الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[2/ 313]
قول الفخر الرازي في الاحتجاج بالنصوص الشرعية
في «مختصر الصواعق» (ج 1 ص 252 - 256)
(1)
عبارة طويلة للفخر الرازي سأحاول تلخيصها مع شيء من الإيضاح. المطالب ثلاثة:
الأول: ما يتوقف ثبوت الشرع على ثبوته، كوجود الله وعلمه بالمعلومات كلها، وصدقِ الرسول. فهذا يستحيل أن يُعلم بإخبار الشرع.
الثاني: ثبوت أو انتفاء ما يقطع العقلُ بإمكان ثبوته وإمكان انتفائه. فهذا إذا لم يجده الإنسان من نفسه، ولا أدركه بحسِّه، استحال العلم به إلا من جهة الشرع.
الثالث: وجوب الواجبات، وإمكان الممكنات، واستحالة المستحيلات. فهذا يعلم من طريق العقل بلا إشكال. فأما العلم بإخبار الشارع فمشكل، لأن خبر الشارع في هذا المطلب إن وافقه عليه العقل، فالاعتماد على العقل، وخبر الشارع فضل. وإن خالفه العقل وجب تقديم العقل وتأويل الخبر في قول المحققين، لأن تقديم الخبر على العقل حكمٌ على العقل بأنه غير موثوق به، فيلزم من هذا أن لا يكون ما ثبت به الشرع موثوقًا به، فيسقط الشرع، وما أدى ثبوته إلى انتفائه فهو باطل. وإن لم يعلم موافقة العقل للخبر ولا مخالفته له كان محتملًا أن يكون العقل مخالفًا له فيجب تأويله، ومع هذا الاحتمال لا يفيد العلم.
قال
(2)
: «فإن قيل: إن الله سبحانه لما أسمع المكلَّفَ الكلامَ الذي يُشعِر
(1)
(ص 153 وما بعدها) ط. دار الكتب العلمية بيروت 1405.
(2)
انظر المصدر السابق (ص 155).
ظاهرُه بشيء، فلو كان في العقل ما يدل على بطلان ذلك الشيء وجب عليه سبحانه أن يُخطِر ببال المكلَّف ذلك الدليلَ، وإلا كان تلبيسًا من الله تعالى، وإنه غير جائز. قلنا: هذا بناء على قاعدة الحسن والقبح وأنه يجب على الله سبحانه شيء، ونحن لا نقول بذلك. سلَّمنا ذلك، فلِمَ قلتم: إنه يجب
…
، وبيانه: أن الله إنما يكون مُلَبِّسًا على المكلَّف لو أسمعه كلامًا يمتنع عقلًا أن يريد به إلا ما أشعَر به ظاهرُه. وليس الأمر كذلك، لأن المكلَّف إذا سمع ذلك الظاهر فبتقدير أن [لا]
(1)
يكون الأمر كذلك لم يكن مراد الله من ذلك الكلام ما أشعرَ به الظاهر، فعلى هذا إذا أسمع الله المكلَّفَ ذلك الكلامَ، فلو قطع المكلَّفُ بحمله على ظاهره مع قيام الاحتمال الذي ذكرنا كان ذلك التقصير واقعًا من المكلَّف، لا من قِبَل الله تعالى
…
[2/ 314] فخرج بما ذكرنا أن الأدلة النقلية لا يجوز التمسك بها في باب المسائل العقلية. نعم، يجوز التمسك بها في المسائل النقلية، تارةً لإفادة اليقين كما في مسألة الإجماع وخبر الواحد، وتارةً لإفادة الظن كما في الأحكام الشرعية».
أقول: أما المطلب الأول، فقد أعدَّ الله تبارك وتعالى لثبوته فِطرَ الناس وعقولهم الفطرية وآيات الآفاق والأنفس، ثم تكفَّل الشرعُ بالتنبيه على ذلك وإيضاحه مع تضمنه لآيات أخرى. ثم يتمِّم الله عز وجل ذلك بالتوفيق لمن استحقَّه، فمن كان في قلبه محبة للحق ورغبة فيه وإيثار له على ما سواه رَزَقه
(1)
زيادة من المؤلف ليستقيم المعنى. ونص كلام الرازي في «نهاية العقول في دراية الأصول» ــ كما في الطبعة المحققة من «مختصر الصواعق» (2/ 474 - 475) ــ: «لأن المكلف إذا سمع ذلك الظاهر، [ثم إنه يجوز أن يكون هناك دليل عقلي على خلاف ذلك الظاهر]، فبتقدير أن يكون الأمر كذلك
…
» ما بين المعكوفين ساقط من «مختصر الصواعق» فأدَّى ذلك إلى اختلال المعنى.
