الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: واذكر يا محمد إسماعيل واليسع وذا الكفل، وما أبلوا في طاعة الله، فتأسَّ بهم، واسلك منهاجَهم في الصبر على ما نالك في الله، والنفاذ لبلاغ رسالته. وقد بينا قبل من أخبار إسماعيل واليسع وذا الكفل فيما مضى من كتابنا هذا ما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. والكِفْل في كلام العرب: الحظّ والجَدّ.
وقوله (هَذَا ذِكْرُ) يقول تعالى ذكره: هذا القرآن الذي أنزلناه إليك يا محمد ذكر لك ولقومك، ذكرناك وإياهم به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (هَذَا ذِكْرُ) قال: القرآن.
وقوله: (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ) يقول: وإن للمتقين الذين اتقوا الله فخافوه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه، لحسنَ مَرْجع يرجعون إليه في الآخرة، ومَصِير يصيرون إليه. ثم أخبر تعالى ذكره عن ذلك الذي وعده من حُسن المآب ما هو، فقال:(جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأبْوَابُ)
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ) قال: لحسن منقلب.
القول في تأويل قوله تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأبْوَابُ
(50)
مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) }
قوله تعالى ذكره: (جَنَّاتِ عَدْنٍ) : بيان عن حسن المآب، وترجمة عنه، ومعناه: بساتينُ إقامة. وقد بيَّنا معنى ذلك بشواهده، وذكرنا ما فيه من الاختلاف فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقد حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، فال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (جَنَّاتِ عَدْنٍ) قال: سأل عمر كعبا ما عَدَن؟ قال: يا أمير المؤمنين، قصور في الجنة من ذهب يسكنها النبيون والصدّيقون والشهداء وأئمةُ العدل.
وقوله (مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأبْوَابُ) يعني: مفتحة لهم أبوابها; وأدخلت الألف واللام في الأبواب بدلا من الإضافة، كما قيل:(فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) بمعنى: هي مَأْواه، وكما قال الشاعر:
ما وَلَدتْكُمْ حَيَّةُ ابْنَة مالِكٍ
…
سِفاحا وَما كَانَتْ أحاديثَ كاذِبِ وَلَكِنْ نَرَى أقْدَامَنَا فِي نِعَالِكُمْ
…
وآنفُنَا بينَ اللِّحَى والحَوَاجِبِ (1)
بمعنى: بين لحاكم وحواجبكم; ولو كانت الأبواب جاءت بالنصب لم يكن لحنا، وكان نصبه على توجيه المفتحة في اللفظ إلى جنات، وإن كان في المعنى للأبواب، وكان كقول الشاعر:
وَما قَوْمي بثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ
…
وَلا بِفَزَارَةَ الشِّعْرَ الرَقابا (2)
(1) البيتان من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة 281) على أن قوله تعالى" مفتحة لهم الأبواب" برفع الأبواب، لأن المعنى مفتحة لهم أبوابها. والعرب تجعل الألف واللام خلفا من الإضافة ومنه قوله:" فإن الجحيم هي المأوى" فالمعنى والله أعلم: مأواه. ومثله قول الشاعر:" ما ولدتكم حية ربعية.... البيتين". فمعناه: ونرى آنفنا بين لحاكم وحواجبكم في الشبه. أهـ. وحية ابنة مالك: قبيلة وسفاحا: زنا. واللحى: جمع لحية.
(2)
البيت للحارث بن ظالم المري من قصيدة من الوافر قالها لما هرب من النعمان بن المنذر. فلحق بقريش. (انظر فرائد القلائد في مختصر شرح الشواهد للعيني ص 264) والرواية فيه"الشعر بدون ألف بعد الراء. قال: والشاهد في الشعر الرقابا" فإنه مثل" الحسن الوجه بنصب الوجه" على أنه شبيه بالمفعول به (لأن الشعر جمع أشعر، كثير شعر الجسد، صفة مشبهة. أنشد الفراء البيت في معاني القرآن (الورقة 281) مع الشاهد السابق، وقال في قوله تعالى"مفتحة لهم الأبواب" وقال: ولو قال" مفتحة لهم الأبواب"(بنصب الأبواب) على أن تجعل المفتحة في اللفظ للجنان، وفي المعنى للأبواب، فيكون مثل قول الشاعر: ما قومي بثعلبة بن سعد
…
ولا بفزارة الشعري رقابا
ولم يأت الفراء في كلامه بجواب لو
…
أي لكان وجها.. والخلاصة أن في لفظة" الأبواب" من قوله تعالى" مفتحة لهم الأبواب" وجهان من الإعراب: الرفع على أن نائب فاعل، أي مفتحة لهم أبوابها. والنصب على أن نائب الفاعل ضمير راجع على الجنات، وتنصب الأبواب على أنه شبيه بالمفعول به. وكذلك في قوله:" الشعر الرقابا" النصب فيه على أنه شبيه بالمفعول به لأنه فعله" شعر" لازم لا ينصب المفعول به وعلى رواية"الشعرى رقاباً:" تنصب رقابه على أنه تمييز. وانظر معمول اسم المفعول ومعمول الصفة المشبهة في التصريح والأشموني.