الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا) يعني: ضِغْثا من الشجر الرَّطْب، كان حلف على يمين، فأخذ من الشجر عدد ما حلف عليه، فضرب به ضَرْبة واحدة، فبرّت يمينه، وهو اليوم في الناس يمين أيوب، من أخذ بها فهو حسن.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ) قال: ضِغْثا واحدا من الكلأ فيه أكثر من مِئَة عود، فضرب به ضربة واحدة، فذلك مِئَة ضربة.
حدثني محمد بن عوف، قال: ثنا أبو المغيرة، قال: ثنا صفوان، قال: ثنا عبد الرحمن بن جُبَير (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ) يقول: فاضرب زوجتك بالضِّغْث، لتَبرّ في يمينك التي حلفت بها عليها أن تضربها (وَلا تَحْنَثْ) يقول: ولا تحنَثْ في يمينك.
وقوله (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ) يقول: إنا وجدنا أيوب صابرا على البلاء، لا يحمله البلاء على الخروج عن طاعة الله، والدخول في معصيته (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) يقول: إنه على طاعة الله مقبل، وإلى رضاه رجَّاع.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ
(45)
إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأخْيَارِ (47) }
اختلفت القرّاء في قراءة قوله (عِبَادِنَا) فقرأته عامة قرّاء الأمصار: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا) على الجماع غير ابن كثير، فإنه ذكر عنه أنه قرأه:"واذكر عبدنا" على التوحيد، كأنه يوجه الكلام إلى أن إسحاق ويعقوب من ذرّية إبراهيم، وأنهما ذُكِرا من بعده.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن عطاء، سمع ابن عباس يقرأ:"واذكر عبدنا إن إبراهيم" قال: إنما ذكر إبراهيم، ثم ذُكِر ولده بعده.
والصواب عنده من القراءة في ذلك، قراءة من قرأه على الجماع، على أن إبراهيم وإسحاق ويعقوب بيان عن العباد، وترجمة عنه، لإجماع الحجة من القرّاء عليه.
وقوله (أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ) ويعني بالأيدي: القوّة، يقول: أهل القوّة على عبادة الله وطاعته. ويعني بالأبصار: أنهم أهل أبصار القلوب، يعني به: أولى العقول (1) للحقّ.
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم في ذلك نحوًا مما قلنا فيه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (أُولِي الأيْدِي) يقول: أولي القوّة والعبادة، والأبْصَارِ يقول: الفقه في الدين.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ) قال: فضِّلوا بالقوّة والعبادة.
حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور أنه قال في هذه الآية (أُولِي الأيْدِي) قال: القوّة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بَزّة، عن مجاهد، في قوله (أُولِي الأيْدِي) قال:
(1) لعل العبارة قد سقط منهما كلمة" والأبصار". كما يفهم مما قبله، ومما يجيء.
القوّة في أمر الله.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد (أُولِي الأيْدِي) قال: الأيدي: القوّة في أمر الله، (وَالأبْصَارَ) : العقول.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ) قال: القوّة في طاعة الله، (وَالأبْصَارَ) : قال: البصر في الحقّ.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ) يقول: أعطوا قوة في العبادة، وبصرًا في الدين.
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله (أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ) قال: الأيدي: القوّة في طاعة الله، والأبصار: البصر بعقولهم في دينهم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله (أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ) قال: الأيدي: القوّة، والأبصار: العقول.
فإن قال لنا قائل: وما الأيدي من القوّة، والأيدي إنما هي جمع يد، واليد جارحة، وما العقول من الأبصار، وإنما الأبصار جمع بصر؟ قيل: إن ذلك مثل، وذلك أن باليد البطش، وبالبطش تُعرف قوّة القويّ، فلذلك قيل للقويّ: ذو يَدٍ; وأما البصر، فإنه عنى به بصر القلب، وبه تنال معرفة الأشياء، فلذلك قيل للرجل العالم بالشيء: يصير به. وقد يُمكن أن يكون عَنى بقوله (أُولِي الأيْدِي) : أولي الأيدي عند الله بالأعمال الصالحة، فجعل الله أعمالهم الصالحة التي عملوها في الدنيا أيديا لهم عند الله تمثيلا لها باليد، تكون عند الرجل الآخر.
وقد ذُكر عن عبد الله أنه كان يقرؤه:"أولى الأيدِ" بغير ياء، وقد
يُحتمل أن يكون ذلك من التأييد، وأن يكون بمعنى الأيدي، ولكنه أسقط منه الياء، كما قيل:(يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِي)، وقوله عز وجل:(إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ) يقول تعالى ذكره: إنا خصصناهم بخاصة: ذكر الدار.
واختلف القرّاء في قراءة قوله (بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) فقرأته عامة قرّاء المدينة:"بخالصة ذكرى الدار" بإضافة خالصة إلى ذكرى الدار، بمعنى: أنهم أخلصوا بخالصة الذكرى، والذكرى إذا قُرئ كذلك غير الخالصة، كما المتكبر إذا قُرئ:"على كلّ قلب متكبر" بإضافة القلب إلى المتكبر، هو الذي له القلب وليس بالقلب. وقرأ ذلك عامة قرّاء العراق:(بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) بتنوين قوله (خَالِصَةً) وردّ ذكرى عليها، على أن الدار هي الخالصة، فردّوا الذكر وهي معرفة على خالصة، وهي نكرة، كما قيل: لشرّ مآب: جهنم، فرد جهنم وهي معرفة على المآب وهي نكرة.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مستفيضتان في قَرَأَة الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقد اختلف أهل التأويل، في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: إنا أخلصناهم بخالصة هي ذكرى الدار: أي أنهم كانوا يذَكِّرون الناس الدار الآخرة، ويدعونهم إلى طاعة الله، والعمل للدار الآخرة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) قال: بهذه أخلصهم الله، كانوا يدعون إلى الآخرة وإلى الله.
وقال آخرون: معنى ذلك أنه أخلصهم بعملهم للآخرة وذكرهم لها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ بن الحسن الأزدي، قال: ثنا يحي بن يمان، عن ابن جُرَيج،
عن مجاهد، في قوله (إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) قال: بذكر الآخرة فليس لهم همّ غيرها.
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) قال: بذكرهم الدار الآخرة، وعملهم للآخرة.
وقال آخرون: معنى ذلك: إنا أخلصناهم بأفضلِ ما في الآخرة; وهذا التأويل على قراءة من قرأه بالإضافة. وأما القولان الأوّلان فعلى تأويل قراءة من قرأه بالتنوين.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال أبن زيد، في قوله:"إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار" قال: بأفضل ما في الآخرة أخلصناهم به، وأعطيناهم إياه; قال: والدار: الجنة، وقرأ:(تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ) قال: الجنة، وقرأ:(وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ) قال: هذا كله الجنة، وقال: أخلصناهم بخير الآخرة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: خالصة عُقْبَى الدار.