الله الإيمان لا محالة. ولهؤلاء درجات بحسب درجاتهم في المحبة والرغبة والإيثار، فمنهم من تقوى هذه الأمور عنده وتصفو، فيصفو له اليقين بالفطرة وأدنى نظر. ومنهم من يكون دون ذلك، فيحتاج إلى زيادة.
وعلى كل حال، فإن المأخذَين السلفيَّين شافيان كافيان مُغنيان في تحصيل الحق من هذا المطلب ضرورةَ أن الله عز وجل بعث رسله وأنزل كتبه في أقوام لا خبر عندهم لغير المأخذين السلفيين ولا أثر، واكتفى بهما وبنى عليهما.
ولا يقف الأمر عند الاستغناء عن المأخذين الخلفيين، بل إن مِنْ شأنهما أن يمانعا حصول الإيمان ويزلزلاه لأسباب:
الأول: أن المشتغل بهما يغفُل عن المأخذين السلفيين.
الثاني: أنه يتعرض لشبهات تعتاص عليه، فيسوء ظنه بالمأخذين السلفيين.
الثالث ــ وهو أعظم الأسباب ــ: حرمان التوفيق، فإن طالب الحق في غير المأخذين السلفيين إما أن يكون فاقدًا لصدق المحبة والرغبة والإيثار للحق، وإما أن يكون كان عنده شيء من ذلك ولكنه ضعف بإعراضه عن سبيل الله عز وجل. فقد يبلغ به الضعف إلى أن يزول أثره البتة. وقد يبقى أثره في الجملة، فيبقى العبد مترددًا. وربما يتداركه الله عز وجل في آخر الأمر، فيرجع إلى المأخذين السلفيين، وإن كان لا يصفو له ذلك كما يصفو لمن ثبت عليهما من أول أمره. ولذلك كان إمام الحرمين يتمنى في آخر أمره أن يموت على دين عجائز نيسابور، كما تقدم في الباب الأول.
[2/ 315] وأما المطلب الثاني، فإن أراد الرازي أن الأخبار الشرعية فيه قد تفيد العلم اليقيني فيما هي ظاهرة فيه، كما يدل عليه قطعُ الأشاعرة بتنزيه الله عز وجل عن الكذب، مع مصيرهم إلى أنه لا حجة في ذلك إلا النصوص، كما تقدم، وكما يدل آخر كلام الرازي، وسيأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى. فهكذا يلزمه في المطلب الثالث، بل هو أولى وأحرى لِتعلُّقه بأعظم أصول الدين، فالخطر فيه أشد، واحتياط الشارع له آكد. ويترتب على التلبيس فيه مفاسد عظيمة، كما مرَّ في الكلام مع ابن سينا.
وأما المطلب الثالث، فقوله:«إن خبر الشارع إذا وافق العقل فالاعتمادُ على العقل، وخبرُ الشارع فضل» قول مردود عليه. بل إن كان الدليل العقلي من المأخذ السلفي الأول فهما دليلان، وإلا فالنص هو الدليل، والقياس التعمُّقي فضلة، كما يُعلم مما تقدم في الباب الأول. على أنه بعد ثبوت صدقِ الشارع بالدلائل العقلية يكون الاحتجاج بخبره احتجاجًا بالعقل.
قوله: «فإن خالفه العقل وجب تقديمُ العقل
…
» قول مردود عليه. بل إن كان الدليل العقلي من المأخذ السلفي الأول فهو قرينة صحيحة يُعلم بها أن معنى الخبر خلافُ ما يتراءى منه لولا القرينة. فليس هنا تقديم للعقل ولا للشرع إذ لا تخالُفَ، وإنما هنا حملٌ للخبر على ما هو الظاهر الحقيقي، فإن الخبر إذا اقترنت به قرينة صحيحة تصرف عما يتراءى منه لولاها، فظاهره الحقيقي هو ما يُفهم منه مع القرينة، وهي حينئذ بمثابة كلمة من لفظ الخبر. وإن لم يكن هناك ما يخالف ظاهرَ النص إلا قياس أو أقيسة مما يركبه المتعمِّقون مِنْ أصحاب المأخذ الخلفي الأول، فالواجب تقديم النص، ولاسيما إذا كان قطعيَّ الثبوت كآية من القرآن أو سنة ثابتة قطعًا. وقد تقدم في
الباب الأول بيان وهن تلك الأقيسة. ولا يلزم من تقديم النص عليها حكمٌ على العقل الذي هو من المأخذ السلفي الأول بأنه لا يوثق به، وإنما يلزم الحكم بذلك على ذاك القياس وما كان مِنْ قبيله. والشرعُ لم يثبت بشيء من ذلك، كيف وقد ثبت الإسلام في العرب، ولا أثر فيهم للتعمُّق البتة، وكذلك بقية الشرائع. وإنما ثبت الشرعُ بما تقدَّم في المطلب الأول، والعقل هناك هو العقل الفطري الذي أعدَّه الله عز وجل لإدراك بيناته في الدين.
