير إلى اكتشاف ما في السماء غير ممكن1.

ويناقش هذا الاستدلال بما يلي:

أولاً: ليس في الآيات المذكورة ما يدل على أن الشمس والقمر وغيرهما من الكواكب في داخل السماء، أو أنها ملصقة بها، وإنما تدل الآيات على أن هذه الكواكب في السماء، وأنها زينة لها، ولفظ السماء يطلق ويراد به ما علا وارتفع، كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 2، فالمراد بالسماء هنا: السحاب وسمي بذلك لعلوه وارتفاعه3.

وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} 4، فالمراد بقوله:{فِي السَّمَاءِ} أي في العلو5.

وقال: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} 6، أي فليمدد بسبب إلى

1 انظر: "ذيل الصواعق لمحو الأباطيل والمخارق": ص46-48.

2 سورة البقرة، الآيتان: 21-22.

3 انظر: "تفسير ابن كثير": (1/57) .

4 سورة إبراهيم، الآية:24.

5 انظر: "تفسير القرطبي": (9/359) .

6 سورة الحج، الآية:15.

ص: 180

ما فوقه من سقف ونحوه، فسماه سماءًا لعلوه بالنسبة إلى ما تحته1، فإذا عرف هذا كان معنى الآيات التي استدل بها محمولاً على أحد معنيين:

الأول: أن الله سبحانه جعل هذه الكواكب في مدار بين السماء والأرض، وسماه سماءً لعلوه، وليس في الأدلة ما يمنع ذلك.

وقد ذكر الله سبحانه أن الشمس والقمر يجريان في فلك في آيتين من كتابه الكريم، وهما قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} 2، وقوله:{لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} 3، ولو كانا ملصقين في السماء لم يوصفا بالسبح، كما قال ابن عباس وغيره:"يدورون كما يدور المغزل في الفلكة"4، وقال النسفي5: الجمهور على أن الفلك موج مكفوف6 تحت السماء تجري فيه الشمس والقمر والنجوم7.

المعنى الثاني: أنه أراد بالسماء في الآيات المتقدمة السماء الدنيا كما هو ظاهر قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ}

1 "تفسير القرطبي": (17/125) .

2 سورة الأنبياء، الآية:33.

3 سورة يس، الآية:40.

4 سميت بذلك لاستدارتها، والفلكة قطعة من الأرض أو الرمل تستدير وترتفع على ما حولها. انظر:"الصحاح": (4/1604) .

5 هو عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي، أبو البركات، ففيه حنفي، مفسر، توفي سنة إحدى وسبعمائة، وقيل: عشرة وسبعمائة. انظر: "كشف الظنون": (1640)، "الأعلام":(4/67) .

6 يراد أن الفلك أشرج على ما فيه وقفل. انظر: "لسان العرب": (9/304) .

7 "تفسير النسفي": (3/334) .

8 سورة الحجر، الآية:16.

ص: 181

ولم يرد سبحانه أن البروج في داخلها، وإنما أراد سبحانه أنها بقربها وتنسب إليها، وأما وصفه سبحانه للكواكب بأنها زينة للسماء فلا يلزم منه أن تكون ملتصقة بها، ولا دليل على ذلك، بل يصح أن تسمى زينة لها وإن كانت منفصلة عنها، وبينها فضاء كما يزين الإنسان سقفه بالقماش والثريات الكهربائية ونحو ذلك، ومن غير ضرورة إلى إلصاق ذلك به1.

ومما يدل على إمكان الصعود إلى الكواكب –فضلاً عن إمكان اكتشاف ما فيها بالأرصاد والمناظير- قوله تعال فيما أخبر عن الجن: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً} 2، فإن كان الجن قد أمكنهم الصعود إلى السماء حتى لمسوها، وقعدوا منها مقاعد، فكيف يستحيل ذلك على الإنسان، وخصوصاً في هذا العصر الذي تطور فيه الاختراع3.

ومن هنا يتبين أن القول بعدم إمكان معرفة علم الفلك قول لا يصح، بل إن معرفة ذلك ممكن شرعاً واقع حسًّا

والله تعالى أعلم.

1 انظر: "الأدلة النقلية والعقلية والحسية إلى إمكان الصعود إلى الكواكب": ص8-11.

2 سورة الجن، الآيتان: 8-9.

3 انظر: "الأدلة النقلية والعقلية والحسية إلى إمكان الصعود إلى الكواكب": ص13.

ص: 182