الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ) قال: كانوا أصحاب شجر، قال: وكان عامَّة شجرهم الدوم.
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله (وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ) قال: أصحاب الغَيْضَة.
وقوله (أُولَئِكَ الأحْزَابُ) يقول تعالى ذكره: هؤلاء الجماعات المجتمعة، والأحزاب المتحزّبة على معاصي الله والكفر به، الذين منهم يا محمد مشركو قومك، وهم مسلوك بهم سبيلهم.
(إِنْ كُلٌّ إِلا كَذَّبَ الرُّسُلَ) يقول: ما كلّ هؤلاء الأمم إلا كذّب رسل الله; وهي في قراءة عبد الله كما ذكر لي:"إنْ كُلٌّ لَمَّا كَذَّبَ الرُّسُل فَحَقَّ عِقَابِ" يقول: فوجب عليهم عقاب الله إياهم.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِنْ كُلٌّ إِلا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ) قال: هؤلاء كلهم قد كذبوا الرسل، فحقّ عليهم العذاب.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ
(15)
وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16) }
يقول تعالى ذكره: (وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ) المشركون بالله من قُريش (إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً) يعني بالصيحة الواحدة: النفخة الأولى في الصور (مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ) يقول: ما لتلك الصيحة من فيقة، يعني من فتور ولا انقطاع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَمَا
يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً) يعني: أمة محمد (مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ)
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا المحاربي، عن إسماعيل بن رافع، عن يزيد بن زياد، عن رجل من الأنصار، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ الله لما فَرغَ مِنْ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ خَلَقَ الصُّورَ، فَأَعْطَاهُ إسْرَافِيلَ، فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلَى فِيهِ شَاخِص بِبَصَرِهِ إلَى العَرْشِ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ". قال أبو هريرة: يا رسول الله وما الصور؟ قال:"قَرْنٌ"، قال: كيف هو؟ قال:"قَرْنٌ عَظِيمٌ يُنْفَخُ فِيهِ ثَلاثُ نَفَخَاتٍ: نَفْخَةُ الفَزَعِ الأولى، والثَّانِيَةُ: نَفْخَةُ الصَّعْقِ، والثَّالِثَةُ: نَفْخَةُ القِيَامِ لِرَبّ العَالَمِينَ، يَأْمُرُ الله إسْرَافِيلَ بالنَّفْخَةِ الأولى، فَيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الفَزَعِ، فَيَفْزَعُ أهْلُ السَّمَوَاتِ وَأهْلُ الأرْضِ إلا مَنْ شَاءَ الله، وَيَأْمُرُهُ الله فَيُدِيمُهَا وَيُطَوِّلُهَا، فَلا يَفْتُرُ وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ الله (مَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ) . واختلف أهل التأويل في معنى قوله (مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ) فقال بعضهم: يعني بذلك: ما لتلك الصيحة من ارتداد ولا رجوع.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس (مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ) يقول: من ترداد.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ) يقول: ما لها من رجعة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ) قال: من رجوع.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ) يعني الساعة ما لها من رجوع ولا ارتداد.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ما لهؤلاء المشركين بعد ذلك إفاقة ولا
رجوع إلى الدنيا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ) يقول: ليس لهم بعدها إفاقة ولا رجوع إلى الدنيا.
وقال آخرون: الصيحة في هذا الموضع: العذاب. ومعنى الكلام: ما ينتظر هؤلاء المشركون إلا عذابا يهلكهم، لا إفاقة لهم منه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله (مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ) قال: ما ينتظرون إلا صيحة واحدة ما لها من فواق، يا لها من صيحة لا يفيقون فيها كما يفيق الذي يغشي عليها وكما يفيق المريض تهلكهم، ليس لهم فيها إفاقة.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة (مِنْ فَوَاقٍ) بفتح الفاء. وقرأته عامة أهل الكوفة:" مِنْ فُوَاقٍ" بضم الفاء.
واختلفت أهل العربية في معناها إذا قُرئت بفتح الفاء وضمها، فقال بعض البصريين منهم: معناها، إذا فتحت الفاء: ما لها من راحة، وإذا ضمت جعلها فُواق ناقة ما بين الحلبتين. وكان بعض الكوفيين منهم يقول: معنى الفتح والضم فيها واحد، وإنما هما لغتان مثل السَّوَاف والسُّواف، وجَمام المكوك وجُمامه، وقَصاص الشعر وقُصاصه.
والصواب من القول في ذلك أنهما لغتان، وذلك أنا لم نجد أحدا من المتقدمين على اختلافهم في قراءته يفرّقون بين معنى الضمّ فيه والفتح، ولو كان مختلف المعنى باختلاف الفتح فيه والضم، لقد كانوا فرقوا بين ذلك في المعنى.