[2/ 316] هذا، وقد تقدَّم في الباب الأول بيانُ حال النظر المتعمَّق فيه، وأنه قد يتعارض عند أصحابه قياسان كلٌّ منهما بحيث لو انفرد لكان قاطعًا عندهم. وقد يحصل لبعضهم قياس يعتقد أنه قاطع يقيني، ثم بعد مدة يتبين له أنه مختلّ. وكثيرًا ما يتمسك أحد الفريقين المختلفين منهم كالأشعرية والمعتزلة بقياس، ويرى أنه قطعي يقيني، ويتمسك الفريق الآخر بقياس آخر مناقض لذاك ويرى أنه قطعي يقيني، ويَثبُت كل الفريقين على رأيه في قياسه، ويحاول القدح في قياس مخالفه، ويستمرُّ هذا إلى مئات السنين. وهم يعرفون هذا، ويعترفون به، ومع ذلك لا يرونه موجبًا عدمَ الثقة بالعقل مطلقًا ولا بما كان من جنس تلك الأقيسة، فكيف يسوغ لهم مع هذا أن يزعموا أن خبر الله عز وجل ــ مع العلم بأنه سبحانه لا يجهل ولا يخطئ ولا يكذب ــ إذا قُدِّم على قياس من تلك الأقيسة كان ذلك قدحًا في العقل مطلقًا؟ بل الحق أن تقديم القياس على النص هو الأولى بأن يكون قدحًا في العقل، بل هو ردٌّ للعقل الصريح بشبهة واهية. فقد ثبت الشرعُ بالعقل الصريح، وثبت صدقُ الشارع وإبانته بالعقل الصريح. وكثير من المعاني التي دلت عليها النصوص وهم ينكرونها ثابتة بالفِطَر والبدائه، وهي رأس العقل الصريح، وقد أُثبتت مع ذلك بأقيسة من جنس أقيستهم.
قوله: «وإن لم يعلم موافقة العقل للخبر ولا مخالفته له
…
».
أقول: أما العقل الصريح الواضح الجلي الذي يصلح أن يكون قرينةً، فلا يمكن أن لا يعلم. فإن جاز أن يذهل عنه بعضُ المخاطبين الأولين لم يلبث أن ينبِّهه غيرُه. فإذا لم يعلم ما يكون قرينةً كان النص نفسه برهانًا على صحة ما دل عليه، وعلى عدم المخالف الصحيح. ولا يبقى إلا احتمالُ أن يوحي الشياطين إلى بعض أوليائهم شبهةً مبنيةً على النظر المتعمَّق فيه، وقد قال الله عز وجل:{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121].
قوله: «فإن قيل: إن الله سبحانه لما أسمع المكلَّف
…
».
أقول: هذا كله مغالطة، فإن النصوص المتعلقة بذات الله تعالى وصفاته لم تقتصر في الدلالة على تلك المعاني على إشعار الظاهر، بل فيها المحقَّق المؤكَّد، والصريح الواضح، والظاهر [2/ 317] البيِّن؛ ولم يكن معها معارضًا لها قرينةٌ صحيحةٌ من شأنها أن لا تخفى على المخاطبين الأولين. فعلى فرض بطلان تلك المعاني أو بعضها لا يكون اللازم التلبيس فقط، بل تكون كذبًا صريحًا. وبطلان هذا اللازم لا يتوقف على القول بأنه يجب على الله تعالى شيء، ولا على القول بالحسن والقبح العقليين، وإنما يتوقف على امتناع أن يكذب الله عز وجل أو يكذب رسوله. والأشاعرة ومنهم الرازي يعترفون بهذا الامتناع، ويكفِّرون من لا يقول به. غاية الأمر أنهم زعموا أن العقل لا يمنع أن يكذب الله سبحانه أو أن لا يكذب، ولكن الرسول أخبر بأن الله تعالى لا يكذب، وقد ثبت صدقُ الرسول بظهور المعجزة على يده. قالوا: ودلالة المعجزة على صدقه دلالة عادية ــ على ما مرَّ بيانه في الباب الثاني ــ والدلالة
العادية عندهم يقينية. ومهما يكن في استدلالهم من الوهن، فيكفي أنهم معترفون بامتناع أن يقع من الله تعالى أو من رسوله فيما يخبر به عنه كذبٌ، ويكفر من يقول خلاف ذلك. ولا ريب أنهم إذا عرفوا بطلان استدلالهم، ولم يبق إلا أن يقولوا بالوجوب والحسن والقبح العقليين أو يكفروا، إنما يختارون الأول. فإن فُرِضَ أن بعض أتباعهم اختار الكفر، فإلى حيثُ ألقَتْ رحلَها أمُّ قَشْعَمِ
(1)
!
