الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ
(91)
مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (92) }
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل إبراهيم لأبيه وقومه: (فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) ؟ يقول: فأي شيء تظنون أيها القوم أنه يصنع بكم إن لقيتموه وقد عبدتم غيره.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فما ظنكم برب العالمين) يقول: إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره.
وقوله (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ) ذكر أن قومه كانوا أهل تنجيم، فرأى نجما قد طلع، فعصب رأسه وقال: إني مَطْعُون، وكان قومه يهربون من الطاعون، فأراد أن يتركوه في بيت آلهتهم، ويخرجوا عنه، ليخالفهم إليها فيكسرها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ) رأى نجما طلع.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عليه، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب (فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم) رأى نجما طلع.
حدثنا بشر، قال: كَايَدَ نبي الله عن دينه، فقال: إني سقيم.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ) قالوا لإبراهيم وهو في بيت آلهتهم: أخرج معنا، فقال لهم: إني مطعون، فتركوه مخافة أن يعديهم.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، عن أبيه،
في قول الله: (فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم) قال: أرسل إليه ملكهم، فقال: إن غدا عيدنا، فاحضر معنا، قال: فنظر إلى نجم فقال: إن ذلك النجم لم يطلع قط إلا طلع بسقم لي، فقال:(إِنِّي سَقِيمٌ)
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ) يقول الله:(فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ)
وقوله (إِنِّي سَقِيمٌ) : أي طعين، أو لسقم كانوا يهربون منه إذا سمعوا به، وإنما يريد إبراهيم أن يخرجوا عنه، ليبلغ من أصنامهم الذي يريد.
واختلف في وجه قيل إبراهيم لقومه: (إِنِّي سَقِيمٌ) وهو صحيح، فروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إلا ثَلاثَ كَذَبَاتٍ".
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا أبو أسامة، قال: ثني هشام، عن محمد، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال:"وَلَمْ يَكْذِبْ إبْرَاهِيمُ غَيْرَ ثَلاثَ كَذَبَاتٍ، ثِنْتَيْنِ فِي ذَاتِ الله، قوله (إِنِّي سَقِيمٌ) وقَوْلِهِ (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا) ، وقَوْلِهِ فِي سارَة: هِي أُخْتِي".
حدثنا سعيد بن يحيى، قال: ثنا أبي، قال: ثنا محمد بن إسحاق، قال: ثني أبو الزناد، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لَمْ يَكْذِبْ إبْرَاهِيمُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إلا فِي ثَلاثٍ" ثم ذكر نحوه.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن المسيب بن رافع، عن أبي هريرة، قال:"ما كذب إبراهيم غير ثلاث كذبات، قوله (إِنِّي سَقِيمٌ) ، وقوله (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا) ، وإنما قاله موعظة، وقوله حين سأله الملك، فقال أختي لسارَة، وكانت امرأته".
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أيوب، عن محمد، قالَ:"إن إبراهيم ما كذب إلا ثلاث كذبات، ثنتان في الله، وواحدة في ذات نفسه; فأما الثنتان فقوله (إِنِّي سَقِيمٌ) ، وقوله (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا) وقصته في سارَة، وذكر قصتها وقصة الملك".
وقال آخرون: إن قوله (إِنِّي سَقِيمٌ) كلمة فيها مِعْراض، ومعناها أن كل من كان في عقبة الموت فهو سقيم، وإن لم يكن به حين قالها سقم ظاهر، والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف هذا القول، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الحقّ دون غيره. قوله (فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ) يقول: فتولوا عن إبراهيم مدبرين عنه، خوفا من أن يعدِيَهُمْ السقم الذي ذكر أنه به.
كما حُدثت عن يحيى بن زكريا، عن بعض أصحابه، عن حكيم بن جُبَير، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس (إِنِّي سَقِيمٌ) يقول: مطعون فتولَّوا عنه مدبرين، قال سعيد: إن كان الفرار من الطاعون لقديما.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة (فَتَوَلَّوْا) فنكصوا عنه (مُدْبِرِينَ) منطلقين.
وقوله (فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ) يقول تعالى ذكره: فمال إلى آلهتهم بعد ما خرجوا عنه وأدبروا; وأرى أن أصل ذلك من قولهم: راغ فلان عن فلان: إذا حاد عنه، فيكون معناه إذا كان كذلك: فراغ عن قومه والخروج معهم إلى آلهتهم; كما قال عدي بن زيد:
حِينَ لا يَنْفَعُ الرَّوَاغُ وَلا يَنْ
…
فَعُ إلا المُصَادِقُ النِّحْرِيرُ (1)
(1) البيت نسبه المؤلف لعدي بن زيد العبادي، ولم أجده في ترجمته في الأغاني ولا في شعره في شعراء النصرانية. ولعله من قصيدته التي مطلعها" أرواح مودع أم بكور". واستشهد به المؤلف عند قوله تعالى:" فراغ عليهم ضربا باليمين" على أن معنى راغ: حاد. وفسره بعضهم بمال." وفي اللسان: روغ" راغ يروغ روغا وروغانا: حاد. وراغ إلى كذا أي مال إليه سرا وحاد.
وقوله تعالى" فراغ عليهم ضربا" أي مال وأقبل.اهـ. وفي (اللسان: نحر) : والنحر (بكسر النون) والنحرير: الحاذق الماهر العاقل المجرب. وقيل: النحرير: الرجل: الطبن الفطن المتقن البصير في كل شيء. وجمعه: النحارير. اهـ.
وقال الفرّاء في معاني القرآن 273:" فراغ عليهم ضربا باليمين": أي مال عليهم ضربا، واغتنم خلوتهم من أهل دينهم. وفي قراءة عبد الله (أي ابن مسعود) :" فراغ عليهم صفقا باليمين".