الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) يقول تعالى ذكره: قال إسحاق لأبيه: يا أبت افعل ما يأمرك به ربك من ذبحي. (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) يقول: ستجدني إن شاء الله صابرا من الصابرين لما يأمرنا به ربنا، وقال: (افعل ما تُؤْمَرُ، ولم يقل: ما تؤمر به، لأن المعنى: افعل الأمر الذي تؤمره، وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله:"إني أرى في المنام: افعل ما أُمِرْت به".
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ
(103)
وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) }
يقول تعالى ذكره: فلما أسلما أمرهما لله وفوّضاه إليه واتفقا على التسليم لأمره والرضا بقضائه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا ثابت بن محمد، وحدثنا ابن بشار، قال: ثنا مسلم بن صالح، قالا ثنا عبد الله بن المبارك، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله (فَلَمَّا أَسْلَمَا) قال: اتفقا على أمر واحد.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، قوله (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) قال: أسلما جميعا لأمر الله ورضي الغلام بالذبح، ورضي الأب بأن يذبحه، فقال: يا أبت اقذفني للوجه كيلا تنظر إلي فترحمني، وأنظر أنا إلى الشفرة فأجزع، ولكن أدخل الشفرة من تحتي، وامض لأمر الله، فذلك قوله (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) فلما فعل ذلك (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَلَمَّا أَسْلَمَا) قال: أسلم هذا نفسه لله، وأسلم هذا ابنه لله.
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (فَلَمَّا أَسْلَمَا) قال: أسلما ما أمرا به.
حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (فَلَمَّا أَسْلَمَا) يقول: أسلما لأمر الله.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق (فَلَمَّا أَسْلَمَا) : أي سلم إبراهيم لذبحه حين أمر به وسلم ابنه للصبر عليه، حين عرف أن الله أمره بذلك فيه.
وقوله (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) يقول: وصَرَعَه للجَبِيِن، والجبينان ما عن يمين الجبهة وعن شمالها، وللوجه جبينان، والجبهة بينهما.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو العاصم، قال: ثنا عيسى: وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) قال: وضع وجهه للأرض، قال: لا تذبحني وأنت تنظر إلى وجهي عسى أن ترحمني، ولا تجهز عليّ، اربط يدي إلى رقبتي ثم ضع وجهي للأرض.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) : أى وكبه لفيه وأخذ الشفرة (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا) حتى بلغ (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي،
عن أبيه، عن ابن عباس (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) قال: أكبه على جبهته.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) قال: جبينه، قال: أخذ جبينه ليذبحه.
حدثنا ابن سنان، قال: ثنا حجاج، عن حماد، عن أبي عاصم الغَنَوِيّ عن أبي الطُّفَيل، قال: قال ابن عباس: إن إبراهيم لما أُمر بالمناسك عرض له الشيطان عند المسعى فسابقه، فسبقه إبراهيم، ثم ذهب به جبريل إلى جمرة العقبة، فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حَصَيَات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوُسْطَى، فرماه بسبع حَصَيَات حتى ذهب، ثم تلَّه للجَبِين، وعلى إسماعيل قَميص أبيض، فقال له: يا أبت إنه ليس لي ثوب تكفنني فيه غير هذا، فاخلعه حتى تكفنني فيه، فالتفت إبراهيم فإذا هو بكبش أعْيَن أبيض فذبحه، فقال ابن عباس: لقد رأيتنا نتبع هذا الضرب من الكِباش.
وقوله (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا) وهذا جواب قوله (فَلَمَّا أَسْلَمَا) ومعنى الكلام: فلما أسلما وتلَّه للجبين، وناديناه أن يا إبراهيم; وأدخلت الواو في ذلك كما أدخلت في قوله (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) وقد تفعل العرب ذلك فتدخل الواو في جواب فلما، وحتى وإذا تلقيها.
ويعني بقوله (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا) التي أريناكها في منامك بأمرناك بذبح ابنك.
وقوله (إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) يقول: إنا كما جَزَيْناك بطاعتنا يا إبراهيم، كذلك نجزى الذين أحسنوا، وأطاعوا أمرنا، وعملوا في رضانا.
وقوله (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) : يقول تعالى ذكره: إن أمرنا إياك يا إبراهيم بذبح ابنك إسحاق، لهو البلاء، يقول: لهو الاختبار الذي يبين لمن فكَّرَ فيه أنه بلاء شديد ومِحْنة عظيمة. وكان ابن زيد يقول: البلاء في هذا الموضع الشرّ وليس باختبار.