فإن قيل: يؤخذَ من كلام الرازي أنه يزعم أن احتمال الامتناع العقلي قرينةٌ تُدافع ظاهرَ الخبر، فلا يلزم من القول ببطلان تلك المعاني أو بعضها تكذيبُ النصوص، ولا من القول باحتمال البطلان القولُ باحتمال الكذب.
قلت: هذا زعم باطل، كما مرَّ في الكلام على المقصد الأول من مقاصد ابن سينا. وإنما الذي يصح أن يكون قرينةً هو الامتناع العقلي نفسه إذا كان من شأنه أن لا يخفى على المخاطب. فأما احتماله فقط، فإنما هو كاحتمال عدم وقوع ما دل الخبر على وقوعه. وذلك كما لو كان في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعمى صائم في رمضان، وهو في عريش بعيد عن البيوت، فلم يدر أقد غربت الشمس أم لا؟ فبينا هو كذلك إذ مرَّ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال للأعمى: قد غربت الشمس وصلَّينا المغرب. فهل للأعمى أن يقول في نفسه: لو كنتُ بصيرًا، وأخبرني النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم هذا الخبر، وأنا أشاهد الشمس لم تغرب، لكان [2/ 318] ذلك قرينة على أن المراد بالخبر غير ظاهره، كأن يكون عنى: قد غربت أمس، أو قد قاربت الغروب؛ فعليَّ الآن أن لا آخذ بظاهر الخبر، لأن احتمال عدم الغروب اليوم قرينة؟
(1)
شطر بيت من معلقة زهير، وصدره: فشَدُّوا ولم تَفزَعْ بيوتٌ كثيرةٌ. وقد سبق التمثُّل به (ص 306).
فإن قلتَ: فإن الرازي فرَّق بين الأمور العقلية وغيرها.
قلتُ: لم يأت على ذلك بحجة، بل هو فرق باطل. ومع ذلك فإنا إذا فرضنا أن الشمس لم تكن قد غربت في ذاك اليوم، فاحتمال أن تكون قد غربت فيه ممتنعٌ عقلًا. ثم نقول للرازي: أرأيت عالمًا خرج إلى البادية فكان يخبر الناس أخبارًا ظاهرة بينة في عقائد باطلة، ويتأول في نفسه معاني صحيحة، ويقول في نفسه: القرينة على احتمال أني لم أرد الظاهر هي احتمال الامتناع العقلي، وكثَّر من ذلك جدًّا= ألا يقبح منه ذلك، ولا يأثم ولا يكفر إذا كان في أخباره ما هو ظاهر بيّن فيما هو كفر؟
وقال ابن حجر الهيتمي في «الإعلام» بهامش «الزواجر» (ج 2 ص 31): «نقل الإمام ــ يعني إمام الحرمين ــ عن الأصوليين أن من نطق بكلمة الردة وزعم أنه أضمر توريةً كفَرَ ظاهرًا وباطنًا. وأقرَّهم على ذلك» . ثم ذكر الهيتمي أن الحكم بالكفر باطنًا فيه نظر.
أقول: قولهم: «كلمة الردة» إنما يُفهم منها عند الإطلاق الكلمةُ الصريحة فيها. وقولهم: «أضمر تورية» ظاهرٌ في أن تلك التورية لا قرينة عليها، وما كان كذلك فالتلفظ به مع معرفة حاله لا يكون إلا عن تهاون شديد
(1)
. ومن المعلوم أن من كان كارهًا لشيء نافرًا عنه فإنه يتباعد عنه ما استطاع، وهذا قد تقرَّب من الردة ما استطاع، وكفى بذلك تهاونًا. ومع هذا فقد قالوا: إن الرضا
(1)
ثم رأيت في كتاب «تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي» للبقاعي (ص 23) ذكر مقالة إمام الحرمين، ثم قال:«قال الإمام الغزالي في «البسيط» بعد حكايته أيضًا عن الأصوليين: لحصول التهاون منه». ومنه (ص 66) عن الحافظ العراقي: «لا يُقبل ممن اجترأ على مثل هذه المقالات القبيحة أن يقول: أردت بكلامي هذا خلاف ظاهره. ولا نؤوِّل له كلامه، ولا كرامة! » . [المؤلف].
