المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

في رأْسِ حَلْقاءَ مِن عَنقاءَ مُشْرِفةً … لا يَنْبَغي دُونها - تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث - جـ ٢١

[ابن جرير الطبري]

فهرس الكتاب

- ‌ الصافات

- ‌(1)

- ‌(4)

- ‌(11)

- ‌(13)

- ‌(15)

- ‌(20)

- ‌(22)

- ‌(24) }

- ‌(25)

- ‌(28)

- ‌(31)

- ‌(35)

- ‌(38)

- ‌(48)

- ‌(51) }

- ‌(52)

- ‌(54)

- ‌(58)

- ‌(62)

- ‌(67)

- ‌(71)

- ‌(75)

- ‌(77) }

- ‌(78)

- ‌(83)

- ‌(87)

- ‌(91)

- ‌(93)

- ‌(97)

- ‌(101)

- ‌(103)

- ‌(107)

- ‌(112)

- ‌(114)

- ‌(117)

- ‌(123)

- ‌(127)

- ‌(130)

- ‌(133)

- ‌(137)

- ‌(140)

- ‌(143)

- ‌(147)

- ‌(150)

- ‌(153) }

- ‌(158)

- ‌(161)

- ‌(165)

- ‌(170)

- ‌(174)

- ‌(178)

- ‌{ص

- ‌(1)

- ‌(3) }

- ‌(4)

- ‌(6)

- ‌(8)

- ‌(10)

- ‌(12)

- ‌(15)

- ‌(17)

- ‌(21)

- ‌(23) }

- ‌(24) }

- ‌(25)

- ‌(27)

- ‌(30)

- ‌(34)

- ‌(36)

- ‌(41)

- ‌(43)

- ‌(45)

- ‌(48)

- ‌(50)

- ‌(52)

- ‌(55)

- ‌(61) }

- ‌(62)

- ‌(65)

- ‌(67)

- ‌(71)

- ‌(75)

- ‌(77)

- ‌(80)

- ‌(84)

- ‌(87)

- ‌(1)

- ‌(4) }

- ‌(5) }

- ‌(6) }

- ‌(7) }

- ‌(8) }

- ‌(9) }

- ‌(10) }

- ‌(11)

- ‌(15) }

- ‌(16)

- ‌(21) }

- ‌(22) }

- ‌(23) }

- ‌(24)

- ‌(26) }

- ‌(29) }

- ‌(30)

- ‌(33)

- ‌(35) }

- ‌(36)

- ‌(38) }

- ‌(39)

- ‌(41) }

- ‌(42) }

- ‌(43)

- ‌(45) }

- ‌(46) }

- ‌(47) }

- ‌(48) }

- ‌(49) }

- ‌(50)

- ‌(52) }

- ‌(53) }

- ‌(54)

- ‌(57)

- ‌(59) }

- ‌(60) }

- ‌(61)

- ‌(65) }

- ‌(66)

- ‌(68) }

- ‌(70)

- ‌(72) }

- ‌(73)

- ‌(75) }

- ‌ غافر

- ‌(1)

- ‌(4)

- ‌(5) }

- ‌(6) }

- ‌(7) }

- ‌(8) }

- ‌(9) }

- ‌(10)

- ‌(12) }

- ‌(15)

- ‌(17) }

- ‌(18)

- ‌(21) }

- ‌(23)

- ‌(25) }

- ‌(32)

- ‌(34) }

- ‌(35) }

- ‌(36)

- ‌(38)

- ‌(40) }

- ‌(41)

- ‌(43) }

- ‌(44)

- ‌(46) }

- ‌(47)

- ‌(49) }

- ‌(50) }

- ‌(51)

- ‌(53)

- ‌(55) }

- ‌(56) }

- ‌(57) }

- ‌(59)

- ‌(61) }

- ‌(62)

- ‌(66) }

- ‌(67) }

- ‌(70)

- ‌(75)

- ‌(77) }

- ‌(78) }

- ‌(79)

- ‌(82) }

- ‌(83) }

- ‌(84) }

- ‌ فصلت

- ‌(1)

- ‌(5) }

- ‌(6)

- ‌(8)

- ‌(10)

- ‌(12) }

- ‌(13)

- ‌(15) }

- ‌(16) }

- ‌(17)

- ‌(19)

- ‌(23) }

- ‌(24) }

- ‌(25) }

- ‌(26)

- ‌(28) }

- ‌(29) }

- ‌(30) }

- ‌(31)

- ‌(33)

- ‌(35)

- ‌(37) }

- ‌(38) }

- ‌(39) }

- ‌(40) }

- ‌(41)

- ‌(43) }

- ‌(44) }

- ‌(45) }

- ‌(46) }

- ‌(47) }

- ‌(48)

