الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجنة حسدًا وبغيًا.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلأبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ
(63)
إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (64) }
يقول تعالى ذكره: ولم جاء عيسى بني إسرائيل بالبينات، يعني بالواضحات من الأدلة. وقيل: عُني بالبيِّنات: الإنجيل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ) أي بالإنجيل. وقوله:(قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ) قيل: عُني بالحكمة في هذا الموضع: النبوّة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ) قال: النبوّة.
وقد بيَّنت معنى الحكمة فيما مضى من كتابنا هذا بشواهده، وذكرت اختلاف المختلفين في تأويله، فأغنى ذلك عن إعادته.
وقوله: (وَلأبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) يقول: ولأبين لكم معشر بني إسرائيل بعض الذي تختلفون فيه من أحكام التوراة.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح،
عن مجاهد، قوله:(وَلأبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) قال: من تبديل التوراة.
وقد قيل: معنى البعض في هذا الموضع بمعنى الكلّ، وجعلوا ذلك نظير قول لبيد?
تَرَّاكُ أمْكِنَةٍ إذَا لَمْ أرْضَهَا
…
أوْ يَعْتَلِقْ بَعْضَ النُّفوسِ حِمامُها (1)
قالوا: الموت لا يعتلق بعض النفوس، وإنما المعنى: أو يعتلق النفوس حمامها، وليس لما قال هذا القائل كبير معنى، لأن عيسى إنما قال لهم:(وَلأبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) ، لأنه قد كان بينهم اختلاف كثير في أسباب دينهم ودنياهم، فقال لهم: أبين لكم بعض ذلك، وهو أمر دينهم دون ما هم فيه مختلفون من أمر دنياهم، فلذلك خص ما أخبرهم أنه يبينه لهم. وأما قول لبيد:"أو يعتلق بعض النفوس"، فإنه إنما قال ذلك أيضا كذلك، لأنه أراد: أو يعتلق نفسه حمامها، فنفسه من بين النفوس لا شكّ أنها بعض لا كل.
وقوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) يقول: فاتقوا ربكم أيها الناس بطاعته، وخافوه باجتناب معاصيه، وأطيعون فيما أمرتكم به من اتقاء الله واتباع أمره، وقبول نصيحتي لكم.
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) يقول: إن الله الذي يستوجب
(1) البيت للبيد (مجاز القرآن لأبي عبيدة. الورقة 221) أنشده عند قوله تعالى: (لأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه) قال: البعض هاهنا: كله. قال لبيد:" تراك
…
البيت". وفي شرح الزوزني للمعلقات السبع (ص 116) يقول: إني تراك أماكن إذا لم أرضها إلا أن يرتبط نفسي حمامها، فلا يمكنها البراح. وأراد ببعض النفوس هنا: نفسه. هذا أوجه الأقوال وأحسنها. ومن جعل بعض النفوس بمعنى كل النفوس، فقد أخطأ لأن بعضا لا يفيد العموم والاستيعاب. وتحرير المعنى: إني لا أترك الأماكن أجتويها وأقلبها، إلا أن أموت. وقال التبريزي في شرح القصائد العشر، (ص 160) يقول: أترك الأمكنة إذا رأيت فيها ما يكره إلا أن يدركني الموت. وأراد بالنفوس نفسه، ويعتلق: يحبس. والحمام: الموت. ويقال القدر. وقوله أو يعتلق مجزوم عطفا على قوله: إذا لم أرضها. اهـ.