بالكفر كفر، ولا ريب أن ذاك الخارج إلى البادية قد رضي أن يعتقد الناس ظواهر ما أخبرهم به.
وافرضْ أن أهل البادية كانوا يسألونه عن قضايا اتفقت فيهم في الوصايا وقسمة المواريث [2/ 319] يُحتاج في معرفة مقاديرها إلى معرفة دقائق الحساب، فكان يذكر لهم مقاديرَ يعلم أنها مخالفةٌ للواقع ويُضمِر توريةً في نفسه، فيعملون بظاهر فتاواه ويحفظونها ليعملوا بها فيما يتفق بعد ذلك من أمثال تلك القضايا، وترتَّب على ذلك ظلمٌ كثيرٌ للفقراء واليتامى والأرامل، وهو يزعم أنه لم يرتكب محظورًا لإضماره التوريةَ مع احتمال الامتناع العقلي؛ لأن مسائل الحساب من أوضح المعقولات، فهل يُعذَر في ذلك؟
وافرضْ أن رجلًا عاقلًا خاطبك بكلام، فتدبرتَه ملاحظًا القرائن، فعلمتَ أن الكلام ظاهر بيِّن في معنى، وأنه لا قرينةَ تَصرِف عن ذاك المعنى، وأنه لا وجهَ لفرض أن يكون المتكلِّم عجَزَ عن البيان أو جهِل أو أخطأ= أفلا تعلم بذلك بأن المتكلم أراد أن يكون كلامه ظاهرًا بيِّنًا في ذاك المعنى، وعمل بمقتضى هذه الإرادة، فجاء بالكلام على وفقها؟ ثم إن خطر ببالك احتمالُ أن يكون أراد في نفسه معنى آخر على وجه التأويل، وأن يكون ذاك المعنى الظاهر البيِّن الذي أراد أن يكون الكلام مُفْهِمًا له ثم جاء بالكلام على وفق هذه الإرادة، غيرَ واقع= أليس معنى هذا الخاطر إنما هو احتمال أن يكون الكلام كذبًا، وأن يكون المتكلم أراد إفهام الكذب وجاء بالكلام على وفق هذه الإرادة؟
أَوَلا ترى أنه لو صحَّ ما خطر ببالك لكان تأويل المتكلم في نفسه إنما هو على أحد ثلاثة أوجه:
الأول: مثل تأويل إبراهيم عليه السلام.
الثاني: أن يكون توهَّم أنه إذا تأول في نفسه فقد برئ من معرَّة
(1)
الكذب.
الثالث: أن يكون إنما أعدَّ عذرًا حتى إذا انكشف الحال وبان كذبُه قال: إنما عنيتُ كيت وكيت.
فأما الأول وهو تأويل إبراهيم، فقد سبق أن محلَّه أن يكون الكلام قريب الاحتمال جدًّا لغير ما هو ظاهر فيه، وأن يكون المتكلم مضطرًّا إلى الإيهام، وأن يكون في ذاك الإيهام دفع مفسدة عظيمة، ولا تترتب عليه مفسدة ما. وهذه الأمور منتفية عن النصوص التي يزعم المتعمقون أن ظواهرها باطلة، كما قدمناه في الكلام على المقصد الخامس من مقاصد [2/ 320] ابن سينا. ومع ذلك فقد قدَّمنا الحجة على أن كلمات إبراهيم عليه السلام كذبات، وأنها لا تناسب مقام النبوة، فضلًا عن مقام الربوبية.
وأما الوجه الثاني، فممتنع في النصوص. كيف وقد ثبت الحكم على كلمات إبراهيم عليه السلام بأنها كذبات وخطايا، وأنها لا تناسب مقام النبوة فضلًا عن مقام الربوبية، فما بالك بما هو أشدُّ منها بدرجات كثيرة كما مرَّ؟!
وأما الوجه الثالث، فتعالى الله عز وجل وتنزه أنبياؤه عنه، إنما هو دأب الكذابين، إذا افتضح أحدهم قال: إنما عنيتُ كيت وكيت!
واعلم أن مقتضى كلام الرازي في منعه الاحتجاج البتة بالنصوص في العقائد التي لا يجزم العقلُ وحده فيها بالجواز: أنه لو كان الرازي في عهد
(1)
(ط): «معرفة» خطأ.
