الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأدخل على الكاف كافا توكيدا للتشبيه، وكما قال الآخر:
تَنْفِي الغَيادِيقُ عَلى الطَّرِيقِ
…
قَلَّصَ عَنْ كَبَيْضَةٍ فِي نِيقِ (1)
فأدخل الكاف مع"عن"، وقد بيَّنا هذا في موضع غير هذا المكان بشرح هو أبلغ من هذا الشرح، فلذلك تجوّزنا في البيان عنه في هذا الموضع.
وقوله: (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) يقول جلّ ثناؤه واصفا نفسه بما هو به، وهو يعني نفسه: السميع لما تنطق به خلقه من قول، البصير لأعمالهم، لا يخفى عليه من ذلك شيء، ولا يعزب عنه علم شيء منه، وهو محيط بجميعه، محصٍ صغيره وكبيره (لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ) من خير أو شرّ.
القول في تأويل قوله تعالى: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
(12) }
يعني تعالى ذكره بقوله: (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) : له مفاتيح خزائن السموات والأرض وبيده مغاليق الخير والشر ومفاتيحها، فما يفتح من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
(1) لم أقف على قائل البيت. ولم يتضح لي معناه تماما، ولعل فيه تحريفا من الناسخ. وموضع الشاهد فيه واضح، وهو دخول" عن" على الكاف في قوله"كبيضة" فإما أن تكون الكاف زائدة، أي عن بيضة، وإما أن تكون الكاف اسما بمعنى مثل في محل جر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) قال: مفاتيح بالفارسية.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) قال: مفاتيح السموات والأرض. وعن الحسن بمثل ذلك.
ثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) قال: خزائن السموات والأرض.
وقوله: (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) يقول: يوسع رزقه وفضله على من يشاء من خلقه، ويبسط له، ويكثر ماله ويغنيه. ويقدر: يقول: ويقتر على من يشاء منهم فيضيقه ويفقره. (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) يقول: إن الله تبارك وتعالى بكل ما يفعل من توسيعه على من يوسع، وتقتيره على من يقتر، ومن الذي يُصلحه البسط عليه في الرزق، ويفسده من خلقه، والذي يصلحه التقتير عليه ويفسده، وغير ذلك من الأمور، ذو علم لا يخفى عليه موضع البسط والتقتير وغيره، من صلاح تدبير خلقه.
يقول تعالى ذكره: فإلى من له مقاليد السموات والأرض الذي صفته ما وصفت لكم في هذه الآيات أيها الناس فارغبوا، وإياه فاعبدوا مخلصين له الدين لا الأوثان والآلهة والأصنام، التي لا تملك لكم ضرّا ولا نفعا.
القول في تأويل قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ
مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) }
يقول تعالى ذكره: (شَرَعَ لَكُمْ) ربكم أيها الناس (مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا) أن يعمله (وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ) يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وشرع لكم من الدين الذي أوحينا إليك يا محمد، فأمرناك به (وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) يقول: شرع لكم من الدين، أن أقيموا الدين"فأن" إذ كان ذلك معنى الكلام، في موضع نصب على الترجمة بها عن"ما" التي في قوله:(مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا) . ويجوز أن تكون في موضع خفض ردّا على الهاء التي في قوله: (بِهِ) ، وتفسيرا عنها، فيكون معنى الكلام حينئذ: شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا، أن أقيموا الدين ولا تتفرّقوا فيه. وجائز أن تكون في موضع رفع على الاستئناف، فيكون معنى الكلام حينئذ: شرع لكم من الدين ما وصى به، وهو أن أقيموا الدين. وإذ كان معنى الكلام ما وصفت، فمعلوم أن الذي أوصى به جميع هؤلاء الأنبياء وصية واحدة، وهي إقامة الدين الحق، ولا تتفرقوا فيه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:(مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا) قال: ما أوصاك به وأنبيائه، كلهم دين واحد.
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله:(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا) قال: هو الدين كله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا) بعث نوح حين بعث بالشريعة بتحليل
الحلال، وتحريم الحرام (وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى) .
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا) قال: الحلال والحرام.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا) .... إلى آخر الآية، قال: حسبك ما قيل لك.
وعنى بقوله: (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) أن اعملوا به على ما شرع لكم وفرض، كما قد بينا فيما مضى قبل في قوله:(أَقِيمُوا الصَّلاةَ) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله:(أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) قال: اعملوا به.
وقوله: (وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) يقول: ولا تختلفوا في الدين الذي أمرتم بالقيام به، كما اختلف الأحزاب من قبلكم.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:(وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) تعلموا أن الفرقة هلكة، وأن الجماعة ثقة.
وقوله: (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: كبر على المشركين بالله من قومك يا محمد ما تدعوهم إليه من إخلاص العبادة لله، وإفراده بالألوهية والبراءة مما سواه من الآلهة والأنداد.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (كَبُرَ عَلَى