- ‌(50) }

- ‌(51) }

- ‌(52) }

- ‌(54) }

- ‌ الشورى

- ‌(1)

- ‌(4)

- ‌(6) }

- ‌(7) }

- ‌(8) }

- ‌(9)

- ‌(11) }

- ‌(12) }

- ‌(14) }

- ‌(16) }

- ‌(17)

- ‌(18) }

- ‌(19)

- ‌(21) }

- ‌(22) }

- ‌(23) }

- ‌(24) }

- ‌(25) }

- ‌(26) }

- ‌(27) }

- ‌(28) }

- ‌(30)

- ‌(32)

- ‌(34)

- ‌(37)

- ‌(39)

- ‌(41)

- ‌(43)

- ‌(45) }

- ‌(46)

- ‌(47) }

- ‌(48) }

- ‌(51) }

- ‌(52)

- ‌ الزخرف

- ‌(1)

- ‌(4) }

- ‌(5) }

- ‌(6)

- ‌(9)

- ‌(11)

- ‌(13)

- ‌(15)

- ‌(18) }

- ‌(19) }

- ‌(20)

- ‌(22) }

- ‌(23) }

- ‌(24) }

- ‌(26)

- ‌(29)

- ‌(31)

- ‌(34)

- ‌(35) }

- ‌(36)

- ‌(38)

- ‌(40)

- ‌(45) }

- ‌(46)

- ‌(47) }

- ‌(48) }

- ‌(49)

- ‌(51) }

- ‌(52)

- ‌(54)

- ‌(56)

- ‌(58)

- ‌(61)

- ‌(63)

- ‌(65)

- ‌(67)

- ‌(69)

- ‌(71) }

- ‌(72)

- ‌(74)

- ‌(77)

- ‌(79)

- ‌(81)

- ‌(83)

- ‌(85) }

- ‌(87)

- ‌(89) }

الفصل: في رأْسِ حَلْقاءَ مِن عَنقاءَ مُشْرِفةً … لا يَنْبَغي دُونها

في رأْسِ حَلْقاءَ مِن عَنقاءَ مُشْرِفةً

لا يَنْبَغي دُونها سَهْل وَلا جَبَل (1)

بمعنى: لا يكون فوقها سهل ولا جبل أحصن منها.

وقوله (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) يقول: إنك وهاب ما تشاء لمن تشاء بيدك خزائن كلّ شيء تفتح من ذلك ما أردت لمن أردت.

القول في تأويل قوله تعالى: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ‌

(36)

وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40) }

يقول تعالى ذكره: فاستجبنا له دعاءه، فأعطيناه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ) مكان الخيل التي شغلته عن الصلاة (تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً) يعني: رِخوة لينة، وهي من الرخاوة.

كما حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا عوف، عن الحسن، أن نبي الله سليمان صلى الله عليه وسلم لما عرضت

(1) البيتان لابن أحمر الباهلي. أنشد أولهما صاحب اللسان في (دعج، علق) وأنشد الثاني في (علق)، وقال: دعجاء: هضبة عن أبي عبيدة. والغفر، بضم أوله وفتحه: ولد الأروية، والأنثى بالهاء والقراميد في البيت: أولاد الوعول. والقرمود: ذكر الوعول: والقراميد في غير هذا: الصخور وطوابيق الدار والحمامات. وبناء مقرمد: مبني بالآجر أو الحجارة. والأعصم: الوعل الذي في ذراعيه أو أحدهما بياض. والوعل بكسر العين وضمها: الذي يسرع في الصعود في الجبل. وهضبة حلقاء: مصمتة ملساء، لا نبات فيها. ويقال: هضبة معنقة وعنقاء: إذا كانت مرتفعة طويلة في السماء. ولا ينبغي: أي لا يكون مثلها في سهل أو جبل. وهذا محل الشاهد في البيتين، وهو مثل قوله تعالى:" هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي". قال أبو عبيدة وأنشد البيتين (الورقة 214) لا ينبغي أن يكون فوقها سهل ولا جبل أعز منها أو أحصن منها. ورواية البيت الثاني في (اللسان: علق) : لا ينبغي تحريف. وقد مر هذا البيت في شواهد المؤلف مرتين في الجزء (16: 84، 131) . أهـ.

ص: 201

عليه الخيل، فشغله النظر إليها عن صلاة العصر (حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ) فغضب لله، فأمر بها فعُقرت، فأبدله الله مكانها أسرع منها، سخر الريح تجري بأمره رُخاء حيث شاء، فكان يغدو من إيلياء، ويقيل بقزوين، ثم يروح من قَزْوين ويبيت بكابُل.

حُدثت عن الحسن، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي) فإنه دعا يوم دعا ولم يكن في مُلكه الريح، وكل بناء وغواص من الشياطين، فدعا ربه عند توبته واستغفاره، فوهب الله له ما سأل، فتمّ مُلكه.