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قامت عنده البراهين العقلية اليقينية على أنه نبي صادق، وآمن به، ثم أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخبر يتعلق بتلك العقائد= لقال الرازي: لا يمكنني أن أعلم أن هذا المعنى الظاهر الواضح من كلامك هو مرادك، لاحتمال أن تكون أردتَ خلافه. فلو قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لم أرد إلا هذا المعنى وهو الظاهر الواضح، وهو كيت وكيت، لقال الرازي: كلامك هذا الثاني كالأول. فلو أكَّد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأقسم بآكد الأقسام لقال الرازي: لا تتعب يا رسول الله، فإن ذاك الأمر الذي دلَّ عليه خبرُك يحتمل أن يكون ممتنعًا عقلًا، وما دام كذلك فلا يمكن أن أثق بمرادك. فلو قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنه ليس بممتنع عقلًا، بل هو واقع حقًّا، لقال الرازي: لا يمكنني أن أثق بما يفهمه كلامك، مهما صرَّحتَ وحقَّقتَ وأكَّدتَ حتى يثبت عندي ببرهان عقلي أنه غير ممتنع عقلًا!
فليتدبر العاقل هل يصدر مثل هذا ممن يؤمن بأن محمدًا رسول الله، وأنه صادق في كل ما أخبر به عن الله؟ مع أن من هؤلاء من يكتفي في إثبات عدم الامتناع العقلي بأن يرى في بعض كتب ابن سينا عبارةً تصرِّح بذلك، وإن لم يكن فيها ذكر دليل عليه. فعلى هذا لو كان أحدهم مكان الرازي فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: انظر كتاب «الشفاء» ــ مثلًا ــ لابن سينا في باب كذا، فنظر فوجد تلك العبارة المصرِّحة بعدم الامتناع، لصَدَّق [2/ 321] وقال: اطمأنَّ قلبي. لكن لو قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: انظر كتاب الله تعالى في سورة كذا، فنظر فوجد آية أصرحَ من عبارة ابن سينا وأوضحَ، لَما اعتدَّ بها؛ بل لقال: حال هذه الآية كحال كلامك يا رسول الله، لأنه يحتمل عندي أن يكون هذا المعنى ممتنعًا عقلًا!
بل أقول: قضية كلامهم أنه لو وقف أحدهم بين يدي الله تعالى، وعَلِمَ يقينًا أن الذي يخاطبه هو الله تعالى، غير أنه لا يراه ولم يكن ثبت عند هذا الرجل بدليل عقلي جواز رؤية الله عز وجل في الآخرة، فقال له الله تعالى: إن المؤمنين سيرونني بأعينهم في الآخرة= لكان عندهم على الرجل أن لا يجزم بذلك، مهما تكرَّر إخبارُ الله تعالى بالرؤية وبعدم امتناعها، بل عليه أن يطالب الله عز وجل بدليل عقلي على الجواز. فلو لم يُسمِعه الله تعالى دليلًا، ورجع، فلقي رجلًا آخر، فأخبره، فذكر له الرجلُ قياسًا من مقاييسهم التي تقدَّم حالُها في الباب الأول يدل على الجواز، فنظر، فلم يتهيأ له قدحٌ فيه= لصدَّق حينئذ. وكذلك لو لم يذكر صاحبه قياسًا، ولكن أراه عبارةً لابن سينا تُصرِّح بعدم الامتناع.
فهذه قضية ذاك القول، بل هذه ثمرة التعمق، بل هذه من مقتضيات دعوى الإمامة بغير حق. بل هذه من نتائج استكراه العقل على أن يخوض فيما لم يُحِط به علمًا، ثم إذا سكن إلى شيء والتزمه كان عليه أن يهدم كل ما خالفه. بل هذه عقوبة الخروج عن الصراط المستقيم، واتباعِ غير سبيل المؤمنين، والرغبةِ عن طريق السلف الصالحين.
وفوق هذا كلِّه، فإن كثيرًا من النصوص التي ينكر المتعمقون ظواهرها كانت عقول المخاطبين الأولين تقطع بوجوب ما دل عليه بعضها، وجواز ما دل عليه الباقي، كما مرَّ في الكلام مع ابن سينا، ويأتي طرفٌ منه في مسألة الجهة وغيرها. فاحتمال الامتناع العقلي كان منتفيًا عندهم، فعلى فرض بطلان بعض تلك المعاني، يلزم أن تكون كذبًا قطعًا حتى على زعم أن احتمال الامتناع العقلي قرينة.
فإن قيل: لم يكونوا ماهرين في المعقول، فكان عليهم أن يشكُّوا في جزم عقولهم.