فإذ كان ذلك كذلك، فبأي القراءتين قرأ القارئ فمصيب; وأصل ذلك من قولهم: أفاقت الناقة، فهي تفيق إفاقة، وذلك إذا ردت ما بين الرضعتين ولدها إلى الرضعة الأخرى، وذلك أن ترضع البهيمة أمها، ثم تتركها حتى ينزل شيء من اللبن، فتلك الإفاقة; يقال إذا اجتمع ذلك في الضرع فيقة، كما قال الأعشى:
حَتَّى إذَا فِيْقَةٌ فِي ضَرْعِها اجْتَمَعَتْ
…
جاءَتْ لِتُرْضِعَ شِقَّ النَّفْسِ لوْ رَضَعا (1)
وقوله (وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ) يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون بالله من قريش: يا ربنا عجل لنا كتبنا قبل يوم القيامة. والقطّ في كلام العرب: الصحيفة المكتوبة; ومنه قول الأعشى:
وَلا المَلِكُ النُّعْمَانُ يَوْمَ لَقِيتُهُ
…
بِنِعْمَتِهِ يُعْطِي القُطُوطَ وَيأْفِقُ (2)
(1) البيت في ديوان الأعشى ميمون بن قيس ص 13 وهو الثالث والثلاثون من قصيدة يمدح بها هوذة بن علي الحنفي. والفيقة: اللبن الذي يجتمع في الضرع بين الحلبتين. وشق الشيء: شطره، والقطعة منه، وشق النفس: ولدها، لأنه قطعة منها. ويقول: حتى إذا اجتمع اللبن في ضرعها، عادت ترضع ولدها، لو أنه حي يرضع. والضمير في ضرعها: راجع إلى راحلته المذكورة قبل. واستشهد المؤلف بالبيت على معنى قوله تعالى:"ما لها من فواق". قال أبو عبيدة (213 - 1) من فتحها قال: ما لها من راحة. ومن ضمها قال فواق، وجعلها من" فواق ناقة": ما بين الحلبتين. وقوم قالوا: هما واحد. بمنزلة جمام المكوك وجمام المكوك، وقصاص الشعر وقصاص الشعر (الأول بضم أوله، والثاني بفتحه فيهن) . أهـ. وقال الفراء في معاني القرآن (الورقة 277) :" ما لها من فواق": من راحة ولا إفاقة. وأصله من الإفاقة في الرضاع، إذا ارتضعت البهيمة أمها، ثم تركتها حتى تنزل شيئا من اللبن، فتلك الإفاقة والفواق بغير همز. وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" العيادة قدر فواق ناقة". وقرأها الحسن، وأهل المدينة، وعاصم: فواق بالفتح؛ وهي لغة جيدة عالية. وضم حمزة، ويحيي، والأعمش، والكسائي. أهـ.
(2)
البيت للأعمش ميمون بن قيس (ديوان طبع القاهرة ص 33) من قصيدة يمدح بها المحلق بن خنثم بن شداد بن ربيعة. وفيه"بأمته" في مكان"بنعمته". والقطوط: جمع قط بكسر القاف، وهو الصك بالجائزة، ويأفق كيضرب يفضل بعض الناس في الجوائز على بعض وهو من شواهد أبي عبيدة في (مجاز القرآن، الورقة 213\1) قال في قوله تعالى:" ربنا عجل لنا قطنا" القط: الكتاب قال الأعشى:"ولا الملك" البيت القطوط: الكتب بالجوائز يأفق يفضل ويعلو. يقال: ناقة أفقة، وفرس آفق إذا فضله على غيره.
يعني بالقُطوط: جمع القط، وهي الكتب بالجوائز.
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي أراد هؤلاء المشركون بمسألتهم تعجيل القطّ لهم، فقال بعضهم: إنما سألوا ربهم تعجيل حظهم من العذاب الذي أعد لهم في الآخرة في الدنيا، كما قال بعضهم:(إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) .
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا) يقول: العذاب.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ) قال: سألوا الله أن يعجل لهم العذاب قبل يوم القيامة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهد، في قوله (لَنَا قِطَّنَا) قال: عذابنا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا) قال: عذابنا.
حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ) أي نصيبنا حظنا من العذاب قبل يوم القيامة، قال: قد قال ذلك أبو جهل: اللهمّ إن كان ما يقول محمد حقا (فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ)
…
الآية.
وقال آخرون: بل إنما سألوا ربهم تعجيل أنصبائهم ومنازلهم من الجنة حتى يروها فيعلموا حقيقة ما يعدهم محمد صلى الله عليه وسلم فيؤمنوا حينئذ به ويصدّقوه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله (عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا) قالوا: أرنا منازلنا في الجنة حتى نتابعك.
وقال آخرون: مسألتهم نصيبهم من الجنة، ولكنهم سألوا تعجيله لهم في الدنيا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ثابت الحدّاد، قال: سمعت سعيد بن جُبَير يقول في قوله (عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ) قال: نصيبنا من الجنة.
وقال آخرون: بل سألوا ربهم تعجيل الرزق.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمر بن عليّ، قال: ثنا أشعث السجستاني، قال: ثنا شعبة، عن إسماعيل بن أبي خالد في قوله (عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا) قال: رزقنا.
وقال آخرون: سألوا أن يعجل لهم كتبهم التي قال قال الله (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ)(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ) في الدنيا، لينظروا بأيمانهم يعطونها أم بشمائلهم؟ ولينظروا من أهل الجنة هم، أم من أهل النار قبل يوم القيامة استهزاء منهم بالقرآن وبوعد الله.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن القوم سألوا ربهم تعجيل صِكاكهم بحظوظهم من الخير أو الشر الذي وعد الله عباده أن يؤتيهموها في الآخرة قبل يوم القيامة في الدنيا استهزاء بوعيد الله.
وإنما قلنا إن ذلك كذلك، لأن القطّ هو ما وصفت من الكتب بالجوائز والحظوظ، وقد أخبر الله عن هؤلاء المشركين أنهم سألوه تعجيل ذلك لهم، ثم أتبع ذلك قوله لنبيه:(اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ) فكان معلوما بذلك أن مسألتهم