واختلف أهل التأويل في معنى الرخاء، فقال فيه بعضهم نحو الذي قلنا فيه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً) قال: طَيِّبة.

حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ) قال: سريعة طيبة، قال: ليست بعاصفة ولا بطيئة.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (رُخَاءً) قال: الرخاء اللينة.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا قرة، عن الحسن، في قوله (رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ) قال: ليست بعاصفة، ولا الهَيِّنة بين ذلك رُخاء.

وقال آخرون: معنى ذلك: مطيعة لسليمان.

ص: 202

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن على، عن ابن عباس، قوله (رُخَاءً) يقول: مُطيعة له.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً) قال: يعني بالرُّخاء: المطيعة.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله، قال: ثنا شعبة،

ص: 203

عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله (تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً) قال: مطيعة.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (رُخَاءً) يقول: مطيعة.

حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله (رُخَاءً) قال: طوعا. وقوله (حَيْثُ أَصَابَ) يقول: حيث أراد، من قولهم: أصاب الله بك خيرا: أي أراد الله بك خيرا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ عن ابن عباس، قوله (حَيْثُ أَصَابَ) يقول: حيث أراد.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (حَيْثُ أَصَابَ) يقول: حيث أراد، انتهى عليها.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال. ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (حَيْثُ أَصَابَ) قال: حيث شاء.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله، قال: ثنا شعبة، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله (حَيْثُ أَصَابَ) قال: حيث أراد.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (حَيْثُ أَصَابَ) قال: إلى حيث أراد.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (حَيْثُ أَصَابَ) قال: حيث أراد.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه (حَيْثُ أَصَابَ) : أي حيث أراد.

حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (حَيْثُ أَصَابَ) قال: حيث أراد.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (حَيْثُ أَصَابَ) قال: حيث أراد.

وقوله (وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ) يقول تعالى ذكره: وسخرنا له الشياطين سلطناه عليها مكان ما ابتُليناه بالذي ألقينا على كرسيّه منها يستعملها فيما يشاء من أعماله من بنَّاء وغوَّاص; فالبُناة منها يصنعون محاريب وتماثيل، والغاصة يستخرجون له الحُلِيّ من البحار، وآخرون ينحتون له جِفانا وقدورا، والمَردَة في الأغلال مُقَرَّنون.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ) قال: يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل، وغوّاص يستخرجون الحليّ من البحر (وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ) قال: مردة الشياطين في الأغلال.

حُدثت عن المحاربيّ، عن جُوَيبر، عن الضحاك (وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ) قال: لم يكن هذا في ملك داود، أعطاه الله ملك داود وزاده الريح (وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ) يقول: في

ص: 204

السلاسل.

حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله (الأصْفَادِ) قال: تجمع اليدين إلى عنقه، والأصفاد: جمع صَفَد وهي الأغلال.

وقوله (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) اختلف أهل التأويل في المشار إليه بقوله (هَذَا) من العطاء، وأيّ عطاء أريد بقوله: عَطاؤنا، فقال بعضهم: عني به الملك الذي أعطاه الله.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) قال: قال الحسن: الملك الذي أعطيناك فأعط ما شئت وامنع ما شئت.

حدثنا عن المحاربي، عن جُوَيبر، عن الضحاك (هَذَا عَطَاؤُنَا) : هذا ملكنا.

وقال آخرون: بل عَنَى بذلك تسخيره له الشياطين، وقالوا: ومعنى الكلام: هذا الذي أعطيناك من كلّ بنّاء وغوّاص من الشياطين، وغيرهم عطاؤنا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) قال: هؤلاء الشياطين احبس من شئت منهم فى وثاقك وفي عذابك أو سرِّح من شئت منهم تتخذ عنده يدًا، اصنع ما شئت.

وقال آخرون: بل ذلك ما كان أوتي من القوّة على الجماع.

* ذكر من قال ذلك:

حُدثت عن أبي يوسف، عن سعيد بن طريف، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان سليمان في ظهره ماءُ مِئَة رجل، وكان له ثلاث مِئَة امرأة

ص: 205

وتسع مِئَة سُرِّيَّة (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) .