قلت: فعلى هذا لم يكن يلزمهم الإيمان البتة، بل على هذا لا يلزم أحدًا الإيمان؛ لأنه [2/ 322] مهما بلغ من المهارة فلا بد أن يكون فوق درجته ما هو أعلى منها. وأي باطل أبطلُ من هذا؟ وإنما الحق أن هناك قضايا فطرية يستوي في إدراكها العاقل والأعقل، وهناك قضايا يقع التفاوت فيها، ولكن يتفق أن يكون الرجل فيها أفضلَ من كثيرين كلُّهم أعقلُ منه، إما لأنه يُسِّر له من المشاهدة والتجربة والملاحظة والوجدان ما لم يُيَسَّر لهم، وإما لأنه عرضت لهم عوائق من الهوى والشبهات والاستكبار لم تعرض له.
فإن قيل: أما القضايا التي يثبت بها الشرع فكانت عند المخاطبين الأولين، بل هي عند جميع المكلفين ــ إذا لم يعاندوا أو يقصِّروا ــ بغاية الوضوح، فلم يكن عليهم أن يشكُّوا في جزم عقولهم بها. ولكنا ندعي أن القضايا التي توافق ظواهر النصوص التي ندعي بطلانها، لم تكن عندهم بغاية الوضوح، فكان عليهم أن يشكُّوا في جزم عقولهم بها فقط.
قلت: هذه دعوى باطلة، فإن من تدبَّرَ وجَدَ أن من القضايا التي تدَّعون بطلانها ما من شأنه أن يكون أوضح عندهم من بعض القضايا التي يتوقف ثبوتُ الشرع على ثبوتها، ومنها ما يكون مثلها، ومنها ما قد يكون دونها. ولكن كيف ترون عليهم أن يميِّزوا هذا التمييز الدقيق مع قولكم: إنهم لم يكونوا ماهرين؟ وهَبْ أنه كان يمكنهم ذلك، أفلم يوجب الله عز وجل عليهم اتباع الشرع ويخبرهم بأنه:{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42]؟
أفلا يكون في موافقة الشرع لعقولهم على تلك القضايا ما يَجبُر ما عسى أن يكون عندهم من الشعور بأنَّ جزم عقولهم بها ليس بغاية الوضوح؟
هذا كلُّه إبلاغٌ في إقامة الحجة، وإلا فمن المعلوم أن الذي يصلح قرينةً إنما هو الامتناع العقلي الذي من شأنه أن يدركه المخاطب.
فأما قول الرازي: «إن الله إنما يكون مُلَبِّسًا على المكلَّف لو أسمعه كلامًا يمتنع عقلًا أن يريد به إلا ما أشعَرَ به ظاهرُه» ، فجوابه يُعلَم مما يأتي:
اعلم أن للمتكلم إرادتين تتفقان تارة، وتختلفان أخرى.
فالأولى: إرادة أن يكون خبره بحسب تركيبه مع قرائنه، حقُّه أن يَفهم منه المخاطبُ [2/ 323] هذا المعنى. فإذا لم يكن من المتكلم جهل ولا خطأ ولا عجز، فلا بد أن يجيء خبره مطابقًا لهذه الإرادة.
الإرادة الثانية: إرادة المعنى، كمَن يقول:«رأيت أسدًا» فقد يريد في نفسه أسدًا حقيقيًّا، وقد يريد رجلًا شجاعًا، فإذا لم يقصد المتكلم الكذب والتلبيس فإنما يريد بهذه الإرادة ذاك المعنى الذي حقُّ الخبر أن يُفهمَ منه، فلا يختلف المعنى في الإرادتين إلا في الكذب والتلبيس، فاعرف ذلك.
فإن عنى الرازي بقوله: «
…
أن يريد به
…
» الإرادة الأولى، أو الثانية مع تسليم أنها لا تكون في كلام الله تعالى إلا موافقة للأولى، فمآل عبارته أن المكلَّف لا يمكنه القطعُ بأن المعنى الذي فهمه من الخبر هو الذي حقُّه أن يُفهَم منه.
فأقول: الرازي يخص هذه الدعوى بمطلبه الثالث حيث يحتمل الامتناع العقلي، ويعترف بحصول القطع في مطلبه الثاني، فأولى من ذلك حصوله في
مطلبه الثالث حيث يكون العقل موافقًا للشرع.
إذا تقرر هذا، فالمخاطبون الأولون كانوا يعتقدون فيما اختص بإنكاره المتعمِّقون من معاني النصوص وجوبَ بعضه عقلًا، فيحصل لهم باعتراف الرازي القطعُ في ذلك. فإما أن يلزم باعتراف الرازي الكذبُ والتلبيسُ، وإما أن تكون تلك المعاني حقًّا، وهو الحق المطلوب.
فإن قال: إنما عنيتُ بالعقل: العقل الصحيح، والمخاطبون الأولون إن اعتقدوا الوجوب العقلي أو الجواز فيما أقول بامتناعه عقلًا أو احتماله الامتناع عقلًا، فذاك خطأ منهم.
قلت: المانع عندك من القطع إنما هو احتمال الامتناع، فمن انتفى عنده احتمال الامتناع حصل له القطع. والله عز وجل قد ارتضى عقول المخاطبين الأولين وكلَّفهم بحسبها، ولم يرشدهم الشرع إلى التعمق في المعقول فيما يتعلق بالدين، بل كره لهم ذلك. فعلى فرض أنهم أخطأوا لعدم تعمقهم، فذاك خطأ لا تبِعةَ عليهم فيه البتة، بل على فرض بطلان تلك المعاني تكون التبعة على من خاطبهم خطابًا يعلم أنَّ من حقِّه بالنظر إليهم أن يفهموا منه الباطل ويقطعوا به بدون تقصير منهم.
[2/ 324] وهَبْ أن القطع لا يحصل في كل خبر، فالرازي معترف بحصول الظن القوي، وذلك اعتراف بأن تلك النصوص أو أكثرها مِنْ حقِّها أن يفهم المخاطبون الأولون منها تلك المعاني التي ينكرها المتعمقون. فإنَّه من الممتنع عادةً أن يخطئ المخاطبون الأولون ومن كان مثلهم في فهم تلك النصوص كلِّها خلافَ ما حقُّها أن يفهموه منها. وإذا ثبت هذا ثبت أن القول ببطلان تلك المعاني تكذيب لله عز وجل، ولا بدَّ.
وأيضًا فالإيقاعُ في ظن الباطل قريبٌ من الإيقاع في القطع به. ألا ترى أن الإنسان إذا أخبر صاحبَه بخبرٍ إنما يحصل لصاحبه الظنُّ لاحتمال أن يكون غلِطَ أو أخطأ أو جهِلَ أو عجَزَ أو تعمَّد الكذبَ، ومع ذلك فإنه إذا كذبَ فعليه تبعةُ الكذب.
وإن عنى الرازي بقوله: «
…
أن يريد به
…
» الإرادة الثانية على زعم أنها قد تخالف في كلام الله تعالى الأولى، فحاصل عبارته على هذا: أن الله تعالى لا يكون مُلَبِّسًا إلا إذا امتنع عقلًا أن يكون مُلَبِّسًا، وهذا لا يظهر له معنى إلا أن يكون مغزاه أن الله تعالى إنما يكون مُلبِّسًا إذا امتنع عقلًا أن يكذب. فأما إذا لم يمتنع عقلًا أن يكذِبَ فالمصدِّق له هو المقصِّر، فعلى هذا تكون منزلةُ ربِّ العالمين عند الرازي منزلةَ الرجل الذي ديدنُه الكذب. فإذا كذب على قوم، فبنَوا على خبره، فنالهم ضرر، فلاموه= كان لغيره أن يقول لهم: هذا رجلٌ من عادته الكذب، فأنتم المقصِّرون إذْ عملتم بخبره، فإن لم تعرفوا عادته فقد كان عليكم أن تتثبتوا! والرازي لا يرضى هذا المثل لنفسه، ولا لأقلِّ أصحابه، بل لا يرضى به إنسان لنفسه! {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل: 60].
وبَّخ اللهُ تعالى بهذا المشركين على قولهم: إن له سبحانه بنات، مع كراهيتهم أن تكون لهم بنات، ولا أرى المقالة السابقة إلا أكبر من هذه.
وقال تعالى في الذين قالوا: إن له سبحانه ولدًا: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف: 5].
وقال سبحانه لقائلي ذلك: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ
السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} [مريم: 89 - 90].
[2/ 325] وقد اتفق المسلمون على أنه يمتنع عقلًا أن يقع من الله تعالى كذبٌ. غاية الأمر أن أكثر الأشاعرة زعموا أن الامتناع إنما هو بواسطة إخبار الرسول به، مع امتناع أن يكذب الرسولُ.
هذا، وقد رجع الرازي ــ ولله الحمد ــ إلى الاحتجاج بالنصوص كما تقدم في الباب الأول. وإنما أشبعتُ الكلام لأن كثيرًا من الناس تبعوه في مقالاته، ولم يلتفتوا إلى رجوعه، كما يأتي عن العضد وغيره. والله المستعان.
* * * *