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب القولُ الذي ذكرناه عن الحسن والضحاك من أنه عني بالعطاء ما أعطاه من الملك تعالى ذكره، وذلك أنه جلّ ثناؤه ذكر ذلك عَقِيب خبره عن مسألة نبيه سليمان صلوات الله وسلامه عليه إياه مُلكا لا ينبغي لأحد من بعده، فأخبر أنه سخر له ما لم يُسَخَّر لأحد من بني آدم، وذلك تسخيره له الريح والشياطين على ما وصفت، ثم قال له عزّ ذكره: هذا الذي أعطيناك من المُلك، وتسخيرنا ما سخرنا لك عطاؤنا، ووهبنا لك ما سألتنا أن نهبه لك من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعدك (فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله (فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) فقال بعضهم: عنى بذلك. فأعط من شئت ما شئت من الملك الذي آتيناك، وامنع ما شئت منه ما شئت، لا حساب عليك في ذلك.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال الحسن (فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) المُلك الذي أعطيناك، فأعط ما شئت وامنع ما شئت، فليس عليك تبعة ولا حساب.

حُدثت عن المحاربي، عن جُوَيبر، عن الضحاك (فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) سأل مُلكا هنيئا لا يُحاسب به يوم القيامة، فقال: ما أعطيت، وما أمسكت، فلا حرج عليك.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرمة (فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) قال: أعط أو أمسك، فلا حساب عليك.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن

ص: 206

مجاهد (فَامْنُنْ) قال: أعط أو أمسك بغير حساب.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أعْتِق من هؤلاء الشياطين الذين سخرناهم لك من الخدمة، أو من الوَثاق ممن كان منهم مُقَرَّنا في الأصفاد مَنْ شئت واحبس من شئت فلا حرج عليك في ذلك.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) يقول: هؤلاء الشياطين احبس من شئت منهم في وَثاقك وفي عذابك، وسرح من شئت منهم تتخذ عنده يدًا، اصنع ما شئت لا حساب عليك في ذلك.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) يقول: أعتق من الجنّ من شئت، وأمسك من شئت. حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله (فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) قال: تَمُنّ على من تشاء منهم فتُعْتِقُهُ، وتُمسِك من شئت فتستخدمه ليس عليك في ذلك حساب.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: هذا الذي أعطيناك من القوّة على الجماع عطاؤنا، فجامع من شئت من نسائك وجواريك ما شئت بغير حساب، واترك جماع من شئت منهن.

وقال آخرون: بل ذلك من المقدم والمؤخر. ومعنى الكلام: هذا عطاؤنا بغير حساب، فامْنُن أو أمسك. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله:"هذا فامنن أو أمسك عطاؤنا بغير حساب".

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من البصريين يقول في قوله (بِغَيْرِ حِسَابٍ) وجهان; أحدهما: بغير جزاء ولا ثواب، والآخر: مِنَّةٍ ولا قِلَّةٍ.

ص: 207

والصواب من القول في ذلك ما ذكرته عن أهل التأويل من أن معناه: لا يحاسب على ما أعطى من ذلك المُلك والسلطان. وإنما قلنا ذلك هو الصواب لإجماع الحجة من أهل التأويل عليه.

وقوله (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ) يقول: وإن لسليمان عندنا لقُرْبةً بإنابته إلينا وتوبته وطاعته لنا، وحُسْنَ مآب: يقول: وحسن مرجع ومصير في الآخرة.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ) : أي مصير.

إن قال لنا قائل: وما وجه رغبة سليمان إلى ربه في الملك، وهو نبيّ من الأنبياء، وإنما يرغب في الملك أهل الدنيا المؤثِرون لها على الآخرة؟ أم ما وجه مسألته إياه، إذ سأله ذلك مُلكا لا ينبغي لأحد من بعده، وما كان يضرّه أن يكون كلّ من بعده يُؤْتَى مثل الذي أوتي من ذلك؟ أكان به بخل بذلك، فلم يكن من مُلكه، يُعطي ذلك من يعطاه، أم حسد للناس، كما ذُكر عن الحجاج بن يوسف; فإنه ذكر أنه قرأ قوله (وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي) فقال: إن كان لحسودًا، فإن ذلك ليس من أخلاق الأنبياء! قيل: أما رغبته إلى ربه فيما يرغب إليه من المُلك، فلم تكن إن شاء الله به رغبةً في الدنيا، ولكن إرادة منه أن يعلم منزلته من الله فى إجابته فيما رغب إليه فيه، وقبوله توبته، وإجابته دعاءه.

وأما مسألته ربه مُلكا لا ينبغي لأحد من بعده، فإنا قد ذكرنا فيما مضى قبلُ قولَ من قال: إن معنى ذلك: هب لي مُلكا لا أسلبه كما سلبته قبل. وإنما معناه عند هؤلاء: هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي أن يَسلُبنيه. وقد يتجه ذلك أن يكون بمعنى: لا ينبغي لأحد سواي من أهل زماني، فيكون حجة وعَلَما لي على نبوتي وأني رسولك إليهم مبعوث، إذ كانت الرسل لا بد لها من أعلام تفارق بها سائر الناس سواهم. ويتجه أيضا لأن يكون معناه: وهب لي

ص: 208